رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 211 ـ 225
(211)
البطلان بالإخلال بالواحدة إذا كانت من الْأُوليين ، والأصحاب إذا كانت من الأخيرتين ؛ للصحيح : « إذا تركت السجدة في الركعة الأولى فلم تدر واحدة أو ثنتين استقبلت حتى يصحّ لك ثنتان ، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد ان تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود » (1).
    وفيه ـ مع إجماله كما بيّنته في الشرح ـ قصور عن مقاومة ما مر ؛ لاعتضاده بعد الكثرة بالأصل والشهرة العظيمة ؛ مضافاً إلى صريح بعض الأخبار المنجبر ضعفه بها : عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها ، فقال : « إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلّا مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة وليس عليك سهو » (2) فتأمل (3).
    مع أن ظاهره اختصاص الحكم بالبطلان بتركها بالركعة الْاُولى وعدمه فيما عداها ، كما يحكى عن والد الصدوق والإسكافي (4).
    نعم ربما يعضده تظافر الأخبار بأنه لا سهو في الْأُوليين ، وأنه لا بدّ من سلامتهما (5) ، لكنها محمولة على الشك في الأعداد خاصة ، جمعاً بين الأدلّة.
    ( وواجباته ) أمور ( سبعة )
    الأول ( السجود على الأعضاء السبعة ) يعني ( الجبهة ، والكفّين ، والركبتين ، وإبهامي الرجلين ) بلا خلاف فيه بيننا أجده إلّا من المرتضى‏
1 ـ الكافي 3 : 349 / 3 ( وفيه صدر الحديث ) : التهذيب 2 : 154 / 605 ، الاستبصار 1 : 360 / 1364 ، الوسائل 6 : 365 أبواب السجود ب 14 ح 3.
2 ـ التهذيب 2 : 155 / 607 ، الاستبصار 1 : 360 / 1365 ، الوسائل 6 : 366 أبواب السجود ب 14 ح 6.
3 ـ وجهه : تضّمنه لما لا يقول به الأصحاب من الاعتداد بالشك بعد التجاوز عن المحلّ ، ومن نفي سجدتي السهو عن تارك السجدة الواحدة ، مع أن ظاهرهم الإجماع على خلافه. منه رحمه الله
4 ـ حكاه عنهما في المختلف : 131.
5 ـ انظر الوسائل 8 : 187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1.


(212)
و الحلّي ، فجعلا عوض الكفّين المفصل عند الزندين (1). وهما شاذّان ، بل على خلافهما الإجماع في الخلاف والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني وعن التذكرة (2) ؛ وهو الحجة.
    مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين ، وترغم بأنفك إرغاماً ، فأمّا الفرض فهذه السبعة ، وأما الإرغام بالأنف فسنّة من النبي صلّى اللّه عليه وآله » (3) ونحوه آخر ، مبدّلاً فيه اليدين بالكفين (4).
    ومن جماعة من القدماء ، فجعلوا عوض الإبهامين أصابع الرجلين ، كما في كلام جملة منهم (5) ، أو أطرافهما ، كما في كلام آخرين (6).
    وفيه ما في سابقة ، مع عدم وضوح مستندهما عدا ما يحكى من القاضي في شرح الجمل (7) ، من نقله الإجماع على الأول في ظاهر كلامه ، وما ورد في بعض الأخبار من لفظ الرجلين ، أو أطراف أصابعهما (8).
    والأوّل ـ مع عدم صراحته بل ولا ظهوره ، كما لا يخفى على المراجع‏
1 ـ المرتضي في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضي 3 ) : 32 ، الحلّي في السرائر 1 : 225.
2 ـ الخلاف 1 : 123 ، الذكرى : 201 ، جامع المقاصد 2 ، 300 ، التذكرة 1 : 120.
3 ـ التهذيب 2 : 299 / 1204 ، 1 : 327 / 1224 ، الوسائل 6 : 343 أبواب السجود ب 4 ح 2.
4 ـ الخصال : 349 / 23 ، الوسائل 6 : 343 أبواب السجود ب 4 ذيل الحديث 2.
5 ـ كالشيخ في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 180 ، وابن حمزة في الوسيلة : 94.
6 ـ منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 558 ، والحلبي في الكافي : 119 ، والشيخ في المبسوط 1 : 112.
7 ـ شرح جمل العلم والعمل : 90.
8 ـ هناك خبران ورد بلفظ الرجلين كما في قرب الإسناد : 22 / 74 ، الوسائل 6 : 345 أبواب السجود ب 4 ح 8. والثاني ورد بلفظ اطراف اصابعهما كما في عوالي اللالي 1 : 196 / 5 ، المستدرك 4 : 455 أبواب السجود ب 4 ح 3.


(213)
لكلامه ـ موهون بمصير الأكثر ، بل الكل على خلافه ، ومعارض بأجود منه.

    والثاني ـ مع عدم سلامة سنده ـ مطلق ، والصحيحان المتقدمان مقيّدان ، فيجب حمله عليهما جمعاً.
    ويكفي فيما عدا الجبهة المسمّى ، على الأشهر الأقوى ، بل في المدارك والذخيرة أنه لا نعرف فيه خلافاًًًً (1) ، مع أنه تردّد في المنتهى في كفايته في الكفّين ، قال : والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل (2).
    وهو كما ترى ؛ فإنّ ما دلّ عليها فيها يدلّ عليها هنا بالفحوى ، مؤيداً بإطلاق الأمر ، والخبر المروي عن تفسير العياشي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنه سأله المعتصم عن ( السارق‏ ) (3) من أيّ موضع يجب أن يقطع ؟ فقال : « إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف » قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : « قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : السجود على سبعة أعضاء : الوجه ، واليدين ، والركبتين ، والرجلين ، فإذا قطعت اليدين دون المرفق لم يبق له يد يسجد عليها » (4) الخبر.
    وهو صريح في عدم وجوب السجود على الأصابع.
    وكذا فيها ، على الأشهر الأقوى ؛ للإطلاق ، والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « إذا مسّ شي‏ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه » (5) ونحوه آخران ، والموثق ، والخبران (6).


1 ـ المدارك 3 : 440 ، الذخيرة : 286.
2 ـ المنتهى 1 : 290.
3 ـ بدل ما بين المعقوفين في « ح » و « ل » و « ش » : المازني ، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
4 ـ تفسير العياشي 1 : 319 / 109 ، المستدرك 4 : 454 أبواب السجود ب 4 ح 1.
5 ـ الفقيه 1 : 176 / 833 ، التهذيب 2 : 85 / 314 ، الوسائل 6 : 355 أبواب السجود ب 9 ح 1.
6 ـ الوسائل 6 : 355 أبواب السجود ب 9.


(214)
    خلافاًًًً للصدوق والحلّي والشهيد في الدروس وموضع من الذكرى (1) ، فأوجبوا مقدار الدرهم ، قال في الأخير : لتصريح الخبر وكثير من الأصحاب به ، فيحمل المطلق من الأخبار وكلام الأصحاب على المقيد.
    وهو أعرف بما قال ؛ إذ لم نقف على الخبر ولا الكثير من الأصحاب.
    وفي المدارك : ولعلّ مستنده ما رواه زرارة في الحسن ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود ، فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة » (2). والإجزاء إنّما يستعمل في أقل الواجب (3).
    ولم أعرف وجه دلالته أصلاً ، بل هو بالدلالة على خلافه أشبه وأخرى ، كما اعترف به أخيراً ، فقال : ومقتضاها الاكتفاء بقدر طرف الأنملة وهو دون الدرهم ، والأجود حملها على الاستحباب.
    وفي الصحيح : عن المرأة تطول قصّتها ، فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطّيه الشعر ، هل يجوز ذلك ؟ قال : « لا ، حتى تضع جبهتها على الأرض » (4).
    وظاهره إيجاب تمام الجبهة كما يحكى عن الإسكافي (5) ، مع أن جماعة اعترفوا بعدم قائل به (6). ولعلّه لذا استدل به على القول بالدرهم ، ولا دلالة فيه‏
1 ـ الصدوق في المقنع : 26 ، والحلي في السرائر : 225 ، الدروس 1 : 180 ، والذكرى : 201.
2 ـ الكافي 3 : 333 / 1 ، الوسائل 6 : 356 أبواب السجود ب 9 ح 5.
3 ـ المدارك 3 : 405.
4 ـ التهذيب 2 : 313 / 1276 ، قرب الإسناد : 224 / 874 ، الوسائل 5 : 363 أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 5.
5 ـ نقله عنه في الذكرى : 201.
6 ـ منهم صاحب المدارك 3 : 405 ، والسبزواري في الذخيرة : 286 ، وصاحب الحدائق 8 : 282.


(215)
على اعتباره. والحمل عليه بعد عدم الاكتفاء بما حصل من الجبهة على الأرض ليس أولى من حمل ما وقع على ما دون المسمّى والأمر بوضع المسمى.
    مع أن ظاهره اعتبار جميع الجبهة ، ولم يوجبه أحد ، فليحمل على الاستحباب جمعاً ، ولصريح الموثقة : « الجبهة إلى الأنف أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك ، والسجود عليه كله أفضل » (1).
    ( و ) الثاني ( وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ) مما مرّ في المقدمة السادسة مع دليله (2).
    ( و ) الثالث ( أن ) ينحني بحيث ( لا يكون موضع السجود عالياً ) من الموقف ( بما يزيد عن ) قدر ( لبنة ) بكسر اللام فسكون الباء ، أو فتحها فكسرها ، بإجماعنا الظاهر ، المحكي في كثير من العبائر (3) ؛ وللمرسل المروي في الكافي : « إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس » (4) :
    ونحوه الخبر (5) ، بل الحسن ، لكن فيه : « بدنك » بدل رجليك بالباء ثمَّ النون ، وربما يوجد في بعض النسخ بياءين مثنّاتين من تحت ، فلا يفيد العلوّ على الموقف ، فالاستدلال به لذلك مشكل وإن اتفق لجمع (6).
    وربما يشكل من وجه آخر يجري أيضاً في المرسل لو لا الجبر بالإجماع ، وهو أن غايتهما ثبوت البأس مع العلوّ زيادة عن اللبنة ، وهو كما يحتمل التحريم يحتمل الكراهة ، لكن الإجماع جابر معيّن للأوّل.
1 ـ التهذيب 2 : 298 / 1199 ، الاستبصار 1 : 326 / 1221 ، الوسائل 6 : 356 أبواب السجود ب 9 ح 3.
2 ـ راجع ص : 39 ـ 52.
3 ـ كما في المنتهى 1 : 288 ، والذكرى : 160 ، والمدارك 3 : 407.
4 ـ الكافي 3 : 333 / ذيل الحديث 4 ، الوسائل 6 : 359 أبواب السجود ب 11 ح 3.
5 ـ التهذيب 2 : 313 / 1271 ، الوسائل 6 : 358 أبواب السجود ب 11 ح 1.
6 ـ منهم العلّامة في المنتهى 1 : 288 ، وصاحب المدارك 3 : 407 ، وصاحب الحدائق 8 : 284.


(216)
    مضافاً إلى أن الانحناء بهذا القدر غير معلوم كونه سجوداً مأموراً به شرعاً ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن ، وهو ما لا يزيد عن اللبنة جدّاً.
    بل الأحوط التساوي بين المسجد والموقف بحيث لا يزيد بقدرها أيضاً.
    بل ربما قيل بوجوبه (1) ؛ للصحيح : عن موضع جبهة الساجد يكون أرفع من مقامه ، قال : « لا ، وليكن مستوياً » (2) وهو محمول على الندب جمعاً ، ولظاهر الصحيح : « إني أحبّ أنّ أضع وجهي في موضع قدمي » (3).
    و يلحق الانخفاض بالارتفاع عند جماعة (4) ؛ للموثق : في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض ، فقال : « إن كان الفراش غليظاً قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض ، وإن كان أكثر من ذلك فلا » (5).
    وقيل بجواز الانخفاض مطلقاً ، وحكي عن الفاضل في النهاية (6) ، قيل : و نقل في التذكرة الإجماع عليه (7).
    ويدل عليه بعده صدق السجود معه ، فيحصل الامتثال ، فيمكن حمل الموثق على الاستحباب.
    ومنهم من ألحق بالجبهة بقية المساجد (8). ولا ريب أنه أحوط ، وإن كان مستنده بعد لم يظهر.
1 ـ قال به ابن جنيد على ما نقله عنه في الذكرى : 202.
2 ـ الكافي 3 : 333 / 4 ، التهذيب 2 : 85 / 315 ، الوسائل 6 : 357 أبواب السجود ب 10 ح 1.
3 ـ التهذيب 2 : 85 / 316 ، الوسائل 6 : 257 أبواب السجود ب 10 ح 2.
4 ـ منهم الشهيد الأول في البيان : 168 ، الشهيد الثاني في الروض : 276 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 309.
5 ـ الكافي 3 : 411 / 13 ، التهذيب 3 : 307 / 949 ، الوسائل 6 : 358 أبواب السجود ب 11 ح 2.
6 ـ نهاية الإِحكام 1 : 488 ؛ وقال به السبزواري في الذخيرة : 285.
7 ـ التذكرة 1 : 121.
8 ـ كالشهيد في الذكرى : 202.


(217)
و لو وقعت الجبهة على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه تخيّر بين رفعها وجرّها إلى موضع الجواز ، لعدم تحقق السجود على ذلك القدر.
    و أما لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه مع كونه مساوياً للموقف أو مخالفاً بقدر المجزي لم يجز رفعها ، حذراً من تعدّد السجود ، بل يجرّها إلى موضع الجواز ، وفي الصحيح : « عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته على الأرض ، فقال : « يحرّك جبهته فينحّي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه » (1).
    والخبر المخالف له (2) ضعيف الإسناد فلا يعبأ به ، مع معارضته بأجود منه بحسب السند ، والاعتضاد بالأصل.
    وأما النصوص في المنع عن المرتفع وجوازه فهي مطلقة (3) ، إلّا أن حملها على التفصيل المتقدم طريق الجمع بينها ، والجامع الدليل المتقدم المعتضد بفتوى الأكثر ، بل قيل (4) : لا خلاف فيه يعرف إلّا من صاحبي المدارك والذخيرة ، حيث عملا بإطلاق الخبر المانع ، لصحته وضعف مقابله (5).
    ولكن الأحوط ما ذكراه ، لا لما ذكراه من صحة الخبر المانع (6) ، فإنّ فيها كلاماً مشهوراً ، من حيث تضمّن سنده محمد بن إسماعيل عن الفضل بن‏
1 ـ التهذيب 2 : 312 / 1270 ، الاستبصار 1 : 331 / 1240 ، الوسائل 6 : 353 أبواب السجود ب 8 ح 3.
2 ـ التهذيب 2 : 310 / 1260 ، الوسائل 6 : 354 أبواب السجود ب 8 ح 5.
3 ـ الوسائل 6 : 353 أبواب السجود ب 8 ح 1 ، 2 ، 4.
4 ـ الحدائق 8 : 287.
5 ـ المدارك 3 : 408 ، الذخيرة : 285.
6 ـ الكافي 3 : 333 / 3 ، التهذيب 2 : 302 / 1221 ، الاستبصار 1 : 330 / 1238 ، الوسائل 6 : 353 أبواب السجود ب 8 ح 1.


(218)
شاذان ، والأوّل مجهول على المشهور ، وإن عدوّا السند الذي هو فيه صحيحاً أو قريباً منه ؛ بل لتوقف ما مرّ من دليل الجواز في صورته على عدم صدق السجود على الانحناء المفروض فيها ، وكونه حقيقة في الانحناء إلى الوضع على ما يساوي الموقف فصاعداً إلى قدر اللبنة ، وهو مشكل.
    وإثباته بما دلّ على المنع عن الوضع على الزائد عنها غير ممكن ؛ لأن غايته المنع ، ويمكن أن يكون وجهه فوات بعض واجبات السجود لا نفسه ، نعم ذلك حسن حيث لا يصدق السجود معه عرفاً ، وأما معه فمشكل. ولا ريب أن الأحوط حينئذ عدم الرفع ، وكذا الموضع الذي يشك في الصدق وعدمه ، مع احتمال جواز الرفع هنا ، كصورة عدم الصدق قطعاً ، ولكن الأحوط عدم الرفع مطلقاً ، خروجاً عن شبهة الخلاف نصّاً وفتوى.
    ( ولو تعذّر الانحناء ) الواجب أتى بالممكن منه و ( رفع ما يسجد عليه ) ليسجد عليه بلا خلاف فيه على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (1) ، وظاهر المعتبر والمنتهى دعوى الإجماع عليه (2).
    وهو الحجة ؛ مضافاً إلى عموم النصوص بعدم سقوط الميسور بالمعسور (3) ، وخصوص النصوص ، منها ـ مضافاً إلى فحوى الموثق الآتي وغيره ـ الخبر : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ، ولا يمكنه الركوع والسجود ، فقال عليه السلام : « ليوم برأسه إيماءً ، وإن كان له من يرفع له الخمرة فليسجد ، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة » (4).
1 ـ مجمع الفائدة والبرهان 2 : 191 ، الذخيرة : 263 ، الحدائق 8 : 81.
2 ـ المعتبر 2 : 208 ، المنتهى 1 : 288.
3 ـ عوالي اللآلي 4 : 58 / 205.
4 ـ الفقيه 1 : 238 / 1052 ، التهذيب 3 : 307 / 951 ، الوسائل 6 : 375 أبواب السجود ب 20 ح 1.


(219)
    وفي الحسن أو الصحيح : « لا يصلّي على الدابة فريضة إلّا مريض يستقبل بوجهه القبلة ويجزيه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‏ء ، ويومئ في النافلة إيماءً » (1).
    وأما الصحيحان المخالفان لذلك ، كما يأتي ، فشاذّان مطرحان ، أو مؤوّلان بما يأتي.
    وإن تعذّر رفع ما يسجد عليه اقتصر على الانحناء ، وإن تعذّر رأساً أومأ برأسه إن أمكن ، وإلّا فبعينيه مع الإمكان ، وإلّا فبواحدة.
    وهل يجب مع ذلك رفع ما يسجد عليه إلى الجبهة مع الإمكان ؟ قولان ، أجودهما الأوّل ؛ للعموم المتقدم ، مضافاً إلى خصوص النصوص ، منها الموثق : عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : « فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد » (2). ونحوه المرسل في الفقيه (3).
    والمروي في قرب الإسناد : عن المريض الذي لا يستطيع القعود ولا الإيماء ، كيف يصلّي وهو مضطجع ؟ قال : « يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه » (4).
    وقيل : لا ؛ للأصل ، وخلوّ كثير من الأخبار والفتاوى عنه (5).
    ويندفعان بما مر.
    ولظاهر الصحيح : عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ، قال :
1 ـ التهذيب 3 : 308 / 952 ، الوسائل 4 : 325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
2 ـ التهذيب 3 : 306 / 944 ، الوسائل 5 : 482 أبواب القيام ب 1 ح 5.
3 ـ الفقيه 1 : 235 / 1034 ، الوسائل 5 : 485 أبواب القيام ب 1 ح 14.
4 ـ قرب الإسناد : 213 / 834 ، الوسائل 5 : 487 أبواب القيام ب 1 ح 21.
5 ـ انظر المدارك 3 : 333.


(220)
    يومئ برأسه إيماء ، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ » (1) وبمعناه آخر (2).
    وموردهما وضع الجبهة على الأرض لا العكس ، كما هو محل البحث.
    وما يقال في توجيهه : بأن حملهما على ظاهرهما مصادم لوقوع الشهرة على خلافهما فيجب صرفهما وحملهما على وضع الأرض وما يجري مجراها على الجبهة.
    فبعيد ، ومع ذلك فغير نافع ، مع إمكان التوجيه بغير ذلك مما لا يخالفان معه الإجماع أيضاً ، وقد ذكرناه في الشرح.
    وأما الخبر : عن المريض هل تمسك له المرأة شيئاً فيسجد عليه ؟ فقال :
    « لا ، إلّا أن يكون مضطرّاً ليس عنده غيرها » (3) فمع قصور سنده لا يخالف ما ذكرناه من وجوب الرفع ، فإنه إنما يفيد كراهية إمساك المرأة إذا وجد غيرها ، كما عن المقنع (4) ، وكذا في المقنعة (5) ، لكن من دون تقييد بالمرأة ، بل أطلق كراهة وضع الجبهة على سجّادة يمسكها غيره أو مروحة ، وهو غير كراهة أصل الرفع ، مع أنها مخالفة للإجماع ؛ إذ لا خلاف في رجحانه ، مع ظهور الخبر في لزومه ، كما لا يخفى على من تدبّر في سياقه ومفهومه.
    ( ولو كان بجبهته دمل ) ونحوه مما يمنع الجبهة بأجمعها عن السجود ( احتفر حفيرة ) أو عمل شيئاً من طين أو خشب ونحوهما وجوباً ولو من باب المقدمة ( ليقع السليم ) منها ( على الأرض ).
1 ـ الكافي 3 : 410 / 5 ، الوسائل 5 : 481 أبواب القيام ب 1 ح 2.
2 ـ الفقيه 1 : 236 / 1039 ، التهذيب 2 : 311 / 1264 ، الوسائل 5 : 364 أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1 ، 2.
3 ـ التهذيب 3 : 177 / 397 ، الوسائل 5 : 483 أبواب القيام ب 1 ح 7.
4 ـ المقنع : 36.
5 ـ المقنعة : 36.


(221)
    وللنص : خرج بي دمل وكنت أسجد على جانب ، فرآني أبو عبد اللّه عليه « السلام فقال : « ما هذا ؟ » قلت : لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل ، فإنما أسجد منحرفاً ، فقال لي : « لا تفعل ذلك احفر حفيرة ، واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض » (1).
    ونحوه الرضوي : « فإن كان في جبهتك دمل لا تقدر على السجود فاحفر حفيرة ، فإذا سجدت جعلت الدمل فيها » (2). وقريب منهما المروي في تفسير علي بن إبراهيم (3).
    وقصور السند أو ضعفه مجبور بما مر من القاعدة ، والشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة.
    ولم يذكر جماعة منهم خلافاًًًً في المسألة ، مشعرين بعدم خلاف فيها ، كما صرّح به في المدارك ، فقال : هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء (4).
    وفيه نظر ، فقد خالف فيها الشيخ في المبسوط والنهاية فلم يوجب الحفيرة ، بل قال بجوازها بعد الأمر بالسجود على أحد جانبيه (5). وظاهره التخيير بينهما ، كما عن جامع المقاصد (6) أيضاً ، وعن ابن حمزة عكس المختار ، فأوجب السجود على أحد الجبينين ، ومع عدم التمكن فالحفيرة (7).
    لكن مستندهما ـ سيّما الأخير ـ غير واضح ، سيّما في مقابلة ما قدّمناه من النصوص المعتضدة بالقاعدة وفتوى المشهور ، فلا إشكال فيه. ومع ذلك فهو
1 ـ الكافي 3 : 333 / 5 ، التهذيب 2 : 86 / 317 ، الوسائل 6 : 259 أبواب السجود ب 12 ح 1.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 114 ، المستدرك 4 : 459 أبواب السجود ب 10 ح 1.
3 ـ تفسير القمي 2 : 30 ، الوسائل 6 : 360 أبواب السجود ب 12 ح 3.
4 ـ المدارك 3 : 416.
5 ـ المبسوط 1 : 114 ، نهاية : 82.
6 ـ جامع المقاصد 2 : 303.
7 ـ حكاه عنه في الذكرى 1 : 20 ، وقال في مفتاح الكرامة 2 : 442 : ولعلّه ذكره في الواسطة.


(222)
أحوط ؛ لجوازه عند الشيخ أيضاً ، وأما ابن حمزة فهو نادر بلا شبهة.
    ( ولو تعذر ) ذلك إمّا لعدم إمكان النقل ، أو لاستيعابه الجبهة ، أو نحو ذلك ( سجد على أحد الجبينين ) بلا خلاف على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (1) ، وفي المدارك أنه قول علمائنا وأكثر العامة (2) ، وظاهره الإجماع عليه.
    للمعتبرين ، أحدهما الرضوي ، ففيه بعد ما مر : « وإن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن ، فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر ، فإن تعذر فاسجد على ظهر كفّيك ، فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك ، يقول اللّه تعالى ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (3) (4).
    وقريب منه المروي في التفسير المتقدم (5) ، وفيه : قلت للصادق عليه السلام : رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها ، قال : « يسجد ما بين طرف شعره ، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن ، وإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر ، وإن لم يقدر فعلى ذقنه » الحديث.
    وظاهرهما اعتبار الترتيب بين الجبينين ، كما عن الصدوقين (6) ، وهو أحوط.
    خلافاًًًً لظاهر الأكثر ، وصريح جمع (7) ، فالتخيير بينهما ؛ للأصل ، وقصور
1 ـ كما في الذخيرة : 286.
2 ـ المدارك 3 : 417.
3 ـ الاسراء : 107.
4 ـ راجع ص : 221.
5 ـ في ص : 221.
6 ـ والد الصدوق في المقنع : 26 ، الصدوق في الفقيه 1 : 175.
7 ـ منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 2 : 304 ، وصاحب المدارك 3 : 417 ، والسبزواري في الذخيرة : 286.


(223)
النص سنداً عن تخصيصه. ويمكن دفعه لو لا الشهرة ، وعدم دلالة الروايتين على وجوب الترتيب صريحاً ، ولكن مراعاته مهما أمكن أولى.
    ( وإلّا ) يقدر من السجود على أحد الجبينين ( ف‍ ) ليسجد ( على ذقنه ) بلا خلاف إلّا من الصدوقين ، فعلى ظهر كفه ، وإلّا فعلى ذقنه ؛ لما مر من الرضوي.
    وهو ـ مع شذوذه وندرته ، بل وانعقاد الإجماع على خلافه ، كما صرّح به في المدارك (1) ـ غريب لا معنى له ، معارض بما مرّ من الخبر المروي في التفسير المتقدم ، وفي آخر : فيمن لا يقدر على السجود على الجبهة : « يضع ذقنه على الأرض ، إنّ اللّه تعالى يقول يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً » (2).
    وضعف السند منجبر بالعمل ، وإطلاق الأمر بالسجود على الذقن بعد العجز عن الجبهة مقيّد بما مرّ من النص والإجماع.
    ( ولو عجز ) عن جميع ذلك ( أومأ ) واضعاً جبهته على ما يصح السجود عليه ، كما مرّ (3).
    ( و ) الرابع ( الذكر فيه ) مطلقاً ( أو التسبيح ) منه خاصة ، على الخلاف المتقدم في الركوع (4) ، فإن السجود ( كالركوع ) في أمثال هذه المباحث ، لاتحاد الدليل مطلقاً.
    ( و ) الخامس الطمأنينة بقدر الذكر الواجب.
    ( و ) السادس ( رفع الرأس ).
    ( و ) السابع ( أن يكون مطمئناً عقيب ) السجدة ( الأُولى ) بإجماعنا
1 ـ المدارك 3 : 417.
2 ـ الكافي 3 : 334 / 6 ، التهذيب 2 : 86 / 318 ، الوسائل 6 : 360 أبواب السجود ب 12 ح 2.
3 ـ في ص : 218.
4 ـ راجع ص : 197 ـ 200.


(224)
في الجميع على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (1) ، وللنصوص (2) ، والتأسي.
    وقول الخلاف بركنية الطمأنينة كما في الركوع (3) شاذّ ، وإن ادّعى الإجماع عليه. ويكفي في الطمأنينة بعد الرفع مسمّاها اتفاقاً.
    ( وسننه : التكبير للْأُولى ) حال كونه ( قائماً ، والهويّ بعد إكماله ) كما في الصحاح وغيرها.
    والقول بوجوب أصل التكبير شاذّ ، كالقول باستحباب البدأة به قائماً والانتهاء به مع مستقرّه ساجداً ، وقد مرّ الكلام في الأول (4).
    وأما الثاني فعن المعتبر دعوى كون المختار فيه اختيار الأصحاب (5) ، وفي المنتهى وعن التذكرة أن عليه فتوى علمائنا (6) ، وظاهرهما دعوى الإجماع عليه.
    وهو الحجة ؛ مضافاً إلى ظواهر الصحاح السليمة عما يصلح للمعارضة ، عدا الخبر : « كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا هوى ساجداً انكبّ وهو يكبّر » (7) وفيه ضعف من وجوه شتى.
    و أن يكون ( سابقاً بيديه ) إلى الأرض قبل ركبتيه إجماعاً ، كما في‏
1 ـ كالتذكرة 1 : 124 ، والمنتهى 1 : 288 ، وجامع المقاصد 2 : 301 ، والمدارك 3 : 410.
2 ـ منها ما ورد في الوسائل 5 : 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 ، 10 ، 11.
3 ـ الخلاف 1 : 351 ، 359.
4 ـ راجع ص : 206.
5 ـ المعتبر 2 : 210.
6 ـ المنتهى 1 : 288 ، التذكرة 1 : 121.
7 ـ الكافي 3 : 336 / 5 ، الوسائل 6 : 383 أبواب السجود ب 24 ح 2.


(225)
الخلاف والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام (1) ؛ وللنصوص (2) وفيها الصحيح وغيره.
    وزاد الصدوق في الأمالي فقال : إنه واجب (3) ، مدّعياً في ظاهر كلامه الإجماع عليه. وهو شاذّ ضعيف كدعواه ، مدفوعان بالأصل ، والصحيح : « بأيّ ذلك بدأ فهو مقبول » (4) والموثق : « لا بأس إذا صلّى الرجل أن يضع ركبتيه إلى الأرض قبل يديه » (5).
    وفي الذكرى : يستحب أن تكونا معاً ، وروي السبق باليمنى ، وهو اختيار الجعفي (6).
    ( وأن يكون موضع سجوده مساوياً لموقفه ) بل قيل بوجوبه ، كما مرّ (7).
    ( وأن يرغم بأنفه ) على المشهور ، بل المجمع عليه ، كما في المدارك وغيره (8). وعن الصدوق القول بوجوبه (9) ، كما في الموثق وغيره : « لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه » (10).
1 ـ الخلاف 1 : 354 ، المنتهى 1 : 288 ، التذكرة 1 : 121 ، نهاية الإِحكام 1 : 492.
2 ـ الوسائل 6 : 337 أبواب السجود ب 1.
3 ـ امالي الصدوق : 512.
4 ـ التهذيب 2 : 300 / 1211 ، الاستبصار 1 : 326 / 1219 ، الوسائل 6 : 337 أبواب السجود ب 1 ح 3.
5 ـ التهذيب 2 : 78 / 294 ، الاستبصار 1 : 326 / 1218 ، الوسائل 6 : 338 أبواب السجود ب 1 ح 5.
6 ـ الذكرى : 202.
7 ـ في ص : 216.
8 ـ المدارك 3 : 411 ؛ كما في المعتبر 2 : 212 ، المنتهى 1 : 289.
9 ـ كما في الهداية : 32 ، والفقيه 1 : 205.
10 ـ الكافي 3 : 333/ 2 ، التهذيب 2 : 298 / 1202 ، الاستبصار 1 : 327 / 1223 ، الوسائل 6 : 344 أبواب السجود ب 4 ح 4 ، 7.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس