رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 286 ـ 300
(286)
عبّر جملة منهم بالجواز المطلق ، لكون الظاهر إرادتهم منه الاستحباب لا الإباحة. وكيف كان فلا ريب في ثبوته ، لورود الأمر به في الرضوي ، مضافاًً إلى التسامح في أدلة السنن حيثما لا يحتمل التحريم كما نحن فيه. ( ولو كان ) المأموم قد دخل الفريضة وأحرم ( إمام الأصل قطعها ) استحباباً ( واستأنف ) الصلاة ( معه ) فيما ذكره الشيخ والحلّي وجماعة (1).
    وحجتهم عليه غير واضحة ، عدا أمر اعتباري لا أظنه يصلح لمعارضة إطلاق النصوص المتقدمة المؤيدة بأدلة تحريم إبطال الفريضة ، ومع ذلك فالمسألة قليلة الجدوى والثمرة. وتردّد فيها الفاضلان ، بل قطع في المختلف والمنتهى بالحرمة (2).
    ( ولو كان ) الإمام ( ممن لا يقتدى به استمر ) المأموم ( على حاله ) في المسألتين ، فلا يقطع النافلة ولا يعدل إليها من الفريضة ، للأصل ، مضافاًً إلى الزيادة المتقدم إليها الإشارة في الرضوي والموثقة المتقدمة.
    ( الخامسة : ما يدركه المأموم ) المسبوق بركعة فصاعداً مع الإمام من الركعات ( يكون أول صلاته ، فإذا سلّم الإمام أتمّ هو ما بقي ) عليه ، بإجماعنا الظاهر ، المنقول في ظاهر جملة من العبائر مستفيضاً كالمعتبر والتذكرة والمنتهى ( ونهاية الأحكام ) (3) وروض الجنان وغيرها (4) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة جداً كغيرها ، وفي أكثرها الأمر بقراءة الحمد والسورة ، أو الحمد
1 ـ الشيخ في النهاية : 118 ، لحلي في السرائر 1 : 289 ؛ وانظر الذكرى : 277 ، وروض الجنان : 377 ، 378 ، والذخيرة : 401.
2 ـ المحقق في المعتبر 2 : 445 ، العلامة في المختلف : 159 ، المنتهى 1 : 383.
3 ـ ما بين القوسين ليست في « ش » و « م ».
4 ـ المعتبر 2 : 446 ، التذكرة 1 : 181 ، المنتهى 1 : 383 ، نهاية الاحكام 2 : 134 ، روض الجنان : 376 ؛ وانظر المدارك 4 : 382.


(287)
خاصة مع الضرورة أو مطلقاًً ، في الاُوليين اللتين هما أخيرتا الإمام.
    ففي الصحيح : « إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه ، جعل أول ما أدرك أول صلاته ، وإن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين وفاتته الركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك في نفسه بأمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما » إلى أن قال : « وإن أدرك ركعة قرأ فيها فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأمّ الكتاب وسورة ثمَّ قعد فتشهد ثمَّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة » (1).
    وفيه : عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الاُولى ، كيف يصنع إذا جلس الإمام ؟ قال : « يتجافى ولا يتمكن من القعود ، فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد ثمَّ يلحق الإمام » وعن الرجل يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة ؟ فقال : « اقرأ فيهما فإنهما لك الاُوليان ، ولا تجعل أول صلاتك آخرها » (2).
    وهل هذه القراءة على الوجوب أو الندب ؟ قولان :
    من ظاهر الأوامر فيها ، مضافاًً إلى عموم ما دلّ على وجوبها.
    ومن عموم ما دلّ على سقوطها خلف الإمام المرضي المخصّص به العموم المتقدم ، وتحمل الأوامر على الندب جمعاًً ، ولا سيّما مع انضمامها في‏
1 ـ الفقيه 1 : 256 / 1162 ، التهذيب 3 : 45 / 158 ، الاستبصار 1 : 436 / 1683 ، الوسائل 8 : 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.
2 ـ الكافي 3 : 381 / ، التهذيب 3 : 46 / 159 ، الاستبصار 1 : 437 / 1684 ، الوسائل 8 : 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.


(288)
بعض النصوص بما هو للندب أو الكراهة قطعاًً ، مع أن في بعضها الأمر بالقراءة في النفس ، وهو غير القراءة الحقيقية ، فيكون هذا قرينة اُخرى على الندب أيضاً.
    والأول أقوى ، وفاقاً لأعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين والنهاية والحلبي والمرتضى بل الكليني والصدوق (1) أيضاًً ، لقوة أدلته ، وضعف معارضها :
    فالأول : بمنع العموم ، بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى محل النزاع. ولو سلّم فهو مخصّص بالأوامر هنا ، وهو أولى من حملها على الندب ، لأولوية التخصيص من المجاز حيثما تعارضا على الأشهر الأقوى.
    والقرينة الاُولى على الندبية على تقدير تسليمها معارضة بمثلها ، وهو تضمن بعضها ما هو للوجوب قطعاًً ، وبعد تعارضهما يبقى الأمر الظاهر في الوجوب عن الصارف سليماً.
    وأما القرينة الثانية فممنوعة ، إذ القراءة في النفس كناية عن الإخفاء بها ، كما شاع التعبير بها عنه في الأخبار ، ومنها ما ورد في الصلاة خلف المخالف (2) مع الاتفاق على وجوب القراءة الحقيقية فيها ، ولو سلّم فكيف يجعل القراءة في النفس التي ليست قراءة حقيقة ملفوظاً بها قرينة على استحبابها ، بل إبقاؤها على حقيقتها خلاف الإجماع قطعاًً ، وهو من أعظم الشواهد على أن المراد بها ما ذكرنا.
1 ـ التهذيب 3 : 45 ، 46 ، الاستبصار 1 : 437 ، النهاية : 115 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 145 ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 41 ، الكليني في الكافي 3 : 281 ح 4 ، الصدوق في المقنع : 36.
2 ـ الفقيه 1 : 260 / 1185 ، التهذيب 3 : 36 / 128 ، الاستبصار 1 : 430 / 1662 ، الوسائل 8 : 364 أبواب صلاة الجماعة ل 33 ح 4.


(289)
    وبالجملة : فالقول الثاني ـ كما عليه الحلّي والفاضل في جملة من كتبه كالتذكرة والمختلف والمنتهى وغيرهما (1) ـ ضعيف جداً.
    وهل الإخفات هنا ولو في الجهرية على الوجوب ، كما هو ظاهر الصحيحة الاُولى (2) وغيرها (3) ، وصريح المرتضى (4) ؟
    أو الندب كما يقتضيه الأصل ، وخلو باقي النصوص عنه ، وقوة ورود الأمر به لمراعاة ما يستحب اتفاقاً من عدم إسماع المأموم الإمام شيئاً ؟
    وجهان ، أحوطهما الأول ، إلّا مع عدم المتابعة بأن خرج الإمام عن الصلاة وقام المأموم إلى الركعة التي يجب عليه الجهر فيها بالقراءة ، فالأحوط الجهر وإن احتمل العدم ضعيفاً بتخيل اختصاص ما دلّ على وجوب الجهر بحكم التبادر بغير مفروضنا هذا ، لكن لا وجه لرجحان الإخفات هنا.
    ثمَّ إنه على المختار من وجوب قراءة السورتين يختص بحالة التمكن منهما ، وإلّا فالحمد خاصة مع إمكانها بلا إشكال ، لتصريح الصحيحة به وغيرها كالرضوي وغيره (5).
    ويشكل مع عدم التمكن منها أيضاًً ، فهل يأتي بها وإن فاته الركوع فيقرؤها ويلحق الإمام في السجود ، أم يتابعه في الركوع ويتركها ؟
    وجهان ، أجودهما الثاني كما بيّنته في الشرح مستوفى. ولكن مراعاة
1 ـ الحلبي في السرائر 1 : 286 ، التذكرة 1 : 182 ، المختلف : 159 ، المنتهى 1 : 384 ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان 3 : 326.
2 ـ المتقدمة في ص : 287.
3 ـ دعائم الاسلام 1 : 191 / 192 المستدرك 6 : 489 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1 ، 4.
4 ـ انظر جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 41.
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 144 ، دعاشم الاسلام 1 : 192 ، المستدرك 6 : 490 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 4.


(290)
الأول أحوط وأولى بأن لا يدخل مع الإمام إلا عند تكبيره للركوع إذا عرف عدم التمكن منها ، وإن دخل قبل ذلك فليقرأ منها الممكن ثمَّ ليتابعه في الركوع ويعيد الصلاة احتياطاً.
    وإذا جلس الإمام للتشهد وليس له محل للتشهد تجافى ولم يتمكن من القعود كما في الصحيح المتقدم وغيره (1).
    وهل هو على الوجوب كما هو الظاهر منهما ، وعليه الصدوق (2) ؟
    أم الندب ، كما هو ظاهر الأكثر للأصل ، وخلو كثير من النصوص عنه ، مع الأمر بالقعود في الموثق : عن رجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهد ، وليس خلفه إلّا رجل واحد عن يمينه قال : « لا يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته » (3) ؟
    وجهان ، أحوطهما الأول إن لم نقل بكونه المتعين ، لقوة مستنده بالإضافة إلى مقابلة بالأخصّية والصحة والتعدّد فيخص به الأصل والنص ، ويحمل القعود على ما يقابل القيام في الموثق.
    مع أنه لا بدّ فيه من ارتكاب خلاف ظاهر ، إذ لا قائل بوجوب القعود الحقيقي ولا استحبابه ، فحمله عليه موجب لشذوذ الموثق وندرته ، أو صرف الأمر فيه إلى خلاف ظاهره من الإباحة والرخصة ، وهو ليس بأولى من حمل‏
1 ـ معاني الاخبار : 300 / 1 ، المستدرك 6 : 501 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
2 ـ انظر الفقيه 1 : 256.
3 ـ الكافي 3 : 386 / 7 ، التهذيب 3 : 272 / 788 ، الوسائل 8 : 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 3.


(291)
القعود فيه على ما ذكرنا إن لم نقل بكونه أولى. وعليه فلا يمكن صرف الأمر في الصحيح وغيره عن ظاهره بمجرده ، مع اعتضاد هما بغيرهما كالصحيح : « من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه تجافى وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكناً » (1).
    وكيف كان لا ريب أن التجافي أولى.
    ويأتي بالتشهد استحباباً لأنه بركة ، كما في المعتبرين (2).
    خلافاً لجماعة فمنعوه عنه (3) ، وأثبت بعضهم بدله التسبيح(4) ، ولعلّه أحوط وإن كان لا بأس بالأول حيث لم يقصد به الأمر الموظّف ، بل قصد به الذكر المطلق.
    وإذا جاء محل تشهد المأموم فليلبث قليلاً إذا قام الإمام بقدر التشهد المجزي ثمَّ يلحقه ، كما مرّ في الصحيح.
    وينبغي أن يتابع الإمام في قنوته كما في الموثق (5) ، ويأتي بقنوت نفسه ، للعموم.
    ( السادسة ) : المأموم إذا أدركه أي الإمام ( بعد انقضاء الركوع ) الأخير بأن لم يجتمع معه بعد التحريمة في حدّه ( كبّر وسجد معه ) بغير ركوع‏
1 ـ الفقيه 1 : 263 / 1168 ، الوسائل 8 : 418 أبواب صلاة الجماعة ب 67 ح 2.
2 ـ الاول : التهذيب 3 : 56 / 196 ، المحاسن : 326 ، الوسائل 8 : 416 أبواب صلاة الجماعة ب 66 ح 1.
الثاني : الكافي 3 : 381 / 3 ، التهذيب 3 : 270 / 779 ، الوسائل 8 : 416 أبواب صلاة الجماعة ب 66 ح 2.
3 ـ منهم الشيخ في النهاية : 115 ، الحلبي في الكافي : 145 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 560 ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : 100.
4 ـ كالشيخ في النهاية : 115.
5 ـ التهذيب 2 : 315 / 1287 ، الوسائل 6 : 287 أبواب القنوت ب 17 ح 1.


(292)
( فإذا سلّم الإمام استقبل ) المأموم الصلاة واستأنفها من أوّلها بلا خلاف ، إلّا من الفاضل في المختلف ، فتوقف في استحباب الدخول (1) ، لورود النهي عنه في الصحيح (2).
    وفيه ـ بعد تسليم العمل به مع أنه خلاف الأظهر الأشهر كما مرّ في بحثه ـ أنّ المراد به الدخول على سبيل الاعتداد بالركعة ، لا على سبيل إدراك فضيلة الجماعة ، كما يفصح عنه تبديل النهي عن الدخول ب‍ « لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام » في الصحيح الآخر لراوي الأول (3) ، مع تصريح ثالث له أيضاًً بإدراك فضيلة الجماعة بإدراك الإمام وهو في السجدة الأخيرة (4) ، وهو شامل للمسألة بالأولوية.
    وما ذكرناه من الأجوبة أولى ممّا في المدارك من حمل النهي على الكراهة (5) ، إذ ليس فيها منافاة لما ذكره العلّامة من القدح في استحباب الدخول ، كما عليه الجماعة حاكمين بأنه يدرك به فضيلة الجماعة ، بل هو ضعيف.
    وأضعف منه ميله إلى موافقة العلّامة ، معلّلاً بعدم ثبوت التعبد بما عليه الجماعة لما عرفت من ثبوته بالصحيحة الثالثة بالأولوية في المسألة ، وفي موردها بالصراحة ، وقد اعترف هو بها في تلك المسألة. ونحوها ما سيأتي من المعتبرة.
1 ـ المختلف : 158.
2 ـ التهذيب 3 : 43 / 149 ، الاستبصار 1 : 434 / 1676 ، الوسائل 8 : 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.
3 ـ التهذيب 3 : 43 / 150 ، الاستبصار 1 : 435 / 1677 ، الوسائل 8 : 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 3.
4 ـ التهذيب 3 : 57 / 197 ، الوسائل 8 : 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.
5 ـ المدارك 4 : 385.


(293)
    هذا مضافاًً إلى صريح الخبر في المسألة المنجبر ضعف سنده وقصر دلالته بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، بل الإجماع في الحقيقة : « إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتدّ بها » (1).
    ومن ظاهر الشيخ والحلّي (2) ، فلم يوجبا الاستيناف ، قيل : لاغتفار الزيادة في المتابعة (3).
    وهو حسن مع وجود الدليل عليه ، وليس لا من إجماع كما هو ظاهر ، ولا من نصّ ، إذ لم نقف عليه عدا ما مرّ ، وليس فيه عدا بيان إدراك فضيلة الجماعة ، وهو لا يلازم اغتفار الزيادة.
    إلّا أن يجعل السكوت عن الأمر بالاستيناف دليلاً على عدم لزومه لورود النصّ مورد الحاجة.
    لكن في الخروج بمثله عن عموم ما دلّ على فساد العبادة بالزيادة من الاعتبار والرواية ـ كما عرفته غير مرّة ـ مناقشة ، سيّما مع احتمال عدم السكوت بعد الإتيان بقوله : « ولا تعتدّ بها » في الرواية الأخيرة ، لاحتمال رجوع الضمير فيها إلى الصلاة ، فتوافق المختار من عدم الاغتفار ، بل استدل بها عليه كما ذكره جماعة من الأصحاب (4).
    لكنه ضعيف ، لاحتمال رجوعه إلى الركعة أيضاًً ، فلا ينافي ما عليه الشيخ ومن تبعه مع أن هذا الاحتمال أولى ، لكون المرجع عليه مذكوراً قبل الضمير صريحاً ، بخلاف الأول ، لعدم سبق ذكر له قبله إلّا ضمنا.
1 ـ التهذيب 3 : 48 / 166 ، الوسائل 8 : 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 2.
2 ـ الشيخ في النهاية : 115 / والمبسوط 1 : 159 ، الحلي في السرائر 1 : 286.
3 ـ الذكرى : 275 ، المدارك 4 : 385.
4 ـ منهم : الاردبيلي في مجمع الفائدة 3 : 334 ، وصاحب الحدائق 11 : 252.


(294)
    ( وكذا ) الكلام فيما ( لو أدركه بعد السجود ) فيستحب له المتابعة له فيه ويستأنف الصلاة صلاة من أوّلها.
    وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكمين بين الإدراك بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة أو قبله.
    ولا إشكال في الحكم الأول على التقديرين ، ولا خلاف فيه أيضاًً إلّا ممّن سبق ، ويضعّفه ـ زيادة على ما مر في الجملة من الصحيح المصرّح بدرك فضيلة الجماعة والإمام في السجدة الأخيرة ـ القويّ المروي في الفقيه كما يأتي.
    والموثق : في الرجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلّا رجل واحد عن يمينه ، قال : « لا يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته » (1).
    والنبوي المروي في الوسائل عن مجالس الشيخ : « إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعتدّوها شيئاً » (2).
    والمقطوع : « إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثمَّ اجلس فإذا قمت فكبّر » (3).
    والأمر بالمتابعة ليس إلّا لإدراك فضيلة الجماعة كما صرّحت به الصحيحة السابقة وجماعة (4) ، وقصور السند أو ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة.
    وأما النصوص المخالفة للأخبار المزبورة كالموثق : عن رجل أدرك الإمام‏
1 ـ تقدم مصدره في ص 290.
2 ـ أمالي الطوسي : 399 ، الوسائل 8 : 394 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 7.
3 ـ الفقيه 1 : 260 / 1184.
4 ـ منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : 378 ، وصاحب المدارك 4 : 386 والمحقق السبزواري في الذخيرة : 402.


(295)
وهو جالس بعد الركعتين ، قال : « يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتى يقوم » (1).
    والخبر : « إذا وجدت الإمام ساجداً فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه ، وإن كان قاعداً قعدت وإن كان قائماً قمت » (2).
    فغير مكافئة لمقابلتها من وجوه عديدة ، أعظمها اعتضاد تلك مع صحة بعضها بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع في الحقيقة ، لعدم عامل بهذه أجده إلّا شيخنا الشهيد الثاني فعمل بها جامعاً بينها وبين الأخبار السابقة بالتخيير ، مفضّلاً للعمل بها على هذه (3).
    وهو حسن بعد المكافئة ، وهي مفقودة ، لرجحان تلك بما عرفته ، مع أن ظاهر هذه حرمة المتابعة وهو لا يقول بها ، وتنزيلها على ما ذكره فرع حجة هي في المقام مفقودة.
    وقريب منه في الضعف ما عن التذكرة وفي غيرها (4) من عدم إدراك فضيلة الجماعة إلّا بإدراك السجدة الأخيرة ، لضعفه بما عرفته من المعتبرة الآمرة بالمتابعة بإدراك الإمام بعدها ، وقد مرّ أنه ليس إلّا لإدراك الفضيلة.
    مضافاً إلى صريح القوية المروية في الفقيه في حديث قال : « ومن أدرك الإمام وهو ساجد سجد معه ولم يعتدّ بها ، ومن أدرك الإمام في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدرك وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة » (5).
1 ـ التهذيب 3 : 274 / 793 ، الوسائل 8 : 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 4.
2 ـ الكافي 3 : 381 / 4 ، التهذيب 3 : 271 / 780 ، الوسائل 8 : 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 5.
3 ـ انظر روض الجنان : 278.
4 ـ التذكرة 1 : 183 ؛ وانظر المفاتيح 1 : 167.
5 ـ الفقيه 1 : 265 / 1214 ، الوسائل 8 : 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.


(296)
    واحتمال كون هذه العبارة من الفقيه بعيد على ما يفهم من جماعة (1).
    وبصريحها مضافاًً إلى ظواهر الروايات السابقة يعدل عمّا ربما يفهم من الصحيحة المتقدمة من انحصار إدراك فضيلة الجماعة في إدراك الإمام في السجدة الأخيرة.
    ولا في الحكم الثاني (2) أيضاًً على التقدير الثاني (3) على المختار في المسألة السابقة من عدم اغتفار الزيادة ، إذ لا فرق بين المسألتين إلّا من حيث كون الزائد ثمّة ركناً وهنا غيره ، وهو غير صالح للفرق بعد اشتراكهما في تعمد الزيادة فإنه مبطل مطلقاًً على ما تقتضيه القاعدة العقلية والنقلية كما عرفته غير مرّة ، فما في الروضة (4) من الاغتفار هنا لا ثمة لا أعرف وجهه ، ويأتي على قول الشيخ (5) الاغتفار هنا أيضاًً ، بل بطريق أولى.
    ويشكل على التقدير الأول (6) ، لعدم زيادة فيه مبطلة إلّا التشهد ، وهو بركة كما مرّ في المعتبرة. هذا إن حصل فيه المتابعة ، وإلّا فليس إلّا القعود خاصة ، وهو غير مبطل بلا شبهة ، كما يفصح عنه الأمر به في المسبوق حيث لم يكن له محل للتشهد.
    نعم ، في المقطوعة السابقة الأمر بإعادة التكبيرة. وقطعها يمنع عن العمل بها في المسألة ، مع أني لا أجد قائلاً بها ولا أعرف ، مع أنها معارضة بالموثقة الاُولى المتقدمة ، لظهورها ، بل صراحتها في عدم لزوم الإتيان بالتكبيرة ،
1 ـ منهم : الفيض الكاشاني في الوافي 8 : 1230.
2 ـ وهو وجوب استيناف الصلاة.
3 ـ وهو ادراك الامام قبل رفع رأسه من السجدة الأخير.
4 ـ الروضة 1 : 384.
5 ـ راجع ص 293.
6 ـ وهو : ادراك المام بعد رفع رأسه من السجدة الأخير.


(297)
لقوله : « فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته ».
    وبالجملة : فعدم الاستيناف هنا أقوى.
    ويمكن أن يقيّد العبارة بصورة الإدراك في السجود لا بعده ، أو يقيّد التشبيه بالحكم الأول وهو استحباب الدخول ، لا الثاني وإن أو همته العبارة ، وعلى هذا التنزيل فلا مخالفة.
    ( السابعة : يجوز ) للمأموم ( أن يسلّم قبل الإمام مع العذر ) كنسيان أو عروض حاجة يخاف فوتها ( أو نية الانفراد ) بلا خلاف أجده ، بل في المدارك والذخيرة : أنه مقطوع به بين الأصحاب (1) ، مؤذنين بالإجماع عليه ، كما صرّح به المرتضى في الناصرية في التسليم قبله نسياناً (2) ، والفاضل في المنتهى في مطلق العذر مع نية الانفراد مطلقاًً (3) وهو الحجة.
    مضافاً إلى فحاوي الإجماعات الآتية والصحاح الصراح ، منها : في الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام ، قال : « ليس عليه بذلك بأس » (4).
    ومنها : في الرجل يكون خلف إمام فيطيل في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي‏ء أن يفوت أو يعرض له وجع ، كيف يصنع ؟ قال : « يسلّم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحب » (5).
    ومنها : عن الرجل يكون خلف إمام فيطيل في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي‏ء أن يفوت أو يعرض له وجع ، كيف يصنع ؟ قال : « يسلّم وينصرف ويدع الإمام » (6).
1 ـ المدارك 4 : 387 ، الذخيرة : 402.
2 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 201.
3 ـ المنتهى 1 : 385.
4 ـ التهذيب 3 : 55 / 189 ، الوسائل 8 : 414 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 4.
5 ـ الفقيه 1 : 257 / 1163 ، التهذيب 2 : 349 / 1445 ، الوسائل 8 : 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 3.
6 ـ الفقيه 1 : 261 / 1191 ، التهذيب 2 : 349 / 1446 ، قرب الإسناد : 207 / 803 الوسائل


(298)
    وإطلاق جملة منها يقتضي جواز المفارقة في ضرورة وغيرها ، بنيّتها وعدمها ، كما هو ظاهر الماتن في الشرائع وغيره (1) ، بل في روض الجنان والذخيرة (2) نسب إلى ظاهر الأصحاب والجماعة مشعرين بدعوى الإجماع ، وهو الأقوى.
    خلافاً لظاهر المتن والذكرى (3) فاعتبرا نيتها. ولم أعرف له وجهاً ، عدا الاتفاق على عدم جواز مفارقة المأموم الإمام في غير المقام من سائر أحوال الصلاة اختياراً من غير نيتها ، فكذا هنا ، وهو كما ترى ، ووجوب المتابعة في الأقوال كما عليه في الذكرى (4) ، لكنه خلاف الأشهر ، بل الأقوى ، فإني لم أقف على ما يدّل عليه صريحاً ، بل ولا ظاهراً ، مع إطلاق النصّ والفتوى هنا بجواز المفارقة مطلقاًً ، فإنّ فيه تأييدا للعدم ، كما نبّه عليه شيخنا في روض الجنان (5).
    وفي جواز المفارقة فيما عدا المقام بنيتّها من غير ضرورة قولان ، أظهرهما نعم ، وفاقاً للأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من المبسوط حيث أفسد الصلاة بالمفارقة لغير عذر (6) ، وهو غير صريح في المخالفة ، بل ولا ظاهر ظهوراً يعتدّ به ، لاحتمال اختصاصه بما إذا لم ينوها.
    وكذا كلام السيّد في الناصرية : إن تعمّد سبقه إلى التسليم بطلت‏
8 : 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.
1 ـ الشرائع 1 : 126 ؛ وانظر المعتبر 2 : 448.
2 ـ روض الجنان : 379 ، الذخيرة : 402.
3 ـ الذكرى : 278.
4 ـ الذكرى : 274.
5 ـ روض الجنان : 379.
6 ـ المبسوط 1 : 157.


(299)
صلاته (1) ، يحتمل التقييد بذلك أيضاً.
    وعن الخلاف الإجماع على الجواز (2) ، كالفاضل في ظاهر المنتهى وصريح التذكرة والنهاية (3).
    ولا حاجة لنا ـ بعد هذه الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع كما عرفته ـ إلى الاستدلال بما ذكره جماعة من اُمور لا تخلو عن مناقشة ، كأدلة القول بالمنع ، فإنها قاصرة ، عدا قاعدة وجوب تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة ، ويجاب عنها بحصولها بما عرفته.
    وأما الاستدلال للمنع بجملة من النصوص المتقدمة في بحث ما لو أحدث الإمام قدّم من ينوبه (4) ، من حيث الأمر فيها بالاستنابة ، مع تصريح الصحيح منها بأنه : « لا صلاة لهم إلّا بإمام » (5).
    فغريب بعد ما عرفت ثمة من أن ذلك على جهة الفضيلة لا الوجوب في ظاهر الأصحاب ، مع دعوى التذكرة عليه الإجماع (6) ، مع احتمال عدّ ذلك من قسم الضرورة المبيحة للمفارقة.
    وحيث جازت المفارقة فإن كانت قبل القراءة أتى بها ، ولو كان في أثنائها ففي البناء على قراءة الإمام ، أو إعادة السورة التي فارق فيها ، أو استيناف‏
1 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 237.
2 ـ الخلاف 1 : 552.
3 ـ المنتهى 1 : 384 ، التذكرة 1 : 175 ، نهاية الاحكام 2 : 128.
4 ـ راجع ص 261 و 262.
5 ـ الفقيه 1 : 262 / 1196 ، التهذيب 3 : 283 / 843 ، الوسائل 8 : 426 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.
6 ـ التذكرة 1 : 181.


(300)
القراءة من أوّلها ، أوجه ، أوجهها الأول ، وفاقاً لروض الجنان (1) ، لأن قراءة الإمام كافية عنهما. وأولى بالإجزاء ما لو فارقه بعدها.
    خلافاً للذكرى فأوجب في الموضعين استينافها (2) ، وهو أحوط وأولى. وأحوط منه ترك الانفراد فيهما إن كان مختاراً وإلّا فما ذكرنا ، وأحوط من جميع ذلك عدم مفارقة الإمام اختياراً مطلقاًً ، واضطراراً من غير نيّتها.
    ( الثامنة : النساء يقفن من وراء الرجال ) أو الإمام الذي يؤمّهنّ ( فلو جاء رجال ) آخرون ( تأخرن ) عنهم ( وجوباً إن لم يكن لهم موقف أمامهنّ ) بلا خلاف في أصل الرجحان ، بل صريح الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في جملة من كتبه كالمنتهى والتحرير (3) الوجوب ، بمعنى توقف (صحة ) (4) صلاة لرجل على تأخرهن ، لا الوجوب بالمعنى المعروف لبعده على إطلاقه.
    للأمر به في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح (5) ، والمرسل كالموثق (6) : عن الرجل يؤمّ المرأة في بيته ؟ قال : « نعم تقوم وراءه ».
    وفيه : « المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة والتطوع وتأتمّ به » (7).
    وفيه : أصلّي المكتوبة باُمّ علي ؟ قال : « نعم ، تكون على يمينك يكون‏
1 ـ روض الجنان : 378.
2 ـ الذكرى : 272.
3 ـ الشرائع 1 : 127 ، المنتهى 1 : 376 ، التحرير 1 : 53.
4 ـ ليست في « ش » و « م ».
5 ـ الكافي 3 : 376 / 1 ، التهذيب 3 : 267 / 757 ، الوسائل 8 : 333 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 5 ؛ والا يخفى أن في سنده محمد بن سنان ، وهو ضعيف على المشهور ، وقال الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح : هذا الرواية صحيحة عندي.
6 ـ التهذيب 3 : 31 / 112 ، الاستبصار 1 : 426 / 1645 ، الوسائل 8 : 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 4.
7 ـ التهذيب 2 : 379 / 1579 ، الوسائل 8 : 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 1.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس