رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 316 ـ 330
(316)
    و بالجملة : لم أجد من المعارض ما يدل على المنع بالخصوص ، بل ما وقفت عليه منه دلالته كله من جهة العموم ، وهو لا يعارض الخصوص وإن اشتمل على ما لا يقول به أحد.
    نعم ، في الرضوي : « ولا يجوز الصلاة في سنجاب ولا سمور وفنك ... وإيّاك إيّاك أن تصلّي في الثعالب » (1). كما عن موضع منه ، وعن موضع آخر منه : « وإن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك وأردت الصلاة فيه فانزعه » (2).
    وهو نص في المنع ، كما هو خيرة المختلف ، وعن صريح والد الصدوق ، والشيخ في قوله الآخر ، والحلي والقاضي » ، وظاهر الإسكافي والحلبي والمرتضى وابن زهرة (4) ، حيث منعوا عن كل ما لا يؤكل لحمه من دون استثناء ما نحن فيه ، ونسبه الشهيدان في الذكرى والروض والمحقق الثاني في شرح القواعد إلى أكثر الأصحاب (5) ، وعن ابن زهرة دعوى الإجماع عليه (6) ، وفي السرائر : جلد ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة فيه بغير خلاف من غير استثناء (7).
    ولذا يشكل الحكم بالجواز في المسألة ؛ لنفي الخلاف في كلام الحلي ودعوى الإجماع في كلام ابن زهرة ، المعتضدين بالشهرة المنقولة في كلام‏
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 157 ، المستدرك 3 : 199 أبواب لباس المصلّي ب 4 ح 2.
2 ـ لم نعثر عليه في فقه الرضا ( عليه السلام ) ووجدنا في الفقيه 1 : 170 حاكياً عن رسالة والده.
3 ـ المختلف : 79 ، نقله فيه هن والد الصدوق ، الشيخ في النهاية : 587 ، الحلي في السرائر 1 : 262 ، القاضي في المهذَّب 1 : 74.
4 ـ حكاه عن ظاهر الإسكافي في المختلف : 79 ، الحلبي في الكافي : 140 ، المرتضي في الانتصار : 13 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555.
5 ـ الذكرى : 144 ، روض الجنان : 207 ، جامع المقاصد 2 : 79.
6 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555.
7 ـ السرائر 1 : 262.


(317)
هؤلاء الجماعة ، وصريح الرضوي المعتضد بعموم الأخبار المانعة ، مع خلوصها عن التضمّن لما لا يقول به أحد من الطائفة ، وبُعدها عن طريقة العامة.
    ولكن يمكن الذبّ عن جميع ذلك : فنفي الخلاف والإجماع بالمعارضة بالمثل ، مع كون الثاني مدّعى على المنع عموماً. ولا كذلك معارضه ، لدعواه على الجواز في السنجاب بالخصوص.
    وكذا الشهرة المحكية معارضة بمثلها كما عرفت ، مع قوّته وأرجحيّته عليها بالتحقق والقطع به من غير جهة النقل ، دون الشهرة المحكية في كلام هؤلاء ، لعدم تحققها ، بل ظهور استناد حكايتهم إلى إطلاق المنع من غير استثناء : في عبائر جملة من القدماء.
    والرضوي ـ مع قصور سنده وعدم اشتهاره وعدم مكافأته للمستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره ـ مصرّح بعد المنع بورود رواية بالرخصة ، مشعراً بأن الأصل المنع والجواز رخصة ، كما هو ظاهر الصدوق وجماعة كالشيخ في الخلاف والتهذيبين والديلمي والجامع (1) كما حكي ، فهو أيضا مؤيد للجواز ولو رخصة ، وعموم الأخبار مخصّص بخصوص الأخبار المرخّصة ، وهي أقوى دلالة ، وبعيدة أيضا عن مذهب العامة ، لتضمن أكثرها المنع عما ظاهرهم الإطباق على الجواز فيه ، كما حكاه جماعة (2) ، فالتفصيل لا يوافق مذهبهم بلا شبهة.
    وبالجملة : فالجواز لعله لا يخلو عن قوة ، ولكن مع الكراهة كما عن ابن حمزة (3). وإن كان الأحوط الترك بلا شبهة ؛ تحصيلاً للبراءة اليقينية ، وخروجاً عن‏
1 ـ الصدوق في المقنع : 24 ، الخلاف 1 : 511 ، التهذيب 2 : 211 ، الاستبصار 1 : 385 ، الديلمي في المراسم : 64 ، الجامع للشرائع : 66.
2 ـ منهم السبزواري في الذخيرة : 227 ، والبحراني في الحدائق 7 : 77.
3 ـ الوسيلة : 87.


(318)
شبهة الخلاف في المسألة فتوى وأدلّةً.
     ( وفي ) جواز الصلاة في ( الثعالب والأرانب روايتان ) كل منهما مستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها ، وقد تقدّم الإشارة إلى جملة من كل منهما (1).
    إلّا أن أكثرهما ( وأشهرهما ) ما دلّ على ( المنع ) واستفاض نقل الشهرة في كلام جماعة من الأصحاب ، كالمعتبر والمنتهى والذكرى والتنقيح والمدارك (2) ، بل زاد هو كسابقه ، فادعى الإجماع بحسب الظاهر كما في كلام الأخير ، أو نفي الخلاف كما في الأوّل ، والمحكي عن الخلاف (3) ، ويشعر به عبارة الدروس والبيان (4) ، حيث جعل رواية الجواز مهجورة متروكة ، مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، كما هو ظاهر المحقق الثاني والشهيد الثاني (5) وغيرهما (6) ، حيث ادعوا الإجماع على المنع عن كل ما لا يؤكل لحمه من غير استثناء لما نحن فيه أصلاً ، وبالإجماع هنا صرح في الانتصار (7) ، وهو حجّة أخرى زيادةً على ما مضى من الإجماعات المحكية في خصوص المغشوش بوبر الأرانب والثعالب عن الخلاف والمنتهى وابن زهرة (8).
    وعلى هذا فلا ريب في ضعف رواية الجواز وشذوذها فلتطرح ، أو تحمل‏
1 ـ راجع ص 295 ـ 305.
2 ـ المعتبر 2 : 86 ، المنتهى 1 : 227 ، الذكرى : 144 ، التنقيح الرائع 1 : 180 ، المدارك 3 : 173.
3 ـ الخلاف 1 : 511.
4 ـ الدروس 1 : 150 ، البيان : 120.
5 ـ جامع المقاصد 2 : 81 ، روض الجنان : 213.
6 ـ كالعلامة في التذكرة 1 : 94 ، ونهاية الإحكام 1 : 373.
7 ـ الانتصار : 38.
8 ـ راجع ص 307.


(319)
على التقيّة ، سيّما وأن أمارتها في صحيحين منها لائحة (1) ، لتضمنهما الرخصة في الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود ، كما في أحدهما ، وفيما ذكر وأشباهه ، كما في الثاني ، ولا يقول به الأصحاب على الظاهر المصرح به في الذكرى ، فإنه قال ـ بعد نقل إذعان المحقق بهما لوضوح سندهما ـ قلت : هذان الخبران مصرّحان بالتقية لقوله في الأول : « وأشباهه » وفي الثاني : « في جميع الجلود » وهذا العموم لا يقول به الأصحاب (2).
    ومنه يظهر ضعف إذعان المحقق وإن تبعه في المدارك ، سيّما مع اعترافهما باتفاق الأصحاب على المنع. (3). ووضوح السند بمجرده لا يبلغ قوة المعارضة لذلك ، سيما مع موافقته للعامة ، واشتمال المعارض على متّضح السند أيضاً كما عرفته. فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.
     ( ولا تجوز الصلاة ) ولا تصح ( في الحرير المحض ) أو الممتزج على وجه يستهلك الخليط لقلته ( للرجال ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر ، كالانتصار والخلاف والمنتهى والمدارك والذكرى وغيرها (4) ، لكن فيهما (5) : عندنا ، وهو وإن لم يكن صريحا في الإجماع ، لكنه ظاهر فيه جدّاً.
    وهو الحجة ، مضافا إلى النهي عن استعماله مطلقا الثابت بإجماع علماء الإسلام على الظاهر ، المحكي في ظاهر الانتصار والخلاف ، وصريح المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني والتحرير وروض‏
1 ـ راجع ص 294 ـ 309.
2 ـ الذكرى : 144.
3 ـ المحقق في المعتبر 2 : 84 ، المدارك 3 : 169.
4 ـ الانتصار : 205 ، الخلاف 1 : 504 ، المنتهى 1 ، 228 ، المدارك 3 : 173 ، الذكرى 145 ؛ وانظر كشف اللثام 1 : 185.
5 ـ أيّ : في الذكرى وكشف اللثام.


(320)
الجنان (1) وغيرها (2) ، وفي الأخير وشرح القواعد للمحقق الثاني : أن به أخباراً متواترة.
    وهو كذلك بعد ضمّ بعضها إلى بعض من طرق العامة والخاصة (3). وهي ما بين عامة للنهي عن لبسه مطلقاً ، ومصرّح بعدم حلّ الصلاة فيها الظاهر في فسادها بنفسه ، أو بضميمة اقتضاء النهي في العبادة الفساد ، كما عليه علماؤنا.
    ولا فرق في إطلاق النص والفتوى بين كونه ساتراً للعورة أم لا ، وبه صرّح جماعة ومنهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى (4) ، وعزاه في الأخير إلى علمائنا بعد أن نسبه ـ وفاقاً للأوّل ـ إلى الشيخين وأتباعهما.
    وكثير من النص والفتوى وإن دلّ على المنع مطلقاً ( إلّا ) أنه مقيد بحالة الاختيار وغير الحرب ؛ إذ يجوز استعماله مطلقاً ولو في الصلاة ( مع الضرورة أو في ) حال ( الحرب ) المرخص فيه مطلقاً ولو من غير ضرورة ، بإجماعنا الظاهر ، المحكي في كثير من العبائر كالمنتهى وروض الجنان والذكرى (5) وغيرها (6) ، لكن في الأوّل حكاه في الضرورة خاصّة.
    وهو الحجّة ؛ مضافاً إلى العمومات بأن : الضرورات تبيح المحظورات.
    وقولهم عليهم السلام : « كلّ ما غلب اللّه تعالى فاللّه تعالى أولى بالعذر » (7).
1 ـ الانتصار : 205 ، الخلاف 1 : 504 ، المعتبر 2 : 87 ، المنتهى 1 : 228 ، التذكرة 1 : 95 ، الذكرى : 145 ، جامع المقاصد 2 : 83 ، التحرير 1 : 30 ، روض الجنان : 207.
2 ـ راجع المدارك 3 : 173.
3 ـ اُنظر الوسائل 4 : 367 أبواب لباس المصلّي ب 11 ، وكنز العمال 15 : 318.
4 ـ المعتبر 2 : 87 ، المنتهى 1 : 228.
5 ـ المنتهى 1 : 228 ، وروض الجنان : 207 ، الذكرى : 145.
6 ـ اُنظر المدارك 3 : 174 ، وكشف اللثام 1 : 185.
7 ـ الوسائل 8 : 259 ـ 261 أبواب قضاء الصلوات ب 3 الاحاديث 3 ، 7 ، 8 ، 13 ، 16.


(321)
    و قوله عليه السلام : « رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون » (1).
    وخصوص المستفيضة ، وفيها الموثقات وغيرها ، منها : « لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلّا في الحرب » (2).
    ونحوه آخر ، لكن بدل « لا يلبس » « لا يصلح للرجل » (3) وهو وإن أشعر بالكراهة ـ ككثير من الأخبار المتضمّنة للفظها ـ لكنها محمولة على الحرمة بإجماع علماء الإسلام كما عرفته.
    ومنها : عن لباس الحرير والديباج ، فقال : « أما في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل » (4).
    ومنها المروي عن قرب الإسناد : « أن علياً عليه السلام كان لا يرى بلبس الحرير والديباج إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا » (5).
    وفي الفقيه : « لم يطلق النبي صلّى اللّه عليه وآله لبس الحرير إلّا لعبد الرحمن بن عوف ، وذلك أنه كان رجلاً قَملاً » (6).
    واحترز بالمحض عن الممتزج بما يصح الصلاة فيه مزجاً لا يستهلك فيه الخليط ، لجواز لبسه حينئذ ولو في الصلاة إجماعا ، على الظاهر ، المصرّح به‏
1 ـ الفقيه 1 : 36/132 ، الخصال : 417/9 ، الوسائل 8 : 249 أبواب الخلل والواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
2 ـ الكافي 6 : 453/1 ، الوسائل 4 : 372 أبواب لباس المصلّي ب 12 ح 2.
3 ـ الكافي 6 : 453/4 ، الوسائل 4 : 371 أبواب لباس المصلّي ب 12 ح 1.
4 ـ التهذيب 2 : 208/816 ، الاستبصار 1 : 386/1466 ، الوسائل 4 : 372 أبواب لباس المصلّي ب 12 ح 3.
5 ـ قرب الإسناد : 103/347 ، الوسائل 4 : 372 أبواب لباس المصلّي ب 12 ح 5.
6 ـ الفقيه 1 : 164 / ذيل الحديث 774 ، الوسائل 4 : 372 أبواب لباس المصلّي ب 12 ح 4.


(322)
في الخلاف وشرح القواعد للمحقق الثاني (1) وغيرهما (2).
    والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّاً ، ففي الصحيح : عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف ، أيصلّى فيه ؟ « لا بأس » (3).
    وفي المرسل كالموثق : في الثوب يكون فيه الحرير ، فقال : « إن كان فيه خلط فلا بأس » (4).
    وفي الخبر : سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال وللنساء ، إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو قطن أو كتان ، وإنما يكره المحض للرجال والنساء (5).
    هذا ، مضافاً إلى الأصل ، واختصاص النصوص المانعة والإجماعات المحكية ـ بحكم التبادر ، بل والتقييد بالمحض والمبهم في جملة منها ـ به خاصة.
    وظاهر جملة من النصوص المزبورة كفاية مطلق الخليط ولو كان أقل من الحرير ، وبه صرّح جماعة ، قالوا : سواء كان الخليط أقل أو أكثر ولو كان عشراً ، ما لم يكن مستهلكاً بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم محض (6).
    وهو حسن ، وفي شرح القواعد للمحقق الثاني ـ بعد ذكر ذلك وأنه يشترط في الخليط أن يكون محللاً ـ وعلى ذلك كلّه إجماع الأصحاب نقله في‏
1 ـ الخلاف 1 : 505 ، جامع المقاصد 2 : 83.
2 ـ اُنظر المنتهى 1 : 229 ، وكشف اللثام 1 : 185 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 110.
3 ـ الكافي 6 : 455/11 ، الوسائل 4 : 373 أبواب لباس المصلّي ب 13 ح 1.
4 ـ الكافي 6 : 455/14 ، الوسائل 4 : 374 أبواب لباس المصلّي ب 13 ح 4.
5 ـ التهذيب 2 : 367/1524 ، الاستبصار 1 : 386/1468 ، الوسائل 4 : 374 أبواب لباس المصلّي ب 13 ح 5.
6 ـ كما في المعتبر 2 : 90 ، وجامع المقاصد 2 : 83 ، والحدائق 7 : 93.


(323)
المعتبر والمنتهى (1).
    واعلم أن ما تضمنته الرواية الأخيرة ـ من نهي النساء عن لباس الحرير كالرجال ـ مخالف لإجماع علماء الإسلام ؛ لإطباقهم على الجواز في غير الصلاة ، كما في المعتبر والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني والذكرى وروض الجنان (2) وغيرها (3) ، ويعضده الأصل ، واختصاص الأدلّة المانعة ـ نصّاً وفتوى بعد ضمّ بعضها إلى بعض ـ بالرجال خاصّة ، فالرواية شاذّة من هذه الجهة ، مع أنها بحسب السند ضعيفة لا تصلح للحجّية ، ومعارضة بالنصوص المستفيضة بجواز لبسهنّ الحرير مطلقاً ، كما في جملة منها (4) ، أو في غير الإحرام كما في بعضها (5) ، أو غير الصلاة أيضاً كما في آخر منها (6).
    ومن هنا ظهر أن لا تحريم على الخناثى والصبيان. قطعاً في الأخير ، وفاقاً لجماعة (7) ، للأصل ، وعدم صدق الرجال عليهم ، مع عدم قابليّتهم لتوجّه المنع إليهم ، وتوجّهه إلى أوليائهم لا دليل عليه ، فيندفع بالأصل.
    وعلى الظاهر في الأول ، لما مرّ. ويحتمل المنع فيهم احتياطاً ، لاحتمال كونهم في نفس الأمر ذكوراً فيتوجّه إليهم النهي أيضاً.
     ( وهل يجوز للنساء ) الصلاة فيه ( من غير ضرورة ؟ فيه قولان ، أظهرهما
1 ـ جامع المقاصد 2 : 83 ، المعتبر 2 : 90 ، المنتهى 1 : 229.
2 ـ المعتبر 2 : 89 ، المنتهى 1 : 228 ، جامع المقاصد 2 : 84 ، الذكرى : 145 ، روض الجنان : 208.
3 ـ راجع الدروس 1 : 150 ، التحرير 1 : 30.
4 ـ الوسائل 4 : 379 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 1 ، 2 ، 5.
5 ـ الوسائل 4 : 379 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 3 ، 4.
6 ـ الخصال : 585/12 ، الوسائل 4 : 380 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 6.
7 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 91 ، العلامة في المنتهى 1 : 229 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 87.


(324)
الجواز ) وهو أشهرهما ، بل لا خلاف فيه ظاهراً إلّا من الصدوق في الفقيه حيث قال بالمنع (1) ، والفاضل في المنتهى حيث توقف بينهما (2).
    وهما شاذّان ، بل على خلافهما إطباق باقي الأصحاب ، كما صرح به في المختلف (3) ويفهم أيضاً من الشهيدين في الذكرى وروض الجنان (4) وغيرهما (5).
    ولعلّه كذلك ، سيّما بملاحظة حال المسلمين في الأعصار والأمصار من عدم منعهم النساء عن الصلاة فيه كما لا يمنعونهنّ عن لبسه في غيرها ، وهو إجماع قطعيّ لا يكاد ينكر ، ومع ذلك معاضد بالأصل السليم عن المعارض ، عدا إطلاق النصوص المانعة عن الصلاة وحلّها فيه بقول مطلق ، كالصحيحين في أحدهما : هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج ؟ فكتب : « لا تحلّ الصلاة في حرير محض » (6) ونحوه الثاني لكن بزيادة السؤال فيه عن الصلاة في تكة حرير (7).
    والموثق : عن الثوب يكون عَلَمه ديباجاً ، قال : « لا يصلّى فيه » (8).
    ونحوه الرواية السابقة (9) المسوّية بين الرجل والمرأة في كراهة الحرير
1 ـ الفقيه 1 : 171.
2 ـ المنتهى 1 : 229.
3 ـ المختلف : 80.
4 ـ الذكرى : 145 ، روض الجنان : 208.
5 ـ راجع كشف اللثام 1 : 185 ، والتنقيح الرائع 1 : 180.
6 ـ الكافي 3 : 399/10 ، الوسائل 4 : 376 أبواب لباس المصلّي ب 14 ح 1.
7 ـ التهذيب 2 : 207/810 ، الاستبصار 1 : 383/1453 ، الوسائل 4 : 377 أبواب لباس المصلّي ب 14 ح 4.
8 ـ التهذيب 2 : 372/1548 ، الوسائل 4 : 369 أبواب لباس المصلّي ب 11 ح 8.
9 ـ في ص : 317.


(325)
لهما ، بناءً على عدم إمكان حملها على مطلق اللبس لمخالفة النص والإجماع ، كما مر ، فينبغي التقييد بحال الصلاة.
    وخصوص المروي في الخصال : « يجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة وإحرام ، وحُرّم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد » (1).
    وشي‏ء من ذلك لا يصلح دليلاً لإثبات المنع ؛ لمعارضة الإطلاق ـ بعد تسليمه ـ بإطلاق النصوص المتقدمة (2) المرخّصة لهنّ في لبسه الشاملة لحال الصلاة وغيرها ، بل عموم بعضها لهما ، كالمرسل كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه : « النساء يلبسن الحرير والديباج إلّا في الإحرام » (3) وقضيّة الاستثناء جواز لبسهن في الصلاة.
    وقريب منه الموثق : « لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأمّا في الحر والبرد فلا بأس » (4).
    وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بعمل العلماء كافّة كما مضى (5).
    والتعارض بين الإطلاقين وإن كان من قبيل تعارض العمومين من وجه يمكن تقييد كل منهما بالآخر ، إلّا أن تقييد الإطلاق الأوّل بهذا ـ بأن يراد منه المنع وعدم الحلّ لخصوص الرجال ، كما ربما يشعر به سياق الصحيحة الاُولى ـ أولى من العكس ، بأن يقيّد الإطلاق الأخير بحلّ اللبس في غير الصلاة ؛ وذلك لرجحان هذا الإطلاق بالأصل والشهرة العظيمة المحققة والمحكية في كلام جماعة حد الاستفاضة ، بل قد عرفت قوة احتمال كونها إجماعاً.
1 ـ الخصال : 585/12 ، الوسائل 4 : 380 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 6.
2 ـ في ص 318.
3 ـ الكافي 6 : 454/8 ، الوسائل 4 : 379 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 3.
4 ـ الكافي 6 : 455/12 ، الوسائل 4 : 380 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 4.
5 ـ راجع ص : 318.


(326)
    و الرواية السابقة ـ مع ضعف دلالتها ومخالفة إطلاقها إجماع العلماء ـ قد عرفت أنها ضعيفة سنداً (1) ، وكذلك رواية الخصال ضعيف سندها بعدّة من المجاهيل ، فلا حجّة فيهما من أصلهما وإن اتضح دلالتهما ، فكيف تقاومان أدلّة المشهور وتخصّصانها ؟! بل ينبغي طرحهما ، أو حملهما على الأفضليّة كما عن المبسوط والجامع وفي السرائر (2) ، أو الكراهة كما عن الوسيلة والنزهة (3).
    ولا بأس بهما ؛ خروجاً عن الشبهة ، ومسامحةً في أدلّة السنن والكراهة.
    ( وفي ) جواز الصلاة في نحو ( التكة والقلنسوة ) مما لا تتم فيه ( من الحرير ) للرجال ( تردّد ) واختلاف بين الأصحاب :
    فبين مانع عنه ، كالمفيد والديلمي والصدوق والإسكافي وابن حمزة (4) ، وغيرهم من القدماء (5) ، والفاضل في المختلف والقواعد والمنتهى والشهيد في اللمعة (6) ، وكثير من متأخّري المتأخّرين (7).
    ومجوّزٍ ، كالنهاية والمبسوط والسرائر ، والحلبي ، والفاضلين في المعتبر والإرشاد والتلخيص والتذكرة ، والشهيدين في صريح الدروس وروض الجنان‏
1 ـ راجع ص : 317.
2 ـ المبسوط 1 : 83 ، الجامع للشرائع : 65 ، السرائر 1 : 263.
3 ـ الوسيلة : 87 ، نزهة الناظر : 24.
4 ـ المفيد في المقنعة : 150 ، الديلمي في المراسم : 64 ، الصدوق في الفقيه 1 : 172 ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : 80 ، ابن حمزة في الوسيلة : 88.
5 ـ كالسيد المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 28 ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555.
6 ـ المختلف : 80 ، القواعد 1 : 27 ، المنتهى 1 : 229 ، اللمعة ( الروضة 1 ) : 206.
7 ـ كصاحبي في المدارك 3 : 179 ، الذخيرة : 227 ، والكفاية : 16 ، وخالي المجلسي ( في البحار 80 : 241 ) ، والمحدث الكاشاني في المفاتيح 1 : 110 ، وغيرهم ولعلّه الأقرب. منه رحمه الله.


(327)
وظاهر الروضة والذكرى (1) أو محتملهما ، ونسبه في الذخيرة وغيرها إلى المشهور (2) ، وفي المفاتيح وغيره إلى المتأخّرين (3) ، وهو كما ترى.
    ومتردّدٍ فيه ، كالفاضل في التحرير (4) والصيمري ، وغيرهما (5) ، والماتن في الشرائع (6) وهنا ، لكن قال ( أظهره الجواز مع الكراهة ) استناداً فيها إلى الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية ، وفي الجواز إلى الأصل ، وخصوص الخبر : « كلّ ما لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بالصلاة فيه ، مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل » (7).
    مع سلامتهما عن المعارض ، عدا إطلاقات الأدلّة المانعة عن الصلاة في الحرير أو لبسه مطلقاً أو عمومها ، وهي تقبل التقييد بالرواية الصريحة.
    ويضعف الأصل : بمعارضته بالاحتياط اللازم المراعاة في نحو المسألة من العبادات التوقيفية.
    والرواية : بضعف سندها ؛ فإن فيه أحمد بن هلال ، وهو ضعيف لا يلتفت إلى روايته جدّاً وإن روى عن ابن أبي عمير كما هنا ، فإن ذلك لا يفيد توثيقاً وإن أفاد اعتباراً ما عند بعض علماء الرجال (8) أو جملة منهم ، فإن الاعتماد على مثل‏
1 ـ النهاية : 98 ، المبسوط 1 : 84 ، السرائر 1 : 263 ، الحلبي في الكافي : 140 ، المعتبر 2 : 89 ، الإرشاد 1 : 246 ، التذكرة 1 : 95 ، الدروس 1 : 150 ، روض الجنان : 207 ، الروضة البهية 1 : 206 ، الذكرى : 145.
2 ـ راجع الذخيرة : 227 ، والحدائق 7 : 97 ، وبحار الأنوار 80 : 241.
3 ـ المفاتيح 1 : 110.
4 ـ التحرير 1 : 30.
5 ـ راجع نهاية الإحكام 1 : 376 ، والمقتصر : 71 ، ومنتقى الجمان 1 : 478.
6 ـ الشرائع 1 : 69.
7 ـ التهذيب 2 : 357/1478 ، الوسائل 4 : 376 أبواب لباس المصلّي ب 14 ح 2.
8 ـ قال العلامة الحلي في رجاله ( ص 202 ) : توقف ابن الغضائري في حديثه ـ أيّ احمد بن هلال ـ اِلّا فيما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة ، ومحمد بن أبي عمير


(328)
ذلك هنا مع إطراح جملة من القدماء والمتأخرين بل المشهور لها بالخصوص مما يوهن التمسك بها لذلك والخروج بها عن الإطلاقات والعمومات القطعية ، مع قوّة دلالة جملة منها صحيحة ، من حيث وقوع الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في الحرير المحض بعد أن سئل عنها في المعمول منه من نحو التكة والقلنسوة (1) ، وذلك كالنصّ إن لم يكن نصّا ، كما ذكره جماعة (2) ، وهي أكثر وأصحّ ، فلتكن بالتقديم أرجح.
    ولا يقدح كونها مكاتبة ، لكونها ـ على الأصح ـ حجّة ، سيّما مع اتفاق الأصحاب على العمل عليها ولو في غير المسألة ، ومخالفتها العامة ، لظهورها في أن للصلاة في المنع عن لبسه فيها مدخلية وليس إلّا من حيث بطلانها به ، وهو من خصائص الإماميّة كما عرفته ، فكيف يمكن تصور حملها على التقية كما قيل ؟! بل حمل الرواية السابقة عليها جماعة ، كما ذكره في الوسائل فقال : وذهب جماعة إلى المنع وحملوا الجواز على التقية ، وهو الأحوط (3).
    ولا ريب أن حمل الرواية عليها أمكن من حمل الصحاح عليها ، لبعدها عن طريقتهم في الغاية دون الرواية ، فإنها تنطبق على مذهبهم لو لا ما يتوهم من مفهومها : من المنع عن الصلاة فيما تتم فيه ، المخالف للعامة ، إلّا أن الذب عنه ممكن بأن دلالتها على ذلك بالمفهوم الضعيف ، فلعلّ العامة زمان صدور الرواية لم يقولوا به.
    هذا مع معارضة الرواية بصريح بعض المعتبرة كالرضوي : « لا تصلّ في ديباج ولا في حرير » إلى أن قال : « ولا في ثوب إبريسم محض ولا في تكة
من نوادره ، وقد سمع هذين الكتابين جل اصحاب الحديث واعتمدوه فيهما.
1 ـ راجع ص : 319.
2 ـ اُنظر المدارك 3 : 179 ، والذخيرة 228.
3 ـ الوسائل 4 : 377.


(329)
إبريسم ، وإذا كان الثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيه » (1).
    ويستفاد منه ـ زيادة على ذلك ـ إطلاق الحرير على المنسوج من الإبريسم فيشمل نحو القلنسوة ، ونحوه في ذلك الصحاح المتقدمة المعبرة في السؤال بالقلنسوة من الحرير (2).
    والإطلاق وإن كان أعم من الحقيقة ، إلّا أن أمارتها فيه هنا موجودة ؛ لعدم صدق سلب الحرير عن القلنسوة المعمولة منه بلا شبهة.
    وحيث ثبت شمول الحرير لنحو المعمول منه مما لا تتم فيه الصلاة ، ظهر شمول الإطلاقات المانعة عن لبسه مطلقاً وفي الصلاة له جدّا ، فمنع الإطلاقات لا وجه له جدّا ، فإذا المنع أقوى.
    ( وهل يجوز الركوب عليه والافتراش به ؟ ) فيه تردد ( المروي : نعم ) ففي الصحيح : عن الفراش الحرير ومثله من الديباج ، والمصلّى الحرير ومثله من الديباج ، يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة عليه ؟ قال : « يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه » (3).
    وفي الخبر : « لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف أو يجعله مصلّى يصلّي عليه » (4).
    وهو المعروف بين الأصحاب ، كما في المدارك والذخيرة (5) ، مؤذنين‏
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 157 ، المستدرك 3 : 206 أبواب لباس المصلّي ب 11 ح 1 ، وص 207 ب 13 ح 1.
2 ـ راجع ص : 319.
3 ـ الكافي 6 : 477/8 ، التهذيب 2 : 373/1553 ، قرب الإسناد : 185/687 ، الوسائل 4 : 378 أبواب لباس المصلّي ب 15 ح 1.
4 ـ الفقيه 1 : 172/809 ، الوسائل 4 : 378 أبواب لباس المصلّي ب 15 ح 2.
5 ـ المدارك 3 : 179 ، الذخيرة : 228.


(330)
بدعوى الإجماع عليه. ولعله كذلك ، وإن أشعرت العبارة بالتردّد ، كما هو ظاهر الصيمري وصريح المعتبر (1) ، لعدم ثبوت الخلاف بالتردّد.
    نعم ، حكي المنع عن المبسوط والوسيلة (2) ، ونسبه في المختلف إلى بعض المتأخرين (3).
    ولكنه شاذّ غير معروف المستند ، عدا عموم بعض النصوص بالمنع ، كخبر : « هذان محرّمان على ذكور اُمّتي » (4).
    وهو ـ على تقدير تسليم سنده وعمومه لما نحن فيه ـ مخصّص بما مرّ ؛ لكونه خاصّاً فليكن مقدّماً.
    والجمع بينهما بحمل الحرير والديباج فيه على الممتزج ، وإن أمكن ، لكنّه مجاز وما قدّمناه تخصيص فهو عليه مقدّم ، كما هو الأشهر الأقوى ، وبيّن وجهه في الاُصول مستقصى ، مع كون التخصيص هنا أوفق بالأصل جدّاً.
    ولكن الأحوط ترك الصلاة عليه ؛ للرضوي : « ولا تصلّ على شي‏ء من هذه الأشياء إلّا ما يصلح لبسه » (5) وأشار بالأشياء إلى نحو الحرير والذهب وغيرهما.
    وذكر جماعة (6) أن في حكم الافتراش التوسّد عليه والالتحاف به.
    وهو حسن ؛ لا للإلحاق بالنص ، لكونه قياساً ؛ بل للأصل ، وعدم دليل‏
1 ـ المعتبر 2 : 89.
2 ـ المبسوط 1 : 82 ، الوسيلة : 88 ، وحكاه عنهما في كشف اللثام 1 : 186.
3 ـ المختلف : 80.
4 ـ عوالي اللآلي 2 : 30/74 ، المستدرك 3 : 209 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 1 ، سنن أبي داوود 4 : 50/4057 ، سنن ابن ماجة 2 : 1190/3597 وفيهما بتفاوت يسير.
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 158 ، المستدرك 3 : 218 أبواب لباس المصلّي ب 24 ح 2 وفيهما : الا ما لا يصلح ... »
6 ـ منهم الشهيد الثاني في المسالك 1 : 23 ، صاحب المدارك 3 : 180.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس