مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: 676 ـ 690
(676)
وهو بالتأكيد تحقَّق ; لأن الله لم يضع هذا الأمر عبثاً ، وإنما واقعاً ; لأن هذه الآية ليست مثاليَّة ، وإنما لها نماذج واقعيَّة تكون حجَّة على البشر ، فهل ياترى هنالك نموذج يكون مصداقاً لهذه الآية غير علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الذي اتّفق على فضله جميع المسلمين ؟!
    وثالثاً قال تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (1) ، جاء في تفسير الرازي لهذه الآية أنّ الله أوجب طاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وكل من يأمر الله بطاعته على سبيل الجزم لابدَّ أن يكون معصوماً ، وإلاَّ يجتمع الأمر والنهي في موضع واحد ، وهذا محال.
    وبتقرير آخر : إنّ الله أمر بالطاعة المطلقة لأولي الأمر من غير تخصيص ، فإذا كان يتصوَّر منهم الخطأ فإننا بطريقة غير مباشرة نرتكب الخطأ ، فنكون أمرنا بارتكاب الخطأ ، وقد نهانا الله عنه ، فيكون بذلك اجتمع الأمر والنهي في موضع واحد ، وهذا محال ، فإذاً لابد أن يكون أولو الأمر معصومين ، فياترى من هم المعصومون الذين أمرنا الله بطاعتهم ؟
    قلت لكي أقطع عليه الطريق : ... الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طبعاً.
    خالي مبتسماً : مهلا يا بنة أختي ، لا تتعجَّلي ..
    قلت : نعم ، نعم أنا آسفة .. واصل كلامك.
    خالي : والإجابة على ذلك هو قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) إنّ في هذه الآية تأكيداً من الله عزّوجلَّ
1 ـ سورة النساء ، الآية : 59.
2 ـ سورة الأحزاب ، الآية : 33.


(677)
على تطهير أهل البيت ( عليهم السلام ) من الرجس ، وهو كل ذنب صغيراً كان أم كبيراً ، وهذه هي العصمة بعينها ، فيكون معنى الآية : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وقد ذكرت لك ذلك من قبل ولكن لتأكيد الفائدة وتعميمها.
    رابعاً : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليٌّ مع الحق والحق مع علي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض (1) ، وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مشيراً إلى علي ( عليه السلام ) : الحق مع ذا ، الحق مع ذا .. (2) ، وقد روى الترمذي في فضائل علي ( عليه السلام ) ، والحاكم أيضاً في فضائله من المستدرك ، ونقل هذا الحديث أيضاً في الصواعق في الفصل الخامس في الباب الأول ، وعن الذهبي أنه صحّح طرقاً كثيرة لدعاء النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعليٍّ ( عليه السلام ) في غدير خم المشتمل على قوله : وأدر الحقَّ معه حيث دار.
    وحكى ابن أبي الحديد قول الشيخ أبي القاسم البلخي وتلامذته لو نازع عليٌّ ( عليه السلام ) عقيب وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلَّ سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدَّم عليه ، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه ... إلى أن قال : وحكمه حكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ; لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليٌّ مع الحق والحق مع عليٍّ يدور حيثما دار (3).
    وجاء في كنز العمال : الحقُّ مع ذا ، الحقُّ مع ذا (4) ، وروى أيضاً : يا عمار ! إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع عليٍّ ودع
1 ـ تأريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 14/322 ، رقم : 7643 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/449 ، مناقب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) للفقيه الحافظ أبي الحسن الواسطي الشافعي : 244.
2 ـ مسند أبي يعلى الموصلي : 2/318 ح 1052 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 7/235 ، وقال : رواه أبو يعلى ورجاله ثقات ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/449.
3 ـ شرح نهج البلاغة : 2/296 ـ 297.
4 ـ كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/613 ـ 614 ح 32972.


(678)
الناس ، فإنه لن يدلَّك على ردى ، ولن يخرجك من الهدى (1).

     الشورى في الواقع العملي
    هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إننا إذا تنازلنا عن كل ما قلناه في علي ( عليه السلام ) ، ونظرنا إلى الشورى والإجماع الذي تحتجّين به ، فهنالك عدّة إشكاليّات على أهل السقيفة ، وهي تتمثَّل في الريبة التي تلفُّ زمان السقيفة ومكانها ، حيث السقيفة لم تكن هي المكان الذي يصلح لا نعقاد مثل هذا الأمر الهامّ جداً ، وكان من الممكن أن ينعقد في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وثانياً الزمان الذي انعقدت فيه الشورى ; فإنه لا يخلو من خبث واضح ، فإن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما زال مسجّى لم يدفن بعد ، فأيُّ مسلم له غيرة على الإسلام يقبل ذلك ؟
    والإشكال الآخر : إذا سلّمنا أنّ للإجماع حجّة فإن هذا الإجماع لم ينعقد ; لعدم حضور كل الصحابة ، وعلى الأقل أهل المدينة ، وكان فيهم كبار الصحابة ، ثم إن الطريقة التي جرت بها الشورى خالية حتى من أبسط الأخلاقيَّات ; لشدَّة المهاترات التي جرت بينهم ، كقول عمر لسعد عندما اجتمع الناس لمبايعة أبي بكر ، وكادوا يطؤون سعد بن عبادة ، فقال أناس من أصحاب سعد : اتّقوا سعداً لا تطؤوه ، فقال عمر : اقتلوه قتله الله ، إنه صاحب فتنة ، ثمَّ قام على رأس سعد وقال له : لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك ، فأقبل عليه قيس بن سعد وأخذ بلحيِّة عمر قائلا : والله لو حصحصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ، ثم تكلَّم سعد بن عبادة منادياً ، وخاطب عمر : أما والله لو أنّ بي قوَّة ما أقوى على
1 ـ كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/621 ح 33018.

(679)
النهوض لسمعت منّي في أقطارها وسككها زئيراً يحجرك وأصحابك ، أما والله لألحقنّك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع (1).
    فبالله عليك ، لأيِّ شيء استحقَّ سعد القتل ، ولم يكن يدعو إلاّ إلى نفسه كما دعا غيره ؟
    ولماذا كان صاحب فتنة وقد دعا للشورى التي أمر بها الإسلام كما تدّعون ؟

     عدالة الصحابة
    قلت : للإنصاف ـ يا خالي ـ قد أدهشني هذا الكلام ، ولكنني لا يمكن أن أصدّق ذلك على الصحابة ، وكأنّي أراك متحاملا عليهم ، وإلاّ ما حفظت كل هذه الشواهد في مثالبهم ، وممَّا يجعلني أشكِّك في كلامك أنّ مثل هذه الأفعال كيف تصدر من الصحابة الذين ربّاهم الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    خالي : لا يا عزيزتي ، لم يكن في الأمر تحامل ، وما أنا إلاّ دارس للتأريخ ، وقد سجّل لنا التأريخ أنّ الصحّابة فعلوا ما فعلوا.
    ثمَّ من قال : إنّ مجرَّد الصحبة عاصمة من الخطأ ؟ فالصحابة هم مجتمع بشريٌّ يحمل الصالح والطالح ، وكون هنالك رسول اتفق وجوده مع وجودهم هذا ليس كافياً أن ينقل كل ذلك المجتمع من قمّة الجاهليّة إلى قمّة العدالة ، وكم هنالك مجتمعات عاش بينها عشرات الأنبياء لم يمنعهم ذلك من عذاب الله ، فبنو
1 ـ ذكرها الطبري : 2/459 ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : 1/17 ، المصنف ، ابن أبي شيبة : 8/571 ـ 572 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 2/25.

(680)
إسرائيل كانوا يقتلون في اليوم والليلة سبعين نبيّاً (1) ، قال تعالى : ( كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ) (2) ، أمّا لماذا فعلوا ، فهذا بحث آخر.
    قلت : ما هي نظرتكم إلى الصحابة بكل أمانة ؟
    خالي : ننظر إليهم كما نظر إليهم القرآن والأحاديث الشريفة.
    قلت : وكذلك أهل السنّة يقولون : إنّ القرآن نزَّههم من كل سوء ، وبايعوه على الموت ، وصاحبوه بصدق في القول والعمل ، وهي أحد الأصول التي ندين بها.
    خالي : هذه نظرتهم لا نظرة القرآن ; لأنّ القرآن قسّم الصحابة إلى ثلاثة أقسام ...
    الأول : الصحابة الأخيار الذين عرفوا الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حق المعرفة ، ولم ينقلبوا بعده ، بل ثبتوا على العهد ، وقد مدحهم الله جلّ جلاله في كتابه العزيز ، وقد أثنى عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في العديد من المواقع ، ونحن الشيعة نذكرهم باحترام وتقديس ونترضَّى عليهم.
    القسم الثاني : هم الصحابة الذين اعتنقوا الإسلام واتّبعوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إمّا رغبة أو رهبة ، وهؤلاء كانوا يمنُّون إسلامهم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكانوا يؤذونه في بعض الأوقات ، ولا يمتثلون لأوامره ونواهيه ، بل يجعلون لآرائهم مجالا في مقابل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حتى نزل القرآن بتوبيخهم مرّة وتهديدهم
1 ـ راجع : اللهوف في قتلى الطفوف ، ابن طاووس : 22 ، تفسير الثعالبي : 1/277.
2 ـ سورة المائدة ، الآية : 70.


(681)
أخرى ، وقد فضحهم الله في عديد من الآيات ، وحذَّرهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في عديد من الأحاديث النبويَّة ، ونحن الشيعة لا نذكر هؤلاء إلاَّ بأفعالهم.
    القسم الثالث : فهم المنافقون الذين صحبوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نفاقاً ، وقد أنزل الله فيهم سورة كاملة ، وذكرهم في العديد من المواقع ، وتوعَّدهم بالدرك الأسفل من النار ، وهؤلاء يتفق الشيعة والسنة على لعنهم والبراءة منهم.
    قلت : من أين أتيت بهذا التقسيم ، وقد قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) (1) ، فهذه الآية تفيد الإطلاق على كل من تبع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وتصفهم بالإيمان وإنزال السكينة ، ما عدا المنافقين فهم خارجون تخصُّصاً.
    خالي : أولا : إنّ ( المؤمنين ) هنا ليست لفظاً قصد منه الإطلاق ; أي مطلق المؤمنين ، وإنّما صفة مخصّصة ومقيِّدة لكل من تبع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ; أي ليس كل من تبع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإنما المؤمنون منهم.
    ثانياً : لو رجعت إلى الآية الأخرى التي تحدَّثت عن بيعة الشجرة في نفس السورة وبالتحديد الآية رقم 10 ، تجدين أنّ الله لم يجعل رضاه مطلقاً ، وإنما جعله مرهوناً ومشروطاً بعدم النكث ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (2) ، والآية أوضح من أيِّ تفسير ، فهذه الآية تبيِّن أنّ هناك قسمين من الصحابة :
1 ـ سورة الفتح ، الآية : 18.
2 ـ سورة الفتح ، الآية : 10.


(682)
    قسم نكث ولم ينل رضا الله.
    وقسم أوفى بما عاهد الله فنال رضاه.
    قلت : تحليلك للأمور رائع ، ولكن ماذا تقول في قوله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيَماهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاِْنجِيلِ كَزَرْع أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) (1) ، فما رأيك في هذه الآية الصريحة في عدالة الصحابة ؟ وقد فسّر بعضهم قوله : ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) يعجب المؤمنين ويغيظ الشيعة ، لأنهم يعادون الصحابة.
    خالي وهو مبتسم : أوّلا : كون بعض من ارتأى وقالوا ما قالوا فإنّ هذا ليس ملزماً لنا ، كما أنه افتراء على الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ; لأنه لا يتعدَّى كونه تفسيراً بالرأي.
    وثانياً : أنا أسألك ، ما معنى المعيَّة هنا ؟ هل هي معيَّة الزمان ؟ أم معيَّة المكان ؟ أم معيَّة من نوع آخر ؟
    إن كان المقصود بهذه المعيَّة هو معيَّة الزمان والمكان ، فأبو جهل وسجاح والأسود العنسي والمنافقون كانوا معه ، وكذلك المشركون ، من الواضح أن لا يكون المقصود ذلك ، وإنّما معيَّة من نوع آخر ، وهي من كان معه على المنهج ، ومؤيِّداً وثابتاً على ما عاهد الله عليه ، والدليل على ذلك ذيل الآية : ( وَعَدَ اللَّهُ
1 ـ سورة الفتح ، الآية : 29.

(683)
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ) (1) فمنهم تفيد التبعيض ، وهذا هو عين الصواب ، وإلاَّ دخل في المعيّة أولئك المنافقون الذين مردوا على النفاق كما جاء في قوله تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (2).
    كما أن الحديث عن المنافقين يفتح أمامنا سؤالا عريضاً ، كيف انقطع النفاق بمجرَّد انقطاع الوحي ؟ فهل كانت حياة النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سبباً في نفاق المنافقين ؟ أو موته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سبباً في إيمانهم وعدالتهم ؟ كل هذه الأسئلة يدعو إليها الواقع التأريخيِّ الذي لم يذكر لنا شيئاً عنهم بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، مع أنهم كانوا يشكِّلون خطراً على الأمَّة الإسلاميَّة ، قال تعالى : ( جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) (3) ، ولم يثبت لنا التأريخ أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قاتل المنافقين ، فهل ياترى من الذي قاتل المنافقين ، غير علي ( عليه السلام ) ؟! وخاصة أن الكتاب والسنّة أثبتا بقاء المنافقين على نفاقهم ، بل هم الأكثريّة الذين شكَّلوا تيَّار الانقلاب بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (4) ولا يخفى عليك أن قوله : ( الشَّاكِرِينَ ) دلالة على الأقلّيّة ; لقوله تعالى : ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (5) ، ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (6).
1 ـ سورة الفتح ، الآية : 29.
2 ـ سورة التوبة ، الآية : 110.
3 ـ سورة التحريم ، الآية : 9.
4 ـ سورة آل عمران ، الآية : 144.
5 ـ سورة المؤمنون ، الآية : 70.
6 ـ سورة سبأ ، الآية : 13.


(684)
    قلت : قد زدتني حيرة على حيرتي ، كيف يكون كل هذا في الصحابة ؟ فكيف تفسّر تلك الحروب التي قدَّم فيها الصحابة أرواحهم ، وضربوا لنا أروع الأمثال في التضحية ؟ فيمكن أن ينافق الإنسان في كل شيء إلاَّ في هلاك نفسه.
    خالي : لا تحتاري ، فإنَّ مجتمع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان مجتمعاً بشريّاً فيه الصالح والطالح ، ولا يمكن أن يكون مجرَّد وجود الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بينهم كافياً لعصمة مجتمع بأكمله ، والآيات القرآنيّة حاكمة بذلك كما تقدَّم ، وغيرها كقوله تعالى : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ) (1) ، والعطف في الآية دال على أنّ الذين في قلوبهم مرض غير المنافقين.
    وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا ... ) (2).
    ومن المعلوم أنّ الفاسق المقصود كان من الصحابة (3).
    أمَّا قولك كيف ضحّوا بأنفسهم ، فإن مثل هذا السؤال لا تتوقَّف الإجابة عليه على كونهم مؤمنين ، والتأريخ والواقع خير شاهد على ما قلت ، فكم من حروب دارت ، وكم من جماعات ضحّوا ، فهل نحكم على الجميع بالإيمان ، فهناك المكره ، وهناك من فرض عليه الواقع أمراً محكوماً ، والحروب التي كانت قبل الإسلام خير دليل ، ومع ذلك أنا أرمي ( بعض ) الذين حاربوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأنهم كانوا مجبرين ، مع أنه كان هناك المجبور والمنافق كشهيد الحمار ، إنَّما أقول حتى المؤمن حقّاً لا تعني حربه مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عاصمة له من
1 ـ سورة الأحزاب ، الآية : 12.
2 ـ سورة الحجرات ، الآية : 6.
3 ـ وهو الوليد بن عقبة ، راجع : أسباب النزول ، الواحدي : 261 ـ 262 ، تفسير ابن كثير : 4/224 ، تفسير الدرّ المنثور ، السيوطي : 6/88 ـ 89.


(685)
الانحراف بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإنّ مجموعة كبيرة من الصحابة كانت تحارب مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهم يستلهمون الطاقة والحماس منه.
    وبمعنى آخر كانوا يعملون بالطاقة التي كانوا يكسبونها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأضرب لك مثالا على ذلك : عندما يستمع الإنسان لخطيب بارع يتحدَّث عن الجهاد والتضحية فسوف تنتاب المستمعين حالة روحيّة عالية ، بحيث لو طلب من كل واحد منهم أن يضحّي بنفسه فإنّه لا يمانع ، ولكن مجرَّد أن يغادر المكان ويبتعد عن الخطيب ، تضعف تلك الطاقة ، هذا بخلاف الذي يكون له وعي كامل بالقضية ، فإنه يولِّد تلك الطاقة من نفسه ، وكثير من الثورات الإصلاحيّة تحوَّل الداعون لها إلى مفسدين بعد أن فقدوا قائدهم الروحي ، وهذا أمر طبيعي ينتاب كل البشر.
    ولك في الثورة المهديّة في السودان خير مثال ، فبموت محمّد أحمد المهدي انشقَّت صفوف الأنصار ، ووقع الخلاف بينهم ، وهكذا الصحابة بشر فإنهم معرَّضون لذلك ، قال تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (1) ، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ كما جاء في البخاري وصحيح مسلم ـ : بينما أنا قائم فإذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم ، فقلت : إلى أين ؟ فقال : إلى النار والله ، قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أرى يخلص منهم إلاَّ كهمل ، النعم (2).
1 ـ سورة آل عمران ، الآية : 144.
2 ـ صحيح البخاري : 7/208 ـ 209 ، كتاب الدعوات ، باب في الحوض ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/132 ـ 133 ح 30918.


(686)
    وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنّي فرطكم على الحوض ، من مرَّ عليَّ شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثمَّ يحال بيني وبينهم ، فأقول : أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي (1).

     بيعة علي ( عليه السلام ) لأبي بكر
    طأطأت رأسي غارقة في تفكير عميق ومردِّدة.. عجيب ، عجيب ، عجيب.
    خالي : ممَ تعجُّبكِ ؟
    قلت : وفق ما ذكرت من هذه الأدلّة القاطعة ، وخاصة في مورد الإمامة ، فلماذا لم يعترض عليٌّ كرَّم الله وجهه على القوم ، بل أكَّد على موقف الشورى ، حيث قال في النص الذي سجَّلته لك : وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضى ، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردُّوه إلى ما خرج منهم ، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين.
    خالي : كما أثبتُّ لك أن الشورى باطلة ، وأن النص والتعيين هو المتحقِّق ، وهذا هو مبحثنا ، أمَّا أن عليّاً ( عليه السلام ) لماذا سكت فهذا بحث آخر.
    قلت مقاطعة : هذا الكلام لا أقبله منك ، أليست الخلافة حقاً لعليٍّ ؟ فسكوت الإمام علي ( عليه السلام ) هو سكوت عن حقِّه.
1 ـ صحيح البخاري : 7/207 ـ 208 ، صحيح مسلم : 7/66 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 6/143.

(687)
    خالي : أجمعت الأمَّة على أنّ علياً ( عليه السلام ) وسائر بني هاشم لم يشهدوا البيعة ، ولا دخلوا السقيفة يومئذ ، كانوا منشغلين بتجهيز رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حتى أكمل أهل السقيفة أمرهم ، وعقدوا البيعة لأبي بكر ، فأين كان الإمام ( عليه السلام ) عن السقيفة ، وعن بيعة أبي بكر ليحتجّ عليهم ؟
    وقد أجاب الإمام عليٌّ ( عليه السلام ) عن هذا الإشكال عندما سأله الأشعث ابن قيس ، عندما قال للإمام علي ( عليه السلام ) : ما منعك ـ يا ابن أبي طالب ـ حين بويع أخو بني تيم ، وأخو بني عدي ، وأخو بني أمية ـ أن تقاتل وتضرب بسيفك وأنت لم تخطبنا مذ قدمت العراق إلاَّ قلت قبل أن تنزل عن المنبر : والله إنّي لأوّل الناس ، وما زلت مظلوماً مذ قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال ( عليه السلام ) : يا ابن قيس ! لم يمنعني من ذلك الجبن ، ولا كراهية لقاء ربّي ، ولكن منعني من ذلك أمر النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعهده إليّ .. أخبرني بما الأمّة صانعة بعده ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا عليُّ ! ستغدر بك الأمّة من بعدي ، فقلت : يا رسول الله ! فما تعهد إليّ إذا كان كذلك ؟ فقال الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن وجدت أعواناً فانبذ إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فكفَّ يدك ، واحقن دمك حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنّتي أعواناً (1).
    وفي رواية الخطيب البغدادي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن علي ( عليه السلام ) قال : أخذ عليٌّ يحدِّثنا إلى أن قال : « جذبني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبكى ، فقلت : يا رسول الله ! ما يبكيك ؟ قال : ضغائن في صدور قوم لن يبدوها لك إلاَّ بعدي ... فقلت : بسلامة من ديني ؟ قال : نعم بسلامة من دينك (2).
1 ـ الاحتجاج ، الطبرسي : 1/280 ـ 281 ، كتاب سليم بن قيس ، 214 ـ 215 ، بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ، التستري : 4/519.
2 ـ تأريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 12/394 ، رقم : 6859 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/323.


(688)
    كما سئل هذا السؤال الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وهو الإمام الثامن من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فأجاب : لأنّه ـ أي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ـ اقتدى برسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في تركه جهاد المشركين بمكة بعد النبوَّة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة تسعة عشر شهراً (1).
    وجاء في كتاب معاوية إلى عليٍّ ( عليه السلام ) : وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار ، ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر ، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاَّ دعوتهم إلى نفسك ، ومشيت إليهم بامرأتك ، وأدليت إليهم بابنيك ، فلم يجبك منهم إلاَّ أربعة أو خمسة ... مهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لمَّا حرّكك وهيّجك : لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم (2).
    فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ترك جهاد القوم ، لقلّة ناصريه ، فصبر وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، يرى تراثه ينهب ، ويعلِّل ذلك بأنّه لم يسكت إلاَّ تأسِّياً بالأنبياء ( عليهم السلام ) ، حيث قال : إنّ لي بسبعة من الأنبياء أسوة :
1 ـ والرواية هي عن الصدوق عليه الرحمة ، عن الهيثم بن عبد الله الرماني قال : سألت علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، فقلت له : يابن رسول الله ! أخبرني عن علي بن أبي طالب لم لم يجاهد أعدائه خمساً وعشرين سنة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثمَّ جاهد في أيام ولايته ؟ فقال : لأنَّه اقتدى برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في تركه جهاد المشركين بمكة ثلاث عشرة سنة بعد النبوَّة ، وبالمدينة تسعة عشر شهراً ، وذلك لقلّة أعوانه عليهم ، وكذلك علي ( عليه السلام ) ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم ، فلمَّا لم تبطل نبوَّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة وتسعة عشر شهراً ، كذلك لم تبطل إمامة علي ( عليه السلام ) مع تركه الجهاد خمساً وعشرين سنة ; إذ كانت العلّة المانعة لهما من الجهاد واحدة.
    علل الشرائع ، الصدوق : 1/148 ح 5 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، الصدوق : 1/87 ـ 88 ح 16.
2 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 2/47.


(689)
    الأول : نوح ( عليه السلام ) ، قال الله تعالى مخبراً عنه في سورة القمر ( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ) (1) فإن قلت : لم يكن مغلوباً فقد كذَّبت القرآن ، وإن قلت : كان مغلوباً فعليٌّ أعذر.
    الثاني : إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) ، حيث حكى الله تعالى عنه قوله : ( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) (2) فإن قلت : اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرت ، وإن قلت : رأى المكروه فاعتزلهم فعليٌّ أعذر.
    الثالث : نبيُّ الله لوط ( عليه السلام ) ، إذ قال لقومه على ما حكاه الله تعالى : ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْن شَدِيد ) (3) فإن قلت : كان له بهم قوَّة كذّبت القرآن ، وإن قلت : إنه ما كان له بهم قوَّة فعليٌّ أعذر.
    الرابع : نبيُّ الله يوسف ( عليه السلام ) ، فقد حكى الله تعالى عنه : ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) (4) فإن قلت : إنّه دعي إلى غير مكروه يسخط الله تعالى فقد كفرت ، وإن قلت : إنه دعي إلى ما يسخط الله فاختار السجن فعليٌّ أعذر.
    الخامس : كليم الله موسى بن عمران ( عليه السلام ) ، إذ يقول ما ذكره الله تعالى عنه : ( فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (5) ، فإن قلت : إنه فرَّ منهم من غير خوف فقد كذَّبت القرآن ، وإن قلت : فرَّ منهم خوفاً فعليٌّ أعذر.
1 ـ سورة القمر ، الآية : 10.
2 ـ سورة مريم ، الآية : 48.
3 ـ سورة هود ، الآية : 8.
4 ـ سورة يوسف ، الآية : 33.
5 ـ سورة الشعراء ، الآية : 21.


(690)
    السادس : نبيُّ الله هارون بن عمران ( عليه السلام ) ، إذ يقول على ما حكاه الله تعالى عنه : ( قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) (1) فإن قلت : إنهم ما استضعفوه فقد كذَّبت القرآن ، وإن قلت : إنهم استضعفوه وأشرفوا على قتله فعليٌّ أعذر.
    السابع : محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حيث هرب إلى الغار ، فإن قلت : إنَّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هرب من غير خوف فقد كفرت ، وإن قلت : أخافوه وطلبوا دمه وحاولوا قتله فلم يسعه غير الهرب فعليٌّ أعذر (2).

     إمامة عليٍّ ( عليه السلام ) على نحو الاختيار وليس الجبر
    إنّ الأحكام الشرعيّة ـ يا عزيزتي ـ معلَّقة على حرِّيَّة المكلَّف واختياره ، فإنّ الله لا يجبر عباده على طاعته ، فكون علي ( عليه السلام ) إماماً من قبل الله تعالى لا يعني أن تجبر الخلائق على اتباعه ( مَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ) (3) وهذا ما جرى على الأنبياء جميعهم ، وقال تعالى : ( أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) (4) ، فالبيعة لعليٍّ لا يفرضها الله على عباده (5) كما لم يفرض بيعة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ
1 ـ سورة الأعراف ، الآية : 150.
2 ـ راجع : مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 1/232 ـ 233.
3 ـ سورة الكهف ، الآية : 29.
4 ـ سورة البقرة ، الآية : 87.
5 ـ يعني بالجبر والإكراه ، قال تعالى : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) البقرة ، الآية : 256.
مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: فهرس