رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 331 ـ 345
(331)
يعتد به إلّا على تحريم اللبس لا مطلق الاستعمال ، وهو غير صادق في محل البحث.
    وزاد شيخنا الشهيد الثاني لذلك جواز التدثّر به (1). ومنعه سبطه (2) ، زعماً منه صدق اللبس عليه.
    وفيه نظر. ولو سلّم ففي دخوله في إطلاق اللبس الوارد في النصوص نوع شك ، فيندفع بالأصل. فتأمّل.
    ( ولا بأس بثوب مكفوف به ) أي بالحرير ، أن يلبس ويصلّى فيه ، على الأشهر بين الأصحاب ، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من نادر سيذكر ، ونسب في الذكرى إلى الأصحاب (3) ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، وفي المدارك : أنه مقطوع به بين المتأخّرين (4) ، مشعراً بدعواه ، كجملة ممن لم ينقلوا الخلاف فيه مع كون ديدنهم نقله حيث كان.
    واستدل عليه الفاضلان في المعتبر والمنتهى والمحقق الثاني والشهيد في الذكرى (5) بالنبوي العامي أنه صلّى اللّه عليه وآله : نهى عن الحرير إلّا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع (6).
    والخبر : كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج ، ويكره لباس الحرير (7) الحديث.
1 ـ المسالك 1 : 23.
2 ـ المدارك 3 : 180.
3 ـ الذكرى : 145.
4 ـ المدارك 3 : 180.
5 ـ المعتبر 2 : 90 ، المنتهى 1 : 229 ، جامع المقاصد 2 : 86 ، الذكرى : 145.
6 ـ درر اللآلي 1 : 117 ، المستدرك 3 : 209 أبواب لباس المصلّي ب 15 ح 1 ، صحيح مسلم 3 : 1643/15 ، سنن أبي داوود 4 : 47/4042 ، سنن النسائي 8 : 202.
7 ـ الكافي 3 : 403/27 ، التهذيب 2 : 364/1510 ، الوسائل 4 : 370 أبواب لباس المصلّي ب 11 ح 9.


(332)
    و في الاستدلال بهما ـ لو لا الشهرة بل الإجماع ـ نظر ؛ لضعف سندهما ، وضعف دلالة الأخير جدّاً ، إذ الكراهة أعم منها بالمعنى المصطلح ومن الحرمة ، مع ظهور السياق فيه وفي كثير من النصوص المعبّرة عن حرمة الحرير بلفظ الكراهة ، في إرادة الأخير خاصّة ، فالخروج بهما عما دلّ على حرمة لبس الحرير والصلاة فيه مشكل ، لو لا الشهرة الجابرة لضعف السند والدلالة.
    وربما آُيّد الجواز بالأصل ، والخبر : « لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعَلَمه حريرا » (1).
    وفيهما نظر ؛ لمعارضة الأوّل بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات التوقيفية.
    وضعف الثاني سنداً. بل ودلالةً كالخبرين السابقين ؛ لعدم إشعار فيهما بجواز الصلاة فيه ، وإن أمكن الذبّ عن هذا بكفاية الشمول إطلاقاً مع عدم القائل بالفرق أصلاً.
    لكن في الموثق : عن الثوب يكون عَلَمه ديباجاً ، قال : « لا تصلّ فيه » (2).
    وهو بالنسبة إلى المنع عن الصلاة فيه خاص وتلك الأخبار باللبس مطلقة تصلح أن تكون به مقيّدة ؛ ولعله لذا منع عنه القاضي (3) والمرتضى في بعض مسائله فيما حكي عنه (4). وهو أحوط ، وإن كان في تعينه نظر ، لقصور الموثق عن المقاومة لما مر.
    وأما ما عليه الصدوق : من المنع عن الصلاة في تكة رأسها من إبريسم (5) ،
1 ـ الفقيه 1 : 171/808 ، التهذيب 2 : 208/817 ، الاستبصار 1 : 386/1467 ، الوسائل 4 : 375 أبواب لباس المصلّي ب 13 ح 6.
2 ـ التهذيب 2 : 372/1548 ، الوسائل 4 : 369 أبواب لباس المصلّي ب 11 ح 8.
3 ـ المهذَّب 1 : 75.
4 ـ حكى عنه في صاحب المدارك 3 : 181.
5 ـ الفقيه 1 : 172.


(333)
فلم يقم عليه دليل صالح إلّا عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في الحرير. وهو غير معلوم الشمول لنحو ذلك من خيوط الإبريسم ؛ إما لاقتضاء الظرفية كونه من الملابس ؛ أو لعدم صدق الحرير عليه لغةً ولا عرفاً ، لاختصاصه فيهما بالمنسوج منه لا مطلقاً.
    ولو سلّم الصدق عليه حقيقة فغير معلوم كونه من الأفراد المتبادرة له عند الإطلاق جدّاً ، وعليه فيجب الرجوع إلى مقتضى الأصل. مع كون قوله شاذّاً لم أعرف به قائلا حتى القاضي والمرتضى ؛ لمنعهما عن الكفّ به خاصة.
    والمراد به أن يجعل في رؤوس الأكمام والذيل وحول الزيق (1).
    وقدّر عند جماعة (2) بما مر في النبوي من الأربع الأصابع ، وتوقف فيه نادر (3).
    ولا وجه له إلّا ضعف السند ، وقد انجبر بالعمل كما مر. مضافاً إلى لزوم الاقتصار فيما خالف دليل المنع على المتيقن من الرخصة فتوى ورواية ، وليس إلّا قدر الأصابع الأربع مطلقا بل مضمومة. ولا ينافيه إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة ؛ لورودها مورد الغلبة ، وليس إلّا الأربع الأصابع مضمومة أو غايتها منفرجة ، فالزيادة تعدية تحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة.
    واُلحق بالكف اللبنة أي الجيب ، للنبوي الآخر : كان له صلّى اللّه عليه وآله جبة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج (4).
     ( ولا تجوز ) الصلاة ولا تصح ( في ثوب مغصوب مع العلم ) بالغصبية ،
1 ـ زيق القميص ـ بالكسر ـ : ما احاط بالعنق منه. القاموس 3 : 251.
2 ـ منهم الشهيد الثاني في الروضة 1 : 206 ، والمسالك 1 : 23 ، وصاحب المدارك 3 : 180.
3 ـ الشهيد الثاني في روض الجنان : 208.
4 ـ صحيح مسلم 3 : 1641/10.


(334)
بلا خلاف أجده فيما لو كان ساتراً إلّا من نادر لا يعبأ به (1) ، مع دعوى الإجماع على خلافه في كلام كثير ، كالسيدين في الناصريات والغنية ، والفاضل في ظاهر المنتهى وصريح التحرير ونهاية الإحكام والتذكرة ، والمحقق الثاني في شرح القواعد والشهيدين في الذكرى وروض الجنان (2).
    وهو الحجة ، مضافاً إلى الاُصول الآتية.
    ومقتضى إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة ـ ومنهم كثير من نقلة الإجماع ـ عدم الفرق بين كونه ساتراً أو غيره ، وبه صرّح جماعة (3) ومنهم الشهيد ـ رحمه اللّه ـ في جملة من كتبه (4) ، بل زاد فقال : ولا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا ، فتبطل الصلاة مع علمه بالغصب.
    وهو حسن ؛ لما ذكره جماعة (5) : من أن الحركات الواقعة في الصلاة منهي عنها ؛ لأنها تصرّف في المغصوب ، والنهي عن الحركة نهي عن القيام والقعود والركوع والسجود ، وكل منها جزء للصلاة فتفسد ؛ لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد ، فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها.
    وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه وردّه إلى مالكه ، فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادّاً للصلاة ، والأمر بالشي‏ء يقتضي النهي عن ضده (6) بالتقريب الآتي‏
1 ـ نقله في الكافي 6 : 94 عن الفضل بن شاذان.
2 ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 195 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555 ، المنتهى 1 : 229 ، التحرير 1 : 30 ، ، نهاية الإحكام 1 : 378 ، التذكرة 1 : 96 ، جامع المقاصد 2 : 87 ، الذكرى : 146 ، روض الجنان : 204.
3 ـ منهم العلامة في نهاية الإحكام 1 : 378 ، والتحرير 1 : 30 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 2 : 78 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 186.
4 ـ اُنظر البيان : 121 ، والدروس 1 : 151.
5 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 92 ، والعلامة في التذكرة 1 : 96 ، والمنتهى 1 : 229.
6 ـ في « م » زيادة : الخاص.


(335)
فيفسد (1).
    وأما ما يقال (2) في الجواب عن الأوّل : بأن النهي إنما يتوجه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه ، لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة ، فالنهي متعلق بأمر خارج عنها ليس جزءا ولا شرطاً ، فلا يتطرق إليه الفساد ، بخلاف ما لو كان المغصوب ساتراً أو مسجداً أو مكاناً ؛ لفوات بعض الشروط أو بعض الأجزاء ..
    وعن الثاني : بمنع اقتضاء الأمر بالشي‏ء النهي عن ضده الخاص ، وإنما يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو الترك أو الكفّ.
    فضعيف ، أما الأوّل فلما ذكره بعض الأفاضل : من أنّ الإنسان إذا كان متلبّساً بلباس مغصوب في حال الركوع مثلاً فلا خفاء في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة ، لكونها محرّكة للشي‏ء المغصوب ، فيكون تصرّفاً في مال الغير محرّماً ، فلا يصح التعبّد به مع أنه جزء الصلاة ، واعتبار الجهتين غير نافع في صحة تعلق الوجوب والحرمة إلّا مع اختلاف المتعلقين لا مطلقا ، وبالجملة لا يصح هذا الكلام على رأي أصحابنا القائلين بأن الشي‏ء الواحد الشخصي لا يجوز أن يكون متعلّقا للوجوب والحرمة معا مطلقا ، وإنما يتم على رأي جماعة من العامة المخالفين في هذه المسألة ... إلى آخر ما ذكره (3). ولنعم ما أفاده وإجادة ، شكر اللّه سعيه.
    هذا ، مع أن اختلاف الجهة لو أثّر للزم صحة الصلاة فيه ولو تعلق بها أو بجزئها أو بشرطها النهي ، ولا يقول به ، لما عرفت من تصريحه بالفساد لو كان‏
1 ـ اُنظر ص 332.
2 ـ روض الجنان : 204.
3 ـ المحقق السبزواري في الذخيرة : 224.


(336)
ساتراً ، لفوات الشرط. هذا.
    ودعوى فساد المشروط بتعلق النهي بشرطه مطلقا كما يقتضيه عبارته ممنوعة ، بل يختص بذلك بما إذا كان الشرط عبادة ؛ فإنّ تعلق النهي به يستلزم فساده ويترتب عليه فساد مشروطه. وأما إذا لم يكن عبادة فلا وجه لذلك فيه ، فإن النهي لا يقتضي فساده حتى يترتب عليه فساد المشروط ، وإنما يقتضي حرمته ، ولا تلازم بينها وبين حرمة المشروط ، كما لو أوقع إزالة الخبث المشترطة في صحة الصلاة بالماء الغصبي ، فإن ذلك لا يؤثّر في بطلان مشروطها ، والستر من قبيلها ليست بعبادة جدّاً ، وإلّا لما صح صلاة من ستر عورته من دون قصد القربة بناء على اشتراطه في مطلق العبادة ، وأنها به تفترق عما ليس بعبادة.
    ومن هنا يظهر ما في دعوى بعض الأفاضل كون الستر عبادة ، حيث قال ـ بعد نقل كلام الماتن في المعتبر : اعلم أني لم أقف على نصّ من أهل البيت بإبطال الصلاة وإنما هو شي‏ء ذهب إليه المشايخ الثلاثة وأتباعهم. والأقرب أنه إن ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة ؛ لأن جزء الصلاة يكون منهياً عنه وتبطل الصلاة بفواته. أما لو لم يكن كذلك لم تبطل كلبس خاتم من ذهب (1) ـ ما صورته :
    يعني جزأها وما جرى مجرى الجزء من الشرط المقارن ، يعني أنّ النهي إنما يقتضي الفساد إذا تعلق بالعبادة ، فإذا استتر بالمغصوب صدق أنه استتر استتاراً منهيّا عنه ، فإن الاستتار به عين لبسه والتصرف فيه ، فلا يكون استتارا مأمورا به في الصلاة ، فقد صلّى صلاة خاليةً عن شرطه الذي هو الاستتار المأمور به ، وليس هذا كالتطهير من الخبث بالمغصوب ، فإنه وإن نهي عنه لكن يحصّل‏
1 ـ في المعتبر 2 : 92 : وكان كلبس خاتم مغصوب.

(337)
الطهارة ، وشرط الصلاة إنما هو الطهارة لا فعلها لينتفي الشرط إذا نهي عنه ...
    إلى آخر ما ذكره (1).
    ومحصل كلامه ـ كما ترى ـ في وجه الفرق بين التطهير والستر كونه عبادة دون سابقة ؛ إذ به تتمّ الخصوصية للستر ، وقد عرفت ما فيه.
    وليت شعري ما الذي دعاه إلى جعله عبادةً ؟ ولم أر له أثراً عدا تعلّق الأمر بالستر ، وأن الأصل فيما تعلق به أوامر الشرع أن تكون عبادة موقوفةً على قصد القربة ، وهذا بعينه موجود في إزالة الخبث عن الثوب.
    فإن ادعى خروج ذلك بالإجماع على عدم اعتبار قصد القربة فيه.
    قلنا له : كذلك الأمر في محل النزاع ، وإلّا لما صحّ صلاة من ستر عورته بمحلّل إلّا بقصد القربة ، وهو خلاف الإجماع ، بل البديهة.
    ومن هنا ظهر أنه لا وجه لفساد الصلاة في المغصوب الساتر للعورة غير ما قدّمنا إليه الإشارة : من كون الحركات الأجزائية منهيّاً عنها باعتبار كونها تصرّفاً فيه ، وهذا لا يختلف فيه الحال بين الساتر وغيره. فالقول بالفرق ـ كما عليه الماتن في المعتبر وشيخنا في روض الجنان وسبطه في المدارك وقواه في الذكرى (2) ـ ضعيف ، سيّما مع إطلاق جملة من الإجماعات المحكية المؤيّدة بالدليلين المتقدم إليهما الإشارة (3) ، لضعف ما يرد عليهما :
    أما الأوّل : فلما مر.
    وأما الثاني : فلأن الأمر بالشي‏ء وإن كان لا يقتضي النهي عن ضده الخاص لفظا ولا معنى ـ كما هو الأشهر الأقوى ـ إلّا أنه يستلزم عدم اجتماع أمر آخر معه يضادّه لو كان مضيّقاً والآخر موسّعاً كما فيما نحن فيه ، فإن الأمر
1 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 186.
2 ـ المعتبر 2 : 92 ، روض الجنان : 204 ، المدارك 3 : 182 ، الذكرى : 146.
3 ـ في ص : 329.


(338)
بالإبانة فوريّ إجماعاً والفرض سعة وقت الصلاة ، وإلّا فهي مقدمة على جميع الواجبات ؛ وحيث استلزم عدم الاجتماع بقي الصلاة بلا أمر ، وهو عين معنى الفساد ، إذ الصحة في العبادة عبارة عن موافقة الأمر ، وحيث لا أُمر فلا موافقة ، فجاء الفساد من هذه الجهة لا استلزام الأمر بالشي‏ء النهي عن ضده (1) وإن أوهمه ما سبق في الدليل من العبارة ، لكن المراد ما عرفت ، وإنما وقع التعبير بذلك مسامحةً.
    وبهذا الوجه يصح المنع عن الصلاة وبطلانها في خاتم الذهب والثوب المموّه به ( إذا استلزم نزعهما ما ينافي الصلاة ؛ لتحريم لبسه ووجوب نزعه إجماعا ، فتوى ونصّا ، وبه صرّح الفاضل في المنتهى والتحرير والتذكرة ، والشهيد في الدروس والبيان والذكرى وعن الصدوق والإسكافي (2) ، ونسب إلى الأكثر (3).
    ولعله كذلك ، بل لا خلاف فيه مطلقا يظهر إلّا من الماتن في المعتبر ، في خصوص الخاتم كما مر (4) ، وتوقف فيه خاصّة في الذكرى بعد أن حكم ببطلان الصلاة في الثوب المموّه منه (5) ) (6). ويظهر من المنتهى التردد فيه وفي المنطقة أيضاً ، لكن اختار المنع في الأوّل قال : لأن النهي في العبادة يدل على الفساد (7).
1 ـ في « م » زيادة : الخاص.
2 ـ المنتهى 1 : 230 ، التحرير 1 : 30 ، التذكرة 1 : 95 ، الدروس 1 : 150 ، البيان : 121 ، الذكرى : 146 ، الصدوق في العلل : 348 باب 57 ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : 80.
3 ـ الحدائق 7 : 101.
4 ـ في ص 331 ، وانظر المعتبر 2 : 92.
5 ـ الذكرى : 146.
6 ـ مابين القوسين ليست في « ح » .
7 ـ المنتهى 1 : 230.


(339)
    و فيه نظر ؛ لمنع توجه النهي هنا إلى العبادة ، بل إلى اللبس خاصة ، وهو ليس جزءاً من العبادة ، فالأولى الاستدلال عليه بما قدمنا إليه الإشارة ، لكنه في الجملة ، ويتم بعدم القائل بالفرق بين الطائفة.
    مضافاً إلى النصوص المستفيضة : ففي الموثق المروي في الكافي والتهذيب والعلل : « لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه ، لأنه من لباس أهل الجنة » (1).
    وفي الرضوي : « ولا تصلي في جلد الميتة ولا في خاتم الذهب » (2) الخبر.
    وفي المروي عن الخصال : « يجوز للمرأة لبس الديباج » إلى أن قال : « ويجوز أن تتختم بالذهب وتصلي فيه ، وحرّم ذلك على الرجال » (3).
    وفي آخر : « جعله اللّه تعالى حلية أهل الجنة ، فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه » (4).
    وقصور الأسانيد منجبر بالفتاوى ، وبالقاعدة. ولكن مقتضاها بطلان الصلاة في الملبوس منه خاصة ، كالخاتم والثوب المموّه به وكذا المنطقة ؛ لصدق اللبس عليها عادة ، دون ما يستصحبه المصلّي من نحو الدنانير مما لا يصدق اللبس عليه عادةً ، إذ لا نهي فيه عموما ولا خصوصا ، بل ظاهر جملة من النصوص جواز شدّ السنّ الثَنيّة بالذهب مطلقاً من دون تقييد له بغير حال الصلاة (5) ، مع أن الظاهر من حال الشد دوامه ولو حال الصلاة.
1 ـ لم نعثر عليه في الكافي وهو موجود في التهذيب 2 : 372/1548 ؛ علل الشرائع : 348/1 ، الوسائل 4 : 413 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 4.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 157 ، المستدرك 3 : 218 أبواب لباس المصلّي ب 24 ح 2.
3 ـ الخصال : 585/12 ، الوسائل 4 : 380 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 6.
4 ـ التهذيب 2 : 227/894 ، الوسائل 4 : 414 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 5.
5 ـ الوسائل 4 : 416 أبواب لباس المصلّي ب 31.


(340)
    فالظاهر عدم البأس به ، وإن كان الأحوط تركه ما لم يخف ضياعه ، أو تدعوه ضرورة اُخرى إلى استصحابه فلا بأس به ، بل ينبغي القطع بجوازه حينئذ ولو كان مثل خاتم أو ثوب مموّه ، فإن الضرورات تبيح المحظورات.
    و احترز بالعلم بالغصبية عن صورة الجهل بها ، لصحة الصلاة هنا قطعاً ، إذ لا نهي معه إجماعاً ، والفساد إنما ينشأ من جهته لا من حيث كون الثوب مغصوباً ، إذ لا دليل عليه جدّاً.
    ومنه يظهر وجه الصحة لو صلّى فيه ناسياً للغصبية ، وبه صرّح جماعة (1) ، مؤيدين له بعموم رفع النسيان عن الاُمّة (2) ، وفيه مناقشة.
    خلافاً للفاضل في القواعد والمختلف (3) ، فيعيد مطلقا كما في الأوّل ، أو في الوقت خاصة كما في الثاني. وربما فصّل بين العالم بالغصب عند اللبس الناسي له عند الصلاة فالإعادة ، والناسي له عند اللبس خاصة فالعدم (4).
    ولم أجد لشي‏ء من هذه الأقوال دلالة عدا وجوه اعتبارية هي ـ مع معارضتها بعضاً مع بعض ـ لا تصلح حجّة في مقابلة الأصل المعتضد بما قدّمناه من الحجّة.
    وفي إلحاق الجاهل بالحكم مطلقا بالعامد وجهان ، بل قولان ، أحدهما : نعم ، وفاقاً للتحرير والمنتهى (5) ، قال : لأن التكليف لا يتوقف على العلم به ، وإلّا لزم الدور ، وعليه الشهيد في الدروس والذكرى والمحقق الثاني في شرح‏
1 ـ منهم العلامة في المنتهى 1 : 230 ، والشهيد الأول في البيان : 121 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 78.
2 ـ الفقيه 1 : 36/132 ، الخصال : 417/9 ، الوسائل 8 : 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
3 ـ القواعد 1 : 27 ، المختلف : 82.
4 ـ كشف اللثام 1 : 186.
5 ـ التحرير 1 : 30 ، المنتهى 1 : 229.


(341)
القواعد (1).
    وظاهر الأصحاب فيما أعلم ـ وبه صرّح بعض (2) ـ إلحاق ناسي حكم الغصبية بجاهله في وجوب الإعادة. ولا يخلو عن إشكال إن لم يكن إجماع.
     ( و ) كذا ( لا ) تجوز الصلاة ولا تصح ( فيما يستر ظهر القدم ، ما لم يكن له ساق ) بحيث يغطّي المفصل الذي بين الساق والقدم وشيئاً من الساق ، كالشمشك (3) ـ بضم الأوّلين أو ضم الأول وكسر تاليه ، على الاختلاف في الضبط ـ والنعل السندي وشبههما ، كما عليه الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد والشهيد في الدروس وغيره (4) ، بل نسبوه إلى النهاية والمقنعة والقاضي والديلمي وغيرهم من القدماء (5) ، بل ادعى شيخنا في الروضة وروض الجنان كونه مشهورا (6).
    وفيه نظر ، فإن المحكي عن الشيخين وأضرابهما إنما هو المنع عن الصلاة في النعل السندي والشمشك خاصة ، وهو أخصّ من المدعى ، فقد لا يكون لسترهما ظهر القدم كما ظنه الفاضلان وغيرهما ، بل لورود خبر بهما ، كما صرّح به ابن حمزة في الوسيلة (7) ، ولعله الحجّة لهم دون ما قرّره الفاضلان‏
1 ـ الدروس 1 : 151 ، الذكرى : 146 ، جامع المقاصد 2 : 87.
2 ـ البيان : 151 ، روض الجنان : 205.
3 ـ الشُمِشْك بضم الشين وكسر الميم وقيل : انه المشاية البغدادية ، وليس فيه نص من أهل اللغة مجمع البحرين 5 : 277.
4 ـ الشرائع 1 : 69 ، الإرشاد 1 : 247 ، القواعد 1 : 28 ، الدروس 1 : 151 ، الذكرى : 146 اللمعة ( الروضة 1 ) : 207. البيان : 151.
5 ـ النهاية : 98 ، المقنعة : 153 ، القاضي في المهذَّب 1 : 75 ، الديلمي في المراسم : 65 ؛ وانظر السرائر 1 : 263.
6 ـ الروضة 1 : 207 ، روض الجنان : 214.
7 ـ الوسيلة : 88. قال « وروي ان الصلاة محظورة في النعل السنديّة والشمشك » وانظر الوسائل 4 : 428 أبواب لباس المصلّي ب 38 ح 7.


(342)
من حجج ضعيفة غير صالحة للحجية أصلاً ، حتى على إثبات الكراهة ، فكيف تثبت بها الحرمة ؟
    ولذا أعرض عن القول بها المتأخّرون أو أكثرهم كما في المدارك والذخيرة وغيرهما (1) ، ولكن قالوا بالكراهة ، وفاقاً للمبسوط والإصباح والوسيلة (2) في الشمشك والنعل السندي خاصة ، وللتحرير وظاهر المنتهى (3) في كل ما يستر ظهر القدم ، كما في عنوان العبارة.
    لا لما مر من الحجج الضعيفة ، بل تفصّياً عن شبهة الخلاف الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية مسامحةً في أدلّة السنن والكراهة. والمراد بالرواية ما وقع الإشارة إليه في الوسيلة ، لكنها ـ كما عرفت ـ غير عامة لكل ما يستر ظهر القدم ، بل في خصوص ما مرّ من الأمرين.
    وفي الاحتجاج وعن كتاب الغيبة لشيخ الطائفة فيما ورد من التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عليه وعلى آبائه السلام إلى الحميري فيما كتب إليه يسأله : هل يجوز للرجل أن يصلي وفي رجليه بطيط ولا يغطّي الكعبين أم لا يجوز ؟ فوقّع عليه السلام : « جائز » (4).
    والبَطيط كما في القاموس : رأس الخف بلا ساق (5) ، كأنه سمي به تشبيهاً له بالبطّ.
    قيل : وفيه تأييد القول بالمنع.
    وفيه نظر ، بل هو لتأييد القول الآخر أظهر ، كما صرّح به بعض من‏
1 ـ المدارك 3 : 184 ، الذخيرة : 235 ؛ وانظر كفاية الأحكام : 16 ، والحدائق 7 : 160.
2 ـ المبسوط 1 : 83 ، وحكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1 : 191 ، الوسيلة : 88.
3 ـ التحرير 1 : 30 ، المنتهى 1 : 230.
4 ـ الاحتجاج : 484 ، كتاب الغيبة : 234 الوسائل 4 : 427 أبواب لباس المصلّي ب 38 ح 4.
5 ـ القاموس المحيط 2 : 363.


(343)
تأخّر (1).
    وكيف كان ، فالأحوط الترك مطلقاً ، سيّما فيما ورد به المنع في خصوص النص ، وإن كان من المرسل ؛ لكفايته في الاحتياط. بل لو لا الشهرة المتأخّرة المحققة والمحكية ورجوع الشيخ في المبسوط عن القول بالحرمة (2) لكان القول بها للرواية لا يخلو عن قوة ولو كانت مرسلة ؛ لقوة احتمال انجبارها بالشهرة القديمة على ما حكاه شيخنا في كتابيه المتقدم إليهما الإشارة (3).
    واحترز بقوله : ما لم يكن ... إلى آخره ، عما لو كان له ساق يغطّي ولو شيئا من الساق كالخف والجرموق (4) ، فإنه يجوز الصلاة فيه إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في التحرير والتذكرة وغيرهما (5).
    وهو الحجة ؛ مضافاً إلى الأصل ، والإطلاقات السليمة هنا عن المعارض ولو على الكراهة بالكلية.
     ( ويستحب ) الصلاة في ( النعل العربية ) عند علمائنا أجمع ، كما صرّح به جماعة (6) حد الاستفاضة ، مؤذنين بدعوى الإجماع عليه.
    وهو الحجة ؛ مضافا إلى الصحاح المستفيضة المرغّبة إليه أمراً ، كالصحيح : « إذا صلّيت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة ، فإن ذلك من السنة » (7).
1 ـ كصاحب الحدائق 7 : 161.
2 ـ المبسوط 1 : 83.
3 ـ في ص : 336.
4 ـ الجرموق كعصفور : الذي يلبس فوق الخف. القاموس المحيط 3 : 224.
5 ـ التحرير 1 : 30 ، التذكرة 1 : 98 ؛ وانظر نهاية الإحكام 1 : 389 ، وكشف اللثام 1 : 191.
6 ـ كالفاضلين في المعتبر 2 : 93 ، والمنتهى 1 : 230 ، والمحقق الثاني في شرح القواعد ( جامع المقاصد 2 : 107 ) ، وصاحب الذخيرة : 235 ، وغيرهم من المتأحرين ( كالشهيد الثاني في الروض : 214 ). منه رحمه الله.
7 ـ الفقيه 1 : 358/1573 ، الوسائل 4 : 424 أبواب لباس المصلّي ب 37 ح 1.


(344)
    و نحوه آخر ، إلّا أن فيه بدل « إن ذلك من السنة » : « يقال ذلك من السنة » (1).
    وفعلاً من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والصادقين عليهم السلام ، كما في الصحاح (2).
    وفي الخبر : سمعت الرضا عليه السلام يقول : « أفضل موضع القدمين في الصلاة النعلان » (3).
    ومقتضى هذه الروايات استحباب الصلاة في النعل مطلقاً. وربما كان الوجه في حملها على العربية أنها هي المتعارفة في ذلك الزمان ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب ، لكن قالوا : ولعلّ الإطلاق أولى (4).
    ولعل وجهه ـ مع الاعتراف بصحة الحمل ـ كفاية الاحتمال في المستحبات من باب التسامح ( والاحتياط ) (5) فاندفع عنهم الاعتراض : بأنه محل تأمّل ، لما ذكروه ، لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وليس هنا عموم لغوي ينفع (6).
    ( ويكره ) الصلاة ( في الثياب السود عدا العمامة والخفّ ) والكساء ؛ لإطلاق المستفيضة بكراهة لبسها عدا المستثنيات الثلاثة (7) ، مع تصريح جملة من النصوص بكراهة الصلاة في خصوص القلنسوة ، معلّلةً بأنها لباس أهل النار (8) ، والتعليل عام لا يخصّ المورد ، كما يستفاد من النصوص ، ففي الخبر :
1 ـ التهذيب 2 : 233/919 ، الوسائل 4 : 425 أبواب لباس المصلّي ب 37 ح 5.
2 ـ الوسائل 4 : 424 أبواب لباس المصلّي ب 37.
3 ـ الكافي 3 : 489/13 ، الوسائل 4 : 426 أبواب لباس المصلّي ب 37 ح 9.
4 ـ منهم صاحب المدارك 3 : 185 ؛ وانظر البحار 80 : 275.
5 ـ ليست في « ل ».
6 ـ حاشية المدارك للبهبهاني ( المدارك بالطبع الحجري : 140 ).
7 ـ الوسائل 4 : 382 أبواب لباس المصلّي ب 19.
8 ـ الكافي 3 : 403/30 ، الفقيه 1 : 162/765 ، التهذيب 2 : 213/836 علل الشرائع : 346/1 ، الوسائل 4 : 386 أبواب لباس المصلّي ب 20 ح 1 ، 3.


(345)
« كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام بالحيرة ، فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه ، فدعا بممطر (1) أحد وجهيه أسود والآخر أبيض فلبسه ، ثمَّ قال : « أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه لباس أهل النار » (2).
    مضافاً إلى عموم المرسل : « لا تصلّ في ثوب أسود ، فأما الخفّ والكساء والعمامة فلا بأس » (3).
    فلا إشكال في كل من حكمي المستثنى والمستثنى منه ، إلّا في استثناء الكساء ؛ لعدم وقوعه في العبارة ونحوها من عبائر كثير من الجماعة كالحلي في السرائر والماتن في ( الشرائع ) (4) والفاضل في الإرشاد والقواعد (5) وكذا المفيد والديلمي وابن حمزة فيما حكي عنهم (6) ، بل قيل (7) : إنهم لم يستثنوا غير العمامة.
    وبالجملة أكثر الأصحاب على عدم استثناء الكساء ، بل قيل (8) : كلهم لم يستثنوه إلّا ابن سعيد في الجامع (9).
    وفيه نظر ؛ فقد استثناه جماعة ممن تأخّر (10) تبعاً للمستفيضة ، ولا يخلو عن قوّة وإن كان عدم الاستثناء أيضاً لا بأس به ، مسامحة في أدلّة الكراهة بناء على‏
1 ـ الممطر والممطرة بكسرهما ثوب صوف يتوقى به من المطر القاموس المحيط 2 : 140.
2 ـ الكافي 6 : 449/2 ، الفقيه 1 : 163/770 ، علل الشرائع : 347/4 ، الوسائل 4 : 384 أبواب لباس المصلّي ب 19 ح 7.
3 ـ الكافي 3 : 402/24 ، الوسائل 4 : 387 أبواب لباس المصلّي ب 20 ح 2.
4 ـ في « م » : المعتبر ( 2 : 94 ).
5 ـ السرائر 1 : 268 ، الشرائع 1 : 70 ، الإرشاد 1 : 246 ، القواعد 1 : 28.
6 ـ المفيد في المقنعة : 150 ، الديلمي في المراسم : 63 ، ابن حمزة في الوسيلة : 87.
7 و8 ـ كشف اللثام 1 : 191.
9 ـ الجامع للشرائع : 65.
10 ـ منهم : الشهيد الأول في البيان 122 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 107 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 208.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس