|
|||
(16)
الغلّات والمواشي ، وفاقاً لكلّ من مرّ.
[ وقيل : حكمه حكم الطفل ] فتجب في غلّاته ومواشيه أيضاً. والقائل جميع من قال به فيه (1) ، عدا ابن حمزة فلم ينقل عنه الحكم هنا بشيء أصلاً. [ والأوّل أصح ] وإن كان الوجوب أحوط ، وإن لم يقم هنا عليه دليل صالح عدا الإطلاق والصحيح المتقدم ، المضعَّفين بما مضى وذلك لظهور عدم الفرق بين الطفل والمجنون فتوىً ، حتى من المستحبّين ، عدا الماتن وبعض من تأخّر عنه (2). مع أنّه لم يظهر منه نفي الاستحباب صريحاً هنا ولا سابقاً ، وإنّما نفى الوجوب خاصّة ، مع تأيّده بالاعتبار والاستقراء ، لاشتراكهما في الأحكام غالباً ومنها استحباب إخراج الزكاة من مالهما إذا اتّجر به ، ففي الصحيح : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : امرأة مختلطة عليها زكاة ؟ فقال : « إن كان عُمِل به فعليها زكاة ، وإن لم يُعمَل به فلا » (3) ونحوه غيره (4). واعلم : أن الزكاة إنّما تسقط عن المجنون المطبق ، أما ذو الأدوار ففي تعلّق الوجوب به في حال الإفاقة ، أم العدم إلّا أن يحول الحول حالتها قولان. أجودهما الثاني ، وفاقاً للتذكرة والنهاية (5) للأصل ، مع اختصاص ما 1 ـ راجع ص : 13. 2 ـ انظر المدارك 5 : 23. 3 ـ الكافي 3 : 542 / 2 ، التهذيب 4 : 30 / 75 ، الوسائل 9 : 90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 1 ، بتفاوت يسير. 4 ـ الكافي 3 : 542 / 3 ، التهذيب 4 : 30 / 76 ، الوسائل 9 : 90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 2. 5 ـ التذكرة 1 : 210 ، نهاية الاحكام 2 : 300. (17)
دلّ على اعتبار الحول بمن يكون المال عنده طُولَه بحيث يتمكن من التصرف فيه ، كما هو المتبادر من إطلاقه ، والمجنون للحجر عليه غير متمكّن منه اتّفاقاً.
ومن هنا يظهر عدم وجوبها على الطفل أيضاً إلّا بعد حَوْل الحَول بعد بلوغه ، مضافاً إلى عموم الموثق السابق (1) : « وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة » وهو عامّ لما حال عليه أحوال عديدة أو حول عدا أيّام قليلة. وأما قوله بعد ذلك : « ولا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك » فإن جُعل معطوفاً على الجزاء ـ كما هو الظاهر ـ فلا بُدّ من حمل الإدراك على غير البلوغ لينتظم الكلام ، فيكون المعنى : أنّه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها أوّلاً حتى يدرك الحول ، فإذا أدركه وجبت عليه. وإن جُعل جملة مستقلّة مع بعده يكون المعنى : أنّه ليس عليه لما يستقبل من الزمان زكاة متى حال عليه الحول حتى يحول وهو مدرك بالغ ، فإذا حال عليه وهو كذلك وجبت عليه زكاة واحدة ، فتدبّر. ومحصّل الكلام اعتبار الشرطين طول الحول خلافاً لبعض المتأخّرين (2) ، فاكتفى بحصولهما بعده ، لمستند قد عرفت وهنه. [ والحرّية معتبرة في ] جميع [ الأجناس ] (3) بلا خلاف فيه من هذا الوجه (4) وإن كان يظهر من المعتبر والمنتهى (5) وقوعه في أصل 1 ـ في ص : 13. 2 ـ انظر الذخيرة : 421. 3 ـ في النافع زيادة : كلّها. 4 ـ أي : وجه تعميم الاشتراط إلى جميع الأجناس. منه رحمه الله. 5 ـ المعتبر 2 : 489 ، المنتهى 1 : 473. (18)
اعتبارها ، بناءً على الاختلاف في تملّك العبد شيئاً أم لا. وصرّحا بالعدم (1) على الأوّل ، مع أنّه صرّح في المنتهى أخيراً باعتبارها عليه أيضاً ، معلِّلاً له بنقص ملكه وتزلزله (2) ، كما صرّح به أيضاً شيخنا الشهيد الثاني (3).
وعليه فيتوجّه اعتبارها مطلقاً ، كما يشهد به الأُصول ، وإطلاق ما ورد في نفي وجوب الزكاة على العبد من النصوص ، وفيها الصحيح وغيره (4) ، وعليه الإجماع في الخلاف وعن التذكرة (5). ولذا أنّ جملة من متأخّري المتأخّرين (6) مع قولهم بأنّ العبد يملك في الجملة أو مطلقاً ، نفوا عنه وجوبها مطلقاً ، معلِّلين بإطلاقها. هذا ، مع أن المختار أنّه لا يملك مطلقاً ، ويتفرّع عليه وجوب الزكاة على السيّد ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب ، ومنهم الفاضل في المنتهى قال : وعلى غيره لا يجب على العبد لما مرّ ، ولا على السيّد لأن المال لغيره (7). وربما يتوهّم تأيّد هذا القول بالصحيح : قلت له : مملوك في يده مال ، أعليه زكاة ؟ قال : « لا » قلت : فعلى سيّده ؟ فقال : « لا ، إنّه لم يَصل إلى السيّد وليس هو للمملوك » (8) مع أنّه بطرف الضدّ من التأييد ، للتصريح 1 ـ أي : عدم اعتبار الحرية. منه رحمه الله. 2 ـ المنتهى 1 : 473. 3 ـ كما في الروضة 2 : 12. 4 ـ الوسائل 9 : 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4. 5 ـ الخلاف 2 : 43 ، التذكرة 1 : 201. 6 ـ كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4 : 16 ـ 19 ، وصاحب المدارك 5 : 24 ، والفيض في المفاتيح 1 : 194. 7 ـ المنتهى 1 : 473. 8 ـ الفقيه 2 : 19 / 63 ، الوسائل 9 : 92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 4. (19)
فيه بعدم مالكيّة العبد لما في يده ، وأنّه ليس له ، ونفي الزكاة من السيّد لا ينافي ملكه ، بل يحتمل استناده إلى عدم تمكّن السيّد من التصرّف فيه بجهله به مثلاً ، كما يومئ به التعليل بأنّه لم يَصل إلى السيّد ، والتعليل به دون عدم تملّك السيّد أو تزلزله ظاهر في تملّك السيّد لما في يد عبده ، سيّما مع تعليل الحكم من جهة العبد بعدم ملكه.
ولا فرق بين القنّ والمدبّر وأُمّ الولد والمكاتب الذي لم يتحرّر منه شيء ، أمّا من تبعّضت رقّيته فتجب في نصيب الحرّية بشرطه. وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ما لو كان العبد مأذوناً من سيّده في التصرف في ماله أم لا. ويُحكى قول بتقييده بالثاني (1) ، لزعم استناده إلى الحجر ، وبالإذن يرتفع. وهو ضعيف لما مرّ. نعم ، في الخبر المروي عن قرب الإسناد : « ليس على المملوك زكاة إلّا بإذن مواليه » (2) لكنّه قاصر السند ، بل والدلالة ، لاحتمال كون متعلّق الإذن إخراج الزكاة عن السيّد ، لا التصرّف في المال الموجب لتعلّق الزكاة على العبد كما توهّم. [ وكذا التمكن من التصرف ] معتبر فيها عند علمائنا أجمع ، كما عن التذكرة وقريب منه في المنتهى (3) ، وفي الغنية الإجماع عليه صريحاً (4) ، وكذا في الخلاف لكن في جملة من الأفراد التي لا يتمكّن فيها من التصرّف خاصّة ، ولم ينقله على القاعدة كليةً (5) ، ولكنّ الظاهر أن ذكره لتلك الأفراد 1 ـ الحدائق 12 : 28. 2 ـ قرب الاسناد : 228 / 893 ، الوسائل 9 : 91 أبواب من تجب الزكاة ب 4 ح 2. 3 ـ التذكرة 1 : 201 ، المنتهى 1 : 475. 4 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 567. 5 ـ الخلاف 2 : 31. (20)
للتمثيل لا للحصر ، كم يفهم منه في موضع آخر (1).
وكيف كان [ فلا تجب في المال الغائب إذا لم يكن صاحبه ] ولا وكيله [ متمكّناً منه ] إجماعاً ، كما عرفته وللمعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما. [ و ] جملة منها صريحة في أنه [ لو عاد ] المال إليه وتمكّن من التصرّف [ اعتبر ] حَوْل [ الحول بعد عوده ] إليه وتمكّنه منه ، ففي الصحيح : الرجل يكون له الوديعة والدَّين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما ، متى تجب عليه الزكاة ؟ قال : « إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكّي » (2). ونحوه الموثّق وغيره : « لا ، حتى يحول عليه الحول في يده » (3) كما في الأوّل ، أو « وهو عنده » (4) كما في الثاني. وقريب منها النصوص الدالّة على أنّه لا شيء فيما لم يحُل عليه الحول عند ربّه (5). وعليها يحمل إطلاق نحو الصحيح : « لا صدقة على الدَّين ، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك » (6). [ ولو مضت عليه ] أي على المال الغائب حين ما هو غائب 1 ـ الخلاف 2 : 111 / حيث قال : لا خلاف بين الطائفة أن زكاة القرض على المستقرض دون القارض ، وان المال الغائب اِذا لم يتمكن منه لم تلزمه زكاته ، والرهن لا يتمكن منه ، فتدبّر. منه رحمه الله. 2 ـ التهذيب 4 : 34 / 88 ، الاستبصار 2 : 28 / 80 ، الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 1. 3 ـ التهذيب 4 : 34 / 87 ، الاستبصار 2 : 28 / 79 ، الوسائل 9 : 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3. 4 ـ الكافي 3 : 527 / 5 ، التهذيب 4 : 34 / 89 بتفاوت يسير ، الوسائل 9 : 94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 3. 5 ـ الوسائل 9 : 121 أبواب زكاة الانعام ب 8. 6 ـ التهذيب 4 : 31 / 78 ، الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب علبه الزكاة ب 5 ح 6. (21)
[ أحوال زكّاه لسنة ] واحدة [ استحباباً ] لورود الأمر به في الصحيح (1) والموثّق (2) والحسن (3). وظاهره وإن أفاد الوجوب إلّا أنّه محمول على الاستحباب على المشهور للأصل ، وإطلاق ما مرّ من النصوص بنفي الوجوب. وتقييدهما بالأمر وإن أمكن إلّا أنّ حمله على الاستحباب أظهر لكونه أشهر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من بعض من نَدَر ممّن تأخّر. وهو نادر ، بل على خلافه الإجماع في ظاهر جملة من العبائر ، ومنها عبارة المنتهى حيث قال : إنّه مذهب علمائنا ، ونَسَب الوجوب إلى مالك (4) وفي المدارك أنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً (5).
[ ولا في الدَّين ] إذا لم يَقدر صاحبه على أخذه اتّفاقاً فتوىً ونصّاً ، إلّا الصحيح : « يزكّيه ولا يزكّي ما عليه من الدَّين ، إنّما الزكاة على صاحب المال » (6). وهو محمول على التفصيل الآتي أو الاستحباب جمعاً ، أو التقيّة لمطابقته لمذهب أكثر العامّة ، كما يفهم من المنتهى (7) وغيره (8) ، ومنهم 1 ـ الكافي 3 : 519 / 2 ، التهذيب 4 : 31 / 79 ، الاستبصار 2 : 28 / 82 ، الوسائل 9 : 94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 4. 2 ـ التهذيب 4 : 31 / 77 ، الاستبصار 2 : 28 / 81 ، الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7. 3 ـ الكافي 3 : 524 / 1 ، الوسائل 9 : 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1. 4 ـ المنتهى 1 : 475. 5 ـ المدارك 5 : 37. 6 ـ الكافي 3 : 521 / 12 ، الوسائل 9 : 103 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 1. 7 ـ المنتهى 1 : 476. 8 ـ الذخيرة : 426. (22)
أصحاب الرأي ، وهم أصحاب أبي حنيفة.
[ وفي رواية ] بل روايات (1) [ إلّا أن يكون صاحبه هو الذي يؤخّره ] وعمل بها جماعة من القدماء كالشيخين والمرتضى (2). خلافاً لآخرين منهم كالعماني والإسكافي (3) ، والحلّي حاكياً له عن الشيخ في الاستبصار (4) ، وتبعهم عامّة المتأخّرين ، ومنهم فخر الدين حاكياً له عن المرتضى (5) للأصل ، وضعف سند الروايات ، فلا تصلح لتخصيصه ، ولا لتخصيص ما بمعناه من إطلاق الصحيح المتقدّم وغيره من الموثقات ، منها : قلت : ليس في الدين زكاة ؟ قال : « لا » (6). ومنها : « لا حتى يقبضه » قلت : فإذا قبضه أيزكّيه ؟ قال : « لا حتى يحول عليه الحول في يده » (7) ونحوهما غيرهما (8). وهذا أقوى ، وإن كان الأوّل أحوط وأولى لشبهة الخلاف فتوىً وروايةً ، ومنها الرضوي : « وإن غاب مالك عنك فليس عليك الزكاة إلّا أن يرجع إليك ويحول عليه الحول وهو في يدلك ، إلّا أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه فعليك زكاته » (9). 1 ـ الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6. 2 ـ المفيد في المقنعة : 239 ، الطوسي في الجمل والعقود : 205 ، والخلاف2 : 80 ؛ المرتضى في الجمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 75. 3 ـ حكاه عنهما العلّامة في المختلف : 174. 4 ـ السرائر 1 : 444. 5 ـ اِيضاح الفوائد 1 : 168. 6 ـ التهذيب 4 : 32 / 80 ، الوسائل 9 : 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 4. 7 ـ التهذيب 4 : 34 / 87 ، الاستبصار 2 : 28 / 79 ، الوسائل 9 : 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3. 8 ـ الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6. 9 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 198 ، المستدرك 7 : 52 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1. (23)
وربما استدلّ على القول الأوّل زيادةً على الرواية به ، وبالموثّق : في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه ، قال : « فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكاه لعامٍ واحد ، فإن كان يَدَعه متعمّداً وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين » (1) وبالصحيح المتقدم المثبت للزكاة في الدين على الإطلاق.
وهو ضعيف لضعف الرواية بما عرفته ، والرضوي بقصور الدلالة بقوة احتمال اختصاصه بالمال الغائب كما فرض في صدره ، والأصل في الاستثناء يقتضي تعلّق ما بعده بما قبله ، وحينئذٍ فنحن نقول بحكمه ، وهو الوجوب في المال الغائب مع القدرة على أخذه ، وصرّح به الحلّي والعماني (2) وغيرهما (3) ، بل لا خلاف فيه. وهو غير جارٍ فيما نحن فيه من الدين ، فإنّه أمر كلي ولا يتشخّص ملكاً للمُدين إلّا بقبضه ، ولا زكاة إلّا في الشخصي ، ولا كذلك المال الغائب ، فإنّه مملوك شخصي ، وغاية الأمر أنّه ممنوع من التصرف فيه ، فإذا ارتفع المنع وجبت الزكاة. ومنه ظهر دليل آخر على عدم الوجوب في الدين ، ومحصّله أنّه غير مملوك للمُدين فعلاً إلّا بعد قبضه له ، ولا زكاة إلّا في الملك اتّفاقاً فتوىً وروايةً ، وبه استدلّ أيضاً جماعة (4). وهو في غاية المتانة ، ومنه يظهر الجواب عن الموثّقة فإنّها في المال الغائب واردة ، لا في مفروض المسألة ، 1 ـ التهذيب 4 : 31 / 77 ، الاستبصار 2 : 28 / 81 ، الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7. 2 ـ الحّلي في السرائر 1 : 443 ، وحكاه عن العماني العلّامة في المختلف : 174. 3 ـ كالشيخ في الخلاف 2 : 111 ، وصاحب المدارك 5 : 35. 4 ـ منهم : المفيد في المقنعة : 239 ، والعلّامة في المختلف : 174 ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1 : 299. (24)
وأحدهما غير الآخر ، كما عرفته.
وأمّا الصحيح فلا قائل بإطلاقه ، وتقييده بما في الرواية من التفصيل ليس بأولى من حمله على الاستحباب ، بل هو أولى ، للأصل ، وضعف المقيِّد عن التقييد سنداً كما مضى. و بالجملة : لا ريب في ضعف هذا الاستدلال ، كالاستدلال للمختار بالروايات المتضمنة لسقوط الزكاة عن القرض (1) ، بتخيّل أنّه نوع من الدين مطلقاً حتى في المضمار ؛ وذلك لأنّ المفهوم منها أنّ محلّ السؤال فيها إنّما هو عن تلك العين المستقرضة ، ومحلّ البحث إنّما هو الدين المستقرّ في الذمة ، مع حلوله وتعيين فرد من أفراده ليدفع بدله ، ولم يقبضه المُدين فراراً من الزكاة ، أو مساهلةً ، أو مطلقاً. نعم ، يمكن الاستدلال بما في جملة منها من التعليل بأن القرض ملك المقترض ونفعه له فخسارته عليه ، وهو جارٍ في الدين إذا لم يقبضه مالكه ، لأنّ شخصه ملك المديون فنفعه له وعليه خسارته. [ وزكاة القرض على المقترض ] بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في الخلاف والسرائر (2) ، وعزاه في التنقيح إلى الأصحاب كافّة (3) ، مؤذناً كسابقيه بالإجماع عليه ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة : منها : على مَن الزكاة ، على المُقرض أو على المستقرض؟ فقال : « على المستقرض ، لأنّ له نفعه وعليه زكاته » (4). 1 ـ الوسائل 9 : 100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7. 2 ـ الخلاف 2 : 109 ، السرائر 1 : 445. 3 ـ التنقيح الرائع 1 : 299. 4 ـ التهذيب 4 : 33 / 84 ، الوسائل 9 : 102 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 5. (25)
ومنها : « ليس على الدافع شيء ، لأنّه ليس في يده شيء ، إنّما المال في يد الآخر ، فمن كان المال في يده زكاه » إلى أن قال : « أرأيت وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو وعلى من ؟ » قلت : للمقترض ، قال : « فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه » (1) الحديث.
ومنها : في رجل استقرض مالاً فحال عليه الحول وهو عنده ، قال : « إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض » (2). وإطلاقها كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق بين ما لو شرط الزكاة على المُقرض أم لا ، وبه صرّح جماعة (3). خلافاً لموضع من النهاية (4) ، فأسقطها بالشرط وأوجبها على المُقرض ، واحتجّ له بالرواية الأخيرة. ويضعّف : بأنّه ليس فيها ذكر الشرط فضلاً عن لزومه. ويحتمل التبرّع ، ونحن نقول به ، وفاقاً لجماعة (5) من غير خلاف فيه بينهم أجده ، وإن اختلفوا في إطلاق السقوط به كما هو ظاهرها ، وعليه الفاضل في المختلف والتحرير والمنتهى (6) وغيره (7) أو تقييده بما إذا أذن 1 ـ الكافي 3 : 520 / 6 ، التهذيب 4 : 33 / 85 ، الوسائل 9 : 100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 1. 2 ـ الكافي 3 : 520 / 5 ، التهذيب 4 : 32 / 83 ، الوسائل 9 : 101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 2. 3 ـ منهم الطوسي في النهاية : 176 ، وابن ادريس في السرائر 1 : 445 ، والسبزواري في الذخيرة : 426. 4 ـ النهاية : 312. 5 ـ المدارك 5 : 38 ، الذخيرة : 426 ، الحدائق 12 : 40. 6 ـ المختلف : 174 ، التحرير : 58 ـ 59 المنتهى 1 : 477. 7 ـ الفاضل المقداد في التنقيح 1 : 299 ، والسبزواري في الذخيرة : 423 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 194. (26)
له المقترض ، وإلّا فلا ، كما عليه الشهيد (1) وحملها على صورة الشرط ليس بأولى من حملها على الصورة الأُخرى.
قيل : مع أن الزكاة تابعة للملك ، والمقترض قد ملك ، والشرط غير لازم ، لأنّه شرط للعبادة على غير من تجب عليه (2). ويضعّف : بأنّ الزكاة وإن كانت من قبيل العبادة من جهةٍ ، إلّا أنّها من قبيل الدَّين من اخرى ، ولذا تبرأ ذمّة من تجب عليه إذا أُخرجت عنه تبرّعاً ، ولو روعي فيها الجهة الأُولى لم تبرأ الذمة عنها مطلقاً (3) ، وهو خلاف ما اتّفق عليه القائل وغيره ، ودلّت عليه الرواية. وإذا تمهّد هذا أمكن توجيه الاستدلال بها على مختار النهاية ، بأنّ يقال : لا ريب في دلالتها على جواز مباشرة الغير لإخراجها عمّن لزمته ولو تبرّعاً ، وحيث جازت صحّ اشتراطها ولزم ، لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط السائغة ، وهذا منها كما عرفته. هذا مضافاً إلى التأيّد بجملة من المعتبرة الواردة في نظير المسألة ، كالصحيح : سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول : « باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضاً بكذا وكذا ألف دينار ، واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين » (4) الحديث ، ونحوه آخر (5). والرضوي : « فإن بعت شيئاً وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري 1 ـ الدروس 1 : 231. 2 ـ قال به العلاَمة في المختلف : 174. 3 ـ ولو تبرّعاً. 4 ـ الكافي 3 : 524 / 2 ، علل الشرائع : 375 / 2 ، الوسائل 9 : 173 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 18 ح 1. 5 ـ الكافي 3 : 524 / 1 ، الوسائل 9 : 174 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 18 ح 2. (27)
زكاة سنةٍ أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنّه يلزمه ذلك دونك » (1).
وحكي الفتوى به عن الصدوقين (2) ، وعليه فيقوّى القول بالسقوط. اللّهُمَّ إلّا أن يقال (3) : إنّ مقتضى الأدلة المزبورة لزومها على المشروط عليه من باب الشرط لا أصالةً ، وهو لا يستلزم السقوط عن الشارط حيث لم يَفِ المشروط عليه بالشرط. توضيحه : أنّه لا ريب أنّ الزكاة إنّما تجب في العين وعلى مالكها ، ومقتضاه لزوم إخراجها عليه دون غيره ، لكن لما ثبت بالنصّ والفتوى جواز الإخراج عنه تبرّعاً قلنا به وبجواز اشتراطه ، لكنّ المشروط حينئذٍ تفريغ ذمّة المالك عن الزكاة لا تعلّقها بذمّة المشروط عليه بمجرّد الشرط ابتداءً ، بحيث لم يكلّف الشارط بها أصلاً ، حتى لو لم يَفِ المشروط عليه بها لم يكن الشارط مكلّفاً بها ، كما توهمه عبارة النهاية ونحوها ، وإن هو إلّا كاشتراط المديون أداء دينه لزيد على عمرو في معاملة له معه ، ولا ريب أنّ بالشرط فيه لا يبرأ بل يتوقف على الأداء ، إن حصل برِئ وإلّا فلا. وفائدة الشرط إنّما هو تعيّن الإبراء على عمرو فكذا هنا ، وبعبارة اُخرى : أنّ فائدة الشرط تعيّن الإبراء على عمرو فكذا هنا ، وبعبارة اُخرى : أن فائدة الشرط التعيين الإبراء على المشروط لا براءة الشارط عنها ابتداءً. وقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ الظاهر لزوم الشرط ، لكن يتوقف براءة ذمّة المالك على الوفاء. فإن أراد الشيخ ومَن ضارعه من السقوط عن المستقرض ونحوه السقوط بهذا المعنى أي مراعى متزلزلاً إلى حين الوفاء فمرحباً ، وإلّا فلم أعرف له مستنداً. 1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 198 ، المستدرك 7 : 84 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 12 ح 1. 2 ـ حكاه عن والد الصدوق في المختلف : 174 ، والصدوق في المقنع : 53. 3 ـ كما في المسالك 1 : 55. (28)
واعلم : أنّ وجوب زكاة القرض على المقترض إنّما هو [ إن ] قبضه
[ وتركه بحاله حولاً ] عنده [ ولو اتّجر به ] قبله [ استحب ] له زكاته ، بناءً على استحبابها في مال التجارة.
[ الثاني : فيما تجب فيه ] الزكاة [ وما تستحب ] أعلم : أنّها [ تجب في الأنعام الثلاثة ] وهي [ الإبل والبقر والغنم ، وفي الذهب والفضّة ، وفي الغلّات الأربع ] وهي [ الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ولا تجب فيما عداها ]. أما وجوبها في التسعة فمجمع عليه بين المسلمين كافّة ، كما في المنتهى (1) وعن التذكرة (2) ، وقريب منهما الغنية (3) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة بل متواترة (4). وأما عدمه فيما عداها فمجمع عليه بيننا ، كما صرّح به جماعة من أصحابنا ، كالناصرية والانتصار والخلاف والغنية والمنتهى وغيرها (5) والنصوص به مع ذلك مستفيضة من طرقنا (6) ، وما يخالفها بظاهره محمول على الاستحباب قطعاً. [ وتستحبّ في كلّ ما تنبته الأرض مما يكال أو يوزن ] من الحبوب كالسمْسِم والأرُزّ والدخْن والحِمَّص والعدس وأشباهها [ عدا الخضر ] من 1 ـ المنتهد 1 : 473. 2 ـ التذكرة 1 : 205. 3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 564. 4 ـ الوسائل 9 : 53 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحبّ فيه ب 8. 5 ـ الناصرية ( الجوامع الفقيهة ) : 241 ، الانتصار : 75 ، الخلاف 2 : 54 و 61 و 77 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) 566 ، المنتهى 1 : 473 ؛ وانظر الدروس 1 : 228. 6 ـ الوسائل 9 : 61 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9. (29)
بقل وقِثّاء وبطّيخ وكل شيء يفسد من يومه ، كما في المعتبرة المستفيضة (1).
وظاهر جلّها أو كلّها وإن كان الوجوب ـ كما عن يونس والإسكافي (2) - ، إلّا أنّها محمولة على الاستحباب ، كما عليه الأصحاب جمعاً بينها وبين ما مرّ من الأدلّة على عدم الوجوب إلّا في التسعة. ويمكن حمل هذه على التقيّة لموافقتها لمذهب جمهور العامة ، كما في الذخيرة (3) ، ويومئ إليه بعض المعتبرة المروي عن معاني الأخبار ، وفيه ـ بعد ذكره عليه السلام : « وضع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الزكاة في التسعة وعفا عمّا عداها » ـ : فقال السائل : والذرّة ؟ فغضب عليه السلام ، ثم قال : « كان واللَّه على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله السماسم والذرّة والدخْن وجميع ذلك » فقال : إنّهم يقولون إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وإنّما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك ، فغضب وقال : « كذبوا ، فهل يكون إلّا العفو عن شيء قد كان ؟! لا واللَّه ما أعرف شيئاً عليه الزكاة غير هذا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر » (4). وعلى هذا فينحصر دليل الاستحباب في فتوى الأصحاب بعنوان الإجماع ، كما في المدارك (5) ، مضافاً إلى الاحتياط خروجاً عن شبهة الخلاف. 1 ـ الوسائل 9 : 66 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 11. 2 ـ حكاه عن يونس في الكافي 3 : 509 ذيل الحديث 2 ، وعن الاٍسكافي في المختلف : 180. 3 ـ الذخيرة : 430. 4 ـ معاني الاخبار : 154 / 1 ، الوسائل 9 : 54 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 3. 5 ـ المدارك 5 : 48. (30)
ويدخل فيما تستحبّ فيه : السُلت والعَلس على المشهور للأصل ، مع عدم دخولهما في التسعة حتى في الشعير والحنطة ، كما يستفاد من المعتبرة (1) وفيها الصحيح وغيره (2).
خلافاً للشيخ (3) وجماعة (4) ، فأوجبوا فيهما الزكاة ، بدعوى أنّ الأوّل من نوع الأوّل والثاني من الثاني ، كما يستفاد من بعض أهل اللغة (5). وفيها : أنّها اجتهاد في مقابلة النص الظاهر في التغاير ، مع أنّه المستفاد أيضاً من بعض أهل اللغة (6). ولو سلّم الاتّحاد فلا ريب في عدم تبادرهما من الإطلاق ، وينبغي الاقتصار فيه على المتبادر ، والرجوع في غيره إلى حكم الأصل وهو العدم. وحكم الحبوب المستحب فيها الزكاة حكم الغلّات الأربع ، في اعتبار النصاب وغيره من الشرائط ، وتعيين المُخْرَج من العُشر ونصفه ونحو ذلك ، بلا خلاف كما في المنتهى (7). [ و ] في وجوبها في [ مال التجارة ] أو استحبابها مع استجماعه 1 ـ وهي وان اختصّت باسُلت ، الاٍ أنه قد يلحق به العكس في المغايرة لعدم قائل بالفرق بينهما مطلقاًُ لا وضعاً ولا حكماً. منه رحمه الله. 2 ـ الوسائل 9 : 62 أبواب ما تجب في الزكاة ب 9 ح 3 ، 4. 3 ـ الخلاف 2 : 65 ، المبسوط 1 : 217. 4 ـ كالعلّامة في القواعد 1 : 55 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 56. 6 ـ انطر الصحاح 1 : 253 ، والقاموس 1 : 156 ، ومجمع البحرين 2 : 205 و 4 : 88. 7 ـ حكاه في مجمع البحرين فقال في العَلس : وقيل هو مثل البُر الا أنه عسر الاستنقاء وقيل هو العدس ( 4 : 88 ) وقال في السُلت : وعن الأزهري أنه قال : هو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في طبعه وبرودته فتدبر ( 2 : 205 ). منه رحمه الله. 8 ـ المنتهى 1 : 510. |
|||
|