رياض المسائل الجزء الخامس ::: 76 ـ 90
(76)
مات أن يؤدّيها ؟ » قلت : لا ، قال : « إلّا أن يكون أفاق من يومه » ثم قال لي : « أرأيت لو أن رجلاً مرض في شهر رمضان ثم مات فيه ، أكان يصام عنه ؟ » قلت : لا ، قال : « وكذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلّا ما [ حال‏ ] عليه » (1).
    وفي الحمل الأخير نظر لعدم جريانه في نحو الصحيح (2) : « إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة ».
    فإنّه متى جعل المقسم بعد تمام الحول ووجوب الزكاة اقتضى‏ سقوط الزكاة عمّن فعله ليتجمّل به ، مع أنّه لا قائل به ، بل الاتفاق على‏ الوجوب.
    ولا جائز أن يُحمل الفرار على‏ ما بعد الحول وقصد التجمّل على‏ ما قبله ، لتهافت الكلام على‏ تقديره ، فيجلّ عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام.
    مع أن هذا الحمل كالأوّل فرع رجحان الأخبار الأوّلة على‏ الأخيرة. ولا يخلو عن مناقشة ، بعد قوة احتمال جبر قصور الإسناد بالشهرة القديمة المحققة والمحكيّة ، سيّما وإن انضمّ إليها الإجماعات المزبورة في الكتب المسطورة ، والمخالفة للعامّة.
    ولذا احتمل المرتضى‏ حمل ما خالفها على‏ التقيّة ، قال : لأن ذلك مذهب جميع المخالفين (3) ، وحكى‏ القول بمضمونها أيضاً في المنتهى‏ عن الشافعي وأبي حنيفة (4) ، ولا يقدح حكايته مضمون الأخبار المخالفة عن مالك وأحمد ، فإنّ ما يوافق رأي أبي حنيفة أولى‏ بالحمل على‏ التقية. وربما
1 ـ الكافي 3 : 525 / 4 ، الوسائل 9 : 161 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11 ذيل الحديث 5 بدل ما بين المعقوفين في النسخ : « حلّ » وما أثبتناه من المصدر.
2 ـ وهو المروي في مستطرفات السرائر المذكور اَنفاً.
3 ـ كما في الانتصار : 83.
4 ـ المنتهى 1 : 495.


(77)
أشعر به الصحيحة الأخيرة ، لتضمّنه نحو القياسات العامية.
    وعلى‏ هذا فتبقى‏ المسألة في قالب الإشكال ، فالاحتياط فيها مطلوب على‏ كلّ حال ، وإن كان قول المتأخّرين لا يخلو عن رجحان ، لكثرة ما يدلّ عليه من الأُصول والنصوص عموماً وخصوصاً ، مع كون الشهرة المرجّحة لها أقوى من الشهرة المقابلة لها ، لقربها من الإجماع ، بل يمكن أن يكون إجماعاً دونها.
    والإجماعات المحكية غير صريحة في نقله غير ما في الانتصار والمسائل المصرية ، وربما يوهنه ـ كإجماع الخلاف على‏ تقدير صراحته ـ مصير مدّعيه إلى‏ خلافه ولو في بعض كتبه (1).
    واحتمال الحمل على‏ التقية في الأخبار الأولة وإن كان أرجح بما عرفته ، إلّا أنّه لا يبلغ المرجّحات المزبورة.
    فقول المتأخّرين لا يخلو عن قوة ، سيّما وأنّ الأصل بعد التردّد في التكليف وعدمه ـ كما نحن فيه على‏ تقديره ـ براءة الذمة ، مضافاً إلى‏ استصحاب الحالة السابقة.
    [ ولو كان ] فراره [ بعد الحول لم تسقط ] الزكاة إجماعاً فتوىً ونصّاً واستصحاباً.
     [ ومن خلّف لعياله نفقة قدر النصاب فزائداً لمدّة ] كسنة وسنتين فصاعداً [ وحال عليها الحول وجبت عليه زكاتها لو كان شاهداً ] غير غائب [ ولم تجب لو كان غائباً ] للمعتبرة وفيها الموثق (2) والمرسل‏
1 ـ السيّد في المسائل الطبرّية ، والشيخ في النهاية ، وقد اُشير إليهما في ص 74.
2 ـ الكافي 3 : 544 / 3 ، الفقيه 2 : 15 / 43 ، التهذيب 4 : 99 / 280 ، الوسائل 9 : 173 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 17 ح 3.


(78)
كالصحيح (1).
    وبإطلاقها عمل الشيخان في المقنعة والنهاية وجماعة كالفاضلين وغيرهما (2) ، حتى ادّعى‏ عليه جماعة الشهرة (3) ، فإن تمّ شهرة جابرة ، وإلّا فهو محل مناقشة ، لمعارضته بإطلاق ما دلّ على‏ وجوب الزكاة مع التمكن من التصرف وعدمه مع عدمه (4).
    والتعارض بينهما وإن كان تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن تقييد كلّ بالآخر ، إلّا أنّ الأخير لكثرته واعتضاده بالشهرة القطعية بل الإجماع من أصله أرجح ، ولا كذلك الأوّل على‏ ما ذكرناه من الفرض. وعليه فينبغي إرجاعه إليه بتقييد نفي الزكاة في صورة الغيبة التي هي محلّ النزاع والمشاجرة بصورة عدم التمكن من التصرف خاصّة ، كما عن الحلّي في السرائر وربما يحكى عن جماعة (5).
    ولكن المسألة بعد محلّ إشكال ، والاحتياط مطلوب على‏ كلّ حال.
    وعلى‏ كلّ حال لا تجب الزكاة على‏ العيال لو تركوه بحاله حولاً ، لعدم الملك ، فإنّ النفقة إنّما تجب يوماً فيوماً.
     [ ولا يجبر جنس ] مما تجب فيه الزكاة [ بالجنس الآخر ] منه بإجماع العلماء فيما عدا الحبوب والأثمان ، وفيهما أيضاً بإجماعنا ، صرّح‏
1 ـ الكافي 3 : 544 / 2 ، الوسائل 9 : 173 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 17 ح 2.
2 ـ المقنعة : 258 ، النهاية : 178 ، الشرائع 1 : 152 ، المعتبر 2 : 530 ، المنتهى 1 : 478 ، نهاية الاحكام 2 : 306 ؛ وانظر الدروس 1 : 230 ، والمسالك 1 : 55.
3 ـ كما نقلها عن تخليص التخليص في مفتاح الكرامة 3 : 25 ، وادّعاها صاحب الحدائق 12 : 95.
4 ـ الوسائل 9 : 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5.
5 ـ السرائر 1 : 447 ، وحكاه في مفتاح الكرامة 3 : 26 عن كشف الالتباس.


(79)
بهما في المنتهى‏ (1) وبالثاني في غيره (2) أيضاً للأصل ، وعموم ما دلّ على‏ نفي الزكاة في كلّ جنس إذا لم يبلغ نصابه ، وخصوص ما مرّ من بعض الصحاح (3).
    وأما الخبر : قلت له : مائة وتسعون درهم وتسعة عشر ديناراً ، أعليها في الزكاة شي‏ء ؟ فقال : « إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة » (4).
    فمع قصور سنده ـ بل ضعفه وشذوذه ـ غير صريح في المخالفة لاحتماله الحمل على‏ محامل أقربها التقيّة ، كما ذكره شيخ الطائفة ، قال : لأنّه مذهب العامة ، واحتمل حمله على‏ من جعل ماله أجناساً مختلفة كلّ واحد لا تجب فيه الزكاة فراراً من لزومها ، قال : فإنّه متى فعل ذلك لزمته عقوبة (5) للموثق : عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، أعليها زكاة ؟ فقال : « إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة » قلت : لم يفرّ بها ، ورث مائة درهم وعشرة دنانير ، قال : « ليس عليه الزكاة » قلت : فلا تكسر الدراهم على‏ الدنانير ولا الدنانير على‏ الدراهم ؟ قال : « لا » (6).
    قال في المدارك : هذا الحمل جيّد لو صحّ سند الخبرين ، لكنّهما
1 ـ المنتهى 1 : 505.
2 ـ التذكرة 1 : 226 ، المفاتيح 1 : 195.
3 ـ راجع ص 69.
4 ـ الكافي 3 : 516 / 8 ، التهذيب 4 : 93 / 269 ، الاستبصار 2 : 39 / 121 ، الوسائل 9 : 139 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 7.
5 ـ الاستبصار 2 : 40.
6 ـ التهذيب 4 : 94 / 270 ، الاستبصار 2 : 40 / 122 ، الوسائل 9 : 151 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 5 ح 3.


(80)
ضعيفا السند ، فيتعيّن المصير إلى‏ ما عليه الأصحاب من عدم الضمّ مطلقاً (1).
    وفيه نظر ، فإنّ صحة السند بمجرّدها غير كافية بعد وجود المعارض الصحيح الأقوى‏ الدالّ على‏ سقوط الزكاة بالفرار ، كما مضى (2) ، وبه أفتى‏ هو أيضاً حاكياً له عن أكثر أصحابنا ، وصرّح ثمة بأنّه لو صحّ سند ما دلّ على‏ عدم السقوط بالفرار لوجب حملها على‏ الاستحباب (3).
    أقول : وعلى هذا فلا يتوجّه كلامه هنا.

    اعلم : انّه [ لا تجب الزكاة في شي‏ء من الغلّات الأربع حتى يبلغ نصاباً وهو خمسة أوسق ، وكلّ وَسْق ستّون صاعاً ] بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً ، كالناصرية والخلاف والغنية والمنتهى‏ (4) ، بل فيه في أصل اشتراط النصاب : لا نعلم فيه خلافاً إلّا من مجاهد وأبي حنيفة ، فإنّهما أوجبا الزكاة في قليل الغلّات وكثيرها ، وباقي العلماء اشترطوا بلوغها خمسة أوسق ، والصحاح وغيرها (5) بالجميع مستفيضة من طرقنا.
1 ـ المدارك 5 : 129.
2 ـ في ص : 72.
3 ـ المدارك 5 : 76.
4 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 242 ، الخلاف 2 : 58 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 567 ، المنتهى 1 : 496.
5 ـ الوسائل 9 : 175 أبواب زكاة الغلاّت ب 1.


(81)
    وما يخالفها في أصل النصاب بإيجاب الزكاة في قليلها وكثيرها (1) ـ مع قصور سنده وندوره ـ مطروح ، أو محمول على‏ التقية ، أو إرادة نفي النصاب بعد النصاب الأوّل كما يأتي.
    وما يخالفها في مقداره بأنّه وَسْق كما في رواية (2) أو وسقان كما في غيرها (3) ، فمع ضعف أسانيدها جملةً حملها الشيخ على‏ الاستحباب (4) وتبعه جماعة (5). ولا بأس به ، مسامحةً في أدلّة السنن ، وجمعاً بين الروايات المختلفة.
    و اعلم : أنّه [ يكون ] مقدار النصاب [ بـ ] الرطل [ العراقي ألفين وسبعمائة رطل ] بناءً على‏ أنّ كلّ صاع تسعة أرطال بالعراقي وستّة بالمدني ، كما في صريح الخبرين المنجبرين بالعمل (6) ، وظاهر الصحيحين (7)
1 ـ التهذيب 4 : 17 / 42 ، الاستبصار 2 : 16 : 45 « الوسائل 9 : 181 أبواب زكاة الغلاّت ب 3 ح 2.
2 ـ التهذيب 4 : 18 / 45 ، الاستبصار 2 : 18 / 51 ، الوسائل 9 : 181 أبواب زكاة الغلاّت ب 3 ح 4.
3 ـ التهذيب 4 : 17 / 43 ، الاستبصار 2 : 17 / 49 ، الوسائل 9 : 180 أبواب زكاة الغلاّت ب 3 ح 1.
4 ـ الاستبصار 2 : 18.
5 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 534 ، والمجلسي في روضة المتقين 3 : 98 ، والفيض الكاشاني في الوافي 10 : 58.
6 ـ الاُوّل : الكافي 4 : 172 / 9 ، الفقيه 2 : 115 / 493 ، التهذيب 4 : 83 / 243 ، الاستبصار 2 : 49 / 163 ، معاني الأخبار : 249 / 2 ، العيون 1 : 241 / 73 ، الوسائل 9 : 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.
    الثاني : الكافي 4 : 172 / 8 ، التهذيب 4 : 83 / 242 ، الاستبصار 2 : 49 / 162 ، الوسائل 9 : 341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 2.
7 ـ الاُوّل : الكافي 4 : 174 / 24 ، التهذيب 4 : 91 / 265 ، الوسائل 9 : 346 أبواب


(82)
الوارد أحدهما كالأوّلين في صاع الفطرة ، ولا قائل بالفرق كما صرّح به في الناصرية (1) ، وفيها وفي الخلاف والغنية الإجماع أيضاً على‏ أنّ الصاع المطلق تسعة أرطال بالعراقي (2) ، كما في صريح الأخيرين وظاهر الأوّل ، لأنّه عراقي ، مع أنّه صرّح به في الانتصار مدّعياً أيضاً الإجماع (3).
    ومنه يظهر وجه حمل الرطل في الصحيح الماضي أيضاً على‏ العراقي ، لأنّ الراوي كما قيل (4) عراقي ، وفيه : أنّه كتب إلى‏ أبي الحسن عليه السلام :
    وقد بعثت لك العام من كلّ رأس من عيالي بدرهم على‏ قيمة تسعة أرطال ، فكتب جواباً محصوله التقرير على‏ ذلك ، ولا ريب أن الأرطال عبارة عن الصاع ، لأنّه الواجب في الفطرة.
    وفي الثاني : « كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يتوضّأ بمُدّ ويغتسل بصاع ، والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » يعني أرطال المدينة ، فيكون تسعة أرطال بالعراقي.
    ويظهر من غير واحد أنّ التفسير من تتمة الرواية.
    وهو غير بعيد ، وإن احتمل كونه من كلام الشيخ الراوي له ، لضعفه بما في الذخيرة (5) من أنّ الماتن نقله عن كتاب الحسين بن سعيد هكذا :
زكاة الفطرة ب 9 ح 3.
    الثاني : التهذيب 1 : 136 / 379 ، الاستبصار 1 : 121 / 409 ، الوسائل 1 : 481 أبواب الوضوء ب 50 خ 1.
1 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 242.
2 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 242 ، الخلاف 2 : 59 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 567.
3 ـ الانتصار : 88.
4 ـ المدارك 5 : 133.
5 ـ الذخيرة : 441.


(83)
والصاع ستّة أرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي وأنّ الفاضل في التذكرة نقل عن مولانا الصادق عليه السلام عين العبارة المذكورة (1).
    هذا مع أنّي لم أجد خلافاً في المسألة إلّا من البزنطي ، حيث جعل المدّ الذي هو ربع الصاع بإجماع العلماء ، كما في صريح المعتبر والمنتهى‏ وغيرهما (2) والصحاح رطلاً وربعاً (3) ، فيكون الصاع عنده خمسة أرطال.
    وهو نادر ، والموثّق الذي استدل به (4) لقصور سنده وإضماره غير معارض للصحيح الثاني ، الصريح في خلافه ، المعتضد زيادةً على‏ الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل الإجماع حقيقة كما صرّح به في الخلاف والغنية (5) بالأصل ، للشك في حصول شرط الوجوب إلّا مع التقدير الأعلى ، فيكون الوجوب عند عدمه بالأصل منفيّاً ، سيّما مع ضعفه دلالةً كما لا يخفى‏ على من راجعه ، وبه صرّح الخال العلّامة ـ عليه الرحمة ـ في الرسالة (6).
    والأشهر في مقدار الرطل العراقي أنّه مائة وثلاثون درهماً ، أحد وتسعون مثقالاً. وهو الأظهر للأصل ، وللخبرين في أحدهما : « الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي » قال : وأخبرني أنّه يكون بالوزن ألفاً ومائة وسبعين وزنة (7).
1 ـ المعتبر 2 : 533 ، التذكرة 1 : 218.
2 ـ المعتبر 2 : 533 ، المنتهى 1 : 497 ؛ وانظر المدارك 5 : 134.
3 ـ نقله عن البزنطي في التحرير : 62.
4 ـ التهذيب 1 : 136 / 376 ، الاستبصار 1 : 121 / 411 ، الوسائل 1 : 482 أبواب الوضوء ب 50 ح 4.
5 ـ الخلاف 2 : 59 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 567.
6 ـ رسالة المقادير الشرعية للعلاّمة المجلسي ( مخطوط ).
7 ـ الكافي 4 : 172 / 9 ، الفقيه 2 : 115 / 493 ، التهذيب 4 : 83 / 243 ، الاستبصار 2 : 49 / 163 ، معاني الأخبار : 249 / 2 ، العيون 1 : 241/ 73 ، الوسائل 9 : 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.


(84)
    والمراد بالوزن الدرهم كما صرّح به الثاني ، وفيه : « ستّة أرطال برطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهماً ، يكون الفطرة ألفاً ومائة وسبعين درهماً » (1).
    خلافاً للفاضل في التحرير وموضع من المنتهى‏ (2) ، فوزنه مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم ، تسعون مثقالاً ومستنده غير واضح.
    وممّا ذكرنا يظهر أنّ هذا التقدير تحقيق لا تقريب ، وبه صرّح جماعة ومنهم الفاضل في التذكرة والمنتهى‏ (3) ، مشعراً بعدم خلاف فيه بيننا.
    وفيهما الإجماع على‏ أنّ النصاب المزبور إنّما يعتبر وقت الجفاف ، قال : ولو جفّت تمراً أو زبيباً أو حنطةً أو شعيراً فنقص فلا زكاة إجماعاً وإن كان وقت تعلّق الوجوب نصاباً.
     [ ولا تقدير فيما زاد ] على النصاب [ بل تجب فيه ] أي في الزائد الزكاة [ وإن قلّ ] بلا خلاف فتوىً ونصّاً ، وفي المنتهى‏ أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (4).
    ومن هنا يعلم أنّ للغلّات نصاباً واحداً وهو خمسة أوسق ، وعفواً واحداً وهو ما نقص عنه.
     [ و ] اعلم [ أنّه يتعلق به ] أي بكل واحد من الغلّات وجوب [ الزكاة عند تسميته حنطةً أو شعيراً أو زبيباً أو تمراً ] تسميةً حقيقيّة ، ولا يكون إلّا عند الجفاف ، وعليه الإسكافي فيما حكاه عنه الفاضل في جملة
1 ـ التهذيب 4 : 79 / 226 ، الاستبصار 2 : 44 / 140 ، الوسائل 9 : 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.
2 ـ التحرير : 62 ، المنتهى 1 : 497.
3 ـ التذكرة 1 : 218 ، المنتهى 1 : 497.
4 ـ المنتهى 1 : 498.


(85)
من كتبه (1) ، وولده في الإيضاح (2) وغيرهما (3) ، وعليه الماتن في كتبه الثلاثة كما حكاه عنه جماعة (4) ، وحكاه في المنتهى‏ عن والده أيضاً (5) ، ومال إليه شيخنا في الروضة وصاحب الذخيرة (6).
    للأصل ، وحصر الزكاة في التسعة التي منها التمر والزبيب والشعير والحنطة ، فيكون المعتبر صدق الأسامي المزبورة ، ولا يصدق حقيقة إلّا عند الجفاف كما عرفته.
    [ وقيل ] والقائل المشهور كما حكاه كثير ومنهم الشيخ والحلّي (7) : يتعلّق به [ إذا احمرّ ثمر النخل أو اصفرّ أو انعقد ] الحبّ [ والحِصْرِم ].
    واستدل عليه في المنتهى‏ بتسمية الحبّ إذا اشتدّ حنطةً وشعيراً والبُسْر تمراً ، قال : لتصريح أهل اللغة بأنّ البُسْر نوع من التمر وكذا الرطب (8) وبورود الرواية بوجوب الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوساق زبيباً ، ولعلّها الصحيح : « ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيباً » (9).
    وفيهما نظر لمنع التسمية على‏ الحقيقة ، فيحتمل مجازاً باعتبار ما
1 ـ حكاه عنه في المنتهى 1 : 499 ، والمختلف : 178 ، والتحرير 1 : 63.
2 ـ الإيضاح 1 : 175.
3 ـ كالشهيد في البيان : 297.
4 ـ نقله عنه في البيان : 297 ، وهو في الشرائع 1 : 153 ، والمعتبر 2 : 534.
5 ـ المنتهى 1 : 499.
6 ـ الروضة 2 : 33 ، الذخيرة : 427.
7 ـ المبسوط 1 : 214 ، السرائر 1 : 453.
8 ـ المنتهى 1 : 499.
9 ـ التهذيب 4 : 14 / 36 ، الاستبصار 2 : 15 / 42 ، الوسائل 9 : 178 أبواب زكاة الغلاّت ب 1 ح 11.


(86)
يؤول إليه ، بل لعلّه متعيّن لصحة السلب أحياناً سيّما في نحو البسر.
    وتصريح أهل اللغة بكونه تمراً غير معلوم ، بل المعلوم من جماعة منهم كالجوهري وصاحبي المجمع والمصباح المنير وغيره (1) ـ كما حكي ـ خلافه ، وأن التمرة لا تسمّى تمراً إلّا عند الجفاف ، وحكى‏ في المصباح عليه إجماع أهل اللغات. ولم يوجد في كلام غيرهم ما يخالفه عدا القاموس (2) ، فإنّ فيه ما ربما يومئ إليه ويشعر به ، ولكن فيه أيضاً ما يخالفه ، ومع ذلك فغاية ما يستفاد منه الإطلاق ، وهو أعمّ من الحقيقة ، ويحتمل التجوّز ، فيحمل عليه جمعاً وتوفيقاً بينه وبين من عداه من أهل اللغة.
    وعلى‏ تقدير المعلوميّة فهو معارض بالعرف ، لأنّ مقتضاه عدم الصدق حقيقةً إلّا بما عرفته ، وبه اعترف جماعة (3) ، وهو مقدّم على‏ اللغة حيثما حصل بينهما معارضة ، سيّما هنا لظهور بعض المعتبرة في ظهور المعنى‏ العرفي في زمن صاحب الشريعة.
    ولو سلّمنا توافقهما في صدق التسمية قبل الجفاف حقيقة ، لكنّ الأسامي المزبورة مطلقات ، وهي إنّما تنصرف إلى‏ الأفراد المتبادرة كسائر المطلقات ، وإن كان غير المتبادر منها من أفراد الحقيقة.
    ثم لو تمّ ما ذكر لثبت فيما عدا الزبيب ، إذ لا خلاف في عدم إطلاقه على‏ نحو الحِصْرِم ، فلا يتمّ به المدّعى‏ ، وإتمامه بالإجماع المركب معارض‏
1 ـ الصحاح 2 : 589 ، مجمع البحرين 3 : 233 ، المصباح المنير : 76 ؛ وانظر المغُرب 1 : 38.
2 ـ القاموس 1 : 385.
3 ـ منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة 4 : 28 ، والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 312 ، والسبزواري في الذخيرة : 427.


(87)
بالمثل ، فتدبّر وتأمّل (1).
    وأمّا الرواية فقد أجاب عنها في الذخيرة بأنّ لمفهومها احتمالين :
    أحدهما : إناطة الوجوب بحالة يثبت له البلوغ خمسة أوساق حال كونه زبيباً. وثانيهما : إناطته بحالة يقدّر له هذا الوصف. والاستدلال بها إنّما يستقيم على‏ ظهور الثاني وهو في معرض المنع. بل لا يبعد ادّعاء ظهور الأوّل إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر ، ولا يرجّح الثاني زوال وصف العنبيّة عند كونه زبيباً ، لأنّ مثله شائع إلى‏ أن قال ـ : على‏ أنّه يجوز أن يكون إسناد الحكم إلى‏ العنب من قبيل المساهلة في التعبير باعتبار ما يؤول إليه ، كما في الإسناد إلى‏ النخل في الخبر الأوّل ، فلا يبعد المصير إليه جمعاً بين الأدلّة ، انتهى‏(2). وهو حسن.
    وممّا ذكره وجهاً لظهور المعنى‏ الأوّل ينقدح وجهٌ للاستدلال للقول الأوّل بالنصوص الدالة على‏ اعتبار النصاب في الغلّات ، وأنّه لا شي‏ء فيها حتى تكون وتبلغ خمسة أوساق.
    وذلك لأنّ مفادها أنّ مناط الوجوب حين البلوغ خمسة أوساق ، وهو حقيقة في التحقيقي لا التقديري ، كما ذكره ، وقد مرّ أنّ بلوغ النصاب إنّما يعتبر عند الجفاف إجماعاً (3) ، وليس فيها ما في هذه الرواية مما توجب المعارضة ويحوج إلى‏ الجمع ، بل فيها ما يؤكّد الظهور من نحو لفظ التمر
1 ـ وجهه : أنّ ما دلّ على نفي الزكاة في الحِصرِم اِنّما هو الأصل والحصر ، وهما بلاِضافة اٍلى ما دَلَّ على وجوبها في نحو البًسر عامان وهو خاص فيكون مقدماُ عليهما ، وبعبارة اُخرى اِنه يجب تقدم المثبِت على النافي حيثما تعارضا.
2 ـ الذخيرة : 428.
3 ـ في ص : 86.


(88)
بناءً على‏ كونه حقيقة في اليابس كما عرفته.
    فالقول المزبور لا يخلو عن قوّةٍ وإن كان في تعيّنه مناقشة ، لأنّ هنا روايتين صحيحتين يمكن التمسك بهما للمشهور.
    في إحداهما : عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، متى تجب على‏ صاحبها ؟ قال : « إذا صُرِم وخُرِص » (1).
    وفي الثانية : هل على‏ العنب زكاة أو إنّما تجب إذا صيّره زبيباً ؟ قال : « نعم إذا خرصه أخرج زكاته » (2).
    وذلك لظهورهما في إناطة الوجوب بأوان الخَرْص ، وهو ـ على‏ ما صرّح به الأصحاب ومنهم الماتن في المعتبر (3) فيما حكي عنه ـ إنّما يكون في حال كون الثمرة بسراً أو عنباً.
    ومن هنا ينقدح وجه الاستدلال على‏ قولهم بكلّ ما دلّ على‏ جواز الخَرْص في النخيل أو الكروم من الروايات (4) والإجماع المنقول الذي حكاه الماتن في المعتبر بناءً على‏ ما ذكره هو وغيره من الأصحاب في فائدته وصفته ، من أنّه تقدير الثمرة لو صارت تمراً والعنب لو صار زبيباً ، فإن بلغت الأوساق وجبت الزكاة ، ثم يخيّرهم بين تركه أمانةً في أيديهم وبين تضمينهم حصّة الفقراء أو يضمن لهم حصّتهم ، إلى‏ آخر ما ذكروه (5).
1 ـ الكافي 3 : 523 / 4 ، الوسائل 9 : 194 أبواب زكاة الغلاّت ب 12 ح 1.
2 ـ الكافي 3 : 514 / 5 ، الوسائل 9 : 195 أبواب الغلاّت ب 12 ح 2.
3 ـ المعتبر 2 : 535.
4 ـ منها ما رواه في المعتبر 2 : 535 ؛ وراجع سنن البيهقي 4 : 121 وسنن أبي داوود 2 : 110.
5 ـ المعتبر 2 : 536 ، الحدائق 12 : 133.


