رياض المسائل الجزء الخامس ::: 61 ـ 75
(61)
     [ الثالثة : إذا كانت النعم ] كلّها [ مِراضاً لم يكلّف ] المالك بشراء [ صحيحة ] بإجماعنا الظاهر المحكي في صريح الخلاف وظاهر المنتهى‏ وغيره (1) وهو الحجّة المعتضدة بالأصل ، والإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا ما مرّ من إطلاق ما دلّ على‏ المنع عن أخذ نحو العوراء والهرمة (2) ، وهو مخصوص بحكم التبادر والغلبة بغير مفروض المسألة ، وهو ما إذا كان كلّها صحاحاً أو ملفقّةً منها ومن المِراض.
     [ ويجوز أن يدفع ] عن الشاة الواجبة في زكاة الإبل والغنم [ من غير غنم البلد ] الذي وجب فيه الزكاة [ ولو كانت ] الشاة المدفوعة عن الفريضة [ أدون ] من غير فرق في ذلك بين زكاة الإبل والغنم ، على‏ ما يقتضيه إطلاق العبارة هنا وفي الشرائع والخلاف وغيرها (3) ، وبه صرّح بعض أصحابنا (4) ولعله لعموم الأدلّة وإطلاقاتها.
    خلافاً للشهيدين وغيرهما (5) ، فقيّدوا ذلك بزكاة الإبل ، واشترطوا في غيرها أخذ الأجود أو الأدون بالقيمة ، لا فريضة ووجهه غير واضح ، وإن كان أحوط وأولى.

     [ الرابعة : لا يجمع بين متفرّق في الملك ] فلا يضمّ مال إنسان بغيره وإن كانا في مكان واحد ، بل يعتبر النصاب في مال كلّ واحد.
1 ـ الخلاف 2 : 15 ، المنتهى 1 : 485 ؛ وانظر المدارك 5 : 104 ، والذخيرة 437 ، والحدائق 12 : 66.
2 ـ المتقدمة في ص : 54.
3 ـ الشرائع 1 : 149 ، الخلاف 2 : 17 ؛ وانظر التذكرة 1 : 213 ، والتحرير : 59.
4 ـ انظر المدارك 5 : 107.
5 ـ الشهيد الاُوّل في الدروس 1 : 235 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 54 ، وانظر المنتهى 1 : 504.


(62)
     [ ولا يفرّق بين مجتمع فيه ] فلا يفرّق بين مالي مالك واحد ولو تباعد مكانهما.
    ولا خلاف في الثاني بين العلماء ظاهراً ، بل عليه الإجماع في المنتهى‏ ، وكذا في الأوّل إن لم يختلط المالان مطلقاً ، وأمّا مع الاختلاط ففيه خلاف بينهم. والذي عليه علماؤنا ظاهراً من غير خلاف بينهم أجده ، بل عليه الإجماع في صريح الخلاف وغيره (1) ، وظاهر السرائر والمنتهى‏ (2) [ و ] غيرهما (3) : أنّه [ لا اعتبار بالخلطة ] مطلقاً سواء كان خلطة أعيان ، كأربعين بين شريكين أو ثمانين بينهما مشاعةً ، أو خلطة أوصاف ، كالاتّحاد في المَرعى والمشرب والمراح مع تميّز المالين للنبوي : « إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين فليس فيه صدقة » (4).
    وفي آخر : « مَن لم يكن له إلّا أربعة من الإبل فليس فيها صدقة » (5) ونحوه المرتضوي الخاصّي (6).
    ولا فرق بين مواردها وغيرها إجماعاً على‏ الظاهر المحكي في ظاهر المنتهى‏ (7).
    وللمروي في العلل : قلت له : مائتا درهم بين خمسة أُناس أو عشرة
1 ـ الخلاف 2 : 35 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 195 ، وانظر التنقيح 1 : 307.
2 ـ السرائر 1 : 451 ، المنتهى 1 : 504.
3 ـ كالشهيد في البيان : 293 ، وصاحب المدارك 5 : 66 ، وصاحب الحدائق 12 : 82.
4 ـ سنن البيهقي 4 : 85.
5 ـ سنن البيهقي 4 : 86.
6 ـ الكافي 3 : 539 / 7 ، التهذيب 4 : 95 / 273 ، الوسائل 9 : 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 5.
7 ـ المنتهى 1 : 504.


