مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: 136 ـ 150
(136)
الخطاب ؟
    إن قالوا : إنكم تعلمون ذلك باضطرار.
    قلنا لهم : وذلك هو ما تحكونه أنتم عنه ، أو ما نحكيه نحن مما يوافق حكايتنا عن ذرّيّته ( عليهم السلام ) ؟
    فإن قالوا : هو ما نحكيه دونكم.
    قلنا لهم : ونحن ـ على أصلكم ـ في إنكار ذلك مكابرون.
    وإن قالوا : نعم.
    قلنا لهم : بل العلم حاصل لكم بما نحكيه عنه خاصّة ، وأنتم في إنكار ذلك مكابرون ، وهذا ما لا فصل فيه.
    وهو أيضاً يسقط اعتلالهم في عدم العلم الضروريّ بمذاهب الذرّيّة لما ذكروه من تقسيم الفقهاء لها ; لأن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) قد سبق الفقهاء الذين أشاروا إليهم ، وكان مذهب علي ( عليه السلام ) متفرِّداً.
    فإن اعتلّوا بأنه كان منقسماً في قول الصحابة فهم أنفسهم ينكرون ذلك ; لروايتهم عنه الخلاف ، مع أنه يجب أن لا يعرف مذهب عمر وابن مسعود ، لأنهما كانا منقسمين في مذاهب الصحابة ، وهذا فاسد من القول بيِّن الاضمحلال.
    قال الشيخ أدام الله عزَّه : وهذا كلام صحيح ، ويؤيِّده علمنا بمذاهب المختارين من المعتزلة والزيدية والخوارج ، مع انبثاثها في أقوال الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار.
    وقال الشيخ أدام الله حراسته : وقد ذكرت الجواب عمَّا تقدم من السؤال في هذا الباب ، في كتابي المعروف بتقرير الأحكام ، ووجوده هناك يغني عن تكراره هاهنا ، إذ هو في موضعه مستقصى عن البيان (1).
1 ـ الفصول المختارة ، المفيد : 201 ـ 204 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 10/446 ـ 448 ح 16.

(137)
    المناظرة الحادية والثلاثون
مناظرة
الشيخ المفيد مع أبي علي بن شاذان
في حديث الأنبياء يورِّثون أم لا
    قال السيوطي في تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك في البحث عن أن الأنبياء ( عليهم السلام ) يورِّثون أم لا ؟ : قال الباجي : أخبرني القاضي أبو جعفر السماني أن أبا علي بن شاذان ـ وكان من أهل العلم بهذا الشأن إلاَّ أنه لم يكن قرأ عربيّة ـ فناظر يوماً في هذه المسألة أبا عبدالله بن المعلِّم ـ وكان إمام الإماميّة ، وكان مع ذلك من أهل العلم بالعربيَّة ـ فاستدل ابن شاذان على أن الأنبياء لا يورِّثون بحديث : إنّا معاشر الأنبياء لا نورِّث ، ما تركناه صدقة (1).
    فقال له ابن المعلِّم : أمَّا ما ذكرت من هذا الحديث فإنّما هو صدقة نصب على الحال ، فيقتضي ذلك : أن ما تركه النبيُّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على وجه الصدقة لا يورث عنه ، ونحن لا نمنع هذا ، وإنّما نمنع ذلك فيما تركه على غير هذا الوجه .. (2).
1 ـ قال الشهرستاني في الملل والنحل : 1/31 فيما وقع من الخلاف بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الخلاف السادس : في أمر فدك والتوارث عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودعوى فاطمة ( عليها السلام ) وراثة تارة ، وتمليكاً أخرى ، حتى دفعت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة.
2 ـ تنوير الحوالك : 715 ، مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي : 1/42.


