مناظرات المستبصرين ::: 46 ـ 60
(46)
    فإن قلت : في مكة فالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يُجهز جيشا ولم يبنِ مسجدا ، ومن يُسْلِم من القوم يهاجره إلى الحبشة والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وجميع بني هاشم لا تجوز عليهم الصدقة ، ثم إن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غني بمال خديجة كما يروون.
    وإن قلت : بالمدينة فأبو بكر هاجر ولم يملك من المال سوى ( 600 ) درهم فترك لعياله شيئا ، وحمل معه ما بقي ونزل على الأنصار ، فكان هو وكل من يُهاجر عالة على الأنصار ، ثم إن أبا بكر لم يكن من التجّار بل كان تارة بزازا يبيع يوم اجتماع الناس أمتعته يحملها على كتفه ، وتارة معلم الأولاد ، وأخرى نجارا يصلّح لمن يحتاج بابا أو مثله. وأما تزويجه ابنته لرسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهذا لا يلزم منه تولّي أمور المسلمين به.
    وأما صلاته في الجماعة ـ إن صحت ـ فلا يلزم منها تولّي الإمامة الكبرى والخلافة العظمى فصلاة الجماعة غير الخلافة. وقد ورد أن الصحابة كان يؤم بعضهم بعضا حضرا وسفرا ، فلو كانت هذه تثبت دعواكم لصح أن يكون منهم


(47)
حقيق بالخلافة ، ولو صحت لادعاها يوم السقيفة لنفسه لكنها لم تكن آنذاك بل وُجدت أيام الطاغية معاوية لمّا صار الحديث متبحرا.
    ثم حديث الجماعة جاء عن ابنته عائشة فقط ، ولا تنسى لما سمع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تكبيرة الصلاة قال : من يؤم الجماعة ؟ فقالوا : أبو بكر. قال : احملوني ، فحملوه بأبي وأمي مُعصبا مدثّرا يتهادى بين رجلين على ( عليه السلام ) والفضل حتى دخل المسجد ، فعزل أبا بكر وأمّ الجماعة بنفسه ، ولم يدعْ أبا بكر يكمل الصلاة ، فلو كانت صلاة أبي بكر بإذن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو برضاه فلماذا خرج بنفسه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو مريض وأمّ القوم ؟ (1)
    والعجب كلّ العجب من إخواننا أنهم يقيمون الحجة بهذه الأشيأ التي لا تنهض بالدليل ، ويتناسون ما ورد في على ( عليه السلام ) من الأدلة التي لا يمكن عدها ، كحديث يوم الإنذار إذ جمع رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عشيرته الأقربين بأمر من اللّه : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ ) (2) ، فجمعهم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكانوا آنذاك أربعين رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون ، ووضع لهم طعاما يكفي الواحد منهم فأكلوا جميعهم حتى شبعوا وبعد أن فرغوا. قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا بني هاشم من منكم يؤازرني على أمري هذا فلم يجبه أحد. فقال علي ( عليه السلام ) : أنا يا رسول اللّه اؤازرك ، قالها ثلاثا ، وفي كلّ مرة يجيب علىُّ أنا يا رسول اللّه ، فأخذ برقبته وقال : أنت وصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا (3).
1 ـ راجع : الفصول المختارة ، الشيخ المفيد : 126 ـ 128 ، الإرشاد ، الشيخ المفيد : 1/183 ، الصراط المستقيم ، الشيخ علي بن يونس العاملي : 3/133 ـ 134 ، السقيفة ، الشيخ محمّد رضا المظفر : 54 ـ 59.
2 ـ سورة الشعراء ، الآية : 214.
3 ـ سوف يأتي الحديث مع تخريجاته في المناظرة التالية.


(48)
    الأدلة الكثيرة على إمامة أميرالمؤمنين ( عليه السلام )
    وحديث يوم الغدير المشهور ، وحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وحديث السفينة ، وحديث باب حطة ، وحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وحديث المؤاخاة ، وحديث تبليغ سورة براءة.
    وسد الأبواب ، وقلع باب خيبر ، وقتل عمر بن ود ، وزوج بضعة الرسول فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، إلى كثير وكثير من ذلك النمط مما لو أردنا جمعها لملأنا المجلدات الضخمة.
    أفكل هذه الروايات المتفق عليها لا تُثبت خلافة علي ( عليه السلام ) وتلك الروايات المُختلف فيها المُفتَعلة تثبت لأبي بكر تولّي منصب الرسالة ، وهذا شيء عجاب ؟!
    ثم قال لي : أنتم لا تعترفون بخلافة أبي بكر.
    قلت : هذا لا نزاع فيه عندنا ، ولكن ننازع في الأحقية والأولوية ، هل كان أبو بكر أحق بها أم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ؟ ها هنا النزاع ، ولنا عندئذ نظر في هذا الأمر العظيم الذي جرّ على الأمة بلاء ، وفرَّق الأمة ابتداء يوم السقيفة إلى فرقتين بل إلى أربع فرق ، فالأنصار انقسموا على أنفسهم قسمين ، قسم يريد عليا ( عليه السلام ) وذلك بعد خراب البصرة ـ والأخر استسلم وسلّم الأمر إلى أبي بكر ، وكذلك المهاجرون منهم من يريد أبا بكر والأخر عليّا ( عليه السلام ) ، ثم إلى فرق تبلغ الثالثة والسبعين ، كل فرقة تحمل على من سواها من الفرق حملةً شعوأ لا هوادة فيها ، فجرَّ الأمة الإسلامية إلى نزاع دائم عنيف فكفّر بعضُهم بعضا ، ولا زالت الأمة تّمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم المشؤوم إلى يوم الناس هذا ، ثم إلى يوم يأتي اللّه


(49)
بالفرج.
    فالشيعة برمتهم يحكمون بما ثبت عندهم من الأدلة قرآنا وسنة وتأريخاً ، ويحتجون من كتب خصومهم السنّة فضلاً عن كتبهم بالخلافة لعلي ولبنيه الأئمة الأحد عشر ( عليهم السلام ) الذين تمسكت الشيعة بإمامتهم.
    إلى غير ذلك من الأدلة الّتي أوردتها على فضيلته فسمع واقتنع ، وخرج من عندنا وهو في ريب من مذهبه ، وشاكرا لنا على ما قدّمناه له من الأدلة ، وقد طلب مني بعض كتب الشيعة ومؤلفاتهم فأعطيته جملة منها ، وفيها من كتب الإمام الحجة المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين ( رحمه الله ) (1).
1 ـ كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة ، الأنطاكي : 319.

(50)
مناظرة
الشيخ الأنطاكي مع رجل من أهل حمص (1)
في النص الصريح على خلافة أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    يقول الشيخ الأنطاكي ( رحمه الله ) تعالى : دخل عليَّ يوما في حلب نفران من أهل حمص أحدهما شيعي مستبصر ، والآخر سني مستهتر ، وكانت بينهما مناقشة أولوية عليّ ( عليه السلام ) بالخلافة.
    فقال لي الشيعي : يقول صاحبي هذا وهو من أهل السنّة ليس هناك نص على علي ( عليه السلام ) بأنه الخليفة بعد رسول اللّه ( عليه السلام ) بلا فصل ؟!
    فسألني السني : هل هناك نص صريح ؟
    فأجبته : نعم ، بل نصوص صريحة في كتبكم ومصادركم ، وأحلته على تأريخ الطبري وابن الأثير والتفاسير أجمع.
    وذكرت له تفسير آية ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ ) (2) ، من تاريخ الكامل
1 ـ حمص : بلد مشهور كبير مسور ، في طرفه القبلي قلعة حصينة على تل عال كبير ، بين دمشق وحلب ، في نصف الطريق يسمى باسم من أحدثه وهو : حمص بن مكنف العمليقي. انظر كتاب مراصد الاطلاع : 1/425.
2 ـ سورة الشعراء ، الآية : 214.


(51)
لابن الأثير (1) والحديث بطوله ، وقد رواه ابن الأثير بزيادة ألفاظ على ما رواه الطبري (2).
    إلى أن انتهيت إلى قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أيكم يا بني عبد المطلب يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ، وأجابه على لمّا لم يجبه أحد منهم ، فقال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هذا أخي ووزيري ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا (3).
    ثم قلت له : أيها المحترم أتطلب نصا أصرح من هذا النص ؟
    فقال : إذا ما صنعوا ؟!
    ففهمت من قوله : ما صنعوا ، يشير إلى اجتماعهم في السقيفة وتنازعهم فيمن يخلف رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمهاجرون أم أنصار.
    فقلت له : هذا ما وقع ؟
    فقال : عجباً عجباً ، وانتهى الأمر.
    وقال قولاً في هذا المقام ولا أريد ذكره ، ثم استبصر وذهب حامدا شاكرا (4).
1 ـ الكامل ، ابن الأثير : 2/62 ـ 63.
2 ـ تاريخ الطبري : 2/62 ـ 63.
3 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 13/211 ، مناقب أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، الكوفي : 1/371 ح 294 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 13/114 ح 36371 ، جامع البيان ، ابن جرير الطبري : 19/149 ، تفسير ابن كثير : 3/364 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/49 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 3/53 ، السيرة النبوية ، ابن كثير : 1/459.
4 ـ لماذا اخترت مذهب الشيعة ، الأنطاكي : 327.


(52)
مناظرة
الشيخ الأنطاكي مع أحد مشايخ الأزهر
في سبب تشيعه وأخذه بمنهج أهل البيت ( عليهم السلام )
    قال الشيخ الأنطاكي ( رحمه الله ) تعالى : في يوم السابع من شهر ذي القعدة الحرام عام 1371 هـ قبيل الظهر أخبرني أحد وجهاء حلب وهو الأستاذ شعبان أبو رسول بأن أحد مشايخ الأزهر ، وهو علامة كبير ، ومؤلف شهير يقصد زيارتكم فمتى يأتكم ؟
    فقلت : يا أهلاً وسهلاً ، فليشرّف في هذا اليوم فجائني بعد العصر ، وبعد أن أخذ بنا المجلس ورحبت به.

    الدواعي التي توجب الأخذ بالمذهب الشيعي
    سألني قائلاً : إنني قصدتك للإستفسار عن السبب الذي دعاكم على الأخذ بالمذهب الشيعي وترككم المذهب السني الشافعي ؟
    فأجبته بكل لطف : الدواعي كثيرة جدا ، منها : رأيت اختلاف المذاهب الأربعة فيما بينهم ، ومنها ، ومنها ، وقد أخذت أعدِّد له الأسباب التي دعتني إلى الأخذ بالمذهب الشيعي.


(53)
    ثم قلت : وأهمها أمر الخلافة العظمى التي هي السبب الأعظم في وقوع الخلاف بين المسلمين ، إذ لا يعقل أن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يدع أمته بلا وصي عليهم يقوم بأمر الشريعة التي جاء بها عن اللّه كسائر الأنبياء ، إذ ما من نبي إلا وله وصي أو أوصياء معصومون يقومون بشريعته ، وقد ثبت عندي أن الحق مع الشيعة ، إذ معتقدهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أوصى لعلي ( عليه السلام ) قبل وفاته بل من بدء الدعوة وبعده أولاده الأئمة الأحد عشر ، وأنهم يأخذون أحكام دينهم عنهم ، وهم أئمة معصومون في معتقدهم بأدلة خاصة بهم ، لهذا وأمثاله أخذت بهذا المذهب الشريف.

    لا دليل على اتباع أحد المذاهب الأربعة
    ثم أنّا لم نعثر على دليل يوجب علينا الأخذ بأحد المذاهب الأربعة ، بل ولا مرجح أيضا ، غير أننا عثرنا على أدلة كثيرة توجب الأخذ بمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) وتقود المسلم إلى سواء السبيل.
    ثم عرضت له كثيرا من الأدلة القطعية الصريحة بوجوب الأخذ بمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) وكله سمعٌ يصغي إلىَّ ، إلى أن قلت : يا فضيلة الشيخ أنت من العلماء الأفاضل! فهل وجدت في كتاب اللّه وسنة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دليلاً يرشدك إلى الأخذ بأحد المذاهب الأربعة ؟
    فأجابني : كلا.
    ثم قلت له : ألا تعرف أن المذاهب الأربعة كل واحد منهم يخالف الآخر في كثير من المسائل ، ولم يقيموا دليلاً قويا ، وبرهانا جليا واضحا على أنه الحق دون غيره ، وإنما يذكر الملتزم بأحد المذاهب أدلة لاقوام لها ، إذ ليس لها معضد من


(54)
كتاب أو سنة ، فهيِّ : ( كَشَجَرَة خَبِيثَة اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار ) (1).
    مثلاً لو سألت الحنفي : لِمَ اخترت مذهب الحنفية دون غيره ، ولِمَ اخترت أبا حنيفة إماماً لنفسك بعد ألف عام من موته ، ولم تختر المالكي أو الشافعي ، أو أحمد بن حنبل مع بعض مزاياهم التي يذكرونها ! فلم يجبك بجواب تطمئن إليه النفس !
    والسر في ذلك أن كل واحد منهم لم يكن نبي أو وصي نبي وما كان يوحى إليهم ، ولم يكونوا ملهمين بل أنهم كسائر من ينتسب إلى العلم وأمثالهم كثير وكثير من العلماء.
    ثم أنهم لم يكونوا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأكثرهم أو كلّهم لم يدركوا النبي ولا أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاتخاذ مذهب واحد منهم وجعله مذهبا لنفسه ، والالتزام به وبآرائه التي يمكن فيه الخطأ والسهو ... وكل واحد منهم ذوي آراء متشتتة يخالف بعضها بعضا لا يقره العقل ولا البرهان ، ولا تصدقه الفطرة السليمة ، ولا الكتاب ولا السنة ، ولا حجة لأحد على اللّه في يوم الحساب ، بل للّه الحجة البالغة عليها ، حتى أنه لو سأل اللّه من التزم بأحد المذاهب الأربعة في يوم القيامة بأىّ دليل أخذت بمذهبك هذا ؟ لم يكن له جواب سوى قوله : ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) (2) أو يقول : ( إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ ) (3) ، فباللّه عليك يا فضيلة الشيخ هل يكون لملتزمي أحد المذاهب الأربعة يوم القيامة أمام اللّه الواحد القهار جوابا ؟!
1 ـ سورة إبراهيم ، الآية : 26.
2 ـ سورة الزخرف ، الآية : 23.
3 ـ سورة الأحزاب ، الآية : 67.


(55)
    فأطرق رأسه مليا ثم رفع رأسه وقال : لا.
    فقلت : هل يكون أحد معذورا بذاك الجواب ؟
    أجابني : كلا.
    ثم قلت : وأما نحن المتمسكين بولاء العترة الطاهرة آل بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) العاملين بالفقه الجعفري فنقول في يوم الحساب عند وقوفنا أمام اللّه العزيز الجبار : ربنا إنك أمرتنا بذلك لأنك قلت في كتابك : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (1).
    وقال نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) باتفاق المسلمين : إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض (2). وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق (3).
    ولا ريب لأحد أن الإمام الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) من العترة الطاهرة ، وعلمه علم أبيه ، وعلم أبيه علم جده رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلم رسول اللّه من علم اللّه (4).
1 ـ سورة الحشر ، الآية : 7.
2 ـ مسند أحمد بن حنبل : 4/367 ، صحيح مسلم : 7/122 ـ 123 ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 3/110 ، السنن الكبرى ، البيهقي : 2/148 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 5/154 ح 4923 ، المناقب ، الخوارزمي : 200 ، ينابيع المودة ، القندوزي : 1/121 ح 49 ، وغيرها الكثير جداً.
3 ـ المستدرك ، الحاكم : 2/343 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وص 150 ـ 151 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/45 ـ 46 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/168 ، تهذيب الكمال ، المزي : 28/411 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 2 ، ينابيع المودة ، القندوزي : 1/93.
4 ـ وفي ذلك يقول الشاعر :
إذا شئت أن تبغي لنفسك مذهباً فدع عنك قول الشافعي ومالك ووال أُناساً قولهم وحديثهم ينجيك يوم الحشر من لهب النار وأحمد والمروي عن كعب أحبار روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

(56)
    هذا مضافا إلى أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قد اتفق جميع المسلمين على صدقه ووثاقته (1) ، وهناك طائفة كبيرة من المسلمين من يقول بعصمته وإمامته وأنه الوصي السادس لرسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإنه حجة اللّه على البرية ، وأن الإمام الصادق ( عليه السلام ) كان يروي عن آبائه الطيبين الطاهرين ، ولا يفتي برأيه ، ولا يقول بما يستحسنه ، فحديثه حديث أبيه وجده ، إذ أنهم منابع العلم والحكمة ، ومعادن الوحي والتنزيل.
    فمذهب الإمام الصادق ( عليه السلام ) هو مذهب أبيه وجده المأخوذ عن الوحي لا يحيد عنه قيد شعرة ، لا بالاجتهاد كغيره ممن اجتهد فالآخذ بمذهب جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ومذهب أجداده آخذ بالصواب ، ومتمسك بالكتاب والسنة.

    المؤاخذات على بعض الصحابة
    وبعد أن أوردت عليه ما سمعت من الأدلة أكبرني وفخم مقامي وشكرني ،
1 ـ قال عمر بن شاهين في كتاب تأريخ الثقات : 54 ، رقم : 158 : جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) ثقة مأمون. وسُئل عثمان بن أبي شيبة عنه ؟ فقال : مثل جعفر يُسأل عنه هو ثقة ..
وقال الرازي في كتاب الجرح والتعديل : 2/487 ، رقم : 1987 : حدثنا عبدالرحمن ، قال : سمعت أبي يقول : جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) ثقة لا يُسأل عنه مثله .. الخ
وقال ابن راهويه : قلت للشافعي : كيف جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) عندك ؟ قال : ثقة.
وجاء في سير أعلام النبلاء للذهبي : 6/257 روى عباس عن يحيى ابن معين قال : جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) ثقة مأمون وجاء في تهذيب الكمال للمزي : 5/78 قال عمرو ابن أبي المقدام : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) علمت أنه من سلالة النبيين.


(57)
فأجبته : أن الشيعة لا يطعنون على الصحابة جميعا ، بل إن الشيعة يعطون لكل منهم حقهم ، لأن فيهم العدل وغير العدل ، وفيهم العالم والجاهل ، وفيهم الأخيار والأشرار ، وهكذا ألا ترى ما أحدثوه يوم السقيفة ، تركوا نبيهم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مسجى على فراشه ، وأخذوا يتراكضون على الخلافة ، كل يراها لنفسه كأنها سلعة ينالها من سبق إليها مع ما رأوا بأعينهم ، وسمعوا بآذانهم من النصوص الثابتة الصارخة عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من يوم الذي أعلن الدعوة إلى اليوم الذي احتضر فيه.
    مع أن القيام بتجهيز الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أهم من أمر الخلافة على فرض أن النبي لم يوص ، فكان الواجب عليهم أن يقوموا بشأن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبعد الفراغ يعزون آله ( عليهم السلام ) وأنفسهم ، لو كانوا ذوي إنصاف فأين العدالة والوجدان ، وأين مكارم الأخلاق ، وأين الصدق والمحبة ؟!
    ومما يزيد في النفوس حزازة تهجمهم على بيت بضعته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) نحوا من خمسين رجلاً ، وجمعهم الحطب ليحرقوا الدار على من فيها ، حتى قال قائل لعمر : إن فيها الحسن والحسين وفاطمة ( عليها السلام ) ، قال : وإن.
    ذكر هذا الحادث كثير من مؤرخي السنة (1) فضلاً عن إجماع الشيعة.
    وقد علم البر والفاجر وجميع من كتب في التأريخ أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال :
1 ـ راجع : الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : 1/30 ، تاريخ الطبري : 2/443 ، السقيفة وفدك ، الجوهري : 62 و53 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 6/48 و2/56 ، العقد الفريد ، الأندلسي : 5/13 ، نشر دار الكتب العلمية ، و4/259 ـ 260 طـ دار الكتاب العربي بيروت.
وقال شاعر النيل حافظ إبراهيم في ديوانه : 1/82 :
وقوله لعليّ قالها عمر حَرَّقْتُ دارك لا أُبقي عليك بها ما كان غيرُ أبي حفص يفوه بها أكرم بسامعها أعظم بملقيها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها أمام فارس عدنان وحاميها

(58)
فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أغضبها فقد أغضبني ، ومن أغضبني فقد أغضب اللّه ، ومن أغضب اللّه أكبه اللّه على منخريه في النار (1).
    ووقائع الصحابة الدّالة على عدم القول بعدالة الجميع كثيرة ، راجع البخاري ومسلم في ما جاء عن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديث الحوض تعلم صحة ما ذهب إليه الشيعة ومن نحا نحوهم من السنّة ، فأي ذنب لهم إذا قالوا بعدم عدالة كثير منهم ؟ وهم الذين دلوا على أنفسهم ، وحرب الجمل وصفين أكبر دليل على إثبات مدّعاهم ، والقرآن الكريم كشف عن سوء أحوال كثير منهم ، وكفانا سورة براءة دليلاً ، ونحن ما أتينا شيئا إذا ؟ ألا ترى إلى ما أحدثه الطاغية معاوية ، وعمرو بن العاص ، ومروان وزياد ، وابن زياد ، ومغيرة بن شعبة ، وعمر بن سعد ، الذي أبوه من العشرة المبشرة بالجنة على ما زعموا ، وطلحة ، والزبير ، اللّذان بايعا عليّا ( عليه السلام ) ونقضا البيعة وحاربا إمامهما مع عائشة في البصرة ، وأحدثوا فيها من الجرائم الّتي لا يأتي بها ذو مرؤة.
    فليت شعري هل كان وجود النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بينهم موجبا لنفاق كثير منهم ، ثم بعد لحوقه بالرفيق الأعلى ـ بأبي وأمي ـ صار كلّهم عدولاً.
    ونحن لم نسمع قط بأن نبياً من الأنبياء أتى قومه وصاروا كلّهم عدولاً ، بل الأمر في ذلك بالعكس ، والكتاب والسنة بيّنتنا على ذلك ، فماذا أنت قائل أيها الأخ المحترم ؟
    فأجابني : حقاً لقد أتيت بما فيه المقنع ، فجزاك اللّه عني خيرا.
1 ـ راجع : فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : 78 ، المصنف ابن أبي شيبة : 7/526 ح 1 ، صحيح البخاري : 4/210 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 16/273.

(59)
    ثم قلت : جاء في كتاب الجوهرة في العقائد للشيخ إبراهيم اللوقاني المالكي :
فتابع الصالح ممن سلفا وجانب البدعة ممن خلفا
    قال : نعم هكذا موجود.
    قلت : أرشدني من هم السلف الذين يجب علينا اتباعهم ؟ ومن الخَلفْ الذين يجب علينا مخالفتهم ؟
    قال : السلف هم صحابة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    قلت : إن الصحابة عارض بعضهم بعضا ، وجرى ما جرى بينهم مما لا يخفى على مثلكم ؟!
    فتوقف برهة ، ثم قال : هم أصحاب القرون الثلاثة.
    قلت له : إذاً أنت في جوابك هذا قضيت على المذاهب الأربعة لأنهم خارجون عن القرون الثلاثة.
    فتوقف أيضا ، ثم قال : ماذا أنت تريد بهذا السؤال ؟

    نص النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على أهل البيت ( عليهم السلام )
    قلت : الأمر ظاهر ، وهو يجب علينا أن نتبع الذين نص عليهم رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأن يكونوا قدوة للأمة.
    قال : ومن هم ؟
    قلت : علي بن أبي طالب وبنيه الحسن والحسين وأبناء الحسين التسعة ( عليهم السلام ) آخرهم المهدي ـ عجل اللّه فَرَجَهُ الشريف ـ.
    قال : والخلفاء الثلاثة ؟


(60)
    قلت : الخلاف واقع فيهم ، فالأمة لم تجتمع عليهم ، وحدث منهم أعمال توجه عليهم النقد.
    قال : عجبا ! وهذا من رأي الشيعة ؟
    قلت : وإن يكن ، هل وقع في الصحابة ما ذكرت لكم أم لا.
    قال : بلى.
    قلت : إذاً يجب علينا أن نأخذ بمن اتفقت عليهم الأمة وندع المختلف فيهم ، فالشيعة وهم طائفة كبيرة من الإسلام يكثر عددهم عن مائة مليون ، وهم منتشرون في الدنيا كما تقدم ، وفيهم العلماء الأعاظم ، والفقهاء الأكابر ، والمحدثون الأفاضل ... فلم يعترفوا بخلافة الثلاثة.
    ولكن أهل السنة والجماعة اعترفوا بخلافة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فخلافة أمير المؤمنين مجمع عليه عند المسلمين عامة ، وخلافة الثلاثة ليس بمجمع عليه.
    والخلافة بعد أمير المؤمنين على ( عليه السلام ) إلى ولده الحسن ثم إلى الحسين ثم إلى ولده الأئمة التسعة ( عليهم السلام ) ، خاتمهم قائمهم ـ عجل اللّه تعالى فرجه الشريف ـ والنصوص في ذلك من كتبكم بكثرة ، وجاءت الروايات من طرقكم بفضل أهل البيت ( عليهم السلام ) وتقدمهم على غيرهم ، وأهمها العصمة.
    قال : نحن لا نقول بالعصمة.
    قلت : أعلم ذلك ، ولكن الدليل قائم عند الشيعة على ما قلت ، وسأقدم لك كتابا يقنعك ويرضيك.
    قال : إذا ثبت لدىَّ عصمتهم انحل الإشكال بيني وبينك ، فقدمت له الكتاب ، وهو كتاب ( الألفين ) لأحد أعاظم مجتهدي الشيعة الإمام الأعظم
مناظرات المستبصرين ::: فهرس