(63)
حال عليها الحول وهي عندهم ، أتجب عليهم زكاتها ؟ قال : « لا ، هي بمنزلة تلك » يعني جوابه في الحرث « ليس عليهم شي‏ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم » قلت : وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضة وجميع الأموال ؟ قال : « نعم » (1).
    وفي جملة من المعتبرة العاميّة والخاصّية وفيها الصحيح وغيره : « لا يفرّق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق » (2).
    وظاهرها ـ على‏ ما عقله أصحابنا ـ الدلالة على‏ مطلوبنا ، لا ما زعمته هؤلاء ، كما صرّح به في السرائر (3) ، وكذا في المنتهى‏ ، فقال ـ بعد أن احتجّ لهم على‏ اعتبار الخلطة بها ـ : الجواب أنّه حجّة لنا ، لأن المراد أن لا يجمع بين متفرّق في الملك ولا يفرّق بين مجتمع فيه ، ولا اعتبار بالمكان وإلّا لزم أن لا يجمع بين مال الواحد إذا تفرّق في الأمكنة ، وهو منفيّ إجماعاً (4) ، إلى‏ آخر ما ذكره رحمه اللَّه تعالى.
    ولا ضير في قصور الأسانيد أو ضعفها ـ حيث كان ـ بعد الانجبار بعمل الأصحاب والإجماعات المنقولة في كلمة الأعيان.

     [ ويشترط في الوجوب ] فيهما زيادةً على‏ الشروط العامّة [ النصاب‏
1 ـ علل الشرائع : 374 / 1 ، الوسائل 9 : 151 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 5 ح 2.
2 ـ الوسائل 9 : 126 أبواب زكاة الأنعام ب 11 ، سنن ابن ماجة 1 : 576 / 1801.
3 ـ السرائر 1 : 451.
4 ـ المنتهى 1 : 504.


(64)
والحول ] بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى‏ (1) ، بل إجماعهم كما في المدارك في الثاني (2). ولا شبهة فيهما لما مضى ويأتي.
     [ وكونهما منقوشين بسكة المعاملة ] الخاصّة بكتابة وغيرها ، بلا خلاف فيه بين علمائنا ظاهراً ، بل عليه إجماعهم في صريح الانتصار والمدارك وغيرهما (3) ، ونصوصهم به مستفيضة جدّاً كما ستقف عليها إن شاء اللَّه تعالى.
    و صرّح جماعة (4) بأنّه لا يعتبر التعامل بهما فعلاً ، بل متى تعومل بهما وقتاً ما تثبت الزكاة فيها وإن هجرت ولم أَرَ فيه خلافاً.
    وربما يعضده بعض النصوص : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : إنّي كنت في قرية من قُرى‏ خراسان ، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضّة وثلث مِسّاً وثلث رصاصاً ، وكانت تجوز عندهم ، وكنت أعملها وأُنفقها ، قال ، فقال : « لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم » قال ، قلت : أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي وفيها ما تجب فيه الزكاة أُزكّيها ؟ قال : « نعم ، إنّما هو مالك » قلت : فإنّي أخرجتها إلى‏ بلدة لا ينفق فيها مثلها ، فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أُزكّيها ؟ قال : « إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضة الخالصة ما تجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضة الخالصة ودَعْ ما سوى‏ ذلك من الخبث » قلت : وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما تجب فيه الزكاة ، قال : « فاسبكها حتى تخلص الفضة
1 ـ المنتهى 1 : 492.
2 ـ المدارك 5 : 117.
3 ـ الانتصار : 80 ، المدارك 5 : 115 ، الذخيرة : 439.
4 ـ منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة 4 : 86 ، وصاحب المدارك 5 : 116 ، والسبزواري في الذخيرة : 439.


(65)
ويحترق الخبث ثم تزكّي ما خلص من الفضة لسنة واحدة » (1).
    وضعف السند مجبور بالعمل ، والموافقة لإطلاق ما دلّ على‏ ثبوت الزكاة في النقد المنقوش (2).
    مضافاً إلى‏ إطلاق ما دلّ على‏ ثبوتها في الذهب والفضة مطلقاً ، خرج نحو السبائك والنقار ممّا لم ينقش أصلاً إجماعاً ، فتوىً ونصّاً ، وبقي غيره داخلاً ، فتأمّل جدّاً.
    مع أنّ في جملة من النصوص : « إنّما هي على‏ الدنانير والدراهم » (3) وهما عامّان يتناولان المفروض ولو لم يتبادر منهما.
    و يستفاد من الرواية أنّه لا زكاة في المغشوش منهما ما لم يبلغ الصافي نصاباً ، فتجب فيه خاصّة. ولا خلاف فيهما بين أصحابنا ظاهراً ، ويفهم من الخلاف والمنتهى‏ (4) ، وصرّح به بعض متأخّرينا (5) ، وبالوفاق غيرهما (6) وهو الحجّة الجابرة لضعفها مضافةً إلى‏ عموم الأدلّة على‏ نفيها عمّا لم يبلغ منهما نصاباً وثبوتها فيما بلغه منهما ، وإن كان ربما يستشكل في هذا (7) لكنّه ضعيف جدّاً.
1 ـ الكافي 3 : 517 / 9 ، الوسائل 9 : 153 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 7 ح 1 بتفاوت.
2 ـ الوسائل 9 : 154 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8.
3 ـ الوسائل 9 : 155 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8 ح 3 و 5.
4 ـ الخلاف 2 : 76 ، المنتهى 1 : 494.
5 ـ كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4 : 98 ، 99.
6 ـ كصاحب الحدائق 12 : 92.
7 ـ بأنه اِنّما تجب فيها اِذا كانتا مسكوكتين دراهم ودنانير ، ومعلوم أن المسكوك ليس بدنانير ولا دراهم ، ووجودهما في المسكوك منهما ومن غيرهم غير معلوم


(66)
    ومنه يظهر وجه ما في المنتهى‏ وغيره : أنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس وبلغ كلّ من الغشّ والمغشوش النصاب وجب الزكاة فيهما (1).
    ويجب الإخراج من كلّ جنس بحسابه إن علم ، وإلّا توصّل إليه بالسبك إن لم يتسامح المالك بما يحصل له به يقين البراءة ، وفاقاً للمحكي عن الشيخ وجماعة (2) تحصيلاً للبراءة اليقينية ، والتفاتاً إلى‏ ظاهر الرواية المتقدمة المنجبر ضعفها بالقاعدة.
    خلافاً للفاضلين وجماعة ممّن تأخّر عنهما (3) ، فاستوجهوا الاكتفاء بما يتيقّن اشتغال الذمّة به وطرح المشكوك فيه عملاً بأصالة البراءة ، وبأنّ الزيادة كالأصل ، وكما تسقط الزكاة مع الشك في بلوغ الصافي النصاب ، فكذا تسقط مع الشك في بلوغ الزيادة نصاباً آخر.
    وفي الدليلين نظر ، أمّا الأوّل : فلعدم جريانه إلّا فيما لم يثبت فيه تكليف أصلاً ، أما ما يثبت فيه ولو مجملاً فلا ، بل لا بُدّ فيه من تحصيل البراءة اليقينية عملاً بالاستصحاب.
    وبه يظهر ضعف الثاني ، وأنّه قياس مع الفارق ، وتيقّن التكليف ولو
كونه موجباً للزكاة. ذكر هذا الإشكال المقدس الأردبيلي رضي الله عنه ( مجمع الفائدة 4 : 98 ) لكنه قال : الا أنَّ الظاهر أنه لا قائل بعدم الوجوب ، قال : ويدل عليه رواية زيد الصائغ ، ثم ساقها كما قدمنا ثم قال : ولا يضرّ صحة السند ، للتأيد بالشهرة بل عدم الخلاف عندهم على الظاهر. منه عفي عنه وعن والديه.
1 ـ المنتهى 1 : 494.
2 ـ حكاه عن الشيخ في المنتهى 1 : 494 ؛ وانطر المبسوط 1 : 210 ، والشرائع 1 : 151 ، والبيان : 301 ، والمسالك 1 : 55.
3 ـ المحقق في المعتبر 2 : 525 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 494 ، والتذكرة 1 : 216 ، وصاحب المدارك 5 : 122 ؛ وانظر مجمع الفائدة 4 : 98 ، 100 ، والذخيرة : 440.


(67)
بالمجمل في الفرع وعدمه مطلقاً في الأصل.
    مع أنّه يمكن المناقشة في حكمه (1) : بعدم دليل عليه غير ما يقال : من أنّ بلوغ النصاب شرط ولم يعلم حصوله ، فأصالة البراءة لم يعارضها شي‏ء (2).
    وفيه : أنّ مقتضى‏ الأدلّة وجوب الزكاة في النصاب ، وهو اسم لما كان نصاباً في نفس الأمر من غير مدخلية للعلم به في مفهومه ، وحينئذٍ فيجب تحصيل العلم والتفحص عن ثبوته وعدمه في نفس الأمر ولو من باب المقدمة.
    لكن ظاهر كلمة مَن وقفت عليه من الأصحاب الإطباق على‏ عدم الوجوب هنا ، فإن تمّ إجماعاً ، وإلّا فالأحوط الاستعلام ، أو إخراج ما تيقّن معه بعدم اشتغال الذمة ، كما صرّح به بعض متأخّري المتأخرين (3) ، وإن كان ما ذكروه لا يخلو عن قوة ، لإمكان دفع المناقشة بما هنا ليس محلّه.
    و اعلم : أنّ لكلّ من النقدين نصابين [ وفي قدر النصاب الأوّل من الذهب ] بل الثاني منه أيضاً [ روايتان (4) أشهرهما ] أنّه [ عشرون ديناراً ] كما في جملة ، أو عشرون مثقالاً كما في أُخرى ، والمعنى‏ واحد قطعاً ، ويستفاد من بعضها أيضاً [ ففيها عشرة قراريط ] نصف دينار.
    [ ثم كلّما زاد أربعة ] دنانير [ ففيها قيراطان ] عُشر الدينار ـ ربع عُشرها ـ مضافاً إلى‏ ما في العشرين ديناراً من النصف.
1 ـ وهو عدم وجوب الزكاة. منه رحمه الله.
2 ـ كما في التذكرة 1 : 216.
3 ـ انظر مجمع الفائدة والبرهان 4 : 99 ، 100 والذخيرة : 441.
4 ـ الوسائل 9 : 137 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1.


(68)
    ثم على‏ هذا الحساب في كلّ عشرين نصف دينار ، وفي كلّ أربعة بعدها قيراطان.
    [ وليس فيما نقص عن ] العشرين ، وعن كلّ [ أربعة زكاة ].
    وهي مع ذلك في الأوّل (1) مستفيضة بل متواترة ، وفيها الصحاح والموّثقات وغيرهما ، وفي الثاني جملة من المعتبرة.
    ففي الصحيح : « ليس على‏ الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً ، فإذا بلغ عشرين مثقالاً ففيه نصف مثقال ، إلى‏ أن يبلغ أربعة وعشرين ففيه نصف دينار وعُشر دينار ، ثم على‏ هذا الحساب حتى زاد على‏ عشرين أربعة أربعة ، ففي كلّ أربعةٍ عُشر ، إلى‏ أن يبلغ أربعين مثقالاً ففيه مثقال » (2) الحديث.
    ونحوه الموثق (3) وغيره ، وفيه : « إذا جازت الزكاة العشرين ديناراً ففي كلّ أربعة دنانير عُشر دينار » (4).
    وفي الخلاف دعوى الإجماع عليه مطلقاً (5) ، وفي السرائر من المسلمين في الأوّل منهما ولم ينقل خلافاً في الثاني (6) ، كالمتن والمنتهى‏
1 ـ أي مع الاشتهار في النصاب الأوّل. منه رحمه الله.
2 ـ الفقيه 2 : 8 / 26 ، ذكر في ذيل صحيحة ابن سنان ، والظاهر أنه ليس من تتمة الحديث بل من كلام الصدوق ، ولعلّه لذا لم ينقله صاحب الوسائل. نعم ، جعله العلّامة في المختلف : 178 من تتمه الحديث.
3 ـ الكافي 3 : 515 / 3 ، التهذيب 4 : 6 / 13 ، الاستبصار 2 : 12 / 35 ، الوسائل 9 : 138 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 5.
4 ـ الكافي 3 : 516 / 4 ، الوسائل 9 : 139 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 6.
5 ـ أي ادّعى الإجماع على الرواية الاُولى في النصاب الأوّل والثاني. الخلاف 2 : 84.
6 ـ السرائر 1 : 447.


(69)
مدّعياً فيه كونه مذهب علمائنا (1) ، وبه صرّح أيضاً في المختلف والتنقيح (2) لكن مستثنىً منهم والد الصدوق ، قالا : فإنّه جعله أربعين مثقالاً ، قال : وليس في النيّف شي‏ء حتى يبلغ أربعين.
    وظاهر غيرهما كالمتن وغيره ـ كما مرّ ـ اختصاص خلافه بالنصاب الأوّل ، حيث جعله أربعين استناداً إلى‏ الرواية الثانية ، وهي الموثقة : « في الذهب في أربعين مثقالاً مثقال » إلى‏ أن قال : « وليس في أقل من أربعين مثقالاً شي‏ء » (3).
    وهي ـ لوحدتها وقصور سندها وشذوذها ومخالفتها الإجماع الآن قطعاً ـ لا تصلح لمعارضة شي‏ء ممّا قدّمنا ، سيّما مع تأيّده بالإطلاقات كتاباً وسنّةً بوجوب الزكاة في الذهب بقول مطلق ، خرج منه ما نقص عن العشرين ديناراً بإجماع المسلمين كافّة ، كما في المنتهى‏ وغيره والأخبار جملة ، وتبقى‏ هي فما فوقها تحتها مندرجة ، فينبغي طرحها ، أو تخصيص الشي‏ء المنفي فيها بالدينار الكامل خاصّة ، حملاً للعام على‏ الخاص ، أو حملها على‏ التقية ، لكونها مذهب جماعة من العامة وإن قلّوا (4) ، جمعاً بين الأدلّة وتفادياً من الطرح بالكلية.
    وربما جعل (5) منها الصحيح : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهماً وتسعة وثلاثون ديناراً ، أيزكيهما ؟ قال :
    « ليس عليهما شي‏ء من الزكاة في الدراهم ، ولا في الدنانير حتى تتمّ‏
1 ـ المنتهى 1 : 493.
2 ـ المختلف : 178 ، التنقيح الرائع 1 : 309.
3 ـ التهذيب 4 : 11 / 29 ، الاستبصار 2 : 13 / 39 ، ورواها في المقنع : 50 مرسلة ، الوسائل 9 : 141 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 13.
4 ـ منهم ابن قدامة في المغني 2 : 599.
5 ـ كما في مجمع الفائدة 4 : 94.


(70)
أربعين ، والدراهم مائتي درهم » (1).
    وفيه : أنه مروي في التهذيب هكذا ، وأما في الفقيه فمري بمتن لا يخالف مختارنا ، وهو تبديل تسعة وثلاثون ديناراً في السؤال بتسعة عشر ديناراً ، مع الجواب بنفي الزكاة فيها حتى تتمّ (2).
    وهذه النسخة لو لم نقل برجحانها لأضبطيّة المروية فيها وموافقتها لأخبارنا ، فلا ريب أنها ليست بمرجوحة بالإضافة إلى‏ الأُولى‏ ، فغايتها التساوي ، وهو قادح في الاستدلال جدّاً.
     [ ونصاب الفضة الأوّل ] وهو صفة للنصاب ، أي النصاب الأوّل للفضة : [ مائتا درهم ففيها خمسة دراهم ] ليس فيما نقص عنها شي‏ء.
    [ و ] الثاني : [ كلّما زاد ] على‏ المائتين [ أربعين ] درهماً [ ففيها ] زيادة على‏ الخمسة الدراهم مثلاً [ درهم ] وهكذا دائماً. [ وليس فيما نقص عن الأربعين زكاة ].
    بلا خلاف في شي‏ء من ذلك نصّاً (3) وفتوىً ، حتى ادّعى‏ في المنتهى وغيره على‏ النصاب الأوّل إجماع المسلمين كافّة (4) ، وجعل النصاب الثاني في الأوّل مذهب أصحابنا (5).
     [ والدرهم ] الذي قدّر به المقادير الشرعية هنا وفي القطع والديات والجزية [ ستة دوانيق ] على‏ ما صرّح به الأصحاب ، من غير خلاف بينهم‏
1 ـ التهذيب 4 : 92 / 267 ، الاستبصار 2 : 38 / 119 ، الوسائل 9 : 141 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 14.
2 ـ الفقيه 2 : 11 / 32.
3 ـ الوسائل 9 : 142 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 2.
4 ـ المنتهى 1 : 493 ؛ وانظر المعتبر 2 : 524 ، والتذكرة 1 : 215.
5 ـ المنتهى 1 : 493.


(71)
أجده ، بل عزاه جماعة منهم إلى‏ الخاصّة والعامة وعلمائهم (1) ، مؤذنين بكونه مجمعاً عليه بينهم ، وصرّح به أيضاً جماعة من أهل اللغة (2) [ والدانق ] بمقدار [ ثمان حبّات من ] أوساط حبّات [ الشعير ] فيما قطع به الأصحاب على‏ الظاهر ، المصرّح به في المدارك (3) ، بل متّفق عليه بينهم ، وصرّح به علماء الفريقين كما في رسالة الخال العلّامة المجلسي رحمه الله في تحقيق الأوزان (4) وغيرهما ونقلهم كافٍ في الحجة ، وإن لم نقف لهم على‏ حجّة ، وبه اعترف جماعة (5).
    لكن في الخبر بعد الحكم بأنّه ستّة دوانيق : « والدانق وزن ستّ حبّات ، والحبّة وزن حبّتي شعير من أوسط الحبّ لا من صغاره ولا من كباره » (6).
    وهو مخالف لما ذكروه في وزن الدانق ، لكنّه ضعيف السند بالجهالة ، فلا تصلح للحجية ، سيّما وأن يعترض به مثل ما عرفته.
    وأشار بقوله : [ يكون قدر العشرة ] دراهم [ سبعة مثاقيل ] إلى‏ بيان قدر المثقال وما به يحصل معرفة نسبة الدرهم ، ويعلم منه أنّ المثقال‏
1 ـ كالشيخ في الخلاف 2 : 80 ، وصاحب المدارك 5 : 114 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 50 ، والسبزواري في الذخيرة : 440.
2 ـ راجع القاموس 3 : 241 ، ومجمع البحرين 6 : 62 ، والصحاح 4 : 1477 ، والمصباح المنير : 193.
3 ـ المدارك : 5 : 114.
4 ـ رسالة المقادير الشرعيّة ( مخطوط ).
5 ـ منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة 4 : 97 ، وصاحب المدارك 5 : 114 ، والسبزواري في الذخيرة : 440.
6 ـ الفقيه 1 : 23 / 69 ، التهذيب 1 : 135 / 374 ، الاستبصار 1 : 121 / 410 ، الوسائل 1 : 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 3.


(72)
درهم وثلاثة أسباع درهم ، والدرهم نصف المثقال وخُمسه ، فيكون العشرون مثقالاً في وزان ثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع درهم ، والمائتا درهم في وزان مائة وأربعين مثقالاً.
    قال الخال العلّامة : وهذه النسب مما لا شك فيها واتّفقت عليها العامّة والخاصة ، كما ظهر مما أسلفناه في المقدمة الأُولى‏ ، انتهى‏ (1).
    ومن جملة ما ذكره في النسب التي نفى‏ الشك فيها نسبة المثقال الشرعي إلى‏ الصيرفي ، فقال : هي ثلاثة أرباع الصيرفي ، فالصيرفي هو مثقال وثلث من الشرعي.
    أقول : و من هنا يعلم نصاب الفضّة بهذه المحمّديات الجارية في هذه الأزمان المتأخّرة ، حيث إن المحمدية منها ـ كما قيل ـ (2) وزن الدينار مثقال شرعي ، فيكون النصاب الأوّل منها مائة وأربعين محمديةً.
     [ ولا زكاة في السبائك ] أي قِطَع الذهب الغير المضروبة ، وفي معناها قِطَع الفضة المعبّر عنها بالنُّقَر ، وكذا التبْر المفسَّر تارةً بتراب الذهب قبل تصفيته ، وأُخرى بما يرادف السبائك.
    [ ولا في الحُليّ ] وإن كان محرّماً ، بإجماعنا ، والصحاح المستفيضة وغيرها من أخبارنا.
    ففي الصحيح : « كلّ ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شي‏ء » قال ، قالت : وما الركاز ؟ قال : « الصامت المنقوش » ثم قال : « إذا أردت ذلك فاسبكه ، فإنه ليس في سبائك الذهب ونِقار الفضة شي‏ء من الزكاة » (3).
1 ـ رسالة المقادير الشرعيّة للعلاّمة المجلسي ( مخطوط ).
2 ـ قال به صاحب الحدائق 12 : 90.
3 ـ الكافي 3 : 518 / 8 ، التهذيب 4 : 8 / 19 ، الاستبصار 2 : 6 / 13 ، الوسائل 9 : 154 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8 ح 2.


(73)
    وفيه : « ليس في نُقَر الفضة زكاة » (1).
    وفيه : عن المال الذي لا يعمل به ولا يقلب ، قال : « تلزمه الزكاة إلّا أن يسبك » (2).
    وفي الخبرين : « ليس في التبر زكاة ، إنّما هي على‏ الدنانير والدراهم » (3).
    وفي الصحاح وغيرها : عن الحُليّ فيه زكاة ؟ قال : « لا » وزيد في بعضها : « ولو بلغ مائة ألف » (4).
    [ و ] أمّا ما في المرسل كالصحيح على‏ الصحيح من أنّ : [ زكاته ] أي الحُليّ [ إعارته ] (5) فمحمول على‏ الاستحباب بلا خلاف.
     [ و ] يستفاد من الصحيحة الأُولى‏ وقريب منها الثالثة أنه [ لو قصد بالسبك الفرار ] من الزكاة [ قبل الحلول لم تجب الزكاة ] أيضاً ، كما لم تجب مع عدم القصد إجماعاً فتوىً ونصّاً ، وعليه أكثر المتأخّرين بل عامّتهم ، وفاقاً للمفيد والحلّي (6) ، ومن العماني (7) والقاضي (8) ، والمرتضى‏
1 ـ الفقيه 2 : 9 / 27 ، الوسائل 9 : 154 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8 ح 1.
2 ـ الكافي 3 : 518 / 5 ، التهذيب 4 : 7 /17 ، الاستبصار 2 : 7 /15 ، الوسائل 9 : 155 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8 ح 4.
3 ـ الأوّل : الكافي 3 : 518 / 9 ، التهذيب 4 : 7 / 16 ، الاستبصار 2 : 6 / 14 ، الوسائل 9 : 155 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8 ح 3.
    الثاني : التهذيب 4 : 7 /18 ، الاستبصار 2 : 7 /16 ، الوسائل 9 : 156 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8 ح 5.
4 ـ الوسائل 9 : 156 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 9.
5 ـ الكافي 3 : 518 / 6 ، التهذيب 4 : 8 /22 بتفاوت يسير ، الاستبصار 2 : 7 /19 ، الوسائل 9 : 158 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 10 ح 1 و 2. بتفاوت يسير.
6 ـ المقنعة : 235 ، السرائر 1 : 443.
7 ـ فيما حكاه عنه في المختلف : 173. وحكى عنه في موضع أخر منه : 179 ، ما هو صريح في الخلاف وهو غريب. منه رحمه الله.
7 ـ المهذب 1 : 159 ، شرح الجمل العلم والعمل : 246.


(74)
في بعض كتبه (1) ، والشيخ في النهاية وكتابي الحديث كما قيل (2) لذلك ، مضافاً إلى‏ الأصل وإطلاق البواقي (3) ، وخصوص المعتبرة المستفيضة الأُخر.
    منها : الصحيح : قلت له عليه السلام : رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى‏ به أرضاً أو داراً ، عليه فيه شي‏ء ؟ قال : « لا ، ولو جعله حُليّا أو نُقَراً فلا شي‏ء عليه فيه ، وما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ اللَّه الذي يكون فيه » (4).
    والصحيح : في الذي جعل المال حُليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة ، أعليه الزكاة ؟ قال : « ليس على‏ الحُليّ زكاة ، وما أدخل على‏ نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة » (5).
    وفي جملة من المعتبرة المروية عن المحاسن والعلل : « لا تجب الزكاة فيما سبك فراراً من الزكاة ، ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه ، فلذلك لا تجب الزكاة » (6).
    وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة العظيمة المتأخّرة بل المطلقة كما حكاه جماعة (7) مضافاً إلى‏ الأصل والإطلاقات المتقدمة ،
1 ـ المسائل الطبريّة على ما حكى عنها في السرائر 1 : 442 والمنتهى 1 : 495.
2 ـ النهاية : 175 ، التهذيب 4 : 9 ، الاستبصار 2 : 8.
3 ـ أي ما عدا الصحيحة الاُولى والثالثه. منه رحمه الله.
4 ـ الكافي 3 : 559 / 1 ، الفقيه 2 : 17 / 53 ، الوسائل 9 : 159 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11 ح 1.
5 ـ الكافي 3 : 518 / 7 ، التهذيب 4 : 9 / 26 ، الاستبصار 2 : 8 / 23 ، علل الشرائع 370 / 2 بتفاوت يسير ، الوسائل 9 : 160 أبواب زكاة الفضة ب 11 ح 4.
6 ـ علل الشرائع : 370 / 3 ، المحاسن : 319 / 52 ، الوسائل 9 : 160 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11 ح 2.
7 ـ منهم السبزواري في الذخيرة : 440 ، والمجلسي في مرآة العقول 16 : 36 والحدائق 12 : 96.


(75)
وعموم : « كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‏ء عليه » (1) فيما إذا حصل الفرار بتبديل العين بغير الجنس ، إذ لا قائل بالفرق كما يفهم من كلام المرتضى‏ وغيره (2).
    خلافاً لأكثر المتقدّمين على‏ الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر ، فأوجبوها بالفرار ، ومنهم : السيّدان في الغنية والانتصار والمسائل المصرية الثالثة ، والشيخ في الخلاف (3) مدّعين عليه الإجماع لجملة من المعتبرة ، ومنها الموثّقان (4) ، والقوي المروي في مستطرفات السرائر صحيحاً (5) والرضوي (6).
    وأجاب عنها المتأخّرون بقصور الإسناد ، والحمل على‏ الاستحباب أو الفرار بعد الحول ، كما في الصحيح في الكافي : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : إنّ أباك قال : « من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها » فقال : « صدق أبي ، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شي‏ء عليه فيه » ثم قال لي :
    « أرأيت لو أنّ رجلاً أُغمي عليه يوماً ثم مات فذهب صلاته ، أكان عليه وقد
1 ـ الكافي 3 : 534 / 1 ، التهذيب 4 : 25 / 58 ، الاستبصار 2 : 22 / 61 ، الوسائل 9 : 121 أبواب زكاة الانعام ب 8 ح 1.
2 ـ الانتصار : 83 ، انظر الوسائل 1 : 452 ، والقواعد 1 : 54.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 567 ، الانتصار : 83 ، نقله عن المسائل المصريّة في مجمع الفائدة 4 : 46 ، الخلاف 2 : 77.
4 ـ الاُوّل : التهذيب 4 : 94 / 270 ، الاستبصار 2 : 40 / 122 ، الوسائل 9 : 151 أبواب الزكاة الذهب والفضة ب 5 ح 3.
    الثاني : التهذيب 4 : 9 / 24 ، الاستبصار 4 : 8 / 21 ، الوسائل 9 : 162 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11 ح 7.
5 ـ التهذيب 4 : 9 / 25 ، الاستبصار 2 : 8 / 22 ، مستطرفات السرائر : 21 / 2 ، الوسائل 9 : 162 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11 ح 6.
6 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 199 ، المستدرك 7 : 81 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 6 ح 1.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس