رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 271 ـ 285
(271)
والمجنون ، والأبرص ، والعبد » (1).
    وبظاهرهما من المنع أخذ المرتضى والتقي (2) ، لكنه استثنى إمامته بمثله ، ولعلّه لما قدّمنا.
    والأصح الكراهة مطلقاًً ، وفاقاً لعامة متأخري أصحابنا للأصل ، والإطلاقات ، وعموم مفهوم جملة من الصحاح المتقدمة ، مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة ، لضعف سند الروايتين ، مع قصور دلالةً الاُولى ، فإنّ « لا ينبغي » لو لم نقل بظهوره في الكراهة فهو أعم منها ومن الحرمة قطعاً.
    مع إشعار بعض النصوص المانعة المتضمنة للتعليل بقوله عليه السلام : « لأنه ضيّع من السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا يصلّى عليه ، إلّا أن يكون صنع ذلك خوفاً على نفسه » (3) بالجواز ، بل ظهوره فيه إن قلنا برجوع الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة إليها كلّها ، لكنه خلاف التحقيق كما حقّق في محلّه مستقصى.
    وأما الاستدلال به على المنع فيتوجه عليه زيادة على ما قدّمناه اختصاصه بصورة التفريط المنافي للعدالة المشترطة إجماعاًً.
    ( و ) أن يؤمّ ( من يكرهه المأموم ) على المشهور ، للنصوص المستفيضة المروية في الفقيه (4) والخصال (5) والأمالي (6) وغيرها من الكتب‏
1 ـ كتاب جعفر ين محمد بن شريح الحضرمي : 76 ، المستدرك 6 : 464 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.
2 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 39 ، الكافي في الفقه : 144.
3 ـ الفقيه 1 : 248 / 1107 ، التهذيب 3 : 30 / 108 ، علل الشرائع : 327 / 1 ، المقنع : 35 ، الوسائل 8 : 320 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.
4 ـ الفقيه 1 : 36 / 131 ، الوسائل 8 : 348 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 1.
5 ـ الخصال : 242 / 94 ، الوسائل 8 : 349 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 3.
6 ـ أمالي الطوسي : 196 ، الوسائل 8 : 350 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 6.


(272)
المعتبرة.
    خلافاً للفاضل في المنتهى فلا يكره مطلقاًً ، قال : إذ الإثم إنما يتعلق بمن يكرهه لا به (1). وهو اجتهاد في مقابله النص.
    وله في التذكرة ففصّل بين كراهة المأمومين له لدينه فالثاني ، وإلّا فالأول (2). ولا بأس به ، للأصل ، مع اختصاص النصوص بحكم التبادر وغيره بالثاني ، وهو كراهتهم له لكونه إماماً بأن يريدوا الائتمام بغيره لا لدينه.
    ( و ) ان يؤمّ ( الأعرابي ) وهو المنسوب إلى الأعراب وهم سكّان البادية بالمهاجرين وسكّان الأمصار المتمكنين من تحصيل شرائط الإمامة ومعرفة الأحكام ، للنهي عنه في الصحاح المتقدمة وإن اختلفت في الإطلاق كما في جملة منها ، والتقييد بالمهاجرين كما في غيرها ، وعليه عامة أصحابنا إلّا نادراً ، وهو الجعفي على ما حكاه عنه في الذكرى (3).
    وبظاهر النهي أخذ أكثر القدماء ، حتى ادّعى عليه في الخلاف الإجماع (4) ، بل لا خلاف أجده بينهم صريحاً إلّا من الحلّي فأفتى بالكراهة (5) ، وتبعه الماتن والمتأخرون قاطبة.
    ولعلّه لقوة احتمال اختصاص الأعرابي الوارد في الصحاح وكلمة المانع من قدماء الأصحاب بمن لا يعرف محاسن الإسلام ولا وصفها ، ومن يلزمه المهاجرة وجوباً ، لأنه الغالب المتبادر منه عند إطلاقه يومئذ ، بل مطلقاً. ولا ريب في المنع عن إمامته حينئذ ، لعدم العدالة المشترطة في الصحة إجماعاً ،
1 ـ المنتهى 1 : 374.
2 ـ التذكرة 1 : 179.
3 ـ الذكرى : 269.
4 ـ الخلاف 1 : 561.
5 ـ السرائر 1 : 281.


(273)
وعليه فلا يتوجه المنع مطلقاًً ، هذا.
    ويمكن أن يكون المراد بالأعرابي : الأعرابي بعد الهجرة ، كما يفهم من بعض الروايات المتقدمة في الأغلف ، ويشعر به بعض الصحاح المتقدمة.
    والتعرّب بعد الهجرة من الكبائر اتفاقاً فتوىً وروايةً ، وعليه فيتوجه المنع كما في سابقة ، لما عرفته ، والمنع فيه لا يستلزم المنع في الأعرابي بالمعنى الذي فسّرنا به العبارة.
    لكن إرادة هذا (1) خلاف ما يظهر من الجماعة ، بل صرّح بما ذكرناه في تفسيره أوّلاًً جملة (2) ويومئ إليه المرتضوي المروي عن بعض الكتب المعتبرة ، قال : « وكره أن يؤمّ الأعرابي لجفائه عن الوضوء والصلاة » (3).
    وتقييد بعض الصحاح (4) ـ كسائر الأصحاب ـ المنع عن إمامته بما إذا كانت بالمهاجرين مشعر بل ظاهر باختصاصه به وجوازها بمثله ، وهو لا يلائم ما قدّمناه من الاحتمال الأول أيضاًً ، لعدم فرق عليه في المنع التحريمي بين اقتدائه بمثله وبغيره ، مع أن تخصيصه بالذكر في مقابلة الفاسق كالصريح في أن المنع من غير جهته ، وإلّا فالفسق فيه على تقديره أحد أقسامه ، ولا فائدة ظاهرة في تخصيصه بالذكر وإفراده به.
    وعليه فالمنع مطلقاًً (5) قوي ، عملاً بظاهر النهي المعتضد بالشهرة
1 ـ أي التفسير المستفاد من قوله : المراد.
2 ـ منهم : العلامة في التذكرة 1 : 178 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 45 ، وانظر مجمع البيان 3 : 62 ، والذخيرة : 393.
3 ـ قرب الإسناد : 156 / 575 ، الوسائل 8 : 323 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 9.
4 ـ الكافي 3 : 375 / 4 ، الفقيه 1 : 247 / 1106 ؤواه مرسلاً ، الوسائل 8 : 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
5 ـ أي ولو يكن فاسقاً. منه رحمه الله.


(274)
القديمة والإجماع المحكي.
    ولا ينافيه الرواية السابقة المتضمنة للفظة الكراهة ، لعدم وضوح سندها ، بل ولا دلالتها ، لأعمية الكراهة فيها من المعنى المعروف الآن والمنع التحريمي ، مع ضعفها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى.
    ( الطرف الثالث : في الأحكام )
    ( ومسائله تسع ) :
    ( الاُولى : لو علم ) المأموم ( فسق الإمام ، أو كفره ، أو حدثه ) أو كونه على غير القبلة ، أو إخلاله بالنية ، أو نحو ذلك ( بعد الصلاة لم يعد ) ها مطلقاًً ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة أصحابنا ، عدا الإسكافي ، فقد حكي عنه القول بالإعادة في الأمور المذكورة في العبارة مطلقاًً لها في أوّليها ، ومقيّدا لها بالوقت في أخيرها (1).
    ووافقه المرتضى في الجميع ، غير أنه لم يقيد الأخير بالوقت خاصة (2).
    وهما شاذّان على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة (3) ، مشعرين بدعوى الإجماع على خلافهما ، كما صرّح به الشيخ ـ رحمه اللّه ـ في الخلاف (4) في الأمر الثاني.
    ونحوهما في الشذوذ إيجاب الإعادة عليه في الوقت في الرابع أيضاًً ، كما عليه الحلّي (5) حاكياً له عن الشيخ ، مع احتمال اختصاص خلافهم هنا بما إذا
1 ـ حكاه عنه في المختلف : 156.
2 ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 200.
3 ـ منهم : ابن سعيد في الجامع للشرائع : 98 ، والعلامة في المختلف : 156 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 393.
4 ـ الخلاف 1 : 551.
5 ـ السرائر 1 : 289.


(275)
تبع المأموم الإمام في الصلاة إلى غير القبلة ، فيكون خارجاً عن مفروض المسألة.
    وبإجماع الخلاف يستدل على عدم الإعادة في البواقي بطريق الفحوى ، مع أن الصحاح مستفيضة كغيرها من المعتبرة بعدم الإعادة في جميع ما ذكرنا عدا الفسق ، لكنه ملحق بالكفر إجماعاً وبطريق أولى كما مضى.
    ففي المرسل كالصحيح : قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل ، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي ، قال : « لا يعيدون » (1) ونحوه غيره (2).
    وفي الصحيح : عن قوم صلّى بهم إمامهم وهو على غير طهر ، أ تجوز صلاتهم أم يعيدونها ؟ فقال : « لا إعادة عليهم تمّت صلاتهم وعليه هو الإعادة ، وليس عليه أن يعلمهم ، هذا عنه موضوع » (3) والصحاح كغيرها بمعناه مستفيضة.
    وفيه : رجل يصلّي بالقوم ثمَّ يعلم أنه قد صلّى بهم إلى غير القبلة ، قال : « ليس عليهم إعادة شي‏ء » (4) ونحوه آخر معلّلا بأنهم قد تحرّوا (5).
    وفي آخرين : رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة وأحدث إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدّمه فصلّى بهم ، أ تجزيهم صلاتهم بصلاته وهو
1 ـ الكافي 3 : 378 / 4 ، التهذيب 3 : 40 / 141 ، الوسائل 8 : 374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 1.
2 ـ الفقيه 1 : 263 / 1200 ، الوسائل 8 : 374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 2.
3 ـ التهذيب 3 : 39 / 139 ، الاستبصار 1 : 432 / 1670 ، الوسائل 8 : 372 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 5.
4 ـ التهذيب 3 : 40 / 142 ، الوسائل 8 : 375 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1.
(5 الكافي 3 : 378 / 2 ، التهذيب 3 : 269 / 771 ، الوسائل 8 : 375 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 2.


(276)
لا ينويها صلاة ؟ فقال : « لا ينبغي » إلى أن قال : « وقد تجزي عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها » (1).
    وهذه النصوص ـ مع ما هي عليه من الصحة والاعتبار والاستفاضة القريبة من التواتر ، والشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته ـ موافقة للقاعدة ، لامتثال المأمور به ، وهو الصلاة خلف من يظن استجماعه لشرائط الإمامة ، إذ تكليفه بتحصيل العلم بالاستجماع واقعاً تكليف بما لا يطاق ، وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء.
    ومع ذلك فهي سليمة عمّا يصلح للمعارضة ، عدا أمر اعتباري ، وهو ـ مع ضعفه في نفسه ومعارضته بأقوى منه ـ اجتهاد في مقابله النصوص التي قدّمناها.
    ومعارضتها بنصوص أخر مانعة (2) ضعيفة غايته ، بعد ضعف أسانيدها جملة ، وموافقتها لجماعة من العامة ، ومنهم أصحاب الرأي وهم أصحاب أبي حنيفة (3) ، ومع ذلك فقد تضمّن بعضها ما لا يوافق مذهب الإمامية في الإمامة من التلازم بينها وبين العصمة ، مع أن الرواية في خلافها صريحة ، وما عداها مروية في كتب غير مشهورة ، فلا تكافئ ما قدّمناه من وجوه عديدة.
    وللصدوق في المقنع هنا قول ثالث حكاه عن جملة ممّن عاصره من المشايخ ، وهو الفرق بين الجهرية فالأول ، والسرّية فالثاني (4). ولا يعرف له وجه‏
1 ـ الكافي 3 : 382 / 8 ، الفقيه 1 : 262 / 1195 ، التهذيب 3 : 41 / 143 ، الوسائل 8 : 376 أبواب صلاة الجماعة ب 39 ح 1.
2 ـ الوسائل 8 : 3732 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 9 ، مستدرك الوسائل 6 : 485 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 2 ، 3.
3 ـ منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير 1 : 777 ، 778 ، القرطبي في بداية المجنهد 1 : 156.
4 ـ حكاه عن المقنع في المختلف : 157 ، ولم نعثر عليه فيه ، بل ودنا في الفقيه 1 : 263 ذيل


(277)
بالكلية.
    هذا إذا تبيّن الخلل بعد الصلاة.
    أما في أثنائها ، ففي جواز الانفراد ، ولزوم الاستيناف ، قولان مبنيّان على الخلاف المتقدم ، فيأتي الأول على المختار ، وغيره على غيره.
    ويدّل على خصوص المختار هنا جملة من النصوص ، منها : ما مرّ في بحث ما لو عرض للإمام حدث من نحو الصحيح : عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبر هم أنه ليس على وضوء ، قال : « يتم القوم صلاتهم ، فإنه ليس على الإمام ضمان » (1) فتأمل.
    ( ولو كان ) المأموم قبل الصلاة ( عالماً ) بالخلل فائتمّ به ( أعاد ) ها قطعاًً ، لعدم الامتثال ، إلّا إذا اقتدى بمخالف تقية أو مطلقاًً ، فظاهر جملة من النصوص (2) والفتاوي (3) عدم الإعادة مطلقاًً ، إلّا أن الإعادة مع عدم التقية أحوط وأولى حيث يكون لشي‏ء من الواجبات تاركاً.
    وقد استوفينا الكلام في هذه المسألة في الشرح في بحث استحباب الصلاة مع المخالفين ، من أرادها فليطلبها من هناك.
    وإنما لم يذكر الأصحاب هذا الاستثناء هنا بناءً على أن الاقتداء بالمخالف ليس اقتداء حقيقة وإنما هو شبه اقتداء ، ولما أن كان يوجب سقوط بعض الواجبات وأقلّه الجهر بالقراءة أحياناً ذكره العبد هنا.
    ( الثانية : ) قد سبق أنّ الأشهر الأقوى إدراك المأموم الركعة بإدراك الإمام‏
الحديث 1200.
1 ـ الكافي 3 : 378 / 3 ، الفقيه 1 : 264 / 1207 ، التهذيب 3 : 269 / 772 ، الاستبصار 1 : 440 / 1695 ، الوسائل 8 : 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.
2 ـ الوسائل 8 : 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34.
3 ـ كما في النهاية : 113 ، ونهاية الاحكام 2 : 156 ، والذكرى : 275.


(278)
راكعاً (1) ، وعليه ف‍ ( إذا ) دخل موضعا يقام فيه الجماعة وقد ركع الإمام و ( خاف ) بالتحاقه به ( فوت الركوع عند دخوله ) في الصلاة برفع الإمام رأسه ( ف‍ ) نوى وكبّر في موضعه و ( ركع ) محافظة على إدراك الركعة ( جاز ) إذا لم يكن هناك مانع شرعي من بعده عن الإمام بما لا يجوز له التباعد عنه به على ما نصّ به جماعة ، كالفاضل المقداد وغيره (2) وله ( أن يمشي راكعاً ليلتحق ) بالصف ، بلا خلاف يعرف ، وبه صرّح بعض (3) ، وظاهر المنتهى الإجماع عليه (4) ، وبه صرّح في الخلاف (5).
    للصحيح : عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة ، فقال : « يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم ، ويجوز له السجود في مكانه ثمَّ الالتحاق » (6).
    ولآخر : « إذا دخلت المسجد والإمام راكع ، فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه ، فكبّر واركع ، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف » (7).
    وفي ثالث : رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يوماً وقد دخل المسجد لصلاة العصر ، فلمّا كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده وسجد سجدتين ، ثمَّ قام‏
1 ـ راجع ص 206.
2 ـ التنقيح الرائع 1 : 277 ؛ وانز روض الجنان : 376.
3 ـ كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 167.
4 ـ المنتهى 1 : 382.
5 ـ الخلاف 1 : 555.
6 ـ الفقيه 1 : 257 / 1166 ، التهذيب 3 : 44 / 154 ، الاستبصار 1 : 436 / 1681 ، الوسائل 8 : 384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.
7 ـ الكافي 3 : 385 / 5 ، الفقيه 1 : 254 / 1148 ، التهذيب 3 : 44 / 155 ، الاستبصار 1 : 436 / 1682 ، الوسائل 8 : 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.


(279)
فمضى حتى لحق بالصف (1).
    وعليه الإجماع أيضاًً أيضاً في ظاهر المنتهى (2).
    وإطلاق النص والعبارة يقتضي جواز المشي ولو حالة الذكر. خلافاً لجماعة فقيّدوه بغيرها (3) ، محافظة على الطمأنينة الواجبة فيها اتفاقاً ، ولا ريب أنه أحوط وإن كان في تعيّنه نظر ، لأن تقييد الفتوى والنص هنا بأدلة الطمأنينة ليس بأولى من تقييدها بهما ، إلّا أن يرجح الأول بأن في الثاني تركاً للواجب لإدراك أمر مستحب ، وهو غير معقول ، لكنه بترك القراءة ونحوها لأجل إدراكه منقوض.
    ونحوه الكلام فيما مرّ ممّا ذكره الجماعة من المانع الشرعي ، كيف ولو كان البعد بما لا يجوز له التباعد اختياراً مانعاً شرعياً هنا لما كان الحكم هنا اتفاقياً ، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور ، دون من لا يجوّز التباعد بما لا يتخطى ، مع أنه لم ينقل الخلاف عنه هنا ، فتأمل جداً.
    ولا ريب أن ما ذكروه أحوط واولى ، كاعتبار عدم وقوع فعل كثير في مشيه وأن يجر رجليه حينئذ ولا يتخطى ، كما قاله الصدوق ورواه (4).
    ( الثالثة : إذا كان الإمام في محراب داخل ) في الحائط أو المسجد على وجه يكون إذا كان وقف فيه لا يراه من على جانبيه ( لم تصح صلاة من إلى جانبيه في الصف الأول ) أي الصف الذي هو جملتهم ، لعدم المشاهدة
1 ـ الكافي 3 : 384 / 1 ، التهذيب 3 : 272 / 785 ، الوسائل 8 : 384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 2.
2 ـ المنتهى 1 : 382.
3 ـ منهم الشهيد الأول في الدروس 1 : 223 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 376 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة 3 : 323.
4 ـ الفقيه 1 : 254 ذيل الحديث 1148.


(280)
المشترطة في صحة الجماعة.
    واحترز بالصف الأول عمن إلى جانبيه في الصف المتأخر عنه ، فإن صلاتهم صحيحة على ما صرّح به الشيخ فيما حكاه عنه في الذكرى (1) ، مصرّحاً هو به أيضاًً ، وفاقاً له ولصريح الفاضل في التذكرة ونهاية الإحكام والمنتهى (2) ، وتبعهم في المدارك (3) من غير نقل خلاف فيه أصلاًً حتى من الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في التحرير (4) ، بانياً على أن المراد من العبارة التي اتفقت عليه الكتب الثلاثة ـ ولو بتغيير ما لا يخلّ بمقصودنا ـ ما فهمناه ، لا ما ربما يفهم منها من أن المراد بالصف الأول هو الصف المتأخر عن الإمام ، فتدل على فساد صلاة من على يمين مقابل الإمام ويساره منه.
    ووجه البناء هو أن المتبادر ممن إلى الجانب إنما هو الذي يحاذي يمين الإمام ويساره بحيث يحاذي منكبيه حقيقةً ، لا من يكون إلى جانبيه في الصف المتأخر عنه ، ولا وجه لفهم هذا منه إلّا التقييد بقوله : في الصف الأول.
    وليس فيه منافاة لما ذكرناه بعد ظهور إطلاقه حقيقة على الصف الذي فيه الإمام قطعاًً ، وإنما أتى به تأكيداً ودفعاً لتوهم فهم من إلى جانبيه في الصف المتأخر منه ، لغلبة إطلاق من إلى جانبيه عليه أيضاًً ولو مجازا.
    ويشهد لما فهمنا ـ تبعاً للمدارك ـ زيادة على ما ذكرنا : ملاحظة ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (5) والمحقّق الثاني في شرحهما لعبارة الشرائع ، فإنّ عبارتهما صريحة في ذلك ، وفي فتواهما به مع عدم نقل مخالف مشعرين بعدم‏
1 ـ الذكرى : 272.
2 ـ التذكرة 1 : 173 ، نهاية الاحكام 2 : 122 ، المنتهى 1 : 364 ، 365.
3 ـ المدارك 4 : 376.
4 ـ الشرائع 1 : 126 ، التحرير 1 : 51.
5 ـ المسالك 1 : 45.


(281)
الخلاف.
    ويعضده أيضاًً أنّ أحداً من الأصحاب المتأخرين من الفاضلين لم ينقل الخلاف عنهما مع تصريح جملة منهم بالحكم كما ذكرنا ، كالفاضل نفسه في التذكرة والمنتهى والنهاية من غير نقل خلاف أصلاً. وصاحب الذخيرة (1) مع استشكاله فيه بما قدمناه في بحث الشروط لم ينسب الخلاف إلى أحد أصلاً ، بل نسب الحكم المزبور إلى الشيخ ومن تبعه جملة ، مشعراً بكونه بينهم إجماعياً ، وقد صرّح بعدم الخلاف فيه في الكفاية (2).
    وبالجملة : لم أر مخالفاً فيه بالكلية ، والظاهر عدمه كما يفهم من عبائر المتعرضين للحكم في المسألة.
    نعم ، ربما يفهم من عبارة القواعد المخالفة ، فإنه قال : لو صلّى الإمام في محراب داخل صحّت صلاة من يشاهده من الصفّ الأول خاصة ، وتصح صلاة الصفوف الباقية أجمع لأنهم يشاهدون من يشاهده (3). انتهى.
    وذلك فإن فرض المشاهدة في الصف الأول يقتضي كون المراد به الصف المتأخر عن الإمام ، بناءً على أن المحراب لا يسع غير الإمام ولا يكون مخروماً غالباً ، فلا يمكن فرض مشاهد له في صفه.
    لكن يمكن الذب عنه بحمله على غيره ، والتعرض لحكم الفرض النادر في كلام الفقيه غير عزيز ، ألا ترى إلى الذكرى قد تعرّض له ، فقال : ولو ولجها ـ أي المقصورة ـ الإمام وشاهده الجناحان أو انتهت مشاهدتهما إلى من يشاهده صحّ الائتمام ، وإلّا فلا ، وأما الذين يقابلون الإمام فصلاتهم صحيحة ، لانتهاء
1 ـ الذخيرة : 393.
2 ـ الكفاية : 31.
3 ـ القواعد 1 : 46.


(282)
مشاهدتهم إليه (1).
    وذلك فإن عبارته كالصريحة ، بل صريحة في أن المراد بالجناحين من في صف الإمام عن يمينه ويساره ، ومع ذلك فرض مشاهدتهما له ، ولا تكون إلّا بولوجهما معه في المقصورة ، أو فرض كونها مخرومة.
    ووجه صراحة هذه العبارة في حكم أصل المسألة ـ كما قدّمنا إليه الإشارة ـ هو تصريحها بالاكتفاء في الصحة بانتهاء مشاهدة الجناحين إلى من يشاهد الإمام ، فإن خصصناهما بمن في صف الإمام كما هو ظاهر العبارة بل صريحها كما عرفته فالدلالة واضحة ، وكذا إن عمّمناهما لمن في الصف المتأخر عنه ، فإن انتهاء مشاهدتهما فيه إلى من يشاهد الإمام إنما هو عن يمينهما ويسارهما لا قدّامهما ، هذا.
    وتعليله ـ كالفاضلين وغيرهما ـ صحة صلاة الصفوف المتأخرة عن الإمام بأنهم يشاهدون من يشاهد الإمام قرينة على حكمهم بالصحة في مفروض المسألة ، حيث لم يقيّدوا المشاهدة بوقوعها ممّن في الخلف لقدّامه ، بل تشمل ما لو وقعت عن الجانبين ، فتعمّ الصحة لمن هو مفروض المسألة ولو فرض اختصاص مورد التعليل بغيره ، فإن العبرة بعمومه لا بخصوص مورده.
    وما يقال من أنه لا دليل على ما ذكروه من اعتبار المشاهدة وأخذها قاعدة كلية مطلقاًً حتى لو حصلت بواسطة أو وسائط لكانت كافية ، فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه ولا العروج في مقام التحقيق عليه ، لظهور إطباقهم عليها ، بل قال في المنتهى : إنه لا نعرف فيها خلافاً (2) ، مؤذناً بكونها بين الخاصة والعامة مجمعاًً عليها.
1 ـ الذكرى : 272.
2 ـ المنتهى 1 : 365.


(283)
    وبالجملة : لا أرى شبهة في حكم المسألة من حيث الفتوى. وأما من جهة النص فمشكل ، إذ لم أقف على ما يدّل عليه منه عدا الصحيحة المتقدمة في بحث الشروط (1) ، ودلالتها عليه غير واضحة ، إلّا أن يتمم بفهم الطائفة ، مع احتمال تتميمها من غير هذه الجهة ، هذا.
    وفي الصحيح : « لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأساً » (2).
    وفي آخر : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إني أصلي في الطاق يعني المحراب ، فقال : « لا بأس إذا كنت تتوسع به » (3).
    وفي هذا إشعار ، بل ظهور تام بصحة صلاة المأمومين من جانبي من يقابل الإمام خلفه في المحراب ، إذ معها تحصل التوسعة الكاملة المتبادرة من الرواية ، وإلّا فلا تحصل من ولوجه في المحراب إلّا التوسعة بنفس واحدة ، وهي خلاف المتبادر منها كما عرفته ، فتأمل.
    ( الرابعة : إذا شرع ) المأموم ( في نافلة فأحرم الإمام قطعها ) أي قطع المأموم النافلة ( إن خشي الفوات ) تحصيلاً للجماعة التي هي أهمّ من النافلة ، على ما صرّح به الجماعة ، ويستفاد من المعتبرة الآتية الآمرة بالعدول من الفريضة إلى النافلة ، إذ هو في معنى إبطال الفريضة ، فإذا جاز لدرك فضيلة الجماعة فجواز إبطال النافلة لدركها أولى.
    وللرضوي : « وإن كنت في صلاة نافلة واُقيمت الصلاة فاقطعها وصلّ الفريضة مع الإمام » (4).
1 ـ راجع ص 207.
2 ـ الكافي 3 : 386 / 6 ، الفقيه 1 : 253 / 1141 ، التهذيب 3 : 52 / 180 ، الوسائل 8 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 2.
3 ـ التهذيب 3 : 52 / 181 ، الوسائل 8 : 409 أبواب صلاة الجماعة ب 61 ح 1.
4 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 145 ، المستدرك 6 : 496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ذيل الحديث


(284)
    وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين خوف الفوات وعدمه ، كما هو ظاهر إطلاق الحلّي والمحكي في المختلف عن الشيخ والقاضي (1).
    خلافاً للأكثر فقيّدوه بالأول ، قالوا : ليحوز الفضيلتين. وهو أحوط ، سيّما على القول بمنع قطع النافلة اختياراً.
    وعليه فهل المعتبر خوف فوات الركعة ، أو الصلاة جملةً؟
    وجهان ، الظاهر الأول ، لأوفقيته بظاهر الرضوي والنصوص الآتية على ما سيأتي.
    ( ولو كان ) المأموم ( في فريضة ) وأحرم الإمام أو أذّن وأقام كما يستفاد من نصوص المقام ( نقل نيته ) من الفرض ( إلى النفل وأتم ركعتين ) بلا خلاف صريح ، بل عليه في ظاهر التذكرة وغيرها (2) الإجماع ، للمعتبرة ، منها الصحيح : عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلّي إذا أذّن المؤذن وأقام الصلاة ، قال : « فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام ولتكن الركعتان تطوعاً » (3).
    وبمعناه الموثق (4) والرضوي (5) ، بزيادة فيه ، وهي : النهي عن قطع الفريضة وتعيين العدول إلى النافلة ، وفيهما ، وهي : تخصيصه بالإمام المرضي دون من لا يقتدى به.
1.
1 ـ الحلي في السرائر 1 : 289 ، المختلف : 159.
2 ـ التذكرة 1 : 184 ؛ وانظر نهاية الاحكام 2 : 159.
3 ـ الكافي 3 : 379 / 3 ، التهذيب 3 : 274 / 792 ، الوسائل 8 : 404 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.
4 ـ الكافي 3 : 380 / 7 ، التهذيب 3 : 51 / 177 ، الوسائل 8 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 145 ، المستدرك 6 : 496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.


(285)
    وبالزيادة الاُولى مضافاًً إلى عموم ما دلّ على حرمة إبطال الفريضة يضعّف ما في المختلف (1) عن الشيخ والقاضي من جواز القطع هنا مطلقاًً ، وقوّاه الشهيد في الذكرى أيضاًً (2) ، لكن مع خوف الفوات لا مطلقاًً ، حاكياً له عن الشيخ في المبسوط أيضاً.
    ثمَّ إنّ هذا مع إمكان النقل ، وأما مع عدمه كأن دخل في الثالثة ففي جواز النقل هنا أيضاًً بأن يهدمها ، أو قطع الفريضة من أصلها ، أو لا ذاك ولا هذا ، بل يبقى مستمراً أوجه ، استقرب الفاضل في جملة من كتبه أخيرها (3) ، وهو أقوى ، اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على تحريم قطع الفريضة اختياراً على مورد النص والفتوى ، وليس منه هذا.
    إلّا أن يستدل على الثاني بفحوى ما دلّ على جواز القطع لإدراك فضيلة الأذان والإقامة ، فجوازه لإدراك فضيلة الجماعة أولى.
    وهو على تقدير تسليمه أخص من المدّعى ، لاختصاص الجواز في الأذان بصورة خاصة ، دونه هنا ، فإنه يعمّها وغيرها ، إلّا إن يتمّم بعدم القائل بالفرق ، ولا يخلو عن نظر.
    واعلم : أنّ قوله ( استحباباً ) الظاهر رجوعه إلى المسألتين ، وإلّا فلم يقل أحد بوجوب القطع المستفاد من ظاهر العبارة في اُولاًهما ، إلّا أن يحمل الأمر فيها على الرخصة ، لوروده مورد توهّم الحرمة ، فلا يفيد سوى الإباحة ، وهو لا يستلزم الندب والفضيلة.
    لكنه خلاف الظاهر ، بل لعلّ الاستحباب متفق عليه بين الجماعة وإن‏
1 ـ المختلف : 159.
2 ـ الذكرى : 277.
3 ـ انظر نهاية الاحكام 2 : 159 ، والتذكرة 1 : 184.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس