رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 181 ـ 195
(181)
قال : « ما أحسنها ، واخفض الصوت بها » (1) قيل : مع أصالة الجواز وكونه دعاء (2).
    وفي الجميع نظر : أما الأوّل فلابتنائه على كون « ما أحسنها » بصيغة التعجب ، مع أنه يحتمل أن يكون جملة منفية ، بل لعلّه المتعين ، لاستلزام الأول الاستحباب ولا يقول به ، مع مخالفته الإجماع قطعاً ، ومع ذلك فليس للأمر بخفض الصوت على تقديره وجه قطعاً.
    وأما على التقدير الثاني فهو خبر ومن كلام الراوي ، ويكون الوجه فيه حينئذ التقية.
    ثمَّ على تقدير دلالتها على الجواز خالصة مما مرّ من الاعتراض فهو محمول عليها ، كما صرّح به جماعة (3) ، ويفهم من الصحيح : أقول : آمين ، إذا قال الإمام : غير المغضوب عليهم ولا الضالين ؟ فقال : « هم اليهود والنصارى » (4) فإنّ عدوله عليه السلام عن الجواب إلى تفسيره الآية قرينة على ذلك واضحة.
    وربما جعل مرجع الضمير في الجواب إلى قائليه ، فيكون حينئذ جواباً مطابقاً للسؤال جدّاً ، وعليه فلا شهادة فيه على التقية.
    لكنه على هذا التقدير ـ بل على التقدير الأوّل أيضاً ، كالصحيح السابق بالتقريب المتقدم ـ ظاهر في المنع جدّاً ، كما اعترف به جمع ، ومنهم صاحب‏
1 ـ التهذيب 2 : 75 / 277 ، الاستبصار 1 : 318 / 1187 ، الوسائل 6 : 68 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 5.
2 ـ قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 130.
3 ـ منهم الشيخ في التهذيب 2 : 75 ، والاستبصار 1 : 319 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 267 ، وصاحبا المدارك 3 : 374 ، والذخيرة : 277.
4 ـ التهذيب 2 : 75 / 278 ، الاستبصار1 : 319 / 1188 ، الوسائل 6 : 67 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 2.


(182)
المدارك قائلاً لذلك : إن الأجود التحريم ، لكن منع عن الإبطال قائلاً : إن النهي إنما يفسد العبادة إذا توجّه إليها أو إلى جزء منها أو إلى شرط لها ، وهو هنا إنما توجه إلى أمر خارج عن العبادة فلا يقتضي فسادها (1).
    وفيه : أنه إحداث قول ثالث على الظاهر ، المصرّح به في الذخيرة (2) وغيرها (3).
    ويضعّفه مضافاً إلى ذلك شمول كثير من الإجتماعات المنقولة للإبطال أيضاً ، كالانتصار والخلاف والتحرير والنهاية والمنتهى (4) وغيرها (5).
    ومع ذلك يدفعه قاعدة العبادة التوقيفية المقتضية لإخلاء العبادة عمّا هو منهي عنه في الشريعة ، وقضائها لو أتى به فيها تحصيلاً للبراءة اليقينية.
    وأما الأخيران فبعد تسليمهما يندفعان بما مضى من الأدلة ، هذا.
    مع أن جماعة منعوا عن أجزاء أوّلهما في العبادة ، وآخرين بل الأكثرين منعوا عن كون التأمين دعاءً. ومن أراد تحقيق ذلك فعليه بمراجعة الشرح.
    ( الثانية : والضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذا الفيل ولإيلاف ) إجماعاً ، كما في صريح الأمالي والانتصار وظاهر التهذيب والاستبصار والتحرير والتذكرة والنهاية (6) ، وفي التبيان ومجمع البيان والشرائع نسب إلى رواية الأصحاب (7) مشعرين بدعوى الإجماع أيضاً ، وهي مستفيضة وإن لم‏
1 ـ المدارك 3 : 373.
2 ـ الذخيرة 277.
3 ـ كما في شرح المفاتيح للبهبهاني ( المخطوط ).
4 ـ الانتصار : 42 ، الخلاف 1 : 332 ، التحرير 1 : 39 ، نهاية الإِحكام 1 : 465 ، المنتهى 1 : 281.
5 ـ كالغنية ( الجوامع الفقهية ) : 858 ، ونهج الحق : 424.
6 ـ أمالي الصدوق : 512 الانتصار : 44 ، التهذيب 2 : 72 ، الاستبصار 1 : 317 ، التحرير 1 : 39 ، التذكرة 1 : 116 ، نهاية الإِحكام 1 : 468.
7 ـ التبيان 10 : 371 ، مجمع البيان 5 : 507 ، الشرائع 1 : 83.


(183)
يقف على شي‏ء منها من المتأخّرين جماعة (1) ، منها الرضوي : « ولا تقرأ في الفريضة الضحى وألم نشرح ، وكذا ألم تر كيف ولإيلاف ـ إلى أن قال ـ : لأنه روي أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذلك ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة » (2).
    ومنها : مروي الصدوق في الهداية مرسلاً عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : « وموسّع عليك أيّ سورة قرأت في فرائضك إلّا أربع ، وهي : الضحى وألم نشرح في ركعة ، لأنهما جميعاً سورة واحدة ، ولإيلاف وألم تر كيف ، لأنهما سورة واحدة ، ولا تنفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة فريضة » (3).
    وفي المجمع : وروى العياشي عن أبي العباس عن أحدهما عليهما السلام : « ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة » قال : وروي أن ابيّ بن كعب لم يفصّل بينهما في مصحفه (4).
    ونقل خالي العلّامة ـ أدام اللّه تعالى ظلاله (5) ـ عن كتاب القراءات لأحمد ابن محمد بن ( سيّار ) (6) أنه روى البرقي ، عن القاسم بن عروة ، عن أبي العباس ، عن مولانا الصادق عليه السلام ، ومحمد بن علي بن محبوب ، عن أبي جميلة ، عنه عليه السلام ، قال : « الضحى وألم نشرح سورة واحدة » (7).
1 ـ كما ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 263 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة 2 : 244 ، وصاحبا المدارك 3 : 377 ، والذخيرة : 279.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 112 ، المستدرك 4 : 164 أبواب القراءة في الصلاة ب 7 ح 3.
3 ـ الهداية : 31 ، بتفاوت.
4 ـ مجمع البيان 5 : 544 ، الوسائل 6 : 55 أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 6 ، 7.
5 ـ الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).
6 ـ في النسخ : سنان ، والظاهر أنه سهو كما يظهر من شرح المفاتيح وكتب الرجال ، فإن المذكور فيها أحمد بن محمد بن سيّار أبو عبدالله السياري ، له كتاب التنزيل والتحريف يعرف بكتاب القراءات.
7 ـ التنزيل والتحريف : 68 ـ أ ، المستدرك 4 : 163 أبواب القراءة في الصلاة ب 7 ح 1.


(184)
    والبرقي ، عن القاسم بن عروة ، عن شجرة أخي بشير النبال ، عنه عليه السلام أن : « ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة » (1). ومحمد بن علي بن محبوب ، عن أبي جميلة مثله (2).
    وضعف الأسانيد مجبور بالفتاوى والإجتماعات المحكية حدّ الاستفاضة.
    مضافاً إلى التأيّد بالصحيح : صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام [ الفجر ] فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة (3).
    والخبر : « لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا الضحى وألم نشرح ، وسورة الفيل ولإيلاف » (4).
    وحيث إن الجماعة المتأخّرة لم يقفوا إلّا عليهما اعترضوهما بعدم الدلالة على الوحدة فأنكروها ، ولكن اعترف بعضهم ـ كشيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان ـ بدلالتهما على وجوب قراءتهما معاً في الركعة الواحدة ، فقال ـ بعد الاعتراض عليهما بأنه لا إشعار فيهما بذلك ، وإنّما يدلّان على وجوب قراءتهما معاً ، وهو أعم من المدّعى ، بل الأخير واضح في كونهما سورتين ، لأن الاستثناء حقيقة في المتّصل ، غاية ما في الباب كونهما مستثنيين من القرآن المحرم أو المكروه ، ويؤيّده الإجماع على وضعهما في المصحف سورتين ـ ما صورته : والأمر في ذلك سهل ، فإن الغرض من ذلك على التقديرين وجوب قراءتهما في الركعة الواحدة ، وهو حاصل (5).
1 و 2 ـ التنزيل والتحريف : 71 ـ أ ، المستدرك 4 : 163 أبواب القراءة في الصلاة ب 7 ح 2.
3 ـ التهذيب 2 : 72 / 266 ، الاستبصار 1 : 317 / 1182 ، الوسائل 6 : 54 أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 1. وما بين المعقوفين من المصادر.
4 ـ مجمع البيان 5 : 544 ، المعتبر 2 : 188 ، الوسائل 6 : 55 أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 5.
5 ـ روض الجنان : 269.


(185)
    وقريب منه المحقق الثاني ، إلّا أنه زاد فبيّن وجه الدلالة على وجوب قراءتهما في الركعة الواحدة (1).
    وعليه فلا ثمرة مهمة للنزاع في المسألة ؛ فإن المقصود الأهم من دعوى الاتحاد المنع عن الانفراد بإحدى السور الأربع في ركعة واحدة من الفريضة على القول بوجوب سورة كاملة ، وهو ثابت من الخبرين باعتراف هذين المحققين ، وإن كان بعض ما ذكراه لا يخلو عن نظر.
    نعم ، ظاهر المعتبر (2) وبعض من تأخّر (3) التأمل في المنع ، واحتمال جواز إفراد بعض السور ، كما في المرسل كالصحيح : صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام ، فقرأ في الْاُولى الضحى وفي الثانية ألم نشرح (4).
    وفيه أنه ـ بعد تسليم سنده ـ محمول على التقية ، أو النافلة كما ذكره شيخ الطائفة (5).
    ( وهل تعاد البسملة بينهما ؟ قيل : لا ) والقائل الشيخ (6) وغيره (7) ( وهو ) عند الماتن ( أشبه ) لاقتضاء الوحدة ذلك. وفيه نظر.
    والقول الثاني للحلّي (8) وكثير من المتأخّرين (9) ؛ لثبوتها بينهما تواتراً ،
1 ـ جامع المقاصد 2 : 262.
2 ـ المعتبر 2 : 188.
3 ـ كالعلّامة في المختلف : 93 ، والشهيد الأول في الذكرى : 191 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 269.
4 ـ التهذيب 2 : 72 / 265 ، الاستبصار 1 : 318 / 1184 ، الوسائل 6 : 54 أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 3.
5 ـ التهذيب 2 : 72 ، الاستبصار 1 : 318.
6 ـ في التبيان 10 : 371 ، والاستبصار 1 : 317.
7 ـ كما في الجامع للشرائع : 81 ، والشرائع 1 : 83.
8 ـ السرائر 1 : 221.
9 ـ كالعلّامة في التحرير 1 : 39 ونهاية الإِحكام 1 : 468 ، والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 204 ،.


(186)
و كتبتها في المصاحف إجماعاً. وهو أحوط ، لأن بالإعادة بينهما تصح الصلاة بلا خلاف ، كما في السرائر.
    ولكن في تعيّنه نظر ، فعن المجمع أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها (1) ، وكذا عن التبيان (2) ، وفي الرضوي : « فإذا قرأت بعض هذه السور فاقرأ والضحى وألم نشرح ولا تفصل بينهما ، وكذلك ألم تر كيف ولإيلاف » (3) ومرّ عن اُبيّ عدم فصله بينهما بها في مصحفه (4).
    وأحوط مما مرّ عدم قراءة شي‏ء من هذه السور.
    ( الثالثة : يجزئ بدل الحمد في ) الركعات ( الأواخر ) من الرباعية والثلاثية ( تسبيحات أربع ، وصورتها : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ) للصحيح ـ كما قالوا ـ : ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ؟ قال : « أن تقول : سبحان اللّه » (5) إلى آخر ما في المتن.
    وهو خيرة المفيد (6) وكثير من المتأخرين (7).
    وهو حسن لو صح السند. وفيه منع ، فإنّ فيه محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، وفي الأوّل كلام مشهور (8).
و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 263.
1 ـ مجمع البيان 5 : 507.
2 ـ التبيان 10 : 371.
3 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 113.
4 ـ في ص : 1712.
5 ـ الكافي 3 : 319 / 2 ، التهذيب 2 : 98 / 367 ، الاستبصار 1 : 321 / 1198 ، الوسائل 6 : 109. أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 5.
6 ـ المقنعة : 113.
7 ـ منهم العلّامة في التذكرة 1 : 116 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 256 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 261.
8 ـ قال في المدارك 3 : 380 وهو مشترك بين جماعة منهم الضعيف ولا قرينة على تعيينه. وربما


(187)
    ومع ذلك الدلالة ليست بذلك الوضوح ؛ لاحتمال أن يكون بياناً لإجزاء ما يقال لا العدد.
    مع أنه معارض بما دلّ على الزائد من النصوص لراويه وغيره ، ومنها ما أشار إليه بقوله و ( روي ) في الفقيه والسرائر (1) صحيحاً أنها ( تسع ) بتكريرها كما في المتن ثلاثاً مع حذف التكبير في كل منها ، كما هو خيرة والد الصدوق (2) ، بل هو أيضاً في الفقيه (3) ، والحلبي كما قيل (4).
    وفيه نظر ؛ إذ لم يظهر من الفقيه ما يوجب قوله به إلّا روايته للرواية كذلك في بحث الجماعة ، لكنه رواها في باب كيفية الصلاة بزيادة التكبيرات الثلاث (5) ، كما هو القول الأخير.
    وأما الحلبي فالذي يظهر منه ـ على ما نقله في المنتهى (6) ـ أنه قائل بثلاث تسبيحات ، كما في بعض النصوص (7).
    فانحصر القائل المعلوم قوله بهذه الرواية في الأول. نعم ، حكى في المعتبر والذكرى والتذكرة عن حريز بن عبد اللّه من القدماء (8).
ظهر من كلام الكّشي أن محمد بن اسماعيل هذا يعرق بالبندقي وأنه نيسابوري فيكون مجهولاً ...
1 ـ الفقيه 1 : 256 / 1158 ، مستطرفات السرائر : 71 / 2 ، الوسائل 6 : 122 أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1.
2 ـ كما حكاه عنه في المختلف : 92.
3 ـ الفقيه 1 : 256.
4 ـ كما في المختلف : 92.
5 ـ انظر الفقيه 1 : 209.
6 ـ المنتهى 1 : 275 ، وهو في الكافي في الفقه : 117.
7 ـ التهذيب 2 : 99 / 372 ، الاستبصار 1 : 322 / 1203 ، الوسائل 6 : 124 أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 7.
8 ـ المعتبر 2 : 189 ، الذكرى : 188 ، التذكرة 1 : 116.


(188)
    وهذه الرواية وإن صحّت سنداً ، إلّا أنها مضطربة متناً ، لما عرفت من اختلاف نسختها في الفقيه ، وكذا في السرائر بعين ذلك ، فقد رواها في باب كيفية الصلاة متضمنة للتسع كما رويت في الفقيه في باب الجماعة (1) ، وفي آخر الكتاب فيما استطرفه من كتاب حريز بن عبد اللّه بنحو ما في الفقيه في باب كيفية الصلاة (2).
    ومع اختلاف النسخة يشكل التمسك بالرواية ، سيّما وأن احتمال السقوط أرجح من احتمال الزيادة ، مع مرجوحيته أيضاً بوجودها في كثير من روايات المسألة ، ومنها : الصحيحة الْاُولى (3) التي هي أيضاً لراوي هذه الصحيحة بعينه.
    ومنها : النصوص المعلّلة لشرعية التسبيح في الأواخر : « بأن النبي صلّى اللّه عليه وآله لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه سبحانه ، فدهش وقال : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر » (4).
    ومنها : « إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب ، وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الْأُوليين (5) (6).
    وقريب منها في الدلالة على اعتبار التكبير بعض الصحاح الواردة فيما
1 ـ السرائر 1 : 219 ، وفيه زيادة : والله اكبر.
2 ـ مستطرفات السرائر : 71 / 2 ، وليس فيه التكبير.
3 ـ المتقدمة في ص 186.
4 ـ الفقيه 1 : 202 / 925 ، علل الشرائع : 322 / 1 ، الوسائل 6 : 123 أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 3.
5 ـ في المصدر ونسخة « م » و « ش » : الأخيرتين ، والظاهر انه خطأ.
6 ـ التهذيب 3 : 275 / 800 ، الوسائل 6 : 126 أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 13.


(189)
تقرأ في الركعتين الأخيرتين أنه : « إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء » (1).
    فبملاحظة مجموع هذه الأخبار بل وغيرها مما سيأتي يترجّح احتمال السقوط ، ويتعين القول بزيادة التكبير ، وتكون الرواية حينئذ دليلاً للقول بالاثنتي عشرة تسبيحة.
    ( وقيل : ) إنها ( عشر ) بزيادة التكبير في المرة الثالثة ، والقائل السيدان في المصباح والجمل والغنية ، والشيخ في المصباح والمبسوط والجمل وعمل يوم وليلة ، والديلمي والحلي والقاضي (2) ؛ وحجتهم غير واضحة عدا ما يتوهم من بعض (3) أنها الرواية بالتسع المتقدمة ، وليس فيها ما يتوهم منه ذلك إلّا قوله عليه السلام بعد إتمام العدد : « ثمَّ تكبّر وتركع » والظاهر أن المراد به تكبير الركوع ، ومع التنزّل فلا أقل من احتماله ، ومعه لا يمكن الاستدلال.
    ( وقيل : ) إنها ( اثنتا عشرة ) والقائل العماني والشيخ في ظاهر النهاية ومختصر المصباح والاقتصاد والقاضي في ظاهر المهذّب والفاضل في التلخيص كما حكي (4).
    ( وهو أحوط ) للصحيحة المتقدمة ، بناءًً على ما مرّ من رجحان ما فيها من النسخة بزيادة التكبير في كل مرة (5).
1 ـ الكافي 3 : 273 / 7 ، الوسائل 6 : 109 أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 6.
2 ـ حكاه عن مصباح السيد في المعتبر 2 : 189 ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 33 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 557 ، مصباح المتهجد : 44 ، المبسوط 1 : 106 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 181 ، وعمل يوم وليلة ( الرسائل العشر ) : 146 ، الديلمي في المراسم : 72 ، الحلّي في السرائر 1 : 230 ، القاضي في المهذّب 1 : 91.
3 ـ كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 256.
4 ـ حكاه عن العماني في المختلف : 92 ، النهاية 76 ، وحكاه عن مختصر المصباح في كشف اللثام 1 : 219 ، الاقتصاد : 261 ، المهذّب 1 : 371 ، وحكاه عن التخليص في كشف االلثام 1 : 219.
5 ـ راجع ص 187 ، 188.


(190)
    وهي ظاهرة في الوجوب ؛ لمكان الأمر الذي هو في الوجوب حقيقة.
و حمله على الندب بقرينة الصحيحة الأولى (1) حسن ، لو سلمت عما مر فيها من المناقشة ، وليست عنها بسالمة ، سيما ضعف الدلالة ، لما عرفته.
    مع أن الراوي لها حريز عن زرارة ، وقد روى عنه أيضاً الرواية المعارضة الآمرة بالتسع أو الاثني عشر على اختلاف النسخة ، وهو ظاهر في أن المراد من الإجزاء في روايته الْاُولى ما ذكرنا ، وإلّا لتناقضت رواياته ، فتأمّل جدّاً.
    ومع التنزّل وتسليم ظهور الإجزاء بحسب المقدار فلا ريب أنه ليس أظهر من ظهور الأمر في الوجوب ، وكما يحتمل الجمع بحمله على الاستحباب كذا يحتمل الجمع بحمل ما يجزئ على نفس القول لا المقدار ، فالترجيح لا بد له من دليل ، وهو غير واضح للحمل الأوّل ، بل وجوب تحصيل البراءة اليقينية يعاضد الثاني.
    مضافاً إلى الرضوي : « تقرأ فاتحة الكتاب وسورة في الركعتين الْأُوليين ، وفي الركعتين الأخراوين الحمد وحده ، وإلّا فسبّح فيهما ثلاثاً ثلاثاً ، تقول : سبحان اللّه ، والحمد للّه ، ولا إله إلّا اللّه ، واللّه أكبر ، تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرّات » (2).
    ونحوه الخبر المروي عن العيون عن مولانا الرضا عليه السلام أنه سبّح في الأخيرتين بالاثنتي عشرة (3).
    لكن قيل : في بعض النسخ تسع (4). ولعلّه بعيد ، لظهور الرواية في‏
1 ـ المتقدمة في 186.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 105 ، المستدرك 4 : 202 أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ذيل حديث 1.
3 ـ العيون 2 : 180 / 5 ، الوسائل 6 : 110 أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 8.
4 ـ كما قال به المجلسي في البحار 82 : 88.


(191)
مداومته عليه السلام على ذلك ، ولو كان تسعاً لكان على ترك هذا المستحب الذي لا خلاف في استحبابه ، ومداومة الإمامية عليه جيلاً بعد جيل وحديثاً بعد قديم مداوماً ، وهو بعيد جدّاً ، مع أن الظاهر مع بعض الروايات المتقدمة في ترجيح النسخة وغيرها اعتبار كون التسبيح بمقدار القراءة وهو لا يتحقق بالأربع بالضرورة.
    وبالجملة المسألة محل إشكال ، والاحتياط فيها بما مرّ مطلوب على كل حال. وفيها أقوال أُخر نادرة ليس في التعرض لذكرها كثير فائدة.
    ( الرابعة : لو قرأ في النافلة إحدى العزائم ) الأربع المنهي عنها في الفريضة جاز ولو عمداً ، بلا خلاف أجده فتوى ورواية ، خاصة وعامة ، وقد تقدّمت إليها الإشارة (1).
    وحيث قرأها أو استمع إلى ما يوجب السجود منها ( سجد عند ذكره ) وجوباً على الأشهر الأقوى ، للعموم ، وخصوص الأمر به فيما مرّ من النصوص.
    وبه يخصّ ما دلّ على المنع عن الزيادة في الصلاة من القاعدة ، مع إشعار بعض النصوص المعاضدة لها باختصاصه بالمكتوبة.
    وقيل : إن سجد جاز وإن لم يسجد جاز (2) ؛ ولعلّه للخبر الآتي. وهو ـ لضعف سنده ، وعدم مقاومته لسابقه ، مع عدم جابر له فيما نحن فيه ـ يمتنع العمل به.
    ( ثمَّ ) إنه بعد ما يسجد ( يقوم فيتم ) ما بقي من السورة من غير إعادة الفاتحة إذا لم يكن السجود في آخر السورة ( ويركع ، ولو كان السجود في آخرها
1 ـ راجع ص 154 ، 155.
2 ـ نقله كذلك في مفتاح الكرامة 2 : 358 عن الخلاف ، ولكن مورد الكلام في الخلاف هو قراءة غير العزائم من السور التي فيها سجدة غير واجبة. انظر الخلاف 1 : 430.


(192)
قام ) بعد سجدة العزيمة و ( قرأ الحمد استحباباً ليركع عن قراءة ) كما في الصحيح (1) وغيره (2).
    ولكن ليس فيهما التعليل ، ولا التصريح بالاستحباب ؛ بل ظاهرهما الوجوب ، كما هو ظاهر الشيخ في كتابي الحديث (3) وغيره (4). لكن حمله الأصحاب على الاستحباب ، للأصل ، والخبر : « إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها » (5) ولا يخلو عن نظر. ولا ريب أن الوجوب أحوط.
    ثمَّ إن ظاهر الأكثر والصحيح وما بعده الاقتصار على إعادة الحمد خاصة. وعن المبسوط : وسورة أُخرى أو آية (6) ، ولم أعرف مستنده.
1 ـ الكافي 3 : 318 / 5 ، التهذيب 2 : 291 / 1167 ، الاستبصار 1 : 319 / 1189 ، الوسائل 6 : 102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 1.
2 ـ التهذيب 2 : 292 / 1174 ، الاستبصار 1 : 320 / 1191 ، الوسائل 6 : 102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 2.
3 ـ التهذيب 2 : 292 ، الاستبصار 1 : 319.
4 ـ كصاحب المدارك 3 : 383.
5 ـ التهذيب 2 : 292 / 1173 ، الاستبصار 1 : 319 / 1190 ، الوسائل 6 : 102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 3.
6 ـ المبسوط 1 : 114.


(193)
    ( الخامس : الركوع‏ )
    ( وهو واجب في كل ركعة ) من الفرائض والنوافل ( مرّة ) واحدة بالضرورة من الدين ، والأخبار المتواترة عن سيد المرسلين والأئمة الطاهرين عليهم السلام ( إلّا في ) صلاة الآيات ك‍ ( الكسوف ) والخسوف و ( الزلازل ) فيجب في كل ركعة خمس مرّات ، بالنص والإجماع ، كما سيأتي في بحثها إن شاء اللّه تعالى (1).
    ( وهو ) مع ذلك ( ركن في الصلاة ) تبطل بتركه فيها مطلقاً ، ولو في الأخيرتين من الرباعية إجماعاً إلّا من المبسوط ، ففيه : أنها لا تبطل بتركه فيهما سهوا إن ذكره بعد السجود ، بل يسقط السجود ويركع ثمَّ يسجد (2).
    ولو فسّر الركن بأنه ما تبطل الصلاة بتركه بالكلية لم يكن منافيا لذلك ، لأن الآتي بالركوع بعد السجود لم يتركه في جميع الصلاة ، ولعلّه لذا صرّح بعدم الخلاف في الركنية من غير استثناء للشيخ جماعة (3) ، أو لشذوذه ومعلومية نسبه ، أو لنفيه في الحقيقة ركنية السجود ، بمعنى عدم بطلان الصلاة بزيادته لا ركنية الركوع.
    فلا خلاف فيها إلّا ما يحكى من المبسوط أنه حكى قولاً من بعض الأصحاب بأنّ من نسي سجدتين من ركعة أيّة ركعة كانت حتى ركع فيما بعدها أسقط الركوع واكتفى بالسجدتين بعده ، وجعل الركعة الثانية أوّلة ، والثالثة
1 ـ في ج 4 ص : 16 و 17.
2 ـ المبسوط 1 : 109.
3 ـ منهم العلّامة في المنتهى 1 : 281 ، والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 206 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 283.


(194)
ثانية ، والرابعة ثالثة (1).
    قيل : وأفتى به ابن سعيد في الركعتين الأخيرتين خاصة (2).
    وفي الصحيح : عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي‏ء منها ، فقال : « يقضي ذلك بعينه » قال : أيعيد الصلاة ؟ قال : « لا » (3). ويحتمل على بقاء المحل.
    ( والواجب فيه خمسة ) أشياء :
    الأوّل ( الانحناء ) ب‍ ( قدر ما ) يمكن أن ( تصل معه كفّاه إلى ركبتيه ) إجماعاً ممن عدا أبي حنيفة ، كما حكاه جماعة (4) حدّ الاستفاضة ، للتأسّي ، والمعتبرة ، منها الصحيح : « فإذا وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحبّ إليّ أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينهما » (5).
    ويستفاد منه ومن غيره كفاية الانحناء بمقدار إمكان بلوغ رؤوس الأصابع إلى الركبتين ، وأن الزائد مستحب ، وبه صرّح بعض (6) ، بل عن خالي العلّامة المجلسي ـ رحمه اللّه ـ في البحار أنه مذهب الأكثر (7).
1 ـ المبسوط 1 : 120.
2 ـ الجامع للشرائع : 83.
3 ـ التهذيب 2 : 150 / 588 ، الاستبصار 1 : 357 / 1350 ، الوسائل 6 : 314 أبواب الركوع ب 11 ح 1.
4 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 193 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 281 ، والتذكرة 1 : 118 ، والشهيد في الذكرى : 197 : والمحقق الثانى في جامع المقاصد 2 : 283.
5 ـ الكافي 3 : 334 / 1 ، التهذيب 2 : 83 / 308 ، الوسائل 5 : 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
6 ـ كصاحب الحدائق 8 : 238.
7 ـ البحار 81 : 190 ونسبه فيه إلى المشهور.


(195)
    خلافاًًًً لجماعة ، فأوجبوا الزيادة (1). وهو أحوط ؛ لظهور عبائر الأكثر فيه ، ومنهم جملة من نقلة الإجماع ، كالفاضلين في المعتبر والتذكرة (2).
    ولكن في تعينه نظر ، لظهور النص المعتبر في خلافه ، مع سلامته عن المعارض عدا شبهة دعوى الإجماع ، ويحتمل تعلقها بالتحديد المشترك بين التحديدين ، وهو ملاقاة اليدين الركبتين إما بالبلوغ أو الوضع ، فأما خصوصه فلعلّه من اجتهاد الناقل.
    مع أن ظاهر عبائر جملة آخرين من نقلة الإجماع هو ما ذكرنا ، وإن كان يأباه سياق عبارتهم في الاستدلال عليه ، كما يأبى سياق عبارة النقلة السابقين في الاستدلال ما يستفاد من ظاهر عبارتهم أيضاً ، وهذا من أوضح الشواهد على ما ذكرنا من أن المقصود من دعوى الإجماع إنما هو إثبات القدر المشترك ردّاً على أبي حنيفة في قوله بكفاية أقلّ ما يقع عليه اسم الانحناء.
    وإنما عبرنا بإمكان الوصول لعدم وجوبه إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (3).
    وهل يشترط في الانحناء قصد الركوع ، حتى لو انحنى لا له ثمَّ ركع بقصده لم يكن زاد ركوعاً ، أم لا ؟ وجهان ، ظاهر جماعة الأول (4) ، بل قيل : لا خلاف فيه (5).
1 ـ منهم الشهيد الأول في البيان : 164 ، والشهيد الثاني في الروض : 271 ، والروضة 1 : 270 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 284.
2 ـ المعتبر 2 : 193 ، التذكرة 1 : 118.
3 ـ كما في الذكرى : 197 ، وانظر الحدائق 8 : 237.
4 ـ منهم العلاّمة في نهاية الإِحكام 1 : 481 ، والشهيد في الدروس 1 : 176 ، والذكرى : 197 ، وصاحب الحدائق 8 : 241.
5 ـ الحدائق 8 : 241
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس