رياض المسائل الجزء الخامس ::: 31 ـ 45
(31)
الشرائط المعتبرة فيه (1) قولان ، أصحّهما الاستحباب وفاقاً للأكثر ، بل عليه عامّة من تأخّر بل ومن تقدّم عدا ظاهر الصدوقين (2) لشبهة الأمر بهما في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الواردة هنا (3) وفي مال اليتيم والمجنون وغيرهما (4).
    وحمله الأصحاب على‏ الاستحباب جمعاً بينها وبين ما دلّ على‏ نفي الزكاة صريحاً ، ومنه ـ مضافاً إلى‏ ما مرّ من الأدلّة على‏ نفيها فيما عدا الأشياء التسعة من النصوص والأُصول والإجماعات المحكية ـ خصوص الصحاح وغيرها من المعتبرة.
    ففي الصحيح : « إنّ أبا ذر وعثمان تنازعا على‏ عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال عثمان : كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار به ويعمل به ويتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذر : أما ما يتّجر به أو دير أو عُمل به فليس فيه زكاة ، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً ، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما في ذلك إلى‏ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال : القول ما قاله أبو ذر » فقال أبو عبد اللَّه لأبيه : « ما تريد إلّا أن يخرج مثل هذا فكيف الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم ؟ » فقال له أبوه : « إليك عنّي لا أجد منها بدّاً » (5).
1 ـ من بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين ، وحَول الحول عليه ، واِبقائه لطلب الربح أو رأس المال وبقاء عين السلعة ، كما يستفاد من المعتبرة. منه رحمه الله.
2 ـ حكاه عنهما في المختلف : 179 ، وانظر الفقيه 2 : 11 ، والمقنع : 52.
3 ـ الوسائل 9 : 70 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13.
4 ـ الوسائل 9 : 87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ، 3.
5 ـ التهذيب 4 : 70 / 192 ، الاستبصار 2 : 9 / 27 ، الوسائل 9 : 74 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 14 ح 1.


(32)
    وتحتمل الحمل على‏ التقيّة كما صرّح به جماعة (1) ، ويومئ إليه هذه الصحيحة. وظاهر عمومها نفي الزكاة مطلقاً حتى استحباباً ، فيشكل الحكم به ، إلّا أنّ الظاهر عدم خلاف فيه ، مع أن الأدلّة على‏ جواز المسامحة في أدلّة السنن والكراهة تقتضيه ، مضافاً إلى‏ ما دلّ على‏ رجحان الاحتياط في مثله ، وفحوى ما دلّ على‏ الاستحباب في مال اليتيم فهاهنا بطريق أولى‏.
     [ و ] تستحبّ [ في الخيل الإناث ] السائمة إذا حال عليها الحول ، بالنصّ والإجماع الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (2).
    ولا تستحبّ في غير ذلك كالبغال والحمير والرقيق للأصل ، والمعتبرة المستفيضة وفيها الصحيح والموثّق وغيرهما ، ففي جملة منها :
    « ليس في شي‏ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي‏ء » (3) يعني الإبل والبقر والغنم ، وهي وإن عمّت الخيل الإناث ، لكنّها خرجت بما مرّ.
    وفي الصحيح : هل في البغال شي‏ء ؟ فقال : « لا » فقلت : فكيف صار على‏ الخيل ولم يَصِرْ على‏ البغال ؟ فقال : « لأنّ البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن ، وليس على‏ الخيل الذكور شي‏ء » فقال ، قلت : فما في الحمير ؟ قال : « ليس فيها شي‏ء » قال ، قلت : هل على‏ الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي‏ء ؟ فقال : « لا ، ليس على‏ ما يعلف شي‏ء ، إنّما الصدقة على‏ السائمة المرسلة في مَرْجها (4) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأما ما سوى‏
1 ـ كالفيض الكاشاني في الوافي 10 : 108 ، وصاحب الحدائق 12 : 150.
2 ـ كالتذكرة 1 : 230 ، والمدارك 5 : 186 ، والمفاتيح 1 : 202.
3 ـ التهذيب 4 : 2 / 2 ، الاستبصار 2 : 2 / 2 ، الوسائل 9 : 80 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 17 ح 5.
4 ـ المَرج : الأرض الواسعة نبات كثير تمرج فيها الدوابّ. مجمع البحرين 2 : 329.


(33)
ذلك فليس فيه شي‏ء » (1).
    وفي آخر : عمّا في الرقيق ، فقالا : « ليس في الرأس شي‏ء أكثر من صاع من تمر إذا حال عليه الحول » (2) والمراد بصاع التمر ما يخرج عنه في زكاة الفطرة.
    [ ولنذكر ما يختصّ كلّ جنس ] من الشرائط والأحكام ولنبدأ بـ :

     [ والنظر ] فيه تارة يكون [ في الشرائط ] واُخرى‏ [ في اللواحق ، فالشرائط أربعة : ].

    الأوّل : [ النُصُب ، وهي في الإبل اثنا عشر نصاباً ، خمسة ] منها [ كل واحد ] منها [ خمس ] من الإبل [ وفي كل واحد ] من هذه النصب الخمسة [ شاة ] بمعنى أنّه لا يجب شي‏ء فيما دون خمس ، فإذا بلغت خمساً ففيها شاة ، ثم لا يجب شي‏ء في الزائد إلى‏ أن تبلغ عشراً ففيها شاتان ، ثم لا يجب شي‏ء في الزائد إلى‏ أن تبلغ خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ، ثم في عشرين أربع ، ثم في خمس وعشرين خمس.
    ولا فرق فيها بين الذكر والأُنثى على‏ المشهور ، بل في السرائر الإجماع عليه (3) ، وتأنيثها هنا تبعاً للنصّ بتأويل الدابّة كما قيل (4) ، ومثلها الغنم بتأويل الشاة ..
    [ فإذا بلغت ستّاً وعشرين ففيها بنت مخاص ] بفتح الميم ، أي بنت‏
1 ـ الكافي 3 : 530 / 2 ، التهذيب 4 : 67 / 184 بتفاوت يسير ، الوسائل 9 : 78 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 16 ح 3.
2 ـ الكافي 3 : 530 / 4 ، الوسائل 9 : 79 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 17 ح 1.
3 ـ السرائر 1 : 448.
4 ـ الشهيد في البيان : 292.


(34)
ما من شأنها أن يكون ماخضاً أي حاملاً.
    [ فإذا بلغت ستّاً وثلاثين ففيها بنت لبون ] بفتح اللام ، أي بنت ذات لبن ولو بالصلاحية.
    [ فإذا بلغت ستّاً وأربعين ففيها حِقّة ] بكسر الحاء ، أي ما استحقّت الحمل أو الفحل.
    [ فإذا بلغت إحدى‏ وستّين ففيها جَذَعة ] بفتح الجيم والذال ، سمّيت بذلك لأنّها تجذع مقدم أسنانها أي تسقطه.
    [ فإذا بلغت ستّاً وسبعين ففيها بنتا لبون.
    فإذا بلغت إحدى‏ وتسعين ففيها حِقّتان ، ثم ليس في الزائد شي‏ء حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ، ففي كل خمسين حِقّة ، وفي كل أربعين بنت لبون ] دائماً أي بلغت ما بلغت كذا في النصوص المستفيضة (1) ، وفيها الصحاح وغيرها ، وعليه كافّة علمائنا عدا القديمين ، فإنّهما أوجبا بنت مخاض في النصاب الخامس (2) ، وإن اختلفا في تعيّنها مطلقاً إلى‏ السابع ، كما عليه العماني ، ويلزمه سقوط السادس أو تعيّنه في السادس مطلقاً وفي الخامس اختياراً ، ومع العجز عنها فما عليه أصحابنا (3).
    وهما نادران ، بل على‏ خلافهما الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة ، كالإنتصار والغنية والخلاف (4) وغيرها من كتب الجماعة (5)
1 ـ الوسائل 9 : 108 أبواب زكاة الأنعام ب 2.
2 ـ حكاه عن أبي عقيل وابن جنيد في المختلف : 175.
3 ـ من خمس شياه. منه رحمه الله.
4 ـ الانتصار : 80 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 567 ، الخلاف 2 : 6.
5 ـ كالمدارك 5 : 53 ، والذخيرة : 433 ، والمفاتيح 1 : 198 ، والحدائق 12 ، 43.


(35)
والصحيحة الدالة على‏ الأوّل (1) مؤوّلة ، أو محمولة على‏ التقيّة ، لموافقتها لمذهب الجمهور ، كما صرّح به جماعة (2) ، ويفهم من بعض الأخبار الصحيحة (3) ، لكن ربما ينافيه (4) سياقها ، بناءً على‏ تضمّنه ما لا يقول به أحد من العامة ولا من الخاصة ، فيتعيّن التأويل بما ذكره شيخ الطائفة (5) ، وإن كان بعيداً غايته ، جمعاً بين الأدلّة مع أنّها مرويّة في الوسائل عن معاني الأخبار بما يوافق المشهور ، إلّا أنّه قال : على‏ ما في بعض النسخ الصحيحة (6).
    والصدوقين ، فبدّلا النصاب العاشر (7) بالإحدى‏ والثمانين (8) ، والمرتضى‏ رحمه الله في الانتصار ، فبدّل النصاب الأخير فجعله مائة وثلاثين ، قال : فإذا بلغت ففيها حقّة واحدة وابنتا لبون (9).
    ومستندهما مع ندرتهما أيضاً ومخالفتهما لجميع ما مضى من الأدلّة
1 ـ الكافي 3 : 531 / 1 ، التهذيب 4 : 22 / 55 ، الاستبصار 2 : 20 / 59 الوسائل 9 : 111 أبواب زكاة الانعام ب 2 ح 6.
2 ـ منهم : الشيخ في التهذيب 4 : 23 ، والعلّامة في التذكرة 1 : 206 ، والفيض في المفاتيح 1 : 198.
3 ـ الكافي 3 : 532 / 2 ، التهذيب 4 : 21 / 53 ، الاستبصار 2 : 19 / 57 الوسائل 9 : 110 أبواب زكاة الانعام ب 2 ح 4.
4 ـ أي الحمل على التقية. منه رحمه الله.
5 ـ التهذيب 4 : 23. قال : قوله عليه السلام : فاِذا بلغت خمساً وعشرين ففيها ابنة مخاض ، يحتمل أن يكون أراد : وزادت واحدة ، وانِما لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب ذلك.
6 ـ معاني الأخبار : 327 / 1 ، الوسائل 9 / 112 أبواب زكاة الانعام ب 2 ح 7.
7 ـ وهو الست والسبعون. منه رحمه الله.
8 ـ الهداية : 24 ، حكاه عن والده في المختلف : 176.
9 ـ الانتصار : 81.


(36)
نصّاً وفتوىً (1) غير واضح ، عدا الرضوي للأوّل (2) ، والإجماع المحكي للثاني.
    وهما كما ترى لا يقاومان شيئاً ممّا مضى ، فضلاً عن جميعها ، ولا سيّما الثاني ، فقد ادّعى‏ القائل به في الناصرية الإجماع على‏ خلافه (3) ، كالحلّي مصرّحاً (4) هو والفاضل في المختلف (5) برجوعه فيها عما ذكره في انتصاره.
    وهل التقدير بالأربعين والخمسين في النصاب الأخير على‏ التخيير مطلقاً ، كما هو ظاهر النصوص والفتاوى‏ كما قيل (6) ، أم إذا حصل الاستيعاب بكلّ منهما وإلّا فالواجب التقدير بالأكثر استيعاباً منهما حتى لو كان التقدير بهما معاً وجب ، كما هو ظاهر المنتهى‏ (7) وغيره (8) وصريح الشهيد الثاني والمحقق الثاني (9) ؟ وجهان ، بل قولان :
    ممّا عرفت للأول من إطلاق النصّ بل ظهور جملة منه صريحة في جواز التقدير بالخمسين في المائة والعشرين وواحدة.
1 ـ أي الاجماعات المحكية. منه رحمه الله.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 197 ، وفيه ذكر النصاب العاشر بما يوافق المشهور ، نعم في الطبع الحجري منه ( ص 22 ) بُدّل بالإحدى والثمانين ؛ المستدرك 7 : 59 أبواب زكاة الانعام ب 2 ح 3.
3 ـ الجوامع الفقهية : 241.
4 ـ السرائر 1 : 449.
5 ـ المختلف : 176.
6 ـ انظر جامع المقاصد 3 : 15 ، والمدارك 5 : 58.
7 ـ المنتهى 1 : 480.
8 ـ كالمحقق في المعتبر 2 : 501.
9 ـ الشهيد الثاني في المسالك 1 : 52 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3 : 15.


(37)
    ومن أنّ التقدير بها فيها يوجب حِقّتين مع أنهما واجبتان فيما دونها فلا فائدة في جعلها نصاباً آخر. وفيه نظر لإمكان كون الفائدة جواز العدول عن الحقّتين إلى‏ ثلاث بنات لبون على‏ وجه الفريضة ، لا القيمة والتخيير بينهما ، مضافاً إلى‏ فائدة أُخرى في نصاب الغنم مشهورة (1) ، فالقول الأوّل لعلّه أقوى وإن كان الثاني أحوط وأولى ، سيّما مع ورود ما يناسبه في البقر نصّاً (2) وفتوىً من غير إشكال فيه في شي‏ء منهما.
    ثم هل الواحدة الزائدة على‏ المائة والعشرين جزء من النصاب ، أو شرط في الوجوب فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريطٍ شي‏ء ، كما لا يسقط في الزائد عنها مما ليس بجزء ؟ وجهان ، بل قولان : من اعتبارها نصّاً الموجب للجزئيّة ، ومن إيجاب الفريضة في كل خمسين وأربعين الظاهر في خروجها ولعلّ هذا أقوى لقوّة وجهه وضعف مقابله ، لأعمّية اعتبارها من كونها جزءاً أو شرطاً ، فلا يعارض ما دلّ على‏ الثاني خصوصاً.
     [ وفي البقر نصابان ] الأوّل [ ثلاثون وفيها تَبيع ] حَولي [ أو تبيعة و ] الثاني [ أربعون ، وفيها مسنّة ] ولا يجزي المسنّ إجماعاً.
    وهكذا أبداً يعتبر بالمطابق من العددين ، وبهما مع مطابقتهما ، كالستين بالثلاثين ، والسبعين بهما معاً ، والثمانين بالأربعين ، ويتخيّر في المائة والعشرين.
    كلّ ذلك بالنصّ (3) والإجماع الظاهر المستفيض النقل في جملة من العبائر (4) ، إلّا التخيير بين التبيع والتبيعة ، فلم يذكره العماني ولا الصدوقان ،
1 ـ راجع ص 40.
2 ـ الوسائل 9 : 114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.
3 ـ الوسائل 9 : 114 أبواب زكاة الأنعام ب 4.
4 ـ كالمنتهى 1 : 488 ، ونهاية الاحكام 2 : 328 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 199 ، والحدائق 12 : 54.


(38)
وإنّما ذكروا التبيع خاصة (1) ، كما هو مورد نصوص المسألة ، إلّا أنّ ظاهر باقي الأصحاب الإطباق على‏ التخيير ، حتى نحو الحلّي وابن زهرة (2) ممّن لا يعمل إلّا بالأدلّة القاطعة.
    مع أنّ جملة منهم لم يجعلوه محلّ خلاف مشعرين بالإجماع كما في محتمل الخلاف والغنية (3) وصريح المنتهى‏ (4) وغيرها من كتب الجماعة (5) ، حيث ادّعوا الإجماع على‏ مجموع ما في العبارة ، فلا بأس بالمصير إليه ، سيّما وعن المعتبر نقله لبعض نصوص المسألة مخيّراً بين التبيع والتبيعة (6) ، مع إمكان إثباته بالأولوية ، لأفضليّة التبيعة من التبيع منفعةً عرفاً وعادةً ، فتأمّل.
     [ وفي الغنم خمسة نُصُب ] أو أربع على‏ الاختلاف الذي سيذكر [ أربعون وفيها شاة ، ثم مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان ، ثم مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه ].
    بلا خلاف في شي‏ء من هذه النُّصُب إلّا من الصدوق في الأوّل فجعله أربعين وواحدة (7) للرضوي (8).
1 ـ نقله عنهم في المختلف : 177.
2 ـ السرائر 1 : 450 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
3 ـ الخلاف 2 : 19 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
4 ـ في المنتهى نفى عنه في موضع آخر صريحاً فقال : لا خلاف في اِجزاء التبيعة عن الثلاثين ، للأحاديث ولأنها أفّضل بالدَرّ والنسل. منه رحمه الله. المنتهى 1 : 488.
5 ـ كالعلّامة في التذكرة 1 : 209 ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1 : 199 ، وصاحب المدارك 5 : 58.
6 ـ المعتبر 2 : 502.
7 ـ كما في المقنع : 50.
8 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 196 ، المستدرك 7 : 63 أبواب زكاة الانعام ب 5 ح 3.


(39)
    وهو نادر ، بل على‏ خلافه الإجماع في جملة من العبائر (1) ، والرضوي معارض بأجود منه سنداً وعدداً وعملاً.
    [ فإذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فروايتان ] صحيحتان (2) ، وقولان [ أشهرهما ] كما هنا وفي الشرائع وعن المعتبر وفي الروضة (3) وغيرها (4) [ أنّ فيها أربع شياه ، حتى يبلغ أربعمائة فصاعداً ففي كلّ مائة شاة وما نقص فعفو ].
    وهي مع ذلك مخالفة لما عليه أصحاب المذاهب الأربعة ، كما عن التذكرة (5) وفي غيرها من كتب الجماعة (6) ، وقد ادّعى‏ الإجماع عليه في صريح الخلاف وظاهر الغنية (7).
    والرواية الثانية أنّ فيها ثلاث شياه ، وعليه من القدماء جماعة (8).
    وهي ليست بصريحة ، فإنّ فيها بعد النصاب الثالث : فإنّ فيه ثلاثاً من الغنم إلى‏ ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة. والكثرة وإن كانت تتحقق بالواحدة ، إلّا أنّه يمكن تقييدها بما إذا بلغت أربعمائة ، ويكون‏
1 ـ انظر الخلاف 2 : 21 ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، والمنتهى 1 : 489.
2 ـ الاُولى : الكافي 3 : 534 / 1 ، التهذيب 4 : 25 / 58 ، الاستبصار 2 : 22 / 61 ، الوسائل 9 : 116 أبواب زكاة الانعام ب 6 ح 1.
    الثانية : التهذيب 4 : 25 / 59 ، الاستبصار 2 : 23 / 62 ، الوسائل 9 : 116 أبواب زكاة الانعام ب6 ح 2.
3 ـ الشرائع 1 : 143 ، المعتبر 2 : 503 ، الوضة 2 : 19.
4 ـ انظر الكافي في الفقه : 167.
5 ـ التذكرة 1 : 210.
6 ـ انظر الذخيرة : 435 ، مرآة العقول 16 : 63 ، الحدائق 12 : 59.
7 ـ الخلاف 2 : 21 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
8 ـ منهم : المفيد في المقنعة : 238 ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : 167 ، وابن البراج في المهذب 1 : 165 ، وابن حمزة في الوسيلة : 125.


(40)
النصاب الرابع مسكوتاً عنه.
    وهو وإن بَعُد إلّا أنّه لا بأس به ، جمعاً بين الأدلّة ، وحذراً من اطراح تلك الصحيحة مع ما هي عليه من الرجحان بالمرجّحات المتقدمة ، بخلاف هذه فإنّها بطرف الضد من تلك ، ومع ذلك فقد حملها جماعة على‏ التقيّة (1) ، لما عرفته ، وبنحو ذلك يجاب عن الرضوي الموافق لها هنا ، مع تضمّن صدره في النصاب الأول ما يخالف الإجماع كما مرّ. وأما الأصل فلا حجيّة فيه بعد قيام الدليل على‏ خلافه. وبما ذكرنا اندفع حجج القول الثاني.
    والثمرة في هذا الاختلاف واضحة ، وهي وجوب أربع شياه في الثلاثمائة وواحدة على‏ المختار ، وثلاث على‏ غيره.
    نعم هنا سؤال وجواب مشهوران ، وهو : أنّه إذا وجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فما الفائدة في جعلهما نصابين ؟ وينسحب مثله في المائتين وواحدة والثلاثمائة وواحدة على‏ القول الآخر.
    و الجواب : أنّها تظهر في موضعين ، الوجوب والضمان.
    أمّا الأوّل : فلأنّ محله في الأربعمائة مثلاً مجموعها ، وفي الثلاثمائة وواحدة إلى‏ الأربعمائة الثلاثمائة وواحدة خاصّة ، فهو عفو ، فهذا أحد وجهي الفائدة.
    أما الثاني : و فلأنّه لو تلف واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة ، ولو كان محلّ الفريضة ناقصاً عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شي‏ء ما دامت‏
1 ـ منهم صاحبا الحدائق 12 : 61. والمدارك 5 : 63.

(41)
الثلاثمائة وواحدة باقية ، لأنّ الزائد عفو.
    ولا تخلوان عن مناقشة (1).
    [ و ] اعلم أنّه [ تجب الفريضة في كلّ واحد من النُّصُب ] في الأنعام على‏ حسب ما فصّل فيها [ ولا تتعلّق بما زاد ] لأنّ ذلك ممّا يتعلّق بتقدير النصب معنىً وفائدةً ، وفي الصحيح : « وليس على‏ النيّف شي‏ء »(2).
    [ وقد جرت العادة ] من الفقهاء [ بتسمية ما لا تتعلّق به الزكاة من الإبل شَنَقاً ] بفتح الشين المعجمة والنون [ ومن البقر وَقَصاً ] بالتحريك [ ومن الغنم عفواً ] والمستفاد من كلام أكثر أهل اللغة ترادف الأوّلين وكونهما بمعنى واحد ، وهو ما بين الفرضين في الزكاة مطلقاً (3) ، وفي مجمع البحرين عن بعضهم ما عليه الفقهاء (4).

    الشرط [ الثاني : السوم ] طول الحول ، بالنصّ (5) والإجماع [ فلا تجب ] الزكاة [ في المعلوفة ولو في بعض الحول ] إجماعاً إذا كان غالباً
1 ـ أما الاُولى : فلأن اختلاف المحل ممّا لا يترتب عليه حكم شرعي في هذا المحل عدا ما نذكر في الفائدة الثانيه وهي على تقدير تماميتها فائدة اُخرى ، واذا لم يترتب عليه حكم شرعي كان مجرّد اختلاف عبارة وهي لسيت بفائدة. وأما الثانية : فلما ذكره جماعة من المنع من عدم سقوط شيء من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائه ، لأن مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقين واِن كان الزائد على النصاب عفواً ، اذا لا منافاة بينهما ، كما لا يخفى على المتأمّل. منه رحمه الله.
2 ـ الكافي 3 : 534 / 1 ، التهذيب 4 : 22 / 55 ، الاستبصار 2 : 20 / 59 ، الوسائل 9 : 114 أبواب زكاة الانعام ب 4 ح 1.
3 ـ أي في الأنعام الثلاثة. منه رحمه الله.
4 ـ مجمع البحرين 5 : 197.
5 ـ الوسائل 9 : 118 أبواب زكاة الانعام ب 7.


(42)
أو مساوياً. وفي الأقلّ أقوال ، أجودها : الإلحاق بغيره إن لم يصدق السوم طول الحول عرفاً ، وبالسائم طوله حقيقةً إن صدق ، وفاقاً لأكثر المتأخّرين (1) لعدم النصّ ، ووجوب الرجوع إلى‏ العرف المحكّم في مثله. خلافاً للشيخ ، فأطلق إلحاق الأوّل بالثاني (2). وللماتن ، فعكس (3).
    وهما غير ظاهري الوجه ، إلّا بعض الوجوه الاعتبارية التي هي ـ مع معارضتها بعضاً مع بعض ـ لا تصلح للحجيّة.
    ولا فرق في العلف بين أن يكون لعذرٍ أو غيره ، ولا بين أن تعتلف الدابّة بنفسها أو بالمالك أو بغيره ، من دون إذن المالك أو بإذنه ، من مال المالك أو غيره وفاقاً لجماعة (4).
    خلافاً للمحكي عن التذكرة (5) وغيره (6) ، فاستقرب وجوب الزكاة لو علفها الغير من ماله لعدم المؤونة.
    وفيه : أن العلّة غير منصوصة ، بل مستنبطة ، فلا تصلح مقيِّدةً لإطلاق ما دلّ على‏ نفي الزكاة في المعلوفة.
    ولو اشترى‏ مرعى فالظاهر أنه علف ، بخلاف ما لو استأجر الأرض للرعي ، أو صانع الظالم على‏ الكلاء المباح بشي‏ء ، وفاقاً للشهيدين (7)
1 ـ كالعلّامة في التذكرة 1 : 205 ، والشهيد الثاني في الروضة البهية 2 : 22 ، والفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 196 ، وصاحب الحدائق 12 : 79.
2 ـ كما في المبسوط 1 : 196 ، والخلاف 2 : 53.
3 ـ الشرائع 1 : 144.
4 ـ منهم : الشهيد الأوّل في الدروس 1 : 233 ، والشهيد الثاني في الروضة 2 : 22 ، وصاحب الحدائق 12 : 80.
5 ـ التذكرة 1 : 205.
6 ـ كالشهيد الثاني في المسالك 1 : 53.
7 ـ الدروس 1 : 233 ، الروضة 2 : 22.


(43)
وغيرهما (1) في المقامين.

    الشرط [ الثالث : الحول ] بالنصّ (2) والإجماع [ وهو ] هنا [ اثنا عشر هلالاً ] فيتعلّق الوجوب بدخول الثاني عشر [ وإن لم تكمل أيّامه ] إجماعاً ، وللصحيح : « إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة » (3).
    و هل يستقرّ الوجوب بذلك ، حتى أنّه لو دفع الزكاة بعد دخوله ثم اختلّ أحد الشروط فيه هل يرجع ، أم يتوقف على‏ تمامه ؟ وجهان :
    من ظاهر الصحيح والفتاوى‏.
    ومن أنّ غايتهما إفادة الوجوب بدخوله وحول الحول به. والأوّل أعمّ من المستقرّ والمتزلزل ، والثاني ليس نصّاً في الحول الحقيقي ، فيحتمل المجازي للقرب من حصوله ، وهو وإن كان مجازاً لا يُصار إليه إلّا بالقرينة ، إلّا أنّ ارتكابه أسهل من حمل الحول ـ المشترط في النصّ المتواتر والفتوى‏ مثله ـ الذي هو حقيقة في اثني عشر شهراً كاملة عرفاً ولغةً على‏ الاثني عشر هلالاً ناقصة.
    ولو سلّم التساوي فالأمر دائر بين مجازين متساويين لا يمكن الترجيح بينهما ، فينبغي الرجوع إلى‏ حكم الأصل ، وهو عدم الاستقرار.
    والأوّل أحوط ، بل لعلّه أظهر لقوّة دليله مع ضعف ما مرّ في جوابه.
    فالأوّل : بأن الظاهر من الوجوب حيثما يطلق بحكم التبادر هو
1 ـ كصاحب المدارك 5 : 70.
2 ـ الوسائل 9 : 121 أبواب زكاة الانعام ب 8.
3 ـ الكافي 3 : 525 / 4 ، التهذيب 4 : 35 / 92 وفيهما عن أبي جعفر عليه السلام ، الوسائل 9 : 163 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 12 ح 2.


(44)
المستقرّ دون المتزلزل. وحمل الحول على‏ ما مرّ مجاز ، والأصل الحقيقة.
    ويمنع عن المعارضة بأنّ ذلك المجاز (1) لا بُدّ من ارتكابه ولو في الجملة (2) ، إذ لا خلاف في الخروج عن حقيقة تلك النصوص والفتاوى‏ ، وهو عدم وجوب شي‏ء قبل حول الحول وتمامه ، وهو مخالف للإجماع والصحيح الماضي إن حمل الوجوب فيها على‏ مطلقه ، وإن حمل على‏ المستقرّ فهو مجاز أيضاً وتقييد للعام ـ ولو بزعم المخالف ـ من غير دليل.
    ومجرّد الجمع بينها وبين الصحيح هنا بحمل الوجوب فيه على‏ المتزلزل ليس بدليل بعد خلوّه عن الشاهد ، مع أنّه (3) ليس بأولى من حمل الحول فيها على‏ الشرعي.
    و بالجملة : لا ريب أن الصحيح هنا أخصّ من تلك النصوص والفتاوى‏ ، ولذا خولف به ظاهرها ولو في الجملة إجماعاً ، فارتكاب التجوّز المتقدم فيها أولى‏ من ارتكابه فيه جدّاً ، ولذا إنّ شيخنا الشهيد الثاني ـ الذي هو أحد القائلين بالقول الثاني ـ اعترف بدلالة الصحيح على‏ خلافه ، إلّا أنّه ذبّ عنه بالتأمّل في سنده (4) وليس أيضاً في محلّه ، كما قرّر في محله.
    نعم ربما يستفاد من جملة من المعتبرة اعتبار كمال السنة ، كالصحيح : « لمّا أُنزلت آية الزكاة : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها ) (5) [ وأُنزلت في شهر رمضان‏ ] أمَرَ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مناديه‏
1 ـ وهو حمل الحول في تلك النصوص والفتاوي باشتراطه في الوجوب على الحول الشرعي وهو الدخول في الثاني عشر. منه رحمه الله.
2 ـ أي بالنسبة اِلى أصل تعلق الوجوب. منه رحمه الله.
3 ـ أي تقييد الوجوب بالمستفر. منه رحمه الله.
4 ـ كما في الروضة 2 : 23 ، والمسالك 1 : 53.
5 ـ التوبة : 103.


(45)
فنادى‏ في الناس : أن اللَّه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة » إلى‏ أن قال : « لم يتعرّض بشي‏ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا ، فأمَرَ مناديه فنادى‏ في الناس : أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم » (1) الحديث.
    والموثق : السخْل متى تجب فيه الصدقة ؟ قال : « إذا أجذع » (2) أي دخل في السنة الثانية.
    والجواب عنهما وإن أمكن إلّا أنّه لا يخلو عن بُعدٍ.
    [ و ] يستفاد من الرواية الأخيرة ـ كغيرها من المعتبرة (3) ، وفيها الصحيح ، مضافاً إلى‏ الإجماع الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (4) ، وعموم ما دلّ على‏ أنّ كل ما لم يَحُل عليه الحول عند ربّه فلا شي‏ء عليه فيه (5) ـ أنّه [ ليس حول الأُمّهات حول السخال ، بل يعتبر فيها ] بانفرادها [ الحول كما ] يعتبر [ في الأُمّهات ].
    هذا إن كانت نصاباً مستقلا بعد نصابها ، كما لو ولدت خمسٌ من الإبل خمساً ، أو أربعون من البقر أربعين أو ثلاثين.
    أمّا لو كان غير مستقلّ ففي ابتداء حوله مطلقاً كما عن محتمل‏
1 ـ الكافي 3 : 497 / 2 ، الفقيه 2 : 8 / 26 ، الوسائل 9 : 9 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 ح 1 ، وما بين المعقوفين من المصادر.
2 ـ الكافي 3 : 535 / 4 ، الفقيه 2 : 15 / 39 ، الوسائل 9 : 123 أبواب زكاة الانعام ب 9 ح 3 ؛ السَخلة : ولد الشاة من المعز والضأن ، ذكراً كان أو اُنثى ، والجمع : سَخل وسِخال وسِخلة. لسان العرب 11 : 332.
3 ـ الوسائل 9 : 122 أبواب زكاة الأنعام ب 9.
4 ـ كالخلاف 2 : 35 ، والمنتهى 1 : 491 ، والمدارك 5 : 76.
5 ـ الوسائل 9 : 121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس