رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 331 ـ 345
(331)
روض الجنان ، قال : نظراً إلى أنه يجوز له الترك فقصر العدد أولى ، لكن في سقوط القضاء بذلك نظر ، لعدم النص على جواز القصر هنا ، ووجه السقوط حصول الخوف في الجملة كما مرّ ، قال : والحاصل أن علّية مطلق الخوف توجب تطرّق القصر إلى كل خائف ، قال : ووجهه غير واضح ، إذ لا دليل عليه ، والوقوف على المصوص عليه بالقصر أوضح (1). انتهى.
    واعترضه جملة من الفضلاء : بأن الحكم بوجوب القصر ينافي الحكم بوجوب القضاء لأن الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء ، والحكم بوجوب القضاء إنما يكون عند عدم الأداء ، وأيضاًً : الحكم بوجوب القصر محل تأمل ، وما علّل به ضعيف ، إذ لا يلزم من جواز الترك للعجز جواز فعلها مقصورة (2). انتهى.
    وهو حسن ، إلّا ظاهر هم الإذعان له فيما ذكره من عدم دليل على القصر في مطلق الخوف ، مع أن الصحيحة الاُولى في المسألة السابقة دليل عليه ولو عموما كما مضى ، وكذلك عبائر الفقهاء ومنها عبارة الماتن التي ادعى الإجماع فيها ، فقوله : والوقوف على المنصوص عليه بالقصر أوضح ، ممنوع إن أراد به المنع عن القصر فيما لم ينص عليه بالخصوص ، ومسلّم إنّ أراد بالمنصوص عليه ما يعمّ المنصوص ولو بالعموم لما عرفت من أنه موجود.
    واعلم : أن ظاهر الشهيد اعتبار ضيق الوقت هنا في جواز القصر (3).
    وهو حسن إن اعتبره في مطلق صلاة الخوف ، وبه صرّح الرضوي في صلاة الخائف من اللصّ والسبع (4) ، وهو الأوفق بالأصول ، وعليه المرتضى في‏
1 ـ روض الجنان : 382.
2 ـ المدارك 4 : 426 ، الذخيرة : 405 ، وانظر مجمع الفائدة 3 : 353.
3 ـ انظر الذكرى : 266.
4 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 148 ، المستدرك 6 : 519 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 2.


(332)
مطلق صلاة ذوي الأعذار (1).
    ولكن المشهور عدمه مطلقاًً للإطلاقات ، فتوىً ونصاً ، كتاباً وسنّةً هنا ، سيّما الصحيحة المتقدمة الدالّة على اتحاد صلاتي السفر والخوف فحوى ، مع الإجماع على عدم اشتراط الضيق في الاُولى ، ويشكل إن خصّه بالمقام ، لعدم دليل عليه.
1 ـ نقله عنه صاحب الحدائق 11 : 293.

(333)
( الخامس ) من التوابع :
    ( في ) بيان أحكام ( صلاة المسافر ) التي يجب قصرها كميةً.
    ( والنظر ) فيه تارة ( في الشروط ) ، واخرى في أحكام ( القصر ).
    ( أما الشروط ف‍ ) هي ( خمسة ).
    ( الأول : المسافة ) بإجماع العلماء كافة ، كما حكاه جماعة (1) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، بل متواترة.
    ( وهي أربعة وعشرون ميلاً ) بإجماعنا والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة وإن اختلفت في التأدية ، فبين مؤدّ بما في العبارة كالصحيحين (2) والحسنين (3).
    وببريدين أو بياض يوم كالصحيح (4) ، ومثله في ذكر الثاني أحد الصحيحين ، وفي ذكر الأول أحد الحسنين.
    وبمسيرة يوم كالصحيح (5) ، والموثق ، وفيه : « إن ذلك بريدان ثمانية
1 ـ منهم : العلامة في نهاية الاحكام : 2 : 168 ، وامنتهى 1 : 389 ، وصاحبا المدارك 4 : 428 والحدائق 11 : 298.
2 ـ الاول : الفقيه 1 : 278 / 1266 ، الوسائل 8 : 452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 4.
    الثاني : التهذيب 4 : 222 / 649 ، الوسائل 8 : 455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15.
3 ـ الاول : الفقيه 1 : 279 / 1269 ، التهذيب 3 : 207 / 493 ، الاستبصار 1 : 223 / 787 ، الوسائل 8 : 452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 3.
    الثاني : التهذيب 4 : 221 / 647 ، الاستبصار 1 : 223 / 788 ، الوسائل 8 : 454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 14.
4 ـ التهذيب 4 : 222 / 651 ، الاستبصار 1 : 223 / 789 ، الوسائل 8 : 454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 11.
5 ـ التهذيب 3 : 209 / 503 ، الاستبصار 1 : 225 / 799 الوسائل 8 : 455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.


(334)
فراسخ » (1).
    وبثمانية فراسخ كما فيه وفي أحد الصحيحين ، و ( في‏ ) (2) غير هما القريب منهما سنداً : « إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر ، لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم » (3).
    ويستفاد منها كغيرها أن الجميع واحد.
    وأما ما يخالفها ممّا دلّ على أنّه مسيرة يوم وليلة كما في الصحيح (4) ، أو ثلاثة برد كما في آخر (5) ، أو مسيرة يومين كما في الخبر (6) ، فمع قصوره عن المقاومة لما مرّ من وجوه شتى محمولة على التقية ، فإن بكل منها قائلاً من العامة كما حكاه بعض الأجلة (7).
    ( والميل أربعة آلاف ذراع تعويلاً على المشهور بين الناس ) والمتعارف بينهم ، وعزاه الحلّي إلى بعض اللغويين (8) ، وفي القاموس دلالةً عليه أيضاً
1 ـ التهذيب 3 : 207 / 492 ، الاستبصار 1 : 222 / 786 ، الوسائل 8 : 453 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 8.
2 ـ ما بين المعقوفين اضفناه لاستقامة المتن.
3 ـ الفقيه 1 : 290 / 1320 ، علل الشرائع : 266 / 9 ، عيون الاخبار 2 : 111 / 1 ، الوسائل 8 : 451 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 1.
4 ـ الفقيه 1 : 287 / 1305 ، الوسائل 8 : 452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 5.
5 ـ التهذيب 3 : 209 / 504 ، الاستبصار 1 : 225 / 800 ، الوسائل 8 : 454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 10.
6 ـ التهذيب 3 : 209 / 505 ، الاستبصار 1 : 225 /801 ، الوسائل 8 : 453 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 9.
7 ـ صاحب الحدائق 11 : 300.
8 ـ السرائر 1 : 328.


(335)
وعزاه إلى المحدّثين (1) ، كالأزهري فيما حكي (2) ، مؤذنين بدعوى إجماعهم عليه ، وفي المدارك أنه مقطوع به بين الأصحاب (3) ، وفي غيره لا خلاف فيه بينهم يعرف (4).
    ( أو قدر مدّ البصر من الأرض تعويلا على الوضع ) اللغوي المستفاد من الصحاح وغيره (5).
    وربما يفهم من العبارة ونحوها التردد في التفسير الأول حيث نسبه إلى الشهرة ، والثاني إلى أهل اللغة.
    ويضعّف : بأن المراد بالشهرة هنا الشهرة العرفية والعادية ، لا الفتوائية ، حتى يفهم منها التردد في المسألة ، وحينئذ فتقديمه على اللغة ذكراً يقتضي ترجيحه عليها ، كما صرّح به في التنقيح ، فقال : والمصنف ذكر التقديرين معاً ، وقدّم العرفي على اللغوي ، لتقدمه عليه عند التعارض ، كما تقرّر في الاُصول (6).
    وقال بعض مشايخنا : وإنما نسبه إلى الشهرة تنبيهاً على مأخذ الحكم ، بناءً على أن الرجوع إليها في موضوعات الأحكام وألفاظها من المسلّمات.
    أقول : وحيث انتفى الخلاف في هذا التقدير وجب الرجوع إليه وإن ورد في النصوص ما يخالفه : من التقدير بألف وخمسمائة ذراع (7) ، أو ثلاثة آلاف‏
1 ـ القاموس المحيط 4 : 54.
2 ـ لم نعثر عليه في التهذيب اللغة ؛ نعم قاله القيومي في المصباح المنير : 588 ، ويحتمل وجود النسبة الى الأزهري في بعض مسخ المصباح كما نبّه عليه صاحب الجواهر 14 : 199.
3 ـ المدارك 4 : 430.
4 ـ كما في الحدائق 11 : 301.
5 ـ الصحاح 5 : 1823 ؛ وانظر تهذيب اللغة 15 : 396.
6 ـ التنقيح الرائع 1 : 285.
7 ـ الفقيه 1 : 286 / 1303 ، الوسائل 8 : 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.


(336)
وخمسمائة ذراع (1) ، مع ضعف سندهما ومهجوريتهما ولا سيّما الأول.
    وقدّر في المشهور الذراع بأربع وعشرين إصبعاً ، والإصبع بسبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر ، وقيل : ستّ (2) ، ولعل الاختلاف بسبب اختلافها.
    وعرض كل شعيرة بسبع شعرات من أوسط شعر البرذون.
    وضبط مدّ البصر في الأرض بأنه ما يتميز به الفارس من الراجل للمبصر المتوسط في الأرض المستوية.
    ولو وافق أحد هذين التقديرين المسير في بياض اليوم المعتدل قدراً وزماناً ومكاناً على الأقوى فذاك ، وإلّا ففي ترجيحهما عليه كما عليه الشهيد الأول في الذكرى (3) ، أو العكس كما عليه الثاني في روض الجنان وغيره (4) ، أو الاكتفاء في لزوم القصر بأيّهما حصل أوّلاً كما عليه سبطه (5) ، أوجه وأقوال ، والاحتياط واضح.
    وذكر جماعة (6) أن مبدأ التقدير من آخر خطّة البلد في المعتدل ، وآخر محلّته في المتسع.
    ولا ريب في الأول ، لكونه المتبادر من إطلاق الفتوى والنص.
    ولعلّ الوجه في الثاني عدم تبادره من الإطلاق ، فيرجع إلى المتبادر منه ، كما يرجع في إطلاق الوجه مثلاً غير مستوي الخلقة إلى مستويها ، لكونه‏
1 ـ الكافي 3 : 432 / 3 ، الوسائل 8 : 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13.
2 ـ المصباح المنير : 588.
3 ـ الذكرى : 259.
4 ـ روض الجنان : 383 ؛ وانظر الذخيرة : 407.
5 ـ المدارك 4 : 432.
6 ـ منهم : ابن فهد في المهذب البارع 1 : 482 ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3 : 366 ، وصاحبا المدارك 4 : 432 ، والحدائق 11 : 305 ؛ وانظر المسالك 1 : 49.


(337)
المتبادر دونه. لكن إطلاق التحديد بآخر المحلّة مشكل ، بل ينبغي تقييده بما إذا وافق آخر البلد المعتدل تقديراً ، فتأمل جدّاً.
    وربما قيل بأن المبدأ هو مبدأ السير بقصد السفر (1).
    ولا فرق مع ثبوت المسافة بالأذرع بين قطعها في يوم أو أقلّ أو أكثر ، إلّا إذا تراخى الزمان خلافاً بحيث يخرج عن اسم المسافر عرفاً ، كما لو قطع المسافة في شهرين أو ثلاثة فقد جزم في الذكرى بعدم الترخص (2). ولا بأس به عملاً بالأصل ، واقتصارا فيما خالفه على المتبادر من إطلاق الفتوى والنص ، وليس إلّا ما صدق معه السفر في العرف.
    والبحر كالبرّ في جواز القصر مع بلوغ المسافة بالأذرع وإن قطعت في ساعة ، كما صرّح به جماعة ومنهم المنتهى قائلا إنه لا يعرف في ذلك خلافاً (3).
    وإنما يجب القصر مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار أو الشياع أو شهادة البيّنة ، ومع الشك يتم بلا خلاف أعرف ، وبه صرّح في الذخيرة (4) ، عملاً بالأصل ، وفي وجوب الاعتبار معه وجهان.
    ولو صلّى قصرا حينئذ أعاد مطلقاًً ولو ظهر أنه مسافة ، لأن فرضه التمام ولم يأت به ، وما أتى به لم يؤمر به.
    ولو سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثمَّ ظهر أن المقصد مسافة قصر حينئذ وإن قصر الباقي عن مسافة. ولا يجب إعادة ما صلّى تماماً قبل ذلك ، لأنه صلّى صلاة مأمورا بها فتكون مجزية.
    ولو كان لبلد طريقان أحدهما مسافة دون الآخر فسلكه أتم ، وإن عكس‏
1 ـ انظر الذخيرة : 407.
2 ـ الذكرى : 258.
3 ـ المنتهى 1 : 390.
4 ـ الذخيرة : 407.


(338)
لعلّة غير الترخيص قصر إجماعاً ، كما في التذكرة والذخيرة (1) ، وكذا لعلّته على الأظهر الأشهر ، بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه.
    خلافاً للقاضي فيتم ، لأنه كاللاهي بصيده (2).
    ولا ريب في ضعفه ، لأن السفر بقصد الترخيص غير محرّم قطعاًً كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى ، والقياس فاسد عندنا سيّما إذا كان مع الفارق كما هنا.
    ( ولو كانت ) المسافة ( أربعة فراسخ ) فصاعداً دون الثمانية ( وأراد الرجوع ليومه ) أو لليلته أو الملفّق منهما ، مع اتصال السير عرفاً ، دون الذهاب في أول أحد هما والعود في آخر الآخر ، على ما صرّح به. جمع ممن تأخر (3) من غير خلاف بينهم ولا من غيرهم يظهر ( قصّر ) وجوباً على الأشهر الأقوى ، وعن ظاهر الأمالي أنه من ديننا (4) ، مشعراً بكونه إجماعاًً.
    وبه نصّ الرضوي : « فإن كان سفرك بريداً واحداً وأردت أن ترجع من يومك قصرت ، لأن ذهابك ومجيئك بريدان » إلى أن قال : « فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار ، فإن شئت أتممت وإن شئت قصّرت » (5).
    وقريب منه النصوص المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها ، منها : عن‏
1 ـ التذكرة 1 : 188 ، الذخيرة : 407.
2 ـ المهذب 1 : 107.
3 ـ منهم : العلامة في المنتهى 1 : 390 ، والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 285 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 511 ، الشهيد في الذكرى : 259.
4 ـ أمالي الصدوق : 514 ، 510
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 159 ، المستدرك 6 : 528 ، 529 أبواب صلاة المسافر ب 2 ، 3 ح 1 ، 2.


(339)
التقصير ، فقال : « بريد ذاهباً وبريد جائياً ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إذا أتى ذباباً (1) قصر ، لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ » (2).
    وهو كالنص في وجوب التقصير لتعليله فيه بحصول الثمانية التي هي أصل المسافة التي يجب فيها التقصير إجماعاً.
    ونحوه الموثق المعلّل له بأنه إذا ذهب بريداً وآب بريداً فقد شغل يومه (3).
    وبهذه الأدلة يجمع بين النصوص المتقدمة بكون المسافة ثمانية والصحاح المستفيضة الآمرة بالقصر في أربعة ، بتعميم الأوّلة للثمانية الملفّقة من الأربعة الذهابية والإيابية ، وتقييد الأربعة بها لا مطلقاًً وإن كان (4)متبادرا منها ، كما أن الثمانية الذهابية خاصة متبادرة من الأوّلة ، لكن التبادر لا حكم له بعد وجود الصارف عنه من نحو ما قدمناه من الأدلّة.
    خلافاً للشهيدين وغيرهما من المتأخرين (5) ، فلم يوجبوا القصر وخيروا بينه وبين التمام ، وفاقاً للتهذيب (6) ، جمعاًً بين أخبار الثمانية والأربعة المطلقة والملفقة ، بحمل الأوّلة على ظواهرها مطلقاًً (7) ، وتقييد الأربعة المطلقة بالملفقة ، لأخبارها ، أو من غير تقييدها ، ثمَّ حمل الأمر بالقصر فيها أجمع على الرخصة ترجيحاً لأخبار الثمانية.
    ولا شاهد له عليه مع إمكان الجمع بما مرّ ، مع كونه أظهر لوضوح‏
1 ـ ذباب : جبل قرب المدينة علي نحو من بريد. مجمع البحرين 2 : 58.
2 ـ الفقيه 1 : 287 / 1304 ، الوسائل 8 : 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 14 ، 15.
3 ـ التهذيب 4 : 224 / 658 ، الوسائل 8 : 459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.
4 ـ أي الاطلاق.
5 ـ الشهيد الأول في الذكرى : 256 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 384 ؛ وانظر المدارك 4 : 437.
6 ـ التهذيب 3 : 208.
7 ـ أي : في كل من طاهر امتداد الثمانية ووجوب القصر.منه رحمه الله.


(340)
الشواهد عليه ، مضافاًً إلى شهرته ، وندرة القول بخلافه في القديم ، إذ ليس إلّا الشيخ في التهذيب ، وهو على تقدير تسليم مخالفته قد رجع عنه ووافق المشهور في جملة من كتبه (1).
    لكن بعض أخبار الأربعة لا يقبل التقييد بالتلفيق مطلقاًً (2) ، كالصحيح :
    إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام ، فأتمّ الصلاة أو أقصّر ؟ قال : « قصّر في الطريق وأتمّ في الضيعة » (3).
    لكنه لا يعارض أخبار الثمانية أجمع فليطرح ، أو يحمل على التخيير ـ وسيأتي الكلام فيه ـ أو على التقية ، بمعنى حمل الأمر فيه بالإتمام في الضيعة عليها ، لعدم كونها بنفسها من القواطع عندنا ، وإنما هو مذهب جماعة من العامة (4) ، كما سيأتي إليه الإشارة إن شاء اللّه تعالى ، فيرتفع المانع عن الحمل على التلفيق ، فتدبّر.
    ( ولا بدّ ) في القصر ( من كون المسافة ) المشترطة ( مقصودة ) ولو تبعاً كالزوجة والعبد والأسير مع عدم قصدهم الرجوع متى تمكّنوا منه ، أو عدم احتمالهم له لعدم ظهور أماراته.
    ( فلو قصد ما دونها ثمَّ قصد مثل ذلك أو لم يكن له قصد ) أصلاً ( فلا قصر ) مطلقاًً ( ولو تمادى في السفر ) وقطع مسافات عديدة بالنص (5)
1 ـ كما في النهاية : 122 ، والمبسوط 1 : 141.
2 ـ لا في يومه ولا في غيره. منه رحمه الله.
3 ـ التهذيب 3 : 210 / 509 ، الاستبصار 1 : 229 / 811 ، الوسائل 8 : 496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 14.
4 ـ انظر المغني لابن قدامة 2 : 135.
5 ـ انظر الوسائل 8 : 468 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1 ، 3.


(341)
والإجماع. نعم يقصّر في الرجوع إذا بلغ مسافة إجماعاً ، لحصول الشرط ، وخصوص الموثق : عن الرجل يخرج في حاجة له وهو لا يريد السفر ، فيمضي في ذلك فيتمادى به المضيّ حتى يمضي به ثمانية فراسخ ، كيف يصنع في صلاته ؟ قال : « يقصّر ولا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله » (1).
    والمراد يقصّر في رجوعه قطعاًً ، كما أن المراد بالموثق الآخر : عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ، ثمَّ يخرج منها ( فيسير ) خمسة فراسخ اُخرى أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك ، ثمَّ ينزل في ذلك الموضع ، قال : « لا يكون مسافراً حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، فليتم الصلاة » (2) الإتمام في الذهاب خاصة ، لما مضى.
    وهل يضمّ إلى الرجوع ما بقي من الذهاب ممّا هو أقل من المسافة ؟ أوجه ، ثالثها : نعم إن بلغ الرجوع وحده المسافة ، وإلّا فلا ، وفاقاً لجماعة (3) ، لصدق قصدها ، والتلفيق لا مانع منه هنا ، إذ الظاهر أن الممنوع منه على تقديره إنما هو ما حصل به نفس المسافة لا مطلقاًً ، وهي في المقام من دونه حاصلة لكن ظاهر الأكثر المحكي عليه الإجماع (4) العدم مطلقاً.
    ويعتبر في هذا الشرط استمراره إلى نهاية المسافة ، بلا خلاف فيه أجده ، بل قيل : إنه إجماع (4) ، ويفهم من جملة ، للمعتبرة ، منها : الصحيح في الذي بدا له في الليل بعد أن سافر نهاراً : « إن كنت سرت في يومك بريداً لكان عليك‏
1 ـ التهذيب 4 : 226 / 663 ، الاستبصار 1 : 227 / 807 ، الوسائل 8 : 469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 2.
2 ـ التهذيب 4 : 225 / 661 ، الاستبصار 1 : 226/ 805 ، الوسائل 8 : 469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3 وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
3 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 25 ، وانظر البحار 86 : 62.
4 ـ انظر الحدائق 11 : 330.
5 ـ انظر مجمع الفائدة والبرهان 3 : 369 ، والذخيرة : 407.


(342)
حين رجعت أن تصلي بالقصر لأنك كنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك ، وإن كنت لم تسر بريداً فإنّ عليك أن تقضي كل صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير » (1).
    والخبر في منتظري الرفقة الذين لا يستقيم لهم من دونهم المسافرة : « إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم ، أقاموا أم انصرفوا ، وإن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ، أقاموا أم انصرفوا » (2).
    وفي آخر : « إذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلاً ، وذلك أربعة فراسخ ، ثمَّ بلغ فرسخين ونيّته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر ، وإن رجع عمّا نوى عند ما بلغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام ، وإن كان قصّر ثمَّ رجع عن نيته أعاد الصلاة » (3).
    وضعف السند غير مانع ، كتضمن الصحيح والأخير ما لا يقول به أحد من قضاء الصلاة بعد البداء كما في الأول ، وتحديد المسافة بستة أميال وأنها فرسخان وتصريح صدره بأن التقصير في أربعة فراسخ لانجبار الأول بالشهرة ، والثاني غير قادح في حجية ما بقي.
    وبنحوه يجاب عن تضمن الجميع الأمر بالقصر في نصف المسافة ، والأخير الأمر بإعادة الصلاة المقصورة بعد تغيّر النية مع أنه لا يقول بهما الأكثر ، مع أن الأول محمول على التخيير كما يأتي ، والثاني على الاستحباب ، للصحيح : « تمّت صلاته ولا يعيد » (4).
1 ـ التهذيب 3 : 298 / 909 ، الوسائل 8 : 469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.
2 ـ الكافي 3 : 433 / 5 ، الوسائل 8 : 466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10.
3 ـ التهذيب 4 : 226 / 664 ، الاستبصار 1 : 227 / 808 ، الوسائل 8 : 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4.
4 ـ الفقيه 1 : 281 / 1272 ، التهذيب 3 : 230 / 593 ، الاستبصار 1 : 228 / 809 ، الوسائل


(343)
    وحمله على خروج الوقت ـ كما في الاستبصار ـ ليس بأولى ممّا ذكرنا. بل هو أولى ، لاعتضاده بالأصل ، واقتضاء امتثال الأمر الإجزاء ، مضافاًً إلى الشهرة ، وضعف سند المعارض ، وخلوّ ما ذكره من الحمل عن الشاهد ، مع مضادّته لظاهر الصحيح السابق ، ومع ذلك فقد (رجع عنه) (1) في النهاية (2).
    ( و ) على هذا الشرط ف‍ ( لو قصد مسافة فتجاوز سماع الأذان ) ومحل الرخصة ( ثمَّ توقّع رفقة ) لم يجزم بالمسافرة من دونهم أتمّ. وإن جزم أو بلغ المسافة ( قصّر ما بينه وبين ) مضيّ ( شهر ما لم ينو المقام ) عشرة أيام ، فيتم بعد النية ، كما يتمّ بعد مضيّ الشهر ، بلا خلاف ظاهر إلّا من الذكرى في الثاني ، فتنظّر فيه (3) ، وتبعه بعض المعاصرين (4) ، معلّلاً بأن مورد النص التردّد في المصر (5). وفيه نظر لأنه كثير ، وبعضها وإن اختص به ، إلّا أن بعضاً آخر منها ورد في التردد في الأرض بقول مطلق (6) ، كما سيظهر.
    ( ولو كان ) توقّع الرفقة ( دون ذلك ) أي محل الرخصة ( أتم ) مطلقاًً ، لكون التجاوز عنه من الشرائط أيضاًً ، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
    واعلم : أن الظاهر أن المعتبر قصد المسافة النوعية ، لا الشخصية ، فلو قصد مسافة معيّنة فسلك بعضها ثمَّ رجع إلى موضع آخر بحيث يكون نهايته مع ما مضى مسافة فإنه يبقى على التقصير ، للأصل ، وصدق السفر إلى المسافة ،
8 : 521 أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.
1 ـ في « م » : وافق المشهور.
2 ـ النهاية : 123.
3 ـ الذكرى : 257.
4 ـ صاحب الحدائق 11 : 337.
5 ـ انظر الوسائل 8 : 500 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9 ، 13 ، 17 ، 20.
6 ـ انظر الوسائل 8 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 3 ، 16.


(344)
مع اختصاص ما دلّ من النص والفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة أو رجع عنها ـ بحكم التبادر وغيره ـ بغير محل البحث ، وهو ما لم يقصد فيه المسافة أصلاً ، أو قصد الرجوع في أثنائها إلى منزله.
    وبما ذكرنا صرّح في روض الجنان ، إلّا أنه احتمل في المثال عدم الترخيص ، قال : لبطلان المسافة الاُولى بالرجوع عنها ، وعدم بلوغ القصد الثاني مسافة (1).
    وهو ضعيف إذ لا دليل على بطلانها بمجرد الرجوع عن شخصها مع بقاء نوعها ، لما عرفت من اختصاص النص والفتوى الدالّين عليه بصورة الرجوع عنها أصلاً ، وعليه فيرجع إلى حكم الأصل ، وهو استصحاب بقاء وجوب القصر.
    ولعلّه لذا أفتى في النهاية بوجوب القصر هنا في الأربعة الإيابية مطلقاًً (2) ، مع أن مذهبه فيها إذا قصد في مبدأ السفر تلفيقها ثمانية مع عدم الرجوع ليومه عدم وجوبه ، بل جوازه.
    ووجه الفرق بينهما عدم ثبوت ما يوجب تحتم القصر في الثاني من ثبوته واستصحاب وجوبه ، بخلاف الأول ، لثبوته فيه. ومحصّله : حصول موجب القصر الاتفاقي ، وهو قصد الثمانية الذهابية في مبدأ السفر في الأول ، دون الثاني ، إذ المسافة المقصودة فيه أوّلاً إنما هو الثمانية الملفّقة المختلف في إيجابها القصر أو ترخيصه.
    والحاصل : أن الشيخ لم يكتف بالتلفيق في إيجابه القصر إذا حصل في أول السفر وقبل ثبوت القصر ، واكتفى به فيه بعد ثبوته بحصول موجبه من قصد
1 ـ روض النهاية : 385.
2 ـ النهاية : 122.


(345)
الثمانية الممتدة ، وحينئذ فلا يبعد موافقة الشيخ هنا وإن خالفناه ثمّة ، لاختلاف موضوع المسألتين ، سيّما مع اتفاق النصوص المتقدمة قريباً (1) على ما ذكره ، مع سلامتها عن المعارض أصلاً ، فتدبّر وتأمل.
    ( الثاني : أن لا يقطع سفره بعزم الإقامة ) الشرعية في أثنائها ، المتحققة بالوصول إلى الوطن مطلقاًً ، أو نية الإقامة عشراً ، بلا خلاف بيننا ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة في الثاني ، وفي الأول دونه (2) ، والصحاح بهما ـ كغيرها ـ مستفيضة قريبة من التواتر ، بل متواترة ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.
    وهي وإن قصرت عن إفادة تمام المدّعى من حصول القطع بهما بحيث يجب التمام في محل الإقامة وقبله وبعده إلى أن يستأنف مسافة اُخرى جديدة ، من غير كفاية ضمّ ما بقي بعد القاطع من المسافة إليها قبله ، إلّا أنها صريحة في وجوب التمام بهما ، فيستصحب إلى تيقن القصر ، وليس إلّا باستئناف مسافة اُخرى إذ ليس في إطلاق ما دلّ على وجوب القصر في المسافة عموم يشمل نحو هذه المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها ، لاختصاصه بحكم التبادر بغيرها.
    هذا مضافاًً إلى الإجماعات المحكية ، وتنزيل المقيم عشراًً ، أو المتردد ثلاثين يوماً أو شهراً منزلة من هو في أهله في الصحيحين : « من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه التمام وهو بمنزلة أهل مكة » (3) كما في أحدهما.
    وفي الثاني : عن أهل مكة إذا زاروا ، عليهم إتمام الصلاة ؟ قال : « نعم ،
1 ـ سنداً لاشتراط استمرار قصد المسافة. منه رحمه الله.
2 ـ انظر التذكرة1 : 190 ، وروض الجنان : 386 ، المدارك 4 : 441 ، المفاتيح 1 : 24.
3 ـ التهذيب 5 : 488 / 1742 ، الوسائل 8 : 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 10.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس