رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 211 ـ 225
(211)
    كدعوى أنّ الجمع بالتقييد إنّما يتعيّن إذا انحصر طريق الجمع فيه ، ولم يكن في المقام حمل أقرب منه ، مع أنّ الجمع بحمل أخبار المشهور على الفضل ممكن ، بل وأقرب.
    وذلك لقوة أخبارنا بالاستفاضة القريبة من التواتر أيضاً ، وانجبارها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها من المتأخّرين إجماع في الحقيقة ، وقد عرفت استشعاره من عبارة الماتن في المعتبر (1). ومع ذلك كثير منها في المدعى صريحة ، ولا سيّما الدال منها على تفسير استتار القرص بذهاب الحمرة.
    ومع ذلك مخالفة لما عليه الجمهور كافّة ، كما صرّح به جماعة ، ومنهم الفاضل في المنتهى والتذكرة (2) ، فقال ـ مشيراً إلى قول المبسوط وهو قول الجمهور ـ : ويستفاد ذلك من كثير من النصوص ، منها ـ زيادةً على ما يأتي ـ رواية أبان بن تغلب وربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم ، قالوا : أقبلنا من مكة حتى إذا كنّا بواد الأخضر ، إذاً نحن برجل يصلّي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس ، فوجدنا في أنفسنا ، فجعل يصلّي ونحن ندعو عليه ، حتى صلّى ركعةً ونحن ندعو عليه ونقول : هذا من شباب المدينة ، فلمّا أتينا إذا هو أبو عبد اللّه عليه السلام ، فنزلنا وصلّينا معه وقد فاتتنا ركعة ، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا : جعلنا فداك هذه الساعة تصلّي ؟ فقال : « إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت » (3).
    وذلك فإنّ صدره ـ كما ترى ـ يدل على أنّه كان مقرّراً عند الشيعة أنّه‏
1 ـ راجع ص 200.
2 ـ المنتهى 1 : 203 ، التذكرة 1 : 76.
3 ـ أمالي الصدوق : 75/16 وفيه : الاجفر بدل : الاخضر ، الوسائل 4 : 180 أبواب المواقيت ب 16 ح 23.


(212)
لا يدخل الوقت قبل مغيب الحمرة المشرقية ، ولذا كانوا يدعون على المصلّي قبله وزعموه من شباب المدينة ، أي من شباب العامة.
    ومنها : رواية جارود ، قال ، قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : « يا جارود ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا بشي‏ء نادوا به ، أو حدّثوا بشي‏ء أذاعوه ، قلت لهم : مسّوا بالمغرب قليلاً ، فتركوها حتى اشتبكت النجوم ، فأنا الآن اُصلّيها إذا سقط القرص » (1).
    وذلك لدلالة الأمر بالإمساء قليلاً على مذهب المشهور ، ولما رأى عليه السلام أنّهم نادوا به وأذاعوه قال : أنا أفعل الآن ، إلى آخره. وهو كالصريح في أنّ فعله عليه السلام ذلك للتقية.
    ومنها : كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام : يتوارى القرص ويقبل الليل ثمَّ يزيد الليل ارتفاعا ، وتستر عنا الشمس ، وترتفع فوق الليل حمرة ويؤذّن عندنا المؤذّنون ، أفأصلّي حينئذ وأفطر إن كنت صائما ، أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل ؟ فكتب إليّ : « أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك » (2).
    وهو صريح في أنّ المؤذّنين يومئذ كانوا يؤذّنون قبل ذهاب الحمرة ، ولا ريب أنّهم كانوا من العامّة.
    وهذه الرواية كسابقتها دليل على المختار أيضاً ، وإن استدل بالأولى وهذه على خلافه ، لفعله عليه السلام في الاولى ، وتخصيصه لراوي هذه بقوله : « أرى لك ... » الظاهر في الاستحباب ، وإلّا لعمّم وما عبّر بلفظ الاحتياط.
    وقد عرفت ما في فعله عليه السلام ، من كونه للتقية. وتخصيص الراوي‏
1 ـ التهذيب 2 : 259/1032 ، الوسائل 4 : 177 أبواب المواقيت ب 16 ح 15.
2 ـ التهذيب 2 : 259/1031 ، الاستبصار 1 : 264/952 بتفاوت يسير فيهما ، الوسائل 4 : 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 14.


(213)
لعلّه بل الظاهر أنّه من جهة علمه عليه السلام بعدم ابتلائه بالتقية ، أو بمعرفته سبيل الخلاص عنها ، ولفظ الاحتياط ليس نصّا بل ولا ظاهرا في الاستحباب ، لأنّ ذلك إنّما هو بالاصطلاح المتأخّر بين الأصحاب ، وإلّا فالاحتياط هو الاستظهار والأخذ بالأوثق لغة ، بل وفي كلمة متقدّمي الأصحاب أيضاً ، كما مضى (1) ، ولا ريب أنّ مثله في أمثال العبادات واجب ، للرجوع إلى حكم الاستصحاب ببقاء شغل الذمة اليقيني الذي لا بد في الخروج عنه من اليقين.
    وبالجملة لا ريب في دلالة هذه الأخبار على المختار ، وأنّ خلافه مذهب أولئك الكفرة الفجّار.
    وبه يظهر جواب آخر عن تلك الأخبار الدالة على حصول الغروب بمجرد الاستتار ، وهو حملها على التقيّة.
    ونحوها الأخبار الظاهرة من غير جهة الإطلاق ، كالخبر : عن وقت المغرب ، فقال : إذا غاب « كرسيّها » قلت : وما كرسيّها ؟ قال : « قرصها » قلت : ومتى يغيب قرصها ؟ قال : « إذا نظرت إليه فلم تره » (2).
    ومنها : « إنّا ربما صلّينا ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل ، وقد سترنا منها الجبل ، قال ، فقال : « ليس عليك صعود الجبل » (3).
    ونحوه آخر : « إنّما تصلّيها إذا لم تر خلف الجبل غارت أو غابت ، ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلمها ، فإنّما عليك مشرقك ومغربك ، وليس على‏
1 ـ راجع ص 203.
2 ـ التهذيب 2 : 27/79 ، علل الشرائع : 350/4 ، أمالي الصدوق : 74/10 ، الوسائل 4 : 181 أبواب المواقيت ب 16 ح 25.
3 ـ الفقيه 1 : 141/656 ، التهذيب 2 : 29/87 ، 264/1054 ، الاستبصار 1 : 266/962 ، الوسائل 4 : 198 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.


(214)
الناس أن يبحثوا » (1).
    وفي صدره أيضاً إشعار بوروده تقيّةً ؛ فإنّ فيه : قال ـ يعني الراوي ـ : صعدت مرّة جبل أبي قبيس والناس يصلّون المغرب ، فرأيت الشمس لم تغب إنّما توارت خلف الجبل عن الناس ، فلقيت أبا عبد اللّه فأخبرته بذلك ، فقال : « ولِمَُ فعلت ذلك ؟ بئس ما صنعت » .
    مع أنّها قاصرة الأسانيد ، وإن قيل : روي الأوّل في مجالس الصدوق بسند صحيح (2). مع أنّ ظاهرها ولا سيّما الأخير عدم البأس بوجود الضوء والشعاع على نحو التلال والجبال ، وأنّ المعتبر غيبوبة الشمس عن نظر المصلّي وهو على الأرض ، وهو مما قطع جماعة من أرباب هذا القول بفساده ، ومنهم صاحبا المدارك والذخيرة ، حيث قالا ـ بعد أن نقلا عن التذكرة تحديد الغروب على هذا القول في العمران بأن لا يبقى شي‏ء من الشعاع على رؤوس الجدران وقلل الجبال ـ ما لفظه : وهو حسن (3).
    وهو ـ كما ترى ـ خلاف ما دلّت عليه تلك الأخبار ، فكيف يستدلّون بها ؟ مع أنّ الذي يظهر من المبسوط كون ما دلّت عليه مما يتفرع على هذا القول حيث قال بعد نقل القولين : فأمّا على القول الأول ـ وأشار به إلى هذا ـ إذا غابت الشمس عن البصر ورأى ضوءها على جبل يقابلها أو على مكان عال مثل منارة الإسكندرية وشبهها فإنّه يصلّي ولا يلزم حكم طلوعها ـ إلى أن قال ـ : وعلى الرواية الاُخرى لا يجوز حتى تغيب في كل موضع تراه وهو الأحوط (4).
1 ـ الفقيه 1 : 142/661 ، التهذيب 2 : 264/1053 ، الاستبصار 1 : 266/961 ، أمالي الصدوق : 74/12 ، الوسائل 4 : 198 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.
2 ـ أمالي الصدوق : 74/10.
3 ـ المدارك 3 : 53 ، الذخيرة : 193.
4 ـ المبسوط 1 : 74.


(215)
    و منه يظهر جواب آخر عما دلّ على حصول الغروب بالاستتار من الإطلاقات ، لعدم صدقه قطعاً بمجرد غيبتها عن النظر مع رؤية شعاعها على قلل الجبال.
    والعجب عن غفلة هؤلاء الجماعة من قول المبسوط هذا ، وزعمهم موافقتهم له ، وتفريعهم ما مرّ نقله عن التذكرة عليه (1) ، مع أنّ عبارته كما عرفت صريحة في خلاف ما زعموه ، ولعلّه لذا قال في الذخيرة بعد قوله حسن : وإن أمكن المنازعة فيه ، وليت شعري كيف حسّنه مع إمكان المنازعة ؟ ومع ذلك فالظاهر أنّ وجه المنازعة إنّما هو ظهور عبارة المبسوط والنصوص الأخيرة في خلاف ما حسّنه ، وهو الاكتفاء بالغيبة عن النظر ، وعدم البأس برؤية الشعاع على الجبل ، وهذا كيف يمكن احتماله فضلا عن المصير إليه ، مع ضعف النصوص الدالّة عليه ، وعدم جابر لها بالكليّة ، ومخالفته الاُصول والأخبار المتواترة حتى الأخبار التي استدل بها على مذهبه (2) ، لما عرفت من عدم صدق الغيبة والاستتار
1 ـ راجع ص 205.
2 ـ في حاشية « ش » و « ح » : منها الصحيح : « وقت المغرب اذ غائب القرص فأن رأيته بعد ذلك وقد صليت اعدت الصلاة ، ومضي صومك ، وتكف عن الظعام ان كنت اصبت منه شيئاً » الوسائل 4 : 178 أبواب المواقيت ب 16 ح 17.
وقد حمله الاصحاب على ما حملو عليه سائر الاخبار التي بمضمونها من ان المراد بغيبوبة القرص ذهاب الحمرة كما فسرت به بعض المعتبرة.
ولكن ظاهر شيخنا البهائي في الحبل المتين اباء هذا الصحيح عن ذالك الحمل ، ولعله لقوله : « فان رأيته بعد ذلك » وذلك فان المراد لو كان بغيبوبة القرص ذهاب الحمرة لما أمكن رويته بعد ذالك ، فكيف يقول بعد ذلك : « فان رأيته » .
وفيه نظر ؛ لان ذلك انما يتوجه لو اختصت الروايه بصورة الصحو وخلو السماء عن الغيم ، وليست مختصه بها ، بل هي مطلقة يمكن تقييدها بصوره الغيم ، ويكون محصله : ان : علامة الغروب غيبوبة الحمرة المشرقية ، فاذا اشتبهت عليك كالغيم او حجاب فظنت أنّها قد ذهبت ثم ظهر خلاف برويته صح صومك ، وبهذا صرح في الوافي ، مع انه من أهل هذا القول ، أيّ القول الثاني وفيه وفي المفاتيح ، فمع هذا الاحتمال كيف تكون الرواية تأتي عن هذا الحمل ولم تقبله.


(216)
الواردين فيها مع وجود الأشعّة على قلل الجبال قطعاً لغةً وعرفاً ، فليس بعد ذلك إلّا طرحها.
    وبالجملة فقول المبسوط حينئذ على تقديره ضعيف جدّاً يستحيل المصير إليه قطعاً.
    وأمّا ما اختاره هؤلاء الجماعة فالظاهر أنّه قول محدث ، إذ ليس إلّا قول المشهور وما في المبسوط الذي يرجع إليه قول الإسكافي ، والمرتضى على تقدير ثبوته (1) ، وقول العماني الآتي وغيره ، وهو لا يوافق شيئاً منها ، فيندفع زيادةً على ما مرّ بالندرة والشذوذ ، ومخالفته الإجماع ، فتأمّل جدّاً.
    وهنا قولان آخران باعتبار اسوداد الأفق من المشرق كما عن العماني (2) ، للخبرين (3) ، ويبدو ثلاثة أنجم كما عن الصدوقين في المقنع‏
و اعلم ان الفاضل في المنتهى اعترض على العاملين بهذه الصحيحة وظاهرها ، بأنّه لو كان الوقت قد دخل بالاستثمار لما امرنا بالاعادة عند الظهور اذ هي صلاة قد فعلت في وقتها ، فلا يستبع وجوب الاعادة.و اعترضه في الذخيرة بان وجوب الاعادة مبني على ظهور الخظاء في الظن ، ونظيره في الاحكام غير عزيز. وهذا الاعتراض غريب ، فان الخظاء في الظن انما يصح حيث يحصل الوقت بأمارات ظنية من دون مشاهدة لحصول غيم وما ضارعه يوجب عدم الحصول العلم الواقعي بالوقتة المعرفة ، ومورد الصحيحة ـ لو بني على ظاهرها ـ وكلام الفاضل في المنتهى انما هو صورة العلم بالوقت الذي هو غيبوبة الشمس عن النظر ، والقطع به من دون خطاء وحصول شبهة ، فأين هذا من حصول الخطاء في الوقت ، بل لا يكون ذالك الا من جهة ان مجرد الغيبة عن النظر ليس بوقت ، وانه هو خصوص ذهاب الحمرة ، وبموجب ذالك يجب رفع اليد عن ظاهر الرواية ، وحمله على الذهاب الحمرة وحصول الاشتباه بغيم ونحوه ، وبالجملة : ذالك واضح كما لا يخفى على من تدبر ( منه عفي عنه وعن والديه ).
1 ـ تقدم ذكرهما في ص : 201.
2 ـ نقله عنه في المختلف : 69.
3 ـ الأول : التهذيب 2 : 29/86 ، الاستبصار 1 : 265/958 ، الوسائل 4 : 175 أبواب المواقيت ب 16 ح 8.
الثاني : فقه الرضا ( عليه السلام ) : 104 ، المستدرك 3 : 130 أبواب المواقيت ب 13 ذيل الحديث 3.


(217)
والرسالة (1) ، للصحيح (2).
    وهما شاذّان ، ومستنداهما لا يقاومان شيئاً مما قدّمناه من وجوه شتّى ، مع ضعف دلالتهما ، واحتمالهما ككلامهم الرجوع إلى ما عليه القوم ، بل أرجعهما إليه بعض الفضلاء بوجه قريب لا فائدة في التعرض لذكره ولا جدوى.
    وإنّما طوّلنا الكلام في المسألة لأنّها من المهمّات ، وذيل الكلام فيها أطول من ذلك ، تركناه خوفاً من زيادة التطويل الذي لا يناسب هذا التعليق.
    ( الثانية : )
    ( قيل ) والقائل الشيخان وجماعة (3) : إنه ( لا يدخل وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية ولا ) يجوز أن ( تصلى قبله إلّا مع العذر ) فيجوز حينئذ كما هو ظاهر بعضهم ، وأطلق بعضهم المنع عن الصلاة قبله من دون استثناء.
    وقد مرّ في أواخر مواقيت الفرائض ما يصلح مستندا لهم مطلقا (4) ( و ) أنّ الأشهر ( الأظهر ) جواز التقديم مطلقا ولو اختياراً لكن مع ( الكراهة ) خروجا عن الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية ، وإن كان الأظهر حمل المانعة منها على التقيّة ، لكونه مذهب الجمهور كافّة كما عرفته.
    ( الثالثة ) :
    ( لا ) يجوز أن ( تقدم صلاة الليل على الانتصاف ) لما مر في توقيتها به (5).
1 ـ المقنع : 65 نقله عن والده في الفقيه 2 : 81.
2 ـ التهذيب 4 : 318/968 ، الوسائل 10 : 124 أبواب مايمسك عنه الصائم ب 52 ح 3.
3 ـ المفيد في المقنعة : 94 ، الطوسي في المبسوط 1 : 75 ، والخلاف 1 : 262 ؛ وانظر المراسم : 62.
4 ـ راجع ص 177 ـ 178.
5 ـ في ص : 186.


(218)
    ( إلّا لشابّ تمنعه ) من فعلها في وقتها ( رطوبة رأسه ) ودماغه ( أو مسافر ) أو شبههما من ذوي الأعذار المحتملة منعها لهم عن فعلها في الوقت ، فيجوز لهم حينئذ تقديمها عليه على الأظهر الأشهر ، بل في الخلاف الإجماع عليه (1) ، بل عليه عامّة من تأخّر ، عدا الفاضل في المختلف والتحرير (2) ، لكنّه فيه توقّف ، وفي الأوّل صرّح بالمنع وفاقاً للحلي (3) ، وزرارة من القدماء (4).
    لعدم جواز فعل الموقّت قبل وقته. وفيه منع على إطلاقه.
    ولظاهر الصحيح : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك من صلحائهم شكا إليّ ما يلقى من النوم ، وقال : إني اُريد القيام بالليل فيغلبني النوم حتى اُصبح ، فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين أصبر على ثقله ، فقال : « قرّة عين له واللّه ، قرة عين واللّه » ولم يرخّص في النوافل أوّل الليل ، وقال : « القضاء بالنهار أفضل » (5).
    وهو معارض بالصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة المرخّصة للتقديم مطلقاً كما في بعضها ، وقد مضى (6) ؛ أو في السفر خاصة كما في كثير منها ، وفيها الصحيح وغيره (7) ؛ أو مطلق العذر كما في أكثرها ، وفيها الصحاح وغيرها (8). وهي أرجح من تلك الصحيحة من وجوه عديدة ، ومنها صراحة
1 ـ الخلاف 1 : 537.
2 ـ المختلف : 74 ، التحرير 1 : 28.
3 ـ السرائر 1 : 307.
4 ـ حكي عنه في ذيل خبر محمد بن مسلم ، اُنظر الوسائل 4 : 256 أبواب المواقيت ب 46 ح 7.
5 ـ الكافي 3 : 447/20 ، الفقيه 1 : 302/1381 ، التهذيب 2 : 119/447 ، الاستبصار 1 : 279/1015 ، الوسائل 4 : 255 أبواب المواقيت ب 45 ح 1.
6 ـ في ص : 179 ، وانظر الوسائل 4 : 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 13 ، 14.
7 ـ الوسائل 4 : 249 ـ 250 أبواب المواقيت ب 44 ح 1 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 ، 10 ، 11 ، 19.
8 ـ الوسائل 4 : أبواب المواقيت ب 44 ح 2 ، 12.


(219)
الدلالة ، والاعتضاد بالشهرة العظيمة ، فلتحمل على الكراهة لا الحرمة ، ويشير إليه ما في آخرها برواية الكليني والشيخ : قلت : فإنّ من نسائنا أبكاراً الجارية تحبّ الخير وأهله ، وتحرص على الصلاة فيغلبها النوم ، حتى ربما قَضَت وربما ضعفت عن قضائه ، وهي تقوى عليه أوّل الليل ، فرخّص لهنّ الصلاة في أوّل الليل إذا ضعفن وضيّعن القضاء.
    وهو ـ كما ترى ـ صريح في الترخيص لغلبة النوم. لكن ظاهره اختصاصه بصورة خوف فوت القضاء ، كما حكي عن التذكرة (1) ، وربما يفهم من المختلف والمنتهى (2). ولا ريب أنّه أحوط ، وإن كان جواز التقديم مع العذر مطلقا أقوى.
     ( و ) مع ذلك فـ ( قضاؤها أفضل ) من تقديمها اتفاقاً فتوىً ونصّاً. ومنه ـ زيادةً على ما تقدم ـ الصحيح : الرجل من أمره القيام بالليل ، تمضي عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم ، فيقضي أحبّ إليك ، أم يعجل الوتر أوّل الليل ؟ قال : « لا ، بل يقضي وإن كان ثلاثين ليلة » (3).
    ونحوه الخبر : « يقضي أحب إليّ ، إنّي أكره أن يتّخذ ذلك خلقاً » (4).
    وفي آخر عن قرب الإسناد : عن الرجل يتخوّف أن لا يقوم من الليل ، أ يصلّي صلاة الليل إذا انصرف من العشاء الآخرة فهل (5) يجزيه ذلك ، أم عليه قضاء ؟ قال : « لا صلاة. حتى يذهب الثلث الأول من الليل ، والقضاء بالنهار
1 ـ التذكرة 1 : 85.
2 ـ المختلف : 74 ، المنتهى 1 : 213.
3 ـ التهذيب 2 : 338/1295 ، الوسائل 4 : 256 أبواب المواقيت ب 45 ح 5.
4 ـ التهذيب 2 : 119/448 ، الاستبصار 1 : 280/1016 ، الوسائل 4 : 256 أبواب المواقيت ب 45 ح 7.
5 ـ في المصدر : وهل.


(220)
أفضل » (1).
    وحيث تقدم فلا يجوز قبل الغروب : لتصريح النص والفتوى بأوّل الليل ، بل ظاهر الخبر الأخير اعتبار مضيّ ثلثه الأوّل ، وضعف سنده يمنع عن تقييد النص والفتوى به. وإطلاقهما بجواز التقديم أوّل الليل ظاهره بحكم التبادر كونه بعد العشاءين ، ولعلّه متعيّن ، قصراً للضرورة على محلها ، والتفاتاً إلى عموم ما دلّ على المنع من فعل النافلة في وقت الفريضة إلّا في المواضع المستثناة (2) ، ولم يعلم كون هذا منها.
    والمراد بصلاة الليل المقدّمة مجموع الثلاث عشرة ركعة ؛ لإطلاقها عليها إطلاقاً شائعاً ، مع التصريح بتقديم الوتر في جملة من النصوص ، ومرّ في كثير من النصوص أن ركعتي الفجر من صلاة الليل (3) ، وتسمى الدساستين لدسّهما فيها ، فما في روض الجنان من استثنائهما من الحكم (4) غير ظاهر الوجه.
    وهل ينوي مع التقديم الأداء ؟ الأقوى لا ، بل ينوي التعجيل.
    ولو أنبته في الوقت بعد أن قدّمها عليه فهل يسوغ الإتيان بها ثانياً ؟ وجهان.
    ( الرابعة ) :
    ( إذا تلبس بنافلة الظهر ولو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها مقدمة على الظهر (5) ، وكذا ) لو تلبس بنافلة ( العصر ) ولو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها مقدمة
1 ـ قرب الإسناد : 198 /759 ، الوسائل 4 : 257 أبواب المواقيت ب 45 ح 8 بتفاوت فيهما.
2 ـ اُنظر الوسائل 4 : 226 أبواب المواقيت ب 35.
3 ـ الوسائل 4 : 263 أبواب المواقيت ب 50.
4 ـ روض الجنان : 183.
5 ـ في المختصر المطبوع : الفريضة.


(221)
عليه ، كما في السرائر (1) ، وعن النهاية والمهذب (2) ، وعزا في المدارك وغيره إلى الشيخ وأتباعه واختاره أيضاً (3) ، كالفاضلين والشهيدين وغيرهم من المتأخّرين (4) ، من غير خلاف بينهم أجده.
    للموثق : « للرجل أن يصلي من نوافل الزوال ( ما بين زوال الشمس‏ ) إلى أن يمضي قدمان ، فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتمّ الصلاة حتى يصلي تمام الركعات ، فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالاُولى ولم يصلّ الزوال إلّا بعد ذلك ، وللرجل أن يصلّي من نوافل الاُولى ما بين الاُولى إلى أن يمضي أربعة أقدام ، فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصلّ من النوافل شيئاً فلا يصلّ النوافل ، وإن كان قد صلّى ركعةً فليتمّ النوافل حتى يفرغ منها ثمَّ يصلّي العصر » (5) الخبر.
    وهو نص في نافلة العصر. وفيه نوع إجمال في نافلة الظهر ، لكن يدفع بعدم القائل بالفرق ، وبظهور قوله عليه السلام : « فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى » فيه.
    ولعل معنى قوله عليه السلام : « فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان » أنه إن بقي من وقت الزوال أي ما قبل فرض الظهر من النوافل قدر ركعة ، أو الزوال هنا الوقت من الزوال إلى قدمين. وعلى التقديرين قوله : « أو قبل أن يمضي قدمان » تعبير عنه بعبارة اُخرى للتوضيح ، أو الترديد من‏
1 ـ السرائر 1 : 202.
2 ـ النهاية : 60 ، المهذَّب 1 : 71.
3 ـ المدارك 3 : 71 ، وانظر الذخيرة : 198.
4 ـ المحقق في الشرايع 1 : 48 ، العلامة في التبصرة : 20 ، الشهيد الأول في الدروس 1 : 140 ، الشهيد الثاني في المسالك 1 : 20 ؛ وانظر مجمع الفائدة 2 : 19.
5 ـ التهذيب 2 : 273/1086 ، الوسائل 4 : 245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1. ومابين المعقوفين من المصدر.


(222)
الراوي.
    ومن الجائز أن يكون فيه سهوٌ من الأقلام وتكون العبارة « قد صلى » مكان « قد بقي » ويكون « أو » سهواً ، كذا ذكره بعض الأفاضل (1). وفيه اعتراف بقصور الصدر عن إفادة حكم نافلة الظهر كما ذكرناه ، وبه صرح في الذخيرة (2).
    ومن هنا ينقدح ما في المدارك من دعوى صراحة الخبر في الحكمين (3). ولعله إنما نشأ من اقتصاره على الشرطية التي دلت عليه ولم يذكر الشرطية الأخرى وهي قوله : « فإن كان قد بقي » إلى آخره. والإجمال إنما نشأ منها.
    وإطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم اشتراط التخفيف في المزاحمة ، إلّا أن في السرائر وعن المعتبر وجماعة اشتراطه (4). والنص كما ترى مطلق ، لكن في ذيله اشتراط المزاحمة بأن يمضي بعد القدمين نصف قدم في الظهر وبعد الأربعة أقدام قدم في العصر ، فإن صحّ مستنداً لهم ، وإلّا فلا أعرف مستندهم عدا ما قيل (5) من أن فيه محافظة على المسارعة إلى فعل الواجب (6).
    وهو حسن إن كان اشتراط التخفيف لمجرد الفضل. وإن كان المقصود به حرمة النافلة مع عدمه فلا تفيدها المحافظة على السنن ، إذ غايتها إثبات‏
1 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 168.
2 ـ الذخيرة : 198 ، فقال : والحكم الذي ذكروه في العصر مصرح في الخبر ، واما الظهر فلا ، لان مفهومي الشرطين المذكورين في حكمهما متعارضان الا ان يثبت عدم القائل بالفصل. منه رحمه الله.
3 ـ المدارك 3 : 71.
4 ـ السرائر 1 : 202 ، المعتبر 2 : 59 ؛ وانظر النهاية : 60 ، والشرائع 1 : 48 ، والمسالك 1 : 20.
5 ـ كما في المدارك 3 : 71.
6 ـ ربما يتطرق اليه النظر بانه كما يوجب المسارعة الى فضيلة فعل الواجب في وقته ، لكنه يوجب فوات فضيلة التطويل المندوب اليه في الصلاة مطلقاً ولو نافلة. الا ان يقال : ان فضيلة الفريضة اولي من فضيلة النافلة. منه رحمه الله.


(223)
الفضل بناء على جواز تأخير الفريضة عن وقت الفضيلة اختياراً ، كما هو الأشهر الأقوى. نعم ، لو قلنا بالمنع عنه ـ كما هو مذهب الشيخين وغيرهما (1) ـ اتجه ذلك.
    كما لو قلنا بحرمة النافلة في وقت الفريضة وعدم حجية الموثقة ، فإنه حينئذ يجب الاقتصار ـ في المزاحمة المزبورة المخالفة للأصل على هذا التقدير ـ على القدر المجمع عليه.
    وإطلاق الموثق لا عبرة به ؛ لعدم حجيته ، مع عدم معارضته لإطلاق خصوص النصوص المانعة عن مزاحمة نافلة الظهرين لهما بعد خروج وقتهما ، وفيها الصحيح وغيره (2) ، خرج منها القدر المتفق عليه ، وهو المزاحمة مع التخفيف ، وبقي الباقي.
    ومن هنا يتوجه إثبات شرطية التخفيف بناءً على الأصل المتقدم ولو قلنا بحجية الموثق ؛ إذ هو حيث لم يعارضه أقوى منه عدداً وسنداً واعتضاداً بالاُصول ، فتأمّل جدّاً (3).
    وكيف كان فلا ريب أن التخفيف أحوط وأولى.
    والمراد به ـ كما ذكروه ـ الاقتصار على أقل ما يجزي فيها من قراءة الحمد وحدها ، وتسبيحة واحدة في محلها. بل عن بعض المتأخرين أنه لو تأدّى التخفيف بالصلاة جالساً آثره على القيام ، قال : لإطلاق الأمر بالتخفيف (4).
1 ـ المفيد في المقنعة : 94 ، الطوسي في النهاية : 58 وانظر الوسيلة : 81 والمهذب 1 : 71 ، والكافي في الفقه : 138.
2 ـ اُنظر الوسائل 4 : 141 أبواب المواقيت ب 8 ح 1 الى 4 ، وح 35 ، ص 226 ب 35 من تلك الابواب.
3 ـ وجهه : ان المعارض هنا من قبيل المطلقات والموثقه من بيل المقيد ، ولا يشترط في مثلهما التكافؤ العددي والسندي ونحوهما. منه رحمه الله.
4 ـ نقله في المدارك 3 : 71 ـ ايضاً ـ عن بعض المتأخرين.


(224)
    و هل يختص الحكم بجواز المزاحمة بما عدا يوم الجمعة ، أو صلاتها ، أو يعمّهما أيضاً ؟ أوجه ، إطلاق النص والفتوى يقتضي الأخير. واختصاصه بما عدا صلاة الجمعة بحكم التبادر يقتضي الاختصاص بما عداها ، سيّما مع كثرة الأخبار بضيقها (1) ، وهذا أحوط وأولى.
    وهل هي أداء ؟ قيل : الأقرب ذلك (2) ، تنزيلا لها منزلة صلاة واحدة أدرك ركعة منها.
    ولا يبعد هذا إن اشترطنا قصد الأداء ، وإلّا ـ كما هو الأقوى ـ فيكفي قصد القربة مطلقاً.
    ولو ظن خروج وقت النافلة قبل إكمال ركعة حيث لا طريق له إلى العلم فشرع في الفريضة فتبين السعة : قيل : يصلّيها بعدها أداء لبقاء وقتها (3).
    وفيه نظر. ويأتي على المختار كفاية قصد القربة هنا أيضاً ، إن لم يحصل الإشكال في أصل فعلها ، كما إذا كانت نافلة العصر وصليت في وقتها بعد فريضتها. ويشكل فيما لو كانت نافلة الظهر ؛ إذ فعلها بعد فريضتها فعل نافلة في وقت فريضة لم يعلم استثناؤه ، لاختصاص المستثنى لها من النص والفتوى بحكم التبادر بفعلها في وقتها قبل فريضتها لا مطلقا ، وهذا هو وجه النظر الذي قدّمناه ، فتأمّل جدّاً.
    ( و ) اعلم أن هذا الحكم يختص بنافلة الظهرين ( أما نوافل المغرب فمتى ذهبت الحمرة ) المغربية التي هي آخر وقتها كما مضى (4) ( ولم يكملها
1 ـ اُنظر الوسائل 7 : 315 أبواب الصلاة الجمعة ب 8.
2 ـ قال به الشهيد في الدروس 1 : 141.
3 ـ كما قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 41 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 181.
4 ـ في ص : 184.


(225)
بدأ بالعشاء ) إن لم نقل بامتدادها بامتداد وقت الفريضة ، كما هو الأشهر الأقوى ، بل نفي الحلي عنه الخلاف في نوافل الظهرين (1) ، ولا قائل بالفرق جدّاً ، للأصل من غير معارض ، لاختصاصه بنوافلهما ، والتعدّي قياس لا يجوز عندنا.
    فقول الحلي هنا بإتمام الأربع بالشروع في ركعة منها (2) ـ كما في الظهرين ـ لا وجه له ظاهراً إلّا أن يكون إجماعاً. وهو ضعيف جدّاً لاشتهار خلافه بين الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في الذخيرة (3) ، وإن اختلفوا في إطلاق الحكم كما هنا وفي القواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى (4) ، أو تقييده بما إذا لم يكن شرع في ركعتين منها ، وإلّا فيكمّلهما خاصّةً ، اُوليين كانتا أم أخيرتين ، كما ذكره الشهيدان وغيرهما (5) ، قالوا : للنهي عن إبطال العمل.
    وهو حسن إن قلنا بتحريمه مطقاً. وإن خصّصناه بالفريضة وقلنا بكراهته في النافلة كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (6) ، أو مطلقاً كما عليه بعض هؤلاء الجماعة ، أشكل الاستثناء ؛ لعموم أدلّة تحريم النافلة في وقت الفريضة ، والإبطال لا يستلزم غير الكراهة ، وهي بالإضافة إلى التحريم مرجوحة بل منتفية ؛ لاختصاصها بما إذا لم تعارضها حرمة ، وقد عارضتها في المسألة ، لعموم الأدلّة على الحرمة.
    إلّا أن يمنع ويدّعى اختصاصها بحكم التبادر بابتداء النوافل في وقت الفريضة ، لا عدم وقوعها فيه مطلقاً ولو بجزء منها. وهو غير بعيد ، فما قالوه‏
1 ـ السرائر 1 : 199.
2 ـ السرائر 1 : 202.
3 ـ الذخيرة : 199.
4 ـ القواعد 1 : 25 ، الإرشاد 1 : 243 ، التحرير 1 : 28 ، المنتهى 1 : 214.
5 ـ الشهيد الأول في الذكرى : 124 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 181 ؛ اُنظر جامع المقاصد 2 : 21 ، والمدارك 3 : 75.
6 ـ روض الجنان : 182.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس