رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 256 ـ 270
(256)
اختصاص الإطلاق بصورة حضور الإمام الراتب دون الغيبة بحكم التبادر.
    وحكم في المنتهى بعدم الانتظار مطلقاًً معلّلاً ـ بعد النصوص المشار إليها ـ بأن فيه تأخيرا للعبادة في أول وقتها ، وذلك شي‏ء رغب عنه (1) ، هذا.
    ولعلّ ما ذكروه أحوط وأولى إذ ليس في النصوص مع قصور أسانيدها ما يدّل على كون الإمام راتبا ، فتأمل جدّاً.
    ولا فرق في صاحب المنزل بين المالك للعين والمنفعة وغيره كالمستعير ، ولو اجتمعا قيل : فالمالك أولى (2) ، وقيل : المستعير (3) ، ولعلّه الأقوى.
    ولو اجتمع مالك الأصل والمنفعة فالثاني أولى.
    ( وكذا الهاشمي ) يقدّم مع استجماعه الشرائط على غيره من عدا الثلاثة لا مطلقاًً ، على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة (4).
    وأولويته كذلك مشهورة بين الأصحاب على ما في المختلف (5) ، أو متأخريهم خاصة كما في روض الجنان ، قال : وأكثر المتقدمين لم يذكروه (6).
    قال في الذكرى : ولم نره مذكوراً في الأخبار إلّا ما روي مرسلاً أو مسنداً بطريق غير معلوم من قول النبي صلّى اللّه عليه وآله : « قدّموا قريشاً ولا تقدّموهم » (7) وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدّعى ، نعم هو مشهور
1 ـ المنتهى 1 : 383.
2 ـ نهاية الاحكام 2 : 155.
3 ـ مجمع الفائدة والبرهان 3 : 252.
4 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 154 ، والنهاية : 111 ، والمحقق في الشرائع 1 : 125 ، والعلامة في التحرير 1 : 53.
5 ـ المختلف : 156.
6 ـ روض الجنان : 365.
7 ـ انظر الجامع الصغير 2 : 253 / 6108 ، 6109 ، 6110.


(257)
في التقديم في صلاة الجنازة من غير رواية تدل عليه ، نعم فيه إكرام للنبي صلّى اللّه عليه وآله ، إذ تقديمه لأجله نوع إكرام ، وإكرام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وتبجيله ممّا لا خفاء بأولويته (1).
    أقول : ومن بعض ما قدّمنا في بحث صلاة الجنازة يتضح وجه مناقشة في بعض ما ذكره.
    ( وإذا تشاحّ الأئمة ) فأراد كلّ تقديم الآخر أو تقدّم نفسه على وجه لا ينافي العدالة ( قدّم من يختاره المأموم ) مطلقاًً على ما ذكره جماعة ، قالوا : لما فيه من اجتماع القلوب وحصول الإقبال المطلوب (2).
    خلافاً لكثير فلم يذكروه ، ولعلّه لإطلاق النص الآتي بالرجوع إلى المرجحات الآتية من غير ذكر لهذا فيه ولا إشارة ، مع قصور التعليل عن إفادة التقييد له ، سيّما وأنه لا يخلو عن إشكال ، كما نبّه عليه في الذخيرة (3).
    ومنه يظهر وجه النظر في ترجيح مختار أكثر المأمومين مع اختلافهم ثمَّ التراجيح الآتية ، كما عن التذكرة (4) ، سيّما ( و ) قد أطلق أكثر الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في كلام جمع حدّ الاستفاضة ومنهم الذكرى (5) ، بل ظاهره أنه مذهب الأصحاب عدا التذكرة : أنه ( لو اختلفوا ) أي المأمومون ( قدّم الأقرأ ) منهم أي الأجود قراءة كما ذكره جماعة (6) ، أو الأكثر كما قيل (7) ، ونسبه‏
1 ـ الذكرى : 270.
2 ـ كما في الذكرى : 270 ، والمدارك 4 : 358.
3 ـ الذخيرة : 391.
4 ـ التذكرة 1 : 179.
5 ـ الذكرى : 270.
6 ـ منهم : الشهيد الثاني في الروضة 1 : 391 ، والمسالك 1 : 45 ، وصاحب المدارك 4 : 358.
7 ـ الذخيرة : 391.


(258)
في البيان إلى رواية (1) ، ولعلّها ما ورد في الأعمى أنه لا بأس بإمامته إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا (2). وقيل فيه غير ذلك (3).
    فإن اتفقوا في القراءة جودة وكثرة ( فالأفقه ) في أحكام الصلاة ، فإن تساووا فيها فالأفقه في غيرها ، وفاقاً لجماعة (4) ، لإطلاق الرواية.
    خلافاً للذكرى فلم يعتبر الزيادة لخروجها عن كمال الصلاة (5).
    ويضعّف : بعدم انحصار المرجح فيها ، بل كثير منها كمال في نفسه ، وهذا منها ، مع شمول الرواية لها.
    فإن تساووا في الفقه والقراءة ( فالأقدم هجرة ) من دار الحرب إلى دار الإسلام ، كما هو الظاهر من الرواية (6) ، وصرّح به جماعة منهم الفاضل في التذكرة ، ولكن زاد : أو الأسبق إسلاماً ، أو يكون من أولاد من تقدّمت هجرته (7).
    وفي الروضة بعد ذكر التفسير الأول : هذا هو الأصل ، وفي زماننا قيل :
    هو السبق إلى طلب العلم ، وقيل : إلى سكنى الأمصار ، مجازاً عن الهجرة الحقيقة ، لأنها مظنة الاتصاف بالأخلاق الفاضلة والكمالات النفسية ، بخلاف القرى والبادية (8).
1 ـ البيان : 233.
2 ـ الفقيه 1 : 248 / 1109 ، الوسائل 8 : 338 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 3.
3 ـ انظر روضة المتقين ( للمولي محمد تقي المجلسي) 2 : 488.
4 ـ منهم : الشهيد الثاني في المسالك 1 : 45 ، وروض الجنان : 367 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 391.
5 ـ الذكرى : 270.
6 ـ الوسائل 8 : 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
7 ـ التذكرة 1 : 180.
8 ـ الروضة 1 : 392.


(259)
    فإن تساووا في ذلك ( فالأسنّ ) مطلقاًً ، كما هو المتبادر من الرواية ، أو في الإسلام خاصة كما في الدروس والذكرى (1).
    فإن تساووا فيه ( فالأصبح وجهاً ).
    كلّ ذلك للرضوي المصرّح بهذا الترتيب من أوله إلى آخره (2). ونحوه النبوي فيما عدا الأخير فلم يذكر فيه (3) ، وعليه جماعة (4).
    وفيه أخبار أخر مختلفة وأقوال متشتتة ، وكلّها متفقة على تقديم الأقرأ على الأفقه ، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا (5) ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، كما هو الظاهر ، لاتفاق كلمة الأصحاب والنصوص على ذلك ، إلّا ما يحكى في التذكرة (6) عن نادر منّا من المصير إلى عكس ذلك ، واختاره في المختلف (7) ، وتبعه جمع من متأخري المتأخرين (8) ، لأدلة قوية متينة من الاعتبار والكتاب والسنّة بسطناها في الشرح ، من أرادها فليطلبها ثمة ، إلّا أنها لا تبلغ قوة المعارضة لما قدّمنا من اتفاق الفتوى والرواية بحيث يقطع بكونه إجماعاً كما عرفت من المنتهى حكايته ، فتخصّص به تلك الأدلة.
1 ـ الدروس 1 : 219 ، الذكرى : 271.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 143 ، المستدرك 6 : 475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 4.
3 ـ الكافي 3 : 376 / 5 ، التهذيب 3 : 31 / 113 ، علل الشرائع : 326 / 2 ، الوسائل 8 : 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
4 ـ منهم : العلامة في نهاية الاحكام 1 : 111 ، والشهيد في البيان : 232 ، واللمعة ( الروضة 1 ) : 392 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 391.
5 ـ المنتهى 1 : 375.
6 ـ التذكرة 1 : 180.
7 ـ المختلف : 155.
8 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 359 ، والفيض في المفاتيح 1 : 164 ، وصاحب الحدائق 11 : 204.


(260)
    واعلم : أن هذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط وإيجاب ، فلو قدّم المفضول جاز بلا خلاف كما في التذكرة والمنتهى (1). والقول بالإيجاب كما عن ظاهر المبسوط والعماني وصريح الديلمي (2) شاذ محجوج بالأصل والإطلاقات ، مع قصور سند ما دلّ على وجوب الترتيب من الروايات.
    ( ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين ) للصحيحين (3) ، بل مطلق القراءة والأذكار التي يجوز الإجهار فيها ما لم يبلغ العلو المفرط ، كما في الصحيح : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئاً ممّا يقول » (4).
    ويستفاد منه كراهة إسماع من خلفه له شيئاً ، كما في أحد الصحيحين المتقدمين أيضاً.
    وفي الخبر : « لا تسمعنّ الإمام دعاءك خلفه » (5).
    ( ولو أحدث ) الإمام ، أو عرض له ضرورة من نحو دخوله في الصلاة من غير طهارة نسياناً ، أو حصول رعاف مخرج له عنها ، أو انتهاء صلاته بأن كان مسافراً ( قدّم من ينوبه ) في الصلاة بهم.
    ( ولو ) لم يقدّم أو ( مات أو أغمي عليه قدّموا من يتمّ بهم ) الصلاة ،
1 ـ التذكرة 1 : 180 ، المنتهى 1 : 375.
2 ـ المبسوط 1 : 157 ، ونقله عن العماني في الذكرى : 269 ، الديلمي في المراسم : 87.
3 ـ الأول :
    الكافي 3 : 337 / 5 الفقيه 1 : 260 / 1189 ، التهذيب 2 : 102 / 384 ، الوسائل 8 : 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1.
    الثاني :
    التهذيب 2 : 102 / 382 ، الوسائل 6 : 401 أبواب التشهد ب 6 ح 3.
4 ـ التهذيب 3 : 49 / 170 ، الوسائل 8 : 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
5 ـ الفقيه 1 : 260 / 1187 ، الوسائل 8 : 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 2.


(261)
بلا خلاف في شي‏ء من ذلك بيننا أجده ، بل بالإجماع في جملة الأعذار المسطورة في العبارة عدا الإغماء صرّح جماعة (1) حدّ الاستفاضة ، بل في الذكرى وغيرها (2) الإجماع في مطلق العذر ، فيدخل ما ذكرناه أيضاًً ونحو الإغماء. وحكي الإجماع فيه وفي الموت عن التذكرة (3) ، والصحاح وغيرها فيما عداه مستفيضة.
    ففي الصحيح : عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدّم رجلاً قد سبق بركعة ، كيف يصنع ؟ قال : « لا يقدّم رجلاً قد سبق بركعة ، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدّمه » (4).
    وفيه : رجل أمّ قوماً على غير وضوء ، فانصرف وقدّم رجلاً ولم يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله ، قال : « يذكره من خلفه » (5).
    وفيه : عن رجل أمّ قوماً فصلّى بهم ركعة ثمَّ مات ، قال : « يقدّمون رجلاً آخر ويعتدّون بالركعة » الحديث (6).
    وفي الموثق الناهي عن إمامة المسافر بالحضري : « فإن ابتلى بشي‏ء من ذلك فأمّ قوماً حضريين ، فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم » الحديث (7).
1 ـ منهم : العلامة في التذكرة 1 : 181 ، وصاحب المدارك 4 : 362 ، والفيض في المفاتيح 1 : 168 وانظر مجمع الفائدة 3 : 259 ، والحدائق 11 : 213.
2 ـ الذكرى : 277 ؛ وانظر المفاتيح 1 : 168.
3 ـ التذكرة 1 : 181.
4 ـ التهذيب 3 : 42 / 147 ، الاستبصار 1 : 434 / 1675 ، الوسائل 8 : 378 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 1.
5 ـ الفقيه 1 : 2622 / 1194 ، الوسائل 8 : 377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 2.
6 ـ الكافي 3 : 383 / 9 ، الفقيه 1 : 262 / 1197 ، التهذيب 3 : 43 / 148 ، الوسائل 8 : 380 أبواب صلاة الجماعة ب 43 ح 1.
7 ـ الفقيه 1 : 259 / 1180 ، التهذيب 3 : 164 / 355 ، الاستبصار 1 : 426 / 1643 ، الوسائل


(262)
    وفي الخبر : عن رجل أمّ قوماً فأصابه رعاف بعد ما صلّى ركعة أو ركعتين ، فقدّم رجلاً ممّن قد فاته ركعة أو ركعتان ، قال : « يتم بهم الصلاة ثمَّ يقدّم رجلاً فيسلّم بهم ويقوم هو فيتم صلاته » (1).
    وليست الاستنابة للوجوب ، بل للاستحباب في ظاهر الأصحاب ، وعن التذكرة عليه الإجماع (2) ، لفحوى ما سيأتي من جواز انفراد المأموم عن الإمام مع وجوده فمع عدمه أولى.
    وفي الصحيح : عن رجل صلّى بقوم ركعتين ، ثمَّ أخبرهم أنه ليس على وضوء ، قال : « يتم القوم صلواتهم ، لأنه ليس على الإمام ضمان » (3) وقد استدل به على عدم الوجوب ، وفي الدلالة نظر.
    وأما الصحيح الآخر : عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدّم أحدا ما حال القوم ؟ قال : « لا صلاة لهم إلّا بإمام ، فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمّت صلاتهم » (4).
    فمحمول على نفي الكمال ، جمعاًً بينه وبين ما مرّ ، وعليه فيجوز لهم الانفراد أجمع ، والتبعيض بأن ينوي بعضهم الائتمام ببعض وغيره بغيره ، ونفى عن جميع ذلك الخلاف في الذخيرة (5).
8 : 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
1 ـ التهذيب 3 : 41 / 145 ، الاستبصار 1 : 433 / 1673 ، الوسائل 8 : 378 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 5.
2 ـ التذكرة 1 : 181.
3 ـ الكافي 3 : 378 / 3 ، الفقيه 1 : 264 / 1207 ، التهذيب 3 : 269 / 772 ، الاستبصار 1 : 440 / 1695 ، الوسائل 8 : 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.
4 ـ الفقيه 1 : 262 / 1196 ، التهذيب 3 : 283 / 843 ، الوسائل 8 : 426 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.
5 ـ الذخيرة : 392.


(263)
    وإطلاق الفتوى والرواية يقتضي جواز استنابة المؤتم وغيره ، وبه صرّح في المنتهى وكذا في الذخيرة (1) لما مرّ ، مضافاًً إلى صريح الخبر في الثاني (2).
    ويكفي في الأول الإطلاق ، سيّما مع كونه هو المتبادر ، ولذا جعله في المدارك أحوط (3).
    وإطلاقهما أيضاًً يقتضي وجوب الإتمام من موضع القطع مطلقاًً ولو حصل العارض في أثناء القراءة ، وقيل : يجب الابتداء من أول السورة التي حصل القطع في أثنائها (4) ، وجعله في المدارك أحوط أيضاًً (5).
    ( ويكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر ) وبالعكس للموثق : « لا يؤمّ الحضري المسافر ولا المسافر الحضري » (6).
    ونحوه الرضوي مبدلا لفظة « لا » بلا يجوز (7).
    وظاهر هما وسيّما الثاني وإن كان هو التحريم كما مرّ نقله عن والد الصدوق ، وحكي عنه أيضاًً في المقنع لكن في الثاني خاصة (8) ، إلّا أنهما محمولان على الكراهة ، كما عليه من عداهما كافةً ، جمعاًً بينهما وبين الصحاح المستفيضة المصرّحة بالجواز والصحة.
    منها : عن المسافر يصلّي خلف المقيم ، قال : « يصلّي ركعتين ويمضي‏
1 ـ المنتهى 1 : 381 ، الذخيرة : 392.
2 ـ التهذيب 3 : 272 / 784 ، الوسائل 8 : 378 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 4.
3 ـ المدارك 4 : 363.
4 ـ روض الجنان : 368.
5 ـ المدارك 4 : 363.
6 ـ الفقيه 1 : 259 / 1180 ، التهذيب 3 : 164 / 355 ، الاستبصار 1 : 426 / 1643 ، الوسائل 8 : 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
7 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 163 ، المستدرك 6 : 466 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 1.
8 ـ نقله عنهما في المختلف : 155.


(264)
حيث شاء » (1). ونحوه البواقي (2).
    وهي صريحة في ردّ الصدوق وكذا والده في الثاني ، بل الأول أيضاًً ، لعدم القائل بالفرق ، هذا مع تصريح الخبرين بعد ذلك بأنه : « فإن ابتلى بشي‏ء من ذلك فأمّ قوماً حضريين فإذا أتم الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلّم ».
    وزاد في الأول : « وإن صلّى مع قوم الظهر فليجعل الاُوليين الظهر والأخيرتين العصر ».
    وهذه التتمة كما ترى صريحة في الصحة مع المخالفة ، وهو لا يلائم كون النهي للحرمة ، لاقتضائها الفساد في العبادة عند الإمامية ، ولعلّه لذا قال جماعة بأنهما صريحان في الكراهة (3).
    وفيه مناقشة لاحتمال اختصاص الصحة بصورة الضرورة والتقية ، كما هو مورد الخبرين وسيّما الثاني ، إذ فيه زيادة على « وإن ابتلى » : « ولم يجد بدّا من أن يصلّي معهم » وهو كما ترى نصّ في اختصاص الحكم بالجواز والصحة بحال الضرورة ، وهو لا يستلزم ثبوته كليةً ، كما هو ظاهر الجماعة.
    ولا ريب أن الترك أحوط لاعتبار سند الخبرين ، وصلاحيتهما بذلك لتقييد إطلاق الصحاح بحال الضرورة ، إذ غايتها إفادة الصحة في الجملة ، ولا إشكال فيها كذلك ، وإنما هو في كلّيتها وعمومها لحال الاختيار ، وليس فيها تصريح بها فيها ، بل ولا إشارة ، بل غايتها الإطلاق المحتمل للتقييد بالضرورة جمعاًً بين الأدلة.
1 ـ الكافي 3 : 439 / 1 ، التهذيب 3 : 165 / 357 ، الاستبصار 1 : 425 / 1641 ، الوسائل 8 : 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 2.
2 ـ الوسائل 8 : 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18.
3 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 441 ، والعلامة في المنتهى 1 : 373 ، وصاحب المدارك


(265)
    مع أنه منساق لبيان حكم آخر غير الجواز ، وهو كيفية اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس لو اتّفق ، ردّاً على جماعة من العامة القائلين بأنه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام ، وهم الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ، كما حكاه عنهم السيّد في الناصرية والفاضل في المنتهى والتذكرة (1) مدّعيين على خلافهم إجماع الإمامية ، وعليه فلا عبرة به فيما نحن فيه كما برهن عليه في محلّه.
    ولو لا إطباق المتأخرين المعتضد بالإجماع المحكي كما عرفته لكان القول بما عليه الصدوقان في غاية القوة.
    وظاهر العبارة وجماعة (2) اختصاص الكراهة بالصورة الاُولى ولم أعرف وجهه ، عدا ما في المختلف من الأصل ، وضعف الرواية (3).
    ولا وجه له بعد كونها موثقة ، وهي حجة ، سيّما مع اعتضادها بالرضوية التي هي كالقوية ، فيخصّص بهما الأصل ، سيّما في إثبات الكراهة التي يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها من الأحكام الشرعية على الأظهر الأشهر بين الطائفة ولذا اختار الأكثر الكراهة مطلقاًً حتى في الثانية.
    وظاهر إطلاق العبارة والرواية عدم الفرق في الحكم بين الفريضة المقصورة وغيرها ، وبه صرّح في الروضة (4).
    خلافاً لجماعة فقيّدوه بالمقصورة (5) ، ولعلّه لكونها المتبادر من الإطلاق ،
4 : 364.
1 ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 239 ، المنتهى 1 : 398 ، التذكرة 1 : 186.
2 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 154 ، وسلًار في المراسم : 86 ، والقاضي في المهذّب 1 : 471.
3 ـ المختلف : 155.
4 ـ الروضة البهية 1 : 386.
5 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 441 ، والعلامة في نهاية الاحكام 2 : 151 ، وصاحب المدارك


(266)
إلّا أن الأول أنسب بقاعدة المسامحة في أدلة السنن والكراهة.
    ( و ) أن يأتم ( المتطهر ) بالماء ( بالمتيمم ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي المنتهى الإجماع عليه (1) للنهي عنه في المعتبرين (2) المحمول على الكراهة ، جمعاًً بينهما وبين المعتبرة المستفيضة المصرّحة بالجواز من غير كراهة ، وفيها الصحيح (3) والموثقان (4) وغير هما (5).
    ولرجحانها عليهما سنداً ودلالةً احتمل بعض متأخري المتأخرين الجواز من غير كراهة (6). وهو ضعيف لما عرفته في المسألة السابقة.
    وأضعف منه القول بالمنع المحكي في المختلف والذكرى (7) عن ظاهر المرتضى ، سيّما مع ندرته وعدم اشتهار نقل خلافه.
    ( وأن يستناب المسبوق ) بركعة فصاعدا حيث يحتاج إليها للصحيح (8) وغيره (9). والنهي في الأول وإن كان ظاهراً في المنع إلّا أن التعبير عنه في غيره‏
4 : 366.
1 ـ المنتهى 1 : 373.
2 ـ التهذيب 3 : 166 / 361 ، 362 ، الاستبصار 1 : 424 / 1634 ، 1635 ، الوسائل 8 : 328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 5 ، 6.
3 ـ التهذيب 3 : 167 / 365 ، الاستبصار 1 : 425 / 1638 ، الوسائل 8 : 327 أبواب الجماعة ب 17 ح 1.
4 ـ التهذيب 3 : 167 / 364 ، 366 ، الاستبصار 1 : 424 / 1637 ، 425 / 1639 ، الوسائل 8 : 327 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 2 ، 3.
5 ـ الوسائل 8 : 328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 4.
6 ـ المدارك 4 : 372.
7 ـ المختلف : 154 ، الذكرى : 268.
8 ـ التهذيب 3 : 42 / 147 ، الاستبصار 1 : 434 / 1675 ، الوسائل 8 : 378 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 1.
9 ـ التهذيب 3 : 42 / 146 ، الاستبصار 1 : 434 / 1674 ، الوسائل 8 : 379 أبواب صلاة الجماعة


(267)
بـ « لا ينبغي » ظاهر في الكراهة ، سيّما مع تضمنه الحكم بالصحة مع المخالفة ، هذا مضافاًً إلى الصحاح الظاهرة بل الصريحة فيها ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة في المسألة التاسعة من المسائل الآتية.
    ( وأن يؤمّ الأجذم والأبرص ) بلا خلاف في المرجوحية ، بل عليها الإجماع في الانتصار والخلاف (1) ، للنهي في الصحاح وغيرها ، منها : « خمسة لا يؤمّون الناس على كل حال : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي » (2) ونحوه آخر بزيادة قوله : « حتى يهاجر ، والمحدود » (3).
    ومنها : « لا يصلّين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا ، والأعرابي لا يؤمّ المهاجرين » (4).
    وظاهرها المنع مطلقاًً ، كما عليه جماعة من القدماء كالشيخ في الخلاف والمرتضى (5) ، قيل : وأتباعهما (6).
    خلافاً للفاضلين والشهيدين وأتباعهم (7) ، بل عامة المتأخرين ـ إلّا النادر
ب 41 ح 2.
1 ـ الانتصار 50 ، الخلاف 1 : 561.
2 ـ الكافي 3 : 375 / 1 ، الوسائل 8 : 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 5.
3 ـ الفقيه 1 : 247 / 1105 ، الوسائل 8 : 324 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 3.
4 ـ الكافي 3 : 375 / 4 ، الفقيه 1 : 247 / 1106 ، الوسائل 8 : 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
5 ـ الخلاف 1 : 561 ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 39.
6 ـ كما قال به صاحب المدارك 1 : 368 ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 560 ، واشارة السبق : 96 ، والمهذّب 1 : 80 ، وشرح جمل العلم والعمل لابن البراج : 117.
7 ـ المحقق في المعتبر 2 : 442 ، والعلامة في المنتهى 1 : 374 ، والمختلف : 154 ، والتحرير 1 : 53 ، الشهيد الأول في الدروس 1 : 219 ، والبيان : 232 ، والذكرى : 269 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 368 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 372 ، الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3 : 263.


(268)
منهم (1) ـ فاختاروا الجواز ، جمعاًً بينها وبين ما دلّ على الجواز ، كالخبر : عن المجذوم والأبرص يؤمّان المسلمين ؟ فقال : « نعم » (2) ونحوه آخر مروي عن المحاسن (3).
    وهو حسن لو لا ضعف سندهما ، إلّا أن يجبر بالشهرة المتأخرة الظاهرة والمحكية في كلام جماعة (4).
    مع أن في الانتصار ادّعى الإجماع على الكراهة (5). لكنها في كلامه محتملة للحرمة ، فقد أفتى بها في ولد الزنا ، مدّعيا الإجماع عليها ، ثمَّ قال :
    والظاهر من مذهب الإمامية أن الصلاة خلفه غير مجزية ، والحجّة في ذلك الإجماع وطريقة براءة الذمة.
    فما ينسب إليه من القول بالكراهة لا وجه له ، لإجمال العبارة ، ومع ذلك معارض بإجماع الخلاف حيث ادّعاه على المنع.
    بقي الكلام في الشهرة ، والظاهر أنها ليست بتلك الشهرة التي تصلح أن تكون للروايات الضعيفة جابرة ، سيّما وأن يعترض بها نحو الصحاح المتقدمة الظاهرة الدلالة ، بل الصريحة ، من حيث تضمنها النهي عن جملة من لا يجوز إمامته بإجماع الإمامية. وحمله بالنسبة إلى من عداهم على الكراهة يوجب استعماله في معنييه الحقيقي والمجازي في استعمال واحد ، وهو مرغوب عنه عند المحقّقين ، وحمله على المجاز العام بعيد.
1 ـ انظر المدارك 4 : 71 ، 369.
2 ـ التهذيب 3 : 27 / 93 ، الاستبصار 1 : 422 / 1627 ، الوسائل 8 : 323 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 1.
3 ـ المحاسن : 326 / 76 ، الوسائل 8 : 324 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 4.
4 ـ منهم الفيض في المفاتيح 1 : 160 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 368.
5 ـ الانتصار : 50.


(269)
    وكيف كان : فالمسألة محل إشكال إلّا أنّ المصير إلى المنع أحوط للعبادة.
    وهنا قولان آخران مفصّلان بين إمامتهما بمثلهما فالجواز ، وبغيره فالمنع ، كما في أحدهما (1) ، وإمامتهما في الجمعة فالثاني وغيرها فالأول ، كما في ثانيهما (2).
    ولم أعرف مستندهما ، مع إطباق النصوص مطلقاًً وأكثر الفتاوي على خلافهما ، لإطلاقهما.
    إلّا أن يدّعى اختصاصه بحكم التبادر وغيره بإمامتهما بغير هما ، فيرجع في إمامتهما بمثلهما إلى مقتضى الأصل وإطلاقات الأمر بالصلاة وشرعية الجماعة ، إلّا أن يمنع التمسك بمثلها في تصحيح العبادة ، ولا يخلو عن مناقشة ، فهذا التفضيل لا يخلو عن قوّة ، سيّما وقد ادّعى عليه ابن زهرة إجماع الإمامية (3).
    ( و ) كذا الكلام في إمامة ( المحدود بعد توبته ) فالمشهور بين المتأخرين الجواز على كراهة ، وعند جماعة من القدماء الحرمة ، إمّا مطلقاًً كما عليه جملة (4) ، أو إلّا بمثله كما عليه آخرون (5) ، ومنهم ابن زهرة مدّعياً عليه إجماع الإمامية ، وعليه ينزل إطلاق النهي في بعض الصحاح المتقدمة كما عرفته.
1 ـ المبسوط 1 : 155 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 560 ، شرح الجمل للقاضي : 117.
2 ـ السرائر 1 : 280.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 560.
4 ـ منهم : المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 39 ، والشيخ في النهاية : 112 ، والقاضي في شرح جمل العلم والعمل : 117.
5 ـ منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه : 144 ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 560.


(270)
    ولا معارض له ولا للإجماع المنقول عدا فحوى ما دلّ على جواز إمامة الكافر بعد إسلامه واستجماعه شرائط الإمامة ، ولا يخلو عن مناقشة ، سيّما بعد ورود النهي في الصحيحة.
    والجمع بينهما وإن أمكن بحمله على الكراهة ، إلّا أن إبقاءه على ظاهره من الحرمة وصرف الأولوية عن ظاهرها والخروج عنها ـ إن سلّمناها ـ أوفق بالقواعد الاُصولية ، سيّما بعد الاتفاق على صرفها بالإضافة إلى الكراهة ، واعتضاد المنع بإجماع ابن زهرة وأخبار أخر سيأتي إليها الإشارة.
    مضافاً إلى ما عرفته من أن حمل النهي فيها على الكراهة يوجب استعمال اللفظ الواحد في معنييه الحقيقي والمجازي في استعمال واحد ، وهو مرغوب عنه.
    وبه يعرف الجواب عن مفهوم الخمسة في جملة من الصحاح المتقدمة الدالة على الجواز فيمن عداهم حتى المحدود الذي لم يعدّ منهم لو تمسك به للكراهة ، لأن دلالته بالعموم ، والصحيحة ومعاضدها بالخصوص ، وهو مقدّم ، لما عرفته.
    ( و ) أن يؤمّ ( الأغلف ) غير المقصّر في الختان ، للنهي عنه في النصوص المروية في الخصال وغيره ، منها : « ستة لا ينبغي أن يؤمّوا الناس : ولد الزنا ، والمرتد ، والأعرابي بعد الهجرة ، وشارب الخمر ، والمحدود ، والأغلف » (1).
    ومنها : « لا يؤمّ الناس المحدود ، وولد الزنا ، والأغلف ، والأعرابي ،
1 ـ الخصال : 330 / 29 ، مستطرفات السرائر : 145 / 17 ، الوسائل 8 : 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 6.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس