رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 226 ـ 240
(226)
    ويحتملان ـ ككلامه ـ تأكّد الاستحباب لا الوجوب ؛ لانتفائه بالأصل ، وظاهر النصوص : إن « السجود على سبعة أعظم » (1) وصريح الخبر : « إنما السجود على الجبهة ، وليس على الأنف سجود » (2).
    والإرغام : إلصاق الأنف بالرغام وهو التراب ، لكن ظاهر الأصحاب حصوله هنا بما يصيب الأنف ، واستحبابه هو المستفاد من الموثق وغيره.
    وظاهر إطلاقهما إجزاء إصابة الأنف المسجد بأيّ جزء اتّفق.
    خلافاًًًً للمرتضى ، فعيّن الجزء الأعلى منه (3) ، ولم نقف على مأخذه ، مع احتمال إرادته بذلك الإجزاء لا التعيين.
    ( و ) أن ( يدعو قبل التسبيح ) بالمأثور أو غيره ، للنصوص ، منها : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أدعو وأنا ساجد ؟ فقال : « نعم ، فادع للدنيا والآخرة ، فإنه ربّ الدنيا والآخرة » (4).
    ( والزيادة على التسبيحة الواحدة ) الكبرى إلى السبع أو ما يتّسع له الصدر ، كما مرّ في الركوع (5).
    ( والتكبيرات الثلاث ) التي منها التكبير للرفع من السجدة الأولى قاعدا معتدلا ، ثمَّ التكبير للسجدة الثانية معتدلا أيضاً ، ثمَّ التكبير لها بعد رفعه ، كما في الصحيح الفعلي المشهور (6).
1 ـ الوسائل 6 : 343 أبواب السجود ب 4.
2 ـ التهذيب 2 : 298 / 1200 ، الاستبصار 1 : 326 / 1220 ، الوسائل 6 : 343 أبواب السجود ب 4 ح 1.
3 ـ كما في جمل العلم والعمل رسائل السيد المرتضى 3 ) : 32.
4 ـ الكافي 3 : 323 / 6 ، التهذيب 2 : 299 / 1207 ، الوسائل 6 : 371 أبواب السجود ب 17 ح 2.
5 ـ راجع ص : 204.
6 ـ الكافي 3 : 311 / 8 ، الفقيه 1 : 196 / 916 ، التهذيب 2 : 81 / 301 ، الوسائل 5 : 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.


(227)
    ( والدعاء بين السجدتين ) بقوله : أستغفر اللّه ربي وأتوب إليه ، كما فيه أيضاً ، وفي المنتهى دعوى الإجماع عليه (1) ، وفي آخر : « قل بين السجدتين : اللّهم اغفر لي وارحمني وأجرني » (2) الدعاء. إلى آخره ، وفي الرضوي : « اللّهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني فإني لما أنزلت إليّ من خير فقير » (3).
    ( والقعود ) بينهما ( متوركاً ) بأن يجلس على وركه الأيسر ، ويخرج رجليه جميعاً من تحته ، ويجعل رجله اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، ويفضي بمقعدته إلى الأرض ، كما في الصحيحين (4) ، وظاهرهما تفسيره بما قلناه ، وفاقاً للشيخ ومن تبعه من متأخري أصحابنا (5).
    خلافاًًًً للإسكافي والمرتضى (6) ، فقالا بقولين مع تخالفهما لم نجد لشي‏ء منهما مستنداً ، هذا وقول المرتضى قريب مما قلناه ، إلّا أنه زاد : وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل القبلة بركبتيه معا.
    ( والطمأنينة عقيب رفع الرأس من ) السجدة ( الثانية ) وتسمّى بجلسة الاستراحة. وفضلها مجمع عليه بين الأصحاب ، وفي بعض الأخبار أنها من توقير الصلاة وتركها من الجفاء ، وفي بعضها الأمر به ، كالموثق : « إذا رفعت‏
1 ـ المنتهى 1 : 290.
2 ـ الكافي 3 : 321 / 1 ، التهذيب 2 : 79 / 295 ، الوسائل 6 : 339 أبواب السجود ب 2 ح 1.
3 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 107.
4 ـ الأول : تقدم ذكره في الهامش ( 6 ) من الصفحة المتقدّمة.
الثاني : الكافي 3 : 1 / 334 ، التهذيب 2 : 308 ، الوسائل 5 : 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
5 ـ الشيخ في الخلاف 1 : 363 ، والمبسوط 1 : 115 ؛ وانظر المعتبر 2 : 214 ، والمنتهى 1 : 290 ، والشهيد في الذكرى : 202 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 307.
6 ـ حكاه عنهما في الذكرى : 202 ، وعن مصباح المرتضى في المنتهى 1 : 290.


(228)
رأسك من السجدة الثانية من الركعة الْاُولى حين تريد أن تقوم فاستوِ جالساً ثمَّ قم » (1).
    وظاهره الوجوب ، كما عليه المرتضى (2) ، مدعياً الإجماع عليه ، مستدلّا به وبالاحتياط ، ويعضده التأسّي ، لفعلهم عليهم السلام لها ، كما في جملة من النصوص ، ففي الصحيح : رأيته ـ يعني الصادق عليه السلام ـ إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الْاُولى جلس حتى يطمئنّ (3).
    ونحوه الخبر : كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئنّ ثمَّ يقوم ، فقيل له : يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما ينهض الإبل ، فقال عليه السلام : « إنما يفعل ذلك أهل الجفاء » (4).
    خلافاًًًً للأكثر ، بل عامّة من تأخّر ، فلا يجب ، وادّعى الفاضل في نهج الحق الإجماع عليه (5) ؛ وهو الحجة ، بعد الأصل المعتضد بالشهرة ، وبعض المعتبرة المصرّحة بأنّ أبا جعفر عليه السلام وأبا عبد اللّه عليه السلام إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا (6) ، مع إشعار سياق كثير من نصوص الفضيلة بها مجرّدة عن الوجوب ، كما لا يخفى على من تدبّرها ، ولكن‏
1 ـ التهذيب 2 : 82 / 303 ، الاستبصار 1 : 328 / 1229 ، الوسائل 6 : 346 أبواب السجود ب 5 ح 3.
2 ـ الانتصار : 46.
3 ـ التهذيب 2 : 82 / 302 ، الاستبصار 1 : 328 / 1228 ، الوسائل 6 : 346 أبواب السجود ب 5 ح 1.
4 ـ التهذيب 2 : 314 / 1277 ، الوسائل 6 : 347 أبواب السجود ب 5 ح 5.
5 ـ نهج الحق : 428.
6 ـ التهذيب 2 : 83 / 305 ، الاستبصار 1 : 328 / 1231 ، الوسائل 6 : 346 أبواب السجود ب 5 ح 2.


(229)
مع ذلك فالوجوب أحوط وأولى.
    ( والدعاء ) عند القيام من السجود إلى الركعة الْأُخرى بقوله : اللّهم ربي بحولك وقوّتك أقوم وأقعد ، وإن شاء قال : وأركع وأسجد ، كما في الصحيحين (1) ، وفي آخرين : « بحول اللّه أقوم وأقعد » كما في أحدهما (2) والحسن (3) ، وفي الثاني : « بحولك وقوّتك أقوم وأقعد » (4). وفي الصحيح : « إذا جلست في الركعتين الْأُوليين فتشهّدت ثمَّ قمت فقل : بحول اللّه وقوّته أقوم وأقعد » (5).
    ( ثمَّ يقوم معتمداً على يديه سابقاً برفع ركبتيه ) للنصوص (6) ، وفيها الصحيح وغيره ، وفي المنتهى وعن التذكرة إجماعنا عليه (7) ، كما هو ظاهر المدارك وغيره (8).
    ( ويكره الإقعاء بين السجدتين ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وفي الخلاف الإجماع عليه (9) ؛ للنهي عنه في المعتبر ، ففي الصحيح :
1 ـ الأول : التهذيب 2 : 86 / 320 ، الوسائل 6 : 361 أبواب السجود ب 13 ح 1.
    الثاني : مستطرفات السرائر : 96 / 14 ، الوسائل 6 : 362 أبواب السجود ب 13 ح 6.
2 ـ التهذيب 2 : 87 / 321 ، الوسائل 6 : 361 أبواب السجود ب 13 ح 2.
3 ـ الكافي 3 : 338 / 11 ، التهذيب 2 : 89 / 328 ، الوسائل 6 : 361 أبواب السجود ب 13 ح.
4 ـ التهذيب 2 : 88 / 327 ، الاستبصار 1 : 338 / 1268 ، الوسائل 6 : 361 أبواب السجود ب 13 ح 4.
5 ـ الكافي 3 : 10 / 338 ، التهذيب 2 : 88 / 326 ، الوسائل 6 : 361 أبوابن السجود ب 13 ح 3.
6 ـ النهذيب 2 : 78 / 291 ، الاستبصار 1 : 325 / 1215 ، الوسائل 6 : 337 أبواب السجود ب 1 ح 1 وأيضاً : كتاب زيد النرسي : 52 ، المستدرك 4 : 445 أبواب السجود ب 1 ح 2.
7 ـ المنتهى 1 : 291 ، التذكرة 1 : 122.
8 ـ المدارك 3 : 415 ؛ وانظر المعتبر 2 : 216 ، وجامع المقاصد 2 : 308.
9 ـ الخلاف 1 : 361.


(230)
« لا تُقعِ بين السجدتين كإقعاء الكلب » (1). وقريب منه الموثق (2).
    خلافاًًًً للمرتضى وغيره (3) ، فلا يكره ، لنفي البأس عنه في الصحيحين (4) ، وحمل على نفي التحريم جمعاً ، ومسامحة في أدلّة الكراهة والسنن.
    وهو عند الفقهاء : أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبه ، وبه صرّح جمع (5) ، مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، لكن في بعض النصوص المانعة التقييد بإقعاء الكلب ، كما عرفته.
    نعم في الصحيح وغيره : « لا تلثم ، ولا تحتفز ـ إلى أن قال ـ : ولا تُقعِ على قدميك ، ولا تفترش ذراعيك » (6).
    وفي آخر : « إيّاك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ، ولا تكون قاعداً على الأرض فيكون قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد » (7).
    وهذه النصوص ظاهرة في كراهة الإقعاء بالمعنى الذي ذكروه ، وإطلاقها يشمل حال الجلوس مطلقاً من غير اختصاص بما بين السجدتين ، كما في‏
1 ـ التهذيب 2 : 83 / 306 ، الاستبصار 1 : 328 / 1227 ، الوسائل 6 : 348 أبواب السجود ب 6 ح 2.
2 ـ التهذيب 2 : 301 / 1213 ، الاستبصار 1 : 327 / 1225 ، الوسائل 6 : 348 أبواب السجود ب 6 ح 1.
3 ـ حكاه عن المرتضى في المعتبر 2 : 218 ، والمنتهى 1 : 290 ، وكما في المبسوط 1 : 113.
4 ـ الأول : التهذيب 2 : 301 / 1212 ، الاستبصار 1 : 327 / 1226 ، الوسائل 6 : 348 أبواب السجود ب 6 ح 3.
    الثاني : مستطرفات السرائر : 73 / 9 ، الوسائل 6 : 349 أبواب السجود ب 6 ح 7.
5 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 218 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 291 ، والبهبهاني في حاشية المدارك ( المدارك ) : 174.
6 ـ الكافي 3 : 336 / 9 ، التهذيب 2 : 84 / 309 ، الوسائل 6 : 342 أبواب السجود ب 3 ح 4.
7 ـ الكافي 3 : 334 / 1 ، التهذيب 2 : 83 / 308 ، الوسائل 5 : 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.


(231)
العبارة وكثير من عبائر الجماعة (1) ، وبالإطلاق أيضاً صرّح جماعة ، ومنهم الشيخ في الخلاف « 2 » ، مع دعواه الإجماع.
1 ـ منهم العلّامة في الإرشاد 1 : 255 ، والشهيد في الدروس 1 : 181.
2 ـ الخلاف 1 : 360.


(232)
    ( السابع : التشهد )
    ( وهو واجب ) بإجماعنا ، بل الضرورة من مذهبنا وأخبارنا ( في كل ) صلاة ( ثنائية مرة ) بعدها ( وفي ) الصلاة ( الثلاثية والرباعية مرّتين ) مرّة آخرهما واخرى بعد ثانيتهما.
    وأما الخبر : « إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد اللّه تعالى أجزأه » (1) فمحمول إما على التقية ، كما ذكره شيخ الطائفة (2) ، أو على أن المراد بيان ما يستحب فيه ، أي أدنى ما يستحب فيه ذلك ، ففي الحسن : « التشهّد في الركعتين الْأُوليين الحمد للّه ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ، وتقبل شفاعته وارفع درجته » (3).
    وفي الخبر : عن التشهد ، فقال : « لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا ، إنما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت اللّه تعالى أجزأ عنك » (4). فتدبّر.
    ( وكل تشهّد يشتمل على ) واجبات ( خمسة : الجلوس بقدره ) الواجب ، للتأسّي والأمر به في خصوص الصلاة ، مضافاً إلى الإجماع ، ففي‏
1 ـ التهذيب 2 : 101 / 376 ، الاستبصار 1 : 341 / 1286 ، الوسائل 6 : 399 أبواب التشهد ب 5 ح 2.
2 ـ كما في التهذيب 2 : 320 ، والاستبصار 1 : 344.
3 ـ التهذيب 2 : 92 / 344 ، الوسائل 6 : 393 أبواب التشهد ب 3 ح 1.
4 ـ الكافي 3 : 337 / 1 ، التهذيب 2 : 101 / 378 ، الاستبصار 1 : 342 / 1288 ، الوسائل 6 : 399 أبواب التشهد ب 5 ح 3.


(233)
المنتهى : أنه قول كل من أوجب التشهد (1) ، وفي جملة من النصوص إيماء إليه أيضاً ، مع الأمر به في بعضها (2).
    ( والطمأنينة ) (3).
    ( والشهادتان ) مطلقاً ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وفي الخلاف وغيره ، وعن الغنية والتذكرة والذكرى الإجماع عليه (4).
    للمعتبرة المستفيضة ، منها : عن أدنى ما يجزي من التشهد ، قال : « الشهادتان » (5). ونحوه الرضوي (6).
    خلافاًًًً للمحكي عن المقنع ، فأدنى ما يجزي في التشهد الشهادتان ، أو قول : بسم اللّه وباللّه (7).
    وعن صاحب الفاخر (8) ، فيجزي شهادة واحدة في التشهد
1 ـ المنتهى 1 : 294.
2 ـ الوسائل 6 : 391 أبواب التشهد ب 1 ، وص 405 ب 9 من تلك الأبواب.
3 ـ اضفناها من المختصر المطبوع.
4 ـ الخلاف 1 : 372 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 558 ، التذكرة 1 : 125 ، الذكرى : 204 ، وانظر جامع المقاصد 2 : 319 ، ومجمع الفائدة 2 : 274.
5 ـ الكافي 3 : 337 / 3 ، التهذيب 2 : 101 / 375 ، الاستبصار 1 : 341 / 1285 ، الوسائل 6 : 398 أبواب التشهد ب 4 ح 6.
6 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 111 ، المستدرك 5 : 10 أبواب التشهد ب 3 ح 1.
7 ـ انظر المقنع : 29 ، وحكاه عنه في الذكرى : 204.
8 ـ هو محمد بن أحمد بن ابراهيم بن سليمان ( سليم ) أبو الفضل الجعفي الكوفي المعروف بالصابوني ، كان زيديا ثم استبصر وعاد إلى القول بالإمامة ، وكان من أفاضل قدماء أصحابنا وأعلام فقهائنا من أصحاب كتب الفتوى ، ومن كبار الطبقة السابعة ممن أدرك الغيبتين ، الصغرى والكبرى ، وكان عارفاً بالسير والاخبار والنجوم. وعده الشيخ في رجاله من اصحاب الهادي ( عليه السلام ) ، يروي عنه أبو القاسم جعفر بن محمد بن موسى بن قولويه بلا واسطة والشيخ والنجاشي بواسطتين ، وله كتب كثيرة ، منها : كتاب : الفاخر في الفقه ، وهو كتاب كبير يشتمل على الاصول والفروع و الخطب وغيرها ، وكتاب تفسير معاني الفران ، وكتاب التوحيد


(234)
الأول (1).
    وهما ـ مع شذوذهما وضعفهما بما قدمناه ـ لم أعرف مستندهما ، نعم في الصحيح : ما يجزي من التشهد في الركعتين الْأُوليين ؟ قال : « أن تقول : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له » قال : قلت : فما يجزي من التشهد في الركعتين الأخيرتين ؟ قال : « الشهادتان » (2).
    وفي الخبر : « إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنه قال : بسم اللّه فقط فقد جازت صلاته وإن لم يذكر شيئاً من التشهّد أعاد الصلاة » (3).
    وفي آخر مروي عن قرب الإسناد : عن رجل ترك التشهّد حتى سلّم ، قال : « إن ذكر قبل أن يسلّم فليتشهّد وعليه سجدتا السهو ، وإن ذكر أنه قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أو بسم اللّه ، أجزأه في صلاته ، وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير حتى يسلّم أعاد الصلاة » (4).
    وهذه النصوص ـ مع قصور الأخيرين منها سنداً ، وعدم انطباقهما كما هو على شي‏ء من القولين كما ترى ـ لا تقاوم شيئا مما قدّمناه ، سيّما مع تضمّن الأخيرين ما يخالف الإجماع قطعا ، من فساد الصلاة ولزوم إعادتها بترك التشهّد
و الإيمان ، وكتاب التحبير وغيرها. راجع رجال النجاشي : 374 / 1022 ، ورجال الشيخ الطوسي 422 / 8 ، الفهرست : 192 / 877 ، معالم العلماء : 135 / 922 ، رجال بحر للعوم 3 : 199 / 205 ، الكنى والالقاب 2 : 363 ، الذريعة 16 : 92.
1 ـ نقله عنه الشهيد في الذكرى : 206.
2 ـ التهذيب 2 : 100 / 374 ، الاستبصار 1 : 341 / 1284 ، الوسائل 6 : 396 أبواب التشهد ب 4 ح 1.
3 ـ التهذيب 2 : 319 / 1303 ، الاستبصار 1 : 343 / 1293 ، الوسائل 6 : 403 أبواب التشهد ب 7 ح 7.
4 ـ قرب الإسناد : 195 / 741 ، الوسائل 6 : 404 أبواب التشهد ب 7 ح 8.


(235)
شكّاً أو نسياناً.
    ( والصلاة على النبي وآله ) عليهم السلام مطلقاً ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وفي الخلاف وعن الغنية والمعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى (1) الإجماع عليه.
    وهو الحجة ، مضافاً إلى قوله سبحانه ( صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (2) لإفادته الوجوب ، وليس في غير الصلاة إجماعاً ، كما في الناصرية والخلاف وعن المعتبر والمنتهى (3) ، فليكن واجباً فيها خاصة ، وتقييده بهذا أولى من حمله على الاستحباب مطلقاً.
    والنصوص المستفيضة ، منها ـ زيادة على ما يأتي إليه الإشارة ـ الصحيح : « إن الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه وآله من تمام الصلاة ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه وآله » (4).
    ومنها : « من صلّى ولم يصلّ على النبي صلّى اللّه عليه وآله وترك ذلك متعمّداً فلا صلاة له » (5) الخبر.
    ومنها : « إذا صلّى أحدكم ولم يذكر النبي صلّى اللّه عليه وآله في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة » (6).
1 ـ الخلاف 1 : 373 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 558 ، المعتبر 2 : 226 ، المنتهى 1 : 294 ، التذكرة 1 : 125 ، الذكرى : 204.
2 ـ الأحزاب : 56.
3 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 199 ، الخلاف 1 : 131 ، المعتبر 2 : 226 ، المنتهى 1 : 293.
4 ـ الفقيه 2 : 119 / 515 ، الوسائل 6 : 407 أبواب التشهد ب 10 ح 1.
5 ـ التهذيب 2 : 159 / 625 ، الاستبصار 1 : 343 / 1292 ، الوسائل 6 : 407 أبواب التشهد ب 10 ح 2.
6 ـ الكافي 2 : 495 / 19 ، المحاسن : 95 / 53 ، أمالي الصدوق : 465 / 19 ، الوسائل 6 : 408 أبواب التشهد ب 10 ح 3.


(236)
    ومنها : « من صلّى ولم يصلّ فيها عليَّ وعلى آلي لم تقبل منه تلك الصلاة » (1) إلى غير ذلك من النصوص.
    قيل (2) : خلافاًًًً للصدوق ، فلم يذكر في شي‏ء من كتبه شيئاً من الصلاتين في شي‏ء من التشهدين ، كأبيه في الأوّل ؛ للأصل ، وظاهر الخبرين الماضيين بإجزاء الشهادتين (3) ، كالصحاح ، ومنها : « إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، فإن كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته فسلّم وانصرف أجزأه » (4).
    وفي الجميع نظر ؛ لضعف الأصل بما مرّ ، وقصور النصوص عن مقاومته ، بل وعن الدلالة على خلافه بعد قوة احتمال ما قيل : من أن الغرض منها بيان ما يجب من التشهّد (5) ، وإنما يصدق حقيقة على التشهّد ، مع احتمال الحمل على التقية ، وعلى كون ترك الصلاة على محمد وآله للعلم بوجوبها من الكتاب ، أو لعدم اختصاص وجوبها بالتشهّد بل بوقت ذكره عليه السلام على القول به ، وهذه الاحتمالات محتملة في كلام الصدوقين أيضاً ، فلا خلاف كما يشعر به الإجتماعات المحكية ، وما يحكى عن الصدوق في أماليه أنه قال : من دين الإمامية الإقرار بأنه يجزي في التشهد الشهادتان والصلاة على النبي صلّى اللّه عليه وآله (6).
    ثمَّ إن مقتضى الأصل وإطلاق الأدلّة الموجبة للصلاة على النبي صلّى اللّه عليه وآله ما عدا الإجتماعات المنقولة إنما هو وجوبها في الصلاة مطلقاً ولو
1 ـ مشابه القرآن 2 : 170 ، المستدرك 5 : 15 أبواب التشهد ب 7 ح 4.
2 ـ كشف اللثام 1 : 231.
3 ـ راجع ص : 233.
4 ـ التهذيب 2 : 317 / 1298 ، الوسائل 6 : 397 أبواب التشهد ب 4 ح 2.
5 ـ انظر الحدائق 8 : 448.
6 ـ أمالي الصدوق : 512.


(237)
مرّة ، كما عن الإسكافي (1) ، إلّا أن الإجتماعات عيّنتها في التشهدين ، وبها يقيّد الإطلاق ، مضافاً إلى انصرافه إلى المعهود من النبي صلّى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام والمسلمين في الأعصار والأمصار.
    وفي الصحيح الوارد في بدء الأذان والصلاة : أنه صلّى اللّه عليه وآله بعد ما جلس للتشهّد أوحى اللّه تعالى إليه : « يا محمد ، صلّ على نفسك وعلى أهل بيتك ، فقال : صلّى اللّه عليَّ وعلى أهل بيتي » (2) ويوافقه الحسن المتقدم في أوّل البحث (3).
    ( وأقله ) أي التشهد المجزي ( أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، ثمَّ يأتي بالصلاة على النبي وآله ) فيقول : اللّهم صلّ على محمّد وآل محمد.
    ولا خلاف في إجزاء هذا المقدار ، بل عليه الإجماع في الروضة والمدارك (4) ، وإنما اختلفوا في وجوب ما زاد عن الشهادتين من قوله : وحده لا شريك له ، وعبده. فقيل : نعم ، كما هو ظاهر المتن وجماعة (5) ؛ لوروده في جملة من المعتبرة ، منها ـ زيادة على ما مرّ من الصحيح وغيره (6) ـ المروي في الخصال : « إذا قال العبد في التشهد الأخير وهو جالس : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب‏
1 ـ حكاه عنه في الذكرى : 204.
2 ـ الكافي 3 : 482 / 1 ، علل الشرائع : 312 / 1 ، الوسائل 5 : 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.
3 ـ راجع ص : 232.
4 ـ الروضة 1 : 276 ، المدارك 3 : 426.
5 ـ منهم الشهيد في الدروس 1 : 182 ، والاردبيلي في محمع الفائدة 2 : 272.
6 ـ في ص : 232.


(238)
فيها ، وأن اللّه يبعث من في القبور ، ثمَّ أحدث حدثاً فقد مضت صلاته » (1).
    خلافاًًًً للأكثر على الظاهر ، المصرّح به في كلام جمع (2) ، فلا يجب ، بل يجزي الشهادتان مطلقاً ، لإطلاق جملة من النصوص ، ومنها : الرضوي المتقدم وسابقة (3).
    ويضعف بوجوب حمل المطلق على المقيّد.
    وهو حسن لولا اشتمال جملة من المقيّدات على ما لم يجب إجماعاً ، واخرى على ترك ما يجب كذلك ، وهو الصلاة على النبي وآله ، كما مضى ، مع قصور سند بعضها.
    وأما معه فيشكل ، سيّما بعد اشتهار الإطلاق بين الأصحاب ، حتى أن الشهيد ـ رحمه اللّه ـ في الذكرى عزاه إليهم بصيغة الجمع المفيد للاستغراق ، فقال : وظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقاً ، فعلى هذا لا يضرّ ترك : وحده لا شريك له ، ولا لفظة : عبده ، وفي رواية أبي بصير : « وأنّ محمداً » بغير لفظة : أشهد (4).
    وهو كما ترى مشعر بالإجماع عليه ، ولكنه في اللمعة والدروس (5) عبّر بما في المتن ، ولا ريب أنه أحوط ، وإن كان القول بتعيّنه لعلّه لا يخلو عن نظر ، لما مر ، مضافاً إلى أن جملة ممّا دلّ على إجزاء الشهادتين الصادقتين على ما عليه الأكثر أوضح دلالة على عدم وجوب الزائد عليهما من دلالة المقيّدات على وجوبه وأظهر ، من حيث التصريح فيها بأنهما أدنى ما يجزي ، بخلافها ، فإنّ‏
1 ـ الخصال : 629 ( ضمن حديث الأربعمائة ) ، الوسائل 6 : 412 أبواب التشهد ب 13 ح 5.
    وفيهما : « تمت صلاته ».
2 ـ انظر جامع المقاصد 2 : 318 ، وروض الجنان : 278.
3 ـ راجع ص : 233.
4 ـ الذكرى : 204.
5 ـ اللمعة ( الروضة البهيّة ) 1 : 276 ، الدروس 1 : 182.


(239)
غايتها الدلالة على الاُمر به ورجحانه ، وهو ظاهر في الوجوب ، وأدنى ما يجزي صريح في العدم ، سيّما مع ضمّ بعض النصوص المعبّر عن الشهادتين بلفظهما من دون ذكر للزيادتين أصلاً (1) ، فلا يمكن صرف الشهادتين إلى ما يشملهما والزيادتين ، وقصور السند أو ضعفه منجبر بالأصل ، والشهرة بين الأصحاب.
    ( وسننه : أن يجلس متوركاً ) كما في الصحيح : « فإذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرّج بينهما شيئاً ، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وأليتاك على الأرض وطرف إبهامك اليمنى على الأرض ، وإيّاك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ، ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد والدعاء » (2).
    ويستفاد منه تفسيره بما قدمناه ( و ) هو أن ( يُخرج رجليه ) من تحته ( ثمَّ يجعل ظاهر اليسرى إلى الأرض ، وظاهر اليمنى إلى باطن اليسرى ) وزيادة ما ذكره المرتضى (3).
    وأن يخطر بباله حال التورك فيه حين يرفع اليمنى ويخفض اليسرى : اللهم أمت الباطل وأقم الحق ، كما في النص (4).
    ( والدعاء بعد الواجب ) من التشهد وقبله بما مرّ في بعض النصوص وغيره (5) ، وأفضله ما تضمنه الموثق الطويل من الأذكار (6).
1 ـ الوسائل 7 : 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.
2 ـ الكافي 3 : 334 / 1 ، التهذيب 2 : 83 / 308 ، الوسائل 5 : 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
3 ـ راجع ص 227.
4 ـ الفقيه 1 : 210 / 945 ، علل الشرائع : 336 / 4 ، الوسائل 6 : 392 أبواب التشهد ب 1 ح 4.
5 ـ راجع ص : 232 ، 237.
6 ـ التهذيب 2 : 99 / 373 ، الوسائل 6 : 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.


(240)
    ( و ) أن يسمع ( الإمام من خلفه ) الشهادتين ، كما مرّ في بحث القراءة (1).
1 ـ راجع ص : 179.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس