رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 226 ـ 240
(226)
حسن ، سيّما على المختار من عموم تحريم الإبطال للنوافل أيضاً.
    وربما يشكل لو علم قبل الشروع فيها بمزاحمتها الفريضة في الأثناء ، لقوة احتمال شمول أدلّة حرمة النافلة في وقت الفريضة لمثل هذا ، مع احتمال منعه أيضاً
    ( الخامسة ) :
     ( إذا طلع الفجر الثاني فقد فاتت ) وقت ( النافلة ) الليلية ( عدا ركعتي الفجر ) فتبقيان إلى ظهور الحمرة المشرقية على المشهور ، والشيخ ـ كما عرفت ـ لم يستثنهما بل جعلهما من صلاة الليل التي تفوت بطلوع الفجر الثاني (1). بلا خلاف إلّا منه في كتاب الحديث ، فجوّز فعلها بعده مزاحما بها الفريضة (2) ، وتبعه الماتن في المعتبر وصاحبا المدارك والذخيرة (3) ؛ للنصوص المستفيضة الدالة عليه ، وفيها الصحيحان وما يقرب منهما سنداً وغيرهما (4) ، ولعله ظاهر الصدوق أيضاً حيث قال : وقد رويت رخصة في أن يصلي الرجل صلاة الليل بعد طلوع الفجر المرّة بعد المرّة ، ولا يتخذ ذلك عادة (5).
    لكنه كما ترى اشترط في ذلك عدم الاعتياد ، كما هو ظاهر جملة منها ، وإلى هذا يميل في المنتهى (6) ، وبه جمع بين هذه الأخبار والأخبار الآتية الناهية عن الإيتار في وقت الفريضة (7) ، فقال : لا منافاة بينهما ، فإنّ ما دل على جواز إيقاع صلاة الليل والوتر بعد الفجر مخصوص بما إذا لم يجعل ذلك عادة ،
1 ـ راجع ص : 195.
2 ـ اُنظر التهذيب 2 : 126 ، 340.
3 ـ المعتبر 2 : 57 ، المدارك 3 : 84 ، الذخيرة : 201.
4 ـ الوسائل 4 : 261 أبواب المواقيت ب 48.
5 ـ الفقيه 1 : 308 / ذيل الحديث 1404 ، الوسائل 4 : 262 أبواب المواقيت ب 48 ح 7.
6 ـ منتقى الجمان 1 : 449.
7 ـ في ص 223 ـ 224.


(227)
والنهي متوجه إلى من يتّخذه عادة.
    وهو حسن مع حصول التكافؤ بينهما ، وليس ؛ لضعف سند أكثر الأخبار المرخّصة ، وعدم مقاومة صحيحها ـ كالباقية ـ للأخبار المقابلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، وبالاستفاضة التي كادت تبلغ التواتر ، بل لعلها متواترة ، في أنّ آخر صلاة الليل طلوع الفجر الثاني (1) ، وإن اختلف في المنع عن فعلها بعده ظهورا وصراحة.
    فمن الأوّل : كلّ ما دلّ منها على أنّه آخرها ، إذ لو ساغ فعلها بعده لما كان آخراً لها. مع أنه يستلزم وقوع النافلة في وقت الفريضة ، وقد منعت عنه النصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، ومنها خصوص الصحيحة المتقدمة في آخر ركعتي الفجر ، المانعة عن فعلهما بعد الفجر ، معلّلا بقوله : « أتريد أن تقايس » إلى آخره (2) ، الصريح في كون النهي على جهة الحرمة كما عرفته.
    ومن الثاني : الصحيح : اُوتر بعد ما يطلع الفجر ؟ قال : « لا » (3).
    والمنع عن الإيتار يستلزم المنع عن غيره بطريق أولى. ومنع الأولوية ـ كما في الذخيرة (4) ـ لا أعرف له وجهاً ، مع أنه لا قائل بالفرق جدّاً.
    وأظهر منه الصحيح : عن الرجل يكون في بيته وهو يصلي ، وهو يرى أنّ عليه ليلاً ، ثمَّ يدخل عليه الآخر من الباب ، فقال : قد أصبحت ، هل يصلّي‏
1 ـ الوسائل 4 : 257 أبواب المواقيت ب 46.
2 ـ راجع ص : 196.
3 ـ التهذيب 2 : 126/479 ، الاستبصار 1 : 281/1021 ، الوسائل 4 : 259 أبواب المواقيت ب 46 ح 6.
4 ـ الذخيرة : 200.


(228)
الوتر أم لا ، أو يعيد شيئا من صلاته ؟ قال : « يعيد أن صلّاها مصبحاً » (1).
    والخبر : « إذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا تصلّ غيرها ، فإذا فرغت فاقض ما فاتك » (2) الحديث.
    وقريب منه الرواية الآتية من حيث دلالتها على المنع بالمفهوم إذا لم يصلّ أربع ركعات (3) ، هذا.
    مع أنّ النصوص السابقة غير صريحة في الترخيص لفعلها في وقت الفريضة مطلقا كما ذكره الشيخ ومن تبعه ، أو مع عدم الاعتياد كما ذكره الصدوق ومن بعده (4) ، بل مطلقة أو ظاهرة ، يحتمل تقييدها بما إذا أدرك أربعا في الليل ، للاتفاق على الجواز حينئذ ، كما سيأتي إليه الإشارة ، أو حمل الفجر فيها على الأوّل.
    وهما وإن بعد إلّا أنّهما أولى من الجمع الذي ذكروه جدّاً ؛ فإنّ فيه إيثاراً للأخبار المرجوحة ، وطرحاً للأخبار المشهورة ، ولا كذلك الجمع الذي ذكرناه ، وهو مع ذلك أوفق للنصوص المستفيضة المانعة عن النافلة في وقت الفريضة (5) ، وأنسب بطريق الاحتياط اللازم المراعاة في نحو العبادات التوقيفية ، فلا معدل عما ذكره الأصحاب ولا مندوحة ، سيّما مع احتمال الأخبار المرخّصة للتقية.
     ( ولو تلبس من صلاة الليل بأربع ) ركعات ( زاحم بها ) صلاة ( الصبح‏
1 ـ التهذيب 2 : 339/1404 ، الاستبصار 1 : 292/1070 ، الوسائل 4 : 259 أبواب المواقيت ب 46 ح 7.
2 ـ التهذيب 2 : 339/1402 ، الوسائل 4 : 262 أبواب المواقيت ب 48 ح 4.
3 ـ اُنظر ص : 223.
4 ـ راجع ص : 220.
5 ـ الوسائل 4 : 226 أبواب المواقيت ب 35.


(229)
ما لم يخش فوات الفرض ) عن وقت فضيلته ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح بعض الأجلّة (1) ، بل وادعى عليه الشهرة جماعة (2).
    للخبر المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب ـ كما في المنتهى والذخيرة (3) ـ وفيه : « إذا كنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتمّ الصلاة طلع أم لم يطلع » (4). ونحوه الرضوي (5).
    وعليه يحمل إطلاق ما مرّ وخبر آخر : قلت له عليه السلام : أقوم وأنا أشكّ في الفجر ، فقال : « صلّ على شكك ، فإذا طلع الفجر فأوتر وصلّ الركعتين » (6) الخبر.
    وأمّا ما في آخر : قلت له : أقوم قبل الفجر بقليل فاُصلّي أربع ركعات ثمَّ أتخوّف أن ينفجر الفجر ، أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات ؟ فقال : « لا ، بل أوتر وأخّر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار » (7).
    فمع قصور سنده بالضعف والإضمار ، غير معلوم المنافاة لما سبق ، فإنّ مورده من صلّى أربعا وطلع الفجر ، ومورد هذا من صلّاها وخشي طلوعه.
    وإنما أمره بالإيتار حينئذ ليدرك الوتر في الليل ، لتظافر الأخبار بفضل الإيتار في الليل ، منها : عن الرجل يقوم آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح‏
1 ـ كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 2 : 36.
2 ـ منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 169 ، والسبزواري في الذخيرة : 200.
3 ـ المنتهى 1 : 214 ، الذخيرة : 200.
4 ـ التهذيب 2 : 125/475 ، الاستبصار 1 : 282/1025 ، الوسائل 4 : 260 أبواب المواقيت ب 47 ح 1.
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 139 ، المستدرك 3 : 154 أبواب المواقيت ب 38 ح 1.
6 ـ التهذيب 2 : 339/1402 ، الوسائل 4 : 262 أبواب المواقيت ب 48 ح 4.
7 ـ التهذيب 2 : 125/476 ، الاستبصار 1 : 282/1026 ، الوسائل 4 : 260 أبواب المواقيت ب 47 ح 2.


(230)
أيبدأ بالوتر ، أو يصلي الصلاة (1) على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك ؟ قال : « بل يبدأ بالوتر » (2).
    وفي الصحيح : « أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل ؟! » (3).
    وبما ذكرنا من عدم المنافاة صرح من المحققين جماعة (4) ولكن ظاهر الشيخ والفاضل في المنتهى وغيرهما فهم المنافاة (5) ، ولذا حملوه على الفضيلة ، والرواية السابقة على مطلق الجواز.
    وقد ذكر جماعة هنا التخفيف أيضا (6). والكلام فيه كما في التخفيف في نافلة الظهرين. وربما يعضد ثبوته هنا الخبر : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إني أقوم آخر الليل وأخاف الصبح ، قال : « اقرأ الحمد واعجل واعجل » (7).
    وفيه دلالة أيضا على المنع عن نافلة الليل بعد الفجر كما مر ، وإلّا لما أمر بالإعجال.
    ( و ) عليه فـ ( لو تلبس (8) بما دون الأربع ثمَّ طلع الفجر ، بدأ بالفريضة وقضى نافلة الليل ) اقتصاراً في محل الرخصة على مورد الرواية المقبولة ، مع‏
1 ـ في « م » : صلاة اليل ، وفي « ح » : النافلة.
2 ـ الكافي 3 : 449/28 ، التهذيب 2 : 125/474 ، الاستبصار 1 : 281/1020 ، الوسائل 4 : 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 2.
3 ـ التهذيب 2 : 337/1391 ، الوسائل 4 : 258 أبواب المواقيت ب 46 ج 3.
4 ـ منهم : صاحب المدارك 3 : 82 ، والسبزواري في الذخيرة : 200 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 169 ، وصاحب الحدائق 6 : 234.
5 ـ الشيخ في التهذيب 2 : 125 ، المنتهى 1 : 214 ؛ وانظر الوسائل 4 : 260.
6 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 62 ، والعلامةفي المنتهى 1 : 214.
7 ـ الكافي 3 : 449/27 ، التهذيب 2 : 124/473 ، الاستبصار 1 : 280/1019 ، الوسائل 4 : 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 1.
8 ـ في المختصر المطبوع : ولو كان التلبس.


(231)
أنها على المنع هنا بالمفهوم المعتبر دالة.
    هذا إذا لم يشرع في ركعتين ، وإلّا يتمّهما إن قلنا به فيما مضى من نافلة المغرب (1) ؛ فإنه بحسب الدليل لا فرق بينهما.
    ( السادسة : )
    يجوز أن ( تصلّى الفرائض أداء وقضاء ما لم يتضيّق وقت (2) الحاضرة ) فتقدّم إجماعاً في المقامين ، على الظاهر ، المصرح به في جملة من العبائر (3) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل والعمومات السليمة عن المعارض ، وخصوص النصوص الآتية في بحث القضاء والصلوات الآتية مثل الكسوف والزلزلة.
     ( و ) كذا تصلى ( النوافل ) مطلقا ( ما لم يدخل وقت الفريضة ) فتقدّم عليها ، إلّا إذا كانت راتبة لم يخرج وقتها المضروب لها ، وإلّا فتقدم عليها أيضاً وجوباً.
    وفاقاً للمبسوط والمقنعة والنهاية والاقتصاد والجمل والعقود والسرائر والوسيلة والإصباح والجامع (4) ، وكتب الماتن (5) ، ومحتمل المهذَّب فيما حكي (6) ، والفاضل في القواعد والإرشاد (7) ، وبالجملة المشهور ، على الظاهر ،
1 ـ راجع ص : 184.
2 ـ في المختصر المطبوع زيادة : الفريضة.
3 ـ المدارك 3 : 87 ، كشف اللثام 1 : 161.
4 ـ المدارك 1 : 76 ، المقنعة : 212 ، النهاية : 127 ، الاقتصاد : 256 ؛ الجمل والعقود ( رسائل العشر ) : 175 ، السرائر 1 : 203 الوسيلة : 84 ، الجامع للشرائع : 61.
5 ـ الشرائع 1 : 49 ، المعتبر 2 : 60.
6 ـ المهذَّب 1 : 127 ، قال فيه : وکذلک يقضي النافلة المنسية أيّ وقت ذكرها ، الا ان يكون قد حضر وقت فريضة ، ، فينبغي لن يصلي الفريضة ثم يقضي النافلة بعد ذلک ان اراد.
7 ـ القواعد 1 : 24 ، الإرشاد 1 : 244.


(232)
المصرح به في روض الجنان وغيره (1) ، بل أسنده الماتن في المعتبر إلى علمائنا (2) ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، وهو الحجة.
    مضافاً إلى الصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة المستفيضة المتجاوزة حدّ الاستفاضة.
    منها ـ زيادة على النصوص المتقدمة في تحديد وقت نوافل الظهرين بالذراع والذراعين ، الآمرة بالبدأة بالفريضة بعد خروج وقت النافلة (3) ، والمتقدمة في آخر ركعتي الفجر (4) ، وفي عدم جواز الإيتار بعد طلوع الفجر الثاني (5) ـ الصحيح : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة » (6).
    والصحيح المروي في كلام جماعة : « لا تصلّي نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان كان لك أن تتطوّع حتى تقضيه ؟ » قلت : لا ، قال : « فكذلك الصلاة » قال : فقايسني وما كان يقايسني (7).
    ونحوه في المقايسة الصحيحة المتقدمة في آخر ركعتي الفجر ، الناهية عن فعلهما بعده (8).
    والصحيح المروي في مستطرفات السرائر : « لا تصلّ من النافلة شيئاً في‏
1 ـ روض الجنان : 183 ، وانطر جامع المقاصد 2 : 23.
2 ـ المعتبر 2 : 60.
3 ـ راجع ص : 181.
4 ـ في ص : 196.
5 ـ في ص : 221.
6 ـ الذكرى : 134 ، الوسائل 4 : 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
7 ـ روض الجنان : 184 ، المدارك 3 : 88 ، الحبل المتين : 150 ، والوافي 7 : 365 ، المستدرك 3 : 160 أبواب المواقيت ب 46 ح 3.
8 ـ في ص : 196.


(233)
وقت فريضة فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة ، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بها » (1).
    وفي الموثق : قيل لأبي جعفر عليه السلام : مالي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس ، فقال : « إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوعنا في غير وقت الفريضة ، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع » (2).
    إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في المطلوب من جهة الأمر بالبدأة بالفريضة والنهي عن النافلة ، أو النفي لها الراجع إليهما في إفادة التحريم ، والمفيد للبطلان على الأشهر الأقوى.
    ويعضد وجوه الدلالة المقايسة والتنظير في الصحيحين بصوم النافلة لمن عليه صوم فريضة الممنوع عنه منع تحريم اتفاقاً ، فيكون المنع هناك كذلك بحكم السياق كما لا يخفى.
    ومنه يظهر عدم إمكان حمل نحوهما على الكرهة ، كما زعمه الشهيدان وجماعة (3) ، جامعين بها بين النصوص المتقدمة والنصوص الأخر المرخّصة لفعلها ، وهي مستفيضة ، مستشهدين عليه بالصحيح أو الحسن : قلت له عليه السلام : إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة ؟ قال : « الفضل أن تبدأ بالفريضة ، إنما اُخرت الظهر ذراعا عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين » (4).
    وفيه ـ زيادة على ما عرفته من عدم قبول نحو الصحيحين المانعين الحمل‏
1 ـ مستطرفات السرائر : 73/7 ، الوسائل 4 : 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 8.
2 ـ التهذيب 2 : 167/661 ، الاستبصار 1 : 252/906 ، الوسائل 4 : 227 أبواب المواقيت ب 35 ح 3.
3 ـ الشهيد الأول في الدروس 1 : 142 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 184 ؛ وانظر جامع المقاصد 2 : 24 ، مجمع الفائدة 2 : 44 ، والمدارك 3 : 89.
4 ـ الكافي 3 : 289/6 ، الوسائل 4 : 230 أبواب المواقيت ب 36 ح 3.


(234)
على الفضيلة ـ أن الجمع فرع المكافأة. وهي في المقام مفقودة ؛ لصحة كثير من الأخبار ، واستفاضتها القريبة من التواتر ، واعتضادها بالشهرة العظيمة والتعليلات الواردة فيها ، منها ـ زيادة على ما مر في الصحيحين ـ التعليل الوارد في تحديد نوافل الظهرين بالذراع والذراعين بقولهم عليهم السلام : « لمكان النافلة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع » إلى آخر ما عرفت (1).
    ومفهومه أنه بعد مضيّ الذراع ليس لك أن تتنّفل ، وهو كالنص في التحريم ، ومع ذلك مؤكّد فيما بعد بالأمر بفعل الفريضة وترك النافلة (2)
و لا كذلك أخبارهم ، فإنها ـ مع مخالفتها الشهرة بل الإجماع إذ لم نجد قائلاً بها عدا الشهيد ـ رحمه اللّه ـ ومن تبعه ، وإلّا فلم يعرف قائل بها قبله من الطائفة ، ولعله لذا ادّعى الماتن عليه إجماع الطائفة (3) ـ كثير منها (4) قاصرة الأسانيد ، غير صريحة الدلالة ، بل ولا ظاهرة ، كالصحيح منها أيضاً : « إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاة فإن كانت الاُولى فليجعل الفريضة في الركعتين الاُوليين ، وإن كانت العصر فليجعل الركعتين الاُوليين نافلة والأخيرتين فريضة » (5).
    وذلك فإن النافلة فيه إن اُريد بها الفريضة المعادة لم يرتبط بموضع المسألة. كما لا ربط به للصحيح : عن رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلي إذ أذّن مؤذّن وأقام الصلاة ، قال : « فليصلّ ركعتين ثمَ‏
1 ـ راجع ص : 181.
2 ـ راجع ص 229.
3 ـ المعتبر 2 : 60.
4 ـ في « م » : مع ان كثيراً منها.
5 ـ التهذيب 2 : 226/573 ، الوسائل 8 : 329 أبواب الصلاة الجماعة ب 18 ح 4 وفيهما بتفاوت يسير.


(235)
ليستأنف الصلاة مع الإمام ، ولتكن الركعتان تطوعاً » (1).
    لكون هذه النافلة مستثناة إجماعاً ، كما سيأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.
    وكذلك النصوص الدالة على خصوص بعض النوافل في بعض أوقات الفرائض ـ كالغفيلة ـ لا ربط لها بالمقام ، لأنه ارتضاها الأصحاب واستثنوها بالخصوص.
    وإن اُريد بها النافلة الحقيقية لدلّت حينئذ على جواز الجماعة في النافلة ، وهو خلاف الإجماع ، كما ستعرفه في بحثها إن شاء اللّه تعالى ، فتكون الرواية لذلك شاذة ، فتأمّل.
    كالصحيح الآخر : عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ، ما حدّ هذا الوقت ؟ قال : « إذا قام المقيم وقد شرع في الإقامة » فقال له : الناس يختلفون في الإقامة ، قال : « المقيم الذي تصلي معه » (2).
    وذلك لعدم قائل بهذا التفصيل فيما أجده ، وإن احتمله بعضهم (3) في مقام الجمع بين الأخبار المختلفة ، لكن فتواه القول بإطلاق الكراهة.
    وأما النصوص الدالّة على شرعيّة النوافل مطلقاً وقضاء الرواتب منها متى شاء (4) ، فهي وإن كانت كثيرة قريبة من التواتر ، وفيها الصحاح وغيرها ، إلّا أنّ دلالتها بالعموم ، وما قدمناه من الأدلة خاصة يجب تخصيصه بها ، كما هو
1 ـ الكافي 3 : 379/3 ، التهذيب 3 : 274/792 ، الوسائل 8 : 404 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.
2 ـ الفقيه 1 : 252/1136 ( وفيه بتفاوت يسير ) ، التهذيب 3 : 283/841 ، الوسائل 4 : 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 9.
3 ـ اُنظر المدارك 3 : 89 ، الذخيرة : 203.
4 ـ الوسائل 4 : 43 أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ب 12 وص 231 أبواب المواقيت ب 37 ، 39.


(236)
القاعدة المقررة المسلمة.
    فليت شعري كيف يمكن الاستناد بمثل هذه الأخبار في ردّ تلك الأخبار الواضحة الدلالة والإسناد ، المعتضدة بعمل الأصحاب ، المخالفة للعامة على ما يستفاد من الموثقة السابقة (1) لقوله : « كما يصنع الناس » والمراد بهم العامة كما لا يخفى على المتتبع لأخبار الأئمة عليهم السلام ، ثمَّ قوله عليه السلام : إنا إذا أردنا » إلى آخره ، حيث جعل عليه السلام ذلك من خواصهم.
    وربما يومئ إليه الصحيحان المتقدمان المتضمنان لقياس الصلاة بالصيام (2) ؛ فإنّ الظاهر أن المقصود منه إنما هو إثبات ما هم عليه على هؤلاء العبدة للأصنام ، جدلاً معهم بمقتضى مذهبهم في العمل بالقياس.
    وبذلك يقوى احتمال حمل الأخبار المتقدمة ـ على تقدير تسليم دلالتها ـ على التقية.
    وكذا يحمل عليها ماله على الجواز ظهور دلالة أو صراحة ، ومنها : الحسنة المتقدمة المتضمنة لقوله عليه السلام : « الفضل أن تبدأ بالفريضة » (3) مع أنه تأمّل في دلالتها أيضا جماعة (4) ، بناءً على أن الفضل غير الأفضلية ، وهو يحصل في الواجب أيضاً ، فتأمّل جداً.
    ومنها : الصحيحان : عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها ؟ قال : « متى شاء ، إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (5).
1 ـ في ص 227.
2 ـ راجع ص : 226.
3 ـ راجع ص 227.
4 ـ منهم صاحب الحدائق 6 : 262.
5 ـ الكافي 3 : 452/6 ، 7 ، التهذيب 2 : 163/639 ، 640 ، الوسائل 4 : 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6 ، 7.


(237)
    و الموثق : « إن فاتك شي‏ء من تطوّع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس ، وبعد الظهر عند العصر ، وبعد المغرب ، وبعد العتمة ، ومن آخر السحر » (1) ، ونحوه المروي عن قرب الإسناد (2).
    وإن أبيت عن الحمل على التقية لأجبنا عن الأخبار السابقة بما عرفته ، وعن هذه :
    أوّلاً : بقصورها جملة من المقاومة لأخبارنا المتقدمة من وجوه عديدة ، كما عرفته.
    وثانياً : بقصور سند الأخيرين منها ـ وإن كانا صريحين ـ مع عدم جابر لهما في مقابلة ما قدمناه ولا سيّما الصحيحين الصريحين. وأمّا الصحيحان الأوّلان فليس نصّين في قضاء النوافل ، فيحتمل الفرائض خاصة. وترك الاستفصال وإن اقتضى عمومهما لهما ، لكن العموم غايته الظهور ويصرف عنه بما قدمناه من أدلّة المشهور فيخصّصان بها.
    لكن على هذا ينافيان المشهور القائلين بالمضايقة في أوقات الفرائض الفائتة ، ولزوم تقديمها على الحاضرة ؛ لدلالتهما على هذا التقدير على جواز فعل الحاضرة قبل الفائتة ، ولم يقولوا به.
    لكن فيما ذكرناه أوّلاً من الأجوبة كفاية إن وافقنا المشهور على القول بالمضايقة كما هو الأقرب ، وإلّا فلا يرد علينا الإشكال المزبور بالمرة.
    واعلم أن ظاهر العبارة ـ كغيرها من عبائر الجماعة ـ عدم البأس بفعل النافلة لمن عليه فريضة ، مع أنّ الأشهر الأظهر عدم الفرق وحرمتها عليه أيضاً. وسيأتي في بحث القضاء من الماتن وغيره ممن ضاهى عبارته هنا عبارته ما
1 ـ التهذيب 2 : 163/642 ، الوسائل 4 : 277 أبواب المواقيت ب 57 ح 10.
2 ـ قرب الإسناد 202/780 ، الوسائل 4 : 263 أبواب المواقيت ب 49 ح 1.


(238)
يعرب عن الموافقة ، وقولهم أيضاً بالحرمة ، ويمكن استنباطه من العبارة بتعميم وقت الفريضة فيها لوقتي الحاضرة والفائتة ، وخالف فيه أيضاً كل من قال هنا بالكراهة.
    وبالجملة لم أعرف قائلاً بالفرق بين المسألتين فيما أجده ، وبه صرّح شيخنا في روض الجنان في هذه المسألة (1).
    وتحقيق القول في المسألة الثانية يأتي في بحث القضاء إن شاء اللّه سبحانه.
    ( السابعة : )
    ( يكره ابتداء النوافل ) في خمسة مواطن ، ثلاثة تعلق النهي فيها بالزمان ، وهي ( عند طلوع الشمس ) حتى ترتفع وتذهب الحمرة ويستوي سلطانها بظهور أشعّتها ، فإنه في ابتداء طلوعها ضعيف.
    ( و ) عند ( غروبها ) أي ميلها إلى الغروب ، وهو اصفرارها حتى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية.
    ( و ) عند ( قيامها ) في وسط النهار ، ووصولها إلى دائرة ( نصف النهار ) المعلوم بانتهاء نقصان الظل إلى أن تزول.
    ( و ) وقتان تعلق النهي فيهما بالفعل ( بعد ) صلاتي ( الصبح ) حتى تطلع الشمس ( والعصر ) حتى تغرب.
    كل ذلك على المشهور بين الأصحاب ـ بل لعله عليه عامة متأخّريهم على الظاهر ـ المصرّح به في عبائر جماعة (2) ، وعن الغنية الإجماع عليها (3) ؛
1 ـ روض الجنان : 184.
2 ـ اُنظر مجمع الفائدة 2 : 46 ، والمفاتيح 1 : 98 ، والكفايه : 15.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 556.


(239)
وهو الحجّة.
    مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : « يصلّى على الجنازة في كل ساعة ، إنها ليست بصلاة ركوع ولا سجود ، وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان » (1).
    وفيه : « لا صلاة نصف النهار إلّا يوم الجمعة » (2).
    وفي الموثق : « لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال : إنّ الشمس » وذكر العلة المتقدمة في الصحيحة المتقدمة ، وقال : « لا صلاة بعد العصر حتى تصلّي المغرب » (3) ونحوه الموثق الآخر (4) لكن من دون ذكر التعليل.
    وظاهرهما ـ كالعبارة ـ تعلق النهي بالنوافل بعد زماني الفجر والعصر ، لا بعد صلاتيهما كما قلناه وفاقا للمشهور ، بل قيل : إنّ الأصحاب قاطعون به (5) ، مؤذنا بنقل الإجماع ، وهو ظاهر الشهيد ـ رحمه اللّه ـ حيث حكى ظاهر الخبرين عن بعض العامة خاصة (6).
    وفي الخبرين : « نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن الصلاة بعد
1 ـ الكافي 3 : 180/2 ، التهذيب 3 : 202/474 ، الاستبصار 1 : 470/1814 ، الوسائل 3 : 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.
2 ـ التهذيب 3 : 13/44 ، الاستبصار 1 : 412/1576 ، الوسائل 7 : 317 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 6.
3 ـ التهذيب 2 : 174/649 ، الاستبصار 1 : 290/1065 ، الوسائل 4 : 234 أبواب المواقيت ب 38 ح 1.
4 ـ التهذيب 2 : 174/695 ، الاستبصار 1 : 290/1066 ، الوسائل 4 : 235 أبواب المواقيت ب 38 ح 2.
5 ـ كشف اللثام 1 : 156.
6 ـ اُنظر الذكرى : 126.


(240)
طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها » (1) وزيد في أحدهما التعليل بما مرّ (2) ، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.
    وظاهر أكثرها التحريم ، كما عليه المرتضى في الثلاثة الاُول ، مدّعياً على الأوّل منها الإجماع في صريح الانتصار وظاهر الناصرية (3) ، وزاد فيها الخامس (4) ، وقال فيهما (5) بامتداد الكراهة في الأول إلى الزوال ، ويوافقه ظاهر العماني فيه كذلك ، وفي الخامس (6) ، وظاهر الإسكافي (7) في الثلاثة الاُول كما في العبارة (8). لكن كلامهما ليس نصا في التحريم ، وكذا كلام السيد ، لاحتمال نفي الجواز الذي لا كراهة فيه ، كما يستعمل كثيرا في عبارات القدماء ، وإلّا فهو شاذ ، بل على خلافه الإجماع في المختلف (9).
    وهو مع الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا أوجبا صرف النهي وما في معناه في النصوص إلى الكراهة. مضافا إلى التعبير بها عن المنع في الصحيحة الاولى (10) ، وب « لا ينبغي » في المروي عن العلل (11) ، هذا.
    وتوقف الصدوق ـ رحمه اللّه ـ في أصل الحكم ، قال في الفقيه ـ بعد نقل‏
1 ـ الفقيه 4 : 2/1 ، أمالي الصدوق 344/1 ، الوسائل 4 : 236 أبواب المواقيت ب 38 ح 6.
2 ـ الفقيه 1 : 315/1430 ، الوسائل 4 : 236 أبواب المواقيت ب 38 ح 7.
3 ـ الانتصار : 50 ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 194.
4 ـ أيّ التنفل بعد صلاة العصر.
5 ـ أيّ في الانتصار والناصرية.
6 ـ حكاه عنه في المختلف : 76.
7 ـ حكاه عنه في المختلف : 76.
8 ـ أيّ من دون القول بامتداد الكراهة في الأول الى الزوال كما عليه المرتضى والعماني. منه رحمه الله.
9 ـ المختلف : 76.
10 ـ راجع ص : 233.
11 ـ علل الشرائع : 343/1 ، الوسائل 4 : 237 أبواب المواقيت ب 38 ح 9.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس