رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 346 ـ 360
(346)
حصول الشبهة ، لعدم استثناء الأكثر واقتصارهم على ما في العبارة ، ومنهم الفاضل في المنتهى مدعياً عليه إجماع الإمامية (1) ، مع عموم بعض النصوص (2) ككلام الصدوق (3) بكراهة مطلق السود ، خرج المجمع على استثنائه ويبقى الباقي.
    وظاهر العبارة ـ كغيرها من عبائر الجماعة ـ اختصاص الكراهة بالسود وعدم كراهة غيرها ، مع أن في الموثق : « يكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم » (4).
    وفي الخبر : « يكره الصلاة في المشبع بالعُصفر والمضرّج (5) بالزعفران » (6).
    وبهما أفتى الفاضلان في المعتبر والتحرير والمنتهى (7) ، وغيرهما (8). بل عن الشيخ وجماعة ـ ومنهم الحلي والإسكافي ـ كراهية الصلاة في الثياب المفدمة بلون من الألوان (9) ؛ ولعل مستندهم الموثق المتقدم ، بناءً على تفسير المفدم بالخاثر المشبع بقول مطلق من دون تقييد بالحمرة.
1 ـ المنتهى 1 : 232.
2 ـ الوسائل 4 : 383 ، 385 أبواب لباس المصلّي ب 19 ح 5 ، 8.
3 ـ المقنع : 24.
4 ـ الكافي 3 : 402/22 ، التهذيب 2 : 373/1549 ، الوسائل 4 : 460 أبواب لباس المصلّي ب 59 ح 2 ثوب مُفدَم ـ ساكنة الفاء ـ اذ كان مصبوغأ بحمرة مشبعاً. الصحاح 5 : 2001.
5 ـ العُصفُر : نبت معروف يصبغ به. مجمع البحرين 3 : 408. ثوبُ مُضرَّج : مصبوغ بالحمرة او الصفرة. لسان العرب 2 : 313.
6 ـ التهذيب 2 : 373/1550 ، الوسائل 4 : 461 أبواب لباس المصلّي ب 59 ح 3.
7 ـ المعتبر 2 : 94 ، التحرير 1 : 30 ، المنتهى 1 : 232.
8 ـ كالشهيد في الذكرى : 147 ، وحكي ايضاً عن موجز ابن فهد في مفاتيح الكرامة 2 : 183.
9 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 95 ، الحلي في السرائر 1 : 263 ، و نقله عن الإسكافي في المختلف : 80.


(347)
    و أما على التفسير الآخر المقيد بها فلا يعم كل لون ، بل يخصّ المشبع بالحمرة خاصة ، ولذا اقتصر الفاضلان على كراهيته للموثقة ، وكراهة المضرج بالزعفران والمعصفر أيضاً لما بعدها. والتعميم أولى بالمسامحة في نحو محل البحث ، كما مر.
     ( و ) كذا تكره الصلاة ( في الثوب الذي يكون تحت وبر الأرانب والثعالب أو فوقه ) وفاقاً للأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الشيخ في النهاية والصدوق ، فقالا بالحرمة (1). والأول قد رجع عنها إلى الكراهة في المبسوط (2) ، فانحصر المانع في الثاني ، وهو شاذّ على الظاهر ، المصرّح به فيما يحكى من كلام الماتن (3) ، مشعراً بدعوى الإجماع على الجواز. فإن تمَّ ، وإلّا فالمنع لا يخلو عن قوة ، لورود النهي عنه في المعتبرة المستفيضة.
    ففي الصحيح : قلت لأبي جعفر عليه السلام : الثعالب يصلّى فيها ؟ قال : « لا ، ولكن تلبس بعد الصلاة » قلت : اُصلي في الثوب الذي يليه ؟ قال : « لا » (4).
    وفيه : عن رجل سأل الماضي عليه السلام عن الصلاة في جلود الثعالب ، فنهى عن الصلاة فيها ، وفي الثوب الذي يليه ، فلم أدر أيّ الثوبين ، الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقّع عليه السلام بخطه : « الثوب الذي يلصق بالجلد » (5) الحديث.
1 ـ النهاية : 98 ، الصدوق في المقنع : 24.
2 ـ المبسوط 1 : 83.
3 ـ المعتبر 2 : 82.
4 ـ الكافي 3 : 400/14 ، التهذيب 2 : 210/822 ، الاستبصار 1 : 384/1457 ، الوسائل 4 : 356 أبواب لباس المصلّي ب 7 ح 4.
5 ـ الكافي 3 : 399/8 ، التهذيب 2 : 206/808 ، الاستبصار 1 : 381/1446 وفيهما : عن رجل سأل الرضا ( عليه السلام ) ، الوسائل 4 : 357 أبواب لباس المصلّي ب 7 ح 8.


(348)
    و في الرضوي : « وإيّاك أن تصلّي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب » (1).
    وقريب منها المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام أنه كتب إليه الحميري : قد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصادق عليه السلام : « لا تصلّ في الثعلب ولا في الأرنب ولا في الثوب الذي يليه » فقال عليه السلام : « إنما عنى الجلود دون غيرها » (2).
    وهي مع استفاضتها أكثرها معتبرة السند بالصحة والقوة ، فلا وجه لحمل النهي فيها على الكراهة ، عدا ما يتخيّل من عدم وجه للمنع عدا تخيّل نجاسة الجلود الملاقية بالرطوبة ، وهو خلاف الأظهر الأشهر : من قبولها التذكية فحينئذ لا وجه للمنع بالمرّة ، فينبغي الحمل على الكراهة.
    وفيه نظر ؛ لاحتمال التعبد ، أو كونه باعتبار ما يسقط عليه من الوبر ويتناثر عليه في وقت لبسه له ، تحت الوبر كان أو فوقه ، كذا قيل (3).
    وفيه نظر ؛ لظهور سياق الروايات بعد ضمّ بعضها إلى بعض في كون المنع متوجّها إلى الثوب الذي يلي الجلد لا الوبر ، بل صرّح بعضها بعدم المنع في الملاصق للوبر ، فظهر أن المنع ليس لما ذكر من تناثر الشعر ، بل من حيث الملاصقة للجلد ، ولا وجه للمنع حينئذ غير ما ذكروه ، ويتوجه حينئذ حمل المنع فيها على الكراهة كما قرروه ، بناء على بعد احتمال تعبدية المنع ، فلا يخرج بمجرده عن الأصل المعتضد بالشهرة ، بل الإجماع المنقول كما عرفته.
    ولكن المسألة بُعد مشكلة ، لعدم ظهور نقل الإجماع من لفظ الشذوذ
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 157 ، المستدرك 3 : 201 أبواب لباس المصلّي ب 7 ح 1.
2 ـ الاحتجاج : 492 ، الوسائل 4 : 358 أبواب المصلّي ب 7 ح 12.
3 ـ قال به صاحب الحدائق 7 : 82.


(349)
بحيث يطمئن به ، والشهرة والاعتماد عليها لعلّه لا يخلو عن إشكال ، بناءً على ظهور كلمة جملة منهم بانحصار مستند المنع في الصحيحة الثانية ومع ذلك أجابوا عنها بأنها مرسلة.
    وهما كما ترى ؛ لتعدّد روايات المنع واستفاضتها ، وعدم إرسال فيما أجابوا به عنه ، وإن كان فيه : عن رجل ، إذ هو ليس راويا ، بل الراوي له هو الراوي عنه ، وليس روايته عنه بطريق الإرسال بحيث يسند الخبر إليه ، بل أخبر الراوي الثقة عنه بأنه سأل الماضي ، فكأنه المخبر عن السؤال والجواب ، فتأمل جدّا.
    مع أنّ في ذيل الخبر ما يعرب عن مشافهة الثقة له وسؤاله عن ذلك فأجابه بالمنع أيضاً ، حيث قال : وذكر علي بن مهزيار ـ وهو الراوي عن الرجل ـ أنه سأله عن هذه المسألة ، فقال : « لا تصلّ في الذي فوقه ولا في الذي تحته » .
    فالخبر على أيّ تقدير مسند ، لكن اختلف الجوابان فيه ففي الأوّل : خص المنع بالذي يلصق الجلد ، وفي الثاني : عمّم له ولما يلصق الوبر ، وهو الأوفق لما ذكروه : من تعميم المنع كراهة أو تحريماً.
    وبالجملة : المسألة محل إشكال ، ولا ريب أنّ التنزه عنه أفضل إن لم نقل بكونه المتعيّن.
    ( و ) كذا تكره في ( ثوب واحد ) رقيق لم يحك ما تحته من العورة للرجل خاصة ، بلا خلاف أجده ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح : يصلّي الرجل في قميص واحد؟ فقال : « إذا كان كثيفاً فلا بأس » (1).
    وفي آخر بعد السؤال عن نحو ذلك : « إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس » (2).
1 ـ الكافي 3 : 394/2 ، التهذيب 2 : 217/855 ، الوسائل 4 : 387 أبواب لباس المصلّي ب 21 ح 1.
2 ـ الكافي 3 : 393/1 ، التهذيب 2 : 216/852 ، الوسائل 4 : 390 أبواب لباس المصلّي ب


(350)
    و مقتضاهما ـ ككلام أكثر الأصحاب ، بل عامتهم كما يفهم من الذكرى وروض الجنان (1) ـ عدم الكراهة في الثوب الواحد إذا كان كثيفاً ، وهو أيضا ظاهر جملة من الصحاح ، منها : « لا بأس أن يصلّي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة ، إنّ دين محمد صلّى اللّه عليه وآله حنيف » (2). ونحوه غيره (3).
    خلافاً لبعض أصحابنا ، كما حكاه في المنتهى (4) ولعله الماتن هنا ، حيث لم يقيّد كراهة الثوب الواحد بما إذا كان رقيقاً كما عليه باقي أصحابنا مؤذنا بكراهة الصلاة فيه للرجل مطلقاً.
    وتبعه الشهيد في الذكرى (5) ، قال : لعموم ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (6) ودلالة الأخبار على أن اللّه تعالى أحقّ أن يتزيّن له (7) ، والاتفاق على أنّ الإمام يكره له ترك الرداء ، وما روي عنه عليه السلام من قوله صلّى اللّه عليه وآله : « إذا كان لأحدكم ثوبان فليصلّ فيهما » (8).
    قال : والظاهر أنّ القائل بثوب واحد من الأصحاب إنما يريد به الجواز المطلق ، ويريد به أيضاً على البدن ، وإلّا فالعمامة مستحبة مطلقاً وكذا السراويل ، وقد روي تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم والتسرول (9).
22 ح 2.
1 ـ الذكرى : 146 ، روض الجنان : 209.
2 ـ الكافي 3 : 395/8 ، الفقيه 1 : 174/823 ، التهذيب 2 : 357/1477 ، الاستبصار 1 : 392/1492 ، الوسائل 4 : 393 أبواب لباس المصلّي ب 23 ح 1.
3 ـ التهذيب 2 : 216/850 ، الوسائل 4 : 393 أبواب لباس المصلّي ب 23 ح 1.
4 ـ لم نعثر عليه في المنتهى.
5 ـ الذكرى : 146.
6 ـ الاعراف : 31.
7 ـ سنن البيهقي 2 : 236.
8 ـ سنن أبي داوود 1 : 172/635 ، سنن البيهقي 2 : 236.
9 ـ مكارم الاخلاق : 119 ، الذكرى : 147 ، الوسائل 4 : 464 أبواب لباس المصلّي ب 64 ح


(351)
    و في جميع ما ذكره نظر ، فإن غايته ـ عدا كراهية ترك الإمام الرداء ـ الدلالة على استحباب التعدد ، وهو غير كراهية الوحدة ، إلّا أن يريد بها ترك الأولى ، ولعله غير المتنازع فيه.
    نعم في قرب الإسناد للحميري ، عن عبد اللّه بن الحسن ، عن جده ، عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه عليه السلام : عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في سروال واحد وهو يصيب ثوبا ؟ قال : « لا يصلح » (1).
    ( و ) احترزنا بعدم الحكاية لما تحته عما ( لو حكى ما تحته ) فإنه ( لم يجز ) قولاً واحداً إذا كان لبشرة العورة ولونها حاكيا ، للزوم سترها كما يأتي (2) إجماعاً. وكذا لو حكي حجمها وخلقتها على الأحوط ، بل قيل بتعينه (3) ؛ لرواية قاصرة السند ضعيفة الدلالة (4).
    ولذا اختار الأكثر الإجزاء هنا. ولعله الأقوى ؛ للأصل ، وصدق الستر عرفاً ، مع إطلاق ما مرّ : من النص الصحيح بعدم البأس بالصلاة في الثوب الواحد إذا كان كثيفاً ، إذ قد لا يفيد إلّا ستر البشرة دون الحجم.
    مضافاً إلى التأيّد بأخبار : « أنّ النورة سترة » (5) وأنّ جسد المرأة عورة ، ولو وجب ستر الحجم وجب فيه. وإن كان في الاستدلال بهما نظر.
1 ، 2 ، 3.
1 ـ قرب الإسناد : 191/717 ، الوسائل 4 : 453 أبواب لباس المصلّي ب 53 ح 7.
2 ـ في ص : 369.
3 ـ جامع المقاصد 2 : 95.
4 ـ وهي مرفوعة احمد عن أبي عبد الله عليه السلام : « لا تصلّ فيما شفّ أو صف يعني الثوب المصقل » . الوسائل 4 : 388 أبواب لباس المصلّي ب 21 ح 4. وذكر هذه الرواية الشهيد في الذكرى : 146 ، ثم قال : معنى شفّ : لاحت منه البشرة ، ووصف ـ بواوين ـ حكى الحجم ، وفي خط الشيخ أبي جعفر في التهذيب : أوصف بواو واحدة ، والمعروف بواوين ، من الوصف.
5 ـ الوسائل 2 : 53 أبواب آداب الحمام ب 18.


(352)
    ( و ) يكره ( أن يتّزر فوق القميص ) على المشهور ؛ للصحيح الصريح فيه المروي في الكافي : « لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص وأنت تصلّي ، ولا تتّزر بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت ، فإنه من زيّ الجاهلية » (1).
    خلافاً للفاضلين في المعتبر والمنتهى (2) وكثير ممن تبعهما (3) ، فلا يكره ؛ للصحيحين النافيين للبأس عنه ، فعلاً في أحدهما (4) ، وقولاً في الآخر (5).
    وفيه نظر ، بل حمل نفى البأس فيهما على نفى التحريم طريق الجمع ، سيّما مع اشتهار الكراهة وجواز المسامحة في أدلّتها كما عرفت غير مرة.
    وما تضمنته الصحيحة من كراهة التوشح فوق القميص قد أفتى بها جماعة (6) ، والنصوص بها مع ذلك مستفيضة ، وهي ما بين ناهية عنه ب « لا » كما في بعضها ، وب « لا يجوز » كما في آخر ، وب « يكره » في جملة منها (7). وحملت على الكراهة الاصطلاحية جمعاً بينها وبين الحسن : هل يصلّي الرجل وعليه إزار يتوشح به فوق القميص؟ فكتب : « نعم » (8).
    وقيل : لا يكره (9) ، ولا وجه له.
1 ـ الكافي 3 : 395/7 ، الوسائل 4 : 395 أبواب لباس المصلّي ب 24 ح 1.
2 ـ المعتبر 2 : 96 ، المنتهى 1 : 233.
3 ـ كصاحب المدارك 3 : 203 ، والسبزواري في الذخيرة : 229 ، والمجلسي في البحار 80 : 205 ـ 207.
4 ـ التهذيب 2 : 215/843 ، الاستبصار 1 : 388/1476 ، الوسائل 4 : 397 أبواب لباس المصلّي ب 24 ح 6.
5 ـ التهذيب 2 : 214/842 ، الاستبصار 1 : 388/1475 ، الوسائل 4 : 397 أبواب لباس المصلّي ب 24 ح 5.
6 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 96 ، وصاحب المدارك 3 : 204 ، وصاحب الحدائق 7 : 120
7 ـ الوسائل 4 : 395 أبواب لباس المصلّي ب 24.
8 ـ التهذيب 2 : 215/844 ، الاستبصار 1 : 388/1477 ، الوسائل 4 : 397 أبواب لباس المصلّي ب 24 ح 7.
9 ـ نفى عنه البعد في المدارك 3 : 204.


(353)
    و اختلف أهل اللغة في معنى التوشّح ، ففي القاموس : توشّح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلّد بهما (1).
    وفي المصباح المنير : توشّح به أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم (2) ، ونحوه عن المغرب (3).
    وفي مجمع البحرين : وفيه « كان يتوشّح بثوبه » أي يتغشى به ، والأصل في ذلك كله من الوشاح ككتاب ، وهو شي‏ء ينسج من أديم عريضاً ويرصّع بالجواهر ويوضع شبه قلادة تلبسها النساء ، يقال : توشّح الرجل بثوبه أو بإزاره ، وهو أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم ، وكما يتوشح الرجل بحمائل سيفه ، فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى ويكون اليمنى مكشوفة (4).
    وكلماتهم وإن كانت مختلفة في ذلك إلّا أنّ ظاهرها الاتفاق على أنه غير الاتّزار فوق القميص ، فلا وجه للاستدلال بأخبار كراهة التوشّح على كراهته. لكن في بعض النصوص إشعار باتحادهما ، كالخبر : في الذي يتوشّح ويلبس قميصه فوق الإزار ، قال : « هذا عمل قوم لوط » قلت : فإنه يتوشّح فوق القميص ، قال : « هذا من التجبّر » (5).
    ولكنه معارض بظاهر الصحيحة الاُولى (6) ، حيث عطفت الاتّزار فوق‏
1 ـ القاموس المحيط 1 : 264.
2 ـ المصباح المنير : 661.
3 ـ المغرب 2 : 250.
4 ـ مجمع البحرين 2 : 423.
5 ـ الفقيه 1 : 168/795 ، التهذيب 2 : 371/1542 ، الوسائل 4 : 396 أبواب لباس المصلّي ب 24 ح 4.
6 ـ المتقدمة في ص : 347.


(354)
القميص على التوشح فوقه ، مؤذنةً بتغايرهما. ومع ذلك الخبر ضعيف السند متضمن صدره لما لم يقل به أحد ، وهو كراهة جعل المئزر تحت القميص ، بل نفى الخلاف عن عدم كراهته في المنتهى (1) مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، كما حكي عن صريح المعتبر (2).
     ( وأن يشتمل الصماء ) إجماعاً ، كما في التحرير والمنتهى والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني وروض الجنان والمدارك (3) ، وفي غيرها نفى الخلاف فيه بين علمائنا (4) ؛ للصحيح : « إيّاك والتحاف الصماء » قلت : وما التحاف الصماء ؟ قال : « أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد » (5).
    وبه فسر في معاني الأخبار والنهاية والمبسوط والوسيلة (6) ، وفيها أنه فعل اليهود ، وتبعهم المتأخّرون ، ونسبه في الروضة وروض الجنان إلى المشهور (7) ، مشعراً بوقوع الخلاف فيه ، ولم أجده بيننا (8) ، ولعلّه لأهل اللغة
1 ـ المنتهى 1 : 233.
2 ـ المعتبر 2 : 96.
3 ـ التحرير 1 : 31 ، المنتهى 1 : 233 ، الذكرى : 147 ، جامع المقاصد 2 : 108 ، روض الجنان : 209 ، المدارك 3 : 204.
4 ـ اُنظر الذخيرة : 229 ، والحدائق 7 : 123.
5 ـ الكافي 3 : 394/4 ، الفقيه 1 : 168/792 ، التهذيب 2 : 214/841 ، الاستبصار 1 : 388/1474 ، معاني الأخبار : 390/32 ، الوسائل 4 : 399 أبواب لباس المصلّي ب 25 ح 1.
6 ـ معاني الأخبار : 390/32 ، النهاية : 97 ، المبسوط 1 : 83 ، الوسيلة : 87.
7 ـ الروضة 1 : 208 ، روض الجنان : 209.
8 ـ نعم حكاه الحلي ( السرائر 1 : 261 ) من المرتضي ، حيث قال : ويكره السدل في الصلاة كما يفعلوه اليهود ، وهو ان يتلففّ بالازار ولا يرفعه على كتفيه ، وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء ، وهو اختيار السيد المرتضي. منه رحمه الله.


(355)
وفقهاء العامة ، ولا عبرة بمقالتهم في مقابلة الرواية الصحيحة الصريحة ، المعتضدة بالشهرة الظاهرة والمحكية ، وخصوص المروي في معاني الأخبار : أنه صلّى اللّه عليه وآله نهى عن لبستين : اشتمال الصماء ، وأن يلتحف (1) الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شي‏ء قال ، وقال الصادق عليه السلام : « التحاف الصماء هو أن يدخل الرجل رداءه تحت إبطيه (2) ، ثمَّ يجعل طرفيه على منكب واحد » (3).
    لكن ظاهره كون المراد إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجانبين والطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثمَّ جعلهما على منكب واحد. وهذا وإن أمكن إرادته من الصحيحة بأن يراد من الجناح الجنس ، إلّا أنه خلاف الظاهر المتبادر منها ، وهو كون المراد إدخال طرفي الثوب معاً من تحت جناح واحد سواء كان الأيمن أو الأيسر ثمَّ وضعه على منكب واحد ، ويتبادر هذا المعنى من الصحيحة صرح المحقق الثاني في شرح القواعد وغيره (4) ، ولكن التنزّه عن كلا المعنيين المحتملين لعله أحوط.
    ( و ) أن يصلّي ( في عمامة لا حنك لها ) باتفاق علمائنا ، كما في المعتبر والمنتهى (5) ؛ وهو الحجة.
    مضافاً إلى خصوص النبوي المروي عن الغوالي وغيره ، وفيه : « من صلى مقتعطاً (6) فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه » (7).
1 ـ في المصدر : يحتبي.
2 ـ في المصدر و « ش » و « م » : إبطه.
3 ـ معاني الأخبار : 281 ، 282 ، الوسائل 4 : 400 أبواب لباس المصلّي ب 25 ح 5 ، 6
4 ـ جامع المقاصد 2 : 108 ؛ وانظر الحدائق 7 : 125.
5 ـ المعتبر 2 : 97 ، المنتهى 1 : 233.
6 ـ قعط عمامته واقتعطها : ادارها على راسه ولم يتلح بها ... لسان العرب 7 : 384.
7 ـ عوالي اللآلي 2 : 214/6 ، المستدرك 3 : 215 أبواب لباس المصلّي ب 21 ذيل حديث 2.


(356)
    و إطلاق النصوص بكراهة التعمم من دون تحنك ، ففي المرسل كالصحيح : « من تعمّم ولم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه » (1).
    ونحوه غيره من كثير من النصوص (2) ، مبدّلاً في بعضها « لم يتحنك » ب : « لم يُدر العمامة تحت حنكه » وفي آخَرَين : « الفرق بيننا وبين المشركين في العمائم الالتحاء بالعمائم » كما في أحدهما ، ونحوه الثاني بأدنى تفاوت في الألفاظ لا يُخِلّ بالمقصود.
    ولما كان التحنّك والتلحّي في اللغة والعرف إدارة العمامة أي جزء منها تحت الحنك فالظاهر أنه لا تتأدّى السنة بالتحنك بغيرها ، وفاقاً للشهيد الثاني وسبطه وغيرهما (3).
    خلافاً للمحقق الثاني ، فاحتمل تأدّي السنة به أيضاً ، لكن متردّداً بعد أن حكاه عن الشهيد في الذكرى (4) ، وتبعهما في الاحتمال بعض الفضلاء (5) ؛ ولم أعرف له وجها.
    ثمَّ إن ظاهر النصوص والفتاوي ـ ولا سيّما الحاكم منهما بكراهة ترك التحنك في الصلاة ـ استحباب دوامه وعدم الاكتفاء به عند التعمم خاصة ، وعليه فيشكل الجمع بين ما دلّ على استحبابه مطلقا مما مضى من النص والفتوى ، وبين النصوص المستفيضة الدالّة على استحباب إسدال طرف‏
1 ـ الكافي 6 : 460/1 ، التهذيب 2 : 215/846 ، الوسائل 4 : 401 أبواب لباس المصلّي ب 26 ح 1.
2 ـ الوسائل 4 : 401 أبواب لباس المصلّي ب 26 ح 2 ، 5 ، 8 ، 10.
3 ـ الشهيد الثاني في روض الجنان : 210 ، المدارك 3 : 207 ؛ وانظر المسالك 1 : 24 ، وكشف اللثام 1 : 192.
4 ـ المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 110 ، الذكرى : 140.
5 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 192.


(357)
العمامة على الصدر أو القفاء (1) ، ولذا اضطرب كلام جملة من الفضلاء في الجمع بينهما :
    فبين من جمع بينهما تارةً بحمل الأولة على إرادة التحنك حين التعمم والأخيرة على الإسدال بعده (2) ؛ واُخرى بتخصيص السدل بحال الحرب ونحوه مما يراد فيه الترفّع والاختيال والتحنك بما يراد فيه التخشّع والسكينة (3).
    وبين من جمع بإرجاع أخبار التحنك إلى الإسدال بضرب من التوجيه ، بل ادعى اتحادهما معنىً لغةً (4). وهو مشكل جدّاً.
    ويحتمل الجمع بوجه آخر ، وهو تخصيص استحباب السدل بالرسول صلّى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، واستحباب التحنك بنا.
    ولا بُعد فيه إلّا من حيث عموم أخبار التحنك ، وإلّا فأخبار الإسدال لا عموم فيها ، فإنّ منها : « اعتمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، فسدلها من بين يديه ومن خلفه ، واعتمّ جبرئيل عليه السلام فسدلها من بين يديه ومن خلفه » (5).
    ومنها : « عمم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عليّاً عليه السلام ، فسدلها من بين يديه وقصّرها من خلفه قدر أربع أصابع ، ثمَّ قال : أدبِر ، فأدبَرَ ، ثمَّ قال : أقبل ، فأقبَلَ ، ثمَّ قال : هكذا تيجان الملائكة » (6).
    إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الظاهر اختصاص موردها بالرسول صلّى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، فلا غرو إن جمعنا بينها وبين‏
1 ـ الوسائل 5 : 55 أبواب احكام الملابس ب 30.
2 ـ كما في الحدائق 7 : 135.
3 ـ كما في كشف اللثام 1 : 192.
4 ـ كما في البحار 80 : 199.
5 ـ الكافي 6 : 460/2 ، الوسائل 5 : 55 أبواب احكام الملابس ب 30 ح 1.
6 ـ الكافي 6 : 461/4 ، الوسائل 5 : 55 أبواب احكام المملابس ب 30 ح 3.


(358)
النصوص الماضية بذلك ، وقيّدنا إطلاقاتها بمن عداهم عليهم السلام ، بل لعله أظهر وجوه الجمع هنا.
    ويحتمل آخر ضعيفاً ، وهو التخيير بينهما ، ويكون المقصود من استحبابهما كراهة الاقتعاط المقابل لهما.
    واعلم أنّ جمعاً من الأصحاب حكوا المنع هنا ـ الظاهر في التحريم ـ عن الصدوق (1) ، ولم أقف على تصريحه به. نعم ، في الفقيه : سمعت مشايخنا يقولون لا تجوز الصلاة في طابقيّة ، ولا يجوز للمتعمّم أن يصلّي إلّا وهو متحنّك (2).
    وهو ظاهر في اتفاق مشايخه على ذلك ، فيبعد مخالفته لهم ، بل الظاهر موافقته لهم ، ولعله لذا نسبوه إليه ، أو وجدوا التصريح منه به في محل آخر.
    وكيف كان ، فالمنع تحريماً ـ كما هو ظاهرهم ـ ضعيف جدّاً ، للأصل ؛ مع عدم دليل صالح على ما ذكروه ، فإن غاية النصوص ـ حتى النبوي الوارد في الصلاة (3) ـ إفادة الكراهة لا التحريم ، فإثباته مشكل ، سيّما مع إطباق المتأخّرين واختيارهم خلافه ، مع دعوى جملة منهم الإجماع عليه كما عرفته (4).
    ويحتمل إرادة المشايخ من « لا يجوز » الكراهة ، لاستعماله كثيراً فيها في الأخبار وكلام قدماء الطائفة.
     ( وأن يؤمّ بغير رداء ) على المشهور ، على الظاهر ، المصرح به في‏
1 ـ حكاه عنه العلامة في المختلف : 83 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 210 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 110.
2 ـ الفقيه 1 : 172.
3 ـ راجع ص : 350.
4 ـ في ص : 350.


(359)
المدارك وغيره (1) ، بل عليه الاتّفاق في الذكرى (2) ؛ وهو الحجة.
    مضافاً إلى الصحيح : عن رجل أمّ قوماً في قميص ليس عليه رداء ، فقال : « لا ينبغي إلّا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها » (3).
    وأخصّيته من المدعى ـ بدلالته على كراهة الإمامة من دون رداء في القميص وحده لا مطلقا ـ مجبورة بعدم القول بالفرق بين جمهور أصحابنا ، وإن توهّمه شاذّ من متأخّري متأخرينا » ، مع أنّ المقام مقام كراهة يتسامح في دليله بما لا يتسامح في غيره ، فيكتفي في إثباتها بفتوى فقيه واحد ، فما ظنك بفتاوى جمهور أصحابنا ؟!
    وأما قول أبي جعفر عليه السلام لمّا أمّ أصحابه في قميص بغير رداء : « إن قميصي كثيف ، فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار ولا رداء » (5).
    فليس فيه تأييد لما توهّمه الشاذ المتقدم : من اختصاص الكراهة بمورد الصحيحة ، لاحتمال الإجزاء في هذه الرواية الاكتفاء بأقل الواجب من ستر العورة ، لا الإجزاء عن الاستحباب ، وإلّا لنافي إطلاق الصحيحة المتقدمة ، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال عن القميص هل هو كثيف أم رقيق ؟ فحكمه حينئذ ب « لا ينبغي » يعم الصورتين.
    مع أنّ الرواية السابقة على التقدير الثاني قد نَفت استحباب الرداء في الصورة الاُولى ، وهذا الشاذّ لا يقول به ، فكيف يجعل قوله عليه السلام في هذه‏
1 ـ المدارك 3 : 208 ؛ وانظر الحدائق الناضرة 7 : 135.
2 ـ الذكرى : 147.
3 ـ الكافي 3 : 394/3 ، التهذيب 2 : 366/1521 ، الوسائل 4 : 452 أبواب لباس المصلّي ب 53 ح 1.
4 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 192.
5 ـ التهذيب 2 : 280/1113 ، الوسائل 4 : 391 أبواب لباس المصلّي ب 22 ح 7.


(360)
الرواية مؤيّداً ؟! وإن هو إلّا غفلة واضحة.
    وظاهر الشهيدين وغيرهما (1) استحباب الرداء لمطلق المصلّي ولو لم يكن إماماً ، للصحاح الدال بعضها على أنّ أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف (2) ، والباقي على استحباب ستر المنكبين لمن يصلّي في إزار أو سراويل (3).
    ولا ذكر للرداء في الرواية الاُولى ، والبواقي خارجة عما نحن فيه جدّا ، فلا وجه للاستدلال بها لما ذكروه أصلاً.
    ولا بأس بالقول باستحباب ما فيها ، وفي الخبر : « عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في قميص واحد أو قباء واحد؟ قال : ليطرح على ظهره شيئاً » (4).
    وعن الرجل هل يصلح له أن يؤم في ممطر وحده أو جبّة وحدها ؟ قال : « إذا كان تحته قميص فلا بأس » (5).
    وعن الرجل يؤم في قباء وقميص ، قال : « إذا كان ثوبين فلا بأس » (6).
    والمعتبر في الرداء ما يصدق عليه الاسم عرفاً ، قيل : ويقوم التكة ونحوها مقامه مع الضرورة (7). ولم أقف على ما دلّ على إقامتها مقامه ، حيث يكون هو المعتبر ، كما في أصل البحث.
    نعم ، النصوص المتقدمة في المصلّي في الإزار والسراويل (8) دلّت على‏
1 ـ الدروس 1 : 147 ، الروضة 1 : 209 ؛ وانظر البحار 80 : 190.
2 ـ الفقيه 1 : 166/783 ، الوسائل 4 : 453 أبواب لباس المصلّي ب 53 ح 6.
3 ـ اُنظر الوسائل 4 : 452 أبواب لباس المصلّي ب 53 ح 3 ، 4.
4 ـ مسائل علي بن جعفر : 118/57 ، الوسائل 4 : 392 أبواب لباس المصلّي ب 22 ح 11.
5 ـ مسائل علي بن جعفر : 118/58 ، الوسائل 4 : 392 أبواب لباس المصلّي ب 22 ح 12.
6 ـ مسائل علي بن جعفر : 119/62 ، الوسائل 4 : 392 أبواب لباس المصلّي ب 22 ح 13.
7 ـ كما قال به صاحب المدارك 3 : 210.
8 ـ راجع الرقم (3) من نفس الصفحة.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس