مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: 166 ـ 180
(166)
نهاه الصحابة ، ولم يلاحظ الله في ذلك ، حتى أظهروا المناكير من القتل وشرب الخمر ، وضرب عبدالله بن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه ، وضرب عمَّار بن ياسر حتى حدث به فتق (1) ، ونفى أبا ذر مع عظم شأنه ، وتقدُّمه في الإسلام ، ولا ذنب له سوى إنكاره على بعض منكراته.
    وآوى طريد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى المدينة بعد أن طرده رسول الله منها ، وسأل قبل ذلك أبا بكر وعمر في ردِّه فلم يقبلا ، فعند ذلك ثار عليه الناس فقتلوه ، وكان الصحابة والتابعون بين قاتل وراض ، ولم يحم عنه منهم أحد ، وترك ثلاثة أيام بغير دفن.
    وقد شهد عمَّار بن ياسر ، وزيد بن أرقم ، وحذيفة بن اليمان ، وجماعة آخرون بكفره ، وقالوا : ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) (2) ، وكانوا يقولون علانية : قتلناه ـ بحمد الله ـ كافراً (3).
    ثمَّ بيَّنت له أن عمر قد فتح البلاد بسيوف الصحابة ، وإمداد أهل البيت ( عليهم السلام ) كما نقل ، ومع ذلك لا يدلّ على مدّاكم فيه ; لأن ذلك للزيادة في ملكه ، ونحن نجد الملوك يسفكون الدماء لفتح البلاد والزيادة في الملك ، وإن استوجب العقاب في الآخرة ، وما فعله عمر لزيادة ملكه وإظهار صيته ، وليس عليه في الآخرة منه لوم ، فأيُّ دليل على صلاح باطنه ؟!
    وذكرت له أمثال ذلك مما يطول شرحه ، واتفق أهل النقل من الشيعة والسنة والمعتزلة على نقله وصحّته ، فلم يمكنهم إنكاره ، ولهذا تأوَّلوه بتكلُّفات
1 ـ راجع مصادره في الجزء الثالث من هذا الكتاب : 487.
2 ـ سورة المائدة ، الآية : 44.
3 ـ المعيار والموازنة ، أبو جعفر الإسكافي : 171 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 3/47.


(167)
تصغر عن النقل ، ويحكم بفسادها كل ذي عقل.
    وكان يجيبني في المجلس عن بعضها بما ذكروه من التكلُّفات ، فأردُّه بأيسر وجه ، وقلت له : إن اتّباع الحقّ يحتاج إلى إنصاف ، وترك الهوى ، والتقليد المألوف ، وإلاَّ فمعاجز نبيِّنا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الدالّة على صدقه ، كالقرآن وانشقاق القمر لا تبقي لأحد شكاً ، والكفَّار لمَّا سلكوا التعصُّب والعناد والتقليد المألوف لهم ، نشزت أنفسهم عن قبول ذلك ، وقابلوه بالشبهات ، فبقوا على كفرهم ، فاعترف بذلك.

    حديث الأئمة إثنى عشر
    ودخلت إلى عنده يوماً ، فرأيت بين يديه كتباً منها صحيح البخاري ، فتذكَّرت الأحاديث التي فيه : إن الأئمة اثنا عشر ـ فأريته إيّاها ـ وذلك أنه روي في صحيح البخاري بطريقين :
    أحدهما : إلى جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : يكون بعدي اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : كلُّهم من قريش (1).
    وثانيهما : إلى ابن عيينة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا ، ثمَّ تكلَّم بكلمة خفيت عليَّ ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فقال : قال : كلُّهم من قريش (2).
1 ـ صحيح البخاري : 8/127 ، مسند أحمد بن حنبل : 5/90 و 93 و 95 ، صحيح ابن حبان : 15/44 ، مسند أبي داوود : 103 ـ 104 ، فتح الباري ، ابن حجر : 13/181.
2 ـ مسند أحمد بن حنبل : 5/97 ـ 98 و 101 ، صحيح مسلم : 6/3 ، السنن الكبرى ، البيهقي : 6/254 ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 3/617 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 2/196.


(168)
    وروى بطريق آخر إلى ابن عمر ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان (1).
    وذكرت له أن مسلماً روى في صحيحه هذا الحديث بلفظه ، وروى مسلم أيضاً في صحيحه الحديث الأول بطرق متعدِّدة ، وكان صحيح مسلم عنده فأتى به ، فأريته ذلك فيه ، وفي بعض طرقه : لا يزال هذا الدين عزيزاً (2).
    فقلت له : هذا عين ما تقوله الشيعة ، وشاهد بصحّة معتقدهم ، فلا يتمُّ إلاَّ على مذهبهم ، فيكونون هم الفرقة الناجية ; لأنهم هم المتمسِّكون بالخليفتين اللذين لن يفترقا حتى يردا الحوض ، القائلون بالاثني عشر خليفة ، الموادُّون أهل بيت نبيهم ( عليهم السلام ) ، الذين جعل الله ودَّهم أجر الرسالة بقوله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (3) فإن غير الشيعة لم يميِّزوهم ، بل قدَّموا غيرهم عليهم ، فلا يضرُّهم تلبيس المتلبِّسين بالشبهات ، ولا معاداة المعاندين.
    ثمَّ باحثته في مسائل كلاميّة ، كالرؤية ، والقضاء والقدر ، وفي مسائل فرعيَّة كالمسح ، والمتعة ، وذلك بعد أن كان قد أذعن واستقرَّ الإيمان في قلبه ، وسبَّ أعداء أهل البيت عموماً ، لما تبيَّن له أحوالهم ، وما وقع منهم ، واتّضحت له حقيقة الحال ، وصار من خواصّ الشيعة.
    ولله الحمد أولا وآخراً ، وظاهراً وباطناً ، وصلَّى الله على سيِّدنا محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين إلى يوم الدين.
1 ـ صحيح البخاري : 8/105 ، فتح الباري ، ابن حجر : 6/390 ، شرح مسلم ، النووي : 12/200.
2 ـ صحيح مسلم : 6/4 ، سنن أبي داوود : 2/309 ح 4280 ، مسند أحمد بن حنبل : 5/96.
3 ـ سورة الشورى ، الآية : 23.


(169)
    المناظرة الأربعون
مناظرة
الشيخ محمّد طاهر القمّي الشيرازي مع مفتي الحنفية
في عدم الدليل على وجوب اتّباع أحد المذاهب الأربعة
    قال محمّد طاهر القمّي الشيرازي عليه الرحمة : حكاية لطيفة مناسبة ، قد اتّفق لي صحبة في مكة المشرفة مع بعض فضلاء أهل السنة ، وكان مفتي الحنفيّة ، وكان يتوهَّم أني علم مذهبه وعقيدته ، فجرى بيني وبينه مكالمات هذا مضمونها وحاصلها : قلت له : هل يرجى النجاة للشيعة ؟ وهم يقولون : ليس دليل يدلّ على عدم جواز اتّباع غير الأربعة ، ونحن نعمل بقول جعفر بن محمّد الصادق ( عليه السلام ) ؟
    فأجاب : بأن جعفر بن محمّد كان من المجتهدين الكبار ، ويجوز اتّباعه ، ولكن ما يدّعي الشيعة من المسائل بأنه قول جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) غير ثابت.
    فقلت له : إن الشيعة يقولون : إنّا إذا سألنا الحنفيّة والشافعيّة والمالكيّة والحنبليّة ، وقلنا لهم : من أين عرفتم أن ما تعملون به قول هؤلاء المجتهدين ؟ قال كل واحد من هذه الطوائف الأربعة : إن مشايخنا نقلوا عن مشايخهم ، وهكذا إلى المجتهد الذي نعمل برأيه ، فثبت بالنقل المشهور مذهب المجتهد الذي نعمل


(170)
برأيه ، وهكذا نحن عملنا بالنقل المشهور عن مشايخنا طبقة عن طبقة أن ما نعمل به قول جعفر بن محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    فقال : إذا كان هذا فهم من أهل النجاة (1).
1 ـ كتاب الأربعين ، محمّد طاهر القمي الشيرازي : 640 ـ 641.

(171)
    المناظرة الحادية والأربعون
مناظرة
رجل من عوام الشيعة مع بعض المتعصِّبين
    قال العلاّمة الدربندي عليه الرحمة : حدَّثني علاّمة علماء العامة المفتي الأروسي ، قال : كنت مع جمع من عظماء العامة والمتنصِّبين المتعصِّبين منهم ، وكنّآ جالسين في مكان يكثر فيه عبور المسافرين والغرباء ، فمرَّ بنا رجل من أهل العجم ، وكان ممَّن لايملأ العيون لكونه وضيعاً ومن العوام ، فخاض طائفة من الجالسين في طعنه وإيذائه والاستهزاء به ، فقالوا : مالكم ـ أيَّها الأعاجم ، أيُّها الحمقاء ! ـ تفعلون في كل سنة في شهر المحرَّم فعل المجانين والأطفال ، تضربون صدوركم ، وتحثون التراب على صدوركم ، وتجزعون ، وترفعون أصواتكم في الصيحة والضجَّة ، وتقولون : واحسناه واحسيناه ، ونحو ذلك ؟
    فقال : هذا الرجل : أتدرون سبب هذا وسره ؟
    فقالوا : لا.
    فقال : هذا مما يجب فعله علينا ; لأنّا إن تركنا ذلك وبقينا على هذا الترك مدّة مديدة لكنتم تقولون : إن يزيد لم يقتل ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقرّة عينه ، ولم يسبِ ـ بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بل إن قضيّة يوم الطفّ ليس لها أصل.


(172)
    فقالوا : فلم ذا ؟
    قال : إنّا قد جرَّبناكم وشاهدنا أمثال ذلك منكم مراراً.
    فقالوا : فكيف ذا ؟
    فقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد جعل ابن عمِّه ووصيَّه وأميرالمؤمنين وسيِّد الوصيين إماماً وخليفة بأمر مؤكَّد من الله تعالى ، وكان ذلك بعد حجّة الوداع في مكان يسمَّى بخم ، وكان ذلك في محضر سبعين ألف رجل حاج في تلك السنة ، وقد وصل ذلك إليكم بطرق متكاثرة متظافرة خارجة عن الحدّ والإحصاء ، مذكورة في كتبكم ، فلمَّا رأيتمونا أنَّا لا نفعل ـ خوفاً وتقيَّة منكم ـ يوم الغدير ، الذي هو أعظم الأعياد سلكتم جادّة الاعتساف ، وخالفتم أمر الله تعالى ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنكرتم قضيَّة الغدير من أصلها (1).
1 ـ وفي يوم الغدير يقول الكميت :
وَيَوْمَ الدَّوْحِ دَوْحِ غَدِيرِ خُمٍّ ولكنَّ الرِّجالَ تَبَايعوها وَلَمْ أر مِثْلَ ذاك اليومِ يوماً أَبَانَ لَهُ الْوِلاَيَةَ لَوْ أُطِيْعَا فكم لك مثلُها خَطباً منيعا وَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ حقّاً أُضيعا
    وروي أن ابن الكميت رأى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المنام ، فقال : أنشدني قصيدة أبيك ! فلمَّا وصل إلى هذا بكى بكاء شديداً ، وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : صدق أبوك رحمة الله ، اي ـ والله ـ لم أر مثله حقّاً أضيعا.
    الصراط المستقيم ، علي بن يونس العاملي : 1/310.
    وفي كنز الفوائد للكراجكي : 154 قال هناد بن السري : رأيت أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) في المنام ، فقال لي : يا هناد ! قلت : لبَّيك يا أميرالمؤمنين ، قال : أنشدني قول الكميت :
ويوم الدوح دوح غدير خم ولكن الرجال تبايعوها أبان لنا الولاية لو أطيعا فلم أر مثلها أمراً شنيعا
    قال : فأنشدته فقال : خذ إليك يا هناد ، فقلت : هات يا سيدي ، فقال :
ولم أر مثل ذاك اليوم يوماً ولم أر مثله حقاً أضيعا

(173)
    ونجدِّد في كل سنة إقامة التعزية ، وذكر مصائب سيِّد الشهداء ( عليه السلام ) والنوح والجزع والبكاء عليه ، واللعن على قاتله ، وتسميتهم بأسمائهم لئلا تطمعوا في إنكار هذا الأمر البديهيِّ الضروريِّ ، الواصل شأنه إلى هذا المقام ..
    قال : لمَّا سمعوا مقالته هذه ارتعدت فرائصهم ، وتغيَّرت ألوانهم ، واصفرَّت وجوههم ، وطأطأوا رؤوسهم إلى الأرض ، فارتطموا في الوحل.
    ثمَّ قال : والله إن هذا كان في باب ذلك الرجل من ألطاف الله تعالى وإلهاماته بحسب المقام ; لأنه كان رجلا من عوام الناس ، غير مطّلع على اصطلاحات العلماء ، وكيفيّة معارضتهم ومباحثاتهم (1).
    قال الأستاذ عبدالمنعم حسن السوداني المستبصر : والمحاولات التي يبثُّها المغرضون اليوم حول البكاء على الحسين ( عليه السلام ) ما هي إلاَّ إحدى المحاولات لإسكات صوت الحقّ ، وإطفاء نور الله ( وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (2).
    ولو لم يفعل الشيعة ذلك لإحياء ذكرى كربلاء لحاولوا طمسها كما فعلوا بحادثة الغدير ، ولقالوا لنا اليوم إن الذي قتل لم يكن الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، ويكفي فخراً لمجالس الحسين ( عليه السلام ) أنَّها ما فتئت تؤرق مضاجع الطغاة ، وتلهب في النفس المؤمنة روح الجهاد ، ويكفي قراءة خطبة واحدة من خطب الحسين ( عليه السلام ) ليسري مفعولها السحريُّ في الأرواح المؤمنة (3).
1 ـ أسرار الشهادة ، الدربندي : 1/75 ـ 76.
2 ـ سورة التوبة ، الآية : 32.
3 ـ بنور فاطمة اهتديت ، عبدالمنعم حسن السوداني : 203.


(174)
    المناظرة الثانية والأربعون
مناظرة
الشيخ الكاظمي مع الآلوسي
    قال العلاّمة الميانجي ( رحمه الله ) : نقل السيِّد المحقِّق العلامة الحاج السيِّد مهدي الروحاني : أن في بغداد انعقدت حفلة عرس حضرها كثير من الشيعة والسنة ، وحضرها العالم الكبير والمحقِّق التقيُّ الشيخ محمّد حسين الكاظمي ، ومن أهل السنة الشيخ محمود شكري الآلوسي ، فالتفت الآلوسي إلى الشيخ فقال : كان الماضون من العلماء يباحثون في مسائل دينيّة في المجالس فيستفيد منه الناس ، فهل لك أن تناظرني في بعض المسائل الشرعيَّة حتى يستفيد هؤلاء ؟
    قال الشيخ : باختياركم.
    قال الآلوسي : فهل في الأصول أو الفروع ؟
    قال الشيخ : باختياركم.
    قال : فإذن نبحث في الأصول ، ولكن في أيِّ أصل منها ؟ فهل نجعلها مناظرة ؟
    قال الشيخ : باختياركم.
    قال الآلوسي : لم لا يقول الشيعة بإمامة الشيخين ؟
    قال الشيخ : للمدّعي أن يأتي بدليل ، فإنّا نسأل أهل السنة : لم اختاروا إمامة الشيخين ؟


(175)
    قال الآلوسي : لأنَّ النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصبه للصلاة في أيام مرضه.
    وهنا أخذ الشيخ يذكِّر الآلوسي بأن بعض الصحابة زعم أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مرضه كان يهجر ( وذلك لما قال لهم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : آتوني بدواة وكتف ... ) (1).
    سكت الآلوسي وبهت وتحير ، وبان على وجهه الانكسار والعيُّ ، وفهمه الحاضرون ، وانكسر أهل السنّة الموجودون في المجلس ، وسرَّ وفرح الشيعة ، فأراد الآلوسي أن يجبر الانكسار بشيء ينسيه فقال : هلمّوا بالطعام ، فجاءوا بالطعام إليَّ وإليه ، فأراد الآلوسي جبران ما فات بالمزاح ، وأخذ يأكل من الطعام.
    فقال الألوسي : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من أكل وحده فشريكه شيطان.
    فقال الشيخ : صدق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فانكسر الآلوسي أيضاً ، وضحك الحاضرون.
    وكان على رأس الأرز المطبوخ الموضوع أمام كل من الحاضرين دجاجة ، فأكل الآلوسي وأخذ من الأرز فانهارت الدجاجة إليه ، فقال : عرف الحقُّ أهله فتقدَّم ، فقال الشيخ : لا ، بل حفر الشيخ تحته فتهدَّم.
    قال الأحمدي الميانجي ( رحمه الله ) : نقل السيِّد الروحاني هذا في منزلي في محلة خاك فرج ليلة الجمعة في شهر ربيع الأول من 1406 هـ ق (2).
1 ـ والمعنى الذي يريد أن يوصله الشيخ للآلوسي ولأمثاله من السنة : أنهم ماداموا يسلِّمون بصدور هذه المقالة بمحضر النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مرضه وقد زعموا : أنّه يهجر وفي رواية قالوا : غلب عليه الوجع كما في صحيح البخاري وغيره ، ولم نر أحداً منهم ردَّ هذه المزاعم الكاذبة أو أنكر على قائلها ، فكيف يأخذون ويحتجّون ـ والحال هذه ـ ويدّعون أنه في مرضه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قدم أبا بكر للصلاة ؟! فإن كان كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حجّة في حال المرض فقوله : آتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً حجّة أيضاً ، فلماذا غضّوا الطرف عن هذه الوصيَّة ، وأخذوا بما يروونه من أنّه في المرض قدَّم أبا بكر للصلاة ؟ مع أن هذه الرواية غير ثابتة أيضاً وغير صحيحة. راجع : الجزء الثالث : 260.
2 ـ مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي : 3/479 ـ 481.


(176)
    المناظرة الثالثة والأربعون
مناظرة
الشيخ كاشف الغطاء مع أحمد أمين المصري
    قال الشيخ الأحمدي الميانجي ( رحمه الله ) : سافرنا إلى الأهواز للقاء العلماء العظام فيها ، ونزلنا على السيِّد الجليل العالم الفاضل السيِّد محمّد علي الجزائري الشوشتري ، إمام الجمعة في الأهواز ، دامت إفاضاته ، كنت يوم الخميس 15/10/1362 هـ. ش ، الموافق لـ 1/4/1404 هـ ق حبيس البيت ، جالساً أطالع في مكتبة السيِّد الجزائري دامت إفاضاته العالية ، فإذا بكتاب جنّة المأوى للعلاّمة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء ( رحمه الله ) ، المطبوع في تبريز بتحقيق العلاّمة الشهيد السيِّد محمّد علي القاضي الطباطبائي ( رحمه الله ) ، وفي مقدَّمته بقلم المحقِّق الشهيد ـ رضوان الله تعالى عليه ـ هذه الحكاية نقلا عن مجلة العرفان في المجلَّد 21 ج3/308 : عند مجيء البعثة المصريّة المؤلَّفة من الأستاذ أحمد أمين صاحب فجر الإسلام وإخوانه إلى النجف الأشرف ، ليلة 21 شهر رمضان من عام 1349 هـ. ق ، وزيارته للإمام المترجم له ـ يعني المرحوم كاشف الغطاء ـ في داره ، ومشاهدة مكتبة الإمام في مدرسته العلميّة ، فكان لملاقاتهم له أثر بالغ في نفوسهم.


