قواعد الحديث ::: 151 ـ 165
(151)
بها ، لا أنها مكذوبة عليه ، ومدسوسة في كتابه من قبل الواضع الداس لكنه لا يلزم من ذلك التعبد بصدورها أجمع عن الامام (ع) ، لتوقف حجية الخبر على أمرين ، أحدهما إحراز نقل الراوي له. ثانيهما إحراز وثاقته. والأمور السابقة إنما تثبت لنا أن الراوي كمحمد بن سنان نقل الخبر عن الامام (ع) ، لا أنه مكذوب عليه. أما وثاقته فنحتاج الى إحرازها من طريق آخر ، كوثاقة بقية رجال سند الخبر.
    نعم لو حصل من تلك الأمور وثوق ، واطمئنان بصدور تلك الأخبار بأجمعها عن المعصوم (ع) كانت حجة لذلك وإن لم يثبت وثاقة رواتها وكذا لو اطمأن الفقيه بصدور بعضها لكونه موجوداً في الكتاب المعروض على المعصوم (ع) ، أو قامت القرائن على أن الجواب بخطه (ع).
    وهذا جاري في اعتبار نفس الكتاب ، والأصل الناقل للأخبار ، حيث لا يثبت اعتباره إلا بعد إحراز وثاقة مؤلفه ، وصحة نسبته اليه ، فلا يجدي أحدهما. ولذا بحث الفقهاء عن صحة طرق الشيخين الطوسي ، والصدوق الى أصحاب الكتب ، والأصول التي نقلا عنها الأخبار ، فحكموا بصحة بعضها ، وضعف البعض الآخر. كما هجر كثير منهم روايات كتاب الفقه المنسوب الى الامام الرضا (ع) ، لعدم ثبوت تلك النسبة لديهم.
    نعم لو حصل اطمئنان بصحة نسبة الكتاب الى مؤلفه كفى وثاقته في اعتباره ، وإن لم يثبت صحة الطريق اليه.
    هذا كله بالنسبة للأحاديث الموضوعة ،
    وأما الأحاديث الصادرة تقية فقد انحصرت بالأحاديث المتعارضة ، إذ لا يمكن عادة صدور الحكم عن المعصوم (ع) مخالفاً للواقع تقية ولا يصدر ما يخالفه من بيان الحكم الواقعي ، لا عنه ، ولا عن معصوم آخر طيلة عصور المعصومين (ع). بل ورد التصريح في بعض الأخبار بالقاء


(152)
المعصوم (ع) الخلاف في الحكم بين الشيعة حفظاً لهم من جور الحاكمين وعلل في بعض الأخبار بقوله (ع) : لو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ، ولكان أقل لبقائنا وبقائكم الخ » (1). وبقوله (ع) : « لو صلّوا على وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم » (2).
    وقد وضع الأئمة من أهل البيت (ع) طريقاً لمعرفة الحجة من الخبرين المتعارضين ، وهو عرضهما على كتاب اللّه تعالى ، والأخذ بما وافقه ، وترك ما خالفه. إذ لا إشكال في أن الموافق هو الذي صدر لبيان الحكم الواقعي فان لم يذكر الحكم في الكتاب أخذ بما خالف العامة ، وهجر ما وافقهم إذ لا إشكال في أن الموافق هو الذي صدر تقية.
    الوجه الثاني : أن العلم الاجمالي بوجود ذينك الطائفتين من الأخبار أعني الموضوعة ، والصادرة تقية ضمن الأخبار الواصلة الينا ، على تقدير تحققه ، لا أثر له ، فان هذه الأخبار على قسمين ، أحدهما تضمن حكماً غير الزامي ، والأخر تضمن حكماً إلزامياً. ولا أثر للعلم الاجمالي في الأول فيجري الأصل في الثاني بلا معارض ، ويعمل بأخباره بعد سلامة السند والدلالة من الضعف.
    ويورد عليه بأن الأثر ثابت لهذا العلم حتى في القسم الأول ، من أجل استناد الفقيه الى أخباره ، وفتواه على طبقها ، إذ تارة يفتي الفقيه بالوجوب ، وأخرى بالاستحباب ، وثالثة بالكراهة ، وفي جميع ذلك محتاج الى حجة يستند اليها في فتواه ، وعليه فالحكم الالزامي وغيره سواء في اعتبار سلامة مدركه من الخدش ، فيتنجز ذلك العلم الاجمالي.
    الوجه الثالث : أن العلم الاجمالي المذكور على تقديره قد اتحل بعدم العمل بكثير من الأخبار الواصلة الينا ، لأمور دعت الى ذلك ، منها ضعف
1 ـ الكافي ج 1 ص 65.
2 ـ الحدائق ح 1 ص 6.


(153)
سند الخبر أو دلالته ، وعدم وجود الجابر لهما. ومنها شذوذه ، وهجر الفقهاء له ، ومنها حمله على التقية عند اقتضاء القواعد ذلك. ومنها وجود المعارض له المسقط عن الاعتبار. وعليه نحتمل بل نظن بوجود ذينك الطائفتين من الأخبار في تلك المجموعة التي لم نعمل بها ، فلا يبقى لنا علم إجمالي بوجودهما ضمن أخبارنا المعمول بها.
    واحتمال وجودهما بينها غير ضاير ، حيث لا يعتنى باحتمال كون الخبر موضوعاً ومدسوساً بعد إطلاق دليل حجية خير الثقة ، كما لا يعتنى باحتمال صدوره تقية بعد جريان أصالة الظهور ، فان مقتضى حجية ظاهر الكلام أن مفاده مراد للمتكلم بالارادة الجدية ، فلا عبرة باحتمال إرادة خلاف ظاهره من سخرية ، أو امتحان ، أو تقية ، أو غيرها ما لم تقم قرينة على ذلك. هذا ما بنى عليه العقلاء عند التحاور ، والتفهيم.
    وخلاصة البحث أنه لم يقم دليل يمكن الركون اليه في إثبات قاعدة كلية مقتضاها حجية كل خبر اشتهر عمل الفقهاء به وإن كان ضعيف السند ووهن كل خبر اشتهر الاعراض عنه وإن كان صحيح السند.
    نعم لو حصل الوثوق في مورد بصدور الخبر عن المعصوم (ع) من شهرة العمل أو غيرها كان حجة ، وإن ضعف سنداً. كما أنه لو حصل الوثوق بعدم صدوره أصلاً ، أو بعدم صدوره لبيان الحكم الواقعي من شهرة الاعراض ، أو غيرها سقطت حجيته ، وإن صح سنداً. فالعبرة بذلك الوثوق.
    وعليه فلو تعارض خبران في الدلالة ، أحدهما حصل الوثوق برواته والآخر بصدوره جرى عليهما أحكام المتعارضين لحجية كل منهما في نفسه.
    نعم لو قلنا بانسداد باب العلم في توثيقات الرواة ، واكتفينا بالظن فيها كان الخبر الموثوق بصدوره هو الحجة دون معارضه الذي حصل الظن


(154)
بوثاقة رواته. كما أنه لو انعكس الأمر ، فانسد باب العلم بالنسبة للوثوق بالصدور ، دون الوثوق بالرواة ، كان خبر الثقة هو الحجة دون معارضه الذي حصل الظن بصدوره. أما لو انسد باب العلم فيهما كان الخبر الذي حصل الظن بصدوره معارضاً لما حصل الظن بوثاقة رواته لحجية الظن فيهما معاً. فانسداد باب العلم بالنسبة للوثوق بصدور الأحاديث الواصلة الينا لا يثبت حجية الظن به ما لم ينسد باب العلم في توثيقات الرواة ، وبالعكس.
    وعليه يلزم النظر في شأن التوثيقات الصادرة في حق رواة الأحاديث وهل أنها تفي بالمطلوب ليكون باب العلم منفتحاً فيها ، فلا يضطر الى التنّزل الى العمل بالظن.
    وتفصيل البحث عن ذلك يستدعي النظر في الأصول الرجالية التي هي المرجع في باب التوثيقات فنقول.


(155)

(156)


(157)
    الأصول الرجالية
    لنا أصول في الحديث نعرف بها متنه وأسماء رواته ، مثل كتبنا الأربعة.
    ولنا أصول في الرجال نعرف بها حال بعض اولئك الرواة ، وما قيل فيهم من قدح ومدح وتوثيق وتضعيف ، لتوقف صحة العمل بخبر الواحد على احراز اعتبار رواته ، فيضطر الفقيه الى النظر في تلك الأصول. وهي.
    1 ـ كتاب أبي الحسين احمد بن العباس النجاشي الأسدي المتوفى سنة ( 450 هجري ) ، المعروف ب‍‌ ( رجال النجاشي ).
    2 ـ كتاب الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة ( 460 هجري ) ، المعروف ب‍‌ ( الفهرست ).
    3 ـ كتابه الثاني المعروف ب‍‌ ( رجال الشيخ الطوسي ).
    4 ـ كتابه الثالث الذي اختاره من كتاب الشيخ الأقدام أبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي المعدود في طبقة الشيخ الكليني المتوفى سنة ( 329 هجري ) ، وسماه ب‍‌ ( اختيار الرجال ) ، كما يسمى اليوم ب‍‌ ( معرفة أخبار الرجال ) ، وبه عنوان الكتاب المطبوع ، واشتهر ب‍‌ ( رجال الكشي ) (1).
1 ـ صرح بذلك جماعة. منهم الشيخ يوسف البحراني قائلاً : « وكتاب الكشي المذكور لم يصل الينا وإنما الموجود المتداول كتاب ( اختيار الكشي ) للشيخ أبي جعفر الطوسي الخ » ( لؤلؤة البحرين ص 403 ). ونقل الشيخ أبو علي عن جملة من مشايخه : أن كتاب ( رجال الكشي ) « كان جامعاً لرواة العامة والخاصة ، خالطاً بعضهم ببعض ، فعمد اليه

(158)
    5 ـ كتاب أبي الحسين احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري ، المعاصر للشيخ الطوسي والنجاشي ، ألّفه في خصوص الضعفاء من الرجال ويعرف ب‍‌ ( رجال ابن الغضائري ).
    وقد جمع السيد جمال الدين احمد بن طاووس المتوفى سنة ( 673 هجري ) هذه الأصول الرجالية الخمسة في كتابه ( حل الاشكال في معرفة الرجال ).
    كما جمعها الشيخ عناية اللّه القهبائي في كتابه ( مجمع الرجال ).
    وهناك كتب أخرى كثيرة للقدماء ألفت في الرجال ، نص عليها أرباب التراجم والسير ، وسبق (1) الاشارة الى بعضها. منها ( رجال ) احمد بن محمد بن خالد البرقي. لكنها لم تعد من الأصول.
    ويمكن تعليل إهمالها ، وحصر الأصول في تلك الخمسة بعدم وصولها الى أيدي الفقهاء ، وإنما ذكرت عند تراجم مؤلفيها ، لكن هذا لا يتم بالنسبة ل ( رجال البرقي ) المطبوع أخيراً منضماً الى ( رجال ابن داود ) فانه من أجزاء كتابه ( المحاسن ) الشهير. فيتحكم الايراد على إهماله عند
شيخ الطائفة ـ طاب مضجعه ـ فلخصه ، وأسقط منه الفضلات ، وسماه ب‍‌ ( اختيار الرجال ) ، والموجود في هذه الأزمان ، بل وزمان العلامة وما قاربه إنما هو ( اختيار الشيخ ) ، لا الكشي الأصل ). ( منتهى المقال ص 285 ). وجاء في كتاب ( الذريعة ج 1 ص 365 ) : ان كتاب الرجال المتداول المشهور ب‍‌ ( رجال الكشي ) هو للشيخ الطوسي ، اختاره من ( رجال الكشي ) الذي اسمه ( معرفة الناقلين ) ، كما ذكره ابن شهرآشوب في ( معالم العلماء ) ، وكانت فيه أغلاط كثيرة ، كما ذكره النجاشي ، فجرد شيخ الطائفة ما فيه من الأغلاط وهذبه ، فسمي ( اختيار الرجال ).
1 ـ أنظر ص 20.


(159)
تعداد الأصول.
    وقد يعتذر عن إهماله بأن مؤلفه لم يتعرض فيه لجرح أو تعديل ، وإنما عد فيه بعض أصحاب النبي (ص) والأئمة من أهل بيته (ع). والغرض المهم معرفة حال الراوي من حيث الوثاقة والضعف.
    ولكنه يوهن بأن البرقي أوضح فيه طبقات من ذكرهم من الرواة ، ومن أدرك الأئمة (ع) منهم ، وتلك ثمرة بالنسبة لرواة الحديث. على أنه قد وصف بعض أصحاب أمير المؤمنين (ع) ب‍‌ ( الأصفياء ) وهو فوق حد التوثيق ، كما وصف جماعة منهم ب‍‌ ( الأولياء والخواص ) وعليه يستحق أن يضاف الى الأصول الخمسة فتعد ستة.

    الأصول ورواة الحديث
    وليس في تلك الأصول الرجالية الستة كتاب شامل لجميع رواة أحاديثنا بحيث يكشف عن حالهم ، توثيقاً وتضعيفاً ومدحاً وجرحاً.
    1 ـ فالشيخ الكشي اقتصر في كتاب ( رجاله ) على الرواة الذين ورد فيهم أحاديث مدحاً أو ذماً ، وأهمل الباقين جميعاً. وبتعبير آخر ، إنه اقتصر على ذكر الروايات الواردة في حق الرواة. على أن كتابه قد رماه النجاشي بكثرة الأغلاط ، كما سبق (1).
    2 ـ والشيخ النجاشي وضع كتاب ( رجاله ) لذكر كتب الامامية وتصانيفهم ، وإنما ذكر المؤلفين لها بالعرض ، فلم يذكر من ليس له كتاب من الرواة. ولذا قال في مقدمة كتابه : « فاني وقفت على ما ذكره السيد الشريف ... من تعيير قوم من مخالفينا ، أنه لا سلف لكم ، ولا مصنّف
1 ـ أنظر ص 51.

(160)
وهذا قول من لا علم له بالناس ... وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته ، لعدم أكثر الكتب ، وإنما ذكرت ذلك عذراً الى من وقع اليه كتاب لم أذكره ... أذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالحين ».
    وقد جرح وضعّف كثيراً من أولئك الرواة المؤلفين. كما لم يوثق كثيراً منهم ، مثل عبد اللّه بن بكير (1) ولم يشر الى خلافه في المذهب.
    3 ـ والشيخ الطوسي في كتابه ( الفهرست ) جرى على ذلك مقتصراً على ذكر كتب الشيعة من تصانيف وأصول وذكر أصحابها تبعاً لذكرها. وقد صرح بذلك في مقدمة كتابه ، فقال : « فاني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا ( فهرست ) كتب أصحابنا ، وما صنّفوه من التصانيف ، ورووه من الأصول ، ولم أجد أحداً استوفى ذلك ... عمدت الى كتاب يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ... فاذا ذكرت كل واحد من المصنّفين ، وأصحاب الأصول فلا بد من أن أشير الى ما قيل فيه من التعديل والتجريح ، وهل يعوّل على روايته أولاً ...
1 ـ هو من وجوه الرواة الذين نقل الكشي الاجماع على تصحيح ما يصح عنهم ، وتصديقهم لما يقولون ، والاقرار لهم بالفقه ، وقال : « قال محمد بن مسعود : عبد اللّه بن بكير ، وجماعة من الفطحية ، هم فقهاء أصحابنا ... وعد عدة من أجلة الفقهاء العلماء » ( رجال الكشي ص 239 ـ 221 ). وصرح الشيخ الطوسي بتوثيقة في ( الفهرست ص 106 ).
نعم إن بعض المتأخرين لا يعملون بروايته من أجل أنه فطحي. لكن الحق أن اختلال مذهبه لا يضر بوثاقته ، والعمل بروايته. وقد وثق النجاشي كثيراً من الفطحية ونظائرهم ، فقال عند ذكر عمار بن موسى الساباطي ، وأخويه قيس وصباح : « وكانوا ثقاتاً في الرواية » ( رجال النجاشي ص 206 ).


(161)
فاذا سهل الله إتمام هذا الكتاب فانه يُطلع على أكثر ما عمل من التصانيف والأصول الخ ».
    فلم يذكر الشيخ في ( فهرسته ) غير المصنّفين وأصحاب الأصول من الرواة.
    على أنه لم يجر على ما وعد به في المقدمة من الاشارة الى ما قيل فيهم « من التعديل والتجريح » ، حيث أهمل توثيق كثير من وجوه الرواة ، مثل زكريا بن آدم ( ص 73 ) ، وزرارة بن أعين ( ص 74 ) ، وسلمان الفارسي ( ص 80 ) ، وعبيد بن زرارة ( ص 107 ) ، وعبد الرحمن بن الحاج ( ص 108 ) ، وعمار بن موسى الساباطي ( ص 117 ) ، وليث المرادي ( ص 130 ) ، ومحمد بن اسماعيل بن بزيع ( ص 139 ) ، ومحمد بن الحسن الصفار ( 143 ) ، ومحمد بن علي بن محبوب ( ص 145 ) ومعاوية بن عمار ( ص 166 ).
    ولا يصح الاعتذار عن ذلك بأن أمثال هؤلاء الرواة لا يحتاجون الى توثيق ، لأن بعضهم محتاج اليه مثل عمار الساباطي الفطحي ونظائره ، حيث خدش فيه جماعة ، وإن اشتهر توثيقه ، واعتبار حديثه ، وصرح الشيخ بوثاقته في كتاب ( التهذيب ) ، فقال : « ... عمار بن موسى الساباطي وهو واحد قد ضعفه جماعة من أهل النقل ، وذكروا أن ما ينفرد بنقله لا يعمل به ، لأنه كان فطحياً ، غير أنا لا نطعن عليه بهذه الطريقة ، لأنه وإن كان كذلك فهو ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه » (1). فكان يلزمه النص على توثيقه في ( الفهرست ) حسبما ألزم به نفسه. كما نص عليه النجاشي عند ترجمته (2).
    على أنه لم يهمل توثيق كل من لا يحتاج اليه. ولذا وثق الشيخ الكليني
1 ـ التهذيب ج 7 ص 101.
2 ـ رجال النجاشي ص 206.


(162)
صريحاً ( ص 135 ) ، ومحمد بن أبي عمير ( ص 142 ). وعظّم الصدوق ( ص 145 ).
    فترك الشيخ الطوسي لتوثيق راوي في كتابه ( الفهرست ) لا يصلح دليلاً لبنائه على عدم وثاقته.
    4 ـ وابن الغضائري ألّف كتابه في الضعفاء من الرواة خاصة. على أنه جرح فيه كثيراً ممن لا يستحق الجرح على ما سيأتي بيانه.
    5 ـ والبرقي لم يذكر في كتابه جرحاً ولا تعديلاً للرواة وإنما عد طبقاتهم بدون استيفاء ، وإن وصف بعض أصحاب أمير المؤمنين (ع) بما سبق.
    6 ـ والشيخ الطوسي وإن وضع كتاب ( رجاله ) لاستقصاء جميع الرواة من مؤلفين وغيرهم ، موثقين ومجروحين ، حتى الذين لم يدركوا عصر المعصومين (ع) ، ولذا قال في مقدمته : « فاني أجبت الى ما تكرر سؤال الشيخ الفاضل فيه من جميع كتاب يشتمل على أسماء الذين رووا عن النبي (ص) ، وعن الأئمة (ع) من بعده الى زمان القائم (ع) ، ثم أذكر بعد ذلك من تأخر زمانه عن الأئمة (ع) من رواة الحديث ، أو من عاصرهم ولم يروِ عنهم (ع) ».
    لكنه لم يلتزم بالتصريح بالتوثيق في كل مورد يقتضيه. فكان غرضه استقصاء الرواة فحسب وإن صرح بتوثيق كثير منهم بالعرض. وعليه فلا يكون تركه لتوثيق راوي دالاً على عدم وثاقته عنده ، ولذا أهمل النص على توثيق كثير من وجوه الرواة وثقاتهم.
    منهم أبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، ذكرهما في أصحاب النبي (ص) ( ص13 ـ 27 ).
    ومنهم صعصعة بن صوحان ، وكميل بن زياد النخعي ، ذكرهما في أصحاب أمير المؤمنين (ع) ( ص 45 ـ 56 ).


(163)
    ومنهم أبان بن تغلب ، ذكره في أصحاب علي بن الحسين (ع) ( ص82 ). وفي أصحاب الامام الباقر (ع) ( ص 106 ). وفي أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 151 ).
    ومنهم محمد بن مسلم الثقفي ، ذكره في أصحاب الامام الباقر (ع) ( ص 135 ). وفي أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 300 ). وفي أصحاب الامام الكاظم (ع) ( ص358 ).
    ومنهم زرارة بن أعين ، ذكره في أصحاب الامام الباقر (ع) ( ص 123 ) ، وفي أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 201 ) ولم يوثقه فيهما ، وذكره في أصحاب الامام الكاظم (ع) (1) ( ص 359 ) ووثقه.
    ومنهم ليث المرادي أبو بصير ، ذكره في أصحاب الامام الباقر (ع) ( ص 134 ) ، وفي أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 278 ) ، وفي
1 ـ إن تأخر وفاة زرارة عن وفاة الامام الصائق (ع) يقضي بامكان روايته عن الامام الكاظم (ع) ، ليصح عده من أصحابه (ع) ، كما فعله الشيخ الطوسي في كتاب ( رجاله ). لكنه ورد في الأحاديث أن زرارة كان بالكوفة ، فوصله نبأ وفاة الامام الصادق (ع) ، فأرسل ولده عبيداً ليفحص عن الامام (ع) بعده ، ثم توفي قبل رجوع ولده ( رجال الكشي ص 102 ـ 104 ) ، ومقتضاه أن زرارة لم يصحب الامام الكاظم (ع) ولم يروِ عنه. بالاضافة لما صرح به الشيخ المامقاني بقوله : « وقد تصفحنا ( وسائل الشيعة ) الجامعة لأخبار الكتب الأربعة من البدو الى الختام في أيام متتالية فلم نجد لزرارة عن أبي الحسن موسى (ع) رواية واحدة ، ولا يعقل روايته في غير الفروع وعدم روايته في الفقه مع كونه عمدة فنه ولا يصدق كونه من أصحاب الكاظم (ع) مع عدم روايته عنه » ( تنقيح المقال ج 1 ص 445 ).

(164)
أصحاب الامام الكاظم (ع) ( ص 358 ).
    ومنهم زكريا بن آدم القمي ذكره في أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 200 ) ، وفي أصحاب الامام الرضا (ع) ( ص 377 ) ، وفي أصحاب الامام الجواد (ع) ( ص 401 ).
    ومنهم معاوية بن عمار ذكره في أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 310 ).
    فهؤلاء الأعاظم من ثقات الرواة لم ينص الشيخ الطوسي على توثيقهم إلا زرارة وثقه في باب وترك توثيقه في بابين. أفهل يمكن القول بأن الشيخ الطوسي لم يبنِ على وثاقتهم؟ كلا.
    وهؤلاء مثال للرواة الذين ترك الشيخ توثيقهم في كتاب ( رجاله ) وإلا فهم كثيرون. بل لم يوثق أحداً من أصحاب الحسن والحسين وعلي بن الحسين (ع) ، ولم يذكر توثيقاً لأحد من أصحاب رسول اللّه (ص) وأمير المؤمنين (ع) ، إلا بعض كلمات التعظيم للنادر منهم ، مثل وصف سلمان الفارسي بأنه من الأركان ( ص 43 ) ، ووصف زيد بن صوحان بأنه من الأبدال ( ص 41 ).

    حول تعدد الراوي
    ثم إن الشيخ الطوسي وضع كتاب ( رجاله ) على قسمين. أحدهما أعده لذكر الرجال الذين رووا عن النبي (ص) أو عن الأئمة المعصومين ـ عليهم السلام ـ بعده. ثانيهما أعده لذكر الرجال الذين لم يعاصروا الأئمة (ع) أو عاصروهم ولكن لم يرووا عنهم.
    ولازم هذا ثبوت التغاير بين الرواة المذكورين في القسم الأول ،


(165)
والمذكورين في القسم الثاني وإن اشتركوا في الأسماء ، كسائر الرواة المشتركين فيها. وعليه فلو ذكر شخصاً في أحد القسمين فوثقه ، وذكره ثانياً في القسم الثاني بدون توثيق ، ولم يحصل التمييز بينهما لا يصح العمل بروايته اعتماداً على ذلك التوثيق بعد احتمال أنه الثاني الذي لم يوثق. فيجري عليه جميع أحكام المشترك حتى لو صدر التوثيق من غير الشيخ لراوي بهذا الاسم.
    وقد حدث ذلك في القاسم بن محمد الجوهري ، حيث ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 276 ) ، وفي أصحاب الامام الكاظم (ع) ( ص 358 ) ، وفي باب ( من لم يروِ عن الأئمة (ع) ص 490 ) ، فان ذكره في أصحاب الامامين (ع) وإن لم يدل على تعدده ، لعدم المانع من رواية شخص واحد عنهما معاً ، وإنما الاشكال في ذكره ثالثاً في ذاك الباب. ولذا استظهر ابن داود منه التعدد في ( رجاله ) حيث قال : « إن الشيخ ذكر القاسم بن محمد الجوهري في رجال الكاظم ـ عليه السلام ـ ، وقال : كان واقفياً. وذكر في باب من لم يروِ عن الأئمة (ع) : القاسم بن محمد الجوهري روى عنه الحسين بن سعيد. فالظاهر أنه غيره ، والأخير ثقة » (1).
    وأورد عليه استاذنا المحقق الخوئي بأن ذكر الشيخ الطوسي للرجل في ذينك القسمين لا يكشف عن تعدده ، وإنما يدل على أنه صحب الامام (ع) ولم يروِ عنه بالذات بل بالواسطة ، حيث أعد القسم الأول لذكر من صحب الأئمة (ع) سواء روى عنهم بالذات ، أو بالواسطة ، وأعد القسم الثاني لذكر من لم يرو عنهم (ع) بالذات. نعم لو ذكر رجلاً في القسم الثاني وذكره في باب أصحاب النبي (ص) من القسم الأول دل على تعدده ، حيث عنون تلك الباب بمن روى عن النبي (ص) من الصحابة ، فيختص بمن
1 ـ رجال ابن داود ص 276 ـ 277.
قواعد الحديث ::: فهرس