مختصر البصائر ::: 496 ـ 510
(496)
شديد ، ليس شأنه إلاّ القتل ، لا يستتيب أحداً ، ولا تأخذه في الله لومة لائم » (1).
    [ 559/52 ] من كتاب علل الشرائع للصدوق محمّد بن علي ( رحمه الله ) : حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد بن أبي القاسم عمّه ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن محمّد بن سليمان ، عن داود بن النعمان (2) ، عن عبدالرحيم القصير ، قال قال لي أبو جعفر ( عليه السلام ) : « أما لو قد قام قائمنا لقد رُدّت إليه الحميراء ، حتى يجلدها الحد ، وحتى ينتقم ( لابنة محمّد ) (3) فاطمة ( عليها السلام ) منها » قلت : جعلت فداك وَلِمَ يجلدها الحد ؟ قال : « لفريتها على اُمّ إبراهيم » قلت : فكيف أخّره الله للقائم صلوات الله عليه ؟ فقال : « لأنّ الله تبارك وتعالى بعث محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) رحمة للعالمين ويبعث القائم ( عليه السلام ) نقمة (4) » (5).
    [ 560/53 ] ومن كتاب الغيبة للنعماني : أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن
1 ـ الغيبة للنعماني : 234/22 ، وعنه في البحار 52 : 348/99.
2 ـ داود بن النعمان : مولى بني هاشم ، أخو علي بن النعمان ، روى عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) وقيل : أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، ووصفه الشيخ بالانباري ، وقال الكشي : قال حمدويه عن أشياخه قالوا : داود بن النعمان خيّر فاضل ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق والرضا ( عليهما السلام ).
رجال النجاشي : 159/419 ، رجال الكشي : 612/1141 ، رجال الطوسي : 191/23 و375/3.
3 ـ في نسختي « س وض » : لاُمّه.
4 ـ المراد من قوله ( عليه السلام ) : « نقمة » أي ينتقم من كلّ ظالم ظلم حقّ محمّد وآل محمّد صلوات الله عليه وعليهم ، ومن كلّ قاتل لهم ، فمن ألقابه روحي فداه « المنتقم » وإلاّ فهو رحمة للموالين والمحبّين له ولآبائه ، والمتبرئين من أعدائه وأعداء آبائه ( عليهم السلام ).
5 ـ علل الشرائع : 579/10 ، وعنه في البحار 51 : 314/9.


(497)
عقدة ، قال : حدّثنا محمّد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الأشعري وسعدان بن إسحاق بن سعيد وأحمد بن الحسين بن عبدالملك الزيّات ومحمّد بن أحمد بن الحسين (1) القطواني ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن ثابت ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي ( عليه السلام ) يقول : « والله (2) ليملكنّ رجل منّا أهل البيت ثلاثمائة سنة وتزداد تسعاً » قال : قلت له : متى يكون ذلك ؟ فقال : « بعد موت القائم صلوات الله عليه » فقلت : وكم يقوم القائم في عالمه حتى يموت ؟ فقال : تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته » (3).
    [ 561/54 ] ومنه أيضاً : أخبرنا محمّد بن همام ، قال : حدّثنا أحمد بن ما بنداذ (4) وعبدالله بن جعفر الحميري ، قالا : حدّثنا أحمد بن هلال ، قال : حدّثني الحسن بن محبوب الزرّاد ، قال : قال لي الرضا ( عليه السلام ) : « يا حسن إنّه ستكون فتنة صمّاء صيلم ، يذهب فيها كلّ وليجة وبطانة ـ وفي رواية : يسقط فيها كلّ وليجة وبطانة ـ وذلك عند فقدان الشيعة ( الرابع من ولدي ) (5) ، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء ، كم من
1 ـ في المصدر : الحسن ، وما في البحار عنه مطابق للمتن.
2 ـ لم يرد لفظ الجلالة في نسخة « س » والمختصر المطبوع.
3 ـ الغيبة للنعماني : 331/3 ، وعنه في البحار 52 : 298/61 ، وأورده المفيد في الاختصاص : 257 صدر الحديث.
4 ـ في نسخة « س » : بندار ، وفي « ض » : بنداذ.
5 ـ في المختصر المطبوع ص 214 ، ونسخة « ض » والمصدر : الثالث من ولدي.
وفي نسخة « ق » : الثاني عشر من الأئمّة ، وما في المتن مثبت من نسخة « س » ، وعلى هذا يكون هو الرابع من ولد الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، والذي يدلّ على صحة ما أثبتناه في المتن هنا وفي الحديث المتقدّم برقم 108 ، هو ما في نسخة « ق » وتتمّة الحديث حيث يقول ( عليه السلام ) : « بأبي واُميّ سميّ جدّي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران » وهذه الصفات لا تنطبق إلاّ على الإمام المنتظر الغائب عجّل الله فرجه.


(498)
مؤمن ومؤمنة متأسّف متلهّف حيران حزين لفقده » ثمّ أطرق ، ثمّ رفع رأسه وقال : « بأبي واُميّ سميّ جدّي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران ( عليه السلام ) ، عليه جلابيب النور تتوقّد من شعاع ضياء القدس.
    كأنّي بهم آيس (1) ما كانوا ، قد نودوا نداءً يسمعه من بالبعد كما يسمعه من بالقرب ، يكون رحمة على المؤمنين ، وعذاباً على الكافرين ».
    قلت : بأبي واُمّي أنت ما ذلك النداء ؟ قال : ثلاثة أصوات في رجب :
    أولها : ألا لعنة الله على الظالمين.
    والثاني : أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين.
    والثالث : يرون بدناً (2) بارزاً مع قرن الشمس ، ( ينادي ألا إنّ الله قد بعث فلاناً (3) على هلاك الظالمين ، فعند ذلك يأتي المؤمنين الفرج ، ويشفي الله صدورهم ، ويذهب غيظ قلوبهم » (4).
    قوله ( عليه السلام ) : « يرون بدناً بارزاً مع قرن الشمس » ) (5) قد مضى فيما تقدّم من الروايات أنّ مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذي يراه الخلق بارزاً مع الشمس في غير حديث ، والحمد لله على هداه وما بكم من نعمة فمن الله.
1 ـ في نسخة « س » : آنس.
2 ـ في المصدر : يداً.
3 ـ في نسخة « ق » : فلان بن فلان.
4 ـ الغيبة للنعماني : 180/28 ، وعنه في البحار 52 : 290/ ذيل ح28. وتقدم برقم 108.
5 ـ ما بين القوسين سقط من المختصر المطبوع.


(499)
تتمّة
ما تقدّم من أحاديث الذرّ (*)
    [ 562/1 ] من كتاب علل الشرائع تأليف محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي ( رحمه الله ) ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن جعفر بن بشير ، عن الحسين بن أبي العلاء (1) ، عن حبيب ، قال : حدّثني الثقة عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « إنّ الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق العباد وهم أظلّة قبل الميلاد ، فما تعارف من الأرواح إئتلف ، وما تناكر منها اختلف » (2).
    [ 563/2 ] وبهذا الإسناد : عن حبيب ، عمّن رواه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : « ما تقولون في الأرواح أنّها جنود مجنّدة ، فما تعارف منها إئتلف ، وما تناكر منها اختلف ؟ » قال : فقلت. إنّا لنقول ذلك.
    قال : « فإنّه كذلك ، إنّ الله عزّ وجلّ أخذ من العباد ميثاقهم وهم أظلّة قبل
* ـ تقدّمت أحاديث الذر برقم حديث 439 ـ 507.
1 ـ الحسين بن أبي العلاء : الخفّاف أبو علي ، مولى بني أسد ، وقال أحمد بن الحسين : هو مولى بني عامر وأخواه علي وعبدالحميد روى الجميع عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، وكان الحسين أوجههم.
عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الباقر والصادق ( عليهما السلام ).
2 ـ رجال النجاشي : 52/117 ، رجال البرقي : 15 و26 ، رجال الطوسي : 115/18 و169/59.
3 ـ علل الشرائع : 84/1 ـ باب 79 ، وعنه في البحار 5 : 241/25 و61 : 139/18.


(500)
الميلاد وهو قوله عزّ وجلّ ( وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ) (1) إلى آخر الآية.
    قال : فمن أقرّ له يومئذ جاءت إلفته هاهنا ، ومن أنكره يومئذ جاء خلافه هاهنا » (2).
    [ 564/3 ] ومنه : أبي ( رحمه الله ) قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : كنّا عنده فذكر رجلاً من أصحابنا ، فقلنا : فيه حدّة ، فقال : « من علامة المؤمن أن تكون فيه حدّة » قال : فقلنا له : إنّ عامّة من أصحابنا فيهم حدّة ، فقال ( عليه السلام ) : « إنّ الله تبارك وتعالى في وقت ماذرأهم أمر أصحاب اليمين ـ وهم أنتم ـ أن يدخلوا النار ، فدخلوها فأصابهم وهجها ، فالحدّة من ذلك الوهج.
    وأمر أصحاب الشمال ـ وهم مخالفوكم ـ أن يدخلوا النار فلم يدخلوها ، فمن ثمّ لهم سمت ولهم وقار » (3).
    [ 565/4 ] ومنه : أبي ( رحمه الله ) ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن ابن بكير (4) ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن قول الله عزّ وجلّ ( وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربّكم قالوا بلى ) (5) قال ( عليه السلام ) : « ثبتت المعرفة ونسوا الموقف
1 و 5 ـ الأعراف 7 : 172.
2 ـ علل الشرائع : 84/2 ، وعنه في البحار 5 : 241/26 و61 : 139/19.
3 ـ علل الشرائع : 85/1 ـ باب 80 ، وعنه في البحار 5 : 241/27.
4 ـ في نسخة « س » : عن بكير.


(501)
وسيذكرونه يوماً ، ولولا ذلك لم يدر أحدٌ مَن خالقه ولا مَن رازقه » (1).
    [ 566/5 ] ومنه : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، قال : حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن داود الرقّي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « لمّا أراد الله أن يخلق الخلق خلقهم ونشرهم (2) بين يديه ، ثمّ قال لهم : من ربّكم ، فأوّل من نطق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين ، فقالوا : أنت ربّنا ، فحمّلهم العلم والدين ، ثمّ قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي ، واُمنائي في خلقي ، وهم المسؤلون.
    ثمّ قيل لبني آدم أقرّوا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة والولاية ، فقالوا : نعم ربّنا أقررنا ، فقال الله جلّ جلاله للملائكة : اشهدوا ، فقالت الملائكة : شهدنا على أن لا يقولوا غداً ( إنّا كنّا عن هذا غافلين ) (3) أو يقولوا ( إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) (4) يا داود ولايتنا (5) مؤكدة عليهم في الميثاق » (6).
    [ 567/6 ] ومنه : أبي ( رحمه الله ) ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد ، عن
1 ـ علل الشرائع : 117/1 ـ باب 97 ، وعنه في البحار 5 : 243/32.
2 ـ في نسختي « س وض » : ونثرهم.
3 ـ الأعراف 7 : 172.
4 ـ الأعراف 7 : 173.
5 ـ في العلل : الأنبياء.
6 ـ علل الشرائع : 118/2 ، وعنه في البحار 5 : 244/33.


(502)
محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبدالله بن محمّد الجعفي (1) وعقبة جميعاً عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : « إنّ الله عزّ وجلّ خلق الخلق ، فخلق من أحبّ ممّا أحبّ ، وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنّة ، وخلق من أبغض ممّا أبغض ، وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ، ثمّ بعثهم في الظلال » فقلت : وأي شيء الظلال ؟ فقال : « ألم تر إلى ظلّك في الشمس شيء وليس بشيء ؟
    ثمّ بعث فيهم النبيّين فدعوهم إلى الإقرار بالله ، وهو قوله تعالى ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله ) (2) ثمّ دعوهم إلى الإقرار بالنبيّين فأنكر بعض وأقرّ بعض ، ثمّ دعوهم إلى ولايتنا فأقرّ بها والله من أحب ، وأنكرها من أبغض ، وهو قوله عزّ وجلّ ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل ) (3) ثمّ قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : كان التكذيب ثمّ » (4).
    [ 568/7 ] ومنه : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، عن أحمد بن يحيى بن زكريّا أبو العباس القطّان ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبدالله بن زاهر ، قال : حدّثني أبي ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، قال : قلت لأبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق ( عليه السلام ) : لِمَ صار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
1 ـ عبدالله بن محمّد الجعفي : عدّه الشيخ من أصحاب الإمام السجّاد والباقر والصادق ( عليهم السلام ) ، واقتصر البرقي على الإمام الباقر ( عليه السلام ).
رجال الطوسي : 98/30 و127/8 و225/44 ، رجال البرقي : 10.
2 ـ الزخرف 43 : 87.
3 ـ يونس 10 : 74.
4 ـ علل الشرائع : 118/2 ، وعنه في البحار 5 : 244/34 ، وأورده الصفّار في بصائر الدرجات : 80/1. وثَمَّ بمعنى هناك في عالم الذر.


(503)
قسيم الجنّة والنار ؟ قال : « لأنّ حبّه إيمان وبغضه كفر ، وإنّما خلقت الجنّة لأهل الإيمان ، وخلقت النار لأهل الكفر ، فهو ( عليه السلام ) قسيم الجنّة والنار لهذه العلّة ، فالجنّة لا يدخلها إلاّ أهل محبّته ، والنار لا يدخلها إلاّ أهل بغضه ».
    قال المفضّل : فقلت : يابن رسول الله فالأنبياء والأوصياء كانوا يحبّونه ، وأعداؤهم كانوا يبغضونه ؟ فقال : « نعم » فقلت : فكيف ذاك ؟ قال : « أما علمت أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال يوم خيبر : لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ما يرجع حتى يفتح الله على يديه ، فدفع الراية إلى عليّ ( عليه السلام ) ففتح الله عزّوجل على يديه ؟ » قلت : بلى.
    قال : « أما علمت أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمّا اُوتي بالطائر المشوي ، قال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ ، يأكل معي من هذا الطائر وعنى به عليّاً ( عليه السلام ) ؟ » قلت : بلى.
    قال : « فهل يجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم ( عليهم السلام ) رجلاً يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله ؟ » فقلت له : لا ، قال : « فهل يجوز أن يكون المؤمنون من اُممهم لا يحبّون حبيب الله وحبيب رسوله وأنبيائه ( عليهم السلام ) ؟ » قلت : لا ، قال : « فقد ثبت أنّ جميع أنبياء الله ورُسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) محبّين ، وثبت أنّ أعداءهم والمخالفين لهم كانوا لهم ولجميع أهل محبّتهم مبغضين » قلت : نعم ، قال : « فلا يدخل الجنّة إلاّ من أحبّه من الأولين والآخرين ، ولا يدخل النار إلاّ من أبغضه من الأولين والآخرين ، فهو إذاً قسيم الجنّة والنار ».
    قال المفضّل بن عمر : فقلت له : يابن رسول الله فرّجت عنّي فرّج الله عنك ، فزدني ممّا علّمك الله ، قال : « سل يا مفضّل » فقلت له : يابن رسول الله فعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يُدخل محبّه الجنّة ، ومبغضه النار أو رضوان ومالك ؟ فقال : « يا


(504)
مفضّل أما علمت أنّ الله تبارك وتعالى بعث رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ـ وهو روح ـ إلى الأنبياء ( عليهم السلام ) ـ وهم أرواح ـ قبل خلق الخلق بألفي عام ؟ » قلت : بلى.
    قال : « أما علمت أنّه دعاهم إلى توحيد الله وطاعته ، واتّباع أمره ، ووعدهم الجنّة على ذلك ، وأوعد من خالف ممّا أجابوا إليه وأنكره النار ؟ » قلت بلى.
    قال : « أفليس النبي ( صلى الله عليه وآله ) ضامناً لما وعد وأوعد عن ربّه عزّوجلّ ؟ » قلت : بلى.
    قال : « أو ليس علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) خليفته وإمام اُمّته ؟ » قلت : بلى.
    قال : « أو ليس رضوان ومالك من جملة الملائكة المستغفرين لشيعته الناجين بمحبّته ؟ » قلت : بلى.
    قال : « فعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) إذاً قسيم الجنّة والنار عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ورضوان ومالك صادران عن أمره بأمر الله تبارك وتعالى.
    يا مفضّل خذ هذا فإنّه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إلاّ إلى أهله » (1).
    [ 569/8 ] ومنه : حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ( رحمه الله ) ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن صالح بن عقبة ، عن يزيد بن عبدالملك ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « لمّا وُلدت فاطمة ( عليها السلام ) أوحى الله عزّ وجلّ إلى ملك فأنطق به لسان محمّد ( صلى الله عليه وآله ) وسمّاها فاطمة ، ثمّ قال : إنّي فطمتك بالعلم وفطمتك عن الطمث.
1 ـ علل الشرائع : 161/1 ، وعنه في البحار 39 : 194/5.

(505)
    ثمّ قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق » (1).
    [ 570/9 ] ومنه : أبي ( رضي الله عنه ) ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان (2) ، عن عبيدالله (3) بن علي الحلبي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته لِمَ يُستلم الحجر ؟ قال : « لأنّ مواثيق الخلائق فيه ».
    وفي حديث آخر قال : « لأنّ الله عزّ وجلّ لمّا أخذ مواثيق العباد أمر الحجر فالتقمها ، فهو يشهد لمن وافاه بالموافاة » (4).
    [ 571/10 ] ومنه : حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد ( رحمه الله ) ، عن محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العبّاس ، عن القاسم بن الربيع الصحّاف ، عن محمّد بن سنان ، أنّ أبا الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : « علّة استلام الحجر ، إنّ الله تبارك وتعالى لمّا أخذ مواثيق
1 ـ علل الشرائع : 179/4 ، وعنه في البحار 43 : 13/9.
2 ـ حمّاد بن عثمان : قال الشيخ : ثقة جليل القدر ، وعدّه البرقي من أصحاب الإمام الصادق والكاظم والرضا ( عليهم السلام ).
وقال الكشي عن حمدويه قال : سمعت أشياخي يذكرون : إنّ حمّاداً وجعفراً والحسين بني عثمان بن زياد الرواسي ، وحمّاد يلقّب بالناب ، وكلّهم فاضلون خيار ثقات. مات سنة تسعين ومائة بالكوفة.
فهرست الطوسي : 115/240 ، رجال البرقي : 21 و48 و53 ، رجال الطوسي : 173/139 و346/2 و371/1 ، رجال الكشي : 372/694.
3 ـ في نسخة « س » والمختصر المطبوع ص 218 : عبدالله.
4 ـ علل الشرائع : 423/1 ـ باب 161 ، وعنه في البحار 99 : 219/4 و5.


(506)
بني آدم التقمه الحجر (1) فمن ثمّ كلّف الناس تعاهد ذلك الميثاق ، ومن ثمّ يقال عند الحجر : أمانتي أدّيتها ، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة.
    ومنه قول سلمان ( رحمه الله ) : ليجيئنّ الحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس (2) ، له لسان وشفتان ، يشهد لمن وافاه بالموافاة » (3).
    [ 572/11 ] ومنه : حدّثنا أبي ( رضي الله عنه ) قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « لمّا أمر الله عزّ وجلّ إبراهيم واسماعيل ( عليهما السلام ) ببناء البيت ، وتمّ بناءه ، أمره أن يصعد ركناً منه ثمّ ينادي في الناس : ألا هلمّ الحج هلمّ الحج ، فلو نادى هلمّوا إلى الحج ، لم يحج إلاّ من كان يومئذ إنسيّاً مخلوقاً ، ولكن نادى هلمّ الحج ، فلبّى الناس في أصلاب الرجال : لبّيك داعي الله ، لبّيك داعي الله ، فمن لبّى عشراً حجّ عشراً ، ومن لبّى خمساً حجّ خمساً ، ومن لبّى أكثر حجّ بعدد ذلك ، ومن لبّى واحداً حجّ واحداً ، ومن لم يلبّ لم يحج » (4).
1 ـ في نسخة « س » زيادة : بأمر الله.
2 ـ أبو قُبَيس : اسم الجبل المشرف على مكّة ، وقال أبو المنذر هشام : كنّاه آدم ( عليه السلام ) بذلك حين اقتبس منه هذه النار ـ التي بأيدي الناس إلى اليوم ـ من مرختين نزلتا من السماء على أبي قبيس ، فاحتكتا ، فأوْرَتا ناراً ، فاقتبس منها آدم.
وكان في الجاهلية يسمّى الأمين ، لأنّ الركن كان مستودعاً فيه أيام الطوفان. معجم البلدان 1 : 80 ـ 81.
3 ـ علل الشرائع : 424/2 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 2 : 91 ، وعنهما في البحار 99 : 219/ 6 و7.
4 ـ علل الشرائع : 419/1 ، وعنه في البحار 99 : 187/18 و12 : 105/17.


(507)
    [ 573/12 ] ومنه : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي الله عنه ) ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن العبّاس بن معروف ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم كلّهم عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « إنّ الله عزّ وجلّ خلق الحجر الأسود ثمّ أخذ الميثاق على العباد ، ثمّ قال للحجر : التقمه ، والمؤمنون يتعاهدون ميثاقهم » (1).
    [ 574/13 ] ومنه : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن زياد القندي (2) ، عن عبدالله بن سنان ، قال : بينا نحن في الطواف إذ مرّ رجل من آل عمر ، فأخذ بيده رجل فاستلم الحجر فانتهره وأغلظ له ، وقال له : بطل حجّك ، إنّ الذي تستلمه حجر لا يضرّ ولا ينفع ، فقلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : جعلت فداك أما سمعت قول العمري لهذا الذي استلم الحجر فأصابه ما أصابه ؟ فقال : « وما الذي قال له ؟ » قلت : قال له : يا عبدالله بطل حجّك ، إنّما هو حجر لا يضرّ ولا ينفع.
    فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : « كذب ثمّ كذب ثمّ كذب ، إنّ للحجر لساناً ذلقاً يوم القيامة ، يشهد لمن وافاه بالموافاة.
    ثمّ قال : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا خلق السماوات والأرض خلق بحرين : بحراً
1 ـ علل الشرائع : 424/5 ، وعنه في البحار 99 : 221/11.
2 ـ زياد القندي : هو زياد بن مروان القندي أبو الفضل ، وقيل : أبو عبدالله الأنباري القندي ، مولى بني هاشم ، روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن ( عليهما السلام ) ، ووقف في الرضا ( عليه السلام ) ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق والكاظم ( عليهما السلام ) ، واقتصر البرقي على الإمام الكاظم ( عليه السلام ).
رجال النجاشي : 171/450 ، رجال الطوسي : 198/40 و350/3 ، رجال البرقي : 49.


(508)
عذباً وبحراً اُجاجاً ، فخلق تربة آدم ( عليه السلام ) من البحر العذب وسنّ (1) عليها من البحر الاُجاج ، ثمّ جبل (2) آدم فعركه عرك الأديم ، فتركه ما شاء الله.
    فلمّا أراد أن ينفخ فيه الروح أقامه شبحاً ، فقبض قبضة من كتفه الأيمن فخرجوا كالذرّ ، فقال : هؤلاء إلى الجنّة ، وقبض قبضة من كتفه الأيسر وقال : هؤلاء إلى النار.
    فأنطق الله عزّ وجلّ أصحاب اليمين وأصحاب اليسار ، فقال أصحاب اليسار : لم خلقت لنا النار ، ( ولم يثبت لنا ذنب ) (3) ، ولم تبعث إلينا رسولاً ؟! فقال الله عزّ وجلّ لهم : ذلك لعلمي بما أنتم صائرون إليه ، وإنّي سأبليكم ، فأمر عزّ وجلّ النار فاستعرت.
    ثمّ قال لهم ، تقحّموا (4) جميعاً في النار ، فإنّي أجعلها عليكم برداً وسلاماً ، فقالوا : يا ربّ إنّما سألناك لأيّ شيء جعلتها (5) لنا ؟ هرباً منها ، ولو أمرت أصحاب اليمين ما دخلوها ، فأمر الله عزّ وجلّ النار فاستعرت ، ثمّ قال لأصحاب اليمين : تقّحموا جميعاً في النار ، فتقحّموا جميعاً فكانت عليهم برداً وسلاماً ، فقال لهم جميعاً : ألست بربّكم ؟ قال أصحاب اليمين : بلى طوعاً ، وقال أصحاب الشمال : بلى كرهاً ، فأخذ منهم جميعاً ميثاقهم وأشهدهم على أنفسهم.
1 ـ في العلل : شنّ : وهو بمعنى فرّق. الصحاح 5 : 2145 ـ شنن.
وسنّ بمعنى صبّ وأرسل الصحاح 5 : 2141 ـ سنن.
والمعنى الثاني أقرب لسياق الحديث.
2 ـ جبل : وجَبَله الله أي خَلَقه. الصحاح 4 : 1650 ـ جبل.
3 ـ في العلل : ولم تبيّن لنا. بدل ما بين القوسين.
4 ـ قحم : رمى نفسه فجأة بلا رويّة. القاموس المحيط 4 : 161 ـ قحم.
5 ـ في نسخة « س » : خلقتها.


(509)
    قال : وكان الحجر في الجنّة ، فأخرجه الله عزّ وجلّ فالتقم الميثاق من الخلق كلّهم ، فذلك قوله عزّ وجلّ ( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يُرجعون ) (1) فلمّا أسكن الله آدم ( عليه السلام ) الجنّة وعصى ، أهبط الله عزّ وجلّ الحجر فجعله في ركن بيته ، وأهبط آدم على الصفا ، فمكث ما شاء الله.
    ثمّ رآه في البيت فعرفه وعرف ميثاقه وذكره ، فجاء إليه مسرعاً فأكبّ عليه ، وبكى عليه أربعين صباحاً تائباً من خطيئته ، نادماً على نقضه ميثاقه.
    قال : فمن أجل ذلك اُمرتم أن تقولوا إذا استلمتم الحجر : أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة يوم القيامة » (2).
    [ 575/14 ] ومنه : أبي ( رحمه الله ) ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد ( قال : حدّثنا موسى بن عمر ) (3) ، عن ابن سنان ، عن أبي سعيد القمّاط ، عن بكير بن أعين ، قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) لأيّ علّة وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ، ولم يوضع في غيره ؟ ولأيّ علّة يُقبّل ؟ ولأيّ علّة اُخرج من الجنّة ؟ ولأيّ علّة وضع فيه مواثيق العباد والعهد ، ولم يوضع في غيره ؟ وكيف السبب في ذلك ؟ فخبّرني جعلت فداك ، فإنّ تفكّري فيه لعجب.
    قال : فقال ( عليه السلام ) : « سألت وأعضلت (4) في المسألة واستقصيت ، فافهم وفرّغ قلبك وأصغ سمعك اُخبرك إن شاء الله تعالى ، إنّ الله تبارك وتعالى وضع الحجر
1 ـ آل عمران 3 : 83.
2 ـ علل الشرائع : 425/6 ، وعنه في البحار 5 : 245/35 و99 : 217/2.
3 ـ ما بين القوسين لم يرد في نسختي « س وض ».
4 ـ في نسختي « س وض » : وأغلظت بمعنى غلّظ عليه بالقول. الصحاح 3 : 1175 ـ غلظ.
وأعضلت بمعنى شدّدت وأعييت. الصحاح 5 : 1766 ـ عضل.


(510)
الأسود ، وهو جوهرة اُخرجت من الجنّة إلى آدم ( عليه السلام ) فوضعت في ذلك الركن لعلّة الميثاق ، وذلك أنّه لمّا أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم ، حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان ، وفي ذلك المكان تراءى لهم ربّهم ، ومن ذلك الركن يهبط الطير على القائم ( عليه السلام ).
    فأوّل من يبايعه ذلك الطير ، وهو والله جبرئيل ( عليه السلام ) ، وإلى ذلك المقام يسند ظهره ، وهو الحجّة والدليل على القائم ( عليه السلام ) ، وهو الشاهد لمن وافى ذلك المكان ، والشاهد لمن أدّى إليه الميثاق والعهد الذي أخذه الله على العباد.
    وأمّا القُبلة والإلتماس فلعلّة العهد تجديداً لذلك العهد والميثاق ، وتجديداً للبيعة وليؤدّوا إليه ذلك العهد الذي اُخذ عليهم في الميثاق ، فيأتونه في كلّ سنة ليؤدّوا إليه ذلك العهد ، ألا ترى أنّك تقول : أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة.
    والله ما يؤدّي ذلك أحد غير شيعتنا ، ولا حفظ ذلك العهد والميثاق أحد غير شيعتنا ، وإنّهم ليأتونه فيعرفهم ويصدّقهم ، ويأتيه غيرهم فينكرهم ويكذّبهم ، وذلك أنّه لم يحفظ ذلك غيركم فلكم والله يشهد ، وعليهم والله يشهد بالخفر (1) والجحود والكفر.
    وهو الحجّة البالغة من الله عليهم يوم القيامة ، يجيء وله لسان ناطق وعينان في صورته الاُولى ، يعرفه الخلق ولا ينكرونه ، يشهد لمن وافاه وجدّد العهد والميثاق عنده بحفظ العهد والميثاق وأداء الأمانة ، ويشهد على كلّ من أنكره وجحد ونسي الميثاق بالكفر والإنكار.
1 ـ أخفر : إذا نقض العهد وغدر به. الصحاح 2 : 649 ـ خفر.
وفي نسخة « ض » : بالحقد ، وفي نسخة « س » : بالجور.
مختصر البصائر ::: فهرس