(138)
    المناظرة الثانية والثلاثون
مناظرة
الشريف المرتضى مع علماء الجمهور في الإمامة
    قال ابن أبي جمهور الأحسائي عليه الرحمة : وقد اتّفق للمرتضى عليه الرحمة مع علماء الجمهور في الإمامة ، فأوردوا عليه أخباراً موضوعة في فضائل الشيخين ، فقال : هي مكذوبة بها على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    فقالوا : لا يقدر ولا يتجَّرى أحد على الكذب عليه.
    فأجابهم بأنه روي عنه هذا الحديث ـ أعني قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ستكثر عليَّ الكذّابة ) (1) ـ فهذا الحديث إمّا مكذوب عليه أو هو صحيح عنه ، ويلزم المطلوب على كلا التقديرين ، فأفحموا به عن الجواب (2).
1 ـ الكافي ، الكليني : 1/62 ح 1 ، تحف العقول ، ابن شعبة الحراني : 193.
2 ـ عوالي اللئالي ، ابن أبي جمهور الأحسائي : 1/187.


(139)
    المناظرة الثالثة والثلاثون
مناظرة
إسماعيل بن علي الفقيه مع بعض الحنابلة
    قال ابن أبي الحديد : حدَّثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي ، المعروف بابن عالية ، من ساكني قطفتا (1) ، بالجانب الغربيِّ من بغداد ، وأحد الشهود المعدَّلين بها ، قال : كنت حاضراً الفخر إسماعيل بن علي الحنبلي ، الفقيه المعروف بغلام ابن المنى ، وكان الفخر إسماعيل بن علي هذا مقدَّم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف ، ويشتغل بشيء في علم المنطق ، وكان حلو العبارة ، وقد رأيته أنا ، وحضرت عنده ، وسمعت كلامه ، وتوفِّي سنة عشر وستمائة.
    قال ابن عالية : ونحن عنده نتحدَّث ، إذ دخل شخص من الحنابلة ، قد كان له دين على بعض أهل الكوفة ، فانحدر إليه يطالبه به ، واتّفق أن حضرت زيارة يوم الغدير والحنبلي المذكور بالكوفة ، وهذه الزيارة هي اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، ويجتمع بمشهد أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) من الخلائق جموع عظيمة ،
1 ـ قطفتا ـ بالفتح ثمَّ الضمِّ ، والفاء ساكنة ، وتاء مثنّاة ، والقصر ـ محلّة كبيرة ذات أسواق ، بالجانب الغربيِّ من بغداد ، بينها وبين دجلة أقلّ من ميل. مراصد الاطلاع ، البجاوي : 3/1107.

(140)
تتجاوز حدَّ الإحصاء.
    قال ابن عالية : فجعل الشيخ الفخر يسائل ذلك الشخص : ما فعلت ؟ ما رأيت ؟ هل وصل مالك إليك ؟ هل بقي لك منه بقيّة عند غريمك ؟ وذلك يجاوبه ، حتى قال له : يا سيِّدي ! لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير ، وما يجري عند قبر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من الفضائح والأقوال الشنيعة ، وسبِّ الصحابة جهاراً بأصوات مرتفعة من غير مراقبة ولا خيفة !
    فقال إسماعيل : أيُّ ذنب لهم ؟ والله ما جرَّأهم على ذلك ، ولا فتح لهم هذا الباب إلاَّ صاحب ذلك القبر !
    فقال ذلك الشخص : ومن صاحب القبر ؟
    قال : عليُّ بن أبي طالب !
    قال : يا سيِّدي ! هو الذي سنَّ لهم ذلك ، وعلَّمهم إيّاه ، وطرقهم إليه ؟!
    قال : نعم والله.
    قال : يا سيدي ! فإن كان محقّاً فمالنا أن نتولّى فلاناً وفلاناً ؟! وإن كان مبطلا فمالنا نتولاّه ؟! ينبغي أن نبرأ إمَّا منه أو منهما.
    قال ابن عالية : فقام إسماعيل مسرعاً ، فلبس نعليه ، وقال : لعن الله إسماعيل الفاعل إن كان يعرف جواب هذه المسألة ، ودخل دار حرمه ، وقمنا نحن وانصرفنا (1).
1 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 9/307 ـ 308.

(141)
    المناظرة الرابعة والثلاثون
مناظرة
الأمير أبي الفوارس مع الوزير يحيى بن هبيرة
في إيمان أبي طالب ( عليه السلام )
    عن سلار بن حبيش البغدادي ، عن الأمير أبي الفوارس الشاعر قال : حضرت مجلس الوزير يحيى بن هبيرة ومعي يومئذ جماعة من الأماثل وأهل العلم ، وكان في جملتهم الشيخ أبو محمّد بن الخشّاب اللغوي ، والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي وغيرهم ، فجرى حديث شعر أبي طالب ابن عبد المطلب ، فقال الوزير : ما أحسن شعره لو كان صدر عن إيمان !
    فقلت : والله لأجيبن الجواب قربة إلى الله ، فقلت : يا مولانا ! ومن أين لك أنّه لم يصدر عن إيمان ؟
    فقال : لو كان صادراً عن إيمان لكان أظهره ولم يخفه.
    فقلت : لو كان أظهره لم يكن للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ناصر.
    قال : فسكت ولم يحر جواباً ، وكانت لي عليه رسوم فقطعها ، وكانت لي فيه مدائح في مسودات فغسلتها جميعاً (1).
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 35/134 ح 79.

(142)
    المناظرة الخامسة والثلاثون
مناظرة
إمرأة مع ابن الجوزي
    قال ابن الجوزي يوماً على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، فسألته امرأة عمَّا روي أن عليّاً ( عليه السلام ) سار في ليلة إلى سلمان فجهَّزه ورجع.
    فقال : روي ذلك.
    قالت : وعثمان تمَّ ثلاثة أيام منبوذاً في المزابل ، وعليُّ ( عليه السلام ) حاضر ؟
    قال : نعم.
    قالت : فقد لزم الخطأ لأحدهما.
    فقال : إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن بعلك فعليك لعنة الله ، وإلاَّ فعليه.
    فقالت : خرجت عائشة إلى حرب عليٍّ بإذن النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو لا ؟ (1)
    فانقطع ولم يحر جواباً (2).
1 ـ روى الموفّق الخوارزمي في المناقب : 176 ـ 177 ح 214 بالإسناد عن شهر بن حوشب قال : كنت عند أم سلمة رضي الله عنها ، فسلَّم رجل ، فقيل : من أنت ؟ قال : أنا أبو ثابت مولى أبي ذر ، قالت : مرحباً بأبي ثابت ، ادخل ، فدخل فرحَّبت به ، فقالت : أين طار قلبك حين طارت القلوب مطايرها ؟ قال : مع علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قالت : وفِّقت ، والذي نفس أم سلمة بيده لسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، ولقد بعثت ابني عمر ، وابن أخي عبدالله ـ أبي أميَّة ـ وأمرتهما أن يقاتلا مع علي من قاتله ، ولو لا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمرنا أن نقرَّ في حجالنا أو في بيوتنا ، لخرجت حتى أقف في صفِّ عليٍّ ( عليه السلام ).
2 ـ الصراط المستقيم ، علي بن يونس العاملي : 1/218 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 29/647.


(143)
    المناظرة السادسة والثلاثون
مناظرة
رجل مع قاضي بغداد في تصدُّق أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) بالخاتم
    قال السيِّد نعمة الله الجزائري عليه الرحمة : حكى لي بعض إخواني ، قال : كنت جالساً في بعض الأيَّام عند قاضي بغداد الحنفي ، فسمعنا سائلا يقرأ قصيدة التصدُّق بالخاتم ، فقال لي : اسمع هؤلاء الروافض كيف نظموا القصائد في مدح علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) على تصدُّقه بخاتم ما تبلغ قيمته أربعة دراهم ، وأبو بكر الصدّيق تصدَّق بجميع ماله ، ولم يذكره أحد في نظم ولا نثر.
    فقلت له : أصلح الله القاضي ، ليس للروافض ذنب في هذا المعنى ، إن كان شيءٌ فهو من عالم الملكوت ، لأنه أنزل في ذلك الخاتم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة (1) ، ولم ينزل في شأن أبي بكر آية ولا سورة مع تصدُّقه بالمال الجزيل (2).
1 ـ روى ابن عساكر بالإسناد عن علي ( عليه السلام ) قال : نزلت هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) : فدخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المسجد ، والناس يصلّون بين راكع وقائم يصلّي ، فإذا سائل ، فقال : يا سائل ! هل أعطاك أحد شيئاً ؟ فقال : لا إلاَّ هذاك الراكع ـ لعلي ـ أعطاني خاتمه. تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 42/356 ـ 357.
    وروى الحاكم الحسكاني بالإسناد عن ابن عباس في قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) قال : نزلت في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ). شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : 1/209 ح 216.
    وراجع ـ أيضاً ـ من المصادر : أسباب النزول ، الواحدي : 133 ، المناقب ، الموفّق الخوارزمي : 264 ح 246 و 266 ح 248 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 13/277 ، وراه أيضاً الحافظ أبو نعيم الإصبهاني في كتابه : ما نزل من القرآن في علي ( عليه السلام ) ، زاد المسير ، ابن الجوزي : 2/292 ، تفسير القرطبي : 6/221 ، تفسير ابن كثير : 2/74 ، الدرّ المنثور ، السيوطي : 2/294 ، نظم درر المسطين ، الزرندي : 86 ـ 88.
    وقال شرف الدين الحسيني عليه الرحمة في تأويل الآيات : 1/153 ح 11 : ونقل ابن طاووس : أن محمّد بن العباس روى حكاية نزول الآية الكريمة ، والولاية العظيمة من تسعين طريقاً ، بأسانيد متّصلة ، كلّها من رجال المخالفين لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ثم عدَّد الرواة وسمَّاهم.
    ومما اشتهر ـ أيضاً ـ في هذه المنقبة الشريفة ما أنشده حسان بن ثابت ، قال :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي أيذهب مدحي والمحبر ضائعا فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً فأنزل فيك الله خير ولاية وكل بطيء في الهدى ومسارع وما المدح في جنب الإله بضائع فدتك نفوس القوم يا خير راكع فبيَّنها في محكمات الشرائع
    المناقب ، الموفّق الخوارزمي : 265 ، شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : 1/236 ، نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : 88.
2 ـ ويروى ـ أيضاً ـ أن عمر تصدَّق بأربعين خاتماً رجاء أن ينزل فيه شيءٌ فلم ينزل ، وروي أن عمر بن الخطاب قال : والله لقد تصدَّقت بأربعين خاتماً وأنا راكع ، لينزل فيَّ ما نزل في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فما نزل. الأمالي ، الصدوق : 186 ، مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 2/209.
    وفي رواية أخرى عن عمر أنه قال : أخرجت من مالي صدقة يتصدَّق بها عنّي وأنا راكع أربعاً وعشرين مرّة على أن ينزل فيَّ ما نزل في علي ( عليه السلام ) فما نزل. تأويل الآيات ، شرف الدين الحسيني : 1/153.


(144)
    فحرَّك يده وقال : يا أخي ! خطر هذا في بالي أيضاً ، ولكن كيف الحيلة ؟! (1)
1 ـ زهر الربيع ، الجزائري : 28 ـ 29.

(145)
    المناظرة السابعة والثلاثون
مناظرة
السيِّد الفندرسكي مع سلطان الهند في شتم معاوية
    حكي : أن الأمير فندرسكي في أثناء سياحته وصل إلى الهند ، فطلب السلطان منه لقاءه ، فامتنع السيِّد لكون السلطان سنّياً ، وبعد الإصرار قبله بشرط عدم مذاكرات مذهبيّة ، ولكن بعد اللقاء قال السلطان : وإن كان شرط اللقاء عدم البحث في المذهب ولكنّي أسألكم سؤالا واحداً في سبّ معاوية لأيِّ جهة هو ؟
    قال السيِّد : لو فرضنا أنّك كنت في الحرب بين علي ( عليه السلام ) ومعاوية موجوداً ، بأمر أيِّهما كنت ممتثلا ؟
    قال السلطان : كنت أطيع أمر علي ( عليه السلام ) ; لكونه خليفة بالإجماع ، وكون مخالفته كفراً.
    قال السيِّد : لو أمرك عليٌّ ( عليه السلام ) بمبارزة معاوية ، تطيعه أو تعصيه ؟
    قال السلطان : لقد كنت أطيعه ; لكون خلافه كفراً.
    قال السيِّد : فحينئذ لو سلَّ معاوية سيفه وأراد قتلك ، هل كنت تقتله ، أو تهرب من الجهاد ، أو كنت تقتل نفسك ؟
    قال السلطان : كنت أقتله قطعاً.


(146)
    قال السيِّد : تعدُّ قتله طاعة أو معصية ؟
    قال السلطان : أعدُّه طاعة ; لكونه طاعة لعليٍّ ( عليه السلام ).
    قال السيِّد : فمن كنت تقتله وتستبيح دمه تسألني عن سبِّه أنه يجوز أو لا يجوز ؟! (1).
1 ـ روضة المؤمنين : 125 ، زهر الربيع ، الجزائري : 323 ، مواقف الشيعة ، الأحمدي : 3/247 ـ 248.

(147)
    المناظرة الثامنة والثلاثون
مناظرة
مع شيخ من أهل الشام جاء لمناظرة
العلامة الحلي ( رحمه الله ) في الفرقة الناجية
    جاء في كتاب التحفة الشاهية (1) : أنَّه ـ بعد أن ذاع صيت اجتهاد شيخ الطائفة الإمامية في زمانه ، ووجههم ورئيسهم في ذلك الزمان ، وهو جمال الملّة والدين ، الحسن بن المطهَّر الحلي ، روَّح الله روحه ، وأسكنه بحبوحة جنَّاته ـ أنه قدم أحد المشائخ ، وكان ساكناً بأرض الشام ، فحينما سمع بأن العلامة على مذهب الأئمّة الاثني عشر ( عليهم السلام ) ، وأن الأحاديث والأخبار الشريفة تدل على أحقّيّتهم ، وأنهم على سنَّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سافر من بلده إلى الحلّة قاصداً مناظرة العلاّمة ـ عليه الرحمة ـ وإفحامه.
    وحينما وصل خبر وصوله إلى الحلّة خرج اثنان من تلامذة العلامة لاستقباله ، وليمتحنوا قدرته على مناظرة العلامة ، ومدى معرفته بالعلوم ليخبروا
1 ـ قد تفضل علينا بهذه المناظرة وترجمها إلى العربية صديقنا فضيلة العلامة المحقق الشيخ محمّد رضا الأنصاري جزاه الله خير الجزاء.

(148)
العلامة بذلك.
    وحينما التقوا بالشيخ الشامي سألوه عن الحديث المرويّ المشهور : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلّهم في النار إلاَّ واحدة (1) ، وأنه هل ثبت صحّة هذا الحديث عنده أم لا ؟
    فقال : نعم.
1 ـ روى الخزاز القمّي عليه الرحمة في كفاية الأثر : 155 ، عن يحيى البكا ، عن علي ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، منها فرقة ناجية ، والباقون هالكة ، والناجية الذين يتمسَّكون بولايتكم ، ويقتبسون من علمكم ، ولا يعملون برأيهم ، فأولئك ما علهيم من سبيل ، فسألت عن الأئمة ، فقال : عدد نقباء بني إسرائيل.
    وجاء في مسند أحمد بن حنبل : 3/120 ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن بني إسرائيل قد افترقت على ثنتين وسبعين فرقة ، وأنتم تفترقون على مثلها ، كلّها في النار إلاَّ فرقة. وجاء في ص 145 عن أنس أيضاً مثله ، وفيه : فتهلك إحدى وسبعين ، وتخلص فرقة ..
    وفي سنن ابن ماجة : 2/1322 ح 3992 : عن عوف بن مالك ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والذي نفس محمّد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنّة ، وثنتان وسبعون في النار.
    وراجع أيضاً : المستدرك ، الحاكم : 1/129 ، المصنّف ، عبدالرزاق : 10/156 ح 18674 و 18657 ، المعجم الصغير ، الطبراني : 1/256.
    وروى البيهقي في السنن : 10/208 ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .. وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة. قال : قال أبو سلميان الخطابي : قوله : وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فيه دلالة على أن هذه الفرق كلّها غير خارجين من الدين ; إذ أن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جعلهم كلّهم من أمته.
    أقول : هذا الكلام غير صحيح وذلك لأنّه : أولا تنافيه الروايتان السابقتان المرويَّتان عن أنس وعوف بن مالك ; إذ هما صريحتان في كون سائر الفرق هالكة وأنها في النار إلاَّ واحدة ، ومعه كيف يصحّ عدّ سائر الفرق غير خارجة من الدين ؟ وأيُّ خروج أعظم ممَّا يؤول إلى الهلاك وإلى النار ؟
    وثانياً : كون الشخص من أمّة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يعطيه أماناً من عدم الخروج من الدين ومن الهلاك ومن النار ; إلا إذا كان من أهل الفرقة الناجية ـ بشرطها وشروطها ـ فكون الشخص من الأمة يعني أنه من أهل الإسلام له ما للمسلمين وعليه ما عليهم وأنه محقون الدم والمال والعرض .. الخ.


(149)
    فسألوه : هل أن الأئمة الاثني عشر ( عليهم السلام ) الذين يعتقد فيهم الشيعة العصمة والطهارة ، وأنهم أئمّة تجب طاعتهم داخلون في هذه الفرقة ، أم أنهم داخلون في الفرقة الهالكة ؟
    فلم يلتفت إليهم الشيخ الشامي ، ولم يجبهم ، ثم قفل عائداً إلى الشام وتركهم.
    ويقال : إنه حينما سألوه عن السبب في عدم إجابتهم قال لهم : لأني كنت عاجزاً عن إجابتهم شِقَّي السؤال ; لأنه لو أجبتهم بدخول هؤلاء في الفرقة الناجية فإنه يستلزم الاعتراف بنجاة الفرقة الإماميّة ، وأدخل نفسي في الفرقة الهالكة ، وإن لم أعترف بدخولهم ـ والعياذ بالله ـ في الفرقة الناجية فإني أدخل في زمرة الكفرة والمخلدين في النار (1).
1 ـ التحفة الشاهية ، عبدالخالق قاضي زاده : 35 ـ 36.

(150)
    المناظرة التاسعة والثلاثون
مناظرة
الشيخ حسين بن عبدالصمد الجبعي العاملي
مع بعض فضلاء حلب (1)
    قال الشيخ حسين بن عبد الصمد الجبعي العاملي عليه الرحمة : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله على ما أنعم به فكفى ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ، محمَّد النبيِّ الأُمّيِّ وأهل بيته ذوي الكرم والوفاء. أمَّا بعد :
    فهذه صورة بحث وقع لهذا الفقير إلى رحمة ربه الغنيّ ، حسين بن
1 ـ قد ذكرنا في الجزء الأول من المناظرات في العقائد : ص 481 مناظرة مع بعض فضلاء حلب ، ولم نعرف آنذاك صاحبها ، وهي مخطوطة من مكتبة المرعشي النجفي ، بقلم ناسخها : محمّد بن عبد الإله السلامي ، سنة خمس وتسعين وتسعمائة ، وقد قارنتها بهذه المناظرة التي هي للشيخ حسين بن عبد الصمد والتي وقعت سنة واحد وخمسين وتسعمائة ، فوجدت بينهما بعض الالتقاء في مواضيعهما ، وأقرب الظنّ أنها هي نفسها مع وجود بعض الفوارق ، ويحتمل أن الشيخ حسين بن عبدالصمد قد كتب هذه المناظرة بقلمه الشريف مرّتين ـ مع وجود الزيادة والنقيصة والإطناب والاختصار في بعض بحوثهما والله العالم.
    وهذه المناظرة أوسع وأكمل ، والأولى ـ أيضاً ـ تحتوي على بعض البحوث المهمّة التي لا توجد في الثانية ، وقد وجدنا هذه المناظرة مطبوعة بتحقيق شاكر شبع ، جزاه الله خيراً.
مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: فهرس