رياض المسائل الجزء الخامس ::: 16 ـ 30
(16)
الغلّات والمواشي ، وفاقاً لكلّ من مرّ.
    [ وقيل : حكمه حكم الطفل ] فتجب في غلّاته ومواشيه أيضاً. والقائل جميع من قال به فيه (1) ، عدا ابن حمزة فلم ينقل عنه الحكم هنا بشي‏ء أصلاً.
    [ والأوّل أصح ] وإن كان الوجوب أحوط ، وإن لم يقم هنا عليه دليل صالح عدا الإطلاق والصحيح المتقدم ، المضعَّفين بما مضى وذلك لظهور عدم الفرق بين الطفل والمجنون فتوىً ، حتى من المستحبّين ، عدا الماتن وبعض من تأخّر عنه (2). مع أنّه لم يظهر منه نفي الاستحباب صريحاً هنا ولا سابقاً ، وإنّما نفى‏ الوجوب خاصّة ، مع تأيّده بالاعتبار والاستقراء ، لاشتراكهما في الأحكام غالباً ومنها استحباب إخراج الزكاة من مالهما إذا اتّجر به ، ففي الصحيح : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : امرأة مختلطة عليها زكاة ؟ فقال : « إن كان عُمِل به فعليها زكاة ، وإن لم يُعمَل به فلا » (3) ونحوه غيره (4).
    واعلم : أن الزكاة إنّما تسقط عن المجنون المطبق ، أما ذو الأدوار ففي تعلّق الوجوب به في حال الإفاقة ، أم العدم إلّا أن يحول الحول حالتها قولان.
    أجودهما الثاني ، وفاقاً للتذكرة والنهاية (5) للأصل ، مع اختصاص ما
1 ـ راجع ص : 13.
2 ـ انظر المدارك 5 : 23.
3 ـ الكافي 3 : 542 / 2 ، التهذيب 4 : 30 / 75 ، الوسائل 9 : 90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 1 ، بتفاوت يسير.
4 ـ الكافي 3 : 542 / 3 ، التهذيب 4 : 30 / 76 ، الوسائل 9 : 90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 2.
5 ـ التذكرة 1 : 210 ، نهاية الاحكام 2 : 300.


(17)
دلّ على‏ اعتبار الحول بمن يكون المال عنده طُولَه بحيث يتمكن من التصرف فيه ، كما هو المتبادر من إطلاقه ، والمجنون للحجر عليه غير متمكّن منه اتّفاقاً.
    ومن هنا يظهر عدم وجوبها على‏ الطفل أيضاً إلّا بعد حَوْل الحَول بعد بلوغه ، مضافاً إلى‏ عموم الموثق السابق (1) : « وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة » وهو عامّ لما حال عليه أحوال عديدة أو حول عدا أيّام قليلة.
    وأما قوله بعد ذلك : « ولا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك » فإن جُعل معطوفاً على‏ الجزاء ـ كما هو الظاهر ـ فلا بُدّ من حمل الإدراك على‏ غير البلوغ لينتظم الكلام ، فيكون المعنى‏ : أنّه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها أوّلاً حتى يدرك الحول ، فإذا أدركه وجبت عليه.
    وإن جُعل جملة مستقلّة مع بعده يكون المعنى‏ : أنّه ليس عليه لما يستقبل من الزمان زكاة متى حال عليه الحول حتى يحول وهو مدرك بالغ ، فإذا حال عليه وهو كذلك وجبت عليه زكاة واحدة ، فتدبّر.
    ومحصّل الكلام اعتبار الشرطين طول الحول خلافاً لبعض المتأخّرين (2) ، فاكتفى‏ بحصولهما بعده ، لمستند قد عرفت وهنه.
     [ والحرّية معتبرة في ] جميع [ الأجناس ] (3) بلا خلاف فيه من هذا الوجه (4) وإن كان يظهر من المعتبر والمنتهى‏ (5) وقوعه في أصل‏
1 ـ في ص : 13.
2 ـ انظر الذخيرة : 421.
3 ـ في النافع زيادة : كلّها.
4 ـ أي : وجه تعميم الاشتراط إلى جميع الأجناس. منه رحمه الله.
5 ـ المعتبر 2 : 489 ، المنتهى 1 : 473.


(18)
اعتبارها ، بناءً على‏ الاختلاف في تملّك العبد شيئاً أم لا. وصرّحا بالعدم (1) على‏ الأوّل ، مع أنّه صرّح في المنتهى‏ أخيراً باعتبارها عليه أيضاً ، معلِّلاً له بنقص ملكه وتزلزله (2) ، كما صرّح به أيضاً شيخنا الشهيد الثاني (3).
    وعليه فيتوجّه اعتبارها مطلقاً ، كما يشهد به الأُصول ، وإطلاق ما ورد في نفي وجوب الزكاة على‏ العبد من النصوص ، وفيها الصحيح وغيره (4) ، وعليه الإجماع في الخلاف وعن التذكرة (5). ولذا أنّ جملة من متأخّري المتأخّرين (6) مع قولهم بأنّ العبد يملك في الجملة أو مطلقاً ، نفوا عنه وجوبها مطلقاً ، معلِّلين بإطلاقها.
    هذا ، مع أن المختار أنّه لا يملك مطلقاً ، ويتفرّع عليه وجوب الزكاة على‏ السيّد ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب ، ومنهم الفاضل في المنتهى‏ قال : وعلى‏ غيره لا يجب على‏ العبد لما مرّ ، ولا على‏ السيّد لأن المال لغيره (7).
    وربما يتوهّم تأيّد هذا القول بالصحيح : قلت له : مملوك في يده مال ، أعليه زكاة ؟ قال : « لا » قلت : فعلى سيّده ؟ فقال : « لا ، إنّه لم يَصل إلى‏ السيّد وليس هو للمملوك » (8) مع أنّه بطرف الضدّ من التأييد ، للتصريح‏
1 ـ أي : عدم اعتبار الحرية. منه رحمه الله.
2 ـ المنتهى 1 : 473.
3 ـ كما في الروضة 2 : 12.
4 ـ الوسائل 9 : 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4.
5 ـ الخلاف 2 : 43 ، التذكرة 1 : 201.
6 ـ كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4 : 16 ـ 19 ، وصاحب المدارك 5 : 24 ، والفيض في المفاتيح 1 : 194.
7 ـ المنتهى 1 : 473.
8 ـ الفقيه 2 : 19 / 63 ، الوسائل 9 : 92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 4.


(19)
فيه بعدم مالكيّة العبد لما في يده ، وأنّه ليس له ، ونفي الزكاة من السيّد لا ينافي ملكه ، بل يحتمل استناده إلى‏ عدم تمكّن السيّد من التصرّف فيه بجهله به مثلاً ، كما يومئ به التعليل بأنّه لم يَصل إلى‏ السيّد ، والتعليل به دون عدم تملّك السيّد أو تزلزله ظاهر في تملّك السيّد لما في يد عبده ، سيّما مع تعليل الحكم من جهة العبد بعدم ملكه.
    ولا فرق بين القنّ والمدبّر وأُمّ الولد والمكاتب الذي لم يتحرّر منه شي‏ء ، أمّا من تبعّضت رقّيته فتجب في نصيب الحرّية بشرطه.
    وإطلاق النصّ والفتوى‏ يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ما لو كان العبد مأذوناً من سيّده في التصرف في ماله أم لا. ويُحكى قول بتقييده بالثاني (1) ، لزعم استناده إلى‏ الحجر ، وبالإذن يرتفع. وهو ضعيف لما مرّ.
    نعم ، في الخبر المروي عن قرب الإسناد : « ليس على‏ المملوك زكاة إلّا بإذن مواليه » (2) لكنّه قاصر السند ، بل والدلالة ، لاحتمال كون متعلّق الإذن إخراج الزكاة عن السيّد ، لا التصرّف في المال الموجب لتعلّق الزكاة على‏ العبد كما توهّم.
     [ وكذا التمكن من التصرف ] معتبر فيها عند علمائنا أجمع ، كما عن التذكرة وقريب منه في المنتهى‏ (3) ، وفي الغنية الإجماع عليه صريحاً (4) ، وكذا في الخلاف لكن في جملة من الأفراد التي لا يتمكّن فيها من التصرّف خاصّة ، ولم ينقله على‏ القاعدة كليةً (5) ، ولكنّ الظاهر أن ذكره لتلك الأفراد
1 ـ الحدائق 12 : 28.
2 ـ قرب الاسناد : 228 / 893 ، الوسائل 9 : 91 أبواب من تجب الزكاة ب 4 ح 2.
3 ـ التذكرة 1 : 201 ، المنتهى 1 : 475.
4 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 567.
5 ـ الخلاف 2 : 31.


(20)
للتمثيل لا للحصر ، كم يفهم منه في موضع آخر (1).
    وكيف كان [ فلا تجب في المال الغائب إذا لم يكن صاحبه ] ولا وكيله [ متمكّناً منه ] إجماعاً ، كما عرفته وللمعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما.
    [ و ] جملة منها صريحة في أنه [ لو عاد ] المال إليه وتمكّن من التصرّف [ اعتبر ] حَوْل [ الحول بعد عوده ] إليه وتمكّنه منه ، ففي الصحيح : الرجل يكون له الوديعة والدَّين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما ، متى تجب عليه الزكاة ؟ قال : « إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكّي » (2).
    ونحوه الموثّق وغيره : « لا ، حتى يحول عليه الحول في يده » (3) كما في الأوّل ، أو « وهو عنده » (4) كما في الثاني.
    وقريب منها النصوص الدالّة على‏ أنّه لا شي‏ء فيما لم يحُل عليه الحول عند ربّه (5). وعليها يحمل إطلاق نحو الصحيح : « لا صدقة على‏ الدَّين ، ولا على‏ المال الغائب عنك حتى يقع في يدك » (6).
     [ ولو مضت عليه ] أي على‏ المال الغائب حين ما هو غائب‏
1 ـ الخلاف 2 : 111 / حيث قال : لا خلاف بين الطائفة أن زكاة القرض على المستقرض دون القارض ، وان المال الغائب اِذا لم يتمكن منه لم تلزمه زكاته ، والرهن لا يتمكن منه ، فتدبّر. منه رحمه الله.
2 ـ التهذيب 4 : 34 / 88 ، الاستبصار 2 : 28 / 80 ، الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 1.
3 ـ التهذيب 4 : 34 / 87 ، الاستبصار 2 : 28 / 79 ، الوسائل 9 : 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.
4 ـ الكافي 3 : 527 / 5 ، التهذيب 4 : 34 / 89 بتفاوت يسير ، الوسائل 9 : 94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 3.
5 ـ الوسائل 9 : 121 أبواب زكاة الانعام ب 8.
6 ـ التهذيب 4 : 31 / 78 ، الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب علبه الزكاة ب 5 ح 6.


(21)
[ أحوال زكّاه لسنة ] واحدة [ استحباباً ] لورود الأمر به في الصحيح (1) والموثّق (2) والحسن (3). وظاهره وإن أفاد الوجوب إلّا أنّه محمول على‏ الاستحباب على‏ المشهور للأصل ، وإطلاق ما مرّ من النصوص بنفي الوجوب. وتقييدهما بالأمر وإن أمكن إلّا أنّ حمله على‏ الاستحباب أظهر لكونه أشهر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من بعض من نَدَر ممّن تأخّر. وهو نادر ، بل على‏ خلافه الإجماع في ظاهر جملة من العبائر ، ومنها عبارة المنتهى‏ حيث قال : إنّه مذهب علمائنا ، ونَسَب الوجوب إلى‏ مالك (4) وفي المدارك أنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً (5).
     [ ولا في الدَّين ] إذا لم يَقدر صاحبه على‏ أخذه اتّفاقاً فتوىً ونصّاً ، إلّا الصحيح : « يزكّيه ولا يزكّي ما عليه من الدَّين ، إنّما الزكاة على‏ صاحب المال » (6).
    وهو محمول على‏ التفصيل الآتي أو الاستحباب جمعاً ، أو التقيّة لمطابقته لمذهب أكثر العامّة ، كما يفهم من المنتهى‏ (7) وغيره (8) ، ومنهم‏
1 ـ الكافي 3 : 519 / 2 ، التهذيب 4 : 31 / 79 ، الاستبصار 2 : 28 / 82 ، الوسائل 9 : 94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 4.
2 ـ التهذيب 4 : 31 / 77 ، الاستبصار 2 : 28 / 81 ، الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7.
3 ـ الكافي 3 : 524 / 1 ، الوسائل 9 : 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.
4 ـ المنتهى 1 : 475.
5 ـ المدارك 5 : 37.
6 ـ الكافي 3 : 521 / 12 ، الوسائل 9 : 103 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 1.
7 ـ المنتهى 1 : 476.
8 ـ الذخيرة : 426.


(22)
أصحاب الرأي ، وهم أصحاب أبي حنيفة.
    [ وفي رواية ] بل روايات (1) [ إلّا أن يكون صاحبه هو الذي يؤخّره ] وعمل بها جماعة من القدماء كالشيخين والمرتضى‏ (2).
    خلافاً لآخرين منهم كالعماني والإسكافي (3) ، والحلّي حاكياً له عن الشيخ في الاستبصار (4) ، وتبعهم عامّة المتأخّرين ، ومنهم فخر الدين حاكياً له عن المرتضى‏ (5) للأصل ، وضعف سند الروايات ، فلا تصلح لتخصيصه ، ولا لتخصيص ما بمعناه من إطلاق الصحيح المتقدّم وغيره من الموثقات ، منها : قلت : ليس في الدين زكاة ؟ قال : « لا » (6).
    ومنها : « لا حتى يقبضه » قلت : فإذا قبضه أيزكّيه ؟ قال : « لا حتى يحول عليه الحول في يده » (7) ونحوهما غيرهما (8).
    وهذا أقوى ، وإن كان الأوّل أحوط وأولى لشبهة الخلاف فتوىً وروايةً ، ومنها الرضوي : « وإن غاب مالك عنك فليس عليك الزكاة إلّا أن يرجع إليك ويحول عليه الحول وهو في يدلك ، إلّا أن يكون مالك على‏ رجل متى ما أردت أخذت منه فعليك زكاته » (9).
1 ـ الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6.
2 ـ المفيد في المقنعة : 239 ، الطوسي في الجمل والعقود : 205 ، والخلاف2 : 80 ؛ المرتضى في الجمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 75.
3 ـ حكاه عنهما العلّامة في المختلف : 174.
4 ـ السرائر 1 : 444.
5 ـ اِيضاح الفوائد 1 : 168.
6 ـ التهذيب 4 : 32 / 80 ، الوسائل 9 : 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 4.
7 ـ التهذيب 4 : 34 / 87 ، الاستبصار 2 : 28 / 79 ، الوسائل 9 : 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.
8 ـ الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6.
9 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 198 ، المستدرك 7 : 52 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.


(23)
    وربما استدلّ على‏ القول الأوّل زيادةً على‏ الرواية به ، وبالموثّق : في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على‏ أخذه ، قال : « فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكاه لعامٍ واحد ، فإن كان يَدَعه متعمّداً وهو يقدر على‏ أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين » (1) وبالصحيح المتقدم المثبت للزكاة في الدين على‏ الإطلاق.
    وهو ضعيف لضعف الرواية بما عرفته ، والرضوي بقصور الدلالة بقوة احتمال اختصاصه بالمال الغائب كما فرض في صدره ، والأصل في الاستثناء يقتضي تعلّق ما بعده بما قبله ، وحينئذٍ فنحن نقول بحكمه ، وهو الوجوب في المال الغائب مع القدرة على‏ أخذه ، وصرّح به الحلّي والعماني (2) وغيرهما (3) ، بل لا خلاف فيه. وهو غير جارٍ فيما نحن فيه من الدين ، فإنّه أمر كلي ولا يتشخّص ملكاً للمُدين إلّا بقبضه ، ولا زكاة إلّا في الشخصي ، ولا كذلك المال الغائب ، فإنّه مملوك شخصي ، وغاية الأمر أنّه ممنوع من التصرف فيه ، فإذا ارتفع المنع وجبت الزكاة.
    ومنه ظهر دليل آخر على‏ عدم الوجوب في الدين ، ومحصّله أنّه غير مملوك للمُدين فعلاً إلّا بعد قبضه له ، ولا زكاة إلّا في الملك اتّفاقاً فتوىً وروايةً ، وبه استدلّ أيضاً جماعة (4). وهو في غاية المتانة ، ومنه يظهر الجواب عن الموثّقة فإنّها في المال الغائب واردة ، لا في مفروض المسألة ،
1 ـ التهذيب 4 : 31 / 77 ، الاستبصار 2 : 28 / 81 ، الوسائل 9 : 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7.
2 ـ الحّلي في السرائر 1 : 443 ، وحكاه عن العماني العلّامة في المختلف : 174.
3 ـ كالشيخ في الخلاف 2 : 111 ، وصاحب المدارك 5 : 35.
4 ـ منهم : المفيد في المقنعة : 239 ، والعلّامة في المختلف : 174 ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1 : 299.


(24)
وأحدهما غير الآخر ، كما عرفته.
    وأمّا الصحيح فلا قائل بإطلاقه ، وتقييده بما في الرواية من التفصيل ليس بأولى من حمله على‏ الاستحباب ، بل هو أولى‏ ، للأصل ، وضعف المقيِّد عن التقييد سنداً كما مضى.
    و بالجملة : لا ريب في ضعف هذا الاستدلال ، كالاستدلال للمختار بالروايات المتضمنة لسقوط الزكاة عن القرض (1) ، بتخيّل أنّه نوع من الدين مطلقاً حتى في المضمار ؛ وذلك لأنّ المفهوم منها أنّ محلّ السؤال فيها إنّما هو عن تلك العين المستقرضة ، ومحلّ البحث إنّما هو الدين المستقرّ في الذمة ، مع حلوله وتعيين فرد من أفراده ليدفع بدله ، ولم يقبضه المُدين فراراً من الزكاة ، أو مساهلةً ، أو مطلقاً.
    نعم ، يمكن الاستدلال بما في جملة منها من التعليل بأن القرض ملك المقترض ونفعه له فخسارته عليه ، وهو جارٍ في الدين إذا لم يقبضه مالكه ، لأنّ شخصه ملك المديون فنفعه له وعليه خسارته.
     [ وزكاة القرض على‏ المقترض ] بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في الخلاف والسرائر (2) ، وعزاه في التنقيح إلى‏ الأصحاب كافّة (3) ، مؤذناً كسابقيه بالإجماع عليه ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة :
    منها : على‏ مَن الزكاة ، على‏ المُقرض أو على‏ المستقرض؟ فقال : « على‏ المستقرض ، لأنّ له نفعه وعليه زكاته » (4).
1 ـ الوسائل 9 : 100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7.
2 ـ الخلاف 2 : 109 ، السرائر 1 : 445.
3 ـ التنقيح الرائع 1 : 299.
4 ـ التهذيب 4 : 33 / 84 ، الوسائل 9 : 102 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 5.


(25)
    ومنها : « ليس على‏ الدافع شي‏ء ، لأنّه ليس في يده شي‏ء ، إنّما المال في يد الآخر ، فمن كان المال في يده زكاه » إلى‏ أن قال : « أرأيت وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو وعلى‏ من ؟ » قلت : للمقترض ، قال : « فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه » (1) الحديث.
    ومنها : في رجل استقرض مالاً فحال عليه الحول وهو عنده ، قال : « إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض » (2).
    وإطلاقها كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق بين ما لو شرط الزكاة على‏ المُقرض أم لا ، وبه صرّح جماعة (3).
    خلافاً لموضع من النهاية (4) ، فأسقطها بالشرط وأوجبها على‏ المُقرض ، واحتجّ له بالرواية الأخيرة.
    ويضعّف : بأنّه ليس فيها ذكر الشرط فضلاً عن لزومه.
    ويحتمل التبرّع ، ونحن نقول به ، وفاقاً لجماعة (5) من غير خلاف فيه بينهم أجده ، وإن اختلفوا في إطلاق السقوط به كما هو ظاهرها ، وعليه الفاضل في المختلف والتحرير والمنتهى‏ (6) وغيره (7) أو تقييده بما إذا أذن‏
1 ـ الكافي 3 : 520 / 6 ، التهذيب 4 : 33 / 85 ، الوسائل 9 : 100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 1.
2 ـ الكافي 3 : 520 / 5 ، التهذيب 4 : 32 / 83 ، الوسائل 9 : 101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 2.
3 ـ منهم الطوسي في النهاية : 176 ، وابن ادريس في السرائر 1 : 445 ، والسبزواري في الذخيرة : 426.
4 ـ النهاية : 312.
5 ـ المدارك 5 : 38 ، الذخيرة : 426 ، الحدائق 12 : 40.
6 ـ المختلف : 174 ، التحرير : 58 ـ 59 المنتهى 1 : 477.
7 ـ الفاضل المقداد في التنقيح 1 : 299 ، والسبزواري في الذخيرة : 423 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 194.


(26)
له المقترض ، وإلّا فلا ، كما عليه الشهيد (1) وحملها على‏ صورة الشرط ليس بأولى من حملها على‏ الصورة الأُخرى‏.
    قيل : مع أن الزكاة تابعة للملك ، والمقترض قد ملك ، والشرط غير لازم ، لأنّه شرط للعبادة على‏ غير من تجب عليه (2).
    ويضعّف : بأنّ الزكاة وإن كانت من قبيل العبادة من جهةٍ ، إلّا أنّها من قبيل الدَّين من اخرى‏ ، ولذا تبرأ ذمّة من تجب عليه إذا أُخرجت عنه تبرّعاً ، ولو روعي فيها الجهة الأُولى‏ لم تبرأ الذمة عنها مطلقاً (3) ، وهو خلاف ما اتّفق عليه القائل وغيره ، ودلّت عليه الرواية.
    وإذا تمهّد هذا أمكن توجيه الاستدلال بها على‏ مختار النهاية ، بأنّ يقال : لا ريب في دلالتها على‏ جواز مباشرة الغير لإخراجها عمّن لزمته ولو تبرّعاً ، وحيث جازت صحّ اشتراطها ولزم ، لعموم ما دلّ على‏ لزوم الوفاء بالشروط السائغة ، وهذا منها كما عرفته.
    هذا مضافاً إلى‏ التأيّد بجملة من المعتبرة الواردة في نظير المسألة ، كالصحيح : سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول : « باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضاً بكذا وكذا ألف دينار ، واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين » (4) الحديث ، ونحوه آخر (5).
    والرضوي : « فإن بعت شيئاً وقبضت ثمنه واشترطت على‏ المشتري‏
1 ـ الدروس 1 : 231.
2 ـ قال به العلاَمة في المختلف : 174.
3 ـ ولو تبرّعاً.
4 ـ الكافي 3 : 524 / 2 ، علل الشرائع : 375 / 2 ، الوسائل 9 : 173 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 18 ح 1.
5 ـ الكافي 3 : 524 / 1 ، الوسائل 9 : 174 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 18 ح 2.


(27)
زكاة سنةٍ أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنّه يلزمه ذلك دونك » (1).
    وحكي الفتوى‏ به عن الصدوقين (2) ، وعليه فيقوّى‏ القول بالسقوط.
    اللّهُمَّ إلّا أن يقال (3) : إنّ مقتضى‏ الأدلة المزبورة لزومها على‏ المشروط عليه من باب الشرط لا أصالةً ، وهو لا يستلزم السقوط عن الشارط حيث لم يَفِ المشروط عليه بالشرط.
    توضيحه : أنّه لا ريب أنّ الزكاة إنّما تجب في العين وعلى‏ مالكها ، ومقتضاه لزوم إخراجها عليه دون غيره ، لكن لما ثبت بالنصّ والفتوى‏ جواز الإخراج عنه تبرّعاً قلنا به وبجواز اشتراطه ، لكنّ المشروط حينئذٍ تفريغ ذمّة المالك عن الزكاة لا تعلّقها بذمّة المشروط عليه بمجرّد الشرط ابتداءً ، بحيث لم يكلّف الشارط بها أصلاً ، حتى لو لم يَفِ المشروط عليه بها لم يكن الشارط مكلّفاً بها ، كما توهمه عبارة النهاية ونحوها ، وإن هو إلّا كاشتراط المديون أداء دينه لزيد على‏ عمرو في معاملة له معه ، ولا ريب أنّ بالشرط فيه لا يبرأ بل يتوقف على‏ الأداء ، إن حصل برِئ وإلّا فلا. وفائدة الشرط إنّما هو تعيّن الإبراء على‏ عمرو فكذا هنا ، وبعبارة اُخرى : أنّ فائدة الشرط تعيّن الإبراء على عمرو فكذا هنا ، وبعبارة اُخرى : أن فائدة الشرط التعيين الإبراء على المشروط لا براءة الشارط عنها ابتداءً.
    وقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ الظاهر لزوم الشرط ، لكن يتوقف براءة ذمّة المالك على‏ الوفاء. فإن أراد الشيخ ومَن ضارعه من السقوط عن المستقرض ونحوه السقوط بهذا المعنى‏ أي مراعى متزلزلاً إلى‏ حين الوفاء فمرحباً ، وإلّا فلم أعرف له مستنداً.
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 198 ، المستدرك 7 : 84 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 12 ح 1.
2 ـ حكاه عن والد الصدوق في المختلف : 174 ، والصدوق في المقنع : 53.
3 ـ كما في المسالك 1 : 55.


(28)
    واعلم : أنّ وجوب زكاة القرض على‏ المقترض إنّما هو [ إن ] قبضه [ وتركه بحاله حولاً ] عنده [ ولو اتّجر به ] قبله [ استحب ] له زكاته ، بناءً على‏ استحبابها في مال التجارة.

     [ الثاني : فيما تجب فيه ] الزكاة [ وما تستحب ]
    أعلم : أنّها [ تجب في الأنعام الثلاثة ] وهي [ الإبل والبقر والغنم ، وفي الذهب والفضّة ، وفي الغلّات الأربع ] وهي [ الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ولا تجب فيما عداها ].
    أما وجوبها في التسعة فمجمع عليه بين المسلمين كافّة ، كما في المنتهى‏ (1) وعن التذكرة (2) ، وقريب منهما الغنية (3) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة بل متواترة (4).
    وأما عدمه فيما عداها فمجمع عليه بيننا ، كما صرّح به جماعة من أصحابنا ، كالناصرية والانتصار والخلاف والغنية والمنتهى‏ وغيرها (5) والنصوص به مع ذلك مستفيضة من طرقنا (6) ، وما يخالفها بظاهره محمول على‏ الاستحباب قطعاً.
     [ وتستحبّ في كلّ ما تنبته الأرض مما يكال أو يوزن ] من الحبوب كالسمْسِم والأرُزّ والدخْن والحِمَّص والعدس وأشباهها [ عدا الخضر ] من‏
1 ـ المنتهد 1 : 473.
2 ـ التذكرة 1 : 205.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 564.
4 ـ الوسائل 9 : 53 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحبّ فيه ب 8.
5 ـ الناصرية ( الجوامع الفقيهة ) : 241 ، الانتصار : 75 ، الخلاف 2 : 54 و 61 و 77 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) 566 ، المنتهى 1 : 473 ؛ وانظر الدروس 1 : 228.
6 ـ الوسائل 9 : 61 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9.


(29)
بقل وقِثّاء وبطّيخ وكل شي‏ء يفسد من يومه ، كما في المعتبرة المستفيضة (1).
    وظاهر جلّها أو كلّها وإن كان الوجوب ـ كما عن يونس والإسكافي (2) - ، إلّا أنّها محمولة على‏ الاستحباب ، كما عليه الأصحاب جمعاً بينها وبين ما مرّ من الأدلّة على‏ عدم الوجوب إلّا في التسعة.
    ويمكن حمل هذه على‏ التقيّة لموافقتها لمذهب جمهور العامة ، كما في الذخيرة (3) ، ويومئ إليه بعض المعتبرة المروي عن معاني الأخبار ، وفيه ـ بعد ذكره عليه السلام : « وضع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الزكاة في التسعة وعفا عمّا عداها » ـ : فقال السائل : والذرّة ؟ فغضب عليه السلام ، ثم قال : « كان واللَّه على‏ عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله السماسم والذرّة والدخْن وجميع ذلك » فقال : إنّهم يقولون إنّه لم يكن ذلك على‏ عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وإنّما وضع على‏ تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك ، فغضب وقال : « كذبوا ، فهل يكون إلّا العفو عن شي‏ء قد كان ؟! لا واللَّه ما أعرف شيئاً عليه الزكاة غير هذا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر » (4).
    وعلى‏ هذا فينحصر دليل الاستحباب في فتوى الأصحاب بعنوان الإجماع ، كما في المدارك (5) ، مضافاً إلى‏ الاحتياط خروجاً عن شبهة الخلاف.
1 ـ الوسائل 9 : 66 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 11.
2 ـ حكاه عن يونس في الكافي 3 : 509 ذيل الحديث 2 ، وعن الاٍسكافي في المختلف : 180.
3 ـ الذخيرة : 430.
4 ـ معاني الاخبار : 154 / 1 ، الوسائل 9 : 54 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 3.
5 ـ المدارك 5 : 48.


(30)
    ويدخل فيما تستحبّ فيه : السُلت والعَلس على‏ المشهور للأصل ، مع عدم دخولهما في التسعة حتى في الشعير والحنطة ، كما يستفاد من المعتبرة (1) وفيها الصحيح وغيره (2).
    خلافاً للشيخ (3) وجماعة (4) ، فأوجبوا فيهما الزكاة ، بدعوى‏ أنّ الأوّل من نوع الأوّل والثاني من الثاني ، كما يستفاد من بعض أهل اللغة (5).
    وفيها : أنّها اجتهاد في مقابلة النص الظاهر في التغاير ، مع أنّه المستفاد أيضاً من بعض أهل اللغة (6). ولو سلّم الاتّحاد فلا ريب في عدم تبادرهما من الإطلاق ، وينبغي الاقتصار فيه على‏ المتبادر ، والرجوع في غيره إلى‏ حكم الأصل وهو العدم.
    وحكم الحبوب المستحب فيها الزكاة حكم الغلّات الأربع ، في اعتبار النصاب وغيره من الشرائط ، وتعيين المُخْرَج من العُشر ونصفه ونحو ذلك ، بلا خلاف كما في المنتهى‏ (7).
     [ و ] في وجوبها في [ مال التجارة ] أو استحبابها مع استجماعه‏
1 ـ وهي وان اختصّت باسُلت ، الاٍ أنه قد يلحق به العكس في المغايرة لعدم قائل بالفرق بينهما مطلقاًُ لا وضعاً ولا حكماً. منه رحمه الله.
2 ـ الوسائل 9 : 62 أبواب ما تجب في الزكاة ب 9 ح 3 ، 4.
3 ـ الخلاف 2 : 65 ، المبسوط 1 : 217.
4 ـ كالعلّامة في القواعد 1 : 55 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 56.
6 ـ انطر الصحاح 1 : 253 ، والقاموس 1 : 156 ، ومجمع البحرين 2 : 205 و 4 : 88.
7 ـ حكاه في مجمع البحرين فقال في العَلس : وقيل هو مثل البُر الا أنه عسر الاستنقاء وقيل هو العدس ( 4 : 88 ) وقال في السُلت : وعن الأزهري أنه قال : هو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في طبعه وبرودته فتدبر ( 2 : 205 ). منه رحمه الله.
8 ـ المنتهى 1 : 510.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس