رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 196 ـ 210
(196)
    هذا مضافاً إلى النصوص في فضل الثلث الأخير واستجابة الدعاء فيه (1) ويعضدها الكتاب (2) والسنة (3) باستحباب الاستغفار في الأسحار.
    لكن المستفاد من الصحيحين (4) توزيع النبي صلّى اللّه عليه وآله لها على تمام الوقت ، وتوسيط النومتين ، والإيتار بين الفجرين ، كما عليه الإسكافي (5).
    ويمكن الجمع بينهما وما سبق بتخصيصهما بمريد التفريق وما سبق بمريد الجمع كما قيل (6) ، لكن فتوى الأصحاب وأدلّتهم من الإجماعات والروايات مطلقة ، ولا يكافئها الصحيحان ، مع أنّ الجمع بين الروايات بذلك فرع شاهد عليه ، وليس ، هذا.
    ويحتمل حملهما على وقوع التوزيع في آخر الليل ، إذ ليس فيهما الدلالة على أنّه صلّى اللّه عليه وآله متى كان يقوم ، بل صرّح في الثاني أنّه كان يقوم بعد ثلث الليل. لكن قال الكليني : وفي حديث آخر : بعد نصف الليل (7) ، ومع ذلك أفضليّة التوزيع من أوّل الثلث تنافي كليّة أفضليّة ما قرب منه إلى الفجر ، فتدبّر.
    ومن هنا يظهر وجه النظر في بعض ما مرّ من النصوص الدالة على كون أفضل ساعات الليل الثلث الآخر (8) ، فإنّ غايته أفضليّته خاصّة ، لا كونه أيضاً
1 ـ الوسائل 7 : 69 أبواب الدعاء ب 26.
2 ـ آل عمران : 17 ، الذاريات : 18.
3 ـ الوسائل 6 : 277 أبواب القنوت ب 9 ، وج 7 ص 67 أبواب الدعاء ب 25.
4 ـ الكافي 3 : 445/13 ، التهذيب 2 : 334/1377 ، الوسائل 4 : 269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1 ، 2.
5 ـ حكاه عنه في الحبل المتين : 148 ـ 149 ، واحب الحدائق 6 : 227.
6 ـ قال به صاحب الحدائق 6 : 228 ـ 229.
7 ـ الكافي 3 : 445 / ذيل الحديث 13 ، الوسائل 4 : 270 أبواب المواقيت ب 53 ح 3.
8 ـ راجع ص : 188 ـ 189.


(197)
متفاوت الأجزاء بحسب الفضيلة ، كما هو ظاهر الكليّة في العبارة وعبائر الجماعة. فإذا العمدة هو إجماع الإمامية على هذه الكلية.
    والمراد بالفجر هو الثاني ، كما هو ظاهر النصوص وأكثر الفتاوي ، وصريح جملة منهما (1).
    خلافاً للمرتضى ، فقيّده بالأوّل (2) ؛ قال في الذكرى : ولعلّه نظر إلى جواز ركعتي الفجر حينئذ ، والغالب أنّ دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت اخرى (3). ودفعه بأنّهما من صلاة الليل ، كما في الأخبار الآتية ، وظاهر أنّ ما قبل طلوع الفجر الثاني من الليل. مضافاً إلى ما سيأتي من أنّ محل ركعتي الفجر قبله ومعه وبعده.
    ثمَّ إنّ المتبادر من الانتصاف هو منتصف ما بين غيبوبة الشمس إلى طلوع الفجر.
    إلّا أنّه صرّح بعض الأصحاب بأنّ المعتبر تنصيف ما بين طلوع الشمس وغروبها ، قال : ويعرف بانحدار النجوم الطالعة مع غروب الشمس (4).
    ولعلّه لمروي الفقيه بسنده عن عمر بن حنظلة : أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار ، فكيف لنا بالليل ؟ فقال : « للّيل زوال كزوال الشمس » قال فبأيّ شي‏ء نعرفه ؟ قال : « بالنجوم إذا انحدرت » (5).
    وقريب منه آخر مروي في مستطرفات السرائر ، نقلا عن كتاب محمد بن‏
1 ـ منهم العلامة في المختلف : 71 ، المحقق الكركي في جامع المقاصد 2 : 22 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 182 ، الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 2 : 33.
2 ـ حكاه عنه في المختلف : 71 ، وجامع المقصد 2 : 22.
3 ـ الذكرى : 125.
4 ـ كفاية الأحكام : 15.
5 ـ الفقيه 1 : 146/677 ، الوسائل 4 : 273 أبواب المواقيت ب 55 ح 1.


(198)
علي بن محبوب ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « دلوك الشمس زوالها ، وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار » (1).
    وفيهما قصور من حيث السند ، لكنّهما مناسبان لتوزيع الصلوات اليومية على أوقاتها ، مع أنّ ذلك أحوط جدّا ، سيّما مع وقوع التعبير عن الانتصاف في بعض ما مرّ من الأخبار بزوال الليل (2) كما في الخبرين ، وإن شاركهما في قصور السند ، لاحتمال حصول الجبر بكثرة العدد ، فتأمّل.
     ( وركعتا الفجر ) وقتهما ( بعد الفراغ من الوتر ) على الأشهر ، سيّما بين من تأخّر ، بل عليه عامّتهم إلّا من ندر ، بل في ظاهر الغنية والسرائر الإجماع عليه (3) ، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، الدالة جملة منها وافرة على أنّهما من صلاة الليل ، وتضمّن اخرى كذلك ، للأمر بحشوهما في صلاة الليل (4) ، وقريب منها المعتبرة المستفيضة وفيها الصحاح وغيرها ، المرخّصة لفعلهما قبل الفجر ومعه وبعده (5).
    خلافاً للمرتضى والمبسوط (6) ، فوقّتاهما بالفجر الأوّل ، للصحيح وغيره : « صلّهما بعد ما يطلع الفجر » (7) بحمل الفجر فيهما على الفجر الأوّل ، ليناسب‏
1 ـ مستطرفات السرائر : 94/7 ، الوسائل 4 : 373 أبواب ب 55 ح 2.
2 ـ راجع ص 186 ـ 188.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 556 ، السرائر 1 : 196.
4 ـ الوسائل 4 : 263 أبواب المواقيت ب 50.
5 ـ الوسائل 4 : 268 أبواب المواقيت ب 52.
6 ـ حكاه عن المرتضى في المختلف : 71 ، المبسوط 1 : 76.
7 ـ الأول :
    التهذيب 2 : 134/523 ، الاستبصار 1 : 284/1040 ، الوسائل 4 : 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 5.
    الثاني :
    التهذيب 2 : 34/521 ، الاستبصار 1 : 284/1038 ، الوسائل 4 : 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 6.


(199)
الأخبار السابقة.
    وفيهما ـ مع ضعف الثاني سنداً ، وعدم مقاومتهما لما مرّ جدّا ـ ضعف دلالة ، لإجمال مرجع الضمير المحتمل كونه الغداة ويراد بالفجر هو الثاني ، كما هو المتبادر منه عند الإطلاق.
    ولو سلّم كونه الركعتين فضعف الدلالة من إجمال الفجر المحتمل للأوّل والثاني على تقدير التنزّل ، وإلّا فقد مرّ أنّه ظاهر في الثاني ، ويكون سبيلهما حينئذ سبيل النصوص المرخّصة لفعلهما بعد الفجر ومعه وقبله ، إن حمل الأمر فيهما على الرخصة ، وإلّا فالمتعيّن حملهما على التقية ، لأنّه مذهب كثير من العامة كما صرّح به جماعة (1) ، ويفهم من بعض النصوص : متى أصلّي ركعتي الفجر ؟ قال ، فقال لي : « بعد طلوع الفجر » قلت له : إنّ أبا جعفر عليه السلام أمرني أن أصلّيهما قبل. طلوع الفجر ، فقال : « يا أبا محمد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحق ، وأتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقيّة » (2).
    وبالجملة : لا ريب في ضعف هذا القول ، وإن مال إليه الماتن في الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد (3) ، لكن جوّزا تقديمهما على الأوّل كتقديم باقي النوافل قبل أوقاتها رخصة.
     ( و ) لا ريب أنّ ( تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأوّل أفضل ) خروجاً عن شبهة الخلاف ، وأخذاً بفحوى ما دلّ على استحباب إعادتهما بعد الفجر الأوّل لو صلّيتا قبله ، ففي الصحيح : قال ، قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « ربما
1 ـ منهم الشهيد الأول في الذكرى : 126 ، والمجلسي في البحار 80 : 73.
2 ـ التهذيب 2 : 135/526 ، الاستبصار 1 : 285/1043 ، الوسائل 4 : 264 أبواب المواقيت ب 50 ح 2.
3 ـ الشرائع 1 : 63 ، الإرشاد 1 : 243 ، القواعد 1 : 24.


(200)
صلّيتهما وعليّ ليل فإن قمت ولم يطلع الفجر أعدتهما » (1).
    وفي الموثق : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « إنّي لاصلّي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي وأصلّي الركعتين فأنام ما شاء اللّه تعالى قبل أن يطلع الفجر ، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما » (2).
    وهما وإن لم يقع التصريح فيهما بكون الفجر الأوّل وقت الإعادة ، لكنّه ظاهرهما ، سيّما الثاني ، لظهوره في وقوع الإعادة عند الفجر الذي هو الثاني بحكم التبادر ، وعنده القريب منه وهو الفجر الأوّل.
    وللإسكافي هنا قول آخر ، فقال : لا أستحب صلاة الركعتين قبل سدس الليل من آخره (3) ؛ ولعلّه للخبر : عن أوّل ركعتي الفجر ، فقال : « سدس الليل الباقي » (4).
    ولضعفه يحمل على الفضل ، وربما يومئ إليه أيضا عبارة الإسكافي.
    فتدبّر.
    ( ويمتد ) وقتهما ( حتى تطلع الحمرة ) المشرقية على الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية والسرائر (5) ؛ للصحاح وغيرها : « صلّهما قبل الفجر ومعه وبعده » (6) بناء على أنّ المراد من الفجر هو الثاني ، لما
1 ـ التهذيب 2 : 135/527 ، الاستبصار 1 : 285/1044 ، الوسائل 4 : 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 8.
2 ـ التهذيب 2 : 135/528 ، الاستبصار 1 : 285/1045 ، الوسائل 4 : 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 9.
3 ـ حكاه عنه في المختلف : 71.
4 ـ التهذيب 2 : 133/515 ، الاستبصار 1 : 283/1033 ، الوسائل 4 : 265 أبواب المواقيت ب 50 ح 5.
5 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 556 ، السرائر 1 : 196.
6 ـ الوسائل 4 : 268 أبواب المواقيت ب 52.


(201)
مرّ ، والبعديّة تستمرّ إلى ما بعد الإسفار وطلوع الحمرة ، إلّا أنّ جملة من النصوص دلّت على انتهاء الوقت بهما ، ففي الصحيح : عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى تسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر ، أيركعهما أو يؤخّرهما ؟ قال : « يؤخّرهما » (1).
    خلافاً لظاهر الإسكافي والشيخ في التهذيبين (2) ، فوقتهما إلى الفجر الثاني ، عملاً بما مرّ من النصوص من أنّهما من صلاة الليل ، وحملا لهذه الصحاح تارة على التقيّة لما مرّ إليه الإشارة ، واُخرى على أوّل ما يبدو الفجر استظهارا ليتبيّن الوقت يقيناً ، للمرسل : « صلّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك ، فإذا كان بعد ذلك فابدأ بالفجر » (3).
    والخبر : عن الرجل يقوم وقد نوّر بالغداة ، قال : « فليصلّ السجدتين اللتين قبل الغداة ثمَّ ليصلّ الغداة » (4).
    وهما مع ضعف سندهما أوفق بما عليه الأكثر. وحمل النصوص السابقة على التقية حسن إن وافقت مذهب أكثرهم الذي لأجله حملت عليها ، وليس ، فإنّ مذهبهم تحتّم الركعتين بعد الفجر ، وعدم جواز فعلهما قبله ولا معه ، والنصوص أباحت جميع ذلك. إلّا أن يقال : إن مراده تقيّة السائل في فعلهما بعده ، ولكن فيه بعدٌ.
    ولعلّ الداعي إلى ارتكابه رجحان الأخبار الدالة على أنّهما من صلاة
1 ـ التهذيب 2 : 340/1409 ، الوسائل 4 : 266 أبواب المواقيت ب 51 ح 1.
2 ـ حكاه عنه في المختلف 71 ، التهذيب 2 : 133 ، الاستبصار 1 : 283.
3 ـ التهيب 2 : 134/524 ، الاستبصار 1 : 284/1041 ، الوسائل 4 : 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 7.
4 ـ التهذيب 2 : 135/525 ، الاستبصار 1 : 285/1042 ، الوسائل 4 : 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 4.


(202)
الليل عدداً ، واعتضاداً بالعمومات المانعة عن فعل النافلة في وقت الفريضة ، وظهور جملة منها دلالةً بل بعضها كالصريح في ذلك ، وهو الصحيح : عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر ؟ فقال : « قبل الفجر ، إنّهما من صلاة الليل ، أتريد أن تقايس ؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع ؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة » (1).
    وهو كالصريح في أنّ الصلاة كالصوم الواجب لا يجوز أن تزاحمه النافلة ، فالأمر بالبدأة بالفريضة للوجوب جدّاً. ومنه يظهر ما في حمله على الاستحباب والفضيلة.
    فقولهما لا يخلو من قوّة لو لا الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، مع بُعد حمل أخبارهم على التقية كما عرفته ، كحمل الفجر فيها على الفجر الأوّل ، مع عدم نفع في هذا الحمل إلّا بعد ارتكاب مخالفة اُخرى للظاهر هي تقييد البعدية بالمستمرّة إلى الفجر الثاني خاصة.
    ومع ذلك فالأحوط تركهما بعد الفجر وقضاؤهما بعد الفريضة.
    وما أبعد ما بين هذا وبين القول بامتدادهما بامتداد الفريضة ، كما مال إليه الشهيد في الذكرى ، للصحيح : عن الركعتين قبل الفجر ؟ قال : « يتركهما » ـ وفي خطّ الشيخ ـ : « يركعهما حين يترك الغداة ، إنّهما قبل الغداة » (2).
    قال : وهذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها وليس ببعيد ، وقد تقدم رواية فعل النبي صلّى اللّه عليه وآله إيّاهما قبل الغداة في قضاء الغداة ، فالأداء أولى ، والأمر بتأخيرهما عن الإقامة أو عن الإسفار جاز كونه لمجرد الفضيلة لا توقيتا ،
1 ـ التهذيب 2 : 133/513 ، الاستبصار 1 : 283/1031 ، الوسائل 4 : 264 أبواب المواقيت ب 50 ح 3.
2 ـ التهذيب 2 : 133/514 ، الوسائل 4 : 266 أبواب المواقيت ب 51 ح 2.


(203)
انتهى (1).
    ويضعّف : بأنّه لا جهة للأولوية ، واستظهاره من خبر سليمان على لفظ يتركهما ظاهر ، فإنّ ظاهر معناه أنّه إنّما يتركهما حين يترك الفرض ، أي إنّما يصيران قضاء إذا صارت الفرض قضاء ، وإنّما يتركهما إذا أدّى فعلهما إلى ترك الفرض ، أمّا على خط الشيخ فالظاهر هو التقديم على الفجر الثاني ، سيّما وأنّه روى في رواية اُخرى بدل « حين يترك الغداة » « حين ينوّر الغداة » (2) فتدبّر.
    وبالجملة : الاستناد إلى مثل هذه الرواية المختلفة النسخ والأولوية المزبورة لا وجه له ، سيّما في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.
1 ـ الذكرى : 126.
2 ـ الاستبصار 1 : 283/1032 ، الوسائل 4 : 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 3.


(204)
( وأمّا اللواحق )
( فمسائل ) تسع :
    ( الاولى : يعلم الزوال ) الذي هو ميل الشمس عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ( بزيادة الظل بعد نقصه ) كما في النصوص (1) المنجبرة بالاعتبار وفتوى الأصحاب. أو حدوثه بعد عدمه ، كما في مكة وصنعاء في بعض الأزمنة.
    ( وبميل الشمس إلى الحاجب (2) الأيمن لمن يستقبل القبلة ) لأطراف العراق الغربية التي قبلتها نقطة الجنوب ، كما ذكره جماعة من الأصحاب (3) ، ومنهم الشيخ في المبسوط كما حكي عنه ، فقال : وقد روي أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل القبلة ووجد الشمس على حاجبه الأيمن علم أنّها قد زالت (4).
    ويعلم منه أنّ هذا الاعتبار موجود في الروايات ، ولم نقف عليها كما ذكره.
    نعم : في الوسائل روي عن مجالسة في حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال : « أتاني جبرئيل عليه السلام فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس ، فكانت على حاجبه الأيمن » (5).
1 ـ الوسائل 4 : 162 أبواب المواقيت ب 11.
2 ـ في « ش » : الجانب.
3 ـ منهم الشهيد في البيان : 108 ، والذكرى : 117 ، وصاحب المدارك 3 : 66.
4 ـ المبسوط 1 : 73.
5 ـ أمالي الطوسي : 29 ( وفيه : فأراني وقت الصلاة ... ) ، الوسائل 4 : 164 أبواب المواقيت ب 11 ح 5.


(205)
    و ليس فيه التقييد بمتوجّه الركن العراقي ، كما قيّده هو والفاضل في المنتهى (1). وقيّده آخرون (2) بمكان قبلته نقطة الجنوب ، أو قريبة منها ، أو بمن استقبل الجنوب كما ذكرنا ؛ ووجه التقييدات واضح ، فإنّ المقصود العلم بانحراف الشمس عن دائرة نصف النهار ، وهو لا يحصل بهذه العلامة كلياً ، بل ربما يحصل القطع بعدمه معها ، فينبغي أن يدار في تحصيل المعرفة بالزوال بهذه العلامة مدار القيود المزبورة.
    ولمعرفته طرق أخر ذكرها جملة من الأصحاب (3) ، وورد ببعضها بعض الروايات (4) ، ولا بأس بها ، بل وبغيرها مما أفاد المعرفة بالزوال ولو ظنّا إن قلنا باعتباره ، وإلّا فلا بد من القطع كيف اتفق.
     ( ويعرف الغروب ) الذي هو وقت للمغرب اتفاقاً فتوىً ونصّاً ( بذهاب الحمرة المشرقية ) على الأشهر الأظهر ، بل عليه عامّة من تأخّر إلّا من ندر (5) ؛ لتوقيفية العبادة ، ولزوم الاقتصار في فعلها على المتيقن ثبوته من الشريعة فتوى ورواية ، وليس إلّا بعد ذهاب الحمرة.
    وللأخبار المستفيضة ، وإن اختلفت ظهوراً وصراحةً ، منها الموثق : عن الإفاضة من عرفات ، قال : « إذا ذهبت الحمرة من ها هنا » وأشار بيده إلى‏
1 ـ المنتهى 1 : 199.
2 ـ كالشهيد ، وصاحب المدارك ( راجع ص 198 ) ، والحر لعاملي في الوسائل 4 : 164 أبواب المواقيت ب 11 ذيل الحديث 5.
3 ـ كالشيخ المفيد في المقنعة : 92 ، والشيخ البهائي في الحبل المتين : 137 ، والفيض الكاشاني في الفاتيح 1 : 94.
4 ـ اُنظر لوسائل 4 : 163 أبواب المواقيت ب 11 ح 3.
5 ـ كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2 : 22 ، والشيخ البهائي في الحبل المتين : 142 ، وفقد مالا إلي القول الاخر وهو غيبوبة الشمس عن الحسّ ، وقوّاه صاحب المدارك 3 : 53 ، والسبزواري في الكفاية : 15 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 94.


(206)
المشرق وإلى مطلع الشمس (1).
    ومنها : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق » قال : « لأنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا » ورفع يمينه فوق يساره » فإذا غابت الشمس هاهنا ذهبت الحمرة من ها هنا » (2).
    ومنها : « وإنّما أمرتُ أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة ، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب » (3).
    ومنها : عن وقت المغرب ، قال : « إذا تغيّرت الحمرة في الأفق ، وذهبت الصفرة ، وقبل أن تشتبك النجوم » (4).
    وفي عدّة منها : « إذا غابت الحمرة من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها » (5). إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
    وقصور أسانيدها أو ضعفها منجبر بفتوى الفقهاء وعملهم كافة ، كما ذكره الماتن في المعتبر ، قال : وعليه ـ يعني ذهاب الحمرة ـ عمل الأصحاب (6).
    وذهاب الحمرة المشرقية في العبارة وما ضاهاها والروايات وإن كانت مطلقة ، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد ذهابها من الأفق إلى أن تجاوز سمت الرأس ، كما صرح به في الكافي ، وشيخنا الشهيد الثاني في كتبه الثلاثة وغيرهما (7).
1 ـ التهذيب 5 : 186/618 ، الوسائل 13 : 557 أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 22 ح 2.
2 ـ الكافي 3 : 278/1 ، التهذيب 2 : 29/83 ، الاستبصار 1 : 265/959 ، الوسائل 4 : 173 أبواب المواقيت ب 16 ح 3.
3 ـ التهذيب 2 : 259/1033 ، الاستبصار 1 : 265/960 ، الوسائل 4 : 175 أبواب المواقيت ب 16 ح 10.
4 ـ التهذيب 2 : 257/1024 ، الوسائل 4 : 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 12.
5 ـ الوسائل 4 : 172 ، 175 أبواب المواقيت ب 16 الاحاديث 1 ، 7 ، 11.
6 ـ المعتبر 2 : 51.
7 ـ الكافي 3 : 279 ، الشهيد الثاني في المسالك 1 : 20 ، وروض الجنان : 179 ، والروضة 1 :


(207)
    و دلّ عليه جملة من النصوص منها المرسل : « وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة التي ترفع من المشرق إذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص » (1).
    ومنها الرضوي : « وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص ، والعمل في ذلك على سواد المشرق إلى حدّ الرأس » (2).
    ومنها : أيّ ساعة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يوتر ؟ فقال : « على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب » (3).
    خلافاً للإسكافي والصدوق في العلل والمبسوط ، فعلامة المغرب غيبتها عن الحس بالغروب (4).
    قيل : ويحتمله كلام الديلمي ، والمرتضى والقاضي في بعض كتبهما ، لجعلهم الوقت سقوط القرص ، وليس نصّاً فيه (5).
    وربما نسب إلى الاستبصار والفقيه ، لذكره بعض الأخبار الآتية (6).
    وفيه نظر ؛ لأنّ الأول كلامه صريح في موافقة المشهور ، حيث قال ـ بعد ذكر جملة من الأخبار الدالّة على الأمر بالصبر إلى ذهاب الحمرة ـ : فالوجه في هذه الأخبار أحد شيئين ، أحدهما : أن يكون إنّما أَمرَهم أن يمسّوا قليلا أو يحتاطوا ليتيقن بذلك سقوط الشمس ، لأنّ حدّها غيبوبة الحمرة من ناحية
178 ؛ وانظر كشف اللثام 1 : 156.
1 ـ الكافي 3 : 279/4 ، التهذيب 4 : 185/516 ، الوسائل 4 : 173 أبواب المواقيت ب 16 ح 4 وفي الجميع بتفاوت يسير.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 104 ، المستدرك 3 : 130 أبواب المواقيت ب 13 ذيل الحديث 3.
3 ـ الكافي 3 : 448/24 ، الوسائل 4 : 174 أبواب المواقيت ب 16 ح 5.
4 ـ نقله عن الإسكافي في المختلف : 72 ، علل الشرائع : 350 ، المبسوط 1 : 74.
5 ـ كشف الثام 1 : 157 ، وانظر المراسم : 62 ، ورسائل السيد 1 : 274 ، المهذَّب 1 : 69.
6 ـ نسبه اليهما في المختلف : 72 ، والذخيرة 191 ، والحدائق 6 : 163.


(208)
المشرق لا غيبوبتها عن العين. ثمَّ استشهد عليه بجملة من الأخبار السابقة ، ثمَّ نقل ما ظاهره المنافاة لها مما يأتي ، وقال بعده : فلا تنافي بين هذين الخبرين وبين ما اعتبرناه في غيبوبة الشمس من زوال الحمرة من ناحية المشرق ، لأنّه لا يمتنع (1) ... إلى آخر ما ذكره.
    وأمّا الفقيه فلم نجد فيه ما يدل على صحة النسبة عدا ذكره بعض الأخبار الآتية (2) ، بناءً على ما قدّمه في أوّل كتابه من أنّه لا يروي فيه إلّا ما يفتي به ويحكم بصحته (3).
    وهو ـ بعد تسليمه ـ معارض بروايته فيه ما ينافي القول المزبور أيضاً ، فقال : وروى بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّه سأله سائل عن وقت المغرب ، فقال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى‏ كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي ) (4) فهذا أوّل الوقت ، وآخر الوقت غيبوبة الشفق » (5) الخبر.
    وهو ـ كما ترى ـ كالصريح بل صريح في عدم الاعتبار بغيبوبة الشمس عن النظر ، واشتراط شي‏ء زائد من ظهور كوكب ، بل جعله بعض المحققين من أدلّة الأكثر ، قال : لأنّ ذهاب الحمرة المشرقية يستلزم رؤية كوكب غالباً » (6).
    ولنعم ما ذكره.
1 ـ الاستبصار 1 : 265.
2 ـ الفقيه 1 : 142/656 ، 661.
3 ـ الفقيه 1 : 3.
4 ـ الأنعام : 76.
5 ـ الفقيه 1 : 141/657 ، التهذيب 2 : 30/88 ، الاستبصار 1 : 264/953 ، الوسائل 4 : 174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6 بتفاوت يسير.
6 ـ كما نقله الحر العاملي ايضاً عن بعض المحققين. اُنظر الوسائل ذيل الحديث.


(209)
    ونسب أيضاً إلى المرتضى ، وفيه ما عرفته (1). بل يمكن التأمّل في مصير المبسوط إليه أيضاً ؛ وإن حكم أوّلاً بما حكي عنه ، إلّا أنّه بعد نقله المشهور حكم بأنّه الأحوط (2). والاحتياط في كلامه ليس نصّاً في الاستحباب ، فيحتمل الوجوب ، بناءً على طريقته المستمرة من استدلاله بالاحتياط في العبادة لإيجاب كثير من الأمور التي يدّعي وجوبها فيها.
    وكيف كان ، فلا ريب في ضعف هذا القول ، وإن استدلّ عليه بالنصوص الكثيرة المتواترة معنىً ، الدالة على أنّ أوّل المغرب سقوط القرص ، أو استتاره ، أو غيبوبة الشمس (3) ، بناءً على أنّ المفهوم منها لغةً وعرفاً هو الغيبوبة عن النظر.
    لضعفه أوّلاً : بأنّ المراد بسقوط القرص وغيبوبة الشمس سقوطه عن الأفق المغربي ، لا خفاؤها عن أعيننا قطعاً ، وعليه نبّه شيخنا في روض الجنان ، قال : لأنّ ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأرض والماء ونحوهما ، فإنّ الأفق الحقيقي غير مرئي (4).
    وأمّا ما يقال عليه من أن غيبوبة الشمس عن الأفق الحقيقي في الأرض المستوية حسّاً إنّما تتحقق بعد غيبوبتها عن الحسّ بمقدار دقيقة تقريباً ، وهذا أقلّ من ذهاب الحمرة المشرقية بكثير (5).
    فمنظور فيه أوّلاً : بأنّ فيه اعترافاً برفع اليد عن المفهوم اللغوي والعرفي ، واعتبار شي‏ء زائد عليه ولو دقيقة ، ومعه لا يتوجه الاستدلال بالأخبار المزبورة بالتقريب المتقدم.
1 ـ راجع ص : 201.
2 ـ المبسوط 1 : 74.
3 ـ اُنظر الوسائل 4 : 178 أبواب المواقيت ب 16 ح 16 الى 30 ، وب 17 من تلك الابواب.
4 ـ روض الجنان : 179.
5 ـ قال السبزواري في الذخيرة : 193.


(210)
    وثانياً : بأنّ كون غيبوبتها عن الحس بمقدار دقيقة أقلّ من ذهاب الحمرة وإن كان صحيحاً ، إلّا أنّه لمّا كان مجهولاً غير مضبوط لا يمكن إحالة عامة المكلّفين ولا سيّما العوام منهم عليه ، لا جرم وجب إحالته على أمر منضبط وهو ذهاب الحمرة من اُفق المشرق ، أو بدوّ النجم ، ونحو ذلك ، وعلى هذا فيكون ذهاب الحمرة علامة لتيقّن الغروب ، كما صرّحت به جملة من النصوص ، لا أنّه نفس الغروب.
    وبه يندفع ما يقال على المشهور من أنّه لا فرق بحسب الاعتبار بين طلوع الشمس وغروبها ، فلو كان وجود الحمرة المشرقية دليلاً على عدم غروب الشمس وبقائها فوق الأرض بالنسبة إلينا ، لكان وجود الحمرة المغربية دليلاً على طلوع الشمس ووجودها فوق الأرض بالنسبة إلينا من دون تفاوت.
    ووجه دفعه : أنّا لا نقول : إنّ وجود الحمرة دليل على بقاء الشمس في الاُفق المغربي للمصلّي ، بل نقول : إنّ معه لا يحصل القطع بالغروب الذي هو المعيار في صحة الصلاة ، وقطع استصحاب عدم الغروب به ، فلا يرد النقض بظهور الحمرة عند الطلوع في أفق المغرب ، لأنّ مقتضى ذلك حصول الشك بذلك في طلوع الشمس على الاُفق المشرقي ، ولا يقطع به يقين بقاء الوقت ، بل بظهور الشمس الحسّي ، فينعكس الأمر.
    وثانياً : بعد تسليم دلالتها فغايتها أنّها من قبيل المجمل ، أو المطلق ، وأخبارنا من قبيل المفسّر ، أو المقيّد ، فيجب حملها عليها قطعاً ، ولا استبعاد فيه بعد ورودها قطعاً ، كما هو الحال في حمل المطلقات وإن كثرت وتواترت على المقيدات وإن قلّت. ولو أثّر الاستبعاد في منعه لما استقام لنا أكثر الأحكام ، لكونها من الجمع بين نحو المطلقات والمقيدات.
    ودعوى عدم قوة أخبارنا وعدم بلوغها حدّ المكافأة للأخبار المعارضة ، لاستفاضتها بل وتواترها وصحّة أكثرها دون أخبارنا ، فاسدة.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس