رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 241 ـ 255
(241)
    ( الثامن : التسليم‏ )
    ( وهو واجب في أصحّ القولين ) وأشهرهما ، وعن الأمالي أنه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (1). وفي الناصرية الإجماع عليه من كل من جعل التكبير جزءاً من الصلاة (2). وأوجبه للتأسّي ، والاحتياط ، واستصحاب تحريم ما يحرم فعله في الصلاة ، وجَعْلِه في النصوص المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر تحليل الصلاة بما يفيد الحصر في كثير منها ، وهو لا يجامع القول بالاستحباب ، لحصول التحليل عليه بمجرّد الفراغ من التشهّد ، فلا معنى لحصوله بالتسليم بعد ذلك.
    وقصور أسانيد هذه الأخبار أو ضعفها غير موهن للتمسك بها بعد بلوغها من الكثرة إلى قرب التواتر ، مع اشتهارها بين العلماء بحيث سلّمها لذلك جماعة من القائلين بالاستحباب أيضاً ، هذا.
    مضافاً إلى الأمر به في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، التي كادت تبلغ التواتر ، بل لعلّها متواترة ، مروية جملة منها في بحث الشكوك في عدد الركعات ، كالصحيح : « إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم واسجد سجدتين » (3) الحديث.
    وما يقال عليها ـ من ضعف دلالة الأمر فيها على الوجوب من حيث وهن دلالته في عرف الأئمة عليهم السلام عليه ـ فضعيف في الغاية ، كما بيّن في‏
1 ـ أمالي الصدوق : 512.
2 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 196.
3 ـ الفقية 1 : 230 / 1019 ، التهذيب 2 : 196 / 772 ، الاستبصار 1 : 380 / 1441 ، الوسائل 8 : 224 أبواب الخلل والواقع في الصلاة ب 14 ح 4.


(242)
الْأُصول.
    والاعتذار للضعف ـ بوجود ما هو صريح في الاستحباب فيحمل الأمر عليه جمعاً ، فإن النص حيثما تعارض مع الظاهر مقدم ـ حسن لو سلّم النص ، وإلّا كما سيأتي فالوجوب معيّن ، سيّما مع اعتضاده بما مر ، ونصوص أُخر ، كالموثق فيمن رعف قبل التشهّد : « فليخرج فليغسل أنفه ثمَّ ليرجع فليتمّ صلاته ، فإن آخر الصلاة التسليم » (1) والموثق حجة ، والدلالة ظاهرة ، فإن المتبادر من قوله : « آخر الصلاة التسليم » كونه الجزء الأخير الواجبي لا الندبي ، كما يقتضيه أيضاً تعليل الأمر بالرجوع الذي هو للوجوب به ، ومتروكية ظاهر آخره غير ضارّة ، فإن الرواية على هذا كالعام المخصص في الباقي حجة. مع احتماله الحمل على ما لا يوجب المتروكية.
    وقريب منه في الدلالة على كونه آخر الصلاة جملة من المعتبرة الآتية (2) ، وفيها الصحيح وغيره ، أنّ به يحصل الانصراف من الصلاة ، وهو ظاهر في عدم حصوله بالتشهّد ، كما يدّعيه القائل بالاستحباب.
    وروى الصدوق في العلل عن المفضل بن عمر ، انه سأله عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة ، فقال : « لأنه تحليل الصلاة » (3) وهو نصّ في الوجوب ، فتأمّل.
    قيل : ولأنّ التسليم واجب بنصّ الآية الكريمة (4) ، ولا شي‏ء منه بواجب في غير الصلاة ، وأنه لو لم يجب لم تبطل صلاة المسافر بالإتمام.
1 ـ التهذيب 2 : 320 / 1307 ، الاستبصار 1 : 345 / 1302 ، الوسائل 6 : 416 أبواب التسليم ب 1 ح 4.
2 ـ الوسائل 6 : 1003 أبواب التسليم ب 1.
3 ـ علل الشرائع : 359 / 1 ، الوسائل 6 : 417 أبواب التسليم ب 1 ح 11.
4 ـ الاحزاب : 56.


(243)
    ويضعف الأول : بأنه يحتمل كون المراد التسليم لأمره والإطاعة له ، والثاني : باحتمال استناد البطلان إلى نية التمام (1).
    والقول الثاني بالاستحباب للشيخين (2) وجماعة من الأصحاب (3) للأصل. ويندفع بما مرّ.
    وللصحاح المستفيضة ، منها : « إذا استويت جالساً فقل : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ثمَّ تنصرف » (4).
    ومنها : « إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، وإن كان مستعجلاً في أمر يخاف فوته فسلّم وانصرف أجزأه » (5) والمراد الإجزاء في حصول الفضيلة ، كما يقتضيه صدر الرواية.
    ومنها : عن المأموم يطوّل الامام فتعرض له الحاجة ، قال : « يتشهّد وينصرف ويدع الامام » (6).
    ومنها : « إذا فرغت من طوافك فأتِ مقام إبراهيم عليه السلام فصلِّ ركعتين واجعله أمامك ، فاقرأ فيهما في الْاُولى منهما : قل هو اللّه أحد ، وفي الثانية : قل يا أيّها الكافرون ، ثمَّ تشهّد واحمد اللّه وأثن عليه ، وصلّ على‏
1 ـ قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 232.
2 ـ المفيد في المقنعة : 139 ، الطوسي في النهاية : 89 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 183.
3 ـ منهم القاضي في المهذّب 1 : 99 ، وابن إدريس في السرائر 1 : 231 ، والعلّامة في نهاية الإِحكام 1 : 540 ، والإرشاد 1 : 256 ، وصاحب المدارك 3 : 430.
4 ـ التهذيب 2 : 101 / 379 ، الاستبصار 1 : 342 / 1289 ، الوسائل 6 : 397 أبواب التشهد ب 4 ح 4.
5 ـ التهذيب 2 : 317 / 1298 ، الوسائل 6 : 397 أبواب التشهد ب 4 ح 2.
6 ـ الفقيه 1 : 261 / 1191 ، التهذيب 2 : 349 / 1446 ، الوسائل 8 : 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2 ؛ بتفاوت يسير.


(244)
النبي ، واسأله أن يتقبّله منك » (1) فإنّ ظاهره عدم الوجوب في ركعتي الطواف ، ولا قائل بالفصل.
    ويرد على الصحاح الأوّلة : أنها كما تدلّ على عدم وجوب التسليم كذا تدلّ على عدم وجوب الصلاة على النبي وآله ، ولا قائل به منا. هذا على تقدير تسليم الدلالة ، وإلّا فإنّ غايتها الدلالة على حصول الانصراف من الصلاة بالفراغ من الشهادتين ، وهو لا يستلزم عدم وجوب التسليم مطلقاً ، بل عدم وجوبه في الصلاة ، وهو لا ينافي وجوبه خارجاً من الصلاة كما هو رأي بعض الأصحاب (2) ، وإن كان الأشهر الأظهر بل المجمع عليه ـ كما ذكره جماعة (3) ـ خلافه.
    هذا ، مع أن الذي يقتضيه جملة من النصوص (4) ، وفيها الصحيح وغيره ، أن المراد بالانصراف هو التسليم. ويشهد له الأمر به في جملة من هذه الصحاح ؛ إذ أقلّه الطلب ، وهو يستدعي عدم حصول المطلوب بعد الفراغ من الشهادتين ، ولا يكون ذلك إلّا على تقدير كون المراد بالانصراف ما ذكرناه ، لا المعنى اللغوي ، لحصوله بمجرد الفراغ من الشهادتين على القول باستحباب التسليم ، فلا معنى لطلبه ، فتأمّل.
1 ـ الكافي 4 : 423 / 1 ، التهذيب 5 : 286 / 973 ، الوسائل 13 : 300 أبواب الطواف ب 3 ح 1.
2 ـ كالبهائي في الحبل المتين : 254 ، والكاشاني في المفاتيح 1 : 152 ، وصاحب الحدائق 8 : 483 وحكاه عن الحرّ العاملي أيضاً.
3 ـ كالمرتضى والفاضل والسيّد السند في المدارك. منه رحمه الله. المرتضى في الناصريّات ( الجوامع الفقهية ) : 196 ، والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 213 ، وهما ادعيا الإجماع المرّكب فالأول اجماع كلّ من جعل التكبير جزاءاً من الصلاة ، والثاني اجماع كل من جعل التسليم واجباً وأما صاحب المدارك فهو ادَعى الإجماع على الملازمة بين وجوب التسليم وبطلان الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين التشّهد ( المدارك 3 : 431 ).
4 ـ انظر الوسائل 6 : 426 أبواب التسليم ب 4.


(245)
    ويشهد له أيضاً لفظ الإجزاء في الصحيحة الثانية. وصرفه عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الفضيلة بقرينة صدر الرواية ليس بأولى من صرف الصدر عن ظاهره إلى ظاهر الإجزاء ، بحمل الشهادتين فيه على ما يشمل السلام ، فإنّ إطلاق التشهّد على ما يشمله شائع ووارد في الأخبار ، مع أنه لا بدّ منه بالإضافة إلى الصلاة على النبي وآله ، وعلى هذا فهذه الروايات بالدلالة على الوجوب أولى.
    هذا ، مع أنّ الصحيحة الثالثة نسخها مختلفة ، ففي موضع من التهذيب كما ذكر ، وفي آخر منه وفي الفقيه بدل يتشهّد يسلّم (1) ، ويعضد هذه النسخة ـ مضافاً إلى التعدد وأضبطيّة الفقيه ـ الموافقة لصحيحين آخرين مرويين فيهما :
    عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد قال : « يسلّم ويمضي لحاجته إن أحبّ » (2) هذا ، مع أوفقيتها بالسؤال في صدر الصحيحة فتدبّر تجده.
    وعلى الصحيحة الرابعة أنّ الذي يقتضيه التدبّر فيها أنّ المقام فيها ليس مقام ذكر واجبات الصلاة ، ولذا لم يذكر منها سوى قليل منها ، بل المقام فيها مقام بيان بعض ما يستحب فيها ، ولذا ذكر فيه الجحد والتوحيد ، مع أنّ عدم ذكر التسليم فيها كما ينفي وجوبه كذا ينفي استحبابه ، والخصم لا يقول به.
    ولئن تنزّلنا عن جميع ذلك نقول : إنها معارضة بالنصوص المستفيضة القريبة من التواتر بل المتواترة ، الآمرة بالتسليم (3) ، وهي بالنسبة إليها أوضح دلالة ، وإن ضعف دلالتها في نفسها من حيث استعمال الأمر في الندب كثيراً ،
1 ـ انظر التهذيب 3 : 283 / 842 ، الفقيه 1 : 261 / 1191.
2 ـ الأول الفقيه 1 : 257 / 1163 ، الوسائل 8 : 413 أبواب الصلاة الجماعة ب 64 ذيل الحديث 3.
الثاني : التهذيب 2 : 317 / 1299 ، 349 / 1445 ، الوسائل 6 : 416 أبواب التسليم ب 1 ح 6.
3 ـ الوسائل 6 : 415 أبواب التسليم ب 1.


(246)
لكن غايته دفع الصراحة النفسية لا الصراحة والظهور بالإضافة.
    هذا وقد استدل لهذا القول بوجوه أُخر هي مع الجواب عنها وتمام الكلام في المسألة في الشرح مذكورة.
    ( وصورته ) أي صورة التسليم على تقدير وجوبه أو استحبابه ( السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، أو : السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ).
    أما الْاُولى فلدلالة المعتبرة المستفيضة عليها ، منها الصحيح : « إن قلت : السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، فقد انصرفت » (1) وفي معناه البواقي (2).
    بل في الموثق : « إذا كنت إماماً فإنما التسليم أن تسلّم على النبي صلّى اللّه عليه وآله ، وتقول : السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ، ثمَّ تؤذن القوم وتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم ، وكذلك إذا كنت وحدك تقول : السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، مثل ما سلّمت وأنت إمام ، وإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت : وسلّم على من على يمينك وشمالك » (3) الحديث. ونحوه غيره (4).
    وهذه الأخبار وإن لم تصرّح بتأدّي الواجب من التسليم بها ، لأن غايتها التصريح بالخروج بها من الصلاة ، وهو أعم من ذلك ، لكنها تستلزم ذلك لأن بالخروج بها يتحقق التحليل الذي لأجله وجب التسليم ، بمقتضى الرواية
1 ـ الكافي 3 : 337 / 6 ، التهذيب 2 : 316 / 1293 ، الوسائل 6 : 426 أبواب التسليم ب 4 ح 1.
2 ـ انظر الوسائل 6 : 426 ، 427 أبواب التسليم ب 4 ح 2 ، 5.
3 ـ التهذيب 2 : 93 / 349 ، الاستبصار 1 : 347 / 1307 ، الوسائل 6 : 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.
4 ـ لم نعثر على اخر نحو المتن المذكور ، ولعلّ منشأه ما وقع من صاحب الحدائق ، فذكر مرة موثقة أبي بصير واُخري روايته ومتنهما واحد. راجع الحدائق 8 : 487 و 488.


(247)
المشهورة (1) ، وما في معناها من الأخبار المستفيضة ، ولا سيّما ما تضمن منها لتعليل وجوبه به ، كالمروي في العلل عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة قال : « لأنه تحليل الصلاة » إلى أن قال : فلم صار تحليل الصلاة التسليم ؟ قال : « لأنه تحية الملكين » (2).
    وأما ما يقال : من عدم حصول التحليل بها وأن غايتها الخروج من الصلاة ، وهو أعمّ من ذلك.
    فكلام شعري لا يلتفت إليه ، ويردّه صريحاً المروي في الخصال : عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « لا يقال في التشهّد الأوّل : السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، لأن تحليل الصلاة هو التسليم ، فإذا قلت هذا فقد سلّمت » (3).
    وصرف التحليل فيه عن معناه المعروف إلى أنه عبارة عن انقطاع الصلاة والخروج منها ، لا وجه له.
    ومن هذه الأخبار يستفاد عموم التسليم في الرواية المشهورة لمثل هذه الصيغة بل ظاهر الموثقة ونحوها انحصاره فيها ، إلّا أنه لما انعقد الإجماع على إجزاء الصيغة الثانية وتحقّق الخروج بها ، كما حكاه جماعة (4) ، لزم رفع اليد عن الحصر فيهما بتأويله إلى ما يجامعه ، مع قوة احتمال عدم الاعتبار بمفهومه ولا ما في معناه ، لورودهما مورد الغالب المعروف المعهود الشرعي من وقوع السلام علينا .. إلى آخره بعد الشهادتين ، كما هو المعمول عليه الآن.
    وبعموم الرواية المشهورة في نفسها استدل الماتن ـ فيما حكي عنه (5) ـ
1 ـ انظر الوسائل 6 : 415 أبواب التسليم ب 1 ح 1 ، 8 ، 12. ومضمونها : تحليل الصلاة التسليم.
2 ـ علل الشرائع : 359 / 1 ، الوسائل 6 : 417 أبواب التسليم ب 1 ح 11.
3 ـ الخصال : 603 / 9 ، الوسائل 7 : 286 أبواب قواطع الصلاة ب 29 ح 2.
4 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 235 ، والعلّامة في النهاية 1 : 504 ، والشهيد في الذكرى : 208.
5 ـ حكاه عنه في المدارك 3 : 436 ، وهو في المعتبر 2 : 234.


(248)
على التخيير بين الصيغتين ، لصدق التسليم بكل منهما. وهو حسن.
    وما قيل في تضعيفه : من أن التعريف للعهد ، والمعروف منه بين العامة والخاصة : السلام عليكم ، كما يعلم تتبّع الأحاديث ، حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبة والسلام علينا ثمَّ يقال : وسلّم (1).
    فحسن لو لا تلك الأخبار المستفيضة المصرّحة بحصول الانصراف والتحليل الواجب بالسلام علينا ، فكما يعلم من الأخبار التي ذكرها معهوديّة الصيغة الثانية فكذا يعلم من المستفيضة عموم التسليم الواجب للْأُولى أيضاً ، فإنّ بها يتأدّى التحليل الواجب في الصلاة الذي لأجله وجب التسليم.
    وبما ذكرناه ظهر ضعف القول بتعين الثانية للخروج وأنها هي الواجبة ، كما عن الأكثر (2) ، بل في الدروس أنه عليه الموجبون (3) ، وفي البيان : لم يوجب الْاُولى أحد من القدماء ، وإن القائل بوجوب التسليم يجعلها مستحبة كالتسليم على الأنبياء والملائكة ، غير مخرجة من الصلاة ، والقائل بندب التسليم يجعلها مخرجة (4).
    وفيه نظر ، بل ظاهر المحكي عن الشيخ في التهذيب حصول الخروج بالْاُولى وأنه متفق عليه بيننا (5). مع أنه قد قال بذلك مخيّراً بينها وبين الثانية ـ كما في كتب الماتن والمنتهى والإرشاد والقواعد وروض الجنان والروضة (6) ،
1 ـ قال به صاحب المدارك 3 : 436.
2 ـ حكاه عنهم في البحار 82 : 300.
3 ـ الدروس : 1 : 183.
4 ـ البيان : 177.
5 ـ حكاه عنه في الذكرى : 206 ، وهو في التهذيب 2 : 129.
6 ـ اُنظر المعتبر 2 : 235 ، والشرائع 1 : 89 ، والمنتهى 1 : 296 ، الإرشاد 1 : 256 ، القواعد 1 : 35 روض الجنان : 281 ، الروضة 1 : 279.


(249)
وفي المهذّب والنكت دعوى الشهرة عليه (1) ـ في الدروس والرسالة الألفية واللمعة الدمشقية (2) التي هي آخر مصنفاته ، وقوّاه في الذكرى أيضاً ، وإن قال : إنه لا قائل به من القدماء ، وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا (3).
    وقال بتعين الْاُولى للخروج ووجوبها يحيى بن سعيد في الجامع (4).
    لكنه ضعيف ؛ لما عرفت من الإجتماعات على الخروج بالثانية ، وتأدّي الواجب بها ، وفي الذكرى : أنه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله (5).
    أقول : ولولاه لأمكن القول بما قاله ؛ لظواهر ما مرّ من المستفيضة ، لكن معه لا يمكن القول به ، كما لا يمكن القول بتعيّن الاُولى للخروج ووجوب الثانية ، كما عليه جماعة (6) ؛ لما عرفت من أن بعد الخروج بها يتأدّى التحليل الذي لأجله وجب التسليم.
    وأما الأخبار الآمرة بالثانية بعد الاُاولى فمحمولة على الاستحباب جدّاً ؛ لعدم قائل بوجوبهما معاً ، لذا قال الماتن :
    ( وبأيّهما بدأ كان الثاني مستحباً ) وهو حسن ، إلّا أن ظاهره استحباب الْاُولى لو أتى بالثانية قبلها ، ولم يستفد هذا من الأدلة التي ذكرناها ، ومع ذلك مخالف للترتيب المعروف شرعاً ، ولذا أنكره الشهيد ـ رحمه اللّه ـ فقال : إنه‏
1 ـ المهذّب البارع 1 : 388.
2 ـ الدروس 1 : 183 ، الألفيه : 60 ، اللمعة ( الروضة البهية 1 ) : 277.
3 ـ الذكرى : 208.
4 ـ الجامع للشرائع : 84.
5 ـ الذكرى : 208.
6 ـ لم نعثر على من قال بتعين الْاُولى للخروج مع وجوب الثانية بعدها إلاّ ما يظهر من كلام صاحب البشرى المحكي في الذكرى : 208 ، فقال : لا مانع ان يكون الخروج بالسلام علينا ... وان كان يجب السلام عليكم ... بعده. انتهى. نعم ، قال جماعة ـ منهم صاحب المدارك 3 : 436 ، وصاحب المفاتيح 1 : 152 ـ بالخروج بإحدى الصيغتين مع وجوب الثانية.


(250)
قول مستحدث في زمان المحقق ومن قبله بزمان يسير (1) ، هذا.
    والأحوط الجمع بينهما مع تأخير الثانية عن الاُولى ؛ لجوازه ، بل استحبابه اتفاقاً ، كما حكاه بعض أصحابنا (2).
    وأحوط منه عدم ترك التسليم على النبي صلّى اللّه عليه وآله ؛ لمصير صاحب الفاخر إلى وجوبه (3) ، ومال إليه الفاضل المقداد في كنز العرفان (4) ، ويعضده الآية (5) ، والموثقة السابقة وما بعدها (6) المتضمنان للحصر السابق ، وإن كان في الاستدلال بهما على ذلك نظر ، لاحتمال التسليم في الأول الانقياد وغيره مما لا يتم معه الاستدلال ، ومنافاة الحصر في الثاني للإجماع ، كما مر.
    مضافاً إلى دعوى الفاضل الإجماع على استحباب هذا التسليم (7) ، وجعل الشهيد القول بوجوبه غير معدود من المذهب (8) ، مشعراً بل مؤذناً بمخالفته الإجماع بل الضرورة.
    واعلم أنه قد اختلف الأصحاب في التعبير عن الصيغة الثانية ، فبين من عبّر عنها بما في العبارة ، كابن زهرة (9) ، وبين من جعلها هو : السلام عليكم ، خاصة كالصدوق والعماني والإسكافي وغيرهم (10) ، وبين من زاد عليه : ورحمة
1 ـ كما في الذكرى : 207.
2 ـ كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 233.
3 ـ حكاه عنه في الذكرى : 206.
4 ـ كنز العرفان : 142.
5 ـ الاحزاب : 56.
6 ـ المتقدمة في ص : 246.
7 ـ حكاه عنه في كنز العرفان : 142.
8 ـ الذكرى : 206.
9 ـ حكاه عنه في البحار 82 : 301.
10 ـ الصدوق في المقنع : 29 ، وحكاه عن العماني والإسكافي في الذكرى : 206.


(251)
اللّه ، دون وبركاته ، كالحلبي (1).
    ولعل منشأ الاختلاف اختلاف النصوص في التأدية ، مع اختلاف الأنظار في الجمع بينها ، فللأولين حمل ما دلّ منها على الناقص مطلقاً على أن ترك الزيادة لأجل وضوحها من الخارج عملاً ، وللمقتصرين على الناقص حمل الزيادة على الاستحباب.
    والكل محتمل ، إلّا أن الأحوط الأول ، وإن كان في تعينه نظر ، لما يظهر من المنتهى من عدم الخلاف في عدم وجوبه ، وأنه لو قال : السلام عليكم ورحمة اللّه جاز وإن لم يقل : وبركاته ، بلا خلاف (2). ولا يبعد ترجيح الوسط ؛ لرجحانه بفتوى الأكثر.
    ( والسنة فيه : أن يسلّم المنفرد تسليمة ) واحدة ( إلى القبلة ) كما في الموثق وغيره المتقدمين ، والصحيح : « وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة » (3) ( ويومئ بمُؤْخِر (4) عينيه إلى يمينه ) على المشهور ، جمعاً بين تلك النصوص والخبر المروي عن جامع البزنطي : « إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك » (5).
    خلافاًًًً للمبسوط ، فتجاه القبلة (6) ، كما هو ظاهر الأخبار الأوّلة مع قصور الرواية الأخيرة.
1 ـ الكافي في الفقه : 119.
2 ـ المنتهى 1 : 296.
3 ـ التهذيب 2 : 92 / 345 ، الاستبصار 1 : 346 / 1303 ، الوسائل 6 : 419 أبواب التسليم ب 2 ح 3.
4 ـ مُؤخِر العين ، مثال مومن الذي يلي الصُدغ. ومُقدِمها : الذي يلي الأنف. الصحاح 2 : 577.
5 ـ المعتبر 2 : 237 ، الوسائل 6 : 421 أبواب التسليم ب 2 ح 12.
6 ـ المبسوط 1 : 116.


(252)
    وللصدوق ، فيميل بأنفه إلى يمينه (1) ، لرواية العلل الآتية (2).
    وربما قيل بالتخيير (3) ، للرضوي : « ثمَّ تسلّم عن يمينك ، وإن شئت يميناً وشمالاً ، وإن شئت تجاه القبلة » (4).
    وفيه مناقشة ، بل هو ظاهر في الدلالة على أفضلية اليمين ، فيكون نحو الرواية الأخيرة ، فيكون مؤيّداً لها ، مضافاً إلى الشهرة.
    والجمع بينهما وبين الروايات الأوّلة كما يمكن بطريق المشهور كذا يمكن بطريق الصدوق ، إلّا أن الأوّل أقرب إلى مضمون الأوّلة ، والثاني أوضح ، لوضوح الشاهد عليه من الرواية ، وأوفق بما هو المتبادر من إطلاق : « عن يمينك » بل المتبادر منه ما كان الالتفات فيه بتمام الوجه. لكن عدل عنه اتفاقاً ، للرواية ، وحذراً عن الالتفات المكروه اتفاقا ، فتوى ورواية.
    ومع ذلك لعلّ الأوّل أولى ؛ للشهرة المرجحة ، وأوفقيته للأخبار المعتبرة الدالة على استقبال القبلة. وما قابلها من أخبار اليمين قاصرة الأسانيد أو ضعيفة ، فطرحها متعيّن ، إلّا أن حملها على اليمين في الجملة ولو بمُؤْخِر العين أولى جمعاً تبرعياً ، إذ يكفي في صدق الإضافة أدنى الملابسة.
    ( و ) كذلك ( الإمام ) يسلم تسليمة واحدة إلى القبلة ، لكن يومئ ( بصفحة وجهه ) إلى يمينه.
    أمّا أنه يسلّم واحدة إلى القبلة فللمعتبرة ، منها الصحيح : « إذا كنت إماماً فسلّم تسليمة واحدة مستقبل القبلة » (5) ونحوه الموثق وغيره المتقدمان (6) ، وظاهر
1 ـ كما في المقنع : 29 ، والفقيه 1 : 210.
2 ـ في ص : 255.
3 ـ الحدائق 8 : 493 و 495.
4 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 109 ، المستدرك 5 : 22 أبواب التسليم ب 2 ح 1.
5 ـ الكافي 3 : 338 / 7 ، الوسائل 6 : 419 أبواب التسليم ب 2 ح 1.
6 ـ في ص : 246.


(253)
الخبر تقريراً ، وفيه : عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة ، قال : « يقول : السلام عليكم » (1).
    وأما استحباب الإيماء إلى اليمين فللجمع بينها وبين الصحيح : « إن كنت تؤمّ قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك » (2).
    وإنما جعل بصفحة الوجه أخذاً بما هو المتبادر من اللفظ عند الإطلاق كما مر.
    وفيه نظر ؛ لجريان هذا الوجه في المنفرد أيضاً ، مع أنهم جعلوا الإيماء فيه بمُؤخِر العين مراعاةً لحال الاستقبال مهما أمكن. ويمكن أن يكون الوجه الأخبار الدالّة على أن كلاً من الإمام والمأمومين يسلّم على الآخر (3) ، وهو يستلزم الميل بصفحة الوجه لا أقل منه ، وإنما اقتصروا عليه حذراً من الالتفات المكروه.
    خلافاًًًً للمبسوط ، فكما مرّ (4) ، لما مرّ. وفيه نظر.
    وللصدوق ، فبعينه (5) ؛ لرواية العلل (6). وفيه ما مر.
    ( والمأموم ) يسلّم ب‍ ( تسليمتين ) بصفحة وجهه ( يميناً وشمالاً ) إن كان على شماله أحد ، وإلّا فعلى يمينه خاصّة مطلقاً ، على المشهور ، كما يستفاد من المعتبرة المستفيضة ، بعد ضمّ بعضها مع بعضها ، ففي الصحيح : « وإن‏
1 ـ المعتبر 2 : 236 ، الوسائل 6 : 421 أبواب التسليم ب 2 ح 11.
2 ـ التهذيب 2 : 92 / 345 ، الاستبصار 1 : 346 / 1303 ، الوسائل 6 : 419 أبواب التسليم ب 2 ح 3.
3 ـ الوسائل 6 : 419 أبواب التسليم ب 2.
4 ـ المبسوط 1 : 116.
5 ـ كما في المقنع : 29 ، والفقيه 1 : 210.
6 ـ الآتية في ص : 254.


(254)
كنت مع إمام فتسليمتين » (1).
    وإطلاقه بالإضافة إلى اليمين والشمال مقيَّد بالمصرِّح بهما ، كالصحيح : « إذا كنت في صفّ فسلّم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك ، لأنّ عن يسارك من يسلّم عليك » (2).
    وإطلاقهما بالإضافة إلى التسليم على اليسار وإن شمل ما لو لم يكن فيه أحد ، لكن مقيَّد بما دلّ على اشتراطه من المعتبرة ، كالصحيح : « الإمام يسلّم واحدة ، ومن وراءه يسلّم اثنتين ، فإن لم يكن على شماله أحد سلّم واحدة » (3) ونحوه الموثق وغيره المتقدمان (4) ، وغيرهما (5).
    مضافاً إلى عدم معلومية انصراف إطلاق الصحيحين إلى من عدا محل المقيَّد ، سيّما مع ما في ثانيهما من التعليل الظاهر في اختصاصه بالمقيّد ، فتدبّر.
    ومنه يظهر عدم استقامة ما في العبارة من الإطلاق. كما لا استقامة لما فيها من التسليم بالوجه يميناً وشمالاً ، الظاهر في تمامه لا صفحته خاصة ؛ لأن ذلك وإن كان أظهر من يتبادر من لفظ عن يمينك وعن يسارك كما مرّ ، إلّا أنه مستلزم للالتفات المكروه بلا خلاف ، بل المحرّم كما قيل (6) ، ففيما ذكره المشهور احتراز عن ذلك ، كما في الإمام.
1 ـ التهذيب 2 : 92 / 345 ، الاستبصار 1 : 346 / 1303 ، الوسائل 6 : 419 أبواب التسليم ب 2 ح 3.
2 ـ الكافي 3 : 338 / 7 ، الوسائل 6 : 419 أبواب التسليم ب 2 ح 1.
3 ـ التهذيب 2 : 93 / 346 ، الاستبصار 1 : 346 / 1304 ، الوسائل 6 : 420 أبواب التسليم ب 2 ح 4.
4 ـ في ص : 246.
5 ـ الوسائل 6 : 491 أبواب التسليم ب 2.
6 ـ كشف اللثام 1 : 234.


(255)
    مع أنه روى الصدوق في العلل مسنداً عن مفضّل بن عمر أنه سأله عليه السلام : لأيّ علّة يسلّم على اليمين ولا يسلّم على اليسار ؟ قال : « لأن الملك الموكّل يكتب الحسنات على اليمين ، والذي يكتب السيّئات على اليسار ، والصلوات حسنات ليس فيها سيّئات ، فلهذا يسلّم على اليمين دون اليسار » قال : فلِمَ لا يقال : السلام عليك ، وعلى اليمين واحد ، ولكن يقال : السلام عليكم ؟ قال : « ليكون قد سلّم عليه وعلى من في اليسار ، وفضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه » قال : فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه ولكن يكون بالأنف لمن صلّى وحده ، وبالعين لمن يصلّي بقوم ؟ قال : « لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشِدقين ، فصاحب اليمين على الشدق الأيمن ويسلّم المصلّي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته » قال : فلم يسلّم المأموم ثلاثاً ؟ قال : « تكون واحدة ردّا على الإمام ، وتكون عليه وعلى ملكيه ، وتكون الثانية على يمينه والملكين الموكّلين به ، وتكون الثالثة على يساره والملكين الموكّلين به ، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلّم على يساره ، إلّا أن يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى من صلّى معه خلف الإمام فيسلّم على يساره » (1).
    وأفتى بما فيه في الفقيه والمقنع (2) ، إلّا أنه قال : لا تدع السلام على يمينك كان على يمينك أحد أو لم يكن. كما في الصحيح المروي عن قرب الإسناد (3). وقال : إنك تسلّم على يسارك أيضاً إلّا أن لا يكون على يسارك أحد ، إلّا أن تكون بجنب الحائط فسلّم على يسارك ، ونحوه عن أبيه (4). قال‏
1 ـ علل الشرائع : 359 / 1 ، الوسائل 6 : 422 أبواب التسليم ب 2 ح 15.
2 ـ الفقيه 1 : 210 ، المقنع : 29.
3 ـ قرب الإسناد : 209 / 814 الوسائل 6 : 423 أبواب التسليم ب 2 ح 16.
4 ـ حكاه عنه في الذكرى : 208.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس