رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 136 ـ 150
(136)
الأجلة (1).
    هذا مع اقتضاء عدم الطهارة بإشراق الشمس العُسر والحرج المنفيين آيةً (2) وروايةً (3) ، مع منافاته الملّة السهلة السمحة ، مع إطباق الناس كافة في جميع الأزمنة على عدم إزالة النجاسة عن أمثالها بالماء ، والاكتفاء بالتطهير بالشمس خاصة فيما عدا الأمور المنقولة في أيّ نجاسة. فلا ريب في المسألة بحمد اللّه سبحانه.
    ( وهل تطهّر النار ما أحالته ) (4) رماداً أو دخاناً ؟ ( الأشبه نعم ) وهو الأشهر ، بل عليه الإجماع في دخان الأعيان النجسة كما عن المنتهى والتذكرة (5) ، ورمادها كما عن صريح الخلاف وظاهر المبسوط (6) ، وفيهما معاً كما عن السرائر (7) ؛ وهو الأصل.
    مضافاً إلى أصالة الطهارة السالمة عمّا يعارضها من الأدلة ، سوى استصحاب النجاسة ، وهو مع عدم كون المقام محلّه اتفاقاً معارض بمثله في طرف الملاقي ، وقد مرّ إلى نظيره الإشارة (8). مع أن الأحكام الشرعية تابعة للأسماء الزائلة بالاستحالة.
    ومنه ينقدح الوجه في طهارة كل ما وقع فيه الاستحالة ، بنار كانت أو غيرها.
    ومن الأدلة في المسألة : الخبران ، في أحدهما الصحيح : عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ويجصّص به المسجد ، أيسجد عليه ؟ فكتب‏
1 ـ اُنظر الذخيرة 171 ، الوسائل 3 : 453.
2 ـ البقرة : 185 ، الحج : 78.
3 ـ عوالي اللآلي 1 : 381/5 ، وانظر الوسائل 14 : 155 أبواب الذبح ب 39 ح 4 ، 6.
4 ـ في المختصر المطبوع : وهل تطهر ( أيّ شمس ) ؟ الاشبه نعم ، نعم ، والنار ما احالته.
5 ـ المنتهى 1 : 180 ، التذكرة 1 : 8.
6 ـ الخلاف 1 : 499 ، المبسوط 6 : 283.
7 ـ السرائر 3 : 121.
8 ـ راجع ص 130.


(137)
إليه بخطّه : « إن الماء والنار قد طهّراه » (1).
    وفي الثاني المروي في قرب الإسناد ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام : عن الجصّ يطبخ بالعذرة أ يصلح أن يجصّص به المسجد؟ قال : « لا بأس » (2).
    والمناقشة في دلالتهما واهية ، كيف لا ؟! وهما صريحتا الدلالة على جواز تجصيص المسجد ( الممنوع من أن يدخل عليه مثل هذه النجاسة بإجماع الطائفة ) (3) بالجصّ ـ المسؤول عنه في الرواية ـ مع كونه مختلطاً برماد العذرة البتة. وهو الوجه في دلالة الرواية ، لا ما توهّم منه واُوردت به المناقشة.
    وبالجملة : لا ريب في الطهارة.
    خلافاً للمبسوط في دخان الأعيان النجسة (4) ؛ لوجه اعتباري مدفوع بما قدّمناه من الأدلة.
    وللماتن في الشرائع في كتاب الأطعمة حيث تردّد على الإطلاق في الطهارة (5). والمناقشة فيه بعد ما مرّ واضحة.
    ثمَّ إن من أصالة الطهارة المؤسّسة هنا وفي المسألة السابقة يظهر وجه القوة في القول بالطهارة في كل ما وقع الخلاف في ثبوتها فيه من الأشياء المستحيلة استحالةً لا يقطع معها بالخروج عن الأسماء السابقة ، كصيرورة الأرض النجسة آجراً أو خزفاً أو نورة أو حصّاً ، والعود النجس فحماً ، ونحو ذلك.
    لكن ربما يعتضد في ترجيح استصحاب النجاسة باستصحاب شغل الذمة اليقيني بالعبادة ، الغير الحاصلة بالصلاة عليها أو مع ما لاقاها من الثياب‏
1 ـ الكافي 3 : 330/ 3 ، الفقيه 1 : 175/829 ، التهذيب 2 : 235/928 ، الوسائل 3 : 527 أبواب النجاسات ب 81 ح 1.
2 ـ قرب الإسناد : 290/1147 ، الوسائل 5 : 291 أبواب احكام المساجد ب 65 ح 2.
3 ـ ما بين القوسين في « ش » .
4 ـ المبسوط 6 : 283.
4 ـ الشرائع 3 : 226.


(138)
المساورة لها بالرطوبة ، فترجيحه بالإضافة إلى هذه الصورة ، والرجوع فيما عداها إلى أصالة الطهارة المستفادة من الأدلة العامة غير بعيد إن لم يكن مثله إحداث قول في المسألة.
    وكيف كان : الأحوط مراعاة أصالة النجاسة البتة وإن كان القول بترجيح أصالة الطهارة مطلقاً لا يخلو عن قوة حتى في العبادة ؛ نظراً إلى أن أصالة بقاء شغل الذمة فيها مندفعة بعدم معلومية النجاسة ، وبه يحصل البراءة القطعية. كيف لا ؟! واشتراط الطهارة في الصلاة ليس اشتراطاً للواقعية منها بل للظاهرية ، بمعنى وجوب التنزه فيها عن معلوم النجاسة ، فيرجع الشرط إلى عدم العلم بالنجاسة ، ولذا في المصلّي معها جاهلا قلنا بالمعذورية ، فالبراءة اليقينية بمجرد عدم العلم بالنجاسة حاصلة ، فقد خلت عن المعارض ـ زائداً على أصالة النجاسة ـ أصالة الطهارة ، ويجب الرجوع فيما تعارضا فيه إلى أصالة الطهارة العامة المستفادة من قوله عليه السلام في الموثقة : « كل شي‏ء طاهر حتى تعلم أنه قذر » وأمثاله كثيرة.
     ( وتطهّر الأرض ) بالمشي عليها أو الدلك بها مع يبوستها ( مطلقاً ) (1) طاهرةً كانت أم لا ، كما عن جماعة من أصحابنا (2) ، واستفيد من بعض أخبارنا (3) ، أو مطلقاً ولو كانت رطبة ، كما هو مقتضى ( إطلاق ) (4) أكثر النصوص والفتاوي.
    ( باطن الخف ) وهو أسفله الملاصق لها ( و ) أسفل ( القدم مع زوال ) عين ( النجاسة ) بها إن كانت ذات عين ، وإلّا كفى مسمّى المشي عليها مطلقاً.
1 ـ ليست في « ش » .
2 ـ منهم العلامة في نهاية الإحكام 1 : 291 ، والشهيد الثاني في الروضة 1 : 66.
3 ـ الكافي 3 : 39/5 ، مستطرفات السرائر : 27/8 ، الوسائل 3 : 458 ، 459 أبواب النجاسات ب 32 ح 3 ، 9.
4 ـ ليست في « ش » .


(139)
    و لا خلاف في أصل الحكم هنا في الجملة بين أصحابنا وإن اختلفوا فيما يطهّر بها : فبين مقتصر على الأمرين كما هنا ، ومبدّل للأخير بالنَعل كما عن العلّامة (1) ، ومزيد له عليهما كما هو الأشهر بين أصحابنا ، بل ربما ادعي عليه وفاقنا (2) ، ومعمّم للثلاثة وغيرها مما يجعل للرجل وقاءً كما عن الإسكافي » (3).
    وهو أقوى ، وفاقاً لبعض أصحابناً (4) ، واقتضاه التدبر في أخبارنا ، نظراً إلى التعليل في المستفيض منها بأن الأرض يطهّر بعضها بعضاً ، هذا مضافاً إلى الأصل الذي مضى مراراً ، وإن كان الاقتصار على الثلاثة أحوط وأولى من دون تأمل فيها ، للتصريح بها في الأخبار.
    ففي النبويين : « إذا وطئ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب » . كما في أحدهما (5).
    وفي الآخر بدل الخفّ : النعل (6).
    وفي الصحيح : رجل وطئ عذرة فساخت رجله فيها أينقض ذلك وضوءه ، وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : « لا يغسلها إلّا أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلّي » (7).
    ونحوه الصحيحان وفي أحدهما : « لا بأس ، إن الأرض يطهّر بعضها بعضاً » (8).
1 ـ المنتهى 1 : 178.
2 ـ اُنظر المدارك 2 : 372.
3 ـ على ما نقل عنه المحقق في المعتبر 1 : 447.
4 ـ كالشهيد الثاني في روض الجنان : 170 ، والمسالك 1 : 18. والمحقق الثاني في جامع لمقاصد 1 : 179 ، وصاحب الحدائق 5 : 455.
5 ـ سنن أبي داوود 1 : 105 /386.
6 ـ سنن أبي داوود 1 : 105/385.
7 ـ التهذيب 1 : 275/809 ، الوسائل 3 : 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 7.
8 ـ الكافي 3 : 38/2 ، الوسائل 3 : 457 أبواب النجاسات ب 32 ح 2.


(140)
    و في الثاني : « لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك » (1).
    واشتراط هذا الشرط محكي عن الإسكافي (2).
    خلافاً للأكثر فلا ؛ تبعاً لإطلاق أكثر النصوص والفتاوي ، والتفاتاً إلى قرب احتماله الحمل على الغالب. وهو أقوى ، بل التدبر في الأخبار يقتضي الاكتفاء بالمسح بالأرض مطلقاً ولو لم يكن هناك مشي أصلاً.
    وكيف كان : النصوص ما بين مصرّح بالقدم وعام له ، إمّا بترك الاستفصال أو التعليل العام ، فالتوقف فيه ـ كما عن التحرير والمنتهى (3) ـ ضعيف جداً.
    وقد جمع بينهما المعتبر المروي في السرائر ، مسنداً عن مولانا الصادق عليه السلام ، وفيه : مررت فيه ـ أي الزقاق القذر ـ وليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : « أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ « فقلت : بلى ، قال : « لا بأس ، إن الأرض يطهّر بعضها بعضا » (4).
    وفي ظاهره ـ كما ترى ـ إشعار بل دلالة على اعتبار اليبوسة.
    ونحوه الخبر : عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافياً ، فقال : « أليس وراءه شي‏ء جافّ؟ » قلت : بلى ، قال : لا بأس ، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا » (5).
    إلّا أن في سنديهما قصوراً مع عدم جابر لهما هنا ، لإطباق أكثر النصوص والفتاوي بالإطلاق جداً ، مع اعتضاده بالأصل الذي مضى. فهو أقوى ، إلّا أن اعتبار الجفاف أحوط وأولى.
1 ـ الكافي 3 : 38/1 ، الوسائل 3 : 457 أبواب النجاسات ب 32 ح 1.
2 ـ حكاه عنه في الذكرى : 15.
3 ـ التحرير 1 : 25 ، المنتهى 1 : 179.
4 ـ مستطرفات السرائر : 27/8 ، الوسائل 3 : 459 أبواب النجاسات ب 32 ح 9.
8 ـ الكافي 3 : 39/5 ، الوسائل 3 : 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 3.


(141)
    و نحوه الكلام في اعتبار الطهارة ، بل هو أولى بالعدم ، لعدم الإيماء إليه في النصوص أصلاً ، إلّا ما ربما يتوهم من بعض الصحاح (1) ، وليس كذلك ظاهرا.
    ( وقيل ) كما عن المبسوط والخلاف والسرائر (2) ( في الذّنوب (3) إذا يلقى على الأرض النجسة بالبول أنها تطهّر مع بقاء ذلك الماء على طهارته ) لنبوية عامية ضعيفة قاصرة الدلالة (4) ، ومع ذلك فهي معارضة بمثلها ممّا تضمّن ـ في تلك الحكاية التي تضمنتها الرواية ـ أنه صلّى اللّه عليه وآله أمر بإلقاء التراب الذي أصابه البول وصبّ الماء على مكانه (5) ، فالرجوع في تطهيرها إلى مقتضى القواعد أولى ، وفاقا لأكثر متأخري أصحابنا (6).
     ( ويلحق بذلك النظر في الأواني ) استعمالاً وتطهيراً.
     ( أواني الذهب والفضة )
    ( ويحرم منها ) من حيث ال ( استعمال أواني الذهب والفضة ( مطلقاً ( في الأكل ) كان ( أو غيره ) كالشرب وغيره ، إجماعاً ، كما عن التحرير والذكرى في الأولين خاصة (7) ، وعن الأول والمنتهى والتذكرة في غيرهما أيضاً (8).
1 ـ الوسائل 3 : 457 أبواب النجاسات ب 32 ح 1 ، وانظر الحدائق 5 : 456.
2 ـ المبسوط : 92 ، الخلاف 1 : 494 ، السرائر 1 : 188.
3 ـ الذنوب : الدلو فيها ماء ... ، وقيل : هي الدلو الملأى ... قيل : هي الدلو العظيمة.لسان العرب 1 : 392.
4 ـ اُنظر سنن أبي داوود 1 : 103/380 ، وعمده القارئ في شرح البخاري 3 : 127 ، 128/83 ، 84 ، وسن البيهقي 2 : 428.
5 ـ سنن أبي داوو 1 : 103/381.
6 ـ منهم المحقق في المعتبر 1 : 449 ، والعلامة في القواعد 1 : 8 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1 : 179 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 57.
7 ـ التحرير 1 : 25 ، الذكرى : 18.
8 ـ التحرير 1 : 25 ـ 26 ، المنتهى 1 : 186 ، التذكرة 1 : 67.


(142)
    و النصوص بالأولين مستفيضة من الطرفين :
    ففي العاميين أحدهما النبوي : « لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة » (1).
    وثانيهما المرتضوي : « الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه ناراً » (2).
    وفي الصحيح : « لا تأكل في آنية فضة ولا في آنية مفضّضة » (3).
    وظاهرها ـ كغيرها ـ اختصاص النهي بالأوّلين ، وليس في التعدية إلى غيرهما مع مخالفتها الأصل حجّة من النصوص سوى إطلاق بعضها ، كالصحيح : عن آنية الذهب والفضة فكرهها ، فقلت : قد روي أنه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبّسة فضة ، فقال : « لا واللّه إنما كانت لها حلقة من فضّة » الخبر (4).
    والخبرين ، في أحدهما : « نهى عن آنية الذهب والفضة » (5).
    وفي الثاني : « آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون » (6).
1 ـ سنن البيهقي 1 : 28 ، صحيح البخاري 7 : 99.
2 ـ صحيح مسلم 3 : 1634/1 و2 ، رواه عن النبي صلي عليه واله وسلم ، وكذالك في عوالي اللآلي 2 : 210/138 و139 ، وعنه في المستدرك 2 : 598 أبواب النجاسات ب 42 ح 1. وفي الجميع : « يجرجر في بطنه نار جهنم » .
3 ـ الكافي 6 : 267/3 ، التهذيب 9 : 90/386 ، الوسائل 3 : 509 أبواب النجاسات ب 66 ح 1.
4 ـ الكافي 6 : 267/2 ، التهذيب 9 : 91/390 ، المحاسن : 582/67 ، الوسائل 3 : 505 أبواب النجاسات ب 65 ح 1.
5 ـ الكافي 6 : 267/4 ، المحاسن : 581/59 ، الوسائل 3 : 506 أبواب النجاسات ب 65 ح 3.
6 ـ الكافي 6 : 268/7 ، المحاسن : 582/62 ، الوسائل 3 : 507 أبواب النجاسات ب 65 ح 4.


(143)
    لكنها مع قصور سند أكثرها ـ وإن أمكن بالشهرة جبرها ـ قاصرة الدلالة ؛ لاحتمال انصراف إطلاق النهي فيها إلى أغلب الاستعمال منها في العرف والعادة ، وهو الأوّلان خاصة.
    هذا ويزيد ضعف الدلالة في الصحيحة بأعمية الكراهة فيها من الحرمة.
    هذا مع ما يستفاد من بعض الصحاح المروي عن المحاسن من حصر المنع في الشرب خاصة ؛ إذ فيه : عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة من فضة ؟ قال : « نعم ، إنما يكره ما يشرب به » (1).
    فإذاً : العمدة في التعدية إلى ما عداهما هو الإجماعات المحكية ، مضافاً إلى الشهرة العظيمة التي لا يبعد أخذها جابرة لقصور ما مضى من الروايات سندا ودلالة.
    وليس في شي‏ء منهما (2) الدلالة على حرمة نفس الاتخاذ من دون استعمال بالمرة وإن حكم بها جماعة (3) ، بل وربما ادعي عليه الشهرة (4) ، ووجّه بوجوه اعتبارية وإطلاقات الروايات المتقدمة. ولا يقاوم شي‏ء منهما أصالة الإباحة ، مع انتقاض الأول بما لا خلاف في إباحة اتخاذه بين الطائفة ، وضعف الثاني بما مرّ من المناقشة. لكن الأحوط مراعاتهم البتة.
    ثمَّ الأصل واختصاص النصوص بحكم التبادر بالأواني المتعارفة يقتضي المصير إلى جواز اتخاذ نحو المكحلة وظرف الغالية ونحوهما من الأواني الغير المتبادرة من إطلاق لفظ الآنية ، هذا مضافا إلى الصحيح : عن التعويذ يعلّق‏
1 ـ المحاسن : 583/69 ، الوسائل 3 : 511 أبواب النجاسات ب 67 ح 5 ، 6.
2 ـ في « ح » : منها.
3 ـ المعتبر 1 : 456 ، القواعد 1 : 9 ، ايضاح الفوائد 1 : 32.
4 ـ كما ادعاه صاحب المدارك 2 : 380 ، والسبزواري في الكفاية : 14.


(144)
على الحائض ؟ فقال : « نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد » (1) والاحتياط لا يخفى.
     ( وفي ) جواز استعمال ( المفضّض قولان ، أشبههما ) وأشهرهما ، بل عليه عامة المتأخرين ( الكراهية ) للأصل والمعتبرة ، منها الصحيح : عن الشرب في القدح فيه ضبّة من فضة ، قال : « لا بأس إلّا أن تكره الفضة فتنزعها » (2).
    والحسن : « لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض ، واعزل فمك عن موضع الفضة » (3).
    خلافاً للخلاف ، فساوى بينه وبين آنية الفضة ؛ ، للصحيح أو الحسن : « لا تأكل في آنية فضة ولا في آنية مفضّضة » (5).
    والموثق عن مولانا الصادق عليه السلام : « أنه كره الشرب في الفضة والقدح المفضّض ، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضّض ، والمشط كذلك » (6).
    وليس فيهما مكافاة لما مرّ من الأدلة ، فلتحمل على الكراهة.
    والمناقشة فيه بعدم الصحة من حيث استلزامه استعمال النهي في معنييه الحقيقيين ، أو الحقيقي والمجازي ، وهما فاسدان على الأشهر بين الطائفة.
1 ـ الكافي 3 : 106/4. الوسائل 3 : 511 أبواب النجاسات ب 67 ح 2.
2 ـ التهذيب 9 : 91/391 ، المحاسن : 582/65 ، الوسائل 3 : 509 أبواب النجاسات ب 66 ح 4.
3 ـ التهذيب 9 : 91/392 ، الوسائل 3 : 510 أبواب النجاسات ب 66 ح 5.
4 ـ الخلاف 1 : 69.
5 ـ تقدم مصدره في ص : 137.
6 ـ الكافي 6 : 267/5 ، الفقيه 3 : 222/1032 ، التهذيب 1 : 90/387 ، المحاسن: 582/66 ، الوسائل 3 : 509 أبواب النجاسات ب 66 ح 2. المدهن بضم الميم والهاء : ما يجعل فيه الدهن ، وهو من النوادر التي جاءت بالضم وقياسه الكسر. المصباح المنير : 202.


(145)
    ممنوعة ؛ لاحتمال تعدد حرف النهي في الصحيحة ، بجعل الواو فيها للاستئناف وتقدير المنهي عنه ثانيا بنحو ما نهي عنه أوّلا ، هذا.
    ولو سلّم كون الواو فيها للعطف قطعاً يحتمل أن يراد بالنهي المعنى المجازي العام الشامل لكل من الحقيقة والمجاز.
    وبالجملة : أمثال هذه الاحتمالات وإن بعدت لكنها ممكنة ، فينبغي ارتكابها جمعا بين الأدلة ، نظراً إلى رجحان الأدلة الأوّلة بموافقة الأصل والكثرة والشهرة العظيمة ، وإطلاق الكراهة المحتملة لكل من الحرمة والكراهة الاصطلاحية في الثانية.
    ولا تأبى الاُولى عن حمل النهي الثاني فيها على الكراهة بعد قيام القرينة وإن كان فيه نوع مخالفة للحقيقة وسياق العبارة ، ولكن لا يلزم منه ورود المناقشة المزبورة.
    وأظهر منه الكلام في الثانية ؛ لأعمية الكراهة فيها ، فيراد بها الحرمة التي هي أحد أفرادها بالإضافة إلى الفضة ، والكراهة الاصطلاحية بالإضافة إلى المفضّضة ، ولا مانع فيه من جهة القاعدة الاُصولية.
    وفي وجوب عزل الفم عن محل الفضة قولان ، الأشهر : نعم ؛ لظاهر الأمر في الحسن ، وهو الأظهر.
    خلافاً للمعتبر فالاستحباب ؛ للأصل ، وإطلاق الصحيح أو عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال (1).
    وضعفهما ظاهر بعد ما مرّ ، لوجوب التقييد ، وإن أمكن الجمع بالاستحباب ، لرجحانه عليه في كل باب ؛ مع كونه مجمعا عليه بين الأصحاب.
1 ـ المعتبر 1 : 455.

(146)
     ( وأواني المشركين ) وكذا سائر ما يستعملونه عدا الجلود الغير المعلومة تذكيتها ( طاهرة ) لا يجب التورّع عنها ( ما لم يعلم نجاستها بمباشرتهم أو بملاقاة النجاسة ) لها ، بلا خلاف أجده ، إلّا ما يحكى عن الخلاف من إطلاق النهي عن استعمالها ، مدعياً عليه الإجماع (1). ومخالفته غير معلومة ، لاحتمال إرادته من الإطلاق صورة العلم بالمباشرة ، كما يستفاد من سياق أدلته المحكية ، ولعلّه لذا أن أصحابنا لم ينقلوا عنه الخلاف في المسألة.
    والأصل فيها بعد الاتفاق على الظاهر : الأصل ، والعمومات ، وخصوص الصحاح المستفيضة ونحوها من المعتبرة.
    ففي الصحيح : إني اُعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليّ ، فأغسله قبل أن أصلّي فيه ؟ فقال عليه السلام : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن نجاسته ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه » (2).
    وهي وإن اختصت مواردها بما ليس مفروض العبارة منها ، إلّا أنّ عدم القول بالفرق مع التعليل العام في بعضها كما مضى يدفع المناقشة عن الاستدلال بها هنا.
    إلا أنها معارضة بأخبار اُخر مطلقة للمنع عن استعمال أوانيهم وثيابهم ، فمنها : « لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها » (3).
    ومنها : عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي ويشرب الخمر
1 ـ الخلاف 1 : 70.
2 ـ التهذيب 2 : 361/1495 ، الاستبصار 1 : 392/1497 ، الوسائل 3 : 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.
3 ـ الكافي 6 : 264/5 ، الوسائل 3 : 419 أبواب النجاسات ب 14 ح 1.


(147)
فيردّه ، أيصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ قال : « لا يصلّي فيه حتى يغسله » (1).
    لكنها ؛ مع عدم مكافاتها لما مرّ عدداً واعتباراً من وجوه شتى ، ومنها ـ وهو أقواها ـ اتفاق أصحابنا على العمل بها ؛ محمولة على الاستحباب أو العلم بالمباشرة ، كما فصّله بعض الروايات المتقدمة.
    ثمَّ إن ظاهر العبارة ـ كغيرها وجميع ما مضى من الأدلة ـ اعتبار العلم بالنجاسة ، وعدم الاكتفاء بالمظنة ، وإن استندت إلى قرائن خارجية ، أو عدل واحد ، أو بيّنة شرعية.
    خلافاً لجماعة فاكتفوا بها ، إمّا مطلقاً (2) ، أو مقيّداً بالثاني (3) ، أو بالثالث (4) ، وهو في الظاهر أشهر أقوالهم وأحوطها وإن لم ينهض عليه دليل يطمئن النفس إليه أصلا.
    وأمّا الأوّلان فينبغي القطع بضعفهما جدّا ، كيف لا ؟! وفي الصحيح : قلت : فإن ظننتُ أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمَّ صلّيت فرأيت فيه ، قال : « تغسله ولا تعيد الصلاة » قلت : لم ذاك ؟ قال : « لأنك كنت على يقين من طهارتك ثمَّ شككت فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبداً » (5).
    مع أن أغلب صور المسألة المفروضة في العبارة حصول المظنة القوية القريبة من العلم في العرف والعادة ، التي هي قد تكون أقوى من الظنون التي‏
1 ـ التهذيب 1 : 361/1494 ، الاستبصار 1 : 393/1498 ، الوسائل 3 : 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.
2 ـ حكاه عن أبي الصلاح الحلبي في الحدائق 5 : 244.
3 ـ الحدائق 5 : 251.
4 ـ كما في المنتهى 1 : 9.
5 ـ التهذيب 1 : 421/1335 ، الاستبصار 1 : 183/641 ، علل الشرائع : 361 /1 ، الوسائل 3 : 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 1.


(148)
استند إليها هؤلاء الجماعة حتى من الحاصلة عن نحو البيّنة الشرعية ، ومع ذلك فقد حكمت الأخبار المتقدمة بالطهارة وانحصار الحكم بالنجاسة في العلم بالمباشرة.
     ( ولا يستعمل ) شي‏ء ( من الجلود إلّا ما كان طاهراً في حال حياته ) و ( مذكى ) فلا يجوز استعمال جلود نجس العين مطلقاً ، مذكّى كان أم لا ، في مشروط بالطهارة كان أم لا ، وكذا الميتة من طاهر العين مطلقاً ، دبغ أم لا.
    بلا خلاف أجده في الأول وإن لم أقف فيه على دليل إطلاق المنع عنه في غير المشروط بالطهارة ، عدا فحوى إطلاق النص المانع عن الانتفاع بالميتة (1) ، مع أنه معارض ببعض المعتبرة كالموثق : عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ ، قال : « لا بأس » (2) ونحوه غيره (3).
    وظاهر الاستبصار (4) العمل به ، حيث وجّه نفي البأس فيه إلى نفس الاستعمال لا إلى الطهارة ، إلّا أن العمل على الأوّل.
    وكذا لا خلاف في الثاني إلّا من الصدوق ، فجوّز الانتفاع به فيما عدا مشروط بالطهارة مطلقاً (5) ، للخبر : عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والسمن ما ترى فيه ؟ قال : « لا بأس أن تجعل فيها ما شئت من ماء أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيها » (6).
1 ـ اُنظر الوسائل 24 : 184 أبواب الاطعمة المحرمة ب 34.
2 ـ التهذيب 1 : 413/1301 ، الوسائل 1 : 157 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 16 مع اختلاف يسير.
3 ـ الكافي 6 : 258/3 ، الوسائل 1 : 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.
4 ـ كذا في النسخ ، ولكنا لم نعثر عليه في الاستبصار ، بل هو موجود في التهذيب 1 : 413/1301.
5 ـ الفقيه 1 : 9.
6 ـ الفقيه 1 : 9/15 ، الوسائل 3 : 463 أبواب النجاسات ب 34 ح5.


(149)
    و هو مع قصور سنده وشذوذه ـ نظراً إلى دلالته على الطهارة ـ معارض بعدة نصوص ، منها : الميتة ينتفع بشي‏ء منها ؟ قال : « لا » (1).
    وعن الإسكافي فجوّزه بعد الدبغ خاصة (2) ، بناءً على حصول الطهارة به ، للخبر : في جلد شاة ميتة يدبغ فيصبّ فيه اللبن أو الماء ، فأشرب منه وأتوضأ ؟ قال : « نعم » وقال : « يدبغ فينتفع ( به‏ ) ولا تصلّ فيه » (3).
    وهو ـ مع ما فيه ممّا في سابقة وزيادة هي موافقة العامة ـ معارض بإطلاقات المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة والإجماعات المحكية عن المختلف والمنتهى والذكرى (4).
    وربما اُيدت باستصحاب النجاسة السابقة. والأجود التأييد باستصحاب عدم جواز الانتفاع.
    ثمَّ إن اعتبار التذكية في العبارة يقتضي اعتبار العلم بها ، وإلحاق الجلد مع الجهل به بالميتة ، وبه صرّح جماعة من أصحابنا وإن اختلفوا في إطلاق الإلحاق (5) ، أو لزوم التقييد بالوجدان فيما عدا بلاد أهل الإسلام (6).
    خلافاً لنادر من المتأخرين (7) ، فاكتفى بالجهل بكونه جلد ميتة عن العلم بالتذكية ، وحكم بالطهارة ، للأصل. ويدفع بما يأتي. ولاستصحاب طهارة
1 ـ الكافي 6 : 259/7 ، التهذيب 2 : 204/799 ، الوسائل 3 : 502 أبواب النجاسات ب 61 ح 2.
2 ـ نقله عنه في المختلف : 64.
3 ـ التهذيب 9 : 78/332 ، الاستبصار 4 : 90/ 343 ، الوسائل 24 : 186 أبواب الاطعمة المحرمة ب 34 ح 7 ، وما بين المعقوفين اثبتناه من المصادر.
4 ـ المختلف : 64 ، المنتهى 1 : 191 ، الذكرى : 16.
5 ـ اُنظر روض الجنان : 212.
6 ـ التذكرة 1 : 94.
7 ـ المدارك 2 : 387.


(150)
الجلد والملاقي. ويعارض باستصحاب عدم التذكية.
    وللنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : عن الخفاف التي تباع في السوق ، فقال : « اشتر وصلّ فيها حتى تعلم أنه ميّت بعينه » (1) ونحوه غيره من الصحيحين (2).
    وهي مع عدم ظهورها في الدلالة ـ بناء على احتمال أن يراد من السوق سوق المسلمين ، بل هو الظاهر ، لأنه المعهود المتعارف زمن صدورها ، ولا كلام هنا ـ معارضة بمثلها من المستفيضة الصريحة الدلالة المعتضدة بالشهرة ، واستصحاب بقاء اشتغال الذمة بالعبادة المشروطة بالطهارة.
    ففي الموثق كالصحيح : « لا بأس في الصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام » قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ، قال : « إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس » (3).
    وفي نحوه : « وإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكل شي‏ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح » (4).
    وفي الحسن كالصحيح : « تكره الصلاة في الفراء إلّا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاته » (5).
    وفي الخبر : عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل‏
1 ـ الكافي 3 : 403/28 ، التهذيب 2 : 234/920 ، الوسائل 3 : 490 أبواب النجاسات ب 50 ح 2.
2 ـ الوسائل 3 : 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3 ، 6.
3 ـ التهذيب 2 : 368/1532 ، الوسائل 3 : 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 5.
4 ـ الكافي 3 : 397/1 ، التهذيب 2 : 209/818 ، الاستبصار 1 : 383/1454 ، الوسائل 3 : 408 أبواب النجاسات ب 9 ح ذيل حديث 6.
5 ـ الكافي 3 : 398/4 ، الوسائل 3 : 526 أبواب النجاسات ب 79 ح 1.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس