سلسلة مصادر بحار الأنوار
( 11 )

قــرب الاســنــاد

تأليف
الشيخ الجليل أبي العباس عبدالله بن جعفر الحميري
من اعلام القرن الثالث الهجري

تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث

( 5 )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علّم الانسان مالم يعلم، برسل تترى ونذر تتلاحق، وشواهد تلوح، حتى تسنّم - بفضل هدى الحق - اقوام معالي القمم في لجج الفتن فذهبوا بالفوزين في الآخرة والاولى .
والصلاة والسلام على المختار من طول الدهور النبي الامي، والرحمة المهداة، والمنار الذي لايخبو، وعلى اهل بيته سفن النجاة الفارهة، وسبل الهداية الشارعة، والمزن الذي تبعث الحياة في اوصال من يبتغي الحياة .
وبعد :
فالامر الذي اثار حفيظة من يكتنز في داخله الجهل المركب هو ما دأب عليه الشيعة الامامية من التشبث المتبصر بالتراث الضخم الذي خلفه لهم أئمة اهل البيت المعصومين (عليهم السلام) عندما شمّر العديد من أعلام هذه الطائفة عن سواعدهم في أقدس ما يمكن للمسلم ان يتعهده من رعاية لعلوم
( 6 )
الشجرة المباركة، فكانت عند ذلك جملة لاتنكر من الاسفار القيمة، هي كالخزائن في بطونها تكتنز النفائس .
فبالرغم من سني الجدب العجاف التي اهتزت لها الامة الاسلامية من اقصاها الى ادناها، وماتبع ذلك من وهن اصاب جسدها، وشروخ بانت بادية على جبينها، وماتبعها من فرقة وتناحر، وتشتت في الاراء والمعتقدات، كان للمتسربلين بالثوب الاسلامي، ولذوي الاهواء والنزوات المريضة الفعل الكبير والاثر الاكبر في ما طفح على الجسد الطاهر من قروح هي غريبة عنه، كالوشمة السوداء في الثوب الابيض، نقول بالرغم من كل ذلك، فقد كانت الشيعة إلإمامية ولازالت تؤمن بأن نجاة الامة، وسبيل جمع شتاتها، وشفاء عللها لايكون الا بالعودة الى المنهل الصافي، والمرفأ الامين، والواحة الخضراء، والسبيل القويم الذي هو بنص رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عدل القران وسبيل النجاة، والسفينة التي نجا من ركبها، وكان الغرق والهلاك نصيب من تخلف عنها.
بلى : اوما سمعت قول العبد الصالح نوح (عليه السلام)لابنه حيمث اعرض عن نصحه بالركوب معهم قائلاً : (سآوي الى جبلٍ يعصِمُني من الماءِ)(1) .
فقال نوح :(لاعاصمَ اليوم من أمر الله إلا من رَحِم وحالَ بينهما الموجُ فكان من المغرَقين)(2) .
فأنى لمن فطره الله تعالى على نور الحق وتنسم سبل النجاة من الهلكى ان يعرض صفحاً عن ذي الحجج البينة والشواخص المعلّمة، بل وانى لمن آمن بالرسول وبما جاء به من ربه ان يدير عارضيه امام الصرح المتشامخ بكلمة الهداية التي لاتخفى عن البصر الكليل، وهي كقوله تعالى : (افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدنيا
____________
(1) هود 11 : 43 .
(2) هود 11 : 43 .

( 7 )
ويوم القيامة يردّون الى أشد العذاب وما الله بغافل عمّا تعملون)(1).
فهلأ توقف هنيئه البعض ليستجلي ما خفي عليه، وان كان لايخفى ما أوصى به الله عز اسمه حين قال :(وقفوهم إنهم مسؤولون)(2)(3).
وقال : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)(4)(5).
وقال تعالى ايضاً:(فاسألوا اهل الذكرِإن كنتم لاتعلمون)(6) (7).
بل واين من لايصيخ للحق سمعاً من قول رسول الله (صلّى الله عليه واله) الذي( ما ينطقُ عن الهوى*إن هو إلا وحيٌ يوحى)(8) حيث قال :«إني تاركٌ ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي احدهما اعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي اهل بيتي، ولن يتفرَّقا حتى يردا عليّ ا لحوض »(9).
____________
(1) البقرة 2 : 85 .
(2) الصافات 37 : 4 2.
(3) قال ابن حجر في صواعقه المحرقة (89): اخرج الديلمي عن ابي سعيد الخدري ان النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال : وقفوهم انهم مسؤولون عن ولاية علي (عليه السلام)، (قال) وكان هذا هو مراد الواحدي بقوله : روي في قوله تعالى (وقفوهم انهم مسؤولون ) اي عن ولاية علي (عليه السلام) واهل البيت.
(4) التو بة 9 : 119 .
(5) قال السيوطي في الدر المنثور (3 : 290): واخرج ابن مردويه عن ابن عباس ... قال : مع علي بن ابي طالب (عليه السلام).
(6) النحل 16 : 43، الا نبياء 21 : 7.
(7) روى الطبري في تفسيره بسنده عن جابر الجعفي قال : لما نزلت (فآسألوا اهل الذكر...) قال علي (عليه السلام): نحن اهل الذكر.
(8) النجم 53: 3 - 4 .
(9) الحديث متواتر ومشهور ومروي بطرق واسانيد كثيرة، مثل : سنن الترمذي 5 : 662 | 3786 ، 663 | 3788، مستدرك الصحيحين 3 : 109 ر 3: 148، مسند احمد 3 : 17، وحلية الاولياء 1 :355، و 9: 64، اسد الغابة 3: 147 .

( 8 )
وقال (ص): «اهل بيتي امان لامتي »(1).
وقال (ص): «مثل اهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق »(2).
وعدا ذلك للمستزيد كثير، فقد اسهب السابقون وافاض في ذكره اللاحقون لهم، فما تركوا حجة الا وأقاموها، ولا باباً الاوطرقوه، حتى كان الامر اشد وضوحا من الشمس في غرة الصبح الابلج .
واذا كان ما تعاهده الشيعة الامامية من الاعتماد على ما تلقوه عن الائمة المعصومين، له الحجة الدامغة والدليل البين، فالسبيل اوضح لقاصده، والدرب مشرع لسالكه، ولاجدوى للجريان في المسالك المتشعبة والدهاليز المتفرعة التي قد تقود الخطى الى ما لاتحمد عقباه .
فاذا كان الشرع المقدس يلزم باتباع النور الذي مشكاته رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ويقرن الفوز باتباعه، فلا لوم ولاتثريب على من كان حاثأ لخطاه في هذا السبيل القويم .
بلى ما كان الله تعالى ليهمل هذا الامة دون ان يوضح لها ما تلتزم به، فاذا فرّط المكلف بذلك الامر، لم يكن في ذلك معذوراً، بل ولن تسقط عنه الحجة، وكان مقصراً في ذلك بلا خلاف .
وهكذا... فلما اعتقده الشيعة من احقية سبيل اهل البيت - وكما ذكرنا ابتداءً - عمدوا الى جمع تراث هذه العترة الطيبة في اسفار جليلة يقتنص منها علماء هذه الطائفة الدروالجوهر كما يقتنص الصياد الماهر الصيد الثمين . والكتاب الماثل بين يدي القاريء الكريم سفرٌ جليل واثر نفيس، مضى
____________
(1) مستدرك الصحيحين 3: 149، ذخائر العقبى: 17 .
(2) مستدرك الصحيحين 2: 343، حلية الاولياء 4 : 6 0 3، تأريخ بغداد 12 : 91، ذخائر العقبى : 20.

( 9 )
عليه قرابة الالف ومائتا عام بين النسخ الخطية والحجرية تتنازعه الحاجة الملحة، والظروف المتيسرة، حتى شاء الله تعالى في أن يخرج بحلته الجديدة هذه بعد جهد تجاوز الثلاثة اعوام بين البحث عن مخطوطاته وتحقيقه وطباعته، سائلين الباري جل اسمه ان ييسر السبل لاخراج ما افنى عليه علماؤنا السابقون شطراً كبيراً من حياتهم في جمعه وتأليفه وترتيبه انه الموفق للصواب .
واخيراً ...
ففي الفترة التي كانت المؤسسة عاكفة على تحقيق هذا الكتاب عثرت على بحث علمي ابدع يراع احد الفضلاء المعروفين في كتابته وهوسماحة الشيخ الفاضل محمد باقر الكرماني رحمه الله، وتقديراً من ادارة المؤسسة للجهدالرصين الذي بذله في هذا العمل، واحياءً له، ارتأت ان تجعلها المقدمة العلمية للكتاب وبشيء من التصرف في بعض عباراتها واستدلالاتها .

* * *

( 10 )

نبذة عن كتاب قرب إلإسناد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين (عليهم السلام)، ولعنة الله على اعدائهم اجمعين .
أما بعد:
فهذه وجيزة وضعتها في تحقيق مؤلف كتاب قرب إلإسناد،وأرجو من الله إلإمداد، مع قلة الاستعداد، فانه الكريم الجواد، ولايخفى لأولي الألباب مما في مثل ذلك السؤال في هذه الاوان من الاشكال، مع متروكية علم الرجال، وقلة اساتيذه وكتبه، بترك البحث عنه، ولكن ما لا يدرك كله لايترك كله، و لايكلف الله نفساً الا ما آتاها .
فبالجملة اتمام الكلام فيما قصدته من وضع هذه الوجيزة موقوف على بيان امور اربعة :
الاول : تحقيق شخص المؤلف بهويته .
والثاني : في حال المؤلف .
والثالث : في ثبوت انتساب الكتاب الى المؤلف .
والرابع : في بيان حال اخباره .
فنقول وبالله التوفيق : اما الاول : [ فانه ] يظهر لمن تتبع في كلمات الاصحاب انهم مختلفون فيه على اقوال :
الاول منها وهو الاشهر بين اهل الرجال انه : عبدالله بن جعفر بن
( 11 )
الحسين بن مالك بن جامع الحميري، وذلك يستفاد من كلام جماعة كالنجاشي حيث قال : عبدالله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري ابو العباس القمي شيخ القميين ووجههم، قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين، وسمع اهلها منه فاكثروا، وصنف كتباً كثيرة منها كتاب الامامة، كتاب الدلائل، كتاب العظمة والتوحيد، كتاب الغيبة والحيرة - الى ان قال :- كتاب قرب الاسناد الى الرضا (عليه السلام) وكتاب قرب الاسناد الى ابي جعفر ابن الرضا (عليهما السلام)،كتاب ما بين هشام بن الحكم وهشام بن سالم -الى ان قال : - كتاب قرب الاسناد الى صاحب الامر (عجل الله تعالى فرجه).... الى اخر ما قال (1).
وقال العلامة رحمه الله في الخلاصة: عبدالله بن جعفر بن الحسين بن مالك ابن جامع الحميري - بالحاء المهملة - ابو العباس القمي شيخ القميين ووجههم قدم الكوفة سنة نيف .وتسعين وممائتين، ثقة من اصحاب ابي محمد العسكري (عليه ا لسلام)(2).
وقال الشيخ (رضي الله عنه) في الفهرست : عبدالله بن جعفر الحميري القمي يكنى ابو العباس، ثقة له كتب منها كتاب الدلائل، وكتاب الطب، وكتاب الامامة،وكتاب ا لتوحيد والاستطاعة، وكتاب الافاعيل، وكتاب ا لبداء، وكتاب قرب الاسناد(3) .
وقال ابن شهر اشوب في معالم العلماء: عبدالله بن جعفر الحميري القمي ابو العباس ثقة، من كتبه الدلائل: الطب، االامامة والتوحيد، والاستطاعة، والافاعيل، والبداء، وقرب الاسناد... الى آخره (4) .
____________
(1) رجال النجاشي : 219 | 573 .
(2) الخلاصة: 106 | 20 .
(3) الفهرست : 102 | 439 .
(4) معالم العلماء: 73 | 493 .

( 12 )
وكذا يقتضي كلام السيد السند صاحب المدارك عند كلامه (رحمه الله) في نجاسة المسكرات ماهذا لفظه: وما رواه عبدالله بن جعفر الحميري في كتابه قرب الاسناد... الى آخره (1) .
وصريح كلام المحدث البحراني في الحدائق ايضاً يقتضي ذلك انه إرحمه الله) قال في جواز العدول من سورة الى اخرى: ان الواجب اولاً نقل الاخبار المتعلقة بالمسألة فاقول : فالاول - الى ان قال : - والسابع : ما رواه عبدالله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبدالله بن الحسين، عن جده، عن علي بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)... الى آخر ماقال في الحدائق(2) وسنتلو عليك ايضاً ما يظهر من كلام العلامة السبزواري في ذخيرته، والمحقق المدقق الخونساري في المشارق .
وثاني الاقوال : انه تصنيف ولده محمد بن عبدالله بن جعفر كما يقتضيه كلام الفاضل الحلي (رحمه الله) في مستطرفات السرائر، فانه قال : وكتاب قرب الاسناد تصنيف محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري (3).
وكذا صاحب المعالم والمنتقى كما سيأتي ان شاء الله، بهذا صرح صاحب مطالع الانوار غير مرة .
وثالث الاقوال: ان تصنيف الكلام من الوالد عبدالله، ويرويه ولده محمد ابن عبدالله، كما عليه العلامة المجلسي في الفصل الاول من اول مجلدات بحار الانوار من الفصول التي وضعها في بداية الكتاب، قال اعلى الله مقامه الشريف: كتاب قرب الاسناد للشيخ الجليل الثقة ابي جعفر محمد بن عبدالله بن جعفر ابن الحسين بن جامع بن مالك الحميري القمي، وظني ان الكتاب لوالده، وهو
____________
(1) مدارك الاحكام 2 : 292 .
(2) الحدائق 8 : 207 .
(3) مستطرفات السرائر: 123 .

( 13 )
راوٍ له كما صرح به النجاشي، وان كان الكتاب له كما صرح به ابن ادريس (رحمه الله)، فالوالد متوسط بينه وبين ما اوردنا من اسانيد كتابه (1). تم كلامه رفع مقامه وكأنه اراد جمعاً بين القولين .
والى هذا ذهب المحدث الحر طاب مضجعه في اخر الوسائل في الفائدة الرابعة وقال : كتاب قرب الاسناد للشيخ الثقة المعتمد عبدالله بن جعفر الحميري رواية ولده محمد (2)...الى اخره . وقال ما يقرب من ذلك في صدر الكتاب على ما ببالي (3).
والاقرب بالقبول عندي ان الكتاب لعبدالله بن جعفر كما سمعت بشهادة جمع من فحول المتقدمين كالنجاشي والشيخ، والمتاخرين كالعلامة ونظائره عليهم الرحمة، ولكن فيه ان الكتاب المزبور ينقسم الى ثلاثة اجزاء، ويظهر من عنوان الجزء الاول بالصراحة انه تصنيف محمد ولد عبدالله بن جعفر.
وان اردت تفصيل الحال فنقول وعليه التكلان : اعلم ان كتاب قرب الاسناد يعنون بقوله محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن ابيه، عن هارون ابن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال... ويورد جملة من الاخبار تنتهي اسانيدها الى مولانا الامام الصادق عليه افضل الصلاة والسلام، وفي بعض منها: عنه عن الباقر(عليه السلام)، في حين ان البعض الاخر: عنه، عن ابيه، عن علي (عليهم السلام)، وقد يروي عنه، عن ابيه، عن النبي عليهم افضل الصلاة والسلام ويختتم هذا الجزء مبتدءاً بجزئه الثاني قائلاً :كتاب قرب الاسناد الى ابي ابراهيم بن موسى بن جعفر عليهما الصلاة والسلام .
____________
(1) بحار الانوار 1 : 7.
(2) وسائل الشيعة 20 : 40 .
(3) وسائل الشيعة 1 : 5 .

( 14 )
حدثنا عبدالله بن الحسن العلوي، عن جده علي بن جعفر(عليه السلام) قال : سألت اخي موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن الرجل عليه الخاتم العقيق (وساق الخبر الى آخره) ثم قال : وسألته عن المرأة عليها السوار والدملج (وساق الخبر) وقال ايضا: وسألته عن المضمضة والاستنشاق (وذكر الخبر) وبهذا السياق ذكر الاخبار.
ثم عنون باباً آخر بقوله: باب صلاة المريض، ثم باب صلاة الجمعة والعيدين. فقال: وسألته (وذكر شطراً من الروايات) وبعد ذلك يقول: باب صلاة المسافر فقال: عبدالله بن الحسن العلوي، عن جده علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وحدّث احاديث الباب، وبهذا المنوال كالكتب الفقهية لسائر الاصحاب رضوان الله عليهم .
ثم ذكر ابواب متعددة تتضمن جملة كبيرة من الاخبار المتفرقة وباسانيد مختلفة، كلها تنتهي الى مولانا أبي ابراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليهما ا لسلام .
ثم يختتم الجزء الثاني ويشرع في الجزء الثالث من كتابه، ويفتتح بقوله : كتاب قرب الاسناد عن الرضا عليه الاف التحية والثناء.
حدثني الريان بن الصلت قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول... وذكر روايات كثيرة باسانيد مختلفة كلها تروى عن ثامن الائمة .
فلا محيص عن نسبة الجزء الاول من الكتاب الى محمد بن عبد الله .
والتفصيل بين الجزئين الاخيرين والاول لايخلو عن بعدث لانه ملازم لالتباس الامر على مثل النجاشي وشيخ الطائفة، والالتباس بهذه المثابة بعيد جداً، فما جرى عليه العلامة المجلسي والحر العاملي رضي الله عنهما بملاحظة الامرين لا يخلو عن وجاهة، ولكن الخطب سهل، لان الوالد والولد كليهما ثقتان كما ستطلع ان شاء الله .
( 15 )
ومما القينا عليك ظهر اشكال على النجاشي، وهو: ان ما ذكر من ان له قرب الاسناد الى الرضا والى ابن الرضا ابي جعفر الجواد، والى صاحب الامر (عليهم السلام)، فقدعرفت ان قرب الاسناد هذا المعروف ينتهي جزؤه الاول الى جعفر الصادق (عليهما السلام)،وجزؤه الثاني ينتهي الى موسى بن جعفر (عليه السلام)، وجزؤه الثالث ينتهي الى ابي الحسن الرضا (عليه السلام)، فاما ان كان مراد النجاشي هذا الكتاب الذي وقف عليه جل الاصحاب ورووا عنه فاشتبه عليه ذكر اسامي الائمة الذين روى عنهم، وذلك بعيد جداً، واما ان نقول : انه يريد بكلامه ان له قرب الاسناد الى الرضا، والى ابي جعفر، والى صاحب الامر عليهم الصلاة والسلام كتاباً غير هذا المعروف بين اظهرنا، بل ثلاث كتب متفرقة مستقلة يسمى كل منها بقرب الاسناد، وجزء من هذا القرب الاسناد - اعني مسندات الجزء الثاني منه - واحد من الثلاث التي لم نقف عليه واطلع النجاشي عليها، فهذا ايضاً ابعد من الاول، لان عدم اطلاع مثل شيخ الطائفة وابن شهرآشوب ونظائرهما من الاعلام، مع طول باعهم وكمال تتبعهم وقرب عهدهم بزمان المؤلف وولده، مما لا تحكم العادة بوقوعه من هؤلاء الاعلام والفحول، ولايركن الخبير بقبوله، وان كان احد الاحتمالات، ولكن في فن الرجال قد وقع زلل كثير من الاعلام، واشتبه على بعض الاكابر اسماء بعض معاريف الرواة من اجلاء الفن كمحمد بن احمد بن عيسى، واحمد بن محمد بن عيسى، وكما لا يلائم عبارة النجاشي في رجاله حيث قال في ترجمة صاحب قرب الاسناد ما سمعت : من انه عبدالله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري، وقد قال قي ترجمة محمد ولده : محمد بن عبدالله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري، ولا يخلو احدهما من سهو، ونظائر هذا وقع مراراً عن النجاشي يطول الكلام بذكرها، وان اردت الوقوف عليها فعليك بكتاب زلات الاقدام للشيخ المعاصر الرجالي ابن ابي المعالي الحاج ميرزا هدى (رحمه الله) على ما افاد في بعض
( 16 )
مجالساتنا معه، ولسنا بصدد النقد على الاعلام .
وقد نقل ابن داود في رجاله هاتين العبارتين عن النجاشي من دون التفات الى اختلاف الواقع بينهما، وامره سهل لان مثل هذا بالنسبة الى ما وقع من الاشتباهات لنفسه (رحمه الله تعالى) مما ليس بشيء .
فبالجملة: قد سمعت توثيق جماعة من الاعلام للولد - اعني عبدالله بن جعفر(رحمه الله) - كالنجاشي وشيخ الطائفة والعلامة وابن شهرآشوب (رحمهم الله تعالى)، وصرح به العلامة المجلسي في الوجيزة وقال : عبدالله بن جعفر الحميري ثقة(1). كما هو مقتضى كلام النجاشي بناءً على دلالة لفظة «وجه » على الوثاقة .
هذا مضافاً الى رواية الصدوق(رضي الله عنه) بوساطة ابيه (رحمه الله) ورواية كل من الراوي والمروي عنه امارة للوثاقة، فانه يقول في كتابه عيون اخبار الرضا عليه الصلاة والثناء: حدثني ابي (رضي الله عنه)، قال : حدثنا عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، فما صدر من ابن داود (رحمه الله) في عدم توثيقه (2) لا عبرة به كما نبه عليه السيد التفرشي (رحمه الله) في النقد(3).
واما ما يبقى ان مقتضى راي العلامة انه من اصحاب العسكري (عليه السلام) اعني ابا محمد (عليه السلام) خاصة(4)، وقد عده الشيخ (رحمه الله) من اصحاب الهادي (عليه السلام) والعسكري (عليه السلام) بقوله : عبدالله بن جعفر الحميري قمي ثقة من اصحاب كل من موالينا علي النقي والحسن
____________
(1) الوجيزة : 29 .
(2) رجال ابن داود: 117 | 845 .
(3) نقد الرجال : 196 |67 .
(4) رجال العلامة: 106| 20 .

( 17 )
العسكري عليهما الصلاة والسلام (1)،مما لايضر فيما نحن بصدده من الوثاقة .
تذنيب : ولا يخفى على الخبير ان الهادي والعسكري (عليهما السلام) كانا مشتهرين بالعسكري، كما ان الجواد وابنه الهادي سلام الله عليهما كانا يدعيان بابن الرضا،وحتى انه اطلقت هذه الكنيه على العسكري (اعني ابا محمد صلوات الله عليه) وامثال هذه الاطلاقات صارت سبباً لتلك الاختلافات بين الشيخ والعلامة ورجال الرجال احياناً فتآمل .
واما الولد فقد صرح بوثاقته جماعة منهم النجاشي حيث قال : محمد بن عبدالله بن جعفر بن حسين بن جامع بن مالك الحميري ابو جعفر القمي، كان ثقة وجهاً، كاتب صاحب الامر (عليه السلام) سأله مسائل في ابواب الشريعة(2)... الى آخرما قال . وقال في الوجيزة محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري ثقة(3).
ويكفي في جلالة قدره وعلو شانه ما ذكره الشيخ الجليل الطبرسي في احتجاجه بما هذا لفظه : ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه من جوابات المسائل الفقهية ايضاً مما سأله محمد بن عبدالله الحميري فيما كتب اليه وهو:

بسم الله الرحمن الرحيم .
اطال الله بقاك، وادام الله عزك وتأييدك، وسعادتك وسلامتك، واتم نعمته عليك، وزاد في احسانه اليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عندك، وجعلني من السوء فداك، وقدمني قبلك .
الناس يتنافسون في الدرجات، فمن قبلتموه كان مقبولا، ومن دفعتموه
____________
(1) رجال الشيخ : 419|23 و 423 | 2 بتصرف .
(2) رجال النجاشي : 354|949.
(3) الوجيزة : 48 .

( 18 )
كان وضيعاً، والخامل من وضعتموه ونعوذ بالله من ذلك ... الى آخر التوقيع (1).
وفيما سمعت كفاية لتوثيقه، بل التوقيع يعظم قدره ويسمو شأنه .
الثالث :في ثبوت انتساب الكتاب الى المؤلف .
فاقول : الظاهر ثبوت النسبة بالتواتر وصحة انتسابه، كما ينكشف ذلك عند التتبع في كلمات الاصحاب، لانا نراهم يروون اخبار الكتاب عن المؤلف من دون تأمل وارتياب، وتزلزل واضطراب، بشهرة عظيمة من قديم الايام وحديثها كما قال العلامة المجلسي رفع الله درجته : وكان قرب الاسناد من الاصول المعتبرة المشهورة، وكتبناه من نسخة قديمة مأخوذه من خط شيخنا محمد بن ادريس، وكان عليها صورة خطه هكذا: الاصل الذي نقلته منه كان فيه لحن صريح وكلام مضطرب، فصوّرته على ما وجدته خوفا من التغيير والتبديل (2) . انتهى .
اقول : ما يظهر من كلام ابن ادريس ان النسخة التي وقف عليها كان يوجد فيها اللحن والاضطراب، الا ان هذا لا ينافي صحة الكتاب، لانا لم نقف الآن على اضطراب في قرب الاسناد غير ما في سائر كتب احاديث الاصحاب من اختلاف الروايات في بعض الاحكام، هذا اذا حملنا كلامه على اضطراب اخباره، واما ان كان مراده - رفع الله مقامه - من نسبة اجزاءِ الكتاب الى واحد من المعصومين من دون تعرض للراوي - اعني المؤلف - ونسبة الجزء الاول الى محمد بن عبدالله، فقد وقفت على ما اجاب عنه العلامة المجلسي - رفع الله مقامه.
مضافاً الى انه لايبعد ان يكون المراد من لفظ قرب الاسناد معناه اللغوي، يعني :مجموع اخبار لراو من الرواة باقرب اسانيده الى واحد من المعصومين (عليهم السلام)، ولم يصل الينا الا جزءان من عبدالله الحميري، وجزء من ولده
____________
(1) الاحتجاج : 481 .
(2) بحار الانوار 1 : 26 .

( 19 )
محمد بن عبدالله الحميري (رحمهما الله تعالى) كما رايت وترى في كتاب قرب الاسناد المعروف .
ويظهر الحكم بصحة اخباره من بعض الاعلام كما قال المحقق الخونساري (رحمه الله تعالى) في المشارق عند الكلام في طهارة ما يوكل لحمه وروثه فانه بعد ما ذكر من انه وجد رواية في كتاب قرب الاسناد لعبدالله بن جعفر الحميري فذكر الرواية ثم قال : وهذه الرواية مع صحة سندها واضحة الدلالة على المطلوب، . .. الا ان يناقش فيها بعدم ثبوت انتساب الكتاب الى مؤلفه، ولا يخلو من بعد(1) .انتهى كلامه (رحمه الله).
اقول : لا يخفى على الخبير المتتبع ان الامر اوضح واجلى من ذلك : لان مثل ابن ادريس النقاد الخبير البصير على الاصول المعروفة ومؤلفيها قد استطرف نبذة من اخبار هذا الكتاب في اخر سرائره، عند استطرافه لاخبار أخر من الاصول والكتب، ومثله يجل ان يروي ما يرويه ويسنده من غير القطع في نسبته الى مؤلفة؛ لانا نرى انه يروي استطرافا عن غير واحد من الاصول مثل : نوادر البزنطي، وابان بن تغلب، وحريز السجستاني، وجميل بن دراج، ومن لا يحضره الفقيه لشيخنا الصدوق، والتهذيب للشيخ الطوسي، والرواية من قرب الاسناد في ضمن الرواية من الكتب والاصول التي سميناها، فمع التصريح على الاعتماد والتعويل عليها لا يبقى ريبٌ للخبير بصحة الاستناد عنده (رضي الله عنه).
هذا ولم ينكر احد من اجلاء اهل الرجال والاخبار اسناد الكتاب الى المؤلف، نعم اختلفوا في انه من الولد او والده، وهذا لا يضر، لان اهل الرجال وثقوا كليهما، فالخطب سهل .
الرابع :في وصف اخبار الكتاب .
____________
(1) مشارق ا لشموس : 299 .

( 20 )
فنقول :ان اخباره ليس على نهج واحد، فالجزء الثاني منه المروي كله عن عبدالله بن الحسن العلوي، عن جده علي بن جعفر،عن اخيه موسى (عليه السلام) يوصف بالضعف لمجهولية عبدالله المذكور بعدم ذكره في الرجال، كما ان صاحب الذخيرة روى عنه الرواية عند الكلام في نجاسة المسكرات ولم يوصفها بصحة ولا غيرها(1)، وهذا ظاهر في التضعيف، فان قيل : عدم تعرضه لا يدل على التضعيف اقول : كثيراً ما يذكرون الخبر غير الصحيح، بل واضح الضعف من دون التضعيف ولا سيما في مقام الاستدلال، بل قد اصر المحدث البحراني (رحمه الله) في الحدائق في مقام الرد على صاحب المدارك بانه كلما يذكر حديث عمار بن موسى الساباطي في مقام استدلاله على ادعائه يعبر عنه بموثق عمار وكلما يذكره في مقام رده يعبر عنه برواية عمار، والدعوتان وان لم تكونا تامتين على الاطلاق بل قد ثبت خلافهما، ولكن المتتبع لايجد بد من التصديق بصحتهما في المدارك في الجملة، وان اردت بسط الكلام فعليك بكتب الرجال المفصلة عند تعرضهم لترجمة عمار الساباطي .
هذا،ولكن يمكن ان يقال ان اخبار هذا الجزء تعد من الحسان، اما لدلالة رواية الثقة عنه اعني رواية محمد او والده عن عبدالله المجهول عندنا؛ لان الظاهر ان رواية الثقة الجليل عن شخص يدل على كونه موثقاً معتمداً عليه عند ذلك الثقة، وان جهلنا حاله، بل على شاذ القول على ما ببالي كشف الوثاقة المروي عنه اذا روى عنه ثقة جليل، وليس هذا ببعيد سيما في الروايات المدونة في الكتب الموضوعة للرجوع اليها، لانها كانت في الاوائل كالرسائل العملية عندنا اليوم، ولا يخفى اهتمام المؤلفين من الشيعة في امثال روايات هذه الكتب، لان مدارهم في الصدر الاول ما كان الا على كتب الرواية والاصول المدونة،
____________
(1) ذخيرة المعاد: 154 .

( 21 )
اللهم الا ان يدعى ان عادة كثير من اكابر السلف كانت على الرواية عن العدل وغيره .
والانصاف ان هذا التسامح قد وقع عن اكثرالاجلاء والاكابر، بل يمكن ان يقال ان العادة جارية بالرواية عمن لو سئل عن عدالته لتوقف فيها. فتامل جيداً.
واما لكثرة روايته عن جده، فان كثرة الرواية تدل على حسن حال الراوي عند جماعة كما روي عن مولانا ابي عبدالله (عليه السلام) انه قال : «اعرفوا منازل الرجال على قدر رواياتهم عنا».
وعنه (عليه السلام) ايضاً: اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا.
واما ما استظهره المجلسي الاول (رضي الله عنه) من ان المراد بقدر الرواية علو مفاد الاخبار التي لا تصلها عقول الاكثرين كما تواتر عنهم (عليهم السلام): ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان . فبعيد لظهور ظاهر الرواية في الرواية بلفظها، ولا ينصرف من الظاهر الى غيره بغير قرينة ظاهرة، والى هذا اشار صاحب المطالع (رحمه الله) عند الكلام في جواز العدول من السورة عند بلوغ النصف فانه قال : ويدل على المختار ما اوردناه عن قرب الاسناد - الى ان قال - وقد عرفت ان الثقة الجليل محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري رواه عن عبدالله ابن الحسن العلوي، ،عن جده علي بن جعفر، ولا كلام في هذا السند الا من جهة عبدالله بن الحسن، فان علماء الرجال لم يتعرضوا له، لكن يظهر من كثرة رواية الحميري الثقة الجليل عنه تعويله عليه، ومنه يظهر حسن حاله ككثرة روايته عن جده علي بن جعفر، فلا يبعد ان تعد احاديثه من الحسان .
وقريب من ذلك ما ذكره عند الكلام في تصرف الوالد في مال الولد، فانه ذكر بعد نقل روايته عن قرب الاسناد: وليس في سنده من يتامل في شأنه الا
( 22 )
عبدالله بن الحسن، وكثرة روايته عن جده علي بن جعفر تدل على حسن حاله . انتهى كلامه (رحمه الله).
واما ما ترى من الاصحاب من تصحيح ما يروونه عن علي بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، حتى انه ربما جعل ما رواه عنه في المنتقى من الصحاح، فهو بملاحظة رواية المحمدين الثلاثة عنه بوسائطهم ظاهراً كما وقع التصريح بذلك في كلماتهم، منه ما ذكره المحقق الشيخ حسن (رحمه الله) في فقه المعالم عند احتجاجه على نجاسة اهل الكتاب قال : واحتجوالنجاسة اهل الكتاب ايضاً بعموم الآيتين - الى ان قال - فمنها: ما رواه الشيخ عن علي أبن جعفر في الصحيح - الى ان قال - وروى الكليني عن علي بن جعفر في الصحيح ايضاً عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) قال : سألته عن مواكلة... -الى ان قال - ومنها: ما رواه الشيخ - في الصحيح -عن علي بن جعفر ايضاً، عن اخيه موسى (عليه السلام) انه سأله ... الحديث . ونظائره لا تخفى على الخبير باقوال العلماء (رضي الله عنهم). نعم قدح هذا التصحيح المحقق الخونساري (رحمه الله) في المشارق عند الكلام في حرمة مس المحدث للقرآن الكريم نظراً الى ان للشيخ (رضي الله عنه) الى علي بن جعفر ثلاث طرق على ما نقل : احدها ما ذكره في آخر التهذيب : من ان ما ذكرته فيه عن علي بن جعفر فقد اخبرني به الحسين بن عبيدالله، عن احمد بن محمد بن يحيى، عن ابيه محمد بن يحيى، عن العمركي النيسابوري البوفكي، عن علي بن جعفر. وهذا الطريق ليس بصحيح وان وصفه العلامة في الخلاصة، لان فيه حسين بن عبيدالله الغضائري، ولم ينص الاصحاب على توثيقه .
والاخران ما نقلهما في فهرسته، وهذان الطريقان وان كانا صحيحين الا انه قال في الفهرست في اثناء ذكر علي بن جعفر كلاماً بهذه العبارة : وله كتاب المناسك، ومسائل لاخيه موسى الكاظم بن جعفر(عليهما السلام) سأله عنها
( 23 )
اخبرنا بذلك، وفي بعض النسخ اخبرنا به جماعة.. . الى اخر ما ذكره من الطريقين .
وهذه العبارة كما ترى ليست ظاهرة في ان كل ما يرويه الشيخ عن علي ابن جعفر انما هو بهذين الطريقين، اذ يجوز ان تكون تلك المسائل مسائل خاصة مجتمعة في كتاب مستقل مثلاً ولم يكن كل ما يرويه عنه داخلاًَ فيها(1).
وهذا الاحتمال مع انه خلاف الظاهر بعيد عن مثل الشيخ، لانه نحو تدليس، مضافاً الى ان بعض الاعلام قد صرحوا بان كتاب مسائل علي بن جعفر مندرج في قرب الاسناد، وعبارة اخبرني جماعة ظاهرة بل نص لركون نفس الراوي الى ما يرويه عموماً.
نعم اذا كان للراوي طرق متعددة صحيحة وغير صحيحة، وارسل الخبر دون تعرض للطريق تلويحاً وتصريحاً، يمكن حمله عقلاًَ على طريقة الضعيف، بل في بعض الاحيان مقتض، الاحتياط التأمل في الفتيا بمضمون الخبر في مثل المقام، لكن يدفعه تصريح الشيخ بطريقه الثلاثة الى علي بن جعفر، بحيث يرفع الاحتمال الا في بعض الروايات المعدودة، فلا يتوقف في عموم ما يرويه الشيخ عن علي بن جعفر(رضي الله عنه).
هذا هو الكلام في الجزء الاول من هذا الكتاب - اعني قرب الاسناد - على ما يوافقه السند المذكور.
فاما الجزئين الاخيرين فاخبارهما تابعة لاسانيدهما كسائر المسندات، اعني عل الناظر في اخبارهما ان يصحح كل خبر منهما، ويحكم بصحة الخبر او سقمه حسبما يقتضيه الاسناد،وعلى هذا قد جرى كثيرمن الاعلام
منهم : صاحب المطالع (رحمه الله) عند الكلام في اصالة العدالة في المسلم
____________
(1) مشارق الشموس: 13 .

( 24 )
- بعد ذكر الصحيحة المروية في الكافي عن زرارة عن مولانا جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) - قال : ان هذا الحديث رواه الثقة الجليل محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد بسند صحيح عنه ايضاً، لانه رواه عن محمد بن احمد، عن البزنطي .
ومنهم : الشيخ الفاضل الجليل سليمان البحراني في كتابه معراج اهل الكمال عند الكلام في ترجمة احمد بن محمد بن ابي نصر: ان في الاخبار المنقولة عن ائمتنا (عليهم السلام) مما يدل على الطعن عليه من وجوه ... الى ان قال (رضي الله عنه): ما رواه الثقة الجليل عبدالله بن جعفر الحميري في كتابه قرب الاسناد في الجزء الثالث منه بطريق صحيح عن احمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن ابي نصر... الى اخر ما استدل به لمراده (رحمه الله)(1).
ومنهم : العلامة المحقق المدقق السبزواري في الذخيره عند الكلام في نجاسة المسكرات قال (رحمه الله): حجة القول بالطهارة صحيحة الحسن بن ابي سارة . .. الى ان قال : وما رواه الثقة الصدوق عبدالله بن جعفر في كتاب قرب الاسناد- في الصحيح -عن علي بن رئاب قال : سألت ابا عبدالله (عليه السلام)(2).
والتصحيح هو الصحيح، فان رجال السند: احمد وعبدالله ابني محمد بن عيسى، عن علي بن رئاب، وهم مصرحون بالتوثيق .
ومن الغريب نقل السيد السند هذا لخبر في المدارك (3)، وسكوته طاب ثراه عن التصحيح، ولعله لعدم ثبوت تواتر الكتاب او تأمل في رجاله، وكل منهما في غيرمحله بناء على المشهورالمنصور.
ومنهم :النحرير القمقام صاحب كشف اللثام في مواضع :
____________
(1) معراج الكمال : 151 - 153 .
(2) ذخيرة المعاد: 154.
(3) مدارك الاحكام 2 : 291 .

قبل صلة