|
|||
(46)
المناظرة السادسة
مناظرة
روى الكليني بإسناده عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال : كنت قاعداً عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) بمكة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء ، وحفص بن سالم مولى ابن هبيرة ، وناس من رؤسائهم ، وذلك حدثان قتل الوليد ، واختلاف أهل الشام بينهم ، فتكلَّموا وأكثروا ، وخطبوا فأطالوا.
الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع عمرو بن عبيد في الخلافة وشؤونها فقال لهم أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إنكم قد أكثرتم عليَّ ، فأسندوا أمركم إلى رجل منكم ، وليتكلَّم بحججكم ويوجز. فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد ، فتكلَّم فأبلغ وأطال ، فكان فيما قال أن قال : قد قتل أهل الشام خليفتهم ، وضرب الله عزَّوجلَّ بعضهم ببعض ، وشتَّت الله أمرهم ، فنظرنا فوجدنا رجلا له دين وعقل ، ومروّة وموضع ، ومعدن للخلافة ، وهو محمّد بن عبدالله بن الحسن ، فأردنا أن نجتمع عليه فنبايعه ، ثمَّ نظهر معه ، فمن كان بايعنا فهو منّا وكنَّا منه. ومن اعتزلنا كففنا عنه ، ومن نصب لنا جاهدناه ، ونصبنا له على بغيه وردِّه إلى الحقّ وأهله ، وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك (47)
فتدخل معنا ، فإنّه لا غنى بنا عن مثلك لموضعك وكثرة شيعتك.
فلمَّا فرغ قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : أكلُّكم على مثل ما قال عمرو ؟ قالوا : نعم. فحمد الله وأثنى عليه ، وصلَّى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثمَّ قال : إنما نسخط إذا عصي الله ، فأمَّا إذا أطيع رضينا ، أخبرني ـ يا عمرو ـ لو أن الأمَّة قلدتك أمرها ، وولَّتك بغير قتال ولا مؤونة ، وقيل لك : ولِّها من شئت ، من كنت تولِّيها ؟ قال : كنت أجعلها شورى بين المسلمين. قال : بين المسلمين كلِّهم ؟ قال : نعم. قال : بين فقهائهم وخيارهم ؟ قال : نعم. قال : قريش وغيرهم ؟ قال : نعم. قال : والعرب والعجم ؟ قال : نعم. قال : أخبرني ـ يا عمرو ـ أتتولَّى أبا بكر وعمر أو تتبرَّأ منهما ؟ قال : أتولاَّهما. فقال : فقد خالفتهما ، ما تقولون أنتم ؟ تتولَّونهما أو تتبرَّؤون منهما ؟ قالوا : نتولاَّهما. قال : يا عمرو ! ان كنت رجلا تتبرَّأ منهما فإنه يجوز لك الخلاف علهيما ، وإن كنت تتولاَّهما فقد خالفتهما ، قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ولم يشاور فيه (48)
أحداً ، ثمَّ ردها أبو بكر عليه ولم يشاور فيه أحداً ، ثمَّ جعلها عمر شورى بين ستة ، وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار غير أولئك الستة من قريش ، وأوصى فيهم شيئاً لا أراك ترضى به أنت ولا أصحابك ; إذ جعلتها شورى بين جميع المسلمين.
قال : وما صنع ؟ قال : أمر صهيباً أن يصلّي بالناس ثلاثة أيام ، وأن يشاور أولئك الستة ليس معهم أحد ، وابن عمر يشاورونه وليس له من الأمر شيء ، وأوصى من بحضرته من المهاجرين والأنصار ـ إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا أو يبايعوا رجلا ـ أن يضربوا أعناق أولئك الستة جميعاً ، فإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيام وخالف اثنان أن يضربوا أعناق الإثنين ، أفترضون بهذا أنتم فيما تجعلون من الشورى في جماعة من المسلمين ؟ قالوا : لا. ثمَّ قال : يا عمرو ! دع ذا ، أرأيت لو بايعت صاحبك الذي تدعوني إلى بيعته ، ثمَّ اجتمعت لكم الأمَّة فلم يختلف عليكم رجلان فيها ، فأفضتم إلى المشركين الذين لا يسلمون ولا يؤدّون الجزية ، أكان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون بسيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المشركين في حروبه ؟ قال : نعم. قال : فتصنع ماذا ؟ قال : ندعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية. قال : وإن كانوا مجوساً ليسوا بأهل الكتاب ؟ قال : سواء. (49)
قال : وإن كانوا مشركي العرب وعبدة الأوثان ؟
قال : سواء. قال : أخبرني عن القرآن تقرؤه ؟ قال : نعم. قال : اقرأ : ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ ) (1). فاستثناء الله عزَّوجلَّ واشتراطه من الذين أوتوا الكتاب ، فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء ؟ قال : نعم. قال : عمَّن أخذت ذا ؟ قال : سمعت الناس يقولون. قال : فدع ذا ، فإن هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع بالغنيمة ؟ قال : أخرج الخمس ، وأقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه. قال : أخبرني عن الخمس ، من تعطيه ؟ قال : حيثما سمَّى الله ، قال : فقرأ : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (2). قال : الذي للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من تعطيه ؟ ومن ذو القربى ؟ 1 ـ سورة التوبة ، الآية : 29. 2 ـ سورة الأنفال ، الآية : 41. (50)
قال : قد اختلف فيه الفقهاء فقال بعضهم : قرابة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، وقال بعضهم : الخليفة ، وقال بعضهم : قرابة الذين قاتلوا عليه من المسلمين.
قال : فأيُّ ذلك تقول أنت ؟ قال : لا أدري. قال : فأراك لا تدري ، فدع ذا. ثمَّ قال : أرأيت الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها ؟ قال : نعم. قال : فقد خالفت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في سيرته ، بيني وبينك فقهاء أهل المدينة ومشيختهم ، فاسألهم فإنهم لا يختلفون ، ولا يتنازعون في أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ، ولا يهاجروا ، على إن دهمه (1) من عدوِّه دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم ، وليس لهم في الغنيمة نصيب ، وأنت تقول بين جميعهم ، فقد خالفت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كل ما قلت في سيرته في المشركين ، ومع هذا ما تقول في الصدقة ؟ فقرأ عليه الآية : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ) إلى آخر الآية (2). قال : نعم ، فكيف تقسمها ؟ قال : أقسمها على ثمانية أجزاء ، فأعطي كل جزء من الثمانية جزءاً ، قال : وان كان صنف منهم عشرة آلاف ، وصنف منهم رجلا واحداً أو رجلين أو ثلاثة ، جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف ؟ 1 ـ دهمه : غشيه ، والدهم : العدد الكثير ، وجماعة الناس. 2 ـ سورة التوبة ، الآية : 60. (51)
قال : نعم.
قال : وتجمع صدقات أهل الحضر وأهل البوادي ، فتجعلهم فيها سواء ؟ قال : نعم. قال : فقد خالفت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كل ما قلت في سيرته ، كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر ، ولا يقسمه بينهم بالسويَّة ، وإنما يقسمه على قدر ما يحضره منهم وما يرى ، وليس عليه في ذلك شيء موقّت موظّف ، وإنما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضره منهم ، فإن كان في نفسك مما قلت شيءٌ فالقِ فقهاء أهل المدينة ; فإنهم لا يختلفون في أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كذا كان يصنع. ثمَّ أقبل على عمرو بن عبيد فقال له : اتق الله ، وأنتم ـ أيُّها الرهط ـ فاتقوا الله ، فإن أبي حدَّثني ـ وكان خير أهل الأرض ، وأعلمهم بكتاب الله عزَّوجلَّ وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : من ضرب الناس بسيفه ، ودعاهم إلى نفسه ، وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف (1). 1 ـ الكافي ، الكليني : 5/23 ـ 27 ح 1 ، تهذيب الأحكام الطوسي : 6/148 ـ 151 ح 7 ، الاحتجاج ، الطبرسي : 2/118 ـ 122. (52)
المناظرة السابعة
مناظرة
قال القاضي النعمان المغربي : روينا عنه ـ صلوات الله عليه ـ أنّه قال يوماً لابن أبي ليلى : أتقضي بين الناس ، يا عبد الرحمن ؟
الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع القاضي ابن أبي ليلى في وجوب متابعة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال : نعم ، يا بن رسول الله. قال : تنزع مالا من يدي هذا فتعطيه هذا ، وتنزع امرأة من يدي هذا فتعطيها هذا ، وتحدُّ هذا ، وتحبس هذا ؟ قال : نعم. قال : بماذا تفعل ذلك كلَّه ؟ قال : بكتاب الله. قال : كل شيء تفعله تجده في كتاب الله ؟ قال : لا. قال : فما لم تجده في كتاب الله ، فمن أين تأخذه ؟ قال : فآخذه عن رسول الله. (53)
قال : وكل شيء تجده في كتاب الله وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
قال : ما لم أجده في كتاب الله ولا سنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخذته عن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). قال : عن أيِّهم تأخذ ؟ قال : عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ ( عليه السلام ) وطلحة والزبير ، وعدَّ أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). قال : فكل شيء تأخذه عنهم تجدهم قد اجتمعوا عليه ؟ قال : لا. قال : فإذا اختلفوا فبقول من تأخذ منهم ؟ قال : بقول من رأيت أن آخذ منهم أخذت. قال : ولا تبالي أن تخالف الباقين ؟ قال : لا. قال : فهل تخالف عليّاً فيما بلغك أنه قضى به ؟ قال : ربّما خالفته إلى غيره منهم. فسكت أبو عبد الله ( عليه السلام ) ساعة ينكت في الأرض ، ثمَّ رفع رأسه إليه ، فقال : يا عبد الرحمن ! فما تقول يوم القيامة إن أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيدك ، وأوقفك بين يدي الله فقال : أي ربِّ ! إن هذا بلغه عنّي قول فخالفه ؟ قال : وأين خالفت قوله يابن رسول الله ؟ قال : ألم يبلغك قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأصحابه : أقضاكم علي ؟ (1). 1 ـ تقدَّم مع بعض التخريجات في مناظرة الإمام الباقر ( عليه السلام ) مع هشام بن عبد الملك ، وسوف يأتي المزيد في مناظرة هشام بن الحكم مع حفص بن سالم. (54)
قال : نعم.
قال : فإذا خالفت قوله ، ألم تخالف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فاصفرَّ وجه ابن أبي ليلى حتّى عاد كالأترجة ، ولم يحر جواباً (1). وفي رواية الكليني : عن سعيد بن أبي الخضيب البجلي قال : كنت مع ابن أبي ليلى مزاملة حتى جئنا إلى المدينة ، فبينا نحن في مسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذ دخل جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) ، فقلت لابن أبي ليلى : تقوم بنا إليه ؟ فقال : وما نصنع عنده ؟ فقلت : نسائله ونحدِّثه. فقال : قم ، فقمنا إليه ، فسائلني عن نفسي وأهلي ، ثمَّ قال : من هذا معك ؟ فقلت : ابن أبي ليلى قاضي المسلمين. فقال له : أنت ابن أبي ليلى قاضي المسلمين ؟ قال : نعم. قال : تأخذ مال هذا فتعطيه هذا ؟ وتقتل ، وتفرِّق بين المرء وزوجه ؟ لا تخاف في ذلك أحداً ؟ قال : نعم. قال : فبأيِّ شيء تقضي ؟ قال : بما بلغني عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وعن علي ( عليه السلام ) ، وعن أبي بكر وعمر. قال : فبلغك عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : إن عليّاً ( عليه السلام ) أقضاكم ؟ 1 ـ دعائم الإسلام ، القاضي النعمان المغربي : 1/92 ، مستدرك الوسائل ، الميرزا النوري : 17/241 ـ 242 ح 2 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 101/269 ـ 270 ح 3 ، و 40/150. (55)
قال : نعم.
قال : فكيف تقضي بغير قضاء عليٍّ ( عليه السلام ) وقد بلغك هذا ؟ فما تقول إذا جيء بأرض من فضّة ، وسماء من فضّة ، ثمَّ أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيدك فأوقفك بين يدي ربِّك فقال : يا ربِّ ! إن هذا قضى بغير ما قضيت ؟ قال : فاصفرِّ وجه ابن أبي ليلى حتى عاد مثل الزعفران ، ثمَّ قال لي : التمس لنفسك زميلا ، والله لا أكلِّمك من رأسي كلمة أبداً (1). 1 ـ الكافي ، الكليني : 7/408 ـ 409 ح 5. (56)
المناظرة الثامنة
مناظرة
روى الكليني عن عقبة بن خالد قال : قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) لو رأيت غيلان بن جامع واستأذن عليَّ فأذنت له ، وقد بلغني أنه كان يدخل إلى بني هاشم ، فلمَّا جلس قال : أصلحك الله ! أنا غيلان بن جامع المحاربي قاضي ابن هبيرة.
الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع القاضي غيلان بن جامع قال : قلت : يا غيلان ! ما أظنُّ ابن هبيرة وضع على قضائه إلاَّ فقيهاً ؟ قال : أجل. قلت : يا غيلان ! تجمع بين المرء وزوجه ؟ قال : نعم. قلت : وتفرِّق بين المرء وزوجه ؟ قال : نعم. قلت : وتقتل ؟ قال : نعم. قلت : وتضرب الحدود ؟ (57)
قال : نعم.
قلت : وتحكم في أموال اليتامى ؟ قال : نعم. قلت : وبقضاء من تقضي ؟ قال : بقضاء عمر ، وبقضاء ابن مسعود ، وبقضاء ابن عباس ، وأقضي من قضاء أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) بالشيء. قال : قلت : يا غيلان ! ألستم تزعمون ـ يا أهل العراق ـ وتروون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : علي أقضاكم ؟ فقال : نعم. قال : قلت : وكيف تقضي من قضاء علي ( عليه السلام ) ـ زعمت ـ بالشيء ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : عليٌّ أقضاكم ؟ قال : وقلت : كيف تقضي يا غيلان ؟ قال : أكتب : هذا ما قضى به فلان بن فلان لفلان بن فلان ، يوم كذا وكذا ، من شهر كذا وكذا ، من سنة كذا ، ثمَّ أطرحه في الدواوين. قال : قلت : يا غيلان ! هذا الحتم من القضاء ، فكيف تقول إذا جمع الله الأولين والأخرين في صعيد ، ثمَّ وجدك قد خالفت قضاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي ( عليه السلام ) ؟ قال : فأقسم بالله لجعل ينتحب. قلت : أيُّها الرجل ! اقصد لسانك. قال : ثمَّ قدمت الكوفة ، فمكثت ما شاء الله ، ثمَّ إنّي سمعت رجلا من الحيِّ يحدِّث ، وكان في سمر ابن هبيرة ، قال : والله إنّي لعنده ليلة إذ جاءه الحاجب (58)
فقال : هذا غيلان بن جامع ، فقال : أدخله ، قال : فدخل فساءله ، ثمَّ قال له : ما حال الناس ؟ أخبرني لو اضطرب حبل من كان لها ؟
قال : ما رأيت ثمَّ أحداً إلاَّ جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) .. (1). 1 ـ الكافي ، الكليني : 7/429 ـ 430 ح 13. (59)
المناظرة التاسعة
مناظرة
روى الكشي عليه الرحمة ، عن هشام بن سالم قال : كنّا عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) جماعة من أصحابه ، فورد رجل من أهل الشام ، فاستأذن فأذن له ، فلمَّا دخل سلَّم ، فأمره أبو عبد الله ( عليه السلام ) بالجلوس.
الإمام الصادق ( عليه السلام ) وبعض أصحابه مع الشامي ثمَّ قال له : ما حاجتك أيُّها الرجل ؟ قال : بلغني أنّك عالم بكل ما تسأل عنه ، فصرت إليك لأناظرك. فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : في ماذا ؟ قال : في القرآن ، وقطعه وإسكانه ، وخفضه ونصبه ورفعه. فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : يا حمران ! دونك الرجل. فقال الرجل : إنّما أريدك أنت لا حمران. فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إن غلبت حمران فقد غلبتني. فأقبل الشاميُّ يسأل حمران حتى غرض (1) ، وحمران يجيبه. فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : كيف رأيت يا شاميّ ؟! قال : رأيته حاذقاً ، ما سألته عن شيء إلاَّ أجابني فيه. 1 ـ أي : ملَّ وضجر. (60)
فقال : أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا حمران ! سل الشاميَّ ، فما تركه يكشر (1).
فقال الشامي : أرأيت ـ يا أبا عبد الله ـ أناظرك في العربية. فالتفت أبو عبدالله ( عليه السلام ) فقال : يا أبان بن تغلب ! ناظره ، فناظره فما ترك الشامي يكشر. قال : أريد أن أناظرك في الفقه. فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا زرارة ! ناظره ، فما ترك الشامي يكشر. قال : أريد أن أناظرك في الكلام. فقال : يا مؤمن الطاق ! ناظره ، فناظره فسجل الكلام بينهما ، ثمَّ تكلَّم مؤمن الطاق بكلامه فغلبه به. فقال : أريد أن أناظرك في الاستطاعة. فقال للطيار : كلِّمه فيها. قال : فكلَّمه فما تركه يكشر. فقال : أريد أناظرك في التوحيد. فقال لهشام بن سالم : كلِّمه ، فسجل الكلام بينهما ، ثمَّ خصمه هشام. فقال : أريد أن أتكلَّم في الإمامة. فقال لهشام بن الحكم : كلِّمه يا أبا الحكم فكلَّمه فما تركه يريم ولا يحلي ولا يمري. قال : فبقي يضحك أبو عبدالله ( عليه السلام ) حتى بدت نواجذه. فقال الشامي : كأنك أردت أن تخبرني أن في شيعتك مثل هؤلاء الرجال ؟ قال : هو ذلك ، ثمَّ قال : يا أخا أهل الشام ، أمَّا حمران فحزقك فحرت له فغلبك بلسانه ، وسألك عن حرف من الحقِّ فلم تعرفه. 1 ـ كشَّر عن أسنانه ، كشف عن أسنانه ، أرعده. |
|||
|