رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 181 ـ 195
(181)
للمسافر وغيره من ذوي الحاجة.
    وفيه : أنّه إطراح للنصوص السابقة في صدر المسألة بأنّ وقت العشاءين إلى نصف الليل ، عموماً في بعضها ، وصريحاً في آخر. وهي أرجح من تلك بجميعها ؛ للشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة ، بل مطلقاً ، كما في السرائر وعن الغنية (1) ، فتكون بالترجيح أولى ، سيّما مع اختلاف مقابلتها في التقدير بربع وبثلث وبخمسة أميال وستة ، وفي التخصيص بالسفر ، والتعميم له ولكل علّة مع الإطلاق في مدة التأخير. وكل هذا قرائن واضحة على حمل الاختلافات على اختلاف مراتب الفضيلة.
    ولجماعة من القدماء أيضاً في أول وقت العشاء ، فجعلوه غيبوبة الشفق (2) ؛ للنصوص المستفيضة وفيها الصحيح وغيره (3).
    وهي محمولة إمّا على التقية فقد حكاه في المنتهى (4) عن الجمهور (5) كافّة.
    أو على الفضيلة ؛ جمعاً بينها وبين المعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، بل لعلّها متواترة ، ومنها ـ زيادة على ما مرّ في صدر المسألة ـ المعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز تقديمها على الشفق إمّا مطلقاً كما في جملة ، منها الموثق : « صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة في جماعة ؛ ليتّسع الوقت على أمّته » (6).
1 ـ السرائر 1 : 196 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 556.
2 ـ المفيد في المقنعة : 94 ، الصدوق في الهداية : 30 ، الطوسي في الخلاف 1 : 263 ، سلأر في المراسم : 62.
3 ـ الوسائل 4 : 204 أبواب المواقيت ب 23 ح 1 ، 3 ؛ وص 174 ب 16 ح 6.
4 ـ المنتهى 1 : 250.
5 ـ في « ح » ( ح ل ) : وفي الخلاف ( ج 1 ص 263 ) نفي الخلاف عنه بين فقهائهم.
6 ـ الكافي 3 : 286/1 ، التهذيب 2 : 263/1046 ، الاستبصار 1 : 271/981 ، الوسائل 4 :


(182)
    و الموثق : عن الجمع بين العشاءين في الحضر قبل أن يغيب الشفق ؟ قال : « لا بأس » (1).
    ونحوهما الموثقان الآخران : عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ؟ فقال : « لا بأس به » (2).
    وفي الخبر : رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق (3).
    أو في السفر خاصة كما في الصحيح : « لا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق » (4).
    أو في المطر كما في آخر (5).
    واحتمال اختصاص الرخصة في التقديم بهما أو مطلق العلّة ـ كما عن بعض هؤلاء الجماعة (6) ـ يدفعه تصريح الموثقين السابقين ولا سيّما الأوّل بجوازه مطلقاً من غير علّة ، هذا.
    وفي المختلف : لا قائل بالفرق بين الظهرين والعشاءين ، فمن قال‏
202 أبواب المواقيت ب 22 ح 2.
1 ـ التهذيب 2 : 263/1047 ( وفيه : الشمس بدل الشفق ) ، الاستبصار 1 : 272/982 ، الوسائل 4 : 204 أبواب المواقيت ب 22 ح 8.
2 ـ التهذيب 2 : 34/104 ، 105 الاستبصار 1 : 271/978 ، 979 الوسائل 4 : 203 أبواب المواقيت ب 22 ح 5 ، 6.
3 ـ التهذيب 2 : 34/106 ، الاستبصار 1 : 271/980 ، الوسائل 4 : 204 أبواب المواقيت ب 22 ح 7.
4 ـ التهذيب 2 : 35/108 ، الاستبصار 1 : 272/984 ، الوسائل 4 : 202 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.
5 ـ التهذيب 2 : 35/109 ، الاستبصار 1 : 272/985 ، الوسائل 4 : 203 أبواب المواقيت ب 22 ح 3.
6 ـ كالمفيد في المقنعة : 95.


(183)
بالاشتراك عند الفراغ من الظهر قال به عند الفراغ من المغرب (1).
    ولجماعة منهم أيضاً في آخره ، فجعلوه ثلث الليل ، إمّا مطلقاً كما عن بعضهم (2) ، للخبرين : « وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل » كما في أحدهما (3) ، وفي الآخر : « آخر وقت العشاء ثلث الليل » (4).
    أو مقيّداً بكونه للمختار ، وللمضطر إلى النصف ، كما عن غيره (5) ، للموثق : « العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل ، وذلك التضييع » (6).
    وهذه النصوص مع معارضتها بعضاً مع بعض ، معارضة بالنصوص المستفيضة زيادة على ما مر في صدر المسألة ، ففي الخبرين : « آخر وقت العتمة نصف الليل » (7).
    وفي آخر مروي في العلل : « لو لا أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العشاء إلى نصف الليل » (8).
    وفي الموثق : « وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل » (9).
1 ـ المختلف : 69.
2 ـ كالصدوق في الهداية : 30 ، والمفيد في المقنعة : 93 ، والطوسي في الخلاف 1 : 264.
3 ـ الكافي 3 : 279/6 ، التهذيب 2 : 31/95 ، الاستبصار 1 : 276/965 ، الوسائل 4 : 156 أبواب المواقيت ب 10 ح 2.
4 ـ التهذيب 2 : 262/1045 ، الاستبصار 1 : 269/973 ، الوسائل 4 : 156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.
5 ـ كالطوسي في المبسوط 1 : 75 ، وابن حمزة في الوسيلة : 83.
6 ـ التهذيب 2 : 262/1043 ، الاستبصار 1 : 273/988 ، الوسائل 4 : 185 أبواب المواقيت ب 17 ح 9.
7 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 74 ، المستدرك 3 : 133 أبواب المواقيت ب 14 ح 3.
8 ـ علل الشرائع : 340/1 ، الوسائل 4 : 201 أبواب المواقيت ب 21 ح 5.
9 ـ التهذيب 2 : 261/1041 ، الاستبصار 1 : 272/986 ، الوسائل 4 : 200 أبواب المواقيت ب 21 ح 2.


(184)
    و هما كالنص في جواز التأخير من غير عذر ، بل ظاهر أوّلهما استحباب التأخير إلى النصف.
    لكن في كثير من النصوص : « لو لا أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل » (1).
    وعليه فليحمل أخبار الثلث على الفضيلة جمعاً.
    وقيل : يمتدّ وقت العشاءين إلى طلوع الفجر (2) ؛ للخبر : « لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر » (3).
    وحمله الشيخ في كتابي الحديث والماتن في المعتبر وبعض من تأخّر على وقت المضطر (4) ، كما في الصحيحين : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس » (5).
    وفي الأوّل قصور من حيث السند ، وفي الثاني من حيث المتن ، لتضمّنه تقديم الحاضرة على الفائتة ، وهو خلاف الأظهر الأشهر فتوىً وروايةً. ومع ذلك قاصران عن المقاومة للنصوص المتقدمة من وجوه عديدة ، وموافقان للعامة ، كما صرّح به شيخنا في الروض ، قال : وللأصحاب أن يحملوا الروايات الدالّة
1 ـ الوسائل 4 : 200 أبواب المواقيت ب 21 ح 2 ، 6.
2 ـ حكاه عن بعض الاصحاب في المبسوط 1 : 75.
3 ـ التهذيب 2 : 256/1015 ، الاستبصار 1 : 260/933 ، الوسائل 4 : 159 أبواب المواقيت ب 10 ح 9.
4 ـ التهذيب 2 : 256 ، الاستبصار 1 : 273 ، المعتبر 2 : 43 ؛ وانظر المدارك 3 : 60 ، والذخيرة : 194 ، 195.
5 ـ التهذيب 2 : 270/1076 ، 1077 ، الاستبصار 1 : 288/1053 ، 1054 ، الوسائل 4 : 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 3 ، 4 ؛ بتفاوت.


(185)
على امتداد الوقت إلى الفجر على التقية ، لإطباق الفقهاء الأربعة عليه ، وإن اختلفوا في كونه آخر وقت الاختيار أو الاضطرار (1).
    أقول : وحكاه في المنتهى عن أبي حنيفة (2).
    ( ووقت نافلة الظهر حين الزوال ) في ظاهر النصوص (3) وكلمة الأصحاب. ولكن في جملة من النصوص جواز التقديم إمّا مطلقا ، كما في كثير منها ، معلّلة بأنّ النافلة بمنزلة الهدية متى اتي بها قبلت (4) ؛ أو بشرط خوف فواتها في وقتها ، كما في بعضها : عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجّل من أوّل النهار ؟ قال : « نعم إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلها » (5).
    ولم أر عاملاً بها عدا الشيخ في كتابي الحديث ، فاحتمل الرخصة في التقديم مع الشرط المتقدم ؛ لما دلّ عليه ، حاملاً للنصوص المطلقة عليه (6).
    وتبعه الشهيد وغيره (7) ، بل زادوا فاستوجهوا التقديم مطلقا ، لظاهر الخبر : « صلاة النهار ستّ عشرة أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّها ، إلّا أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل » (8).
    وفيه ـ كأكثر ما تقدم ـ قصورٌ سنداً ومكافاةً لما تقدم من وجوه شتى ،
1 ـ روض الجنان : 180.
2 ـ المنتهى 1 : 205.
3 ـ الوسائل 4 : 229 أبواب المواقيت ب 36.
4 ـ الكافي 3 : 454/14 ، الوسائل 4 : 232 أبواب المواقيت ب 37 ح 3.
5 ـ الكافي 3 : 450/1 ، التهذيب 2 : 268/1067 ، الاستبصار 1 : 278/1011 ، الوسائل 4 : 231 أبواب المواقيت ب 37 ح 1.
6 ـ التهذيب 2 : 266 ، الاستبصار 1 : 278.
7 ـ الشهيد في الذكرى : 123 ؛ وانظر مجمع الفائدة 2 : 16 ، المدارك 3 : 72.
8 ـ التهذيب 2 : 267/1063 ، الاستبصار 1 : 277/1007 ، الوسائل 4 : 233 أبواب المواقيت ب 37 ح 5.


(186)
فليحمل في صورة التقديم على أنّ المراد جواز فعلها لا بقصد نافلةً الزوال بل نافلة مبتدأة ويعتدّ بها مكانها ، كما هو ظاهر بعضها ، وهو الصحيح : « إنّي أشتغل ، قال : فاصنع كما نصنع ، صلّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر ـ يعني ارتفاع الضحى الأكبر ـ واعتدّ بها من الزوال » (1).
    وفي صورة التأخير على فعلها بنيّة القضاء ، كما هو ظاهر بعضها أيضاً ، وهو الحسن : عن نافلة النهار ، قال : « ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت ، إنّ علي ابن الحسين عليه السلام كان له ساعات من النهار يصلي فيها ، فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها ، إنّما النافلة مثل الهدية ، متى ما اتي بها قبلت » (2).
    وفي الخبر : « فإن عجّل بك أمر فابدأ بالفريضتين واقض بعدهما النوافل » (3).
    ويمتد وقتها ( حتى يصير الفي‏ء على قدمين ) أي سبعي الشاخص.
     ( و ) وقت ( نافلة العصر ) مما بعد الظهر ( إلى ) أن يزيد الفي‏ء أربعة أقدام على الأشهر ، كما صرّح به جمع ممن تأخّر (4) ؛ للمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر ، ففي الصحيح : « إنّ حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان قامة ، وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من‏
1 ـ التهذيب 2 : 267/1062 ، الاستبصار 1 : 277/1006 ، الوسائل 4 : 232 أبواب المواقيت ب 37 ح 4.
2 ـ التهذيب 2 : 267/1065 ، الاستبصار 1 : 278/1009 ، الوسائل 4 : 233 أبواب المواقيت ب 37 ح 7.
3 ـ التهذيب 2 : 250/991 ، الاستبصار 1 : 255/914 ، الوسائل 4 : 148 أبواب المواقيت ب 8 ح 31.
4 ـ منهم المحقق في الشرائع 1 : 62 ، ونسبه الشهيد الثاني في الروضة 1 : 181 والسبزواري في الذخيرة : 199 الى المشهور.


(187)
فيئه ذراعان صلّى العصر ، ثمَّ قال : « أتدري لِمَ جُعل الذراع والذراعان ؟ » قلت : لِمَ جُعل ذلك ؟ قال : « لمكان النافلة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعاً بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة » (1).
    وصدره قد تضمن القدمين والأربعة أقدام وأنّهما والذراع والذراعين بمعنى واحد ، كما صرّح به الأصحاب ، وجملة من النصوص (2) ، ولذا جمع الإسكافي بينهما (3).
    خلافاً للحلي وجماعة (4) ، فقالوا بالامتداد إلى المثل في الاُولى والمثلين في الثانية ، إمّا مطلقا ، أو مستثنى منهما مقدار الفرضين.
    واستدل عليه تارة : بالصحيحة المتقدمة بناءً على أن حائط المسجد كان ذراعاً ، لتفسير القامة به في النصوص (5).
    وفيها ضعف سنداً بل ودلالة ، لعدم تفسيرها القامة في الصحيحة بذلك ، بل مطلق القامة ، وعليه نبّه الشهيد ـ رحمه اللّه ـ في الذكرى (6).
    ويحتمل أن يكون المراد بالقامة المفسّرة به القامة التي وردت وقتاً للظهر والعصر في نحو الصحيح : عن وقت الظهر والعصر ؟ فكتب : « قامة للظهر وقامة للعصر » (7).
1 ـ الفقيه 1 : 140/653 ، التهذيب 2 : 19/55 ، الاستبصار 1 : 250/899 ، الوسائل 4 : 141 أبواب المواقيت ب 8 ح 4 ، 3.
2 ـ اُنظر الوسائل 4 : 152 أبواب المواقيت ب 9 ح 2 ، 3.
3 ـ كما حكاه عنه في الذكرى : 123.
4 ـ الحلي في السرائر 1 : 199 ؛ وانظر الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 174 ، التذكرة 1 : 77 ، الروضة 1 : 181.
5 ـ الوسائل 4 : 144 أبواب المواقيت ب 8 ح 14 ، 15.
6 ـ الذكرى : 123.
7 ـ التهذيب 2 : 21/61 ، الاستبصار 1 : 248/890 ، الوسائل 4 : 144 أبواب المواقيت ب 8


(188)
    و يكون محصّله التنبيه على أنّ وقت الظهر من بعد الزوال إلى أن يرجع الفي‏ء ذراعاً ، أي سبعي الشاخص ، كما عليه المفيد (1).
    وبالجملة : ليس في تلك النصوص أنّ قامة حائط المسجد كان ذراعاً ، بل يحتمل أنّ القامة التي وردت أنّها من في‏ء الزوال للظهر وضعفها للعصر كان ذراعاً ، وإذا جاء الاحتمال فسد الاستدلال.
    وينبغي الرجوع في تفسير القامة المطلقة إلى ما هو المتبادر منها عند الإطلاق عرفاً وعادةً من قامة الشاخص الإنساني ، وبه صرّح أيضاً في الرضوي ، وفيه : « إنّما سمّي ظل القامة قامة لأنّ حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان قامة إنسان » (2).
    وهو معارض صريح لتلك الأخبار وأقوى منها سنداً ، فيتعين حمل الصحيح السابق عليه ، سيّما مع شهادة سياقه عليه ، وتأيّده بظاهر الموثق : عن صلاة الظهر ، قال : « إذا كان الفي‏ء ذراعا » قلت : ذراعاً من أيّ شي‏ء ؟ قال : « ذراعاً من فيئك » الخبر (3).
    واُخرى : بالمعتبرة المستفيضة الدالّة على أنّ لكلّ من الصلاتين سبحة بين يديها طولت أو قصرت (4) ، من دون تعيين مقدار لها أصلا من نحو الذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام ، بل ظاهر بعضها عدم اعتبار هذه المقادير أصلاً ، ففي الصحيح : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام :
ح 12.
1 ـ المقنعة : 92.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 76 ، المستدرك 3 : 109 أبواب المواقيت ب 6 ح 8.
3 ـ التهذيب 2 : 251/996 ، الاستبصار 1 : 247/886 وفيه صدر الحديث ، الوسائل 4 : 145 أبواب المواقيت ب 8 ح 18.
4 ـ الوسائل 4 : 131 أبواب المواقيت ب 5.


(189)
روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع ، والقامة والقامتين ، وظل مثلك ، والذراع والذراعين ، فكتب عليه السلام : « لا القدم ولا القدمين ، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة ، وهي ثمان ركعات ، إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمَّ صل الظهر ، فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة ، وهي ثمان ركعات ، فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمَّ صلّ العصر » (1).
    وقريب منه الصحيح الآخر (2).
    وفيه نظر ؛ لعدم إشعار فيها بالتحديد بالمثل والمثلين كما هو المدّعى ، بل ظاهرها ( سيما الصحيح الأول ) (3) تجويز فعل نافلة الفريضتين ولو بعدهما ، ولم يقل به أحد إلّا النادر وهو الحلبي فيما حكي عنه ، حيث قال بامتداد وقت نوافل كل فريضة بامتداد وقتها (4).
    ومع ذلك فهي قاصرة عن المقاومة للنصوص المستفيضة القريبة من التواتر ، المانعة من النافلة عموماً في جملة منها وافرة (5) ، وخصوصاً في اُخرى كذلك (6) ، ومنها الصحيحة المتقدمة المتضمنة لقوله عليه السلام : « أتدري لم جعل الذراع والذراعان ؟ » (7). ونحوها أخبار كثيرة.
1 ـ التهذيب 2 : 249/990 ، الاستبصار 1 : 254/913 ، الوسائل 4 : 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 13.
2 ـ الكافي 3 : 276/4 ، التهذيب 2 : 22/63 ، الاستبصار 1 : 250/898 ، الوسائل 4 : 131 أبواب المواقيت ب 5 ح 1.
3 ـ ما بين القوسين ليست في « م »
4 ـ الكافي في الفقه : 158.
5 ـ الوسائل 4 : 226 أبواب المواقيت ب 35.
6 ـ الوسائل 4 : 146 أبواب المواقيت ب 8 ح 20 ، 21.
7 ـ راجع ص : 180 ـ 181.


(190)
    فإذاً : مختار الأكثر أظهر ، ومع ذلك فهو أحوط ، وإن كان القول الثاني ليس بذلك البعيد ، لظاهر الموثق : « إذا كان ظلك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلك مثليك فصلّ العصر » (1) بناءً على أنّ الأمر بتأخير الفرضين إلى المثل والمثلين ليس إلّا لأجل نافلتهما. فتأمّل جدّاً.
     ( و ) وقت ( نافلة المغرب بعدها حتى تذهب الحمرة المغربية وفاقاً ) للشيخ والجماعة ، كما في شرح القواعد للمحقق الثاني (2) ، وفي المدارك : أنّه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً (3) ، وفي المنتهى وعن المعتبر دعوى الاتّفاق عليه (4) ؛ وهو الحجّة.
    مضافاً إلى النصوص المانعة عن فعل النافلة في وقت الفريضة (5) ، خرج منها النوافل الرواتب لما عدا المغرب في أوقاتها المضروبة ، وكذا نافلتها إلى ذهاب الحمرة المغربية بالإجماع فتوى ورواية ، ويبقى ما عداها ومنه نافلة المغرب بعدها تحتها داخلة.
    والنصوص الدالّة على استحباب نافلة المغرب بعدها وإن كانت معتبرة مستفيضة شاملة لما بعد الحمرة ، إلّا أنّ شمولها بالإطلاق ، وهو غير معلوم الشمول لنحو المقام بعد ورودها لإثبات أصل استحباب النافلة من دون نظر إلى وقتها بالمرة ، وإن هي حينئذ إلّا كالنصوص الدالة على استحباب باقي النوافل الراتبة ، من دون تقييد فيها بوقت بالمرّة مع أنّها مقيدة بأوقات خاصة اتّفاقاً
1 ـ التهذيب 2 : 22/62 ، الاستبصار 1 248/891 ، الوسائل 4 : 144 أبواب المواقيت ب 8 ح 13.
2 ـ جامع المقاصد 2 : 20 ، النهاية : 60.
3 ـ المدارك 3 : 73.
4 ـ المنتهى 1 : 207 ، المعتبر 2 : 53.
5 ـ الوسائل 4 : 226 أبواب المواقيت ب 35.


(191)
فتوىً وروايةً.
    ومن هنا يظهر مؤيّد آخر لما عليه الأصحاب من توقيت نافلة المغرب بذهاب الحمرة لا بقائها ما دام وقت الفريضة ، لبُعد اختصاصها من بين الرواتب بالبقاء إلى وقت الفريضة.
    مع أنّ عموم التعليل الوارد لتحديد نوافل الظهرين بوقت ـ وهو أنّه لا تزاحم الفريضة ـ يقتضي التحديد هنا أيضاً ، ولا حدّ لها إلّا ما ذكره الأصحاب من ذهاب الحمرة.
    وأمّا الصحيح : صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب بالمزدلفة ، فقام فصلّى المغرب ثمَّ صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ، ثمَّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة ، فلمّا صلّى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثمَّ أقام فصلّى العشاء الآخرة (1).
    فمعارض بالنصوص المانعة عن التنفل بين العشاءين إذا جمع بينهما في المزدلفة ، ففي الصحيح : عن صلاة المغرب والعشاء بجمع ، فقال : « بأذان وإقامتين ، لا تصلّ بينهما شيئاً » (2) فتأمّل جدّاً.
    وممّا ذكرنا ظهر ضعف ميل الشهيد في الذكرى والدروس (3) إلى احتمال بقائها ببقاء الفريضة ، وإن تبعه من متأخّري المتأخّرين جماعة (4) ونقله بعضهم عن الحلبي (5) لقوله المتقدم (6).
1 ـ الكافي 3 : 267/1 ، الوسائل 4 : 224 أبواب المواقيت ب 33 ح 1 وفيها بتفاوت.
2 ـ التهذيب 3 : 234/615 ، الوسائل 4 : 225 أبواب المواقيت ب 34 ح 1.
3 ـ الذكرى : 124 ، الدروس 1 : 141.
4 ـ منهم صاحب المدارك 3 : 74 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 160.
5 ـ كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 160
6 ـ في ص : 183.


(192)
     ( وركعتا الوتيرة يمتد ) قتهما ( وبامتداد ) وقت ( العشاء ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الاتّفاق في صريح المنتهى وعن ظاهر المعتبر (1) ، وهو الحجّة بعد الأصل المؤيّد بإطلاقات ما دلّ على استحبابهما بعدها مطلقا ، مع سلامتهما هنا عن المعارض بالكلية.
     ( و ) وقت ( صلاة الليل بعد انتصافه ) عندنا ، بل عليه إجماعنا عن الخلاف والمعتبر (2) ، وفي كلام المرتضى والسرائر والمنتهى وغيرها (3) ؛ وهو الحجة.
    مضافاً إلى أنها عبادة يجب الاقتصار في وقتها على ما تيقن ثبوته من الشريعة ، وهو فعلها بعد الانتصاف ، ففي المعتبرة المستفيضة ـ وفيها الصحاح وغيرها ـ : أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله والأمير عليه السلام ما كانا يصلّيان من الليل إذا صلّيا العتمة شيئاً حتى ينتصف الليل (4).
    وفي بعضها : « ثمَّ يصلّي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر » (5).
    وفي آخر : « فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات » (6).
1 ـ المنتهى 1 : 208 ، المعتبر 2 : 54.
2 ـ الخلاف 1 : 533 ، المعتبر 2 : 54.
3 ـ المرتضى في المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 194 ، السرائر 1 : 196 ، المنتهى 1 : 208 ؛ وانظر الحبل المتين : 147.
4 ـ التهذيب 2 : 262/1045 ، 266 /1061 ، الاستبصار 1 : 269/973 ، 269/1005 ، الوسائل 4 : 231 أبواب المواقيت ب 36 ح 6 ، 7.
5 ـ التهذيب 2 : 262/1045 ، الاستبصار 1 : 269/973 ، الوسائل 4 : 156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.
6 ـ الفقيه 1 : 146/678 ، الوسائل 4 : 61 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.


(193)
    هذا مضافاً إلى خصوص المعتبرة الموقّتة لها بذلك ، صريحاً في بعضها ، كالمرسل : « وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره » (1).
    وظاهراً في جملة منها ، ومنها الأخبار الآتية المجوّزة لفعلها قبل الانتصاف لعلّةٍ (2) ، فإنّها ظاهرة بل كالصريحة في أنّ ذلك رخصة في التقديم لأجلها ، لا أنّه لكونه فعلاً في وقتها كما يتوهم من الموثقين : « لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى آخره ، إلّا أنّ أفضل ذلك إذا انتصف الليل » (3) كما في أحدهما ، وفي الثاني : عن وقت صلاة الليل في السفر فقال : « من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح » (4).
    وهما وإن أوهما ذلك إلّا أنّهما مع قصور سندهما وعدم معارضتهما لشي‏ء مما قدمناه (5) ليسا نصّين فيه ، فيحتمل أن يراد بهما ما أفادته الأخبار السابقة من كون التقديم رخصة للضرورة ، لا لكون أوّل الليل وقتا حقيقة.
    وإليه أشار في الفقيه ، فقال : وكل ما روي من الإطلاق في صلاة الليل من أوّل الليل فإنّما هو في السفر ، لأنّ المفسّر من الأخبار ( يَحكم‏ ) (6) على المجمل (7). وكذا قال في التهذيبين ، وزاد : وفي وقت أيضاً يغلب على ظنّ الإنسان أنّه إن لم يصلّها فاتته أو شقّ عليه القيام في آخر الليل ولا يتمكّن من القضاء ، فحينئذ يجوز له تقديمها (8).
1 ـ الفقيه 1 : 302/1379 ، الوسائل 4 : 259 أبواب المواقيت ب 46 ح 10
2 ـ اُنظر ص 212.
3 ـ التهذيب 2 : 337/1394 ، الوسائل 4 : 252 أبواب المواقيت ب 44 ح 9.
4 ـ الفقيه 1 : 289/1317 ، التهذيب 3 : 227/577 ، الوسائل 4 : 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 5.
5 ـ في « ح » زيادة : وموافقتهما لما عليه العامة العمياء.
6 ـ في النسخ : يحمل ، وما اثبتتنا من المصدر.
7 ـ الفقيه 1 : 303.
8 ـ التهذيب 2 : 118 ، الاستبصار 1 : 279.


(194)
    أقول : ويرشد إلى هذا التوجيه الخبر : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب : « عند الزوال ـ وهو نصفه ـ أفضل ، فإن فات فأوّله وآخره جائز » (1) لتضمنه التوقيت بالزوال بعد السؤال عن أصل وقت صلاة الليل مع لفظة « فات » الصريحة (2) في التوقيت. ومع ذلك صرّح بالأفضليّة الظاهرة في اشتراك ما قبل الانتصاف لما بعده في فضيلة الوقت ، لكن ما ذكرنا أصرح دلالة على التوقيت منها على الاشتراك فيها فلتحمل عليه ، فتأمّل.
    فما يقال من احتمال حمل أخبار التنصيف على الفضيلة ، والموثقين وما بعدهما على كون الليل بتمامه وقتاً ، ضعيف غايته ، سيّما مع مخالفته الإجماع على الظاهر ، المصرّح به فيما مرّ من عبائر الجماعة حدّ الاستفاضة.
     ( وكلّما قرب من الفجر كان أفضل ) بلا خلاف أجده ، بل عليه في الكتب المتقدمة والناصريات إجماع الإماميّة (3) ، وهو الحجّة.
    مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : سمعته عليه السلام يقول ـ في قول اللّه عزّ وجلّ وَ ( بِالأسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (4) ـ : في الوتر في آخر الليل سبعين مرّة » (5) والسحر ما قبل الفجر على ما نصّ عليه أهل اللغة (6).
    والصحيح : عن ساعات الوتر ، فقال : « أحبّها إليّ الفجر الأوّل » وعن أفضل ساعات الليل ، قال : « الثلث الباقي » (7).
1 ـ التهذيب 2 : 337/1392 ، الوسائل 4 : 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 13.
2 ـ في « ح » و « ل » : الصريحين.
3 ـ الخلاف 1 : 533 ، السرائر 1 : 196 ، المعتبر 2 : 54 الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 230.
4 ـ الذاريات : 18.
5 ـ التهذيب 2 : 130/498 ، الوسائل 6 : 280 أبواب القنوت ب 10 ح 7.
6 ـ اُنظر الصحاح 2 : 678 ، والقاموس المحيط 2 : 46 ، ومجمع البحرين 3 : 325 ، ولسان العرب 4 : 350. وفي جميعها : السحر قبيل الصبح.
7 ـ التهذيب 2 : 339/1401 ، الوسائل 4 : 272 أبواب المواقيت ب 54 ح 4.


(195)
    و الخبر : متى اُصلّي صلاة الليل ؟ فقال : « صلّها آخر الليل » (1).
    وضعف سنده كاختصاص الأوّلين بالوتر مجبور بالفتاوى وعدم فارق أصلا ، مع تصريح الصحيح الثاني بأنّ أفضل ساعات الليل الثلث الباقي.
    هذا مضافاً إلى جملة من المعتبرة الواردة في تعداد النوافل اليومية أنّ في السحر ثماني ركعات ثمَّ يوتر ، وأحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل ، كما في الصحيح (2).
    وفي الموثق القريب منه : عمّا جرت به السنة في الصلاة ، فقال : « ثماني ركعات الزوال » إلى أن قال : « ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل » (3) ونحوه في مثله سندا (4).
    وعن العلل بطريق صحيح : عن مولانا الباقر عليه السلام ـ في قوله تعالى ( تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ ) (5) الآية ـ : « نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأتباعه من شعيتنا ، ينامون في أوّل الليل فإذا ذهب ثلثا الأوّل أو ما شاء اللّه فزعوا إلى ربهم » (6) الحديث.
    وعن كتاب الخصال في الخصال التي سأل عنها أبو ذر ـ رضي اللّه عنه ـ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، سأله : أيّ ساعات الليل أفضل ؟ قال : « جوف الليل الغابر » (7) أي الباقي.
1 ـ التهذيب 2 : 335/1382 ، الوسائل 4 : أبواب المواقيت ب 45 ح 6.
2 ـ التهذيب 2 : 6/11 ، الاستبصار 1 : 219/777 ، الوسائل 4 : 59 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 2.
3 ـ التهذيب 2 : 7 /12 ، الوسائل 4 : 59 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 3.
4 ـ التهذيب 2 : 5/8 ، الوسائل 4 : 51 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 16.
5 ـ السجدة : 16.
6 ـ علل الشرائع : 365/4 ، الوسائل 8 : 154 أبواب بقية الصلوات المندوبه ب 39 ح 26 وفيهما : ثلثا الليل.
7 ـ الخصال : 523/13.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس