|
|||
(391)
الأشياء.
قال الله تعالى : يا آدم بروحي نطقت ، وبضعف طبيعتك تكلّفت ما لا علم لك به ، وأنا الخالق العليم ، بعلمي خالفت بين خلقهم ، وبمشيئتي يمضي فيهم أمري ، وإلى تدبيري وتقديري صائرون لا تبديل لخلقي ، إنّما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدوني ، وخلقت الجنّة لمن عبدني وأطاعني منهم واتّبع رسلي ولا ابالي ، وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني ولم يتّبع رسلي ولا اُبالي ، وخلقتك وخلقت ذرّيتك من غير فاقة بي إليك وإليهم ، وإنّما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم أيّكم أحسن عملاً في الدنيا ، في حياتكم وقبل مماتكم ، ولذلك خلقت الدنيا والآخرة والحياة والموت ، والطاعة والمعصية ، والجنّة والنار ، وكذلك أردت في تقديري وتدبيري وبعلمي النافذ فيهم ، خالفت بين صورهم وأجسامهم ، وألوانهم ، وأعمارهم ، وأرزاقهم ، وطاعتهم ، ومعصيتهم. فجعلت (1) منهم السعيد والشقي ، والبصير والأعمى ، والقصير والطويل ، والجميل والدميم (2) ، والعالم والجاهل ، والغني والفقير ، والمطيع والعاصي ، والصحيح 1 ـ في نسخة « س وق وض » : فخلقت. 2 ـ في نسختي « س وض » والمختصر المطبوع : الذميم ، والظاهر أنّ نقطة الذال زائدة بالقطع حيث معنى الذميم لا يلائم سياق الحديث. فالذميم له معنيان : المخاط والبول الذي يذمّ ويدنّ من قضيب التيس ، وكذلك اللبن من أخلاف الشاة ، وله أيضاً : شيء يخرج من مسام المارن كبيض النمل. الصحاح 5 : 1925. وفي نسخة « ق » : الأبلج ، وهذا أيضاً لا يتلاءم مع بلاغة الحديث ، فمعنى الأبلج : مشرق الوجه كما في الصحاح 1 : 300 ـ بلج ، فهو والجميل يصبحان في معنى واحد ، وترى الحديث يذكر المتناقضات. وما أثبتناه في المتن إن شاء الله هو الصحيح. فالدميم : القبيح. الصحاح 5 : 1921 ـ دمم. (392)
والسقيم ، ومن به الزمانة ومن لا عاهة به.
فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة فيحمدني على عافيته ، وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن اُعافيه ، ويصبر على بلائي فاُنيله (1) جزيل عطائي. وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني ، وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني. وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته ، فلذلك خلقتهم لأبلوهم في السرّاء والضرّاء ، وفيما اُعافيهم ، وفيما أبتليهم ، وفيما اُعطيهم ، وفيما أمنعهم. وأنا الله الملك القادر ولي أن أمضي جميع ما قدّرت على ما دبّرت ، ولي أن اُغيّر من ذلك ما شئت لما شئت ، واُقدّم من ذلك ما أخرّت ، واُؤخّر من ذلك ما قدّمت. وأنا الله الفعّال لما اُريد ، لا أسأل عمّا أفعل ، وأنا أسأل خلقي عمّا هم فاعلون » (2). [ 445/7 ] وبالإسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) : « إنّ بعض قريش قال لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بأيّ شيء سبقتَ الأنبياء ( عليهم السلام ) وأنت بُعثت آخرهم وخاتمهم ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إنّي كنت أوّل من آمن بربّي ، وأوّل من أجاب حيث أخذ الله 1 ـ في الكافي : فاُثيبه. 2 ـ الكافي 2 : 8/20 ، وأورده الصدوق باختلاف في علل الشرائع : 10/4. (393)
ميثاق النبيّين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم ، فكنت أنا أوّل نبيّ قال بلى ، فسبقتهم بالإقرار بالله عزّ وجلّ » (1).
[ 446/8 ] وبالإسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن عبدالله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : جعلت فداك إنّي لأرى بعض أصحابنا يعتريه النزق (2) والحدّة والطيش ، فأغتمّ لذلك غمّا شديداً ، وأرى من خالفنا فأراه حسن السمت ، قال : « لا تقل حسن السمت ، فإنّ السمت سمت الطريق ، ولكن قل حسن السيماء ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول ( سيماهم في وجوههم ) (3) قال : قلت له : فأراه حسن السيماء ، له وقار فأغتمّ لذلك. فقال ( عليه السلام ) : « لا تغتمّ لما رأيت من نزق أصحابك ، ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك ، إنّ الله تعالى لمّا أراد أن يخلق آدم ( عليه السلام ) خلق تلك الطينتين ثمّ فرّقهما فرقتين ، فقال لأصحاب اليمين : كونوا خلقاً بإذني ، فكانوا خلقاً بمنزلة الذرّ يدرج ، ثمّ رفع لهم ناراً ، فقال : اُدخلوها بإذني ، فكان أوّل من دخلها محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ اتّبعه اُولوا العزم من الرسل وأوصياؤهم وأتباعهم. ثمّ قال لأصحاب الشمال : اُدخلوها بإذني ، فقالوا : ربّنا خلقتنا لتحرقنا ؟ فعصوا ، فقال لأصحاب اليمين : اُخرجوا من النار بإذني ، فخرجوا لم تُكِلم (4) النار منهم كلماً ، ولم تؤثّر فيهم أثراً ، فلمّا رآهم أصحاب الشمال ، قالوا : ربّنا نرى أصحابنا 1 ـ الكافي 1 : 441/6 و2 : 10/1 ، وأورده الصفّار في البصائر : 83/2 ، والصدوق في علل الشرائع : 124/1. 2 ـ النزق : الخفّة عند الغضب. القاموس المحيط 3 : 285 ـ نزق. 3 ـ الفتح 48 : 29. 4 ـ تُكِلم : أي تجرح. الصحاح 5 : 2023 ـ كلم. (394)
قد سلموا فأقلنا ومُرنا بالدخول ، قال : قد أقلتكم فادخلوها ، فلمّا دنوا وأخذهم (1) الوهج رجعوا ، وقالوا : يا ربّنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا.
وأمّا أصحاب اليمين فأمرهم بالدخول ثلاثاً كلّ ذلك يطيعون ويخرجون ، وأمر اُولئك ثلاثاً كلّ ذلك يعصون ويرجعون ، فقال لهم : كونوا طيناً بإذني ، فخلق منهم آدم ( عليه السلام ). قال : فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ، ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ، وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم فممّا أصابهم من لطخ أصحاب الشمال ، وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فممّا أصابهم من لطخ أصحاب اليمين » (2). [ 447/9 ] وبالإسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن (3) ، عن علي بن إسماعيل ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن سعدان بن مسلم ، عن صالح بن سهل (4) عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « سئل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأيّ شيء سبقت ولد آدم ؟ قال : إنّي أول من أقرّ بربّي ، إنّ الله عزّ وجلّ أخذ ميثاق النبيّين ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى ) (5) فكنت أوّل من أجاب » (6). 1 ـ في الكافي : وأصابهم. 2 ـ الكافي 2 : 11/2 ، وأورده الصدوق في علل الشرائع : 83/5. 3 ـ في نسخة « ق » والكافي : محمّد بن الحسين. 4 ـ صالح بن سهل : هو الهمداني ، الكوفي الأصل كما قاله البرقي والطوسي ، وقد عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر والصادق ( عليهما السلام ) ، واقتصر البرقي على الإمام الصادق ( عليه السلام ). رجال البرقي : 27 ، رجال الطوسي : 126/5 و221/46. 5 ـ الأعراف 7 : 172. 6 ـ الكافي 2 : 12/3 ، وأورده الصفّار في بصائر الدرجات : 86/12. (395)
[ 448/10 ] وبالإسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : كيف أجابوا وهم ذرّ؟ قال : « جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه ـ يعني في الميثاق ـ » (1).
[ 449/11 ] وبالإسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) (2) ما تلك الفطرة ؟ قال : « هي الإسلام ، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد ، قال ( ألست بربّكم ) (3) وفيه المؤمن والكافر » (4). [ 450/12 ] وبالإسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى ) (5) الآية ، قال : « أخرج من ظهر آدم ذريّته إلى يوم القيامة ، فخرجوا كالذرّ فعرّفهم وأراهم نفسه ، ولولا ذلك لم يعرف أحدٌ ربّه جلّ وعزّ » (6). 1 ـ الكافي 2 : 12/1 ـ باب كيف أجابوا وهم ذر ، وأورده العياشي في تفسيره 2 : 37/104. 2 ـ الروم 30 : 30. 3 ـ الأعراف 7 : 172. 4 ـ الكافي 2 : 12/2 ، وأورده الصدوق في التوحيد : 329/3. 5 ـ الأعراف 7 : 172. 6 ـ الكافي 2 : 13/ قطعة من حديث 4 ، وأورده الصدوق في التوحيد : 330/ قطعة من حديث 9 ، وفيه : وأراهم صنعه ، بدل : وأراهم نفسه. (396)
نقول : صدق ( عليه السلام ) أنّ الرؤية تطلق على معنيين : رؤية القلب بمعنى اليقين ، وعدم الشكّ ، وتطلق أيضاً على البصر بالعين ، وهذا منفي عنه بقوله سبحانه وتعالى ( ولا يحيطون به علماً ) (1) ومن أدركه ببصر العين فقد أحاط به العلم ، فيكون المعنى الأوّل هو المراد هنا خاصّة.
[ 451/13 ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي بن بابويه ( رحمه الله ) قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبدالرحمن المقري ، قال : حدّثنا أبو عمرو محمّد بن جعفر المقري الجرجاني ، قال : حدّثنا أبو بكر محمّد بن الحسن (2) الموصلي ببغداد ، قال : حدّثني محمّد بن عاصم الطريفي ، قال : حدّثنا أبو زيد عيّاش بن زيد بن الحسن بن علي الكحّال مولى زيد بن علي ، قال : حدّثني أبي زيد بن الحسن ، قال : حدّثني موسى بن جعفر صلّى الله عليهما ، قال : قال الصادق صلّى الله عليه : « من صلّى على النبي وآله (3) فمعناه أنّي أنا على الميثاق والوفاء الذي قبلت حين قوله تعالى ( ألست بربّكم قالوا بلى ) (4) » (5). [ 452/14 ] وبالإسناد عن الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه رفعه إلى الصادق ( عليه السلام ) قال : « إنّ الله تبارك وتعالى آخى بين الأرواح في الأظلّة ، قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام ، فلو قد قام قائمنا أهل البيت ورّث الأخ الذي آخى بينهما 1 ـ طه 20 : 110. 2 ـ في نسخة « س » والمطبوع : الحسين. بدل : الحسن. 3 ـ وآله ، لم ترد في المعاني. 4 ـ الأعراف 7 : 172. 5 ـ معاني الأخبار : 115/1 ، وعنه في البحار 94 : 54/25. (397)
في الأظلّة ، ولم يورّث الأخ من الولادة » (1).
[ 453/15 ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي بن بابويه ( رحمه الله ) ، قال : حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن محمّد بن اسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا جذعان بن نصر أبو نصر الكندي ، قال : حدّثني سهل بن زياد الآدمي ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن داود الرقّي ، قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن قوله عزّ وجلّ ( وكان عرشه على الماء ) (2) فقال لي : « ما يقولون في ذلك ؟ » قلت : يقولون : إنّ العرش كان على الماء والربّ فوقه ، فقال : « كذبوا ، من زعم هذا فقد صيّر الله محمولاً ، ووصفه بصفة المخلوق ، ولزمه أنّ الشيء الذي يحمله أقوى منه ». قلت : بيّن لي جُعلت فداك ، فقال : « إنّ الله عزّ وجلّ حمل دينه وعلمه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء ، أو جنّ أو إنس ، أو شمس أو قمر ، فلمّا أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه ، فقال لهم : من ربّكم ؟ فكان أوّل من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمّة صلوات الله عليهم ، فقالوا : أنت ربّنا ، فحمّلهم العلم والدين. ثمّ قال للملائكة : هؤلاء حملة علمي وديني ، واُمنائي في خلقي وهم المسؤولون (3) ، ثمّ قيل لبني آدم : أقرّوا لله بالربوبيّة ولهؤلاء النفر بالطاعة ، فقالوا : نعم ربّنا أقررنا ، فقال للملائكة : اشهدوا ، فقالت الملائكة : ( شهدنا على أن لا يقولوا غداً 1 ـ من لا يحضره الفقيه 4 : 254/820 ، وأورده أيضاً في الهداية : 343 ـ باب نادر ، وفي الاعتقادات : 48 ـ ضمن مصنفات المفيد ج 5. 2 ـ هود 11 : 7. 3 ـ في نسختي « ض وق » : المسلّمون. (398)
إنّا كنّا عن هذا غافلين ، أو يقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذريّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) (1) ، يا داود ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق » (2).
[ 454/16 ] وبالإسناد عن محمّد بن علي بن بابويه ( رحمه الله ) قال : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، قال : حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) (3) ما تلك الفطرة ؟ قال : « هي الإسلام ، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد ، فقال ( ألست بربّكم ) (4) وفيه المؤمن والكافر » (5). [ 455/17 ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي بن بابويه ( رحمه الله ) ، عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : أصلحك الله قول الله عزّ وجلّ في كتابه ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) (6) قال : « فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفة أنّه ربّهم » قلت : وعاينوه (7) ، قال : فطأطأ رأسه ، ثمّ قال : « لولا ذلك لم 1 ـ اقتباس من آية 172 و173 من سورة الأعراف. 2 ـ التوحيد : 319/1. 3 ـ الروم 30 : 30. 4 ـ الأعراف 7 : 172. 5 ـ التوحيد : 329/3 ، وأورده الكليني في الكافي 2 : 12/2. 6 ـ الروم 30 : 30. 7 ـ في التوحيد : وخاطبوه. (399)
يعلموا مَن ربّهم ولا مَن رازقهم » (1).
نقول : صدق ابن رسول الله ( عليه السلام ) ومعناه ما قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه لمّا قال له رجل : أرأيت ربّك يا أمير المؤمنين ؟ قال ( عليه السلام ) : « لم أكن أعبد ربّاً لم أره » قال : وكيف رأيته ؟ قال : « لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان » (2). [ 456/18 ] وبالإسناد عنه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن هاشم ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد جميعاً عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( حنفاء لله غير مشركين به ) (3) وعن الحنيفية ، فقال : « هي الفطرة التي فطر الناس عليها » ( لا تبديل لخلق الله ) (4) قال : « فطرهم الله على المعرفة به ». قال زرارة : وسألته عن قول الله عزّ وجلّ ( وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ) (5) الآية ، قال ( عليه السلام ) : « أخرج من ظهر آدم ذرّيته إلى يوم القيامة ، فخرجوا كالذرّ فعرّفهم وأراهم نفسه (6) ، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربّه ». 1 ـ التوحيد : 330/8. 2 ـ أورده الخزّاز في كفاية الأثر : 261 ، ضمن حديث ، وباختلاف الصدوق في أماليه : 352/4 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) مع رجل من الخوارج ، والمفيد في الإرشاد 1 : 225 ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ضمن حديث ، وكذلك الطبرسي في الاحتجاج 1 : 493/123. 3 ـ الحج 22 : 31. 4 ـ الروم 30 : 30. 5 ـ الأعراف 7 : 172. 6 ـ في التوحيد والكافي : صنعه. (400)
وقال : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كلّ مولود يولد على الفطرة ، يعني على المعرفة ، بأنّ الله عزّ وجلّ خالقه ، فذلك قوله ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله ) (1) » (2).
[ 457/19 ] ومن كتاب أبي جعفر محمّد بن علي الشلمغاني بإسناده إلى أبي هاشم ، قال : كنت عند أبي محمّد ( عليه السلام ) ـ يعني العسكري ـ فسأله محمّد بن صالح الأرمني عن قول الله عزّ وجلّ ( وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا ) (3) فقال أبو محمّد ( عليه السلام ) : « ثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ، ولا من رازقه » (4). [ 458/20 ] وبالإسناد إلى أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، قال : أخبرنا عدّة من أصحابنا ، عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ومحمّد بن الحسين ، عن سعد بن عبدالله ، عن المعلّى بن محمّد البصري ، قال : حدّثنا أبو الفضل المدنّي (5) ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن المنهال بن عمرو (6) ، عن زرّ بن حبيش ، عن أمير المؤمنين صلوات 1 ـ لقمان 31 : 25 ، الزمر 39 : 38. 2 ـ التوحيد : 330/9 ، وأورده الكليني في الكافي 2 : 12/9. 3 ـ الأعراف 7 : 172. 4 ـ أورده البرقي في المحاسن 1 : 376/228 ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، والصدوق في علل الشرائع : 117/1 ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، والقمّي في تفسيره 1 : 248 ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ). 5 ـ في البصائر : المدايني. 6 ـ المنهال بن عمرو : هو ابن عمرو الأسدي ، مولاهم كوفي ، روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبدالله ( عليهم السلام ) ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الحسين والسجّاد والباقر والصادق ( عليهم السلام ) ، واقتصر البرقي على الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ). توفّي سنة بضع عشرة ومائة. رجال الشيخ : 79/ و101/3 و138/60 و313/537 ، رجال البرقي : 8 ، سير أعلام النبلاء 5 : 184/64. (401)
الله عليه قال : سمعته يقول : « إنّ العبد إذا اُدخل حفرته أتاه ملكان اسمهما منكر ونكير ، فأوّل ما يسألانه عن ربّه ثمّ عن نبيّه ، ثمّ عن وليّه ، فإن أجاب نجا ، وإن لم يجب عذّباه » فقال له رجل : فما حال من عرف ربّه ونبيّه ولم يعرف وليّه ؟ فقال : « مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ( ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً ) (1) فذلك لا سبيل له.
وقد قيل للنبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : من الوليّ يا نبيّ الله ؟ فقال : وليّكم في هذا الزمان عليّ ( عليه السلام ) ومن بعده وصيّه ، ولكلّ زمان عالم يحتجّ الله به لئلاّ يقول كما قال الضلاّل قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم ( ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتّبع آياتك من قبل أن نذلّ ونخزى ) (2) بما كان من ضلالتهم وهي جهالتهم بالآيات وهم الأوصياء ، فأجابهم الله عزّ وجلّ ( قل كلّ متربّص فتربّصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ) (3) وإنّما كان تربّصهم أن قالوا : نحن في سعة من معرفة الأوصياء حتى نعرف إماماً ، فعيّرهم (4) الله بذلك. فالأوصياء هم أصحاب الصراط وقوفاً عليه ، لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم 1 ـ النساء 4 : 88 و143. 2 ـ طه 20 : 134. 3 ـ طه 20 : 135. 4 ـ في البصائر : فعرّفهم. (402)
وعرفوه ، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وأنكروه ، لأنّهم عرفاء الله عرّفهم عليهم عند أخذه المواثيق عليهم ، ووصفهم في كتابه فقال عزّ وجلّ ( وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاًّ بسيماهم ) (1) وهم الشهداء على أوليائهم ، والنبيّ ( صلى الله عليه وآله ) الشهيد عليهم ، أخذ لهم مواثيق العباد بالطاعة ، وأخذ النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليهم الميثاق بالطاعة ، فجرت نبوّته عليهم ، وذلك قول الله عزّ وجلّ ( فكيف إذا جئنا من كلّ اُمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً * يومئذ يودّ الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً ) (2) » (3).
[ 459/21 ] ورويت بالطريق المذكور عن محمّد بن الحسن الصفّار ( رحمه الله ) ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن الهيثم ، عن أبيه ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول : « إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ثلاث : نبيّ مرسل ، أو ملك مقرّب ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. ثمّ قال : يا أبا حمزة ألا ترى أنّه اختار لأمرنا من الملائكة : المقرّبين ، ومن النبيّين : المرسلين ، ومن المؤمنين : الممتحنين » (4). [ 460/22 ] محمّد بن الحسن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أبي عبدالله البرقي ، عن ابن سنان أو غيره يرفعه إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « إنّ حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ صدور منيرة ، وقلوب سليمة ، وأخلاق حسنة ، إنّ الله تعالى 1 ـ الأعراف 7 : 46. 2 ـ النساء 4 : 41 ـ 42. 3 ـ بصائر الدرجات : 498/9 ، وتقدّم برقم 153 من هذا الكتاب. 4 ـ بصائر الدرجات : 25/19 و28/9. (403)
أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بني آدم حيث يقول عزّ وجلّ ( وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم ) (1) فمن وفى لنا وفى الله له بالجنّة ، ومن أبغضنا ولم يؤدّ إلينا حقّنا ففي النار خالداً مخلّداً » (2).
[ 461/23 ] وبالإسناد عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن داود العجلي ، عن زرارة ، عن حمران ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « إنّ الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق ، خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً اُجاجاً ، فامتزج الماءان ، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً ، فقال لأصحاب اليمين ـ وهم كالذرّ يدبّون ـ : إلى الجنّة بسلام ، وقال لأصحاب الشمال ـ وهم كالذر يدبّون ـ : إلى النار ولا اُبالي. ثمّ قال ( ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ) (3) ثمّ أخذ الميثاق على النبيّين فقال ( ألست بربّكم ). ثمّ قال : وإنّ هذا محمّداً رسول الله وعليّاً أمير المؤمنين ( قالوا : بلى ، فثبتت لهم النبوّة ، وأخذ الميثاق على اُولي العزم ألا أنّي ربّكم ومحمّد رسولي وعلي أمير المؤمنين ) (4) وأوصياؤه من بعده ولاة أمري ، وخزّان علمي ، وأنّ المهدي أنتصر به لديني ، واُظهر به دولتي ، وأنتقم به من أعدائي ، واُعبد به طوعاً وكرهاً ، قالوا : أقررنا يا ربّ وشهدنا ، ولم يجحد آدم ولم يقر ، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ، ولم 1 و 3 ـ الأعراف 7 : 172. 2 ـ بصائر الدرجات : 25/20. 4 ـ ما بين القوسين لم يرد في نسخة « س ». (404)
يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله جلّ وعزّ ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً ) (1) قال : إنّما يعني فترك.
ثمّ أمر ناراً فاُجّجت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها فهابوها ، وقال لأصحاب اليمين : ادخلوها ، فدخلوها فكانت عليهم برداً وسلاماً ، فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا ، فقال : أقلتكم ، اذهبوا فادخلوها فهابوها ، فثمّ ثبتت الطاعة والمعصية والولاية » (2). [ 462/24 ] محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن موسى ، عن علي بن حسّان ، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في قوله عزّ وجلّ ( وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشهدهم على أنفسهم ) (3) قال : « أخرج الله من ظهر آدم ذريّته إلى يوم القيامة وهم كالذرّ ، فعرّفهم نفسه ، ولولا ذلك لم يعرف أحدٌ ربّه ، وقال ( الست بربكم قالوا بلى ) وإنّ هذا محمّداً رسولي وعلياً أمير المؤمنين خليفتي وأميني » (4). [ 463/25 ] محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، عن سليمان الجعفري ، قال : كنت عند أبي الحسن ( عليه السلام ) ، فقال : « يا سليمان اتّق فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله » فسكتّ حتى أصبت خلوة ، فقلت : جعلت فداك سمعتك تقول : « اتق فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله » قال : « نعم يا سليمان إنّ الله خلق المؤمنين من نوره ، 1 ـ طه 20 : 115. 2 ـ بصائر الدرجات : 70/2 ، وأورده الكليني في الكافي 2 : 8/1. 3 ـ الأعراف 7 : 172. 4 ـ بصائر الدرجات : 71/6 ، وأورده فرات الكوفي في تفسيره : 148/186 ، بزيادة في آخره. (405)
وصبغهم في رحمته ، وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية ، فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه واُمّه ، أبوه النور ، واُمّه الرحمة ، وإنّما ينظر بذلك النور الذي خلق منه » (1).
[ 464/26 ] محمّد بن الحسن الصفّار ، عن الحسن بن علي ، عن إبراهيم ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « إنّ الله عزّ وجلّ جعل لنا شيعة فجعلهم من نوره ، وصبغهم في رحمته ، وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية ( على معرفته يوم عرّفهم نفسه ) (2) ، فهو المتقبّل من محسنهم ، والمتجاوز عن مسيئهم ، من لم يلق الله بما هو عليه لم يتقبّل منه حسنة ، ولم يتجاوز عنه سيّئة » (3). [ 465/27 ] محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن اسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن عبدالله بن محمّد الجعفي ، ( عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وعن عقبة ) (4) ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « إنّ الله عزّ وجلّ خلق الخلق ، فخلق من أحب ممّا أحب ، وكان ما أحب أن يخلقه من طينة الجنّة ، وخلق من أبغض ممّا أبغض ، وكان ما أبغض أن يخلقه من طينة النار ، ثمّ بعثهم في الظلال » قال ، قلت : أي شيء الظلال ؟ قال : « ألم تر ظلّك في الشمس شيء وليس بشيء. ثمّ بعث فيهم النبيّين يدعونهم إلى الإقرار بالله وهو قوله ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله ) (5) ثم دعاهم إلى الإقرار بالنبيّين ، فأقرّ بعضهم وأنكر بعضهم ، ثمّ 1 ـ بصائر الدرجات : 79/1. 2 ـ في نسخة « س » : يوم عرفهم نفسه على معرفته. بدل ما بين القوسين ، ولم ترد الجملة في نسخة « ق ». 3 ـ بصائر الدرجات : 80/3. 4 ـ ما بين القوسين لم يرد في نسخة « س ». 5 ـ الزخرف 43 : 87. |
|||
|