رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 166 ـ 180
(166)
السقوط بالنوافل النهارية دون الليليّة ، وهو ظاهر الأصحاب في غير الوتيرة ، من غير خلاف بينهم أجده ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها ـ زيادة على الصحيحة المتقدمة في نافلة المغرب ـ صحيحان آخران ، فيهما أيضا : « لا تدعهنّ في حضر ولا سفر » (1).
    وزيد في أحدهما : « وكان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر » (2).
    ونحوه آخر : « صلّ صلاة الليل والوتر والركعتين في المجمل » (3).
    ونحوهما في نافلتي الفجر الصحيح : « صلّهما في المحمل » (4).
     ( وفي سقوط الوتيرة قولان ) : مقتضى الأصل ـ زيادة على ما مر (5) ـ العدم ، كما عن النهاية والأمالي (6) ، مدّعيا أنه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به ، وبه صريح الرضوي (7) ، ورواية رجاء بن أبي الضحاك المروية عن العيون ، المتضمّنة لفعل مولانا الرضا عليه السلام في السفر كما حكي (8).
1 ـ الكافي 3 : 439/2 ، التهذيب 2 : 14/35 ، الوسائل 4 : 86 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 24 ح 1.
2 ـ التهذيب 2 : 15/39 ، الوسائل 4 : 90 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 25 ح 1.
3 ـ التهذيب 2 : 15/42 ، الوسائل 4 : 90 أبواب اعداد الفرائض ونوفلها ب 25 ح 2.
4 ـ الكافي 3 : 441/12 ، التهذيب 2 : 15/38 ، الوسائل 4 : 103 أبواب اهداد الفرائض ونوافلها ب 33 ح 1.
5 ـ في « ش » زيادة من ظهور النصوص في ان الساقط انما هو النوافل النهارية خاصة. وهي مذكوره في « ح » و « ل » بعنوان حاشيةمنه رحمه الله.
6 ـ النهاية : 57 ، أمالي الصدوق : 514.
7 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 100 المستدرك 3 : 63 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 1 بتفاوت يسير.
8 ـ العيون 2 : 178/5 ، الوسائل 4 : 83 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 8. حكي فيها انه عليه السلام كان لايصلي من نوافل النهار في السفر شيئأ.


(167)
    و قوّاه الشهيدان في الذكرى والروضة (1) ، للخبر المعلّل بأنّها زيادة في الخمسين تطوّعاً ، ليتمّ بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع (2).
    وردّ بقصور السند (3).
    ويمكن جبره بموافقة مضمونه لكثير من النصوص ، منها الصحيح : هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شي‏ء ؟ فقال : « لا ، غير أنّي اُصلّي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل » (4).
    وفي آخر : عن أفضل ما جرت به السنّة ، قال : « تمام الخمسين » (5).
    وفي الموثق : « لا تعدّهما من الخمسين » (6).
    إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّها ليست من الرواتب ، وزيدت لتمام العدد كما في بعضها (7) ، أو ليتدارك بها صلاة الليل لو فاتت ، وأنّها وتر تقدم لذلك كما في غيره (8) ، ولذا ما كان يصلّيها النبي صلّى اللّه عليه وآله لوجوب الوتر عليه كما فيه.
    وهذا القول في غاية القوّة لو لا ندرة القائل به ، فإنّ الشيخ قد رجع عنه في‏
1 ـ الذكرى : 113 ، الروضة 1 : 171.
2 ـ العيون 2 : 112 ، الفقية 1 : 290/1320 ، الوسائل 4 : 95 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 29 ح 3.
3 ـ كما في مجمع الفائدة والبرهان 2 : 8.
4 ـ الكافي 3 : 443/6 ، التهذيب 2 : 10/ 19 ، الوسئل 4 : 93 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 27 ح 1.
5 ـ الكافي 3 : 443/4 ، التهذيب 2 : 5/6 ، الوسائل 4 : 46 أبواب عداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 5.
6 ـ التهذيب 2 : 5/8 ، الوسائل 4 : 51 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 16.
7 ـ الكافي 3 : 443/2 ، التهذيب 2 : 4/2 ، الاستبصار 1 : 218/772 ، الوسائل 4 : 46 أبواب اعداد الفرائض ب 13 ح 3.
8 ـ علل الشرائع : 330/ 1 ، الرسائل 4 : 96 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 29 ح 8.


(168)
جملة من كتبه كالحائريات والجمل والعقود فيما حكاه عنه الحلّي (1) بل المبسوط أيضاً كما حكاه غيره (2).
    وأمّا الشهيد فهو وإن قوّاه لكن قال : إلّا أن ينعقد الإجماع على خلافه (3) ، مشعراً بنوع تردّد له فيه ، مع أنّ ظاهر إطلاق عبارته في الدروس واللمعة القول بالسقوط (4) ، كما هو المشهور على الظاهر ، بل المقطوع به المصرّح به في كلام كثير (5).
    بل في السرائر الإجماع عليه (6) ، وحكي أيضاً عن الغنية (7). وبهما يعارضَ إجماع الأمالي ـ مع رجحانهما عليه من وجوه ، وضعفه كذلك ، مع وهنه بشهرة خلافه ـ ويخصّص الأصل ، ويذبّ عن الرضوي وتالييه ، مع قصور سندها جميعاً ، وعدم جابر لها عدا ظهور ما مرّ من النصوص في اختصاص نوافل النهار بالسقوط ، ويترك بالإجماع المنقول الذي هو ـ مع التعدّد ـ نصّ ومعتضد بفتوى المشهور شهرة عظيمةً كادت تكون إجماعاً ، لندرة القائل كما مضى.
    ولكنّ المسألة مع ذلك محل إشكال ، فللتوقف فيها مجال ، كما هو ظاهر الفاضلين هنا وفي التحرير والمحقق المقداد (8) ، والصيمري ،
1 ـ الحائريات ( الرسائل العشر ) : 286 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 173 ، الحلي في السرائر 1 : 194.
2 ـ حكاه عنه في التنقيح الرائع 1 : 163 ، وهو في المبسوط 1 : 71.
3 ـ اُنظر الذكرى : 113.
4 ـ الدروس 1 : 137 ، الروضة 1 : 171
5 ـ كما في الذكرى 13 ، والتنقيح 1 : 163 ، والروضة 1 : 171
6 ـ السرائر 1 : 194.
7 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 564.
8 ـ التحرير 1 : 26 ، المقداد في التنقيح الرائع 1 : 163.


(169)
وغيرهم (1).
    والاحتياط يقتضي الترك إن كان المراد بالسقوط التحريم ، كما هو ظاهر النصوص والفتاوى ؛ وصريح الشيخ في كتابي الحديث عدم الاستحباب (2) ؛ فيكون فعله بقصد القربة تشريعاً محرّماً.
    ومنه يظهر ما في الاستدلال لعدم السقوط بالتسامح في أدلّة السنن ؛ إذ هو عند من يقول به يثبت حيث لا يحتمل التحريم ، وإلّا فلا تسامح قولاً واحداً.
    وليس في النصوص الدالّة على تسويغ قضاء النوافل النهارية في الليل (3) دلالة على مشروعيتها نهاراً ، حتى يجعل دليلاً على أنّ المراد بالسقوط حيث يطلق الرخصة في الترك ورفع تأكد الاستحباب. ولو سلّمت فهي معارضة ببعض الروايات السابقة (4) الدالة على عدم صلاحية النافلة في السفر كعدم صلاحية الفريضة فيه ، وعدم الصلاح يرادف الفساد لغة بل وعرفا مع شهادة السياق بذلك. فتأمّل جدّاً (5).
    ( ولكل ركعتين من هذه النوافل ) وغيرها من النوافل ( تشهّد وتسليم ) لأنّه المعروف من فعل صاحب الشريعة فيجب الاقتصار عليه ، لتوقيفيّة العبادة ، وللنبوي : « صلّوا كما رأيتموني اُصلّي » (6).
    ولخصوص مستفيضة من طرق العامة والخاصة ، ففي النبوي : « بين كل‏
1 ـ كالسبزواري في الكفاية : 15.
2 ـ التهذيب 2 : 16 ، الاستبصار 1 : 222.
3 ـ الوسائل 4 : 84 أبواب اعداد الفرائض ب 22.
4 ـ في ص 159.
5 ـ فان عدم الصلاحية بالاضافة الى الفريضة لتحريم اجماعأ ، فيكون بالاضافة الى نافلتها كذالك ايضأ. منه رحمه الله.
6 ـ عوالي اللآلي 1 : 197/8 ، سنن البيهقي 2 : 124 ، سنن الدار قطني 1 : 272/1.


(170)
ركعتين تسليمة » (1) وفي آخر : « صلاة الليل والنهار مثنى مثنى » (2).
    وفي الخبر المروي عن قرب الإسناد : عن الرجل يصلي النافلة ، أ يصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ ؟ قال : « لا ، إلّا أن يسلّم بين كل ركعتين » (3).
    وفي آخر مروي عن كتاب حريز : « وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم » (4).
    وظاهر الأدلّة كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة حرمة الزيادة على الركعتين والنقص عنهما من دون تشهّد وتسليم بعدهما ، وبها صرّح جماعة ، ومنهم الحلي في السرائر مدّعيا الإجماع عليه (5).
    خلافاً لظاهري الشيخ في الخلاف والفاضل في المنتهى (6) ، فعبّرا عن المنع بلا ينبغي ، والأفضل ، وادّعى الأوّل الإجماع عليه ، لكنّهما ذكرا بُعيد ذلك ما يعرب عن إرادتهما منهما التحريم ( بل صرّحا به أخيراً ) (7) فلا خلاف لهما.
    ( وللوتر ) تشهّد وتسليم ( بانفراده ) إجماعاً منّا على الظاهر ، المستظهر من عبارتي الخلاف والمنتهى (8) ، وبه صرّح جماعة من متأخّرينا (9) ؛ والصحاح‏
1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 419/1324.
2 ـ سنن ابن ماجة 1 : 419/1322.
3 ـ قرب الإسناد : 194/736 ، الوسائل 4 : 63 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 2
4 ـ مستطرفات السرائر : 71/1 ، الوسائل 4 : 63 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 3
5 ـ السرائر 1 : 193.
6 ـ الخلاف 1 : 200 ، المنتهى 1 : 196.
7 ـ ما بين القوسين ليس في « م » .
8 ـ الخلاف 1 : 527 ، المنتهى 1 : 195.
9 ـ منهم العلامة في المنتهى 1 : 195 ، والشهيد في الدروس 1 : 137 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 155.


(171)
به مستفيضة ، منها : عن الوتر أفصل أم وصلٌ ؟ قال : « فصل » (1).
    وظاهره كغيره لزومه ، ويقتضيه قاعدة توقيفيّة العبادة ، ولزوم الاقتصار على ما ثبت من صاحب الشريعة.
    والنصوص المرخّصة للوصل (2) شاذة غير مكافئة لما سبقها من وجوه شتّى ، وإن تضمّنت الصحيحين وغيرهما ، مع عدم صراحتهما ، لاحتمال حمل التسليم في الأوّلين المخيّر بينه وبين عدمه فيهما على التسليم المستحب ، يعنى « السلام عليكم » ولا بُعد فيه ، سيّما مع شيوع إطلاقه على الصيغة المزبورة في النصوص والفتاوي إطلاقاً شائعاً ، بحيث يفهم كون الإطلاق عليها حقيقيّاً وعلى غيرها مجازياً. وحينئذ التخيير فيها لا يفيد جواز الوصل في الوتر أصلاً ، لاحتمال تعيين لزوم الفصل بالصيغة الأخرى ، وليس في الرواية الأخيرة ـ مع ضعفها بالجهالة ـ إلّا قول مولانا الكاظم عليه السلام : « صله » بعد أن سئل عن الوتر (3). وهو كما يحتمل قراءته بسكون اللام يحتمل قراءته بكسرها وتشديدها ، ويكون إشارة إلى الأمر بفعلها.
    ولو لم تحتمل هذه النصوص شيئاً مما قدّمناه تعيّن طرحها ، أو حملها على التقية كما ذكره شيخ الطائفة ، قال : لأنّها موافقة لمذاهب كثير من العامة (4). مع أنّ مضمون حديثين منها التخيير (5) ، وليس ذلك مذهباً لأحد ، لأنّ من أوجب الوصل لا يجوّز الفصل ، ومن أوجب الفصل لا يجوّز الوصل.
1 ـ التهذيب 2 : 128/492 ، الاستبصار 1 : 348/1314 ، الوسائل 4 : 65 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 12.
2 ـ الوسائل 4 : 66 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 15 الاحاديث 16 ، 17 ، 18.
3 ـ التهذيب 2 : 129/496 ، الوسائل 4 : 66 أبواب اعداد الفرائض ب 15 ح 18.
4 ـ راجع التهذيب 2 : 129.
5 ـ الوسائل 4 : 66 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 16 ، 17.


(172)
( الثانية )
     ( في ) بيان ( المواقيت. )
    والمراد بها هنا مواقيت الصلاة الخمس ونوافلها.
    ( والنظر ) فيها يكون تارةً ( في تقديرها ) وتعيينها ( و ) اُخرى في ( لواحقها ).
     ( أمّا الأول : ) ( ف ) اعلم أن ( الروايات فيه مختلفة ) كالفتاوى ، بعد اتفاقهما على أنّ الزوال أوّل وقت الظهرين ، والغروب آخر وقتهما وأوّل وقت المغرب ، والفجر الثاني أوّل وقت صلاته ، وطلوع الشمس آخر وقتها. ويأتي الإشارة إلى مواضع اختلافاتهما في أثناء البحث إن شاء اللّه تعالى.
    ( ومحصّلها ) الذي عليه الفتوى ويظهر من الجمع بينها هو ( اختصاص الظهر عند الزوال بمقدار أدائها ) تامة الأفعال والشروط بأقلّ واجباتها بحسب حال المكلف ، باعتبار كونه مقيماً ومسافراً ، صحيحاً ومريضاً ، سريع القراءة والحركات وبطيئها ، مستجمعاً بعد دخول الوقت لشروط الصلاة أو فاقدها ، فإن المعتبر قدر أدائها وأداء شرائطها المفقودة.
    ( ثمَّ ) بعد مضي هذا المقدار من الزوال ( يشترك الفرضان في الوقت ، والظهر مقدّمة ) على العصر إلّا مع النسيان ، فيصح العصر لو صلّاها قبل الظهر ناسياً مطلقاً (1) ، وهذا فائدة الاشتراك ( حتى يبقى للغروب مقدار أداء العصر ) خاصّة على الوجه المتقدم فيختص العصر به.
    ( ثمَّ يدخل وقت المغرب ، فإذا مضى مقدار أدائها ) على الوجه الذي مضى ( اشترك الفرضان ، والمغرب مقدمة ) على العشاء إلّا في صورة
1 ـ أي من دون فرق بين وقوع العصر بتمامها في الوقت المشترك او بعضها. منه رحمه الله.

(173)
الاستثناء ( حتى يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء ) بالنحو الذي مضى فيختص به.
     ( وإذا طلع الفجر ) الثاني وهو المعترض المستطير في الاُفق ، ويسمّى الصادق لأنّه صدقك عن الصبح ، ويسمّى الأوّل الكاذب لأنّه ينمحي بعد ظهوره ويزول ضوؤه ( دخل وقت صلاته ممتدّا حتى تطلع الشمس )
    وعلى هذه الجملة كثير من القدماء والمتأخّرون كافّة فيما أجده ، وفي السرائر الإجماع عليه (1).
    ويدل عليها ـ ما عدا الأخير ـ صريحاً بعض المعتبرة ولو بالشهرة : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس ، وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل » (2).
    ويعضده الصحيح في قول اللّه تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ ) الآية (3) ، قال : « إنّ اللّه تعالى افترض أربع صلوات ، أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس ، إلّا
1 ـ السرائر 1 : 196.
2 ـ التهذيب 2 : 25/70 ، الاستبصار 1 : 261/936 ، الوسائل 4 : 127 أبواب المواقيت ب 4 ح 7.
3 ـ الاسراء : 78.


(174)
أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أول وقتهما من عند غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلّا أنّ هذه قبل هذه » (1).
    وفي هذا الاستثناء ظهور تام في الأوقات المختصة ، كما صرّح به جماعة ، وعليه يحمل إطلاق نحو الصحيح. « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (2) مع إشعار فيه بها أيضاً.
    وعلى تقدير عدم الإشعار فيه والظهور في سابقة يحمل الاشتراك فيهما على ما عدا محل الاختصاص حملَ المطلق على المقيد ، وهو الخبر المتقدم ، والنصوص الصحيحة ولو في الجملة ، منها : في الرجل يؤخّر الظهر حتى يدخل وقت العصر : « أنّه يبدأ بالعصر ثمَّ يصلي الظهر » (3).
    ومنها : عن رجل نسي الاُولى والعصر جميعا ثمَّ ذكر ذلك عند غروب الشمس ، فقال : « إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمَّ ليصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ، ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً » (4) الخبر.
    ( وبهذا يندفع القول بالاشتراك مطلقاً كما عن الصدوقين (5) ، مع احتمال إرادتهما فيما عدا محل الاختصاص كما يظهر من كلام المرتضى (6) ، فيرتفع‏
1 ـ التهذيب 2 : 25/72 ، الاستبصار 1 : 261/938 ، الوسائل 4 : 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.
2 ـ الفقيه 1 : 140/648 ، التهذيب 2 : 19/54 ، الوسائل 4 : 125 أبواب المواقيت ب 4 ح 1.
3 ـ التهذيب 2 : 271/1080 ، الاستبصار 1 : 289/1056 ، الوسائل 4 : 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 17.
4 ـ التهذيب 2 : 269/1074 ، الاستبصار 1 : 287/1052 ، الوسائل 4 : 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 18.
5 ـ حكاه عن الصدوق في المختلف : 66 ، وحكاه عنهما في الذكرى : 117.
6 ـ اُنظر المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 193.


(175)
الخلاف كما في المختلف (1) وغيره ) (2).
    ثمَّ إنّ ظاهر النصوص المزبورة كغيرها والآية الكريمة بمعونة التفسير الوارد عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم : امتداد وقت إجزاء الظهرين إلى الغروب ، والعشاءين إلى انتصاف الليل ، وجواز تأخير كل منهما إلى كل منهما ولو اختياراً.
    خلافاً لنادر في المغرب ، فوقتها عند الغروب. وهو ـ مع جهالته وإن حكاه القاضي (3) ، ومخالفته النصوص المتقدمة ، والصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة في أنّ لكل صلاة وقتين (4) ، وغيرها من النصوص المعتبرة الصريحة ـ شاذّ اتفق الأصحاب في الظاهر على خلافه ، وإن اختلفوا من وجه آخر ، كما سيظهر. والصحيحان الموافقان له (5) محمولان على استحباب المبادرة مؤكداً.
    وللشيخين وغيرهما من القدماء ، فلم يجوّزوا التأخير عن الوقت الأوّل اختياراً (6) ، للنصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره ، منها : « لكل صلاة وقتان ، وأوّل الوقت أفضله ، وليس لأحدٍ أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا في عذر من غير علة (7).
1 ـ المختلف : 66.
2 ـ مابين القوسين ليس في « م » .
3 ـ المهذَّب 1 ، 69.
4 ـ اُنظر وسائل 4 : 119 أبواب المواقيت ب 3 ح 4 ، 11 ، 13.
5 ـ الكافي 3 : 280/8 و9 ، التهذيب 2 : 260/1036 ، الاستبصار 1 : 245/873 ، الوسائل 4 : أبواب المواقيت ب 18 ح 1 ، 2.
6 ـ المفيد في المقنعة : 94 ، الطوسي في النهاية : 58 ، وانظر المهذَّب 1 : 71 ، والكافي في الفقه : 138.
7 ـ الكافي 3 : 274/3 ، التهذيب 2 : 39/124 ، الاستبصار 1 : 244/870 ، الوسائل 4 : 122 أبواب المواقيت ب 3 ح 13. قال في الوافي 7 : 205 قوله ( من غير علة ) بدل من.


(176)
    و منها : « لكل صلاة وقتان ، وأوّل الوقتين أفضلهما ، ووقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، ولكنّه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام ، ووقت المغرب حين تجب الشمس (1) إلى أن تشتبك النجوم ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا من عذر أو علة » (2).
    ومنها : « أوّل الوقت رضوان اللّه ، وآخره عفو اللّه ، والعفو لا يكون إلّا عن ذنب » (3) إلى غير ذلك من النصوص.
    وهي معارضة بمثلها منها ـ زيادة على ما مضى ـ الموثق : « لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » (4).
    ومنها : النصوص المستفيضة في أنّ نصف الليل آخر العتمة (5).
    ومنها : « وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس » (6).
    ومنها : « أحبّ الوقت إلى اللّه عزّ وجلّ ( أوّله‏ ) حين يدخل وقت الصلاة ،
قوله ( الا في عذره ).
1 ـ الوجوب من الاضداد ، ومعناه السقوط والثبوت ، قال الله تعالي ( فاذا وجبت جنوبها ) أيّ سقطت. منه رحمه الله.
2 ـ التهذيب 2 : 39/123 ، الاستبصار 1 : 276/1003 ، الوسائل 4 : 208 أبواب المواقيت ب 26 ح 5.
3 ـ الفقيه 1 : 140/651 ، الوسائل 4 : 123 أبواب المواقيت ب 3 ح 16.
4 ـ التهذيب 2 : 256/1015 ، الاستبصار 1 : 260/933 ، الوسائل 4 : 209 أبواب المواقيت ب 26 ح 8.
5 ـ التهذيب 2 : 262/1042 الاستبصار 1 : 273/987 ، الوسائل 4 : 185 أبواب المواقيت ب 17 ح 8.
6 ـ التهذيب 2 : 36/114 ، الاستبصار 1 : 275/998 ، الوسائل 4 : 208 أبواب المواقيت ب 26 ح 6.


(177)
فصلّ الفريضة ، فإن لم تفعل فإنّك في وقت منها حتى تغيب الشمس » (1).
    والقول (2) بأن المراد من هذه بيان مطلق وقت الإجزاء ، فلا ينافي الأخبار السابقة المانعة عن التأخير عن الوقت الأوّل مع الاختيار ، فمقتضى الجمع بينهما تعيّن المصير إلى ما عليه الشيخان وأضرابهما.
    حسن إن حصل شرط الجمع وهو التكافؤ ، وصراحة دلالة الخاص.
    وفيهما نظر ؛ لرجحان الأخبار المطلقة بالأصل وموافقة الكتاب والشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ، كما في السرائر ، وعن الغنية (3) ؛ وضعف الأخبار المانعة ، إذ كما تضمنت جملة منها المنع عن التأخير كذا تضمنت ما هو صريح في الأفضليّة. وصرفها إلى ما يوافق المنع وإن أمكن إلّا أنّه ليس بأولى من العكس ، بل هو الأولى من وجوه شتّى ، لموافقته الكتاب والأصل والشهرة العظيمة.
    مع تبديل النهي في بعض الأخبار المانعة بلا ينبغي (4) ، المشعر بل الظاهر في الكراهة ، وخبر : « آخره عفو اللّه » كالصريح في عدم حرمة التأخير بحيث يوجب العقاب ، إذ لو أوجب وعاقب لما صدق مضمون الخبر ، فالمراد تأكد الاستحباب ؛ ولا ينافيه الذنب ، لإطلاقه على ترك كثير من المستحبات ، كما ورد في النافلة : أنّ تركها معصية (5).
    فبموجب ذلك انتفت الصراحة التي هي المناط في تخصيص العمومات وتقييد المطلقات ، هذا.
1 ـ التهذيب 2 : 24/69 ، الاستبصار 1 : 260/935 ، الوسائل 4 : 119 أبواب المواقيت ب 3 ح 5 ، وما بين المعقوفين اضفنا من المصادر.
2 ـ اُنظر 7 : 210 ، والحدائق 6 : 92.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) 556 ، السائر 1 : 197.
4 ـ التهذيب 2 : 39/123 ، الاستبصار 1 : 276/1003 ، الوسائل 4 : 119 أبواب المواقيت ب 3 ح 4.
5 ـ الوسائل 4 : 59 أبواب اعداد الفرائض ب 14 ح 1.


(178)
    و في التهذيب : أنه إذا كان أوّل الوقت أفضل ولم يكن هناك منع ولا عذر فإنّه يجب فعلها فيه ، ومتى لم يفعلها فيه استحق اللوم والتعنيف ، وهو مرادنا بالوجوب لا استحقاق العقاب (1).
    وفي النهاية : لا يجوز لمن ليس له عذر أن يؤخّر الصلاة من أوّل وقتها إلى آخره مع الاختيار ، فإن أخّرها كان مهملاً لفضيلة عظيمة ، وإن لم يستحق العقاب ، لأنّ اللّه تعالى قد عفا له عن ذلك (2) ، ونحوه عن القاضي في شرح الجمل (3).
    وهذه العبارات صريحة في الموافقة للمشهور ، مع تضمّنها صيغة لا يجوز.
    وبهذا يضعّف القول بالمنع عن التأخير ، ويظهر قوّة احتمال إرادة المانعين منه ما يوافق المختار ، كما وقع في هذه العبارات. وعليه فلا حاجة بنا مهمّة إلى بيان الأوقات الأوّلة لكل من الصلوات الخمس ، حيث يجوز لنا التأخير عنها مطلقاً.
    وإنّما المهم بيان آخر وقت المغرب وأوّل وقت العشاء وآخره ، والمشهور فيها ما قدمناه.
    خلافاً لجماعة من القدماء ، فأطلقوا أنّ آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق (4) ، للنصوص المستفيضة وفيها الصحيح والموثق وغيرهما (5).
1 ـ التهذيب 2 : 41.
2 ـ النهاية : 58.
3 ـ شرح جمل العلم ، 66.
4 ـ منهم الصدوق في الهداية : 30 ، المرتضى في المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 193 الطوسي في الخلاف 1 : 84.
5 ـ اُنظر الوسائل 4 : 174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6 ، وب 18 ح 2 ، 14 ، وب 19 ح 4.


(179)
    و هي محمولة إمّا على التقيّة فقد حكاه في المنتهى عن جماعة من العامة ، ومنهم أصحاب الرأي ، وهم أصحاب أبي حنيفة (1) ؛ أو على الفضيلة ، جمعاً بينها وبين النصوص المستفيضة الأخر التي كادت تبلغ التواتر ، ومنها ـ زيادة على ما مر ـ المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر بجواز تأخير المغرب في السفر إلى ثلث الليل كما في الصحيح (2) ، أو ربعه كما في الموثق (3) وغيره (4) ، أو إلى خمسة أميال من الغروب كما في الصحيح وغيره (5) ، أو ستّة أميال منه كما في الخبر (6).
    وفي جملة منها جواز التأخير عن الشفق بقول مطلق ، إمّا في السفر خاصة كما في الصحيح : « لا بأس أن تؤخّر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق » (7) وفي آخر : عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أيؤخّرها إلى أن يغيب الشفق ؟ قال : « لا بأس بذلك في السفر ، فأمّا في الحضر فدون ذلك شيئاً » (8).
    أو مطلقا كما في ظاهر الصحيح : رأيت الرضا عليه السلام وكنّا عنده لم يصلّ المغرب حتى ظهرت النجوم ، ثمَّ قام فصلّى بنا على باب دار ابن أبي‏
1 ـ المنتهى 1 : 204.
2 ـ الكافي 3 : 431/5 ، الوسائل 4 : 193 أبواب المواقيت ب 19 ح 1.
3 ـ الكافي 3 : 281/14 ، الوسائل 4 : 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 2.
4 ـ التهذيب 3 : 233/610 ، الوسائل 4 : 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 5.
5 ـ التهذيب 3 : 234/611 ، الوسائل 4 : 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 6.
6 ـ التهذيب 3 : 234/614 ، الوسائل 4 : 195 أبواب المواقيت ب 19 ح 7
7 ـ التهذيب 2 : 35/108 ، الاستبصار 1 : 272/984 ، الوسائل 4 : 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 4.
8 ـ التهذيب 2 : 32/97 ، الاستبصار 1 : 267/967 ، الوسائل 4 : 197 أبواب المواقيت 19 ح 15.


(180)
محمود (1).
    وأظهر منه الخبر : كنت عند أبي الحسن الثالث عليه السلام يوما ، فجلس يحدث حتى غابت الشمس ، ثمَّ دعا بشمع وهو جالس يتحدث ، فلمّا خرجت من البيت نظرت فقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب ، ثمَّ دعا بالماء فتوضّأ وصلّى (2).
    وفي الموثق : في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق ، فقال : « لعلّة لا بأس » قلت : فالرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق ، فقال : « لعلّةٍ لا بأس » (3). إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في جواز التأخير عن الشفق مطلقاً أو في الجملة ؛ فهي مضافةً إلى ما قدّمناه من النصوص في صدر المسألة أقوى قرينة على أنّ المنع في المستفيضة السابقة على الفضيلة ، ويحتمل قريباً أن يحمل عليها إطلاق كلام هؤلاء الجماعة ، بل ظاهر المدارك الإجماع على عدم بقائها على ظاهرها ، حيث قال ـ بعد حملها على الفضيلة أو الاختيار ـ : إذ لا قائل بأنّ ذلك آخر الوقت مطلقاً (4).
    ولآخرين ، فجعلوه غيبوبة الشفق للمختار وربعه للمضطر (5) ؛ جمعا بين النصوص المانعة على الإطلاق ، والنصوص المرخّصة للتأخير إلى ربع الليل‏
1 ـ التهذيب 2 : 30/89 ، الاستبصار 1 : 264/954 ، الوسائل 4 : 195 أبواب المواقيت ب 19 ح 9.
2 ـ التهذيب 2 : 30/90 ، الاستبصار 1 : 264/955 ، الوسائل 4 : 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 10.
3 ـ التهذيب 2 : 33/101 ، الاستبصار 1 : 268/969 ، الوسائل 4 : 196 أبواب المواقيت ب 19 ج 13.
4 ـ المدارك 3 : 54.
5 ـ كابن حمزة في الوسيلة : 83 ، والطوسي في الاقتصاد : 256 ، وابي الصلاح في الكافي 137.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس