مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: 196 ـ 210
(196)
    فقلت له : هم الأئمّة الاثنا عشر ( عليهم السلام ).
    فقال : من هم الأئمة الاثنا عشر ؟
    فقلت له : هم الذين ذكرهم السيوطي في تأريخ الخلفاء الراشدين ، حيث قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الأئمة بعدي اثنا عشر ، وذكر ذيلا للحديث : أبو بكر لا يلبث إلاَّ قليلا ... ثمَّ قال السيوطي : إن صدر الحديث وهو : الأئمة بعدي اثنا عشر مجمع على صحّته ، وأمَّا ذيله ففيه ضعف ، ولم يقله إلاَّ فلان.
    فقال : فمن هم إذن الأئمة الاثنا عشر ؟
    فقلت له : أوَّلهم أميرالمؤمنين ( عليهم السلام ) ، ثمَّ الحسن ، ثمَّ الحسين ، ثمَّ علي بن الحسين ، ثمَّ محمّد بن علي الباقر ، ثمَّ جعفر بن محمّد الصادق ، ثمَّ موسى بن جعفر الكاظم ، ثمَّ علي بن موسى الرضا ، ثمَّ محمّد بن علي الجواد ، ثمَّ علي بن محمّد الهادي ، ثمَّ الحسن بن علي العسكري ، ثمَّ المهدي الحجة بن الحسن ( عليهم السلام ) ، ولمَّا وصلت إلى ذكر اسم الحجة قمت ، فقام وودَّعنا قائلا : في أمان الله.
    فقلت له : في أمان الله. انتهى.
    مسح القدمين في كتب السنّة
    أقول : هذا وقد ورد في كتب السنّة بعض الأخبار ، وجملة من كلمات بعض الصحابة تدلّ على وجوب مسح القدمين ، وقد غضَّ القوم الطرف عنها ، وصاروا إلى غسل الرجلين بلا مسوِّغ في ذلك ، مع تعيُّن المسح كتاباً وسنّة.
    ويبدو من بعض روايات المسح التي رواها السنة أنه أضيف إليها بعض الكلمات كي يصرفوا معنى المسح إلى الغسل ، تارة بتفسيرها بالمسح على


(197)
الخفين (1) ، وأخرى بتأويل المسح وتفسيره بالغسل الخفيف (2) ، وهو قول باطل لا
دليل عليه ، وحمله على غير معناه يحتاج إلى دليل ، ولكنها محاولات يراد منها تحريف ما ينصُّ على تعيُّن المسح.
    وإليك هنا بعض الروايات والأقوال في ذلك :
    1 ـ روى أحمد بن حنبل ، عن عبد خير ، عن علي ( عليه السلام ) قال : كنت أرى أن باطن القدمين أحقُّ بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يمسح ظاهرهما (3).
    وفي رواية ابن أبي شيبة الكوفي : عن عبد خير ، عن علي ( عليه السلام ) قال : لو كان الدين برأي كان باطن القدمين أحقَّ بالمسح من ظاهرهما (4).
    2 ـ وروى أبو داود ، عن الأعمش قال : لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحقَّ بالمسح من ظاهرهما.
1 ـ راجع : سنن أبي داود : 1/44 ح 164 وقول وكيع في ذلك.
2 ـ وهو قول ابن كثير الذي تحير في تأويل الحديث ولم يهتد إلى مخرج بعدما أورد روايات المسح الصريحة في ذلك ، قال : فهذه آثار غريبة جداً ، وهي محمولة على أن المراد بالمسح هو الغسل الخفيف. راجع تفسير ابن كثير : 2/27.
3 ـ مسند أحمد بن حنبل : 1/95 و 114 ، السنن الكبرى ، البيهقي : 1/292 ، السنن الكبرى ، النسائي : 1/90 ح 119.
4 ـ قال المحقِّق السيِّد علي الشهرستاني في كتابه القيِّم ( وضوء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : 2/44 : تنبيه وإشارة الإمام علي ( عليه السلام ) ـ في جملة أحاديثه الوضوئيّة ـ إلى أن مبعث الإحداث في الوضوء هو الاجتهاد والرأي ، وأن الوضوء ـ بل الدين ـ لا يدرك بالرأي ، فكان يقول : لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدم أحقَّ بالمسح من ظاهرها ، لكن رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مسح ظاهرها .. فهو يقرِّر أن الدين ـ ومنه الوضوء ـ لا يدرك بالرأي كما يتصوَّره البعض ، وإلاَّ لكان باطن القدم أحقَّ بالمسح ، فكيف يعدل عنه إلى غسل الظاهر والباطن بمحض الرأي والاجتهاد ؟!


(198)
    ورواه أيضاً وكيع عن الأعمش بإسناده ، قال : كنت أرى أن باطن القدمين أحقُّ بالمسح من ظاهرهما ، حتى رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يمسح ظاهرهما (1).
    وجاء بعد هذه الرواية تفسير المسح وتأويله ، قال وكيع : يعني الخفّين.
    وهذا التفسير ـ كما ترى ـ ليس من راوي الحديث ، بل هو تفسير جاء به وكيع ، وليس عليه دليل ، إذ روي مثل هذه الرواية عن عبد خير عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ولا يوجد فيها هذا التفسير.
    ثمَّ إن هذا التفسير غير صحيح ; لأن صدر الحديث يقول : كنت أرى أن باطن القدمين أحقُّ بالمسح ، وهذا لا ينسجم مع المسح على الخفّين ، ولا معنى له أصلا ، وإنما ينسجم مع المسح على نفس القدمين.
    3 ـ روى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن الشعبي قال : نزل جبرائيل بالمسح على القدمين (2).
    4 ـ وقال القرطبي : قال عامر الشعبي : نزل جبريل بالمسح ، ألا ترى أن التيمُّم يمسح فيه ما كان غسلا ، ويلغى ما كان مسحاً (3).
    5 ـ ابن كثير : عن ابن أبي زياد ، قال : حدَّثنا يزيد ، أخبرنا إسماعيل ، قلت لعامر : إن ناساً يقولون : إن جبريل نزل بغسل الرجلين ، فقال : نزل جبريل بالمسح (4).
1 ـ سنن أبي داود : 1/44 ح 164.
2 ـ المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : 1/30 ح 7 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 9/434 ح 26851.
3 ـ تفسير القرطبي : 6/92 ، تفسير ابن كثير : 2/27 ، الدر المنثور ، السيوطي : 2/262.
4 ـ تفسير ابن كثير : 2/27.


(199)
    6 ـ وعن عاصم ، عن الشعبي قال : نزل القرآن بالمسح ، والسنَّة بالغسل (1).
    وقد نسب مثل هذا القول أيضاً إلى أنس ، حيث نقل أنه قال : نزل القرآن بالمسح والسنّة بالغسل (2) ، ولكن روي عنه ما ينافي هذا القول ، كما سوف يأتي قريباً ; فقد كان أنس يمسح قدميه ، وكان يقول : صدق الله وكذب الحجاج.
    فقولهم : ( نزل القرآن بالمسح والسنَّة بالغسل ) ما هو إلاَّ جمع بين المتناقضين ، فالقرآن يوجب المسح ، والسنة تعيِّن الغسل ، فهل السنة تخالف القرآن ؟ وأيُّ حكيم يتفوَّه بهذا ؟ وكيف ينسب لسنَّة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما يخالف القرآن ويتعارض معه ؟ وقد ورد أنه إذا جاء في الروايات ما يخالف القرآن فلا يعمل بها ، ولا تكون حجة.
    7 ـ وروي عن ابن عبّاس أنه قال : الوضوء غسلتان ومسحتان (3).
    8 ـ قال ابن أبي حاتم : بالإسناد عن ابن عباس ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) قال : هو المسح.
    ثمَّ قال : وروي عن ابن عمر ، وعلقمة ، وأبي جعفر ـ محمّد بن علي ( عليه السلام ) ـ ، والحسن في إحدى الروايات ، وجابر بن زيد ، ومجاهد في إحدى الروايات نحوه (4).
    9 ـ السيوطي : أخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وابن ماجه ، عن ابن
1 ـ شرح معاني الآثار ، أحمد بن محمّد بن سلمة : 1/40 ، الدرّ المنثور ، السيوطي : 2/262 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 9/434 ح 26852.
2 ـ تفسير القرطبي : 6/92.
3 ـ تفسير القرطبي : 6/92 ، تفسير ابن كثير : 2/27 ، الدرّ المنثور ، السيوطي : 2/262.
4 ـ تفسير ابن كثير : 2/27 ، الدر المنثور ، السيوطي : 2/262.


(200)
عباس قال : أبى الناس إلاَّ الغسل ، ولا أجد في كتاب الله إلاَّ المسح (1).
    10 ـ السيوطي : أخرج عبدالرزاق ، وعبد بن حميد ، عن ابن عباس قال : افترض الله غسلتين ومسحتين ، ألا ترى أنه ذكر التيمُّم فجعل مكان الغسلتين مسحتين ، وترك المسحتين (2).
    11 ـ وروي أن الحجاج خطب بالأهواز ، فذكر الوضوء فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم ، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ، فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما ، فسمع ذلك أنس بن مالك فقال : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله تعالى : ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) قال : وكان إذا مسح رجليه بلَّهما (3).
    12 ـ وكان عكرمة يمسح رجليه ، وقال : ليس في الرجلين غسل ، إنما نزل فيهما المسح (4).
    13 ـ وقال ابن جرير : حدَّثنا يعقوب ، حدَّثنا ابن علية ، حدَّثنا أيوب ، قال : رأيت عكرمة يمسح على رجليه ، قال : وكان يقوله (5).
    14 ـ وقال قتادة : افترض الله غسلتين ومسحتين (6).
    وكل هذه الروايات ـ كما ترى ـ دلائل على وجوب المسح في الرجلين ،
1 ـ الدرّ المنثور ، السيوطي : 2/262.
2 ـ الدرّ المنثور ، السيوطي : 2/262.
3 ـ تفسير القرطبي : 6/92 ، الدرّ المنثور ، السيوطي : 2/262 ، وقد روى هذه الرواية أيضاً ابن كثير في التفسير 2/27 عن ابن جرير مسنداً ، عن موسى بن أنس ، عن أنس مثلها ، وقال : إسناد صحيح إليه.
4 ـ تفسير القرطبي : 6/92.
5 ـ تفسير ابن كثير : 2/27.
6 ـ تفسير القرطبي : 6/92 ، تفسير ابن كثير : 2/27.


(201)
وصريحة في ذلك ، وأن دعوى النسخ غير ثابتة ، وكذلك التأويلات الأخرى ، وهي تنفي صراحة القول بغسلهما ، فما ورد من قول ابن عباس : الوضوء غسلتان ومسحتان ، واحتجاج أنس بالآية الشريفة على لزوم المسح وتكذيبه الحجاج الذي أمر الناس بالغسل ، وقول قتادة : افترض الله .. وقولهم : نزل جبرئيل بالمسح ، كلُّها دلائل قطعية على أن المتعيِّن في الرجلين هو المسح وليس الغسل.
    ويدل كلام ابن عباس وقوله : أبى الناس إلاَّ الغسل على أن تحوُّل الناس من المسح إلى الغسل ليس شرعّياً ، ولهذا نسب الغسل للناس ، ولو كان من السنّة والشرع لما صحَّ أن ينسب الغسل للناس.
    وبعد ما عرفت جملة من هذه الروايات التي تنصّ على لزوم المسح فلا عبرة إذن بما ورد من دعوى أن الصحابة كانوا يغسلون أرجلهم (1) ; إذ لا يعدو كونه اجتهاداً منهم ، كما يدل عليه قول ابن عباس : وأبى الناس إلاَّ الغسل ، فلا يمكن بوجه ترك ما جاء به القرآن الكريم والمصير إلى اجتهادات الصحابة ، وما قيل من أن المسح مضت به السنّة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (2) فهو غير صحيح قطعاً ، فإنه لو كان من السنّة لما خفي على أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) الذي هو باب مدينة علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأقضى الأمة ، وعلى ابن عباس حبر الأمّة ، ومن حذا حذوه من الصحابة.
    وما رووه عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أنه غسل قدميه ، فهو من الروايات التي لا
1 ـ الدرّ المنثور ، السيوطي : 2/262.
2 ـ الدرّ المنثور ، السيوطي : 2/262.


(202)
تقاوم ما مرَّ عليك ، مضافاً إلى أنها مخالفة للقرآن فلا يؤخذ بها ، وعلى فرض صحّتها فيحمل الغسل فيها على ما بعد الوضوء ; إذ لا ضير أن يمسح قدميه للفرض ، ثم يغسل رجليه لمقتض آخر استوجب ذلك ، وهذا يحصل كثيراً عند المتوضِّئين ، فيمسح قدميه وبعد أن يتمَّ وضوءه يغسل قدميه للنظافة أو أمر آخر.


(203)
    المناظرة السابعة والأربعون
مناظرة
السيِّد مهدي الروحاني مع رجلين مصريين
في وجوب اتّباع أهل البيت ( عليه السلام )
    حدثني الحجة السيد مهدي الروحاني القمي عليه الرحمة قال : كنت جالساً في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المدينة المنوَّرة ، بعد صلاة المغرب ، وعن يميني شيخ حليق اللحية ، وقد ذكر لي أنه حنفيٌّ ، وأنه من أهل العلم ، وهو من ( أبو ظبي ) فجاء شابَّان مصريَّان ، عليهما آثار النجابة وسيماء الصالحين ، وهما شافعيَّان ، فسلَّما وقالا : هل أنت إيرانيٌّ ؟
    قلت : نعم.
    قالا : هل أنت شيعيٌّ جعفريٌّ.
    قلت : نعم ، أنا شيعيٌّ جعفريٌّ.
    قالا : ما الفرق بيننا وبينكم ؟ وكيف صرتم أنتم شيعة ونحن سنة ؟
    قلت : الفرق بيننا وبينكم في أمرين عظيمين ، وهما منشأ لاختلافات كثيرة ، وهما :
    الأمر الأوَّل : مسألة الخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).


(204)
    فالشيعة يقولون : إن خلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تكون بنصٍّ من الله تعالى على لسان نبيِّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد نصَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
    وأمَّا السنة فإنهم يقولون : إن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يعيِّن أحداً خليفة من بعده ، واختار الناس من بعده أبا بكر ، ثمَّ عمر ، ثمَّ عثمان ، ثمَّ علياً ( عليه السلام ).
    الأمر الثاني : تحديد المرجع في الأحكام والفتاوى وما تحتاج إليه الأمة.
    فإن من المسلَّم أن أقوال الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأفعاله حجّة علينا ، ولكنه قد تجيء مسائل كثيرة لا نجد لها حكماً في كتاب الله ، ولا في سنَّة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإلى من نرجع ؟
    فنحن الشيعة نقول : إن الرجوع في ذلك هو إلى آل محمَّد صلوات الله عليهم ، والاعتماد عليهم ، وأمَّا السنَّة فقد فزعوا إلى أربعة رجال جاءوا في عصر متأخِّر ، وهم : مالك بن أنس ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وهم تلاميذ لأئمَّة آخرين ، ولعلَّ فيهم من هو أعلم منهم ، ولا دليل لكم على اتّباع هؤلاء الأربعة.
    وأمَّا نحن الإماميَّة فلنا دليل على اتّباع آل محمّد ( عليهم السلام ) وهو :
    أوّلا : أنّنا فهمنا من وجوب الصلاة على آل محمَّد في الصلاة أن لهم مقاماً يتلو مقام الرسالة في الأمّة ; إذ لو لم يكن لهم هذا المقام لما جعلت الصلاة عليهم في الصلاة ; إذ لا يحتمل أن يكون ذلك مجاملة من الله لرسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فالمجاملات تقع بيننا فقط.
    ثانياً : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أرجع الأمَّة إلى العترة ( عليهم السلام ) صريحاً ، حيث قال : إني مخلِّف فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسَّكتم بهما لن


(205)
تضلّوا من بعدي .. (1) ، فبنصِّ هذا الحديث لابدَّ من التمسُّك بالعترة ( عليهم السلام ) ، كتمسُّكنا بالقرآن الكريم ، فتمسَّكنا بهم ( عليهم السلام ) ، وأما أنتم فقد رجعتم في أخذ الأحكام إلى أربعة لا دليل لكم على جواز الرجوع إليهم ، مع أنهم لهم فتاوى يخالف فيها بعضهم بعضاً ، وليسوا متفقين في فتاواهم ، فكيف ساغ لكم الرجوع إليهم ؟
    فقال أحد الشابين : شيخنا ! إن علوم هؤلاء الأربعة علوم لدنيَّة من الله العزيز.
    فضرب الآخر صدره وقال له : ما هذا الاستدلال ؟
    وقال لي الشيخ الجالس عن يميني : هذا غير صحيح ، وقد رأيت أن كلامه لا يتعلَّق بشيء ، ورأيت الشابين لا يعبآن بكلامه.
    فقلت لهما : أنتم أهل السنة خصومنا في هذا الأمر ، ولنا ـ رغم ذلك ـ في كتبكم أدلّة كثيرة على مدّعانا ، وهو وجوب اتّباع أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وليس لكم دليل واحد في كتبكم على إمامة أئمتكم ، وإذا كان هناك دليل فأتني بدليل واحد على إمامة الشافعي.
    ولمَّا قلت هذا الكلام قام الشيخ الجالس عن يميني ، وثار عليَّ ، وذهب للشرطي وقال له : إن هذا الإيراني يرفِّض هذين الشابيّن.
    فجاء الشرطي ولم يكلِّمني ، وأخذ يكلِّم الشابين وقال لهما : قوما ، فقاما ، وقال لهما : اذهبا فذهبا ، فقلت للشرطي : نحن نتذاكر في القرآن وسنن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلماذا تفعل معهما هذا الفعل ؟ إنَّهما لم يصنعا جرماً ، فلم يعبأبي.
1 ـ تقدَّمت تخريجاته.

(206)
    المناظرة الثامنة والأربعون
مناظرة
السيِّد عبد الكريم الأردبيلي مع جمع من طلبة الجامعة
في عدالة الصحابة والخلافة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    قال المحقِّق العلاّمة المرحوم الشيخ الأحمدي الميانجي : حكى لي صديقي المفضال العلاّمة السيِّد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي ، قال : كنت في المدينة المنورة الطيِّبة ، فذهبت إلى زيارة جامعة المدينة ، فحينما كنت قافلا صادفت في الطريق جمعاً من الطلاب قاصدين البلدة ـ والجامعة واقعة في خارجها ـ فقلت لهم : أيُّ العلوم يدرس فيها ؟
    قالوا : كل العلوم إلاَّ المنطق والفلسفة.
    قلت : لماذا لا يدرس العلمان ؟
    قالوا : لأنهما يخرجان الطالب عن الدين.
    قلت : أيُّ فرقة من المسلمين يشتغلون في الجامعة ؟
    قالو : كلُّهم إلاَّ الشيعة.
    قلت : لماذا ؟
    قالوا : إنهم إن دخلوا التحقوا بالسنَّة وتركوا الرفض ، ولكنهم لم يدخلوا فعلا.


(207)
    قلت : أسألكم سؤالا ؟
    قالوا : نعم.
    قلت : الذي تعتقدون أنتم من عصمة الصحابة وعدالتهم ، وأنهم كلّهم أبرياء وأتقياء ، فهل هذه العقيدة حادثة فيكم ، أم كانت الصحابة أيضاً معتقدين بهذه العقيدة فيهم ؟
    قالوا : بل كان هذا الاعتقاد عندهم أيضاً.
    قلت : فأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كان يحارب معاوية ، ومعاوية يحاربه (1) ، هذا كان يريد قتل ذاك ، وهذا يريد قتله ، فهل هذا كان مع اعتقادهما بعدالتهما وتقواهما ، أو كل يرى الأخر مستحقّاً للقتل ومفسداً للدين والدنيا ؟
    قالوا : كل يرى الأخر مستحقّاً للقتل ، ولكن كان ذلك اجتهاداً منهما ، و معاوية كان مخطئاً ، وعلي ( عليه السلام ) كان مصيباً.
    فقلت : على اعترافكم كان معاوية مستحقّاً للقتل ، لأنكم قلتم : بأن عليّاً ( عليه السلام ) أصاب في اجتهاده.
    قالوا : هذا مما تدرسون أنتم من المنطق والفلسفة.
    قلت : سؤال آخر ; وهو أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين وفاته أيُّ العملين كان أحسن
1 ـ قال بعض أشراف مكة : لمَّا مضوا إلى برلين قبل اقتسامها التفت إليهم أحد المسؤولين الألمان فقال لهم : هل لمعاوية صورة عندكم ، أو تمثال ؟ قالوا : لا ، ثمَّ قال له : ما أنت ومعاوية ؟ قال : لو وجدنا له صورة لصنعنا له تمثالا من ذهب ، ووضعنا التمثال في أكبر ساحة في برلين ، فسألوه : ولماذا ؟ ما أنتم ومعاوية ؟ فقال : لو لم يقف معاوية في وجه علي ( عليه السلام ) وإصلاحاته ، لكانت أوروبا ـ ومنها ألمانيا ـ كلها مسلمة اليوم ، ولكن معاوية هو الذي وقف في وجه إصلاحات علي ، وهو الذي منع الإسلام أن ينتشر ، ويكتسح الأديان الأخرى والمذاهب الأخرى.
    مع رجال الفكر في القاهرة ، السيِّد مرتضى الرضوي : 2/168.


(208)
له : الوصية وتعيين الخليفة ، أو تركها وإهمال الأمّة وإرجاع الناس إلى شعورهم الاجتماعيّ الثقافي من تعيين رئيس لهم ؟
    قالوا : الثاني أولى عندنا ; لما فيه من الحرّيّة ، وإرجاع أمور المسلمين إليهم.
    قلت : هذا صحيح ، ولكن يأتي سؤال آخر وهو : أن أبا بكر لم ترك الطريقة الحسناء ، وعدل عنها فعيَّن عمر بن الخطاب ؟
    فسكتوا عن الجواب.
    فقلت لهم : أجيبوا بأن أبا بكر علم أن ترك التعيين سوف يورث الفرقة بين المسلمين ، ويولِّد البغضاء والشحناء ، فعمل ذلك حفظاً لهم وحياطة للدين.
    قالوا : يأتي حينئذ سؤال آخر ، وهو : أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم لم يتوجَّه إلى هذه المصلحة الاجتماعيّة ، وأخطأ في ذلك ، وأوقع المسلمين في خلاف شديد ؟
    قالوا : فنحن إذن نسألك.
    قلت : نعم.
    قالوا : هل كان من الحسن أن يترك النبيُّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الوصيّة وتعيين الخليفة ، أو كان من الحسن التعيين والإيصاء ؟
    قلت : هذا السؤال ساقط عندنا ; لأن تعيين الخليفة والوصيِّ ليس للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بل هو لله عزَّ وجلَّ ، كبعث النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإرساله ، هو يأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتعيين الإمام والوصيّة به فحسب.
    فقالوا : هل عندكم علم من هذه الأمور والمطالب الإسلاميّة ؟
    قلت : أي نعم ، كثير.
    قالوا : ولكن نحن محرومون وممنوعون (1).
1 ـ مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي : 3/74 ـ 75.

(209)
    المناظرة التاسعة والأربعون
مناظرة
السيِّد مرتضى الرضوي مع الدكتور طه حسين
في النصِّ على الخلافة ورزيّة يوم الخميس
    قال السيِّد مرتضى الرضوي حفظه الله تعالى : جرى حديث الدكتور طه حسين (1) بين أساتذة وكتَّاب ، وكان الدكتور حامد حفني داود إلى جنبي ، فطلبت منه أن يتّصل بالدكتور طه حسين ليحدِّد لنا موعداً نلتقي به معه ، فاتّصل به الدكتور حامد ، وقال له : قدم ناشر من العراق ومعه كتب للشيعة ، ويريد مقابلتك ، وإهداء الكتب لسيادتك ، فعيَّن الدكتور وقت المقابلة في الساعة السادسة من مساء الأربعاء ، فاتّصل بي الدكتور حامد ، وأخبرني بتحديد الموعد للمقابلة مع
1 ـ الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي في القرن العشرين ، ولد بمديرية المينا بالصعيد ، في 21 اكتوبر 1889 م ، درس في الأزهر الشريف ، والتحق بالجامعة الأهليّة ، حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون في فرنسا 1918 م ، كان مديراً أو رئيساً لتحرير مجلّة الكاتب المصري ، أهم آثاره : الأيام جزءان ، ويتضمَّن تاريخ حياته ، الأدب الجاهلي ، الشعر الجاهلي ، تجديد ذكرى أبي العلاء ، الفتنة الكبرى جزءان ، وله عشرات المقالات والمؤلَّفات الأخرى ، توفي في 14 نوفمبر 1973 م ، من مشاهير رجال الأدب والفكر في العالم العربي ، يتميَّز بحرّيَّة الرأي والجرأة الأدبيَّة في عرض آرائه. مع رجال الفكر في القاهرة : السيِّد مرتضى الرضوي : 1/265.

(210)
سعادة الدكتور طه حسين ، فحضرنا القصر ( الفيلا ) الذي يقيم فيه الدكتور في الوقت الذي حدَّده لنا سعادته.
    ولمَّا طرقنا الباب فتحها الأستاذ فريد شحاته الملازم له ، فقال له الدكتور حامد : لنا موعد سابق في هذه الساعة مع سعادة الدكتور ، فرحَّب بنا ، ودخلنا عليه في غرفة الاستقبال ـ وكان الدكتور حاضراً ـ وبعد أن سلَّمنا عليه وردَّ علينا الجواب خاطبني قائلا : حضرتك من أين ؟
    قلت : من النجف الأشرف ـ العراق.
    قال : شيعيٌّ ؟
    قلت : نعم ، بالطبع شيعيٌّ ، ثمَّ قلت : الشيعة تعتقد أن الإمام أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) قد ظلم ، وغصب حقّه ، واعتدي عليه ، وخالفوا في شأنه نصَّ الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    فأجاب الدكتور قائلا : لو أننا نعترف بوجود نصٍّ لكفَّرنا جميع الصحابة.
    فقلت : قال الله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (1) ، ولم يبق ـ يا دكتور ـ من الصحابة سوى أفراد يعدّون بالأصابع (2).
1 ـ سورة آل عمران : الآية : 144.
2 ـ روى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل : 1/257 بالإسناد عن أبي هارون العبدي قال : كنت أرى رأي الخوارج ، لا رأي لي غيره ، حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري فسمعته يقول : أمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة.
    فقال له رجل : يا أبا سعيد ! ما هذه الأربع التي عملوا بها ؟ قال : الصلاة والزكاة والحج والصوم ـ أعني صوم شهر رمضان ، قال : فما الواحدة التي تركوها ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب ، قال : وإنها مفترضة معهن ؟ قال : نعم ، قال : فقد كفر الناس ، قال : فما ذنبي ؟ انتهى.
    وقال هناد : كتبت عن عمرو بن ثابت أبي المقدام بن هرمز الكوفي كثيراً ، فبلغني أنه كان عند حبان بن علي ، فأخبرني من سمعه يقول : كفر الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلاَّ أربعة ، فقيل لحبان : ألا تنكر عليه ؟ فقال حبان : هو جليسنا.
    راجع : تهذيب الكمال ، المزي : 21/557 ، ميزان الاعتدال ، الذهبي : 3/249 ، رقم : 6340 ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 8/9 ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 12/135.
    وروى الجوهري عن غسان بن عبد الحميد ، قال : لمَّا أكثر في تخلُّف علي ( عليه السلام ) عن البيعة ، واشتدَّ أبو بكر وعمر في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثة ، فوقفت عند قبر النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونادته : يا رسول الله !
قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثة إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب فاختلَّ قومك فاشهدهم ولا تغب
    السقيفة وفدك ، الجوهري : 69.
مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: فهرس