قواعد الحديث ::: 196 ـ 210
(196)
    ولا يشك أحد في اعتبار علمائنا لكتاب ( المحاسن ) ، وأخذهم عنه وأنه من كتب احمد بن محمد بن خالد البرقي ، فهو ومؤلفه غنيان عن التعريف. وقد كتب ناشره في طبعته الأولى مقدمة جمع فيها ما قيل في حق البرقي وكتابه ( المحاسن ) من التوثيق والتبجيل ، كما كتب مقدمة أخرى للكتاب في طبعته الثانية حول التعريف به وبمؤلفه ، وبيان ما حازاه من شهرة ومكانة عالية. وقد اعتمد مصحح ( كتاب الرجال ) على أربع نسخ كلها تشهد بحسب الظاهر بأنه من تأليف البرقي احمد بن محمد بن خالد.
    ومع هذا كله فقد شُكك في نسبته اليه ، فقيل : « اختلف في ( رجال البرقي ) ... فقال بعضهم : إنه لاحمد بن أبي عبد اللّه البرقي وقال بعضهم : إنه لأبيه محمد بن خالد البرقي. وكلاهما وهم ، وكيف يمكن أن يكون لهما وقد استند في كثير من رجاله الى كتاب سعد بن عبد اللّه القمي ، وسعد كان من تلامذة أحمد الابن ، وعنون فيه عبد اللّه بن جعفر الحميري ، وصرح بسماعه منه ، فيكون شيخه ، مع أن عبد اللّه كسعد تلميذ احمد الابن ، وعنون احمد بن أبي عبد اللّه فيه ولم يذكر أنه مصنف الكتاب ، كما هو القاعدة فيمن يذكر نفسه في كتابه ، كما فعل الشيخ والنجاشي في ( فهرستيهما ) ، والعلامة وابن داود في ( كتابيهما ) ، وعنون محمد البرقي ولم يشر الى أنه أبوه ، والذي يعلم من ملاحظة الطبقة أنه لعبد اللّه بن احمد البرقي الذي يروي عنه الكليني أو أحمد بن عبد اللّه البرقي الذي يروي عنه الصدوق ، والثاني أقرب لعنوانه سعداً والحميري كما عرفت » (1).
    لكن يورد عليه بأن عدم النص على أنه مؤلف الكتاب عند ذكر اسمه لا يدل على نفيه عنه ، وما استشهد به من فعل الشيخ الطوسي ونظائره أمر حدث بعد عصر البرقي ، فلا يطلب منه الجري على نهجه ، بل لا يلزمه
1 ـ قاموس الرجال ج 1 ص 31 ـ 32

(197)
الجري عليه حتى لو ثبت في عصره ، كما لا يلزمه الاشارة الى أن محمداً البرقي أبوه عند ذكر اسمه. وقد استدل السيد بحر العلوم على أن الكتاب للولد بذكره لنفسه ولوالده في أصحاب الرضا (ع).
    وأما سعد الذي استند الى كتابه فقد استظهر السيد بحر العلوم أنه سعد بن سعد الأشعري ، واستدل به على أن كتاب الرجال للوالد لروايته عنه (1).
    لكنه لا مانع من كون الكتاب للولد ، لأنه نقل عن كتاب سعد ، فلا يتوقف على ملاقاته وروايته عنه ، وإنما يكفي وجود الطريق الى كتابه على أنه يمكن روايته عنه واقعاً وإن لم تذكر.
    وأما عبد اللّه بن جعفر الحميري فقد عده الشيخ الطوسي في ( رجاله ) (2) من أصحاب الامام العسكري (ع). بل عده من أصحاب الامام الهادي (ع) ، كما في بعض نسخ ( رجاله ) (3). واحمد البرقي المذكور توفي سنة ( 274 ) أو ( 280 هجري ) (4) ، أي بعد وفاة الامام العسكري (ع) بعشرين سنة ، أو أربعة عشر سنة. وعليه فلا مانع من أن يروي عن الحميري المذكور ما رواه عن المعصوم (ع).
1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 4 ص 156.
2 ـ أنظر ص 432.
3 ـ أنظر ص 419.
4 ـ رجال النجاشي ص 56.


(198)
    رجال ابن الغضائري
    وأما السادس وهو ( رجال ابن الغضائري ) المسمى ب‍‌ ( كتاب الضعفاء ) فكتب الرجال مشحونة بتضعيفاته ، والبناء على ضعف كثير من رواتنا يستند اليه ، فلذا كان جديراً بالبحث عنه وعن مؤلفه ، فنقول :
    اشتهر نسبة هذا الكتاب الى الشيخ احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الشهير بابن الغضائري ، ونسبه اليه السيد جمال الدين احمد بن طاووس في كتابه ( حل الاشكال في معرفة الرجال ) الذي من طريقه وصل الينا هذا الكتاب. وعليه فلا يلتفت الى الترديد في المؤلف ، وهل أنه احمد المذكور ، أو والده الحسين ، كما حكي عن المجلسي في كتاب ( البحار ) وإن استظهر أنه احمد.
    نعم اختلف في أن المراد بابن الغضائري عند إطلاقه هو الابن احمد أو الأب الحسين ، فاختار الأكثر الأول ، ونسبه الوحيد البهبهاني الى جماعة من المحققين ، والى العلامة وابن طاووس (1). وقد أجاد صاحب كتاب ( الكنى والألقاب ) حيث ترجم الولد تحت عنوان ابن الغضائري ، وترجم الوالد تحت عنوان الغضائري تمييراً لهما.
    وللولد كتابان آخران ذكرهما الشيخ الطوسي في مقدمة ( فهرسته ) فقال : « ... أبو الحسين احمد بن الحسين بن عبيد اللّه ، فانه عمل كتابين ، أحدهما ذكر فيه المصنفات ، والآخر ذكر فيه الأصول ، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أن هذين الكتاين لم ينسخهما أحد من أصحابنا ، واخترم هو ـ رحمه اللّه ـ ، وعمد بعض الورثة الى إهلاك الكتابين وغيرهما من الكتب ، على ما حكى بعضهم عنه ».
1 ـ تعليقة منهج المقال ص 35.

(199)
    لكن العلامة نقل عن كتابين لابن الغضائري ، فقال في ترجمة عمر بن ثابت : « ضعيف جداً ، قاله ابن الغضائري ، وقال في كتابه الآخر ... طعنوا عليه من جهة ، وليس عندي كما زعموا ، وهو ثقة ». وقال في ترجمة محمد بن مصادف : « اختلف قول ابن الغضائري فيه ، ففي أحد الكتابين أنه ضعيف ، وفي الآخر أنه ثقة » (1).
    واستدل بذلك السيد بحر العلوم على توهين نقل الشيخ الطوسي تلف كتب ابن الغضائري (2). لكنه ذكر شيخنا في ( الذريعة ) (3) : أن نقل العلامة اختلاف قول ابن الغضائري في كتابيه ، إخبار عما سمعه من استاذه ( ابن طاووس ) من الاختلاف ، وليس صريحاً في أنه رأى الكتابين ». ولم يعلم مستند استاذه في النقل فاحمد بن الغضائري له كتب ثلاثة ، اثنان أشار اليهما الشيخ الطوسي ، وثالث ذكره ابن طاووس في كتابه ـ وقد صرح بذلك الشيخ القهبائي في ( مجمع الرجال ) (4) وشيخنا الطهراني في ( الذريعة ) (5) ، فذكر الأولين برقم 163 ، والثالث برقم 164.
    أما الأولان فلم يثبت لهما أثر في عصر ما ، بالاضافة لما سبق من تصريح الشيخ الطوسي بتلقهما وهو أعرف بالمؤلف وكتبه. ونقل العلامة عن كتابي ابن الغضائري في ذينك الموردين لم يعلم وجهه ، ولعله نقل التضعيف عن الكتاب الثالث ، والتوثيق عن أحد الكتابين بواسطة استاذه ابن طاووس ، أو كان هناك كتاب رابع نسب الى ابن الغضائري ألّفه في الممدوحين ، كما ألّف الثالث في الضعفاء ، حيث نقل الشيخ المامقاني عن
1 ـ خلاصة الرجال ص 116 ـ 125.
2 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 49 ـ 50.
3 ـ أنظر ج 10 ص 89.
4 ـ أنظر ج 1 ص 108.
5 ـ أنظر ج 10 ص 87 ـ 88.


(200)
الشيخ القهبائي أنه قال : « إن كتابيه في ذكر الرجال الممدوحين والرجال المذمومين المجروحين ، وإن الأخير مذكور بتمامه في كتاب السيد ابن طاووس ». وصدّره بقوله : إن مقتضى ما نقله الشيخ الطوسي من تلف الكتاين إرادة غير هذين (1).
    لكن الشيخ القهبائي لم يزد في ترجمة احمد بن الغضائري على الكتب الثلاثة ، حيث قال : « احمد بن الحسين ... صاحب كتاب الرجال الموضوع لذكر المذمومين ، وكتابين آخرين ، كما في خطبة ( الفهرست ) ». وقال شيخنا في ( الذريعة ) (2) : « ولم يجد السيد كتاباً آخر للمدوحين منسوباً الى ابن الغضائري ، وإلا لكان يدرجه أيضاً ولم يقتصر على الضعفاء ».
    فالذي يدور بحثنا حوله هو الكتاب الثالث الوارد من طريق ابن طاووس ، والذي تنسب التضعيفات اليه ، وبما أن الكتاب لا يكون حجة إلا بعد ثبوت وثاقة مؤلفه وصحة نسبته اليه فلا بد من البحث عن كلتا الجهتين.

    حول اعتبار ابن الغضائري
    الأولى أن أحمد بن الغضائري مؤلف هذا الكتاب هل يقبل جرحه وتعديله ، وإن كان والده الحسين بن عبيد اللّه من فقهاء المشايخ الثقات الأقدمين أستاذ الشيخين الطوسي والنجاشي ، وقد أكثرا من الرواية عنه. وإنما البحث عن ولده احمد.
    وحاله غير معلوم من كتب القدماء ، فان الكشي سابق على زمانه ،
1 ـ تنقيح المقال ج 1 ص 57.
2 ـ أنظر ج 4 ص 288.


(201)
والشيخ الطوسي لم يذكره في كتابيه وإن استطرد ذكره في مقدمة ( فهرسته ) وكذا النجاشي في ( رجاله ) أهمل ذكره إلا استطراداً عند النقل عنه ، وقد ترحما عليه. ولذا اعترف جماعة بعدم الوقوف على جرح فيه ، ولا تعديل ، وحكي تصريح المجلسي في ( البحار ) بعدم اعتماده عليه كثيراً.
    وقال الميرزا محمد عند ذكره جرح ابن الغضائري لابراهيم بن عمر الصنعاني : « لا بحث على أن الجارح ليس بمقبول القول ، نعم ربما قبل قوله عند الترجيح أو عدم المعارض ، فانه مع عدم توثيقه قد كثر منه القدح في جماعة لا يناسب ذلك حالهم ». وعلّق عليه الوحيد البهبهاني بقوله : « ... إن ابن الغضائري غير مصرح بتوثيقه ، ومع ذلك قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو من قدحه ... ملاحظة حاله توهن الوثوق بمقاله » (1).
    ومع هذا القدح فيه من الوحيد فقد وثقه عند ترجمته في باب احمد بن الحسين (2) ، فقال : « والظاهر أنه من المشايخ الأجلة والثقات الذين لا يحتاجون الى النص بالوثاقة وهو الذي يذكر المشايخ قوله في الرجال ، ويعدّونه في جملة الأقوال ، ويأتون به مقابل أقوال الأعاظم الثقات ، ويعبّرون عنه بالشيخ ، ويذكرونه مترحماً ، ويكثرون من ذكر قوله
1 ـ منهج المقال وتعليقته ص 24 ـ 25.
2 ـ أهمل الميرزا محمد في ( منهج المقال ) ذكر احمد بن الغضائري في ( باب احمد ) الذي ناسب ذكره فيه ، وإنما ذكره في ( باب المصدّر بابن ) ، فقال : « ابن الغضائري هو احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري لم أجد تصريحاً من الأصحاب بتوثيق ولا ضده » ( ص 398 ). لكن الوحيد البهبهاني عكس في تعليقته فلم يذكره في الباب الثانية ، وذكره في الأولى ( ص 35 ).


(202)
والاعتناء بشأنه ». وقال عند ترجمة الصنعاني : « ومن تتبع ( الخلاصة ) بل والنجاشي أيضاً وجد أنهما يقبلان قوله مطلقاً ... ومن تتبع كلام ابن طاووس وجده كثير الاعتماد عليه عظيم الاعتقاد به ».
    هذا غاية ما يمكن أن يقال : في اعتبار ابن الغضائري ، وقبول جرحه وتعديله. ونقول : أما الترحم فقد سبق (1) الحديث عنه ، وأنه لا يثبت مدحاً ولا توثيقاً ، حيث يصح على كل بر وفاجر.
    وأما الشيخوخة فكذلك لا يثبت بها توثيق الشيخ ولا مدحه ، كما سبق (2).
    وأما اعتماد العلامة على ابن الغضائري فقد ثبت في ( خلاصته ) حيث قال عند ذكر ظفر بن حمدون : « قال النجاشي : إنه من أصحابنا. وقال ابن الغضائري ... كان في مذهبه ضعف. الأقوى عندي التوقف في روايته (3) لطعن هذا الشيخ فيه ». وذكر صباح بن قيس بن يحيى المزني في القسم الثاني من ( خلاصته ) ، لأن ابن الغضائري ضعّف حديثه وإن قال عنه النجاشي : « ثقة ثقة » (4).
    والنقاش في توثيقات العلامة بأنه من المتأخرين فيضعف احتمال وجود طريق حسي فيها ، وأنه يعتمد على خبر كل إمامي لم يجرح ، فقد سبق الجواب عنه (5).
1 ـ أنظر ص 95.
2 ـ أنظر ص 173 ، وما بعدها.
3 ـ قد الترم العلامة بذكر من يتوقف في روايته في القسم الثاني من ( خلاصته ) ، كما نص عليه في مقدمتها ، وفي أول القسم الثاني. وعليه فذكر ظفر بن حمدون في القسم الأول مع توقفه في روايته جرى على خلاف ما التزم به.
4 ـ خلاصة الرجال ص 44 ـ 110.
5 ـ أنظر ص 189 ، وما بعدها.


(203)
    وهنا نقاش يخص محل البحث ، وهو اضطراب كلام العلامة في العمل بقول ابن الغضائري ، فيأخذ به تارة كما سبق ، ويهجره أخرى كما في ترجمة ابراهيم بن عمر الصنعاني ، حيث قبل روايته وذكره في القسم الأول من ( خلاصته ) لتوثيق النجاشي له وإن ضعفه ابن الغضائري صريحاً وهكذا في ترجمة سهل بن احمد بن عبد اللّه حيث ذكره في القسم الأول معتمداً عليه لقول النجاشي : « لا بأس به ». وإن قال عنه ابن الغضائري « كان يضع الأحاديث » (1).
    ولذا قال الوحيد البهبهاني : « والأولى أن يقال : إن بناء ( الخلاصة ) على التعديل والجرح ، وترجيحه قول شيخ على آخر ليس من نفس توثيقهم وجرحهم ... ولذا ربما يرجّح ابن الغضائري على النجاشي ... مع أنه في الغالب يرجح النجاشي الخ » (2). وقال الشيخ المامقاني : إن العلامة « كثيراً ما يقّدم تعديل النجاشي على جرح ابن الغضائري في مقام ليس له مستند سوى أن ظاهره عدم الاعتماد على ابن الغضائري الخ » (3).
    ولكن اعتماده على قوله ولو في مورد واحد يكشف عن اعتباره لديه وتقديم قول النجاشي عليه أحياناً لا يضر بذلك ، حيث تكون هناك جهات مرجحة له ، كما في تقديم قوله على قول النجاشي.
    وأما اعتماد ابن طاووس عليه فكاعتماد العلامة كاشف عن اعتباره لديه وهو يغني في قبول قوله بناء على ما سبق من الاكتفاء بتوثيق أمثاله.
    وأما اعتماد النجاشي عليه فهو العمدة ، حيث نقل عنه في كتاب ( رجاله ) بلا واسطة في ثلاثة وعشرين مورداً حسبما استقصيت الكتاب وسيرته ، وسبق (4) توثيق النجاشي لشيوخه الذين يروي عنهم بدون واسطة
1 ـ خلاصة الرجال ص 4 ـ 40.
2 ـ تعليقة منهج المقال ص 24.
3 ـ تنقيح المقال ج 1 ص 58.
4 ـ أنظر ص 184.


(204)
وبذلك يثبت وثاقة احمد بن الغضائري واعتباره.

    الاكثار من جرح الثقات
    نعم يبقى البحث في النقاش المشهور في قبول قوله ، وهو أنه قد أكثر من جرح الثقات وتعدى الحد فيه ، ولم يرَ الأصحاب له مبرراً ، ولأجله وهّنوا تضعيفاته ، ورموه بعدم التحقيق.
    قال الوحيد البهبهاني : « ... قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو من قدحه ، وجرح أعاظم الثقات وأجلاء الرواة الذين لا يناسبهم ذلك. وهذا يشير الى عدم تحقيقه حال الرجال كما هو حقه ، أو كون أكثر ما يعتقده جرحاً ليس في الحقيقة جرحاً ... وقال الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ ( شرح البداية ) (1) : وقد اتفق لكثير من العلماء جرح بعض فلما استفسر ذكر ما لا يصلح جارحاً ، قيل لبعضهم : لمَ تركت حديث فلان؟. فقال : رأيته يركض على برذون (2) ... وبالجملة لا شك أن ملاحظة حاله توهن الوثوق بمقاله الخ » (3).
    وقال السيد بحر العلوم : « ... هذا الشيخ الذي قد بلغ الغاية في تضعيف الروايات والطعن في الرواة ، حتى قيل : إن السالم من رجال الحديث من سلم منه ، وإن الاعتماد على كتابه في الجرح طرح لما سواه من الكتب ... فانه قد ضعّف فيه كثيراً من أجلاء الأصحاب المعروفين
1 ـ وهو كتاب ( درايته ) ، أنظر ص 71 منه.
2 ـ البرذون « ضرب من الدواب دون الخيل وأقدر من الحمر » أقرب الموارد ، مادة برذن.
3 ـ تعليقة منهج المقال ص 24.


(205)
بالتوثيق ... واعتمد في الطعن عليهم ـ غالباً ـ أموراً لا توجب قدحاً فيهم الخ » (1).
    وعليه لا يبقى وثوق بكون جرحه وتضعيفه للرواة جارياً على الأصول المعتبرة ، فكيف يصح الركون اليه ؟.

    الطريق الى رجال ابن الغضائري
    الجهة الثانية أن هذا الكتاب المنسوب الى ابن الغضائري لم يصل الينا بنفسه بطريق معتبر ، وإنما أدرجه السيد ابن طاووس في كتابه ( حل الاشكال في معرفة الرجال ) منسوباً اليه. لكن يشكل الاعتماد عليه لأمرين.
    أحدهما أن الشيخ الطوسي لم يذكر لابن الغضائري إلا الكتابين اللذين ألفهما في المصنفات والأصول وقد تلفا. فلو كان له كتاب ثالث في الضعفاء لما خفي عن مثل الشيخ المصاحب له ، والشريك معه في الدراسة على أبيه الحسين بن عبيد اللّه ، كما صرح به في ( رجاله ) قائلاً : « سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته » (2).
    وبذلك استشهد شيخنا الطهراني في ( الذريعة ) (3) على استبعاد أن يكون لابن الغضائري كتاب ثالث خفي على الشيخ الطوسي ، وقال : « والظاهر أنه لم يكن له تأليف آخر وإلا لذكره ».
    على أن الشيخ الطوسي لم يحك تلف الكتابين فقط ، وإنما قال : « وعمد بعض الورثة الى إهلاك الكتابين وغيرهما من الكتب ». وإطلاقه شامل لكتاب الضعفاء على تقدير أن يكون من تصنيفه.
1 ) رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 369
2 ـ رجال الشيخ الطوسي ص 470
3 ـ أنظر ج 10 ص 88


(206)
    ولذا أهمل ذكره في ( فهرسته ) حيث لم يبق له مصنَّف ليذكر من أجله ، كما أهمل ذكره الشيخ النجاشي في ( رجاله ) لذلك. ولو بقي له كتاب بعده لما خفي على النجاشي ، فانه كالشيخ الطوسي مصاحب له ، وشريك في الدراسة على أبيه الحسين ، حيث قال : « ... قرأته أنا وأحمد بن الحسين ـ رحمه اللّه ـ على أبيه ». كما أنه شريكه في الدراسة على احمد بن عبد الواحد ، حيق قال : « قرأ احمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ... على احمد بن عبد الواحد في مدة سمعتها معه » (1).
    بل صرح السيد بحر العلوم بأن النجاشي تلميذ لابن الغضائري ، حيث قال : « ما اتفق للنجاشي ـ رحمه اللّه ـ من صحبة ... احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري ـ رحمه اللّه ـ فانه كان خصيصاً به صحبه وشاركه وقرأ عليه وأخذ منه ونقل عنه ما سمعه أو وجده بخطه الخ ». ونص على أنه شيخ النجاشي عند ذكر مشايخه (2). واستظهر ذلك شيخنا الطهراني في ( الذريعة ) (3) من قول النجاشي في ترجمة علي بن محمد بن شيران : « كنا نجتمع معه عند احمد بن الحسين » (4) قائلاً : « والاجتماع عند العالم والحضور في مجلسه لا يكون إلا للاستفادة العلمية عنه ، ولعل ذلك وجه استظهار آية اللّه بحر العلوم في ( الفوائد الرجالية ) أنه كان من مشايخ النجاشي كوالده ، ولكنه بعيد لقصر عمره ، كما نذكره وإن استظهره القهبائي أيضاً في ( مجمع الرجال ) من هذه الترجمة ».
1 ـ رجال النجاشي ص 61 ـ 182.
2 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 49 ـ 64.
3 ـ أنظر ج 4 ص 289.
4 ـ رجال النجاشي ص 192.


(207)
    مع السيد بحر العلوم
    لكن السيد بحر العلوم ـ قدست نفسه ـ ناقش في تلف كتب ابن الغضائري بقوله : « ... لما يظهر من النجاشي من اطلاعه عليها ، وإخباره عنها. وقد بقي بعضها الى زمان العلامة الخ » (1). ونقول :
    أما دعوى وجود بعض كتب ابن الغضائري في زمان العلامة فقد سبق (2) الجواب عنها.
    وأما دعوى اطلاع النجاشي عليها فالجواب عنها :
    أولاً : أن النجاشي كان مصاحباً لابن الغضائري وشريكاً في الدراسة بل وتلميذاً ، فلا يكشف نقله عنه في كتاب ( رجاله ) عن اطلاعه على كتبه وإخباره عنها ، لامكان نقله عنه بالسماع أو غيره ، ولذا يقبل منه وإن سقطت كتب ابن الغضائري عن الاعتبار.
    وقد تصفحت ( رجال النجاشي ) وسبرته ، وأحصيت الموارد التي نقل فيها عن احمد بن الغضائري فبلغت ثلاثة وعشرين مورداً ، لم يخبر فيها عن كتبه كما يقول السيد ـ قدست نفسه ـ ، وإنما أخبر عنه بلفظ قال تارة ، ولفظ ذكر أخرى ، على غرار إخباره عن والده الحسين ، وسائر مشايخه الآخرين ، وربما قرنه بهم في النقل ، كما في قوله عند ترجمة احمد بن اسحاق : « قال أبو الحسن علي بن عبد الواحد الخمري ـ رحمه اللّه ـ واحمد بن الحسين رحمه اللّه ». وقوله عند ترجمة سهل بن زياد : « ذكر ذلك احمد بن علي بن نوح ، واحمد بن الحسين رحمهما اللّه » (3).
1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 49.
2 ـ أنظر ص 199 ـ 200.
3 ـ رجال النجاشي ص 66 ـ 132.


(208)
    نعم هناك مورد واحد نقل فيه النجاشي عن ( تأريخ ابن الغضائري ) (1) لكنه لا يصلح دليلاً لكون النقل في بقية الموارد عن كتبه ، بل يستظهر منه العكس ، وإلا لما كان وجه لتخصيص هذا المورد بالنقل عن الكتاب والظاهر أن النجاشي يلحظ هذه الخصوصية في النقل ، ولذا نقل كثيراً عن شيخه أحمد بن علي بن نوح بلفظ ذكر وقال ، إلا في بعض الموارد فانه قال : « ورأيت بخط أبي العباس أحمد بن علي بن نوح الخ » (2).
    وثانياً : أن نقل النجاشي عن كتب ابن الغضائري على فرضه لا يكشف عن عدم عروض التلف لها بعد موته ، حيث لا مانع من نقله عنها في حياته ، لاصطحابهما واشتراكهما في الدراسة.
    ويشهد باطلاع النجاشي على ما كان لديه من كتب في حياته قوله في ترجمة محمد بن علي بن النعمان : « وله كتاب ( افعل لا تفعل ) رأيته عند احمد بن الحسين بن عبيد اللّه ـ رحمه اللّه ـ ، كتاب كبير حسن الخ » (3)
    وثالثاً : أن نقل النجاشي عن كتب ابن الغضائري لا يثبت لنا الطريق المعتبر اليها ، فما نقله عنها في ( رجاله ) قبلناه ، دون ما ينسبه المتأخرون اليها ، مثل نقل العلامة عن كتاب ( الضعفاء ) المبحوث عنه.
    ثانيهما : أن السيد ابن طاووس الناقل لهذا الكتاب قد صرح بعدم وجود طريق متصل اليه ، فانه قد جمع في كتابه ( حل الاشكال ) الأصول الرجالية الخمسة المذكورة في صدر البحث ، ومنها ( رجال ابن الغضائري ) لكنه لم يدرج كتاب ( الاختيار ) من كتاب أبي عمرو الكشي في كتابه إلا بعد أن حرره وهذب أخباره متناً وسنداً ووزعها في طي الكتاب على تراجم الرجال.
1 ـ رجال النجاشي ص 56.
2 ـ رجال النجاشي ص 81.
3 ـ رجال النجاشي ص 228.


(209)
    ولما ظفر الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني بهذا الكتاب لابن طاووس ورآه مشرفاً على التلف انتزع منه ما حرره ابن طاووس ، ووزعه في كتابه من خصوص كتاب ( الاختيار ) وسماه ( التحرير الطاووسي ) ولا يزال مخطوطاً (1) ، وأثبت في أوله بعض ما ذكره ابن طاووس في أول كتابه عند ذكره الكتب الخمسة التي جمعها فقال : « من كتب خمسة ... ولي بالجميع روايات متصلة عدا كتاب ابن الغضائري » (2).
    وعليه فلا يثبت اعتبار هذا الكتاب بنقل ابن طاووس له بعد أن اعترف بعدم الطريق اليه. ولذا صرح شيخنا الطهراني في ( الذريعة ) (3) بأن إدراج السيد ابن طاووس كتاب ابن الغضائري في كتابه ( حل الاشكال ) لم يكن « لأجل اعتباره عنده ... فتبرأ من عهدته بصحة النسبة اليه ، ولم يكتف بذلك أيضاً بل أسّس في أول الكتاب ضابطة كلية تفيد وهن التضعيفات التي وردت في هذا الكتاب ، حتى لو فرض أنه كان معلوم النسبة الى مؤلفه الخ ».
    وقد جرى الشيخ عناية اللّه القهبائي على منوال ابن طاووس فجمع تلك الأصول الرجالية الخمسة في كتابه ( مجمع الرجال ) ، لكنه اعتمد في إثبات ( رجال ابن الغضائري ) على كتاب ابن طاووس السابق بتوسط أستاذه الشيخ عبد اللّه التستري ، فانه الذي استخرجه من كتاب ابن طاووس.
    وذكر الشيخ القهبائي في صدر كتابه خطب الأصول الرجالية ، ولم
1 ـ نقل شيخنا في ( الذريعة ) أنه رأى نسختين من ( التحرير ) إحداهما عند السيد محمد علي السبزواري في الكاظمية ، والاخرى في الخزانة الرضوية. وأخبرني شفاهاً أنه رأى نسخة في الكاظمية في مكتبة المرحوم آية اللّه السيد حسن الصدر الكاظمي.
2 ـ الذريعة ج 3 ص 385 ـ 386.
3 ـ أنظر ج 4 ص 288.


(210)
يكن لابن الغضائري خطبة لكتابه ، وإنما نقل ما ذكره الشيخ التستري في مقدمته قائلاً : « وقال شيخنا ... التستري ... في عنوان كتاب الشيخ احمد بن الحسين ... الموضوع لذكر الرجال المذمومين : إعلم ـ أيدك اللّه وإيانا ـ إني لما وقفت على كتاب السيد المعظم السيد جمال الدين أحمد بن طاووس في الرجال ، فرأيته مشتملاً على نقل ما في كتب السلف ، وقد كنت رزقت بحمد اللّه تعالى النافع من تلك الكتب إلا كتاب ابن الغضائري ، فإني كنت ما سمعت له وجوداً في زماننا هذا ، وكان كتاب السيد هذا بخطه الشريف مشتملاً عليه ، فحداني التبرك به مع ظن الانتفاع بكتاب ابن الغضائري أن أجعله منفرداً عنه الخ » (1).
    وهذا صريح في أنه لم يكن للشيخ القهبائي ولا لشيخه التستري طريق إلى كتاب ابن الغضائري ، كما لا طريق لابن طاووس إليه. بل صرح التستري بأنه لم يسمع لهذا الكتاب وجوداً في زمانه فضلاً عن أن يراه ، وإنما نقله عن ابن طاووس تبركاً بخطه ، وأخذه عنه تلميذه القهباني.
    إذن فينحصر الاستدلال على اعتبار ( رجال ابن الغضائري ) بنقل العلامة عنه في ( خلاصته ) وابن داود في ( رجاله ) قائلاً في مقدمته : « فصنفت هذا المختصر لنخب كتاب الرجال للشيخ أبي جعفر ـ رحمه اللّه ـ ، والفهرست له ، وما حققه الكشي والنجاشي ، وما صنفه البرقي والغضائري ، وغيرهم ». ونحتمل أن يكون لهذين العلمين طريق حسي معتبر الى ذلك الكتاب ، وهو كاف في اعتباره ، إلا أن الذي يوهن هذا الاحتمال أمور.
    الأول أن العلامة وابن داود قد صحبا السيد ابن طاووس ، وتتلمذا له ، واعتمدا عليه في تنقيح تنويع الحديث وتجديده ، وهذا مما يوجب قوة الظن باعتمادهما عليه في شأن هذا الكتاب ، لا أن لهما طريقاً معتبراً اليه
1 ـ مجمع الرجال ج 1 ص 10 ـ 11.
قواعد الحديث ::: فهرس