رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 301 ـ 315
(301)
سجودها بحذاء قدميك » (1).
    وفي الخبر : عن الرجل يصلّي مع الرجل الواحد ومعهما النساء ؟ قال : « يقوم الرجل إلى جنب الرجل ويتخلّفن النساء خلفهما » (2).
    وفي الصحيح (3) وغيره (4) : « إذا كان معهنّ غلمان فأقيموهم بين أيديهن وإن كانوا عبيداً ».
    خلافاً لجماعة بل الأكثر ، فلم يوجبوه (5) ، بناءً على ما اختاروه في مسألة محاذاة المرأة للرجل في الصلاة من الكراهة ، مؤذنين بكونها هنا قول كلّ من قال بها ثمة.
    فإن تمَّ إجماعاً مركباً فلا محيص عمّا ذكروه ، إلّا أنه محل نظر ، فإنّ الفاضلين في كتبهما المسطورة مع اختيارهم الكراهة ثمة صرّحا بالوجوب في المسألة (6) ، ولذا اعترض الجماعة خالي العلّامة ـ أدام اللّه سبحانه أيامه ـ فقال على بناءً هذه المسألة على تلك : كون البناء على ذلك محل تأمل ، لأن هيئة الجماعة وظيفة شرعية ، والظاهر من الأخبار تعيّن تأخير النساء فيها ، فتأمل (7).
    أقول : لعلّ وجه التأمل هو قوة احتمال تحقّق الإجماع المركب. ولا ينافيه فتوى الفاضلين هنا بالوجوب مع تصريحهما ثمة بالكراهة ، لاحتمال تغير رأيهما
1 ـ التهذيب : 3 : 267 / 758 ، الوسائل 8 : 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 2.
2 ـ التهذيب 3 : 268 / 763 ، الوسائل 8 : 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 3.
3 ـ الفقيه 1 : 259 / 1179 ، الوسائل 8 : 343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 9.
4 ـ التهذيب 3 267 / 759 ، الوسائل 8 : 341 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 3.
5 ـ منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 560 ، وابن ادريس في السرائر 1 : 267 ، وصاحب المدارك 3 : 221 / وج 4 : 376 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 495.
6 ـ المحقق في الشرائع 1 : 126 ، العلامة في المنتهى 1 : 376.
7 ـ الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك ( المدارك الطبع الحجري ) : 240.


(302)
هنا ، كما هو الظاهر من المنتهى ، حيث صرّح في مسألة المحاذاة بكراهتها هنا أيضاًً ، فإنه ـ بعد أن نقل بعض الصحاح الدالة على فساد صلاة المرأة بمحاذتها في صلاة العصر لإمامها ـ قال ما لفظه : ووجه هذه الرواية أن المرأة منهية عن هذا الموقف فيختص الفساد بها ، لكن لما بيّنّا أن ذلك مكروهة حملنا الرواية على الاستحباب (1).
    ومع ذلك فقد استدل للوجوب في المسألة بالنبوية العامية : « أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه تعالى » (2) مع أنه أجاب عنها ثمة بأنها ليست من طرقنا فلا تعويل عليها.
    وكلماته هذه كما ترى صريحة في تغير رأيه ، لا القول بالفصل ، فيحتمل قوياً أن يكون بناؤه في غير الكتاب كذلك.
    وكذا الماتن هنا وفي الشرائع ، مع أنه فيه كغيره صرّح في تحرير تلك المسألة بما يعمّ صورتي الانفراد والجماعة ، وقال بعد نقل القولين : أن الأشبه الكراهة.
    وحيث تمَّ الإجماع المركب كان التأخر على الاستحباب ، لثبوته على المختار ثمة ، ويحمل الأخبار هنا على الكراهة ، كما حمل عليها نظيرها ثمة ، أو على التقية ، لموافقتها سيّما الصحيحة الأخيرة لمذهب أبي حنيفة على ما حكاه عنه في المنتهى ، ومع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه ، سيّما في المسألة.
    ( التاسعة : إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين ) جلس حتى إذا فرغوا من التشهد ( أومأ ) بيده ( إليهم ) يميناً وشمالاً ( ليسلّموا ثمَّ يتم ) هو ( ما بقي ) عليه ، كما في الصحيحين (3).
1 ـ المنتهى 1 : 242 ، 243.
2 ـ انظر المغني والشرح الكبير 2 : 37.
3 ـ الاول : الفقيه 1 : 262 / 1193 ، الوسائل 8 : 377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 1.


(303)
    فإن لم يدر ما صلّى الإمام قبله ذكره من خلفه ، كما في الصحيح (1).
    وفي رواية : إنه يقدّم رجلاً منهم ليسلّم بهم (2). وحملها في المنتهى على الاستحباب (3). وجعلها الشيخ أحوط (4). وفيه إشكال ، لضعف السند ، وعدم المقاومة لما مرّ.
    وقريب منه القول بالتخيير كما قيل (5) ، وتجويز المنتهى انتظارهم إلى فراغ الإمام ليسلّم بهم ، لعدم وضوح مستندهما ، عدا الجمع بين النصوص للأول ، وفيه ما مرّ ، والقياس بصلاة الخوف للثاني ، ولا حجة فيه.
الثاني : الكافي 3 : 382 / 7 ، الفقيه 1 : 258 / 1171 ، التهذيب 3 : 41 / 144 ، الاستبصار 1 : 433 / 1672 ، الوسائل 8 : 377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 3.
1 ـ الفقيه 1 : 2622 / 1194 ، الوسائل 8 : 377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 2.
2 ـ التهذيب 3 : 41 / 145 ، الاستبصار 1 : 433 / 1673 ، الوسائل 8 : 378 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 5.
3 ـ المنتهى 1 : 381.
4 ـ كما في التهذيب 3 : 41.
5 ـ قال به صاحب الحدائق 11 : 220.


(304)
( خاتمة ) :
في بيان جملة من أحكام المساجد
    وذيّلت بها صلاة الجماعة لغلبة وقوعها فيها ، فناسب ذكرها هنا وإن كان مبحث مكان المصلي ـ كما فعله جماعة (1) ـ أولى.
    وفضل اتخاذها والاختلاف إليها مجمع عليه بين المسلمين ، بل من ضروريات الدين منصوص به في الكتاب الكريم ( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (2).
    وفي الصحيح : « من بنى مسجداً بنى اللّه تعالى بيتا له في الجنة » (3).
    وفي ذيله وغيره (4) الاكتفاء فيه بنحو مفحص قطاة أو تسوية أحجار.
    و ( يستحب أن تكون المساجد ) المتخذة ( مكشوفة ) غير مظلّلة على المشهور ، كما في الصحيح : عن المساجد المظلّلة يكره المقام فيها ؟
    قال : « نعم ، ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم ، ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » (5).
1 ـ منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : 231 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة 248 ، والفاضل الهتدي في كشف اللثام 1 : 200.
2 ـ التوبة : 18.
3 ـ الكافي 3 : 368 / 1 ، التهذيب 3 : 264 / 748 ، الوسائل 5 : 203 أبواب أحكام المساجد ب 8 ح 1.
4 ـ الفقيه 1 : 152 / 704 ، الوسائل 5 : 204 أبواب أحكام المساجد ب 8 ح 2.
5 ـ الكافي 3 : 368 / 4 ، التهذيب 3 : 253 / 695 ، الوسائل 5 : 207 أبواب احكام


(305)
    وخصّ بعض المتأخرين الكراهة بنحو السقوف دون العريش (1) ، للصحيح الآخر المتضمن لفعل النبي صلّى اللّه عليه وآله له (2). ولا بأس به إن لم يفهم منه اختصاص فعله بصورة الضرورة كما ربما يفهم من سياقه.
    نعم في المرسل : « أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد ، فيكسرها ويأمر بها فتجعل عريشا ، كعريش موسى » (3).
    لكنه مع قصور سند يحتمل تقييد إطلاق الأمر بالعريش فيه على ما فهم من سابقة ، اللّهم إلّا أن يمنع عموم الصحيح السابق لنحو العريش ، بدعوى اختصاصه بحكم التبادر والعهد الخارجي بغيره ، سيّما إذا لو حظ ذيله وضمّ المرسل به ، فالتخصيص غير بعيد إن لم يتسامح في المستحب ودليله ، وإلّا فالعموم أولى لاشتهاره.
    وربما يفهم من الحلّي التأمل في هذا الحكم من أصله ، حيث نسبه إلى رواية ولم يفت به (4).
    ( و ) أن تكون ( الميضاة ) وهي المطهرة للحدث والخبث ( على أبوابها ) بلا خلاف ، للنبوي الخاصي : « واجعلوا مطاهركم على أبواب‏
المساجد ب 9 ح 2 ، بتفاوت.
1 ـ كصاحب المدارك 4 : 391.
2 ـ الكافي 3 : 295 / 1 ، التهذيب 3 : 261 / 738 ، معاني الأخيار : 159 / 1 ، الوسائل 5 : 205 ، أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 4.
3 ـ الفقيه 1 : 153 / 707 ، الوسائل 5 : 207 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1.
4 ـ السرائر 1 : 278.


(306)
مساجدكم » (1).
    وفي المنتهى وروض الجنان وغير هما (2) : ولئلّا يتأذى الناس برائحتها.
    وفي السرائر : ولا يجوز أن تكون داخلها (3). وهو حسن إن سبقت مسجدية محلّها ، لا مطلقاًً ، كما ذكره جماعة (4).
    ويكره فيه الوضوء من البول والغائط ، للصحيح (5). وربما حمل الوضوء فيه على المعنى اللغوي ، ولا وجه له بعد القول بثبوت الحقيقية الشرعية في أمثاله ، مع فتوى الأكثر به.
    ( و ) أن تكون ( المنارة مع حائطها ) على المشهور ، وفي النهاية : لا يجوز في وسطها (6). وهو حسن إن تقدمت المسجدية على بنائها.
    وفي الخبر : « لا ترفع المنارة إلّا مع سطح المسجد » (7).
    واستدل به في المنتهى على المطلب ، واستحباب عدم تعليتها على الحائط (8) ، كما أفتى به الأكثر.
1 ـ التهذيب 3 : 254 / 702 ، الوسائل 5 : 231 أبواب أحكام المساجد ب 25 ح 3.
2 ـ المنتهى 1 : 387 ، روض الجنان : 234 ؛ وانظر الذخيرة : 249.
3 ـ السرائر 1 : 279.
4 ـ منهم : الشهيد في الذكرى : 158 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 249.
5 ـ الكافي 3 : 369 / 9 ، التهذيب 3 : 257 / 719 ، الوسائل 1 : 492 أبواب الوصوء ب 57 ح 1.
6 ـ النهاية : 109.
7 ـ الفقيه 1 : 155 / 723 ، التهذيب 3 : 256 / 710 ، الوسائل 5 : 230 أبواب أحكام المساجد ب 25 ح 2.
8 ـ المنتهى 1 : 387.


(307)
    وفي الدلالة على الأول نظر ، ولذا لم يستدل به عليه أحد ، بل علّل بأن فيه التوسعة ورفع الحجاب بين المصلّين ، وهو أيضاًً لا يخلو عن نظر.
    ( وأن يقدّم الداخل يمينه ويخرج بيساره ) عكس المكان الخسيس كما قالوه ، للنص : « الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت وباليسرى إذا خرجت » (1).
    ( و ) أن ( يتعاهد نعله ) ويستعلم حاله عند دخوله ، استظهارا للطهارة ، وللمرتضوي : « تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم » (2).
    ( و ) أن ( يدعو داخلاً وخارجاً ) بالمأثور في الموثق (3) وغيره (4).
    ( وكنسها ) وخصوصا يوم الخميس وليلة الجمعة للرواية : « من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذرّ في العين غفر اللّه تعالى له » (5).
    ( والإسراج فيها ) ليلاً ، للخبر : « من أسرج في مسجد من مساجد اللّه تعالى إسراجا لم يزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في المسجد ضوء من ذلك السراج » (6).
1 ـ الكافي 3 : 308 / 1 ، الوسائل 5 : 246 أبواب أحكام المساجد ب 40 ح 2.
2 ـ التهذيب 3 : 255 / 709 ، الوسائل 5 : 229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 1.
3 ـ التهذيب 3 : 263 / 744 ، الوسائل 5 : 245 أبواب أحكام المساجد ب 39 ح 4.
4 ـ التهذيب 3 : 263 / 754 ، الوسائل 5 : 245 أبواب أحكام المساجد ب 39 ح 5.
5 ـ الفقيه 1 : 152 / 701 ، التهذيب 3 : 254 / 703 ، ثواب الأعمال : 31 ، أمالي الصدوق : 405 / 15 ، الوسائل 5 : 238 أبواب أحكام المساجد ب 32 ح 1.
6 ـ الفقيه 1 : 154 / 717 ، التهذيب 3 : 261 / 733 ، المقنع : 27 ، المحاسن : 57 / 88 ،


(308)
    ولا يشترط تردّد المصلّين ، لإطلاق الفتوى والنص.
    قيل : ولا يتوقف على إذن الناظر إذا كان من مال المسرّج ، وإذا كان من مال المسجد اعتبر ذلك ، ولو لم يكن ناظر استأذن الحاكم ، فإن تعذّر جاز ذلك لآحاد المسلمين (1).
    ( وإعادة ما استهدم ) بكسر الدال ، وهو المشرف على الانهدام ، فإنها في معنى عمارتها.
    ( ويجوز نقض المستهدم ) منها ( خاصة ) ، بل قد يجب إذا خيف من ضرر الانهدام.
    ولا يشترط في جوازه العزم على الإعادة ، لأن المقصود دفع الضرر ، وإعادته مستحب آخر.
    ويجوز النقض للتوسعة مع الحاجة إليها كما في المدارك وغيره (2) ، لعموم ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (3) وللصحيح المتضمن لأمر النبي صلّى اللّه عليه وآله به (4).
    وتردّد فيه الشهيدان (5) ، وربما يفهم ميلهما إلى الجواز ، قالا : وعليه فلا ينقض إلّا مع الظن الغالب بوجود العمارة.
    ( و ) كذا يجوز ( استعمال آلته ) من نحو الأحجار والأخشاب ( في غيره‏
الوسائل 5 : 241 أبواب أحكام المساجد ب 34 ح 1.
1 ـ المدارك 4 : 397.
2 ـ المدارك 4 : 396 ؛ وانظر المسالك 1 : 46.
3 ـ التوبة : 91.
4 ـ الكافي 3 : 295 / 1 ، التهذيب 3 : 261 / 738 ، معاني الاخبار : 159 / 1 ، الوسائل 5 : 205 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1.
5 ـ الذكرى : 157 ، روض الجنان : 235.


(309)
من المساجد ) خاصة ، إمّا مطلقاًً كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها ، أو إذا استهدم ولم يتمكن من إعادته كما في السرائر والمنتهى (1) ، لكن لم يذكر فيه الأخير قيداً.
    وذكر شيخنا في الروض والمسالك (2) جوازه مع استغنائه عنها ، أو تعذر استعمالها فيه ، أو كون الثاني أحوج ، لكثرة المصلّين ، حاكياً له عن الذكرى ، قال : للمصلحة ، ولأن المالك هو اللّه تعالى ، وأولى بالجواز صرف غلّة وقفه على غيره بالشرط ، ولا يجوز لغير ذلك.
    وزاد في المسالك : وليس كذلك المشهد ، فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر ، ولا صرف مال مسجد إليه مطلقاً.
    والتعليل الثاني مذكور في المنتهى ، وهو كما ترى.
    وفي المدارك بعد نقله : إن للنظر في هذا الحكم من أصله مجالاً ، والمتجه عدم جواز صرف مال المسجد إلى غيره مطلقاًً كالمشهد ، لتعلق النذر أو الوقف بذلك المحل المعين ، فيجب الاقتصار عليه ، نعم لو تعذر صرفه إليه أو علم استغناؤه عنه في الحال والمآل أمكن القول بجواز صرفه في غيره من المساجد والمشاهد ، بل لا يبعد جواز صرفه في مطلق القربة ، لأن ذلك أولى من بقائه إلى أن يعرض له التلف ، فيكون صرفه في هذا الوجه إحساناً محضاً ، وما على المحسنين من سبيل (3). انتهى. ووافقه في الذخيرة (4).
    وهو حسن ، إلّا أن ما احتملاه من جواز صرفه في سائر القرب حيثما
1 ـ السرائر 1 : 279 ، المنتهى 1 : 389.
2 ـ روض الجنان : 235 ، المسالك 1 : 47.
3 ـ المدارك 4 : 396.
4 ـ الذخيرة : 249.


(310)
يتعذر استعماله في المسجد أو المشهد المعيّن محل نظر ، بل الاقتصار على المتيقن يقتضي صرفه في مثله ، مع أنه أقرب إلى مقصود الواقف ونظره.
    ( ويحرم زخرفتها ) أي نقشها بالذهب ( ونقشها بالصور ) مطلقاًً (1) ، على ما ذكره الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في الإرشاد والمنتهى والشهيد في الذكرى (2) وعلّلوه بأن ذلك لم يعهد في عهده صلّى اللّه عليه وآله وعهد الصحابة فيكون بدعة ، وبالخبر : عن الصلاة في المساجد المصوّرة ، فقال : « أكره ذلك ولكن لا يضرّكم اليوم ، ولو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » (3).
    وهما كما ترى ، لضعف الأول بما لا يخفى. والثاني سنداً ، بل ودلالةً ، لأعمية الكراهة من التحريم لو لم نقل بظهورها في ضده ، مع أن المنهي عنه فيه على تقدير تسليمه إنما هو الصلاة فيه ، لا نفس التصوير ، فتأمل. ومع ذلك فهو نصّ في نفي المنع الآن.
    وبالجملة : فالخروج عن الأصل بمثل هذين الأمرين كما ترى ، نعم لا بأس بالكراهة مسامحة في أدلتها ، وهو خيرة جماعة (4) ، إلّا أن نقول بحرمة التصوير في غير المساجد ففيها أولى.
    ( وأن يؤخذ منها إلى غيرها من طريق أو ملك ) لأن الوقف للتأبيد وقد اتخذ للعبادة فلا ينصرف إلى غيرها ( و ) عليه ف‍ ( يعاد لو أخذ ) وكذا لو أخذ ملكاً أو جعل طريقاً. ولا خلاف في المقامين يعرف ، ويفهم من روض‏
1 ـ أي بالذهب أو غيره ، ذات روح كانت الصورة أو غيرها.
2 ـ الشرائع 1 : 127 ، الارشاد 1 : 250 ، المنتهى 1 : 388 ، الذكرى : 156.
3 ـ الكافي 3 : 369 / 6 ، التهذيب 3 : 259 / 726 ، الوسائل 5 : 215 أبواب أحكام المساجد ب 15 ح 1.
4 ـ منهم : الشهيد في الدروس 1 : 156 ، والمحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة 2 : 156 ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1 : 104.


(311)
الجنان (1). ( وإدخال النجاسة فيها ، وغسلها فيها ) لو تلوثت بها ، إجماعاً على الظاهر ، المحكي في ظاهر الذكرى ، وفيها بعد الحكم : قاله الأصحاب لقول النبي صلّى اللّه عليه وآله : « جنّبوا مساجدكم النجاسة » (2) ولأن كراهية الوضوء من البول والغائط يشعر به ، ولم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي ، والظاهر أن المسألة إجماعية ولأمر النبي صلّى اللّه عليه وآله بتطهير مكان البول (3) ، ولظاهر قوله تعالى : ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (4) وللأمر بتعاهد النعل. نعم الأقرب عدم تحريم إدخال نجاسة غير ملوثة للمسجد وفرشه ، للإجماع على جواز دخول الصبيان والحيّض من النساء جوازاً مع عدم انفكاكهم من نجاسة غالباً ، وقد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح والسلس والمستحاضة مع أمن التلويث (5).
    وعلى منهجه سلك شيخنا الشهيد الثاني في الروض ، غير أنه لم يدّع الإجماع على أصل الحكم ، وجعل ما استقربه من عدم التحريم مع عدم التلويث مذهب الأكثر (3).
    ولعلّه كذلك بين المتأخرين ، بل لم أقف فيهم على مخالف ، فلعلّه عليه عامتهم ، كما صرّح به بعضهم (7) ، مؤذناً بدعوى إجماعهم عليه ، فلا بأس به.
1 ـ روض الجنان : 238.
2 ـ الوسائل 5 : 229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2.
3 ـ الملهوف على قتلى الطفوف : 6 ، الوسائل 3 : 405 أبواب النجاسات ب 8 ح 5.
4 ـ التوبة : 28.
5 ـ الذكرى : 157.
6 ـ روض الجنان : 238.
7 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 105.


(312)
    وإن كان المنع مطلقاًً أحوط لدعوى الحلّي الإجماع عليه كما حكي (1) ، وقوة احتمال استنباطه من إطلاق الآية الكريمة وإن اختصت بالمشركين خاصة ، لظهورها في أن علّة المنع هي النجاسة ، وهي جارية في مفروض المسألة ، ونحوها الرواية النبوية وإن كانت مرسلة ، لأنها بموافقتها لها منجبرة ، وهما كما ترى مطلقتان شاملتان لصورتي التلويث وعدمه.
    وليس ما ذكره الشهيدان من أدلة الجواز في الصورة الثانية بعامة لجميع أفرادها حتى التي لم يتحقق فيها الإجماع وكانت محل النزاع ، لأن غاية تلك الأدلة إخراج مواردها خاصة من إطلاق الآية والرواية. وتتميمها بالإجماع المركب غير متوجه في محل الخلاف والبحث ، اللهم إلّا أن يدّعى حصول الظن من تتبع الجواز في تلك الموارد بالجواز في غيرها ، وهو في غاية القوة.
    مع إمكان المناقشة في دلالةً الآية والرواية : أما الاُولى فلعدم معلومية المراد ممّا فيها من لفظ النجس هل هو المعنى اللغوي أو المعنى المصطلح ، ولا يتم دلالتها إلّا بالثاني ، وهو غير معلوم ، بناءً على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في أمثاله ، وتعيينه بتفريع « فلا يقربوا » عليه غير متضح بعد عموم المعنى اللغوي للخبث الباطني الموجود في المشركين ، فلا ينافيه ، فتأمل.
    وأما الثانية فلاحتمال المساجد في مواضع الجبهة ، مع أنها ضعيفة السند ، والآية بعد المناقشة في دلالتها أيضاًً لا تصلح للجبر.
    وحيث ضعف الاستناد إليهما في أصل الحكم انحصر الدليل في إثباته في الإجماع ، وليس في مفروضنا لا محقّقاً ولا محكياً ، عدا إجماع الحلّي. وفي الخروج بمجرده عن الأصل القطعي المعتضد بعمل الأكثر ، بل عامة من‏
1 ـ حكاه عنه في الذخيرة : 250.

(313)
تأخر كما مرّ نظر ، مع أنه معارض بنقل الشهرة في روض الجنان على خلافه بقول مطلق ، وهي وإن لم تصلح للحجية إلّا أنها موهنة للإجماع المحكي إذا كانت محققة فكذا إذا كانت منقولة ، وسيّما إذا اعتضدت بالشهرة المتأخرة عن الحكاية شهرة محقّقةً ، وبظن الاستقراء المتقدم إليه الإشارة ، فمختار المتأخرين في غاية القوة.
    ( وإخراج الحصى منها ويعاد ) إليها أو إلى غيرها من المساجد ( لو أخرج ) كما في الخبر : « إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها مكانها أو في مسجد آخر ، فإنها تسبّح » (1).
    وظاهره وإن أفاد وجوب الردّ المستلزم للمنع عن الإخراج فحوىً ، مع عدم القائل بالفرق ، وعليه الفاضلان هنا وفي الشرائع والإرشاد والشهيدان في اللمعة وروض الجنان (2) ، إلّا أنه ضعيف السند ، فلا يمكن الخروج به عن الأصل. نعم ، لا بأس بالكراهة ، كما عليه جماعة منهم أكثر هؤلاء في المعتبر والتحرير والمنتهى والدروس والذكرى (3) ، حاكياً لها عن الشيخ أيضاًً ، مسامحةً في أدلّتها.
    وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحصى بين ما لو كان جزءاً من المسجد أو آلاته أو قمامة.
    خلافاً لجماعة فقيّدوه بالأول (4) ، ولعلّه للجمع بين النصوص هنا وما مرّ
1 ـ الفقيه 1 : 154 / 718 ، التهذيب 3 : 256 / 711 ، علل الشرائع : 320 /1 ، الوسائل 5 : 232 أبواب أحكام المساجد ب 26 ح 4.
2 ـ الشرائع 1 : 128 ، الارشاد 1 : 250 ، اللمعة ( الروضة البهية 1 ) : 219 ، روض الجنان : 238.
3 ـ المعتبر 2 : 452 ، التحرير 1 : 54 ، المنتهى 1 : 388 ، الدروس 1 : 156 ، الذكرى : 156.
4 ـ منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : 238 ، وصاحب المدارك 4 : 398 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 201.


(314)
في استحباب الكنس. وفي تعيينه نظر ، لاحتمال العكس بتقييد الثاني بغير الحصى ، فتأمل جدّاً.
    ( وتكره تعليتها ) اتباعا لسنّة النبي صلّى اللّه عليه وآله ، فإنّ مسجده كان قامة ، كما في الصحيح (1) وأن تشرّف أي يعمل لها شرف بضم الشين وفتح الراء ، جمع شرفة بسكون الراء ، والمراد بها ما يجعل في أعلى الجدران ، للخبر : « إن المساجد لا تشرّف بل تبنى جمّاً » (2).
    ( أو تجعل محاريبها داخلة ) في الحائط خلافاً كما ذكره جماعة (3) ، أو (4) في المساجد كما يستفاد من الرواية المرتضوية : « كان عليه السلام يكسر المحاريب إذا رآها في المسجد ويقول : كأنها مذابح اليهود » (5).
    وينبغي تقييدها بسبقها على المسجدية ، وإلّا حرمت ، كما صرّح به في روض الجنان (6).
    ( أو تجعل طرقا ) على وجه لا يلزم منه تغيير صورة المسجد وإلّا فيحرم ، وفي حديث المناهي المروي في الفقيه : « لا تجعلوا المساجد طرقاً حتى تصلّوا فيها ركعتين » (7).
1 ـ الكافي 3 : 259 / 1 ، التهذيب 3 : 261 / 738 ، معاني الاخبار : 159 / 1 ، الوسائل 5 : 205 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1.
2 ـ الفقيه 1 : 153 / 709 ، التهذيب 3 : 253 / 697 ، علل الشرائع 320 / 1 ، الوسائل 5 : 215 أبواب أحكام المساجد ب 15 ح 2.
3 ـ منهم الشهيدان في الذكرى : 156 ، والمسالك 1 : 47.
4 ـ في غير « ح » : و.
5 ـ الفقيه 1 : 153 / 708 ، التهذيب 3 : 253 / 696 ، علل الشرائع : 320 / 1 ، الوسائل 5 : 237 أبواب أحكام المسجد ب 31 ح 1.
6 ـ روض الجنان : 236.
7 ـ الفقيه 4 : 2 / 1 ، الوسائل 5 : 293 أبواب أحكام المساجد ب 67 ح 1.


(315)
    ( ويكره فيها ) أيضاًً ( البيع والشراء ، وتمكين المجانين ) والصبيان ( وإنفاذ الأحكام وتعريف الضوالّ وإقامة الحدود ) ورفع الصوت ، للنهي عنها في المرسل (1) وغيره ، وفيه بعد النهي عن رفع الصوت : إلّا بذكر اللّه تعالى (2) ، قيل : لحسن رفع الصوت بالأذان والتكبير والخطب والمواعظ وإن كان الأحوط عدم رفع الصوت فيما لم يتوقف الانتفاع به عليه ، ومعه يقتصر على ما تتأدى به الضرورة ، فإن المشهور كراهة الرفع مطلقاًً وإن كان في القرآن ، للأخبار المطلقة (3).
    وربما يقيّد الصبي بمن لا يوثق به ، أما من علم منه ما يقتضي الوثوق بمحافظته على التنزه عن النجاسات وأداء الصلوات فإنه لا يكره تمكينه بل يستحب تمرينه ، وذكر هذا التقييد شيخنا في روض الجنان عن بعض الأصحاب ساكتاً عليه ، ولا بأس به.
    واستدل فيه على كراهة إنفاذ الأحكام ـ زيادة على النص ـ بما فيه من الجدال والتخاصم والدعاوي الباطلة المستلزمة للمعصية في المسجد المتضاعف بسببه العصيان (4).
    لكن ظاهره عدم الكراهة ، كما صرّح به جماعة ، ومنهم الشيخ في الخلاف والحلّي والفاضل في المختلف (5) ، قالوا : لأن أمير المؤمنين عليه السلام حكم في مسجد الكوفة وقضى بين الناس بلا خلاف ، ودكّة القضاء إلى‏
1 ـ التهذيب 3 : 249 / 682 ، الخصال : 410 / 13 ، علل الشرائع : 114 / 2 ، الوسائل 5 : 233 أبواب أحكام المساجد ب 27 ح 1.
2 ـ المستدرك 3 : 381 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 2.
3 ـ قال به العلامة المجلسي في البحار 80 : 349.
4 ـ انظر روض الجنان : 236.
5 ـ الخلاف 2 : 589 ، الحلي في السرائر 1 : 279 ، المختلف : 690.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس