رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 316 ـ 330
(316)
يومنا هذا معروفة ، ولأن الحكم طاعة فجاز إيقاعها فيها ، لأن وضعها للطاعة ، وحملوا الرواية على وجوه غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلة.
    ( وإنشاد الشعر ) وقراءته للنبوي الخاصي الناهي عنه الآمر بأن يقال للمنشد : فضّ اللّه فاه (1).
    وروي نفي البأس عنه في الصحيح (2) ، ويحمل على الرخصة جمعاً.
    قال في الذكرى : ليس ببعيد حمله على ما يقلّ منه ويكثر منفعته ، كبيت حكمة ، أو شاهد على لغة في كتاب اللّه تعالى وسنّة نبيه صلّى اللّه عليه وآله وشبههما ، لأنه من المعلوم أن النبي صلّى اللّه عليه وآله كان ينشد بين يديه البيت والأبيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك (3).
    وألحق بعض الأصحاب به ما كان منه موعظةً أو مدحاً للنبي صلّى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام أو مرثيةً للحسين عليه السلام أو نحو ذلك ، لأنه عبادة ولا ينافي الغرض المقصود من المساجد (4).
    ولا بأس بذلك كلّه وفاقاً لجماعة من المتأخرين (5) ، لذلك ، مع احتمال اختصاص النهي بما هو الغالب من الإشعار يومئذ الخارجة عن هذه الأساليب ، وللصحيح : عن إنشاد الشعر في الطواف ، فقال : « ما كان من الشعر لا بأس به‏
1 ـ الكافي 3 : 369 / 5 ، التهذيب 3 : 259 / 725 ، الوسائل 5 : 213 أبواب أحكام المساجد ب 14 ح 1.
2 ـ التهذيب 3 : 249 / 683 ، قرب الإسناد : 289 / 1143 ، الوسائل 5 : 213 أبواب أحكام المساجد ب 14 ح 1.
3 ـ الذكرى : 156.
4 ـ جامع المقاصد 2 : 151.
5 ـ منمه : صاحب المدارك 4 : 402 ، والعلامة المجلسي في البحار 80 : 364 ، وصاحي الحدائق 7 : 289.


(317)
فلا بأس به » (1).
    ( وعمل الصنائع ) للصحيح الناهي عن سلّ السيف وبري النبل فيه ، معلّلاً بأنه بني لغير ذلك (2) ، ونحوه في التعليل غيره (3) ، وهو دليل العموم وإن اختص المورد ببعض أفراده ، مع أنه نسبه في الذكرى إلى الأصحاب (4) ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه.
    وذكر جماعة اختصاص الكراهة بما إذا لم يناف العبادة وإلّا فالحرمة (5) ، وهو كذلك.
    ( والنوم ) فيها من غير ضرورة ، قال في الذكرى : قاله الجماعة (6). مشعراً بدعوى الإجماع ، وتردّد فيه لولاه ، ولعلّه لعدم دليل عليه ، إلّا ما قيل من رواية ضعيفة السند والدلالة (7) ، معارضة بأقوى منها سنداً ناف للبأس عنه فيما عدا المسجدين (8) ولذا قيل بالكراهة فيهما خاصة (9) ، مع أن في جملة من‏
1 ـ التهذيب 5 : 127 / 418 ، الاستبصار 2 : 227 / 784 ، الوسائل 13 : 402 أبواب الطواف ب 54 ح 1.
2 ـ الكافي 3 : 369 / 8 ، التهذيب 3 : 258 / 724 ، الوسائل 5 : 217 أبواب أحكام المساجد ب 17 ح 1.
3 ـ علل السرائع : 319 / 1 ، الوسائل 5 : 218 أبواب أحكام المساجد ب 17 ح 3.
4 ـ الذكرى : 157.
5 ـ منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : 237 ، وصاحب المدارك 4 : 403 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 250.
6 ـ الذكرى : 157.
7 ـ الكافي 3 : 371 / 15 ، التهذيب 3 : 258 / 722 ، الوسائل 7 : 233 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 3.
8 ـ الكافي 3 : 370 / 11 ، التهذيب 3 : 258 / 721 ، الوسائل 5 : 219 أبواب أحكام المساجد ب 18 ح 2.
9 ـ انظر المدارك 4 : 403.


(318)
النصوص نفيه فيهما أيضاًً (1) ، فغير هما أولى ، لكنها محتملة للاختصاص بحال الضرورة كما يشهد به سياقها.
    ومع ذلك فالكراهة مطلقاًً أولى ، بناءً على التسامح في أدلتها ، والاكتفاء فيها بفتوى الفقهاء ، مع احتمال كونها إجماعاً كما يفهم من الذكرى ، وتحمل الروايات النافية للبأس على نفي الحرمة أو تأكد الكراهة ، أو الضرورة كما عرفته.
    هذه (2) في المطلق منها ، ويحمل المفصّل منها بين المسجدين وغير هما على تفاوت مراتب الكراهة شدّةً وضعفاً ، كلّ ذلك جمعاً.
    ( ودخولها وفي الفم رائحة ) مؤذية من نحو رائحة ( البصل أو الثوم ) أو الكراث ، للنصوص المستفيضة (3).
    ويتأكد في الثوم حتى ورد : « أعد كلّ صلاة صلّيتها ما دمت تأكله » (4) وحمله الشيخ على الكراهة المغلّظة ، قال : بدلالة الأخبار الأوّلة والإجماع الواقع على أن أكل هذه الأشياء لا يوجب الإعادة (5).
    ( وكشف العورة ) مع أمن المطّلع ، قالوا : لمنافاته التعظيم.
    ويكره أيضاًً كشف السرّة والفخذ والركبة ، وفاقاً لجماعة (6) ، بل عن ظاهر النهاية القول بالحرمة (7) ، للنبوية القائلة إن كشفها فيه من العورة (8).
1 ـ الوسائل 5 : 219 أبواب أحكام المساجد ب 18 ح 1 ، 4 ، 5.
2 ـ أي : هذه المحامل.
3 ـ الوسائل 5 : 226 أبواب أحكام المساجد ب 22.
4 ـ التهذيب 9 : 96 / 419 ، الاستبصار 4 : 92 / 352 ، الوسائل 25 : 216 أبواب الاطعمة المباحة ب 128 ح 8.
5 ـ راجع الاستبصار 4 : 92.
6 ـ منهم : العلامة في المختلف : 160 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 237 ، والمحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة 2 : 155.
7 ـ النهاية : 16.
8 ـ التهذيب 3 : 263 / 742 ، الوسائل 5 : 244 أبواب أحكام المساجد ب 37 ح 1.


(319)
    ويمكن درج المذكورات في العبارة ، بأن يراد من العورة فيها ما يتأكد استحباب ستره في الصلاة ، لأنه أحد معانيها.
    وقتل القمل ، بل ينبغي دفنه في التراب ، كما في الصحيح (1) وغيره (2) ، وهما وإن لم ينصّا على الكراهة بل على دفنه في التراب خاصة ، إلّا أنهما مشعران بها ، مع أنها نسبت في الذكرى إلى أصحابنا (3).
    ( والبصاق ) وفي معناه التنخم ( فإن فعله ستره بالتراب ) للخبر (4).
    وفي آخر : « من وقّر بنخامته المسجد لقي اللّه تعالى يوم القيامة ضاحكاً وأعطاه كتابه بيمينه » (5).
    وفي ثالث : « من تنخع في المسجد ثمَّ ردّها في جوفه لم يمرّ بداء في جوفه إلّا أبرأته » (6).
    وبمعناهما أخبار كثيرة (7).
( الرابع : في صلاة الخوف وأحكامها )
    والأصل في شرعيتها مطلقاًً (8) ـ بعد إجماعنا وأكثر العامة ـ الكتاب والسنّة
1 ـ الكافي 3 : 367 / 4 ، الوسائل 7 : 275 أبواب قواطع الصلاة ب 20 ح 4.
2 ـ الكافي 3 : 368 / 6 ، الوسائل 7 : 275 أبواب قواطع الثلاة ب 20 ح 5.
3 ـ الذكرى : 157.
4 ـ المحاسن : 320 / 58 ، الوسائل 5 : 224 أبواب اجكام المساجد ب 20 ح 4.
5 ـ التهذيب 3 : 256 / 713 ، الاستبصار 1 : 442 / 1705 ، الوسائل 5 : 223 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 2.
6 ـ الفقيه 1 : 152 / 700 ، التهذيب 3 : 256 / 714 ، الاستبصار 1 : 442 / 1706 ، ثواب الأعمال : 18 ، الوسائل 5 : 223 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 1.
7 ـ الوسائل 5 : 221 ، 223 أبواب أحكام المساجد ب 19 ، 20.
8 ـ أي حتي في حق غير النبي صلي الله عليه وآله. منه رحمه الله.


(320)
المستفيضة ، بل المتواترة ، قال اللّه سبحانه ( وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ) الآية (1).
    ( وهي مقصورة سفرا ) إذا كانت رباعية إجماعاً ( و ) كذا ( حضرا ) مطلقاًً ( جماعة وفرادى ) على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة متأخري أصحابنا لإطلاق الآية المتقدمة في الجملة وقوله سبحانه ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ ) (2) الآية.
    لبناء التقصير فيه على وصفين : السفر والخوف ، فإمّا أن يكون كلّ منهما سبباً مستقلاً ، أو لا ، وعليه إمّا أن يكون المجموع هو السبب ، أو أحد هما بشرط الآخر ، لا سبيل إلى ما عدا الأول ، لمخالفته بجميع شقوقه الإجماع ، إلّا اشتراط التقصير في الخوف بالسفر ، وهو وإن لم يخالف الإجماع إلّا أن تعيينه ترجيح من غير سبب ، فتعيّن الأول ، وعليه فيتم المطلب ، كذا قيل (3) ، ولا يخلو عن نظر.
    وللصحيح : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعاً ؟ قال : « نعم ، وصلاة الخوف أحقّ أن تقصر من صلة السفر الذي لا خوف فيه » (4).
    وأظهر منه بالإضافة إلى الشمول لحال الانفراد آخر : « إذا جالت الخيل وتضطرب بالسيوف أجزأت التكبيرة » (5) لبعد الجماعة في هذه الحال.
1 ـ النساء : 102.
2 ـ النساء : 101.
3 ـ قال به الفاضل المقداد في التنقيح 1 : 280.
4 ـ الفقيه 1 : 294 / 1342 ، التهذيب 3 : 302 / 921 ، الوسائل 8 : 433 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 1 بتفاوت.
5 ـ الكافي 3 : 457 / 1 ، التهذيب 3 : 300 / 913 ، الوسائل 8 : 445 أبواب صلاة الخوف ب 4


(321)
    خلافاً لنادر غير معروف ـ وإن حكاه الحلّي والشيخ عن بعض الأصحاب في السرائر والخلاف والمبسوط (1) ـ فلا تقصير إلّا في السفر.
    وللمبسوط والسرائر (2) ، فتقصر في الحضر جماعة لا فرادى.
    ولا دليل على القولين عدا الأصل المخصّص بما مرّ ، مع ندور هما ، ولا سيّما الأول ، وربما أشعر بالإجماع على خلافه عبارة الخلاف والسرائر (3) ، فلا شبهة في ضعفه كالثاني.
    وإطلاق النص والفتوى يقتضي جواز التقصير وإن تمكن من الصلاة بتمامها ، وقيّده في الدروس بعدم التمكن (4) ، ولعلّه لبعد انصراف
    الإطلاق بحكم التبادر وغيره إلى غيره ، فيشكل الخروج بمجرّده عن الأصل المقطوع به ، ولا بأس به.
    والمشهور أن القصر هنا كما في السفر من ردّ الرباعيتن إلى الركعتين. خلافاً للمحكي عن الإسكافي فالركعتين ينقص منهما واحدة (5) ، كما في الصحيح (6) وغيره (7).
    وهو نادر ، ومستنده ـ مع عدم صراحته واحتماله الحمل على ما يؤول إلى الأول ، أو التقية كما صرّح به جماعة (8) ـ عن المقاومة لما سيأتي من النصوص‏
ح 7 ، وفي الجميع : اجزاء تكبيرتان.
1 ـ السرائر 1 : 346 ، الخلاف 1 : 637 ، المبسوط 1 : 163.
2 ـ المبسوط 1 : 165 ، السرائر 1 : 348.
3 ـ الخلاف 1 : 638 ، السرائر 1 : 346.
4 ـ الدروس 1 : 214.
5 ـ كما نقله عنه في المختلف : 151.
6 ـ الكافي 2 : 458 / 4 ، التهذيب 3 : 300 / 914 ، الوسائل 8 : 434 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 3.
7 ـ الفقيه 1 : 295 / 1343 ، الوسائل 8 : 433 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 2.
8 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 412 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 403 ، وصاحب


(322)
المستفيضة قاصر.
    ( وإذا صلّيت ) هذه الصلاة ( جماعة والعدو في خلاف ) جهة ( القبلة ولا يؤمن هجومه ) أي العدو ( وأمكن أن يقاومه بعض ويصلّي مع الإمام الباقون جاز أن يصلّوا صلاة ذات الرقاع ) بلا خلاف.
    ( وفي كيفيتها روايتان ) مختلفتان ( أشهرهما رواية الحلبي ) الصحيحة عن مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال ما حاصله :
    ( يصلّي الإمام ) في الثنائية ( بالاُولى ركعة ويقوم في الثانية ) ويقومون معه فيمتثل (1) قائماً ( حتى يتموا ) الركعة الثانية ثمَّ يسلّم بعضهم على بعض ثمَّ ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ( ثمَّ تأتي ) الطائفة ( الاُخرى ) فيقومون خلفه ( فيصلي بهم ركعة ) يعني الثانية ( ثمَّ يجلس ويطيل ) التشهد ( حتى يتم من خلفه ) ركعتهم الثانية ( ثمَّ يسلّم بهم ) وينصرفون بتسليمة.
    ( وفي المغرب يصلّي بالاُولى ركعة ) ثمَّ يقوم ويقومون ( ويقف في الثانية حتى يتموا ) الركعتين الباقيتين ويتشهدون ويسلّم بعضهم على بعض وينصرفون ويقفون موقف أصحابهم ( ثمَّ يأتي الآخرون ) ويقفون موقف أصحابهم ( فيصلّي بهم ركعتين ) يقرأ فيهما ( ويجلس عقيب الثالثة ) ويتشهد ( حتى يتم من خلفه ثمَّ يسلّم )(2).
    ولا خلاف فيما تضمنته في الثنائية فتوىً وروايةً إلّا ما سبق إليه الإشارة ، وقد عرفت شذوذه ، بل على خلافه الإجماع في عبائر جماعة كالخلاف والناصرية
الحدائق 11 : 268.
1 ـ في المصادر : « فيمثل » يقال : مثل بين يديه مثولاً : أب : انتصب قائماً بين يديه. مجمع البحرين 5 : 471.
2 ـ الكافي 3 : 455 / 1 ، التهذيب 3 : 171 / 379 ، الاستبصار 1 : 455 / 1766 ، المقنع : 39 ، الوسائل 8 : 436 أبواب صلاة الخوف ب 2 ح 4.


(323)
وظاهر المنتهى وغيره من كتب الجماعة (1) ، وهو الرواية الثانية في الثنائية من الروايتين المشار إليهما في العبارة إن عمّمناهما فيها إليها ، كما هو ظاهرها ، وصرّح به في التنقيح أيضاًً (2) ، لكنها مطلقة غير معلومة الشمول لمفروض المسألة وهو الصلاة في جماعة ، وعلى تقديره فينبغي تقييدها بالنصوص في المسألة ، فيبعد التعميم في العبارة ، ويكون المراد بالروايتين في المغرب خاصة كما في التنقيح عن بعض الشارحين (3).
    والرواية الثانية فيها صحيحه أيضاًً متضمنة لعكس ما في الاُولى من صلاة الإمام ركعتين بالطائفة الاُولى وركعة بالأخرى (4).
    ولاختلافهما اختلف الأصحاب ، فبين مقتصر على الاُولى غير ذاكر للثانية أصلاً وهم الأكثر على الظاهر ، المصرّح به في الذكرى (5) (6) ، وبين مخيّر بينهما كأكثر المتأخرين (7) ، وفاقاً لجماعة من القدماء (8).
    واختلف هؤلاء في الأفضل منهما ، فالأكثر ومنهم القدماء على أنّه الاُولى ، خلافاً للتذكرة فالثانية (9) ، وفاقاً لبعض العامة العمياء (10).
1 ـ الخلاف 1 : 640 الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 203 ، المنتهى 1 : 401 ؛ وانظر المدارك 4 : 415.
2 ـ التنقيح الرائع 1 : 280.
3 ـ التنقيح الرائع 1 : 281.
4 ـ التهذيب 3 : 301 / 917 ، الاستبصار 1 : 456 / 1767 ، تفسير العياشي 1 : 272 / 257 ، الوسائل 8 : 436 أبواب صلاة الخوف ب 2 ح 2.
5 ـ الذكرى : 262.
6 ـ في « م » زيادة : والمسالك ( 1 : 48 ).
7 ـ منهم : المحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3 : 347 ، صاحب المدارك 4 : 418.
8 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 164 ، والحلبي في الكافي : 146.
9 ـ التذكرة 1 : 169.
10 ـ انظر مغني المحتاج 1 : 303 ، والمغني لابن قدامة 2 : 262.


(324)
    والذي يقتضيه النظر تعيّن الاُولى لكثرتها حتى ادعى العماني تواترها (1) ، وصحة جملة منها ، واعتضادها بفتوى أكثر القدماء ، مع كون جواز العمل بها مقطوعاً به بين الفقهاء ولذا جعله الشيخ ـ رحمه اللّه ـ في الاقتصاد أحوط (2) ، مع أنّ بعضها لراوي الثانية أيضاً.
    إلّا أن ظاهر المنتهى (3) الإجماع على التخيير (4) ، فلا يبعد المصير إليه جمعاًً ، مع قيامه عليه شاهداً ، إلّا أن الاحتياط في العمل بالاُولى ، لحصول البراءة بها يقيناً.
    واحترز بقوله : والعدوّ في غير جهة القبلة ، عمّا لو كان إلى جهتها.
    وبقوله : لا يؤمن هجومه ، عمّا لو أمن.
    وبقوله : وأمكن أن يقاومه بعض إلى آخره ، عمّا لو احتيج إلى تفريق الطوائف أكثر من فرقتين.
    فإنه لا يجوز هذه الصلاة في هذه الصور الثلاث على المشهور بين الأصحاب ، بل المقطوع به في كلامهم ، على ما ذكره في المدارك في الاُولى (5) ، مشعراً بدعوى الإجماع ، كما هو ظاهر المنتهى (6) ، مع أنه حكى عن التذكرة الخلاف ، لكنّه شاذ.
    ولا ريب في الثانية لانتفاء الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة فيها. وكذا في الثالثة في الثنائية ، لتعذر التوزيع فيها ، أما الثلاثية فقد قطع‏
1 ـ كما نقله عنه في المختلف : 151.
2 ـ الاقتصاد : 270.
3 ـ المنتهى 1 : 402.
4 ـ في « م » زيادة : كما عن صريح الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 561.
5 ـ المدارك 4 : 414.
6 ـ المنتهى 1 : 403.


(325)
الشهيدان بجواز هذه الصلاة بتفريق الطوائف ثلاث فرق وتخصيص كل فرقة بركعة (1).
    وهو إنما يتم إذا جوّزنا الانفراد اختياراً ، وإلّا فالمتجه المنع ، لأن المروي أنه يصلي في الثلاثية ركعة بقوم وركعتين بالباقين ، وبهذا التحقيق صرّح جماعة كصاحبي المدارك والذخيرة (2).
    ( وهل يجب ) على المصلّين ( أخذ السلاح ) وآلة الدفع من نحو السيف والخنجر والسكّين ، وما يكنّ من نحو الدرع والجوشن والمغفر ؟
    فيه تردّد واختلاف بين الأصحاب ، فبين من قال بالاستحباب كالإسكافي (3) ، ونفى عنه البعد بعض المتأخرين (4) ، للأصل وقوة ورود الأمر به في الكتاب للإرشاد (5) ، وبين من جعل أشبهه الوجوب ما لم يمنع أحد واجبات الفرض من ركوع أو سجود ، وهم أكثر الأصحاب ، بل عامتهم ، عدا من مرّ عملاً بظاهر الأمر ومنع كونه للإرشاد بعدم عدم دليل عليه ، ومجرد احتماله غير ضارّ.
    وبفحواه يستدل على وجوب الأخذ على الفرق المقاتلة ، مضافاًً إلى توقف الحراسة الواجبة عليه ، وهو خيرة الحلّي وغيره (6).
1 ـ الذكرى : 263 ، المسالك 1 : 47.
2 ـ المدارك 4 : 414 ، الذخيرة : 402.
3 ـ نقله عنه في المختلف : 152.
4 ـ كصاحب المدارك 4 : 420.
5 ـ النساء : 102.
6 ـ الحلي في السرائر 1 : 347 ؛ وانظر نهاية الاحكام 2 : 197.


(326)
    واحترز بقوله : ما لم يمنع ، عمّا لو منع فإنه لا يجب ، بل لا يجوز إلّا مع الضرورة فيجب.
    ( وهنا مسائل ) ثلاث :
    ( الاُولى : إذا انتهى الحال ) في الخوف والقتال إلى المسايفة أو المعانقة أو نحوهما مما لا يتمكن معه من الصلاة على الوجوه المقررة في أنواع صلاة الخوف ( ف‍ ) لا تسقط ( الصلاة ) بل تجب ( بحسب الإمكان واقفاً أو ماشياً أو راكباً ) ويركع ( ويسجد ) مع الإمكان ولو ( على قربوس سرجه ، وإلّا ) يتمكن من شي‏ء منهما أو أحد هما أتى بالممكن ( مومياً ).
    ( ويستقبل ) في جميع صلاته ( القبلة ما أمكن ) وإلّا فبحسب الإمكان في بعض الصلاة ( وإلّا ) ف‍ ( بتكبيرة الإحرام ) إن أمكن وإلّا سقط الاستقبال.
    ( ولو لم يتمكن من الإيماء ) للركوع والسجود ( اقتصر ) بعد نية الصلاة ( على تكبيرتين ) عن الصلاة ( الثنائية و ) على ( ثلاث ) تكبيرات ( عن ) الصلاة ( الثلاثية ).
    وبالجملة : اقتصر عن كل ركعة بما فيها من الأفعال والأذكار بتكبيرة.
    ( و ) صورتها أن ( يقول في كل واحدة : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر فإنه يجزى عن ) القراءة و ( الركوع والسجود ) بلا خلاف في شي‏ء من ذلك أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (1) ، والصحاح بها مستفيضة ، مؤيدة بغيرها من المعتبرة ، لكنها قاصرة عن إفادة التفضيل المذكور في عبائر الجماعة من وجوب الإتيان بالواجبات والشروط بحسب الإمكان ، وإلّا فما دون ، وإلّا فالسقوط. إلّا أنه جاء بعد الإجماع ممّا
1 ـ منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 561 ، وصاحب المدارك 4 : 422 ، والمحق السبزواري في الذخيرة : 404 ، وصاحب الحدائق 11 : 288.

(327)
دلّ عيل أن : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (1).
    مع أن في الصحيح : « يصلّي ويجعل السجود أخفض من الركوع ، ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة » (2).
    وهو صريح في وجوب الاستقبال في التكبيرة مع الإمكان ، فكذا في غيرها ، لعدم قائل بالفرق بينهما. ولا ينافيه تصريحه بعدم الوجوب في غيرها لاحتمال وروده مورد الغالب من عدم الإمكان فيه.
    وبنحوه يجاب عن إطلاق باقي النصوص الغير المعتبرة للاستقبال ونحوه من الواجبات ، بحملها على الغالب أيضاًً ، كما يحمل الأمر بالاستقبال في التكبيرة فيه على صورة الإمكان بالاعتبار والإجماع.
    ثمَّ إن مقتضى إطلاق النصوص وأكثر الفتاوي إجزاء التكبيرة مع تعذر الإيماء عن الركعة بما فيها من الأفعال والأذكار حتى تكبيرة الإحرام والتشهد والتسليم ، خلافاً لجماعة فاستثنوا الثلاثة (3) ، وهو أحوط وإن لم يظهر له وجه ، كما صرّح به جمع ممّن تأخر (4).
    واعلم : أن ما ذكروه في كيفية التكبير غير مستفاد من النصوص التي عثرت عليها في المسألة ، بل المستفاد من بعضها إجزاء مجردها (5) ، ومن آخر التخيير في ترتيب التسبيحات كيف شاء (6) ، وبذلك اعترف جماعة ومنهم‏
1 ـ عوالي اللالي 4 : 58 / 205.
2 ـ الكافي 3 : 459 / 6 ، الفقيه 1 : 295 / 1348 ، التهذيب 3 : 173 / 383 ، الوسائل 8 : 441 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 8.
3 ـ كالعلامة في القواعد 1 : 48 ، والتحرير 1 : 55 ، والشهيدين في الذكرى : 265 ، واروض : 382.
4 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 423 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 404.
5 ـ التهذيب 3 : 300 / 916 ، الوسائل 8 : 446 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 9.
6 ـ الكافي 3 : 457 / 2 ، التهذيب 3 : 173 / 384 ، وفي التفسير العياشي 1 : 272 / 257 عن زرارة


(328)
الشهيد في الذكرى (1) ، لكن استجود تعيّن ما ذكروه ، للإجماع على إجزائه ، وعدم تيقن الخروج من العهدة بدونه.
    ولا ريب أنه أحوط ، بل متعيّن إن لم نكتف في إثبات صحة العبادة بالإطلاقات ، وإلّا فيقين البراءة لعلّه يحصل بها ، إلّا أن يشكك فيها بتظافر الفتاوي على تقييدها ، مع أنها منساقة لبيان كفاية التكبيرة لا بيان فيها بتظاهر الفتاوي على تقييدها ، مع أنها منساقة لبيان كفاية التكبيرة لا بيان كيفيتها ، فلا عبرة بها فيها ، سيّما مع ورود نظائر هذه النصوص في التسبيحات في الأخيرتين مختلفة الكيفية مع الإجماع على وجوب الكيفية المخصوصة هنا ثمة ، فتأمل جدّاً.
    الثانية : كل أسباب الخوف يجوز معها القصر ) في العدد بردّ الرباعيات (2) إلى ركعتين ( و ) في الكيفية ب‍ ( الانتقال ) من الركوع والسجود ( إلى الإيماء ) لهما ( مع الضيق ) وعدم التمكن من الإتيان بهما ( والاقتصار على التسبيح ) بالنهج السابق ( إن خشي ) الضرر ( مع الإيماء ولو كان الخوف من لصّ أو سبع ) أو نحو هما على المشهور ، بل في المعتبر : إن عليه فتوى علمائنا (3) مؤذناً بدعوى الإجماع عليه وهو الحجة.
    مضافاً في الأول إلى إطلاق الصحيح ، بل عمومه : قلت له : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصيران جميعا ؟ قال : « نعم ، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه » (4) وفي الأحقية التي نبّه عليها عليه‏
محممد بن مسلم ، الوسائل 8 : 445 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 8.
1 ـ الذكرى : 264.
2 ـ في غير « ح » : الرباعتين.
3 ـ المعتبر 2 : 461.
4 ـ الفقيه 1 : 294 / 1342 ، التهذيب 3 : 302 / 921 ، الوسائل 8 : 433 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 1.


(329)
السلام مع ترك الاستفصال عن أسباب الخوف دلالةً واضحة على ما ذكرنا.
    وقريب منه الصحيح : « الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماءً على دابته » (1) وصلاة المواقفة قصر في الكمية والكيفية ، فكذا صلاة الخائف منهما ، بل ومن غيرهما أيضاًً لعدم القائل بالفرق بينهما ، وقوله : « إيماءً على دابته » لا يقتضي حصر الشركة فيه ، فتدبر.
    وقريب منهما آخر ، أو موثق قريب منه سنداً عن قوله اللّه عز وجل : ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً ) (2) كيف يصلّي ، وما يقول ؟ إن خاف من سبُع أو لصّ كيف يصلّي ؟ قال : « يكبّر ويومئ برأسه إيماءً » (3) لظهور سياقه في اتحاد الصلاتين حالاً ، فتأمل جداً.
    وفي الثاني إلى فحوى هذه الصحاح أو ظاهرها ، بل صريح أخيرها ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
    وفي الثالث إلى الصحيح في الفقيه ، قال : « وقد رخّص في صلاة الخوف من السبع إذا خشية الرجل على نفسه أن يكبّر ولا يومئ » رواه محمد بن مسلم عن أحد هما عليهما السلام (4). وأخصّيته كسابقيه من المدّعى تجبر بما مضى.
    خلافاً للمنتهى فتردّد في الأول بعد أن حكى المنع عنه عن بعض أصحابنا (5) ، ولعلّه الحلّي في السرائر فقد صرّح بذلك فيه (6) ، ومال إليه‏
1 ـ الفقيه 1 : 295 / 1348 ، التهذيب 3 : 173 / 383 ، الوسائل 8 : 441 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 8.
2 ـ البقرة : 239.
3 ـ الكافي 3 : 457 / 6 ، التهذيب 3 : 299 / 912 ، الوسائل 8 : 439 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 1.
4 ـ الفقيه 1 : 295 / 1347 ، الوسائل 8 : 441 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 5.
5 ـ المنتهى 1 : 405.
6 ـ السرائر 1 : 348.


(330)
جماعة من متأخري المتأخرين (1) اقتصار فيما خالف الأصل الدال على لزوم الإتمام على المتقين نصّاً وفتوى ، وليس إلّا قصر العدد في صلاة السفر أو الخوف من العدو دون نحو السبع.
    ويضعّف : بما ذكرنا من الإجماع المنقول ، المعتضد بالصحاح والشهرة العظيمة بين الأصحاب ، وإن كان الإنصاف أن دلالةً الصحاح لا تخلو عن شي‏ء لا تطمئن معه النفس في الاستدلال بها لو لا الإجماع المعتضد بالشهرة العظيمة ، بل عدم الخلاف إلّا من نحو الحلّي ، وهو شاذ ، مضافاًً إلى إشعار تعليق الحكم بالوصف في الآية والرواية بالعلّية ، مع قوة ظهور الصحيحة الاُولى بل الثانية أيضاً.
    ( الثالثة : الموتحل والغريق يصليان بحسب الإمكان ) فيصلّيان إيماءً عن الركوع والسجود مع عم التمكن منهما ولا يقصر أحد هما عدد صلاته إلّا في سفر أو خوف بلا خلاف في شي‏ء من ذلك.
    استناداً في الأول إلى الاستقراء الكاشف عن لزومه (2) حيثما يتعذر مبدله.
    وفي الثاني إلى الأصل الدال على لزوم التمام إلّا ما خرج بالدليل ، وليس إلّا صورة الخوف والسفر المنفيين في محل الفرض.
    نعم ، لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق ورجا عند قصر العدد السلامة وضاق الوقت اتّجه القصر ، كما استظهره في الذكرى (3) ، واستحسنه في‏
1 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 425 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 405 ، وصاحب الحدائق 11 : 292.
2 ـ أي الايماء.
3 ـ الذكرى : 264.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس