رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 346 ـ 360
(346)
والمقيم إلى شهر بمنزلتهم » (1) وعموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام ، ولا يخصّصه خصوص المورد لو كان كما مرّ في غير مقام.
    وكيف كان ( فلو عزم مسافة وله في أثنائها منزل ) مملوك له ( قد استوطنه ستّة أشهر ) فصاعدا ولو متفرقة على ما نصّ عليه الجماعة ، ويعضده إطلاق الرواية (2) ( أو عزم في أثنائها إقامة عشرة أيام أتم ) وسيأتي الكلام فيما يتعلق بالثاني.
    وأمّا الأول فالحكم فيه مطلق وإن جزم على السفر قبل تخلّل العشرة.
    وظاهر العبارة الاكتفاء بستة أشهر واحدة ماضية ، وهو المشهور ، بل عليه الإجماع في روض الجنان والتذكرة (3). فإن تمَّ ، وإلّا فالحجة عليه غير واضحة.
    مع أن ظاهر الصحاح المستفيضة اعتبار فعليّة الاستيطان وبقائه على الدوام ، كما هو ظاهر الشيخ وجملة ممّن تبعه (4) ، بل ظاهر جماعة اعتبارها في كلّ سنة (5).
    ففي جملة منها : « كل منزل لا تستوطنه فليس ذلك بمنزل ، فليس لك أن تتم » (6).
1 ـ التهذيب 5 : 487 / 1741 ، الوسائل 8 : 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 11.
2 ـ الفقيه 1 : 288 / 1310 ، التهذيب 3 : 213 / 520 ، الاستبصار 1 : 231 / 821 ، الوسائل 8 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.
3 ـ روض الجنان : 386 ، التذكرة 1 : 190.
4 ـ الشيخ في النهاية : 124 ؛ وانظر المهذب 1 : 106 ، والوسيلة : 109.
5 ـ منهم : الصدوق في الفقيه 1 : 288 ، وصاحب المدارك 4 : 444 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 408.
6 ـ التهذيب 3 : 212 / 515 ، الاستبصار 1 : 230 / 817 ، الوسائل 8 : 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 6 بتفاوت يسير.


(347)
    ومنها : ما الاستيطان ؟ فقال : « أن يكون له فيها منزل يقيم ستّة أشهر ، فإن كان كذلك أتمّ متى دخلها » (1).
    وبه يقيّد إطلاق سابقة ، مع أن المتبادر منه ما يوافقه لعدم صدق الوطن على ما قصر عن استيطان الستّة عادةً ، فتأمل.
    وكيف كان ، فوجه ما ذكروه غير واضح ، إلّا أن يكون الصحيح : عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها ، قال : « إن كان ممّا سكنه أتم فيه الصلاة ، وإن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر » (2).
    وقريب منه آخر : في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل في الطريق يتمّ الصلاة أم يقصّر ؟ قال : « يقصّر ، إنما هو المنزل الذي توطّنه » (3).
    وفيه : أنّ راوي الأول روى بعض الصحاح المتقدمة التي هي أظهر دلالةً على اعتبار دوام الستّة منهما على الاكتفاء بها في الزمن الماضي ولو مرة.
    و « توطّنه » في الثاني يحتمل كونه بصيغة المضارع المفيدة للتجدد الاستمراري من باب التفعل محذوفة فيها إحدى التاءين.
    فالمسألة قوية الإشكال وإن كان اعتبار فعليّة الاستيطان ودوامه لا يخلو عن رجحان.
    ثمَّ إن ظاهر الصحاح المتقدمة والعبارة ونحوها من عبائر الجماعة ـ ومنهم‏
1 ـ الفقيه 1 : 288 / 1310 ، التهذيب 3 : 213 / 520 ، الاستبصار 1 : 231 / 821 ، الوسائل 8 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.
2 ـ التهذيب 3 : 212 / 518 ، الاستبصار 1 : 230 / 819 ، الوسائل 8 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 9.
3 ـ التهذيب 3 : 212 / 517 ، الاستبصار 1 : 230 / 818 ، الوسائل 8 : 493 أبواب صلاة المسافر ي 14 ح 8.


(348)
الصدوق والشيخ وجملة ممّن تبعه والشهيد في اللمعة (1) ـ إناطة الحكم بالاستيطان في المنزل خاصة دون الملك ، وإن تضمّنت اللام لمجيئها للاختصاص ، بل ظهورها فيه ، كما قيل (2).
    خلافاً للفاضلين في جملة من كتبهما ومن تأخر عنهما (3) ، فأناطوه بالملك بشرط الاستيطان في بلده ولو في غيره ، حتى صرّحوا بالاكتفاء في ذلك بالنخلة الواحدة ، للموثق (4).
    وفيه : انه كسائر الصحاح وغيرها المتضمنة للأمر بالإتمام بمجرّد الوصول إلى الملك من القرى والضيعة لم يقل بإطلاقها أحد من الطائفة ، والنصوص بخلافها مع ذلك مستفيضة متضمنة للصحيح وغيره دالّة على الأمر بالتقصير ما لم ينو المقام عشرة ، ففي الصحيح : عن الرجل يقصر في ضيعته ، قال :
    « لا بأس ما لم ينو المقام عشرة أيام ، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه » قلت : ما الاستيطان ؟ .. الحديث كما مرّ (5).
    وهو كالصريح ، بل صريح فيما ذكرنا من أن العبرة بالاستيطان في المنزل دون الملك ، وإلّا لعطفه على إقامة العشرة ولم يخصّه بالمنزل.
    ومع ذلك فهي موافقة لمذهب جماعة من العامة كما صرّح به جماعة (6) ،
1 ـ الصدوق في الفقيه 1 : 288 ، الشيخ في النهاية : 124 ، وتبعه القاضي في المهذب 1 : 106 ، وابن حمزة في الوسيلة : 109 ، والحلبي في الكافي : 117 ، اللمعة ( الروضة 1 ) : 372.
2 ـ راجع الحدائق 11 : 373.
3 ـ المحقق في المعتبر 2 : 469 ، والشرائع 1 : 133 ، العلامة في نهاية الاحكام 2 : 176 ، والمختلف : 170 ؛ وانظر الذكرى : 258 ، وروض الجنان : 386 ، والتنقيح الرائع 1 : 287.
4 ـ التهذيب 3 : 211 / 512 ، الاستبصار 1 : 229 / 814 ، الوسائل 8 : 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 85.
5 ـ في ص 347.
6 ـ منهم المجلسي في البحار 86 : 37 ؛ وانظر الحدائق 11 : 368.


(349)
حاملين لها لذلك على التقية.
    ومع ذلك فغايتها إفادة الإتمام في الملك مطلقاًً ، كما هو ظاهر إطلاقها ، أو بشرط الاستيطان ستة أشهر ، كما هو قضية الجمع بينها وبين غيرها ، وهو لا يستلزم اشتراط الملك ، حتى لو انتفى وحصل الاستيطان في المنزل غير الملك وجب القصر كما ذكروه ، بل وجوب الإتمام فيه لا ينافيه ويجامعه.
    وبالجملة : فما ذكروه لا وجه له ، كما صرّح به من متأخري المتأخرين جماعة (1).
    لكن يمكن الاعتذار لهم بأن اعتبارهم الملكية انما هو بناءً على اكتفائهم في الوطن القاطع بما حصل فيه الاستيطان ستة أشهر ولو مرّة ، من دون اشتراط الفعليّة ، حتى لو هجره بحيث لم يصدق عليه الوطنية عرفاً لزمه التمام بمجرّد الوصول إليه ، ولذا اشترطوا دوام الملك أيضاًً ، إبقاء لعلاقة الوطنية ليشبه الوطن الأصلي الذي لا خلاف فتوى ونصاً في انقطاع السفر به مطلقاًً ولو لم يكن له فيه ملك ولا منزل مخصوص أصلاً.
    وعلى هذا فلا ريب في اعتباره ، لعدم دليل على كفاية مجرد الاستيطان ستة أشهر مع عدم فعليته ودوامه أصلاً ، إذ النصوص الدالّة عليه ظاهرها اعتبار فعليّته ، فلم يبق إلّا الإجماع المحكي والفتاوي ، وهما مختصان بصورة وجود الملك ودوامه ، فعلى تقدير العمل بهما ينبغي تخصيص الحكم بها.
    ويرشد إلى ما ذكرنا (2) أنهم ألحقوا بالملك اتّخاذ البلد أو البلدين دار إقامة على الدوام ، معربين عن عدم اشتراط الملك فيه ، وإن اختلفوا في اعتبار
1 ـ انظر الذخيرة : 408 ، والحدائق 11 : 365.
2 ـ من اختصاص اعتبارهم الملك بصورة الاكتفاء في الوطن القاطع بما حصل فيه الاستيطان ستة أشهر ولو مرّه. منه رحمه الله.


(350)
الاستيطان ستة أشهر فيه كالملحق به ، كما عليه الشهيد في الذكرى وجملة ممن تأخر عنه (1) ، أو العدم كما عليه الفاضل (2) ، والوطن المستوطن فيه المدة المزبورة على الدوام أحد أفراده ، فلا يعتبر فيه عندهم الملكية كما عرفته.
    ويتحصّل ممّا ذكرنا أنه لا أشكال ولا خلاف في عدم اعتبار الملك في الوطن المستوطن فيه المدّة المزبورة كلّ سنة ، ولا في اعتباره في المستوطن فيه تلك المدة مرة. وإنما الخلاف والإشكال في كون مثل الوطن الأخير ولو مع الملك قاطعاً ، ولكن الأقوى فيه العدم كما تقدّم ، ومرجعه إلى إنكار الوطن الشرعي وانحصاره في العرفي ، وهو قسمان : أصلي نشأ فيه أو اتّخذه ، وطارئ يعتبر في قطعه السفر فعليّة الاستيطان فيه ستة أشهر بمقتضى الصحيحة المتقدمة.
    ( ولو قصد مسافة فصاعدا وله على رأسها منزل قد استوطنه القدر المذكور ) أي الستة أشهر المطلقة ، أو الدائمة الفعلية ، على الاختلاف المتقدم إليه الإشارة ( قصّر في طريقه ) لحصول الشرط فيه ( وأتم في منزله ) لأنه غير مسافر فيه ، لحصول القطع به.
    والفرق بين هذه المسألة وما سبق توسّط المنزل المزبور فيه في أثناء أصل المسافة المشترطة ، فلا قصر فيه بالكلية ، ما لم يقصد مسافة اُخرى جديدة ، ووقوعه هنا في رأسها مثلاً ، فيثبت القصر قبله ، وبالجملة : المنزل قاطع للسفر دون المسافة هنا ، ولهما معاً ثمة ، والحكم فيها يناسب الشرطية المقصودة في ظاهر العبارة فلذ فرّعه عليها ، دونه هنا ، فإنه مذكور تبعاً للأول للمناسبة بينهما.
    وكذلك إقامة العشرة تارة تكون قاطعة لأصل المسافة ، وهي التي تناسب‏
1 ـ الذكرى : 258 ؛ وانظر روضة البهية 1 : 372 ، والذخيرة : 408 ، والمدارك 4 : 445.
2 ـ راجع نهاية الاحكام 2 : 178.


(351)
الشرطية وفرّع حكمه عليها ، واُخرى تكون قاطعة للسفر دونها ، وسيذكر حكمها إن شاء اللّه تعالى ، فلا تكرار أصلاً.
    ( وإذا عزم ) مسافة ولم يعزم الإقامة في أثنائها ف‍ ( قصّر ثمَّ نوى الإقامة ) في أثنائها عشراً ( لم يعد ) ما كان صلّاه قصرا ، لما مرّ في الشرط الأول.
    ( ولو كان ) دخل ( في الصلاة ) بنية القصر ثمَّ عنّ له الإقامة في أثنائها ( أتمّ ) بلا خلاف فيه بيننا أجده ، بل عليه إجماعنا في ظاهر التذكرة (1) ، وقريب منها الخلاف والمنتهى (2) ، حيث لم ينقلا الخلاف فيه إلّا من بعض العامة ، للعموم كما في الخلاف ، وخصوص الصحيح (3) وغيره (4) : عن الرجل يخرج في السفر ثمَّ يبدو له وهو في الصلاة ، قال : « يتم إذا بدت له الإقامة ».
    ولو نوى إقامة بعد ما صلّى ركعة ثمَّ خرج وقت تلك الصلاة فإنه يحوّل فرضه إلى الأربع. أما لو خرج قبل أن يصلّي ركعة ثمَّ نوى الإقامة فإنه لا يحوّل فرضه إلى الأربع في حين تلك الصلاة ، لأنها فاتته قصرا ، وبه صرّح في المنتهى أيضاًً (5).
    ( الثالث : أن يكون السفر مباحاً ) غير محرّم ( فلا يترخص العاصي ) بسفره كالمتّبع للجائر في جوره واللاهي بصيده بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (6) ، والمعتبرة به مع ذلك‏
1 ـ التذكرة 1 : 193.
2 ـ الخلاف 1 : 583 ، المنتهى 1 : 398.
3 ـ الكافي 3 : 435 / 8 ، الفقيه 1 : 285 / 1299 ، التهذيب 3 : 224 / 564 ، الوسائل 8 : 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.
4 ـ التهذيب 3 : 224 / 565 ، الوسائل 8 : 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 2.
5 ـ المنتهى 1 : 398.
6 ـ منهم : المحقق فب المعتبر 2 : 470 ، والعلامة في المنتهى 1 : 392 ، وصاحب المدارك


(352)
مستفيضة.
    ففي الصحيح : « من سافر قصّر وأفطر ، إلّا أن يكون رجلاً سفره إلى صيد ، أو في معصية ، أو رسولا لمن يعصي اللّه تعالى ، أو في طلب عدوّ ، أو شحناء ، أو سعاية ، أو ضرر على قوم مسلمين » (1).
    وفي الموثق : عن الرجل يخرج إلى الصيد ، أ يقصّر أو يتم ؟ قال : « يتم ، لأنه ليس بمسير حق » (2).
    وإطلاقهما ـ كغيرهما وأكثر الفتاوي وصريح جملة منها (3) ـ يقتضي عدم الفرق في السفر المحرّم بين ما كان غايته معصية ، كالسفر لقطع الطريق ، أو قتل مسلم ، أو إضرار بقوم مسلمين ، أو كان بنفسه معصية ، كالفرار (4) من الزحف ، والهرب من الغريم مع القدرة على الوفاء.
    خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني فخصّه بالأول ، مدّعياً اختصاص النصوص به (5). ولا وجه له ، كما صرّح به جماعة (6).
    ثمَّ إطلاق الخبرين ـ كغيرهما ـ بعدم ترخّص الصائد محمول على الغالب في العادة فيما هو مورد لها ، وهو : ما يقصد به اللهو دون الحاجة
4 : 445 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 409.
1 ـ الكافي 4 : 129 / 3 بتفاوت ، الفقيه 2 : 92 / 409 ، التهذيب 4 : 219 / 640 ، الوسائل 8 : 476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.
2 ـ الكافي 3 : 438 / 8 ، التهذيب 3 : 217 / 537 ، الاستبصار 1 : 236 / 841 ، الوسائل 8 : 479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4.
3 ـ كالمدارك 4 : 446.
4 ـ في « ح » : كما يتضمن الفرار ...
5 ـ انظر روض الجنان : 388.
6 ـ منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3 : 384 ، وصاحب المدارك 4 : 447 ، والمحقق السبزواري في الذخيرو : 409.


(353)
والتجارة ، وبه يشعر أيضاًً الموثقة.
    وأظهر منها اخرى : عمّن يخرج من أهله بالصقور والبزاة والكلاب يتنزّه الليلة والليلتين والثلاثة ، هل يقصّر من صلاته أو لا يقصّر ؟ قال : « إنما خرج في لهو لا يقصّر » (1).
    ونحو هما الخبر : في المتصيد أ يقصّر الصلاة ؟ قال : « لا ، فإنّ الصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه » (2).
    وآخر : « سبعة لا يقصّرون الصلاة » إلى أن قال : « والرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع السبيل » (3).
    وأظهر من الجميع المرسل : قلت له : الرجل يخرج إلى صيد مسيرة يوم أو يومين ، أ يقصّر أو يتم ؟ فقال : « إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصّر ، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة » (4).
    والرضوي : « وإذا كان ممّا يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم » (5).
    ( و ) هما نصّ في أنه ( يقصّر لو كان الصيد للحاجة ) كما أفتى به‏
1 ـ التهذيب 3 : 218 / 540 ، الاستبصار 1 : 236 / 824 ، الوسائل 8 : 478 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 1.
2 ـ الكافي 3 : 437 / 4 ، التهذيب 3 : 217 / 536 ، الاستبصار 1 : 235 / 840 المحاسن : 371 / 129 ، الوسائل 8 : 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 7 ..
3 ـ الفقيه 1 : 282 / 1282 ، التهذيب 3 : 214 / 524 ، الاستبصار 1 : 232 / 826 ، الوسائل 8 : 480 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 5.
4 ـ الكافي 3 : 438 / 10 ، الفقيه 1 : 288 / 1312 ، التهذيب 3 : 217 / 538 ، الاستبصار 1 : 236 / 845 ، الوسائل 8 : 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5.
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 162 ، المستدرك 6 : 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.


(354)
الأصحاب كافة ، من غير خلاف بينهم فيه أجده ، وبه صرّح جماعة (1) ، بل عليه الإجماع في المنتهى والتذكرة (2).
    ( و ) اختلفوا فيما ( لو كان للتجارة ) ف‍ ( قيل : يقصّر صومه ويتم صلاته ) والقائل به أكثر القدماء (3) ، ومنهم الحلّي مدّعياً كونه إجماعياً وورود رواية بذلك أيضاًً (4) ، كما يفهم من المبسوط ، حيث قال : روى أصحابنا (5).
    ولم أر هذه الرواية ، ولا نقلها أحد من أصحابنا ، نعم في الرضوي : « وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والقصر في الصوم » (6).
    والمشهور بين المتأخرين ، بل عليه عامّتهم التقصير في الصلاة أيضاًً للعمومات ، وخصوص ما دلّ من الصحاح وغيرها على أنه إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت (7) ، والإجماع واقع على ثبوت القصر في الصوم على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (8) ، فيثبت في الصلاة أيضاًً عملاً بمقتضاها.
    وهو حسن لو لا الإجماع المحكي ، والرواية المرسلة والفقه الرضوي ، المنجبر قصور سندهما بالشهرة القديمة المحقّقة القريبة من الإجماع ، بل لم‏
1 ـ منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1 : 288 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 409 ، والعلامة المجلسي في ملاذ الأخيار 5 : 403.
2 ـ المنتهى 1 : 392 ، التذكرة 1 : 192.
3 ـ منهم الشيخ في النهاية : 122 ، القاضي في المهذب 1 : 106 ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : 91.
4 ـ السرائر 1 : 327.
5 ـ المبسوط 1 : 136.
6 ـ راجع الهامش (5) من الصفحة السابقة.
7 ـ الوسائل 8 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
8 ـ كما في المختلف : 161 ، البيان : 263 ، مجمع الفائدة والبرهان 3 : 386.


(355)
ينقل لها مخالف من القدماء عدا المرتضى ، حيث نفى الخلاف بين الأمة في تلازم القصرين (1) ، لكن من غير تنصيص به في المسألة ، وهو غير صريح في المخالفة ، كالعمومات المتقدمة ، لقبولها التخصيص بما مرّ من الرواية وإن لم تكن الآن مشهورة ، لظهور عبارتي المبسوط السرائر في كونها يومئذ مشهورة ، بل ومجمعاًً عليها كما عرفته ، والشهرة المتأخرة لم تتحقق إلّا من زمن العلّامة.
    لكنه في التذكرة ـ كغيره ـ ادّعى الشهرة المطلقة على ما اختاره (2) ، فيمكن أن يوهن بهذه الدعوى دعوى الإجماع المتقدمة.
    ويجاب عن المرسلة : بضعف السند ، وعدم وضوح الجابر إلّا الشهرة القديمة ، وهي معارضة بالشهرة المتأخرة القطعية ، بل مطلقاًً كما عرفت حكايته في كلام جماعة ، فلا يمكن أن يخصّص بها العمومات المتقدمة ، كما لا يمكن تخصيصها بالرضوي وإن اعتبر سنده في الجملة ، لقصوره عن المقاومة لها والمكافأة.
    لكن المسألة بعد لا تخلو عن شبهة ، والاحتياط فيها مطلوب بلا شبهة.
    وكما يعتبر هذا الشرط ابتداءً يعتبر استدامة ، فلو عرض قصد المعصية في الأثناء انقطع الترخص حينئذ ، وبالعكس ، ويشترط حينئذ كون الباقي مسافةً ولو بالعود قطعاً. كما يشترط في الأول أيضاًً لو رجع إلى القصد الأول على قول قوي للأصل (3) ، ولا على آخر (4) ، لإطلاق الخبر : « إنّ صاحب الصيد يقصّر ما دام على الجادة ، فإذا عدل عن الجادة أتم ، فإذا رجع إليها قصر » (5).
1 ـ انظر الانتصار : 51.
2 ـ لم نعثر فيها على اّدعاه الشهرة المطلقة ، راجع التذكرة 1 : 193.
3 ـ أي : أصالة بقاء وجوب التمام.
4 ـ راجع المنتهى 1 : 392.
5 ـ التهذيب 3 : 218 / 543 ، الاستبصار 1 : 237 /846 ، الوسائل 8 : 480 أبواب صلاة المسافر


(356)
    وفيه ضعف سنداً ، بل ودلالةً ، فيشكل الخروج به عن مقتضى الأصل جدّاً ، لكن الاحتياط بالجمع بين القولين أولى.
    ثمَّ إن إطلاق النص والفتوى يقتضي وجوب التمام على اللاهي بصيده مطلقاً.
    خلافاً للمحكي عن الإسكافي فإلى ثلاثة أيام (1) للمرسل (2).
    وهو مع ضعفه نادر ، وفي المختلف : إنه لم يعتبره علماؤنا (3).
    ( الرابع : أن لا يكون سفره أكثر من حضره ، كالبدوي ، والمكاري ) بضم الميم وتخفيف الياء ، وهو : من يكري دابته بغيره ويذهب معها فلا يقيم ببلدة غالباً لإعداد نفسه لذلك ( والملّاح ) وهو : صاحب السفينة ( والتاجر ) الذي يدور في تجارته ( والأمير ) الذي يدور في إمارته ( والراعي ) الذي يدور بماشيته ( والبريد ) المعدّ نفسه للرسالة ، وأمين البيدر.
    فإن هؤلاء يتمون في أسفارهم بلا خلاف إلّا من العماني ، فأطلق وجوب القصر على كل مسافر (4). وهو نادر ، بل على خلافه انعقد الإجماع على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر ، كالانتصار (5) والخلاف والسرائر (6) ، وهو الحجّة ، مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.
    ففي الصحيح : المكاري والجمّال الذي يختلف وليس له مقام يتم‏
ب 9 ح 6.
1 ـ كما حكاه عنه في المختلف : 162.
2 ـ الفقيه 1 : 288 / 1313 ، التهذيب 3 : 218 / 542 ، الاستبصار 1 : 236 / 844 ، الوسائل 8 : 479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 3.
3 ـ المختلف : 162.
4 ـ كما نقله عنه في المختلف : 163.
5 ـ في « م » زيادة : والفقيه.
6 ـ الانتصار : 53 ، الخلاف 1 : 224 ، السرائر 1 : 338.


(357)
الصلاة ويصوم شهر رمضان » (1).
    وفيه : « أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أم حضر : المكاري ، والكريّ (2) ، والراعي ، والأشتقان (3) ، لأنه عملهم » (4).
    ونحوه المرفوع القريب منه ، لكن بزيادة الملّاح ، وتفسير الأشتقان بالبريد ، مع إسقاط لفظة « قد » (5).
    وفيه : « ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير ، ولا على المكارين ، ولا على الجمّالين » (6).
    ونحوه الموثق (7) وغيره (8) في الملّاحين والأعراب ، معلّلين بأن بيوتهم معهم.
    ويستفاد منها أجمع ـ بعد ضمّ بعضها مع بعض ـ : أنّ وجوب التمام على هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عملهم ، لا لخصوصيّة فيهم ، فلو فرض كثرة
1 ـ الكافي 4 : 128 / 1 ، التهذيب 4 : 218 / 634 ، الوسائل 8 : 484 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1.
2 ـ الكرّي ـ بالفتح على فعيل ـ : المكتري ، وان جاء لمكري الدوابّ ايضاً ، كما يقتضيه ظاهر العطف وأصاة عدم الترادف. مجمع البحرين 1 : 358.
3 ـ الأشتقان قيل : هو الأمير اّلذي يبعثه السلطان على حفاظ البيادر. قيل : البريد. مجمع البحرين 6 : 272.
4 ـ الكافي 3 : 436 / 1 ، التهذيب 3 : 215 / 526 ، الاستبصار 1 : 232 / 828 ، الوسائل 8 : 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.
5 ـ الخصال : 302 / 77 ، الوسائل 8 : 487 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 12.
6 ـ التهذيب 3 : 214 / 525 ، الاستبصار 1 : 232 / 827 ، الوسائل 8 : 486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 8.
7 ـ الكافي 3 : 437 / 2 ، الفقيه 1 : 281 / 1277 ، الوسائل 8 ، 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 4.
8 ـ الكافي 3 : 437 ، 438 / 5 ، 9 ، التهذيب 3 : 215 / 527 ، الاستبصار 1 : 233 / 829 ، الوسائل 8 : 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 5 ، 6.


(358)
السفر بحيث يصدق كونه عملاً لزم التمام وإن لم يصدق وصف أحد هؤلاء ، كما أنه لو صدق وصف أحدهم ولم يتحقق الكثرة المزبورة لزم القصر.
    خلافاً للحلّي في الثاني ، فحكم بالتمام فيه ولو بمجرد السفرة الاُولى ، لإطلاق الأدلة بوجوب التمام على هؤلاء (1).
    وهو مع ضعفه بما مضى مقدوح بلزوم حمل المطلقاًت على الغالب الشائع منها ، وهو من تكرّر منه السفر مراراً ، لا من يحصل منه في المرة الاُولى.
    ومنه يظهر ضعف ما في المختلف من حكمه بالإتمام في السفرة الثانية مطلقاًً (2).
    ولجماعة فجعلوا المدار في الإتمام على صدق وصف أحدهم أو صدق كون السفر عمله ، ومنهم الشهيد في الذكرى (3) ، إلّا أنه قال : إنّ ذلك إنما يحصل غالباً بالسفرة الثالثة التي لم يتخللها إقامة عشرة ، كما صرّح به الحلّي في متّخذ السفر عملاً له.
    وفيه ما عرفته من أن المستفاد من النصوص أن وجوب التمام على أحد هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عمله ، فلا وجه لجعله مقابلاً له.
    ثمَّ دعوى حصول صدق أحد العنوانين بمجرّد السفرة الثالثة ممنوع ، كيف لا وقد يحصل السفر زائدا عليها ولا يصدق أحدهما ؟! وذلك حيث يتفق كثرة السفر مع عدم قصد إلى اتّخاذه عملاً ، ومثله يقصّر جدّاً ، كما صرّح به بعض متأخري أصحابنا ، فقال بعد نقل ما قدّمناه من الأقوال : وإذ قد عرفت أن الحكم في الأخبار ليس معلّقاً على الكثرة ، بل على مثل المكاري والجمّال‏
1 ـ السرائر 1 : 339.
2 ـ المختلف : 163.
3 ـ الذكرى : 259.


(359)
ومن اتّخذ السفر عمله ، وجب أن يراعى صدق هذا الاسم عرفاً ، فلو فرض عدم صدق الاسم بالعشر لم يتعلق حكم الإتمام (1). انتهى.
    نعم ، يعتبر السفرات الثلاث مع صدق العنوان ، فلا إتمام فيما دونها ولو صدق لما مرّ من لزوم حمل المطلقاًت على المتبادر منها ، وليس إلّا من تكرّر منه السفر ثلاثاً فصاعداً ، ويمكن أن يكون مراد الشهيد في اعتباره التعدّد ثلاثاً هذا.
    وبالجملة : المعتبر عدم اتّخاذ السفر عملاً مع تكرره مرة بعد اخرى ، ومعه كذلك يجب التمام كما يستفاد من النصوص على ما قدّمنا.
    ( و ) ظاهر إطلاق أكثرها وإن اقتضى وجوبه معه مطلقاًً إلّا أن ظاهر جملة اُخرى منها أن ( ضابطه أن لا يقيم في بلد عشرة ) أيام ، ومنها الصحيحة الاُولى المقيدة للمكاري ونحوه بالذي يختلف وليس له مقام.
    ونحوها رواية اُخرى (2).
    والمراد بالمقام فيهما الإقامة عشراًً إجماعاً ، إذ لا قائل بوجوب التمام مطلقاًً ـ كما فيهما ـ بإقامة دونها ، مع أنها المتبادر منه حيثما يطلق في النص والفتوى بشهادة التتبع والاستقراء ، مع أن الإقامة دونها حاصلة لكل من كثيري السفر ، لصدقها على إقامة نحو يوم بل وساعة وساعتين مثلاً ، ولا يخلو منها أحد منهم جدّاً ، وموجب التقييد على هذا عدم وجود كثير سفر يلزمه التمام إلّا نادراً ، بل مطلقاًً ، وهو كما ترى.
    هذا مضافاًً إلى المرسل : « عن حدّ المكاري الذي يصوم ويتم ، قال : أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من عشرة أيام وجب عليه‏
1 ـ الذحيرة : 410.
2 ـ التهذيب 4 : 218 / 636 ، الوسائل 8 : 487 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 10.


(360)
التمام والصيام أبداً ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإفطار » (1).
    وهو صريح في المدّعى ، وضعف سنده مجبور بالشهرة العظيمة بين أصحابنا حتى نحو الحلّي (2) الذي لا يعمل إلّا بالقطعيات ، بل صرّح جملة من المتأخرين (3) بأن الحكم به معروف بين الأصحاب ، مقطوع به بينهم ، مؤذنين بنفي الخلاف فيه بينهم ، كالماتن في المعتبر (4) ، حيث نفى الخلاف في وجوب القصر على من كان سفره أكثر من حضره مع الإقامة عشراً.
    واشتراط إقامة الأقلّ من العشرة في التمام ظاهر في انتفائه مع الإقامة عشراً. ولا ينافيه مفهوم الشرطية الاُخرى لورودها على الغالب ، لندرة الإقامة عشراً بحيث لا يزيد عليها ، فلا عبرة بمفهومها ، فلا يمكن القدح في الرواية بهذا.
    وقريب منها رواية اُخرى سيأتي الإشارة إليها (5) ، إلّا أنها تضمّنت ما لا يقول به أحد أو الأكثر ، واختصّت بإقامة العشرة في غير البلد أو عمّتها وإقامتها فيه.
    وكلاهما غير قادحين في الاستدلال بها هنا بعد انجبارها واعتضادها بفتوى أصحابنا.
1 ـ التهذيب 4 : 219 / 639 ، الاستبصار 1 : 234 / 837 ، الوسائل 8 : 488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1.
2 ـ انظر السرائر 1 : 340.
3 ـ كالشهيد الأول في الذكرى : 260 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 49 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 409 ، وصاحب المدارك 4 : 452.
4 ـ المعتبر 2 : 472.
5 ـ في ص : 363 و364.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس