قواعد الحديث ::: 181 ـ 195
(181)
    التوثيق الاجمالي
    ثم لا فرق في قبول التوثيق الصادر من الثقة عند عدم المعارض له بين التفصيلي بأن يوثق رجلاً بعينه ، والاجمالي بأن يوثق جماعة معينين ، كما لا فرق بين أن يشهد بطهارة إناء واحد معين أو مائة إناء ، حيث ينحل توثيقه الاجمالي الى توثيقات عديدة بعدد الجماعة الموثقين.
    أصحاب الامام الصادق (ع)
    فمن ذلك توثيق أصحاب الامام الصادق (ع) الذين جمعهم ابن عقدة في كتابه الذي أشار اليه العلامة الحلي بقوله : « ... منها كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق ـ عليه السلام ـ أربعة آلاف رجل ، وأخرج لكل رجل الحديث الذي رواه » (1). فقد وثقهم جماعة.
    منهم الشيخ المفيد حيث قال عند ذكره للامام الصادق (ع) : « فان أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه (ع) ، من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعة آلاف رجل » (2).
    ومنهم ابن شهرآشوب قائلاً عند البحث عن علم الامام الصادق (ع) : « ينقل عنه من العلوم ما لا ينقل عن أحد ، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، وكانوا أربعة آلاف رجل » وقال : « ان ابن عقدة مصنف كتاب الرجال لأبي عبد اللّه
1 ـ خلاصة الرجال ص 98.
2 ـ الارشاد للشيخ المفيد ص 289.


(182)
ـ عليه السلام ـ عدّدهم فيه » (1).
    وقد استشهد الشيخ محمد بن الحسن الحر بكلام هذين العلمين على صحة أحاديث كتابه في الفائدة التي عقدها لذلك (2).
    ومنهم الشيخ الطبرسي في كتابه ( أعلام الورى ) ، والشيخ محمد بن علي الفّتال في كتابه ( روضة الواعظين ) ، والسيد علي بن عبد الحميد النيلي في كتابه ( الأنوار المضئية ) ، وكلماتهم نظير كلام الشيخ المفيد في توثيق أولئك الرواة ، نقلها عنهم شيخنا النوري. بل نسب توثيقهم الى ابن عقدة نفسه قائلاً : « ... الأربعة آلاف الذين وثقهم ابن عقدة ، فانه صنف كتاباً في خصوص رجاله (ع) ، وأنهاهم الى أربعة آلاف ، ووثق جميعهم ... وصدّقه في هذا التوثيق المشايخ العظام أيضاً الخ ». فيكون توثيقهم لذلك العدد من الرواة ناظراً الى من ذكره ابن عقدة في كتاب رجاله.
    ولأجله بنى الشيخ النوري على وثاقة جميع الرواة المجاهيل المذكورين في كتاب ( رجال الشيخ الطوسي ) في باب ( أصحاب الامام الصادق (ع) ) لأنهم من الأربعة آلاف الذين وثقهم ابن عقدة والجماعة بعده (3).
    لكن أورد عليه استاذنا المحقق الخوئي بأن المراد بذلك أحد أمرين.
    الأول : حصر أصحاب الامام الصادق (ع) في أربعة آلاف وتوثيقهم أجمع. وأجاب عنه أولاً : بأن الشيخ الطوسي قد جمع أصحاب الامام الصادق (ع) في كتاب ( رجاله ) ، وأتعب نفسه الزكية في استقصائهم حتى عد معهم المنصور الدوانيقي باعتبار أنه لقي الامام (ع) وروى عنه ولو حديثاً واحداً ، ليكون من أصحابه (ع) ، ومع ذلك لم يبلغوا هذا
1 ـ مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 324.
2 ـ الوسائل ج 3 ـ الفائدة 6.
3 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 770.


(183)
العدد ، وإنما بلغوا ثلاثة آلاف وكسر (1). وثانياً : بأن الروايات دلت على أن بعض أصحاب الامام الصادق (ع) كان وضّاعاً للحديث شكاكاً في دينه ، ولذا ضعّف الشيخ الطوسي وغيره كثيراً منهم ، فكيف يصح الحكم بوثاقتهم أجمع. وهل هذا إلا نظير ما بنى عليه أهل السنة من عدالة جميع أصحاب النبي (ص) ، وفيهم من فيهم.
    الثاني : حصر الثقات من أصحاب الامام الصادق (ع) في ذلك العدد ، وإلا فهم أكثر من ذلك فيبلغون عشرة آلاف مثلاً. وأجاب عنه أولاً : بأن هذا وإن كان ممكناً في نفسه بحيث يكون نسبة ثقات أصحابه (ع) الى الباقين منهم نسبة الأربعة الى العشرة ، إلا أنه لا ينفع شيئاً ، إذ لا يصلح دليلاً لوثاقة المجهول منهم بعد احتمال أن يكون من غير الثقات. وثانياً : بما سبق من جهود الشيخ الطوسي في استقصاء أصحابه (ع) فلم يبلغوا ذلك العدد.
    وعليه فشهادة الشيخ المفيد بوثاقة أولئك الأربعة آلاف لا أثر لها.
1 ـ بلغ أصحاب الامام الصادق (ع) الذين ذكرهم الشيخ الطوسي بأسمائهم ثلاثة آلاف ومائة وتسعة وتسعين شخصاً. ثم ذكر أربعة وثلاثين شخصاً من أصحابه (ع) الذين عرفوا بالكنية. كما ذكر أربعة عشر شخصاً تحت عنوان ( من لم يسم ) من أصحابه (ع) أي ورد ذكره في الروايات بعنوان ( عن رجل ) أو ( عن بعض أصحابنا ) ونحوه ، والغالب فيهم كما في أصحاب الكنى كونهم من الذين ذكروا بأسمائهم. ثم ذكر اثنتي عشرة امرأة صحبته (ع) فبلغ الجميع ثلاثة آلاف ومائتين وتسعة وخمسين شخصاً.

(184)
    مشايخ النجاشي
    ومنه توثيق مشايخ الشيخ النجاشي الذين روى عنهم في كتاب ( رجاله ) بدون واسطة ، حيث التزم بأن لا يروي كذلك إلا عن ثقة فقال في اسحاق بن الحسن بن بكر : « ... ضعيف في مذهبه ، رأيته بالكوفة وهو مجاور ، وكان يروى كتاب الكليني عنه ، وكان في هذا الوقت غلوّاً فلم أسمع منه شيئاً الخ ». وقال في احمد بن محمد بن عبيد اللّه بن الحسن : « ... رأيت هذا الشيخ ، وكان صديقاً لي ولوالدي ، وسمعت منه شيئاً كثيراً ، ورأيت شيوخنا يضعفونه ، فلم اروِ عنه شيئاً وتجنبته الخ ».
    وقال في محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه : « ... وكان في أول أمره ثبتاً ثم خلط ، ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه ... رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ، ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه » (1).
    وهذا دليل على توثيق النجاشي لمن روى عنه بدون واسطة. وقد نبه على ذلك الشيخ المامقاني ، ونقل عن الشيخ البهائي أنه استظهره من حال النجاشي (2). وعقد له السيد بحر العلوم فائدة قال فيها بعد الاستشهاد ببعض كلمات النجاشي : « ويستفاد من كلمات هذا الشيخ غاية التحرز في الرواية والتجنب عن الضعفاء والمتهمين ، ويظهر من ذلك اعتماده على كل من يروي من المشايخ. وهذا أصل نافع في التعويل على مشايخ
1 ـ رجال النجاشي ص 53 ـ 63 ـ 282.
2 ـ تنقيح المقال ج 1 ص 58.


(185)
النجاشي » (1).
    وقال عند ترجمته : « ونحن نذكر هنا جملة مشايخه ـ رحمهم اللّه ـ ممن ذكر لهم ترجمة في كتابه وغيرهم ممن تفرقت أسماؤهم في التراجم عند بيان الطرق الى أصحاب الأصول والكتب ، ولم أجد أحداً تصدى لجمعهم وهو مهم ، والتعبير عنهم يختلف كثيراً ، فيقع تارة بالكنية أو النسبة أو الصفة ، وتارة بالاسم وحده أو منسوباً الى الأب أو الجد الأدنى أو الأعلى فيظن التعدد من لا خبرة له ، وهم أقسام ». وقال بعد ذكرهم مفصلاً : « فهؤلاء رجال النجاشي ومشايخه الذين روى عنهم في ( كتابه ) وذكرهم في الطريق الى أصحاب الأصول والكتب وهم ثلاثون شيخاً » (2).
    وذكر الشيخ النوري هؤلاء المشايخ الثلاثين نقلاً عن السيد بحر العلوم (3).

    مشايخ ابن قولويه
    ومنه توثيق مشايخ الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه القمي الذين روى عنهم في كتابه ( كامل الزيارات ) لقوله في مقدمته : « وإنما دعاني الى تصنيف كتابي هذا مسألتك ... حتى أخرجته وجمعته عن الأئمة ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ من أحاديثهم ، ولم أخرج فيه حديثاً روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم ـ صلوات اللّه عليهم ـ كفاية عن حديث غيرهم ، وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره ، ولكنه ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا ـ رحمهم
1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 4 ص 145 ـ 146.
2 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 50 ـ 82.
3 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 502 ـ 503.


(186)
اللّه برحمته ـ ، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال ، يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم » (1).
    فاستفاد الشيخ النوري من هذا البيان شهادة ابن قولويه بوثاقة مشايخه فقط ، وهم الذين صدّر بهم سند أحاديث كتابه دون بقية رجال السند فقال : « واعلم أن المهم في ترجمة هذا الشيخ المعظم استقصاء مشايخه في هذا الكتاب الشريف ، فان فيه فائدة عظيمة لم تكن فيمن قدمناه من مشايخ الأجلة ، فانه ـ رحمه اللّه ـ قال في أول الكتاب ». ثم ساق كلامه السابق وقال : « فتراه ـ رحمه اللّه ـ نص على توثيق كل من روى عنه فيه ، بل كونه من المشهورين بالحديث والعلم ، ولا فرق في التوثيق بين النص على أحد بخصوصه أو توثيق جمع محصورين بعنوان خاص ، وكفى بمثل هذا الشيخ مزكياً ومعدلاً ». ثم شرع في عد مشايخه في ( كامل الزيارات ) فبلغوا أحد وثلاثين شيخاً (2).
    لكن الظاهر من كلام الشيخ محمد بن الحسن الحر أنه استفاد من كلام ابن قولويه السابق توثيقه لجميع الرواة المذكورين في أسناد أحاديث كتابه ، لا خصوص المشايخ منهم ، حيث قال : « وقد شهد علي بن ابراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره وأنها مروية عن الثقات عن الأئمة (ع) وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه ، فانه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره » (3).
    واختار ذلك استاذنا المحقق الخوئي ، فصرح بظهور كلام ابن قولويه
1 ـ كامل الزيارات ص 3 ـ 4.
2 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 522 ـ 523.
3 ـ الوسائل ج 3 ـ الفائدة 6.


(187)
في إرادة الجميع ، وبنى على وثاقة كل راوي ذكر في سند أحاديث ذلك الكتاب ، إلا إذا جرحه بعض القدماء ، فيتعارض التوثيق والجرح ويتساقطان.
    لكن الاقوى ما اختاره الشيخ النوري من الأخذ بكلام ابن قولويه في خصوص مشايخه ، لضعف ظهوره في إرادة الجميع ، فيؤخذ بالقدر المتيقن منه. بالاضافة لما يظهر من القدماء من رعاية حال الشيخ الذي يروون عنه أكثر من رعاية حال من يروي عنه الشيخ ، فكأن كل راوي يتعهد بحال شيخه ، لأن تبعته تلحق من يروي عنه بالذات.
    ويكشف عن ذلك ما سبق من تصريح النجاشي باجتناب الرواية عن بعض الرواة بالذات لمّا لم يحرز وثاقتهم ، وإنما روى عنهم بالواسطة.
    ولذا جرح بعض الرواة في كتب الرجال بأنه « يروي عن الضعفاء » أو « يروي عن المجاهيل » ، ونحو ذلك من ألفاظ الجرح. والمراد به الرواية عن الضعفاء أو المجاهيل بدون واسطة ، لا الرواية عن المشايخ الثقات مع وجود ضعيف أو مجهول في وسط السند أو آخره.
    وهذا المعنى وان لم يثبت به اعتبار الشيخ مطلقاً وإن لم يوثق أو يمدح تفصيلاً أو إجمالاً ، لكنه يقرّب أن يكون ابن قولويه ناظراً الى خصوص مشايخه ليخرج من تبعتهم.

    رواة أحاديث مزار ابن المشهدي
    ومنه توثيق رواة أحاديث كتاب ( مزار محمد بن المشهدي ) (1) حيث قال في مقدمته : « فاني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات
1 ـ وهو مخطوط توجد نسخة منه في مكتبة آية اللّه الحكيم العامة في النجف الأشرف ، وهي التي نقلت عنها.

(188)
للمشاهد ... مما اتصلت به من ثقات الرواة الى السادات (ع) ».
    وهو صريح في توثيق جميع رجال سند الأحاديث المذكورة فيه. وقد نبه على ذلك الشيخ النوري (1).
    وإنما البحث في تعيين المؤلف ، لأن الملقب بابن المشهدي اثنان. أحدهما محمد بن اسماعيل الحسيني المشهدي ، ذكره الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتابه ( أمل الآمل ) ، وقال عنه : « فقيه محّدث ثقة ، قرأ على الشيخ الامام محيي الدين الحسين بن المطفر الحمداني ، قاله منتجب الدين الخ » ثانيهما محمد بن جعفر المشهدي ، ذكره الشيخ الحر أيضاً في كتابه المذكور وقال عنه : « كان فاضلاً محدّثاً صدوقاً ، له كتب يروي عن شاذان بن جبرئيل القمي » (2).
    وروايته عن شاذان قرينة على أنه مؤلف المزار ، حيث رأيته يروي عنه فيه. وهو الذي اختاره الشيخ النوري قائلاً : « والذي اعتقده أنه من مؤلفات محمد بن جعفر المشهدي ». وقال : إن الأول « مذكور في كتب الأصحاب بكنيته أبي البركات ، ولقبه ناصح الدين ، وبالامامة والسيادة معروف بها ، لا بعنوان المشهدي ، بخلاف صاحب ( المزار ) فانه معروف به لا غير الخ ». وعّده في جملة مشايخ هبة اللّه بن نما الحلي شيخ المحقق الحلي ، وقال فيه : « الشيخ الجليل السعيد المتبحر أبو عبد اللّه محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحايري المعروف بمحمد بن المشهدي وابن المشهدي مؤلف المزار المشهور الذي اعتمد عليه أصحابنا الابرار ، الملقب بالمزار الكبير في ( بحار الأنوار ) الخ » (3).
1 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 765.
2 ـ أمل الآمل ـ القسم 2 ص 497 ـ 498.
3 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 368 ـ 477.


(189)
    توثيقات المتأخرين
    سبق البحث (1) في أن توثيق الرجالي لراوي شهادة منه بوثاقته ، فيعتبر استناده الى الحس ، ويكفينا احتمال ذلك ، فلا يقبل الحدسي منه.
    ومن هنا نشأ الاشكال في قبول التوثيقات الصادرة عن المتأخرين كالعلامة ونظائره ، بدعوى ضعف احتمال الحس فيها ، لفصل الزمن الطويل بينهم وبين من وثقوه من الرواة ، فيبتني توثيقهم على اجتهادات حدسية إذ لو كان هناك طريق حسي معتبر للتوثيق لاطلع عليه القدماء كالشيخ الطوسي ونظائره. وعلى ذلك بنى أستاذنا المحقق الخوئي ، فرد توثيقات المتأخرين مطلقاً.
    لكنه ضعيف لوجود احتمال الطريق الحسي المعتبر فيها ، إذ كم استدرك المتأخرون على القدماء أموراً فاتتهم. ولذا قال الشهيد الثاني : « ... ولكن ينبغي للمائز في هذه الصناعة ... تدبّر ما ذكروه ومراعاة ما قرروه ، فلعله يظفر بكثير مما أهملوه ، ويطلع على توجيه في القدح والمدح قد أغفلوه ، كما اطلعنا عليه كثيراً ونبهنا عليه في مواضع كثيرة وضعناها على كتب القوم الخ » (2).
    وسبق أن كتب القدماء الرجالية غير الأصول كثيرة فيمكن وصول بعضها إلى العلامة ونظائره بطريق معتبر ، فاعتمدوا عليها في التوثيق والتضعيف بالاضافة لما عرفته من حال أصولنا الرجالية ، وعدم وجود كتاب فيها يكشف عن حال جميع رواة أحاديثنا مدحاً وجرحاً وتوثيقاً وتضعيفاً. ليصح القول : بأن إهمالها لتوثيق راوي دليل على عدم وجود الطريق المعتبر
1 ـ أنظر ص 60 ـ 61.
2 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 63.


(190)
الى توثيقه. بل يلزم من ذلك الاشكال في توثيق الشيخ الطوسي لراوي ذكره النجاشي فلم يوثقه وبالعكس ، حيث يمكن القول : بأنه لو وجد طريق معتبر لتوثيقه لاطلع عليه الآخر. نعم لو ذكر الموثق مدرك التوثيق ولم نره مدركاً لا نقبل توثيقه كما في القدماء.
    وللسيد بحر العلوم كلام متين عند البحث عن وثاقة ابراهيم بن هاشم حيث قال : « الثاني توثيق كثير من المتأخرين ، كما سبق النقل عنهم ، ولا يعارضه عدم توثيق الأكثر ، لما عرفت من اضطراب كلامهم ، ولأن غايته عدم الاطلاع على السبب المقتضي للتوثيق ، فلا يكون حجة على المطلع لتقدم قول المثبت على النافي ودعوى حصر الأسباب ممنوعة فان ( في الزوايا خبايا ) ، وكثيراً ما يقف المتأخر على ما لم يطلع عليه المتقدم ، وكذا الشأن في المتعاصرين ، ولذا قبلنا توثيق كل من النجاشي والشيخ لمن لم يوثقه الآخر أو لم يوثقه من تقدم عليهما. نعم يشكل ذلك مع تعيين السبب وخفاء الدلالة ، لأن أكثر الموثقين هنا لم يستند الى سبب معين فيكون توثيقه معتبراً » (1).
    ثم ان الفقهاء أجمع يعتبرون توثيقات الشيخ الطوسي والنجاشي ونظائرهما من القدماء مطلقاً حتى إذا وثقوا بعض أصحاب النبي (ص) وأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ، مع أن الفصل بين الموثِّق والموثَّق يزيد على أربعمائة سنة فان النجاشي توفي سنة ( 450 هجري ) ، والشيخ الطوسي توفي سنة ( 460 هجري ) فلو كان فصل الزمن الطويل بينهما مانعاً من قبول التوثيق لضعف احتمال الحس كيف تقبل تلك التوثيقات ؟.
    وعلى فرض عدم قبول توثيقات المتأخرين يلزم انسداد باب العلم في التوثيق كما سبق ، ويتنزل الى العمل بالظن فتقبل لذلك ، لأنها تفيده ،
1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 1 ص 463.

(191)
والنتيجة قبولها إما لعدم الفرق بينهما وبين توثيقات القدماء ، وإما لافادتها الظن الانسدادي.

    توثيقات العلامة
    وعليه فلا إشكال في توثيقات العلامة من أجل كونه من المتأخرين وإنما تختص باشكال آخر استظهر من كلام له في ( خلاصته ) وهو اعتماده على خبر كل إمامي لم يرد فيه جرح وإن لم يوثق أو يمدح ، حيث قال في ابراهيم بن هاشم : « ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص ، والروايات عنه كثيرة ، والأرجح قبول قوله » (1). وقال في احمد بن اسماعيل بن سمكة : « ولم ينص علماؤنا عليه بتعديل ، ولم يرد فيه جرح فالأقوى قبول روايته مع سلامتها من المعارض » (2).
    ولأجله وهّن استاذنا المحقق الخوئي توثيقات العلامة مستظهراً من ذينك الموردين تفريع قبول خبر الراويين على كونهما إماميين لم يجرحا فيكون ذلك بمنزلة العلة لقبول خبرهما.
    لكن المعروف من مسلك العلامة في شأن التوثيق عدم اكتفائه بذلك في حجية الخبر. وكلامه في ذينك الموردين لا يثبت ما استظهر منهما.
    أما كلامه في ابراهيم بن هاشم فقد صدّره بقوله : « وأصحابنا يقولون : إنه أول من نشر حديث الكوفيين بقم ، وذكروا أنه لقي الرضا ـ عليه السلام ـ ، وهو تلميذ يونس بن عبد الرحمان ». فيكون اعتماده عليه مستنداً الى ذلك ، فان قبول القميين لحديثه ، واعتمادهم عليه في العمل
1 ـ خلاصة الرجال ص 4.
2 ـ خلاصة الرجال ص 10.


(192)
بأحاديث الكوفيين ، وإكثارهم من الرواية عنه ، يمكن عده توثيقاً عملياً له أو مدحاً فيدخل في الحسان ، كما بنى جماعة على حسنه لذلك. ولا ينافيه عدم الوقوف على تعديله بالتنصيص.
    وأما كلامه في احمد المذكور فقد صدّره بقوله : « كان من أهل الفضل والأدب والعلم ، عليه قرأ أبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد ، وله كتب عديدة لم يصنف مثلها الخ ». فيكون تفريع قوله : « فالأقوى قبول روايته ». على ذلك المدح لامكان دخوله في الحسان بسببه ، لا على قوله : « ولم يرد فيه جرح ». ليقال : بأن العلامة يكتفي في اعتبار الراوي بكونه إمامياً لم يجرح.
    وعلى فرض عدم ظهور الكلام في التفريع على ما ذكره في صدره فلا ظهور له في التفريع على قوله : « ولم يرد فيه جرح ». لاحتمال كل من الأمرين فيكون مجملاً.
    وحكي عن الشهيد الثاني في ( تعليقات الخلاصة ) أنه اعترف بأن ما ذكره العلامة في صدر كلامه يقضي بمدح احمد المذكور ، ويترتب قبول روايته على قبول مثله من الممدوحين. لكنه أورد عليه بقوله : « وأما تعليله بسلامتها عن المعارض فعجيب لا يناسب أصله في الباب ، فان السلامة عن المعارض مع عدم العدالة إنما يكفي على أصل من يقول بعدالة من لا يعلم فسقه ، والمصنف لا يقول به ، لكنه يتفق منه في هذا القسم كثير (1).
    ولم يظهر لي وجه ذلك فان العلامة لم يعلل قبول روايته بسلامتها عن المعارض وإنما ذكرها شرطاً في قبولها ، كما في جميع الاخبار المعتبرة ، إذ عند حصول التعارض يرجع الى قواعده.
1 ـ منهج المقال ص 32.

(193)
    وقد تعجب الوحيد البهبهاني من اعتراض الشهيد الثاني على العلامة وقال : « لأن الظاهر من قوله : قبول روايته. التفريع على ما ذكره سالفاً ، وما ظهر منه من المدح والجلالة والفضيلة ، كما أشار اليه أول عبارة الشهيد الثاني أيضاً ، ومعلوم أيضاً من مذهبه ورويّته في ( الخلاصة ) وغيره من كتب الأصول والفقة والاستدلال والرجال. وقال شيخنا البهائي في المقام من ( الخلاصة ) : وهذا يعطي عمل المصنف بالحديث الحسن ، فان هذا الرجل إمامي ممدوح. انتهى ، وبالجملة مع وجود ما ذكر وظهر من الجلالة فجعل قبول روايته من مجرد سلامتها عن المعارض مما لا يجوز أن ينسب اليه ، ويجوّز عليه ، سيما مع ملاحظة مذهبه ورويّته وأنه في موضع من المواضع لم يفعل كذا ، بل متنفّر عنه متحاش ، بل جميع الشيعة كذلك الخ » (1).

    تضعيفات العلامة
    نعم إن للعلامة مسلكاً في تضعيف الراوي ورد خبره ، وهو عدم قبول خبر غير الامامي وإن كان ثقة ، كالفطحي والواقفي ونظائرهما ، لأنه فاسق ونهي في آية النبأ عن العمل بخبره ، ولذا ذكر اسحاق بن عمار ، وسماعة بن مهران في القسم الثاني من ( خلاصته ) الذي أعده لمن لم يعمل بروايته وإن اعترف بوثاقتهما ، فقال في الأول : « ... كان شيخاً في أصحابنا ثقة ... وكان فطحياً. قال الشيخ : إلا أنه ثقة ، وأصله معتمد عليه. وكذا قال النجاشي ، والأولى عندي التوقف فيما ينفرد به ». وقال
1 ـ تعليقة منهج المقال ص 32.

(194)
في الثاني « ... ثقة ثقة ، وكان واقفياً » (1).
    وعليه فلا تكون الأخبار الموثقة حجة عند العلامة ، فتختص الحجية لديه بصحاح الأخبار وحسانها.
    حول اعتبار أصولنا الرجالية
    ولنعد على بدء الحديث عن أصولنا الرجالية التي نرجع اليها في معرفة حال الرواة وطبقاتهم. وسبق أنها ستة ، أربعة منها لا إشكال في وثاقة مؤلفيها وصحة نسبتها اليهم ، وهي كتابا الشيخ الطوسي ( فهرسته ورجاله ) وكتاباً ( رجال الكشي والنجاشي ).

    رجال البرقي
    أما الخامس وهو ( رجال البرقي ) أحمد بن محمد بن خالد فحاله كالأربعة ، حيث لا ينبغي الاشكال في وثاقة مؤلفه بعدما وثقه الشيخ الطوسي والنجاشي صريحاً (2). نعم قالا عنه : « يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل » لكنه غير ضاير بعدما كان ثقة في نفسه ، وإنما يلزم الفحص عن حال من يروي عنه كغيره من الرواة الذين لم تثبت وثاقة مشايخهم.
    ولذا حكى العلامة عن ابن الغضائري أنه قال فيه : « طعن عليه القميون ، وليس الطعن فيه ، وإنما الطعن فيمن يروي عنه ... وكان
1 ـ خلاصة الرجال ص 96 ـ 109.
2 ـ الفهرست للشيخ الطوسي ص 20 ، ورجال النجاشي ص 55.


(195)
احمد بن محمد بن عيسى أبعده ثم أعاده اليها (1) ، واعتذر اليه ... لما توفي مشى احمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً ليبرئ نفسه مما قذفه الخ » (2).
    كما لا إشكال في صحة نسبة هذا الكتاب اليه ، وهو من أجزاء كتابه ( المحاسن ) الغني عن التعريف ، كما نص عليه كثير عند تعدادهم لأجزائه فذكره الشيخ الطوسي بعنوان كتاب ( طبقات الرجال ) نقلاً عن محمد بن جعفر بن بطة (3) وهكذا الشيح ابن شهرآشوب (4). وذكره الشيخ النجاشي بعنوان ( كتاب الرجال ) (5).
    وقال ابن النديم عندما ترجم للبرقي : « ... وله من الكتب كتاب العويص ، كتاب التبصرة ، كتاب المحاسن ، ( كتاب الرجال ) فيه ذكر من روى عن أمير المؤمنين ـ رضي اللّه عنه ـ ». فعد كتاب الرجال قسيماً لكتاب المحاسن ، والمفروض أنه قسم منه ، كما عرفت. بل قال هو بعد ذلك : « ... قرأت بخط أبي علي بن همام قال : كتاب المحاسن للبرقي يحتوي على نيّف وسبعين كتاباً ، ويقال : على ثمانين كتاباً. وكانت هذه الكتب عند أبي علي بن همام ... كتاب ( طبقات الرجال ) الخ (6) فعده من أجزاء كتاب المحاسن.
    وقد طبع أخيراً ( كتاب الرجال ) منضماً الى ( رجال ابن داود ) فقال ناشره في تمهيده : « ... و ( كتاب رجاله ) هذا من أجزاء كتاب المحاسن المستغني لشهرته عن الوصف الخ ».
1 ـ أي أبعده عن بلدة ( قم ) ثم أعاده اليها.
2 ـ خلاصة الرجال ص 9.
3 ـ الفهرست للشيخ الطوسي ص 21.
4 ـ معالم العلماء ص 10.
5 ـ رجال النجاشي ص 55.
6 ـ فهرست ابن النديم ص 323 ـ 324.
قواعد الحديث ::: فهرس