قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج ::: 31 ـ 45
(31)
والسلطة ، تقبلا أو إنكارا ، وبخاصة أن المؤلف كما يقول مؤرخوه كان يحتل موقعا علميا ضخما إلى الدرجة التي اجتذب بها أنظار السلطة ، فمنحته تقديرا يتناسب مع موقعه العلمي ، وهو أمر قد يجابه بردود من الفعل قائمة على التساؤل عن مسوغات التعامل مع سلطة أو أرض من الممكن أن يثار التشكيك حيالهما.
    وقد ألمح المؤلف نفسه ( في تمهيده لرسالته الخراجية التي نتحدث عنها ) إلى بعض المشكلات التي أثيرت حول الأرض والسلطة في هذا الصدد ، كما ألمح في تضاعيف رسالته إلى ذلك. ويمكننا مضافا إلى ما تقدم أن نلحظ أصداء المشكلة ذاتها في بعض الكتابات الفقهية التي ألفت للرد على رسالة المؤلف.
    وأيا كان الأمر ، فإن هدفنا من الاشارة العابرة إلى هذا الجانب ، هو أن نصل بين عنوان رسالته وبين المناخ الاجتماعي الذي اكتنف ذلك.
    وأخيرا ، ونحن نتحدث عن منهج الكاتب ، ينبغي أن نشير إلى أن معالجته للظواهر الفقهية التي طرحها في رسالته ، تظل على صلة بالمناخ العلمي الذي طبع غالبية العصور الموروثة ، وهو تصدير الظاهرة الفقهية المبحوث عنها بكتابات الطوسي بخاصة ، فيما احتل دون سواه موقعا لافتا للنظر ، حتى أن المؤلف يكتفي حينا بتقديم ما كتبه الفقيه المذكور لاحدى المسائل ، مقتصرا على ذلك في التدليل على هذه الوجهة من النظر التي يطرحها أو تلك ، دون أن يشفعها بأي تدليل آخر. كما أن كلا من العلامة والشهيد الأول يأخذان نصيبا كبيرا من ذلك.
    أما أدوات الممارسة الفقهية التي يستخدمها في حقلي الأصول والتحقيق ، فتتسم أولاهما كما سبقت الاشارة ـ بالاهمال التام لها لانتفاء فاعليتها في الممارسة ، وأما الأخرى فإن للكاتب قناعته بجملة من المبادئ المتمثلة في الرواية المنجبرة بعمل الأصحاب ، والتفكيك بين أجزاء الرواية ، مما تعفيه من عناء الممارسة التي تستجرها مشكلات الرواية. ولنقرأ بعض تعقيباته على الخبر الضعيف :
    « الخبر الضعيف الاسناد إذا انجبر بقبول الأصحاب وعملهم ، ارتقى إلى مرتبة الصحيح ».
    ومثله تعقيبه على مرسلة حماد المعروفة ، مضافا إلى ظاهرة ( التفكيك ) :


(32)
    « وهذا الحديث وإن كان من المراسيل إلا أن الأصحاب تلقوه بالقبول .. بقي شئ وهو أنه تضمن وجوب الزكاة قبل حق الأرض ، وبعد ذلك يؤخذ حق الأرض ، والمشهور بين الأصحاب أن الزكاة بعد المؤن ».
    وعقب على مرسلة الوراق :
    « مضمون هذه الرواية مشهور بين الأصحاب ، مع كونها مرسلة ، وجهالة بعض رجال أسنادها وعدم إمكان التمسك بظاهرها ».
    ويوضح في تعقيب آخر مسوغات العمل أساسا :
    « أخبار الآحاد بين محققي الأصحاب والمحصلين منهم إنما يكون حجة إذا انضم إليها من المتابعات والشواهد وقرائن الأحوال ما يدل على صدقها ».
    ومن البين أن مجرد العمل بالرواية لا يولد يقينا بوثاقتها وإلا لانتفت عملية البحث عن الاسناد وتعطلت أية فاعلية جديدة في تحقيقها ، مع أن عملية تحقيق النص وتصحيح نسبته إلى قائله يظل في مقدمة البحوث العلمية الموروثة بخاصة وهو أمر تتوفر عليه كل الأبحاث الحديثة ، أيا كان نمط المعرفة التي يتناولها البحث.
    وتبعا لذلك ، فإن القناعة الشخصية ، لا عمل الأصحاب خلافا لرأي المؤلف هو الذي يكسب النص قيمته الحقيقية.
    وعلى سبيل المثال ، فإن مرسلة حماد المذكورة من الممكن أن يمنحها الباحث نمطا من الاعتبار لقناعته بأن الراوي المذكور لا يرسل إلا عن ثقة ، لا لأن الفقهاء عملوا بنصوصه المرسلة ، أو لأنه من أصحاب الاجماع ، على صحة روايته عن المجهولين تبعا لما يقرره الاقدمون ، بل لأن الباحث نفسه ينبغي أن تتكون لديه قناعة شخصية بذلك.
    وأما فيما يتصل بتفكيك أجزاء الرواية والعمل ببعضها دون الآخر ، فإن النص لا يخلو إما من توفر نصوص مماثلة للجزء المعمول به في الرواية أو انفرادها بذلك.


(33)
    ففي الحالة الأولى لا تمكن أية قيمة ذات بال في الارتكان لهذا الجزء مادامت النصوص المعتبرة الأخرى تتكفل بتقديم الدليل. وحينئذ تنحصر قيمة هذا الجزء بكونه مجرد تعزيز للدليل لا أكثر.
    أما في الحالة الثانية فمن الصعب أن تتم القناعة بجزء لا شاهد له من النصوص الأخرى فضلا عن أن الجزء الآخر شاذ أساسا إلا إذا افترضنا إمكانية تساوقه مع الدليل العقلي ، وهو أمر بصعب الركون إليه.
    على اية حال ، فإن للمؤلف قناعته الخاصة في المعيارين اللذين تقدم الحديث عنهما ، فيما يعيننا من ذلك أن نشير إلى انسحاب وجهة نظره المذكورة على طبيعة ممارسته الفقهية ، حيث لحظنا مدى انسحاب ذلك على رسالته التي أعفته من الدخول في مشكلات الرواية وتحقيقها.
    ومثلما قلنا ، فإن هذا الجانب المتصل بتحقيق النص ، إذا كان لنا أن نناقش الكاتب فيه ، فإننا على عكس ذلك ، لا تعقيب لنا على اختزاله للأداة الأصولية ـ وهي الاداة الأخرى من ممارساته فيما أشرنا إلى عدم ضرورتها ، ما دام الهدف هو تحلية ما غمض من الأدلة ، وليس تغميض ما هو واضح منها.
    وبعامة ، فإن « الرسالة » التي توفر عليها الكاتب ، تظل مستجمعة لهدف البحث وهو « الخراج » وما يتصل به من ظواهر مرتبطة بمشروعيته زمن الغيبة بطبيعة الحال. ( وإلا فإن زمن الحضور على تفصيل بين بسط اليد وعدمه لا فائدة من معالجته الآن ).
    وقد نجح المؤلف في عرض وجهة نظره والتدليل عليها بالشكل الذي يتطلبه البحث.
    ولكن ما يلاحظ عليه بشكل عام هو تأكيده على فتاوى الأصحاب إلى الدرجة التي يبدو وكأن اهتمامه بوجهات نظرهم أشد من النصوص التي قدمها في هذا الصدد ، وهو أمر يقلل من أهمية الاستدلال لوجهة نظره ، ما دمنا نعرف بوضوح أن فتاواهم تمثل رأي أصحابها ، وهي معرضة للخطأ والصواب وليست حجة على


(34)
غيرهم.
    مضافا إلى ذلك ، يلاحظ : أن المؤلف بدلا من أن يستقطب أكثر عدد ممكن من قائمة الفقهاء إذا به يستقطب أكثر عدد ممكن من فتاوى فقيه واحد أو أكثر. فمثلا نجده للتدليل على وجهة نظره ـ يتجه إلى العلامة في مختلف كتبه مثل التذكرة ، المنتهى ، التحرير ، القواعد ، الارشاد .. الخ ، فيسجل نفس الفتوى متكررة في الكتب المذكورة ومن الواضح أن مثل هذا المنهج لا يخدم وجهة نظر المؤلف ، لأنه لم يصنع شيئا أكثر من أنه نقل رأي فقيه واحد في مجموعة مؤلفاته ، لا أنه نقل رأي مجموعة من الفقهاء حتى تتعزز بها فتواه.
    أما ما يتصل ب‍ ( أفكار ) المؤلف ، فإن أهم ما يلفت الانتباه فيها بعد أن عرضنا عابرا لحصيلة أفكاره أن نجده ( يشكك ) في نيابة الفقيه من حيث صلاحيته في التعامل مع مشكلات الخراج : إذنا ، وجباية ، في حين لا يتردد البتة في صلاحية السلطة الزمنية.
    وبالرغم من أن وجهة نظره عن ( السلطة الزمنية ) لها ما يسوغها ، مادامت النصوص أقرت مشروعية تقبيل الأرض وغيره من قبل السلطة الزمنية ، بيد أن هذا يجعل القناعة ب‍ ( نيابة الفقيه ) أشد مشروعية ، دون أدنى شك ، ما دام المؤلف ذاته يحتج في جملة ما يحتج به على مشروعية التعامل مع السلطة الزمنية أن للمسلمين ( حقا ) في بيت المال. والفقيه دون ريب أولى من غيره بمعرفة ( الحق ) وإيصاله إلى أصحابه. وأيا كان : فلكل وجهة نظره.
    أخيرا : نقدم هذه الرسالة القيمة إلى القارئ الكريم ، آملين أن يفيد منها ، بخاصة أنها تجسد رأي واحد من كبار فقهائنا الذين لا يكاد يتجاهله أي باحث يمارس عملية ( البحث المقارن ) ، فضلا عن أن فقيهنا المذكور كما ينقل مؤرخوه لم يقتصر في نشاطه على البحث العلمي فحسب بل تجاوزه إلى ميدان الاصلاح الاجتماعي متنقلا في جملة من البلدان ، مساهما بذلك في نوعية الجمهور إسلاميا ، الأمر الذي يضفي على شخصيته تقديرا خاصا ، يجعل من التعرف على رسالته التي بين يديك أهمية ذات خطورة دون أدنى شك.


(35)
    وقبل أن نغادر الكاتب في رسالته ، نود أن نلفت انتباه القارئ إلى أن الطبعة القديمة التي انتظمت داخل ثلاثين رسالة بعنوان « كلمات المحققين » لم تخل من أغلاط بسبب من الطبع أو النسخ ، بخاصة فيما يتصل ب‍ ( النصوص ) المنقولة عن « التهذيب » حيث يلاحظ أن كثيرا منها لا يطابق نصوص التهذيب ، ولكن دون أن يغير ذلك من مضمونها ولذلك تركناها على حالها مادامت الحاجة منتفية إلى ذلك ، واكتفينا بتصويب الغلط منها فحسب ، دون أن نشير إلى ذلك في الهوامش ما دام الهدف هو التصويب ، وليس ( شكلية التحقيق ) التي لا فائدة جوهرية فيها.
محمود البستاني


(36)

(37)
    تمهيد المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي أيد كلمة الحق بالبراهين القاطعة ، وأعلى كلمة الصدق بالحجج اللامعة ، ودرج أباطيل المفترين بالدلائل الدامغة ، وأذل أعناق المغالطين بالبينات القامعة ، والصلاة والسلام على المبعوث بخير الأديان محمد المختار من شجرة بني عدنان ، وعلى آله الأطهار المهتدين ، وعترته الأخيار الحفظة للدين.
    وبعد :
    فإني لما توالى على سمعي تصدى جماعة من المتسمين بسمة الصلاح ، وثلة من غوغاء الهمج الرعاع ، أتباع كل ناعق الذين أخذوا من الجهالة بحظ وافر ، واستولى عليهم الشيطان فحل منهم في سويداء الخاطر لتقريض العرض وتمزيق الأديم ، والقدح بمخالفة الشرع الكريم ، والخروج عن سواء النهج القويم ، ـ حيث إنا لما لزمنا الاقامة ببلاد العراق ، وتعذر علينا الانتشار في الآفاق للأسباب ليس هذا محل ذكرها لم نجد بدا من التعلق بالقرية لدفع الأمور الضرورية من لوازم متممات المعيشة ، مقتفين في ذلك أثر جمع كثير من العلماء وجم غفير من الكبراء الأتقياء ، اعتمادا على ما ثبت بطريق من أهل البيت ـ عليهم السلام من أن أرض العراق ونحوها مما فتح عنوة بالسيف لا يملكها مالك مخصوص ، بل هي للمسلمين قاطبة يؤخذ منها الخراج والمقاسمة ، ويصرف


(38)
في مصارفه التي بها رواج الدين ، بأمر إمام الحق من أهل البيت عليهم السلام ، كما وقع في أيام أمير المؤمنين عليه السلام.
    وفي حال غيبته عليه السلام قد أذن؟؟ عليهم السلام لشيعتهم في تناول ذلك من سلاطين الجور ، كما سنذكره مفصلا. فلذا تداوله العلماء الماضون والسلف الصالحون غير مستنكر ولا مستهجن.
    وفي زماننا حيث استولى الجهل على أكثر أهل العصر ، واندرس بينهم معظم الأحكام ، وأخفيت مواضع الحلال والحرام هدرت شقاشق الجاهلين ، وكثرت جرأتهم على أهل الدين ، استخرت الله تعالى ، وكتبت في تحقيق هذه المسألة « رسالة » ضمنتها ما نقله فقهاؤنا في ذلك من الأخبار عن الأئمة الأطهار ـ عليهم السلام ، وأودعتها ما صرحوا به في كتبهم من الفتوى : « بأن ذلك حلال لاشك فيه ، وطلق لا شبهة تعتريه » ، على وجه بديع ، تذعن له قلوب العلماء ، ولا تمجه أسماع الفضلاء. واعتمدت في ذلك أن أبين في هذه المسألة التي أفل بدرها وجهل قدرها ، غيرة على عقائل المسائل ، لا حرصا على حطام هذا العاجل ، ولا تفاديا من تعريض جاهل ، فإن لنا بموالينا أهل البيت عليهم السلام أعظم أسوة وأكمل قدوة ، فقد قال الناس فيهم الاقاويل ، ونسبوا إليهم الأباطيل ، وبملاحظة « لو كان المؤمن في جحر ضب يبرد كل غليل » مع أني لم أقتصر فيما أشرت إليه على مجرد ما نبهت عليه. بل أضفت إلى ذلك من الأسباب التي تثمر الملك وتفيد الحل ، ما لا يشوبه شك ، ولا يلحقه لبس من شراء حصة من الأشجار ، والاختصاص بمقدار معين من البذر. فقد ذكر أصحابنا طرقا للتخلص من الربا ، واسقاط الشفعة ونحوها مما هو مشهور متداول ، بل لا ينفك منها إلا القليل النادر. وقد استقر في النفوس قبوله وعدم النفرة منه ، مع أن ما اعتمدته في ذلك : أولى بالبعد عن الشبهة ، وأحرى بسلوك جادة الشريعة.
    ولم أودع في هذه الرسالة من الفتوى إلا ما اعتقدت صحته ، وأقدمت على


(39)
لقاء الله تعالى به ، مع علمي بأن من خلا قبله من الهوى ، وبصر بصيرته من الغوى ، وراقب الله تعالى في سريرته وعلانيته ، لا يجد بدا من الاعتراف به ، والحكم بصحته.
    وسميتها : قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج ، ورتبتها على مقدمات خمس ، ومقالة ، وخاتمة. وسألت الله تعالى أن يلهمني إصابة الحق ، ويجنبني القول بالهوى ، إنه ولي ذلك ، والقادر عليه.


(40)
المقدمة الأولى
    في أقسام الأرضين وهي في الأصل على قسمين :
    أحدهما :
    أرض بلاد الاسلام ، وهي على قسمين أيضا : عامر وموات ، فالعامر : مسك لاهله لا يجوز التصرف فيه إلا بإذن ملاكه. والموات : إن لم يجر عليه ملك مسلم فهو لامام المسلمين يفعل به ما يشاء ، وليس هذا القسم من محل البحث المقصود.
    القسم الثاني : ما ليس كذلك ، وهو على أربعة أقسام :
    أحدها :
    ما يملك بالاستغنام ويؤخذ قهرا بالسيف ، وهو المسمى ب‍ ( المفتوح عنوة ).
    وهذه الأرض للمسلمين قاطبة لا يختص بها المقاتلة عند أصحابنا كافة ، خلافا لبعض العامة (1) ، ولا يفضلون فيها على غيرهم ، ولا يتخير الإمام بين قسمتها ووقفها وتقرير أهلها عليها بالخراج ، بل يقبلها الإمام عليه السلام لمن
1 ـ للعامة جملة أقوال : أحدها : تقسيم الأرض على الغانمين فحسب. والثاني : تصبح فينا للمسلمين دون الغانمين. والثالث : تخيير الإمام بين قسمتها على الغانمين أو المسلمين. كما اختلفوا في تقسيمها بين الغانمين أو وقفها .. الخ. أنظر تفصيلات ذلك في موسوعة الخراج كتاب : الاستخراج لابن رجب الحنبلي ، دار المعرفة بيروت.

(41)
يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث أو غير ذلك. وعلى المتقبل إخراج مال القبالة الذي هو حق الرقبة. وفيما يفضل في يده إذا كان نصابا إما العشر أو نصف العشر.
    ولا يصح التصرف في هذه الأرض بالبيع والشراء والوقف وغير ذلك.
    وللإمام عليه السلام أن ينقلها من متقبل إلى آخر ، إذا انقضت مدة القبالة أو اقتضت المصلحة ذلك. وله التصرف فيها بحسب ما يراه الإمام عليه السلام من المصلحة للمسلمين.
    وانتفاع الأرض يصرف إلى المسلمين وإلى مصالحهم ، وليس للمقاتلة فيه الامثل ما لغيرهم من النصيب في الارتفاع.
    وثانيها : أرض من أسلم أهلها عليها طوعا من غير قتال.
    وحكمها أن تترك في أيديهم ملكا لهم يتصرفون فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر أنواع التصرف ، إذا قاموا بعمارتها.
    ويؤخذ منهم العشر أو نصفه زكاة بالشرائط.
    فإن تركوا عمارتها وتركوها خرابا كانت للمسلمين قاطبة ، وجاز للامام عليه السلام أن يقبلها ممن يعمرها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلك.
    وعلى المتقبل بعد إخراج حق القبالة ، ومؤونة الأرض ، مع وجود النصاب العشر أو نصفه. وللإمام عليه السلام أن يعطي أربابها حق الرقبة من القبالة ، على المشهور.
    أفتى به الشيخ رحمه الله في المبسوط (1) والنهاية (2) ، وأبو الصلاح (3) وهو الظاهر
1 ـ أنظر : حقل الزكاة ، ص 234 235 / ج 1 / المكتبة الرضوية.
2 ـ أنظر : حقل الزكاة / ص 201 202 / ج 1 / الطبعة المترجمة.
3 ـ نقلا عن المختلف / حقل الزكاة / ص 232.


(42)
من عبارة المحقق نجم الدين في الشرائع (1) ، واختاره العلامة في المنتهى (2) و التذكرة (3) والتحرير (4).
    وابن حمزة (5) وابن البراج ذهبا إلى أنها تصير للمسلمين قاطبة وأمرها إلى الإمام عليه السلام. وكلام شيخنا في الدروس (6) قريب من كلامهما فإنه قال : « يقبلها الإمام عليه السلام بما يراه ويصرفه في مصالح المسلمين ».
    وابن إدريس (7) منع من ذلك كله ، وقال : « إنها باقية على ملك الأول ، ولا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه ». وهو متروك.
    احتج الشيخ بما رواه صفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر (8) ، قال : « ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته ، فقال : من أسلم طوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر مما سقت السماء والأنهار ، ونصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها ، وما لم يعمروه منها أخذه الإمام عليه السلام فقبله ممن يعمره ، وكان للمسلمين ، وعلى المتقبلين في حصصهم العشر أو نصف العشر » (9).
    وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : « ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج وما سار به أهل بيته ، فقال : العشر ونصف العشر على من أسلم تطوعا تركت أرضه في يده ، وأخذ منه العشر أو نصف العشر فيما عمر منها ، وما لم يعمر أخذه الوالي فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين ، وليس
1 ـ أنظر : حقل الجهاد / ص 322 / ج 1.
2 ـ أنظر : حقل الجهاد / ص 935 / ج 2.
3 ـ أنظر : حقل الجهاد / ص 427 / ج 1.
4 ـ أنظر : حقل الجهاد / ص 142.
5 ـ أنظر : « الوسيلة » / حقل الجهاد / ص 717 / « الجوامع الفقهية ».
6 ـ نقلا عن « المختلف » / ص 332.
7 ـ أنظر : حقل الجهاد / ص 163 / منشورات صادقي.
8 ـ أنظر : « السرائر » حقل : أحكام الأرضين ص 110.
9 ـ التهذيب / حقل الخراج / ص 118 119 / ج 4 / منشورات دار الكتب الاسلامية / ح 341.


(43)
فيما كان أقل من خمسة أوساق شئ. وما أخذ بالسيف فذلك للامام عليه السلام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بخيبر » (1).
    واعترض في المختلف (2) بأن السؤال وقع عن أرض الخراج ولا نزاع فيه ، بل النزاع في أرض من أسلم أهلها عليها. ثم أجاب ب‍ : أن الجواب وقع أولا عن أرض من أسلم أهلها عليها ، ثم إنه عليه السلام أجاب عن أرض العنوة.
    إذا عرفت ذلك فاعلم : أن العلامة في المختلف احتج بهاتين الروايتين على مختار الشيخ والجماعة ، وهما في الدلالة على مختار ابن حمزة وابن البراج أظهر.
    ثم احتج لهما برواية (3) لا تدل على مطلوبهما (4) بل ولا تلتئم مع مقالتهما ، وليس لنا في بيان ذلك كثير فائدة. نعم ، بمقتضى الروايتين : المتجه ما ذهبا إليه.
    وثالثها : أرض الصلح ، وهي : كل أرض صالح أهلها عليها.
    وهي أرض الجزية ، فيلزمهم ما يصالحهم الإمام ـ عليه السلام عليه من
1 ـ التهذيب / حقل الخراج / ص 119 / ص 242 ج 4.
2 ـ أنظر : حقل الجهاد / ص 222.
3 ـ وهي رواية معاوية بن عمار : « سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : أيما رجل أتى خربة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها ، فإن عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخر بها ثم جاء بعد يطلبها ، فإن الأرض لله .. ».
4 ـ يبدو أن كلا من العلامة وناقده « المؤلف » وقع في نفس التشوش الذي طبع منهجهما الاستدلالي. فالمؤلف احتج للطوسي بنفس الروايتين اللتين احتج العلامة؟؟ لوجهة نظره ووجهة نظر الطوسي وأبي الصلاح ، فيما ذهبوا جميعا إلى أن الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا : إذا تركوا عمارتها يقبلها الإمام من يعمرها ويعطي صاحبها طسقها في حين أن الروايتين لم تتعرضا للطسق الذي يمنحه الإمام لصاحب الأرض التي تركها. علما بأن ثمة رواية ثالثة استشهد بها العلامة ردا على مختاري ابن حمزة وابن البراج ، جاء فيها « قلت : فإن كان يعرف صاحبها؟ قال : فليؤد إليه حقه » ، فيما يمكن أن تشكل مستندا لوجهة النظر القائلة بالطسق ، مع ملاحظة أن الاجابة كانت مطلقة ، تتحدث عن الرجل الذي يواجه أرضا خربة ذات مالك ، دون أن تتحدث عن القبالة أو نمط المالك ، ولكنها قد تصلح قيدا للنصوص المطلقة التي تنفي أحقية المحيي الأول ، بغض النظر عن سببية إحيائه : بأن كانت ممن أسلم أهلها عليها طوعا وتركها ، أو تملكها بأخذ أسباب الملك من بيع أو إرث أو هبة.


(44)
نصف أو ثلث أو ربع أو غير ذلك ، وليس عليهم شئ سواه.
    فإذا أسلم أربابها ، كان حكم أرضهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء ، ويسقط عنهم الصلح لأنه جزية.
    ويصح لاربابها التصرف فيها بالبيع والشراء والهبة وغير ذلك.
    وللإمام عليه السلام أن يزيد وينقص ما يصالحهم عليه بعد انقضاء مدة الصلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها.
    ولو باعها المالك من مسلم : صح ، وانتقل ما عليها إلى رقبة البائع وهذا إذا صولحوا على أن الأرض لهم.
    أما لو صولحوا على أن الأرض للمسلمين وعلى أعناقهم الجزية كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة ، عامرها للمسلمين ومواتها للامام ـ عليه السلام.
    ورابعها :
    أرض الأنفال ، وهي : كل أرض انجلى أهلها عنها وتركوها ، أو كانت مواتا لغير مالك فأحييت ، أو كانت آجاما وغيرها مما لا يزرع فاستحدثت مزارع ، فإنها للامام عليه السلام ـ خاصة لا نصيب لأحد معه فيها ، وله التصرف فيها بالبيع والشراء والهبة والقبض ، حسب ما يراه ، وكان له أن يقبلها بما يراه من نصف أو ثلث أو ربع ويجوز له نزعها من يد متقبلها إذا انقضت مدة القبالة ، إلا ما أحييت بعد موتها ، فإن من أحياها أولى بالتصرف فيها إذا تقبلها بما يتقبلها غيره ، فإن أبى كان للامام نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه ، وعلى المتقبل بعد إخراج مال القبالة فيما يحصل : العشر أو نصفه.

    الأولى : تقسيم الأرضين إلى هذه الأقسام الأربعة بعينه موجود في كلام


(45)
الشيخ في المبسوط والنهاية ، بل تكاد عبارته تطابق العبارة المذكورة هنا. والظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في ذلك. فقد ذكره كذلك جماعة من المتأخرين كابن إدريس ، والمحقق ابن سعيد ، والعلامة في مطولاته « كالمنتهى » و « التذكرة » ، ومتوسطاته « كالتحرير » ، ومختصراته « كالقواعد » و « الارشاد » وكذا شيخنا الشهيد في « الدروس ».
    الثانية : قال الشيخ (1) : « كل موضع أو جبنا فيه العشر أو نصف العشر من أقسام الأرضين إذا أخرج الانسان مؤونته ومؤونة عياله لسنته ـ وجب عليه فيما بقي بعد ذلك الخمس لاهله » وهو متجه.
    الثالثة : ما يؤخذ من هذه الأراضي : إما مقاسمة بالحصة ، أو ضريبة تسمى ( الخراج ) ، يصرف لمن له رقبة تلك الأرض.
    فما كان من المفتوح عنوة فمصرفه للمسلمين قاطبة. وكذا ما يؤخذ من أرض الصلح أعني « الجزية ».
    وما يؤخذ مما أسلم أهلها عليها إذا تركوا عمارتها : على ما سبق (2).
    وما كان من أرض الأنفال : فهو للامام عليه السلام وسيأتي تفصيل بعض ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
1 ـ أنظر : المبسوط / حقل الزكاة / ص 226 / ج 1.
2 ـ أي : للامام أن يقبلها شخصا آخر ، ولكن على أن يعطي أربابها حق الرقبة.
قاطِعَةُ اللجَاجِ ::: فهرس