قواعد الحديث ::: 166 ـ 180
(166)
روى عنه بالذات دون الراوي بالواسطة ، فيختلف باب أصحاب النبي (ص) عن أبواب أصحاب الأئمة (ع).
    ويندفع هذا بما صرح به الشيخ الطوسي في مقدمة كتاب ( رجاله ) فقال : « ... كتاب يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن النبي (ص) وعن الأئمة من بعده الى زمان القائم (ع) ، ثم أذكر بعد ذلك من تأخر زمانه عن الأئمة (ع) من رواة الحديث ، أو من عاصرهم ولم يرو عنهم ».
    فقد أخذ في القسم الأول عنوان الراوين عن الأئمة (ع) لا المصاحبين لهم ، كالراوين عن النبي (ص) ، فلا فرق إذن بين أصحاب النبي (ص) وأصحاب الأئمة في اشتراط الرواية ، حيث ذكرهما في سياق واحد. وأخذ في القسم الثاني عنوانين. أحدهما من تأخر زمانه عن الأئمة (ع) من الرواة ، أي لم يدركهم. وروى عنهم بالواسطة. ثانيهما من عاصر الأئمة (ع) ولم يرو عنهم ، سواء لم يرو أصلاً ، أو روى بالواسطة ، إن لم يرد بذلك خصوص الرواة المعاصرين ، وإلا اختصّ بمن روى عنهم بالواسطة ، ويكون نظره إلى نفي الرواية بالذات ، فلا يشمل من لم يرو عنهم (ع) أصلاً.
    وهذا التزام من الشيخ الطوسي بأن الراوي المعاصر للامام (ع) الذي لم يرو عنه بالذات إنما يذكره في القسم الثاني فيختص الأول بمن روى عن الامام (ع) بالذات ، ويشمل الثاني من عاصر الامام (ع) من الرواة ولم يرو عنه بالذات ، ومن لم يعاصره. فلا يتم ما أفاد الاستاذ حول وحدة الراوي المذكور في كلا القسمين.
    نعم كُتب عند ذكر أبواب الراوين عن الأئمة (ع) عنوان الأصحاب مثل « أصحاب أبي عبد اللّه (ع) » ولكنه لاينافي ما ذكره الشيخ في صدر الكتاب من اختصاص القسم الأول بالراوين ، ويكون المراد بذكر


(167)
الأصحاب خصوص الراوين بالذات. على أنه لم يكتب ذلك في باب من روى عن أمير المؤمنين (ع) ، وإنما عنون ب‍‌ « أسماء من روى عن أمير المؤمنين ». بل لم يعلم أن الشيخ نفسه قد وضع عناوين تلك الأبواب فلاينافي كلامه في صدر كتابه.
    وهذا بحث نافع بالنسبة لبعض الرواة. منهم الجوهري السابق. ومنهم غياث بن ابراهيم ، حيث ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الامام الباقر (ع) ( ص 132 ) بعنوان « غياث بن ابراهيم بتري ». وذكره في أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 270 ) قائلاً : « غياث بن ابراهيم أبو محمد التيمي الأسدي أسند عنه ، وروى عن أبي الحسن عليه السلام ». وذكره في باب ( من لم يرو عنهم (ع) ص 488 ) قائلاً : « غياث ابن ابراهيم روى محمد بن يحيى الخزاز عنه ».
    نعم إن استبعاد اشتراك شخص مع آخر في اسمه ، واسم أبيه ، ولقبه حاصل ، إلا أنه لا يوجب الوثوق بالاتحاد بعد وجود ما يقتضي التعدد ، مثل ذكرهما في ذينك القسمين من ( رجال الشيخ ). ويضعف ذلك الاستبعاد عند اختلافهما في اللقب.
    وقد اختلف الرجاليون في الحكم بالوحدة والتعدد في محل البحث ، ولذا قال الشيخ المامقاني : « إن مما شاع بين أواخر علماء الفن الحكم باتحاد اثنين جزماً أو ظناً أو احتمالاً بمجرد اشتراكهما في الاسم ، أو فيه واسم الأب أو فيهما وفي الكنية ، أو في الكنية أو في اللقب فقط ، ولهم في ذلك سابق من الأوائل في جملة من الموارد ... وقد جرى الأواخر على هذا المسلك في جملة كثيرة من الرجال ، كما ستسمع ، سيما الناقد والوحيد ، وذلك في نظري القاصر خطأ صرف لا يساعد عليه طريق شرعي بعد كونه حدساً صرفاً ، وتخميناً محضاً ، وأي ملازمة بين اتحاد الاسم ، أو اسم الأب ،


(168)
أو الكنية ، أو اللقب ، وين اتحاد الشخصين بعد وجود المايز بينهما الخ » (1).

    حول انسداد باب العلم في التوثيقات
    ولما عرفته من حال أصولنا الرجالية يقوى القول : بانسداد باب العلم في التوثيقات والاكتفاء بالظن فيها. كما اختاره المحقق القمي قائلاً : « فالأولى أن يقال : إن ذلك من باب الظنون الاجتهادية المرجوع اليها عند انسداد باب العلم ، وليس من باب الشهادة ، ولا الرواية المصطلحة » (2).
    ولأجله التجأ المحقق الهمداني الى العمل بكل خبر وصفه القدماء بالصحة ، وترك الفحص عن حال الرواة مستدلاً عليه بأنه « ... لا يكاد يوجد رواية يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق لولا البناء على المسامحة في طريقها ، والعمل بظنون غير ثابتة الحجية الخ » (3).
    لكن يشكل الأمر فيما لو اختلف الفقهاء في خبر ، فصححه جماعة وعملوا به ، وضعّفه آخرون وتركوه ، فما هو الحكم عند ترك الفحص عن حال الرواة ؟.
    واستدل بانسداد باب العلم في العدالة على كفاية تزكية العدل الواحد فقيل : « ... أن العلم بالعدالة متعذر غالباً فلا يناط التكليف به ، بل بالظن ، وهو يحصل من تزكية الواحد.
    وقد علّق الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني على هذه الدعوى بقوله : « ... وربما وجهت بالنسبة الى موضع الحاجة من هذا البحث ، وهو عدالة الماضين من رواة الحديث ، بأن الطريق الى ذلك منحصر في النقل
1 ـ تنقيح المقال ج 1 ـ المقدمة ص 203.
2 ـ قوانين الأصول ص 467.
3 ـ مصباح الفقيه ـ الصلاة ص 12


(169)
    والقدر الذي يفيد العلم منه عزيز الوجود بعيد الحصول الخ ». ثم أورد على ذلك بأمور.
    الأول : « ان تحصيل العلم بعدالة كثير من الماضين ، وبرأي جماعة من المزكّين أمر ممكن بغير شك من جهة القرائن الحالية والمقالية ، إلا أنها خفيّة المواقع متفرقة المواضع ، فلا يهتدي الى جهاتها ، ولا يقتدر جمع أشتاتها إلا من عظم في طلب الإصابة جهده الخ ».
    الثاني : « سلمنا ولكن نمنع كون تزكية الواحد بمجردها مفيدة للظن كيف وقد علم وقوع الخطأ فيها بكثرة الخ ».
    الثالث : « سلمنا ولكن العمل بالظن مع تعذر العلم في أمثال محل النزاع مشروط بانتفاء ما هو أقوى منه ، ولا ريب أن الظن الحاصل من خبر الواحد الذي استفيدت عدالته من تزكية الواحد قد يكون أضعف مما يحصل من أصالة البراءة أو عموم الكتاب الخ » (1).
    وجميع ما أفاده قابل للنقاش.
    أما الأول فقد اعترف فيه بأن تحصيل العلم بعدالة كثير وإن كان ممكناً لكنه ليس بمحض الشهادة ، بل بالقرائن الحالية والمقالية الخفية المواقع المتفرقة المواضع المحتاجة الى جهد عظيم. وإذا كان حال القرائن هكذا في زمانه قبل ما يقرب من أربعة قرون فكيف بزماننا ، وأين توجد تلك القرائن المفيدة للعلم في هذا العصر ، بحيث توجب لنا انفتاح بابه في شأن وثاقة الرواة ؟. على أن حكم تلك القرائن مختص بمن قامت لديه فلا تكون حجة بالنسبة لغيره ، نظير دعوى احتفاف جميع أخبار كتبنا الأربعة بقرائن تفيد القطع بصدورها عن المعصوم (ع).
    وأما الثاني فلا نسلّم ما ذكره فيه من عدم حصول الظن من تزكية
1 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 15 ـ 19 ـ 20.

(170)
الواحد ، فان العلم بعروض الخطأ في بعض الموارد غير ضاير بالنسبة للموارد الأخرى التي لم يعلم وقوع الخطأ فيها ، كما هو الحال في سائر الإخبارات الحسية والحدسية. نعم قد لا يحصل الظن في بعض الموارد لأمر ما ، فتسقط التزكية عن الاعتبار ، لكنه لا يثبت بذلك أن تزكية الواحد لا تفيد الظن مطلقاً. على أن إيراده مختص بتزكية العدل الواحد ، وبحثنا عن مطلق الظن بوثاقة الراوي سواء حصل من تلك التزكية أو غيرها لعدم الفرق بين أسباب حصوله.
    وأما الثالث فأجنبي عن محل البحث ، حيث يدور بحثنا حول الظن بالعدالة ، لا الظن بالأحكام كي يصح القول : بأن الظن بالحكم الحاصل من البراءة ، أو عموم الكتاب قد يكون أقوى من الظن بالحكم الحاصل من خبر الواحد الذي استفيدت عدالته من تزكية الواحد. على أنه بعد ما فرضنا كفاية الظن في التعديل ، وأخبرنا ذلك العدل بما ينافي أصل البراءة أو عموم الكتاب ، لا مناص من العمل بخبره ، إذ لا يبقى موضوع لجريان الأصل. ولا عموم بعد ورود الدليل الخاص.

    تحقيق البحث
    وتحقيق البحث أن يقال : بناء على ما اشتهر بين جميع المسلمين من كفاية تزكية العدل الواحد في باب التوثيق ، للأدلة التي أقيمت على ذلك غير دليل الانسداد. وقد سبق الاشارة اليها (1). وبناء على قبول شهادة المتأخرين فيه ، كابن طاووس والعلامة وابن داود ونظائرهم ، لثبوت احتمال الحسن فيها ، لا مجال لدعوى انسداد باب العلم في التوثيق ، فان ضم
1 ـ انظر ص 60 ، وما بعدها.

(171)
توثيقات القدماء الى توثيقات المتأخرين ، وبعض القرائن التي يمكن تحصيلها يغنينا عن التنزّل الى العمل بالظن ، إلا إذا تحكّم إشكال مراسيل التوثيقات وسيأتي البحث عنه.
    أما بناء على اشتراط التعدد في التزكية ، كما اختاره الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني ، ونسبه الى جماعة من الأصوليين والى المحقق الحلي (1) يقوى القول بانسداد باب العلم ، لتعذر تحصيل شهادة عدلين بالنسبة لكل راوي من الثقات.
    نعم إن المرحوم السيد حسن الصدر ألّف رسالة في خصوص من تعدد توثيقه من الرواة سماها ( عيون الرجال ) ، وقال في مقدمتها : « قد التمس السيد الأجل ... أن أصنّف رسالة فيمن تعدد توثيقه من الرواة لتخف المؤونة على من كان لا يرى التزكية من باب الخبر ، أو من باب الظنون الاجتهادية ، بل يراها من باب الشهادة. وقد حققنا المسألة في ( نهاية الدراية ) (2) ، وحكينا فيها رأي المحقق بن سعيد في اشتراط قبول العدالة بشهادة اثنين من ثقات الامامية الخ ».
    لكنه لا يخفى عدم وفاء تلك الرسالة بالمطلوب ، لكثرة الرواة وقلة من ذكر فيها. وقد اعترف السيد المصّنف ـ قدست نفسه ـ بأن رسالته مخففة للمؤنة ، لا رافعة لها.
    كما أنه يقوى القول بالانسداد بناء على عدم العبرة بشهادة أولئك المتأخرين في شأن التوثيق بدعوى ضعف احتمال الحس في شهادتهم ، لفصل الزمن الطويل بينهم وبين من وثقوهم من الرواة ، فإن الاقتصار على
1 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 14.
2 ـ وهو كتاب للسيد الصدر في علم الدراية شرح به ( الرسالة الوجيزة ) للشيخ البهائي.


(172)
التوثيقات الواردة في أصولنا الرجالية لا تفي بالمطلوب وإن ضممنا اليها ما ذكره الشيخ المفيد في ( إرشاده ) (1) ، والشيخ الصدوق في بعض كلماته ، وما ورد في بعض أسناد الأحاديث من أوصاف الراوي ، مثل حدثني فلان وكان رجلاً صالحاً ، أو صادقاً ، أو ثقة. فان جميع ذلك قليل بالنسبة لكثرة الرواة ، فكيف يصح البناء على ضعف أكثر الرواة لأجل عدم توثيق القدماء لهم ، خصوصاً اذا لم يكونوا من المؤلفين وأصحاب الكتب ؟.
1 ـ قال الشيخ المفيد في ( الارشاد ص 307 ) : فممن روى صريح النص بالامامة من أبي عبد اللّه ـ عليه السلام ـ على ابنه أبي الحسن موسى ـ عليه السلام ـ من شيوخ أصحاب أبي عبد اللّه ـ عليه السلام ـ وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين ـ رحمة اللّه عليهم ـ المفضّل بن عمر الجعفي ، ومعاذ بن كثير ، وعبد اللّه الرحمان بن الحجاج ، والفيض بن المختار ، ويعقوب السراج ، وسليمان بن خالد ، وصفوان الجمال ، وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكتاب ، وقد روى ذلك من إخوته إسحاق وعلي ابنا جعفر ـ عليه السلام ـ ، وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان ».
وقال في ( ص 325 ) : « فممن روى النص على الرضا علي بن موسى ـ عليهما السلام ـ بالامامة من أبيه ، والإشارة اليه منه بذلك من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته ، داود بن كثير الرّقي ، ومحمد بن اسحاق بن عمار ، وعلي بن يقطين ، ونعيم القابوسي ، والحسين بن المختار ، وزياد بن مروان ، والمخزومي ، وداود بن سليمان ، ونضر بن قابوس ، وداود بن زربي ، ويزيد بن سليط ، ومحمد بن سنان ».


(173)
    حول وثاقة مشايخ الاجازة
    ولأجل قلة التوثيقات اضطروا الى القول : بأن مشايخ الاجازة أجمع لا يحتاجون الى توثيق ، حيث لم ينص على توثيق كثير منهم ، فجعلوا الشيخوخة كافية في اعتبار الحديث. وصرح الوحيد البهبهاني : بأن المتعارف عد شيخوخة الاجازة من أسباب الحسن ، ونقل عن ظاهر المجلسي الأول والميرزا محمد الاسترابادي دلالتها على الوثاقة ، وأن المحقق البحراني قال : مشايخ الاجازة في أعلى درجات الوثاقة والجلالة (1).
    ويرجع ذلك الى وجه اعتباري ، وهو أن الشيخ لا يركن اليه في الاجازة إلا اذا كان ثقة ، أو حسن الظاهر ممدوحاً ، فيحصل من وصفه بالشيخوخة وثوق باعتباره ، ولذا قال المحقق الهمداني : « ولا شبهة في أن قول بعض المزكّين : بأن فلاناً ثقة. أو غير ذلك من الألفاظ التي اكتفوا بها في تعديل الرواة لا يؤثر في الوثوق أزيد مما يحصل من إخبارهم بكونه من مشايخ الاجازة الخ » (2).
    لكن خالف في ذلك جماعة فلم يعتبروها ، إلا إذا وثق الثقة مشايخه إجمالاً فيقبل. كما فعله النجاشي ، وهو بمنزلة التوثيق التفصيلي ، أو وصف الشيخ بما أوجب مدحه فيكون حسناً.
    وبهذا أورد الفيض الكاشاني على تنويع الحديث قائلاً : « فان كثيراً من الرواة المعتنين بشأنهم الذين هم مشايخ لمشايخنا المشاهير الذين يكثرون الرواية عنهم ليسوا بمذكورين في كتب الجرح والتعديل بمدح ولا قدح ،
1 ـ تعليقة منهج المقال ص 9.
2 ـ مصباح الفقيه ـ الصلاة ص 12.


(174)
ويلزم على هذا الاصطلاح أن يعد حديثهم في الضعيف الخ » (1).
    وللسيد بحر العلوم مسلك آخر في تصحيح روايات مشايخ الاجازة ، حيث قال عند البحث عن حال سهل بن زياد : « ان الرواية من جهته صحيحة ، وإن قلنا : بأنه ليس بثقة. لكونه من مشايخ الاجازة ، لوقوعه في طبقهم ، فلا يقدح في صحة السند كغيره من المشايخ الذين لم يوثقوا في كتب الرجال وتعد أخبارهم ـ مع ذلك ـ صحيحة .. لسهولة الخطب في أمر المشايخ ، فانهم إنما يذكرون في السند لمجرد الاتصال والتبرك ، وإلا فالرواية من الكتب والأصول المعلومة ، حيث أنها كانت في زمان المحمدين الثلاثة ظاهرة معروفة كالكتب الأربعة في زماننا ، وذكرهم المشايخ في أوائل السند كذكر المتأخرين الطريق اليهم مع تواتر الكتب ، وظهور انتسابها الى مؤلفيها الخ » (2).
    وهو صريح في عدم كون الشيخوخة إمارة الوثاقة ، واعتبار حديث الشيخ من أجل تواتر الكتب والأصول التي أخذ منها.
    ولكن من الغريب أن السيد بعد ذلك عقد فائدة لاثبات عدم تواتر تلك الكتب وأقام الشواهد على ذلك (3).
    نعم إن مشايخنا السالفين الذين اشتهرت وثاقتهم والركون اليهم كأصحاب الكتب الأربعة ونظائرهم لا يحتاجون الى توثيق ، فان تلك الشهرة أقوى بمراتب من توثيق عدل أو عدلين ، وهذا غير كون الراوي شيخ إجازة وقد نبه عليه الشهيد الثاني بقوله : « تعرف العدالة العزيزية في الراوي بتنصيص عدلين عليها ، وبالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل
1 ـ الوافي ج 1 ص 11.
2 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 3 ص 25 ، وما بعدها.
3 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 4 ص 147 ، وما بعدها.


(175)
وغيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما بعده الى زماننا هذا ، لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ الى تنصيص على تزكية ولا تنبيه على عدالة ، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة ، وإنما يتوقف على التزكية غير هؤلاء الرواة من الذين لم يشتهروا بذلك ككثير ممن سبق على هؤلاء الخ » (1).
    وعلى فرض البناء على وثاقة مشايخ الاجازة فلا يصح التعدي عنهم الى كل شيخ يروي عنه الثقة ، لما رأيناه بالوجدان من ضعف بعض مشايخ الأعاظم ، فقد روى الصدوق عن احمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد النيسابوري المرواني ، الذي قال عنه في كتاب ( العلل ) (2) : « وما لقيت أنصب منه ». ونظيره في كتاب ( معاني الأخبار ) (3). وقال في كتاب ( العيون ) (4) : « وما لقيت أنصب منه ، وبلغ من نصبه أنه كان يقول : اللهم صل على محمد فرداً. ويمتنع من الصلاة على آله ».
    ومع قلة التوثيقات الصادرة من القدماء لا تجدي بالنسبة لصنفين من الرواة.

    اشتراك أسماء الرواة
    الأول الرواة الموثقون الذين اشتركت أسماؤهم مع الضعفاء ، ولم تقم قرينة توجب الوثوق بالتمييز بينهم ، فان أغلب ما ذكروه من القرائن لا تخرج عن حدود الظن ، إذ كيف توجب كثرة مصاحبة شخص لآخر ونحو ذلك الوثوق بأنه الراوي عنه دون غيره ممن اشترك معه في الاسم ،
1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 69.
2 ـ أنظر ج 1 ص 128.
3 ـ أنظر ص 56.
4 ـ أنظر ج 2 ص 279 ـ 280.


(176)
وأمكن أن يكون هو الراوي ؟.
    فمن أولئك محمد بن اسماعيل الذي يروي عنه الشيخان الكليني والكشي في كتابيهما كثيراً ، ويصّدران سند أحاديثهما به ، فانه مشترك بين جماعة فيهم الضعيف ، ولذا بنى جمع على ضعف ما يرويه الكليني اذا صدّر بمحمد ابن اسماعيل ، وإن اعتمد عليه آخرون بدعوى أنه البرمكي الثقة ، أو أنه شيخ الاجازة بناء على كفاية الشيخوخة في التوثيق ، أو أن الكليني قد أكثر من الرواية عنه فيكون معتبراً.
    ومنهم علي بن محمد الذي يصدّر الشيخ الكليني السند به ، فانه مشترك أيضاً ، واضطربوا في تعيينه ، ولذا توقف فيه الشيخ المامقاني قائلاً : « وأما تعيين علي بن محمد المصدّر في أوائل السند فأنا فيه من المتوقفين ، لأنه مردد بين ثلاثة ، ابن عبد الله بن أذينة ، وعلان ، والمعروف بماجيلويه وكل منهم شيخ الكليني في صفة واحدة ، وكل منهم يذكر معيناً فحمله على أحدهم دون الآخرين تحكم الخ » (1).
    ومنهم أبو بصير ، فانها كنية ليحيى بن القاسم المكفوف ، وليث بن البختري المرادي ، وعبد الله بن محمد الأسدي ، ويوسف بن الحرث (2) ولعدم وثاقة بعضهم اشتهر الاشكال عند اطلاق الكنية في سند الحديث ، وإن ذكروا بعض المميزات مثل رواية عاصم بن حميد أو عبد اللّه بن مسكان في تعيين أن المراد بها ليث المرادي (3). وقد كتبت بعض الرسائل حول ذلك ، لكثرة الروايات التي أطلق في سندها هذه الكنية.
    ولذا أورد الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني على رواية اختلف المشايخ الثلاثة في إطلاق أبي بصير فيها وتقييده فقال : « والاختلاف الواقع في
1 ـ تنقيح المقال ج 3 ـ الخاتمة ص 99.
2 ـ جامع الرواة ج 2 ص 369.
3 ـ الحدائق ج 6 ص 209.


(177)
الطرق الثلاثة باطلاق أبي بصير في رواية الكليني ، وتقييده بالمكفوف في رواية الشيخ ، وتفسيره بليث المرادي في رواية الصدوق موجب لما قلناه من العلة ، إذ لا وثوق مع هذا الاختلاف بصحة ما في كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) من التفسير ليتم حسنه » (1).
    وقد أجاب المتأخرون عن إشكال إطلاق أبي بصير بأن المشهور بهذه الكنية اثنان ، احدهما ليث المرادي ، والآخر يحيى بن القاسم المكفوف ، وهما ثقتان. أما غيرهما فليس بمشهور ولا معروف وإن كني بذلك ، فلا يضر وجوده على تقدير ضعفه.
    ومنهم محمد بن قيس ، ولذا أورد الشهيد الثاني على روايته بقوله : « وهذه الرواية نص في الباب لو تم سندها ، إذ لا يخفى أن محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر (ع) مشترك بين الثقة والضعيف وغيرهما ، فكيف تجعل روايته مستند الحكم الخ » (2).
    وذكر النجاشي أن محمد بن قيس البجلي ثقة عين روى عن الصادقين ـ عليهم السلام ـ ، « له كتاب القضايا المعروف ، روى عنه عاصم بن حميد الحناط ويوسف بن عقيل وعبيد ابنه » (3). ولذا ميّز عن غيره إما برواية أحد هؤلاء الثلاثة عنه ، وإما بكون المروي مما قضى به أمير المؤمنين (ع) حيث يكون مروياً عن كتابه المذكور. وتلك الرواية التي ذكرها الشهيد من ذلك.
1 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 341.
2 ـ المسالك ج 1 ـ كتاب الوصايا ـ مسألة موت الموصى له قبل القبول.
3 ـ رجال النجاشي ص 226.


(178)
    معارضة التوثيق بالجرح
    الثاني الرواة الذين عورض توثيقهم بالجرح ، وهم كثيرون ، فيصدر توثيق الرجل أو مدحه من بعض الأكابر ، ويصدر تضعيفه من كابر آخر.
    منهم المفضل بن عمر ، حيث قال عنه الشيخ المفيد : إنه من شيوخ أصحاب الامام الصادق (ع) وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين ـ رحمة الله عليهم ـ (1). وقال عنه النجاشي : « ... فاسد المذهب مضطرب الرواية لا يعبأ به ، وقيل : إنه كان خطّابياً ، وقد ذكرت له مصنفات لا يعوّل عليها الخ » (2). ومقتضى ذلك سقوط التوثيق عن الاعتبار للمعارضة.
    بل قد يصدر تضعيف الرجل ممن وثقه في مبحث آخر ، كمحمد بن سنان ، حيث قال عنه الشيخ المفيد : إنه من خاصة الامام الكاظم (ع) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته (3). لكنه ضعّفه في رسالته التي ألّفها ( في كمال شهر رمضان ونقصانه ) ، حيث قال بعد نقل رواية دالة على أنه ثلاثون يوماً لا ينقص أبداً : « وهو حديث شاذ نادر غير معتمد عليه ، في طريقه محمد بن سنان وهو مطعون فيه لا يختلف العصابة في تهمته وضعفه ، وما كان هذا سبيله لم ( يعمل ) (4) عليه في الدين » (5).
1 ـ الارشاد للشيخ المفيد ص 308.
2 ـ رجال النجاشي ص 295.
3 ـ الارشاد للشيخ المفيد ص 325.
4 ـ هكذا ورد في المصدر ولكن الصحيح ( يعتمد ).
5 ـ تعليقة منهج المقال ص 297.


(179)
    ولأجل هذا الاضطراب الواقع في باب الجرح والتعديل اضطرب بعض الأعاظم في بعض الرواة ، فوثقهم تارة وضعفهم أخرى.

    مراسيل الجرح والتعديل
    وهنا إشكال مهم ، وهو أن الرجالي الثقة قد يوثق أو يجرح من عاصره فيقبل قوله ، لكفاية احتمال الحس في شهادته بذلك. وقد يوثق أو يجرح من لم يعاصره ، فان صدر ذلك منه عن اجتهاد لا يقبل ، لما سبق من كون التوثيق والجرح من باب الشهادة ، وإن صدر عن حس فلا بد وأن يكون هناك واسطة قد اعتمد عليها في ذلك وهي مجهولة لنا ، فيكون إخباره عن حال الراوي من الخبر المرسل ، وعليه كيف يصح لنا الاعتماد عليه ، وأي فرق بين مراسيل الأحاديث في الأحكام ، ومراسيل الأخبار في الجرح والتعديل كي تهجر الأولى وتقبل الثانية ؟.
    ولا فرق في ذلك بين القدماء والمتأخرين ، فاطلاق توثيق العلامة لمن لم يعاصره كاطلاق توثيق النجاشي والشيخ الطوسي لمن لم يعاصره. واذا تحكّم هذا الاشكال سقطت أغلب التوثيقات عن الحجية ، ولم يبق إلا توثيق المعاصر للموثّق ، أو الذي اطلعنا على الطريق المعتبر اليه. وقد أجيب عن ذلك بوجهين.
    الأول : أن توثيق النجاشي والشيخ الطوسي ونظائرهما لشخص لم يصدر عن اجتهاد منهم ، وإنما صدر بالنقل عن مشايخهم. وقد أحصيت الكتب المؤلفة في الرجال ما بين عصري النجاشي والحسن بن محبوب فبلغت حوالي خمسمائة كتاب ، فيكون توثيق من وثقوه متواتراً لديهم ، وعليه فلا يضر الجهل بحال الواسطة بينهم وبينه.


(180)
    والجواب عنه أولاً : لم يعلم أن النجاشي ونظائره قد اطلع على جميع تلك الكتب الرجالية ونُسخها حال تحرير كتابه. وثانياً : على فرض اطلاعه لم يعلم أن الشخص الذي وثقه موثق في جميع تلك الكتب ، فلعله مجروح في بعضها وإنما رجح التوثيق على الجرح. وثالثاً : لا يجدي ذلك بالنسبة لمن سبق عصره على ابن محبوب. فهذه الدعوى نظير دعوى لزوم العمل بجميع أخبار كتبنا الأربعة ، لأن الأصول التي أخذت منها كانت متواترة لدى أصحاب تلك الكتب ومحفوظة بقرائن تفيد الوثوق بصدورها عن المعصوم (ع).
    الثاني أن النجاشي ونظائره إنما نقلوا توثيق الراوي عن مشايخهم ، فان لم يثبت بذلك وثاقته فلا أقل من ثبوت حسنه ، وهو كافٍ في قبول روايته.
    والجواب عنه أن الحسن كالوثاقة لا بد وأن يثبت بطريق معتبر ، فبناء على اعتبار المشايخ مطلقاً وإن لم يوثقوا يزول الاشكال بالنقل عنهم أما بناء على عدم كفاية الشيخوخة يبقى الاشكال ، ويؤل الأمر الى انسداد باب العلم في التوثيقات والاكتفاء بالظن فيها ، كما سبق.
    نعم بناء على أن الرجوع الى الرجالي في شأن التوثيق والتضعيف من الرجوع الى أهل الخبرة ، لأنه خبير في فنه ، لا من باب الشهادة يزول هذا الاشكال من أساسه. ولعله لذلك لم يكن هذا الاشكال معروفاً لدى الفقهاء ، فيقبلون توثيق الرجالي وإن لم يكن في عصر الموثق.
قواعد الحديث ::: فهرس