(177)
    وإليك ما دار بينهم من المناظرات والمسألة لتقف على المواهب العالية كيف يخصُّ الله تعالى بعض عباده بها ؟
    قال سماحته لأحمد أمين : من العسير أن يلمَّ بما حول النجف وأوضاعها ـ وهي تلك المدينة العلميّة المهمّة ـ شخص لا يلبث فيها أكثر من سواد ليلة واحدة ، فإنّي قد دخلت مصركم قبل عشرين سنة ، ومكثت فيها مدّة ثلاثة أشهر متجوِّلا في بلدانها ، باحثا ومنقِّباً ، ثمَّ فارقتها وأنا لا أعرف من أوضاعها شيئاً إلاَّ قليلا ضمَّنته أبياتاً أتذكَّر منها :
تبزغ شمس العلى ولكن ومثلما تنبغ البرايا أكل شيء يروج فيها من أفقها ذلك البزوغ كذا لبلدانها نبوغ اللهو و الزهو والنزوغ
    فضحكوا من كلمة النزوغ.
    قال الأستاذ أحمد أمين مخاطباً الشيخ : قلتم هذا قبل عشرين سنة ؟
    قال : نعم ، وقبل أن ينبغ طه حسين ، ويبزغ سلامة موسى ، ويبزغ فجر الإسلام ، وقد ضمَّنته ـ مخطاباً أحمد أمين ـ من التلفيقات عن مذهب الشيعة مالا يحسن بالباحث المؤرِّخ اتّباعه (1).
1 ـ قال العلاّمة الأميني عليه الرحمة في كتابه القيِّم الغدير : 3/310 : فجر الإسلام ، ضحى الإسلام ، ظهر الإسلام ، هذه الكتب ألفَّها الأستاذ أحمد أمين المصري لغاية هو أدرى بها ، ونحن أيضاً لا يفوتنا عرفانها ، وهذه الأسماء الفخمة لا تغرُّ الباحث النابه مهما وقف على ما في طيِّها من التافهات والمخازي ، فهي كاسمه ( الأمين ) لا تطابق المسمَّى ، وأيم الله إنه لو كان أميناً لكان يتحفَّظ على ناموس العلم والدين والكتاب والسنّة ، وكفِّ القلم عن تسويد تلك الصحائف السوداء .. ولم يطمس الحقائق ، ولم يظهرها للناس بغير صورها الحقيقيّة المبهجة ، ولم يحرِّف الكلم عن مواضعها ، ولم يقذف أمّة كبيرة بنسب مفتعلة ، ولم يتقوَّل عليهم بما يدنِّس ذيل قدسهم. كما أن تآليفه هذه لو كانت إسلامية ـ كما توهمها أسماؤها ـ لما كانت مشحونة بالضلال والإفك وقول الزور ، ولما بعدت عن أدب الإسلام.
    وقال في موضع آخر : 3/338 : وواجب رجال الدعاية والنشر في الحكومات الإسلاميّة عرض كل تأليف مذهبيٍّ حول أيِّ فرقة من فرق الإسلام إلى أصولها ومبادئها الصحيحة المؤلَّفة بيد رجالها ومشايخها ، والمنع عما يضادُّها ويخالفها .. وعليهم قطع جذور الفساد قبل أن يؤجِّج المفسد نار الشحناء في الملأ ، ثمَّ يعتذر بعدم الاطّلاع وقلّة المصادر عنده ، كما فعل أحمد أمين بعد نشر كتابه فجر الإسلام في ملأ من قومه ، والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ، ولا عذر لأيِّ أحد في القعود عن واجبه الديني الاجتماعي ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) سوره آل عمران ، الآية : 104.


(178)
    قال أحمد أمين : ولكنه ذنب الشيعة أنفسهم ; إذ لم يتصدّوا إلى نشر حقيقة مذهبهم في الكتب والصحف ليطلع العالم عليه.
    الشيخ : هذا كسابقه ... فإن كتب الشيعة مطبوعة ومبذولة أكثر من أيِّ كتب ، وأيِّ مذهب آخر ، وبينها ما هو مطبوع في مصر ، وما هو مطبوع في سوريا ، عدا ما هو مطبوع في الهند وفارس والعراق وغيرها ، هذا فضلا عمّا يلزم للمؤرِّخ من طلب الأشياء من مصادرها.
    أحمد أمين : حسناً ، سنجهد في أن نتدارك ما فات في الجزء الثاني .. إلخ (1).
1 ـ مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي : 3/400 ـ 401.

(179)
    المناظرة الرابعة والأربعون
مناظرة
العلاّمة الشيخ الأميني ( رحمه الله ) مع الأستاذ حسين الأعظمي
وكيل عميد كلّيّة الحقوق ببغداد
في الحديث عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) بما وصفه الوحي الإلهيّ
    قال الشيخ رضا الأميني : لقاء بين علمين ، في حديث لشيخنا الوالد ـ طاب ثراه ـ قال : وقفت في ( جريدة الساعة ) البغداديّة الصادرة في شهر محرَّم (1) على قصيدة عصماء للأستاذ حسين علي الأعظمي ، وكيل عميد كلّيّة الحقوق ببغداد ، في رثاء الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وأشار في التعليق على بعض أبياتها إلى أن له مؤلَّفاً في حياة الإمام أميرالمؤمنين ( عليه السلام ).
    فأحببت أن أقف عن كثب على تأليفه ، وأسبر طريقته في ذلك ، وإن وجدت لديه نظماً في واقعة ( الغدير ) جعلته ضمن شعراء القرن الرابع عشر الهجري.
1 ـ جاء في الهامش : لم يحضرني التاريخ بصورة دقيقة ، وأكثر ظنّي أنه كان بين أعوام 65 ـ 1367 هجريّة.

(180)
    فقصدت داره ، وكانت على مقربة من إحدى سفارات الدول الغربيّة ، فطرقت الباب فخرج إليَّ خادمه ، فسألته عن الأستاذ فأجاب : نعم ، هو موجود في الدار ، فطلبت مواجهته فخرج إليَّ الأستاذ ، وما إن رآني أخذ يفكِّر في السرِّ الذي دعاني إلى زيارته ، لم قصد هذا العالم الشيعيُّ زيارتي ؟ أهو بحاجة للتوسُّط في قبول أبنائه في الجامعة ؟ أم للتوسُّط في توظيف أحد منسوبيه في إحدى الدوائر ؟ فبدأته بالسلام وقلت : أنا أخ لك في الدين ، فإن كنت في شك من إسلامك فأنا قبل كل شيء أعترف بإسلامك وإيمانك ، لما سبرته في قصيدتك العصماء في رثاء سيِّدنا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) من نزعة دينيّة ، وإن كنت في شك من إسلامي فأنا أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمّداً عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أرسله بالهدى ودين الحقّ.
    فخرج الأستاذ إلى خارج الدار ، ومدَّ يده للمصافحة ، عند ذلك بسطت له ذراعي واحتضنته ، فتبادلنا القبلات ، وسار بي إلى الغرفة الخاصة باستقبال زائريه ، عند ذلك افتتحت الحديث بالكلام حول قصيدته ، وتطرَّقت إلى ما أشار إليه في التعليق على بعض أبياتها ، وأن له مؤلَّفاً حول الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأني قصدته من النجف الأشرف لأشكره على قصيدته ورؤية مؤلَّفه.
    خلال بحثنا فيما عرضته عليه دخل الغرفة بكل أدب أشباله الثلاثة ، وكانوا من ذوي الثقافة العالية ، عليهم سيماء العلم والأدب ، وبعد المصافحة وتبادل عبارات الترحيب ، اغتنم الأستاذ الأعظمي الفرصة وأراد أن يستخبر ميزان ثقافتي وعلمي ، وما أتحلَّى به من العلوم الإسلاميَّة ، فقال : شيخنا ! ما رأيكم حول كتاب ( عبقريَّة الإمام علي ( عليه السلام ) ) تأليف الأستاذ المصري عباس محمود العقَّاد ؟ ولم يكن مضى على عرض كتابه في الأسواق التجاريَّة سوى أشهر عديدة ، وقد لاقى إقبالا كبيراً بين الشباب العربي والإسلامي.
مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: فهرس