(89)
    وكلّ هذا إنّما يتوجّه على‏ المشهور ، وإلّا فعلى غيره لا وجه للخرص في ذلك الوقت ، ولا المنع عن التصرف إلّا بالتضمين لجوازه من غير احتياج إليه على‏ هذا التقدير ، وهذا إحدى‏ الثمرات المتفرّعة على‏ الخلاف هنا.
    لكن أجاب عن هذا في الذخيرة بأنّ على‏ تقدير ثبوته يجوز أن يكون مختصّاً بما كان تمراً على‏ النخل ، أو يكون الغرض من ذلك أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمراً أو زبيباً ، فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم (1).
    وهو حسن ، إلّا أنّ قوله : على‏ تقدير ثبوته ، مشعر بتردّد له فيه. وليس في محلّه للروايات المعتضدة والمنجبرة بالشهرة والإجماع المحكي. وكذا تجويزه الاختصاص بما إذا كان تمراً على‏ النخل لما عرفت من اعترافهم حتى الماتن الموافق له هنا بخلافه.
    نعم يتوجّه الأخير ، وبه يجمع بين كلامي الماتن هنا وثمة ، أو يجعل كلامه ثمة تفريعاً على‏ القول المشهور ، وإلّا فالمنافاة بينهما واضحة.
    ويمكن الجواب عن الرواية الأُولى‏ : بقوّة احتمال كون وقت الخَرْص فيها هو وقت الصرام ، لجعله فيها أيضاً وقت الوجوب ، فإذا حمل وقته على‏ ما هو المشهور لكان التعليق بوقت الصرام ملغىً ، لما بين وقته ووقت الخرص بالمعنى المشهور من المدّة ما لا يخفى‏ ، إذ الخرص بهذا المعنى‏ في حال البسريّة والعنبيّة ، والصرام إنّما يكون بعد صيرورته تمراً ، فكيف يستقيم تعليق الوجوب بكلّ منهما ، بل إنّما يستقيم بحمل الخرص فيها على‏ وقت كونه تمراً أو زبيباً ، والمراد أنّ في ذلك الوقت يتعلّق به الوجوب‏
1 ـ الذخيرة : 428.

(90)
سواءً صرمه أو خرصه على‏ رؤوس الأشجار والنخيل والزروع.
    وعلى‏ هذا فيسهل الجواب عن الثانية : بحمل الخَرْص فيها على‏ ما حمل عليه في سابقتها ، فإنّ أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها بعضاً ، ولعلّه لذا لم يستدلّ بهما في المنتهى‏ ، ويبعد غاية البعد غفلته عنهما.
    وبما ذكرنا يقوّى القول الأوّل جدّاً.
    ولكنّ المسألة بعدُ محلّ تردّد ، ولا ريب أنّ المشهور أحوط وأولى ، سيّما مع مصير نحو الحلّي ـ الذي لا يعمل إلّا بالقطعيات ـ إليه (1) ، وتصريح الفاضل المقداد في الشرح بأنّه لا يعلم للماتن قبله موافق (2).
     [ ووقت الإخراج إذا صَفَت الغلّة وجُمِعت الثمرة ] بل إذا يَبست ، إجماعاً كما صرّح به جماعة (3) ، بل في المنتهى‏ أنّ عليه اتفاق العلماء كافّة ونحوه عن التذكرة (4) و للصحيحين المتقدمين (5) بالتقريب المتقدم إليه الإشارة.
    والمراد بوقت الإخراج الوقت الذي يصير ضامناً بالتأخير ، أو الوقت الذي يجوز للساعي مطالبة المالك. وليس المراد الوقت الذي لا يجوز التقديم عليه لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي للمالك الثمرة قبل الجذاذ ، وإجزاء دفع الواجب على‏ رؤوس الأشجار.
     [ ولا تجب ] الزكاة [ في شي‏ء ] من [ الغلّات إلّا إذا نَمَت في الملك ] أي ملكت قبل وقت الوجوب ، بإجماع المسلمين كما عن‏
1 ـ السرائر 1 : 453.
2 ـ التنقيح الرائع 1 : 311.
3 ـ كصاحب المدارك 5 : 139 ، والسبزواري في الذخيرة : 443.
4 ـ المنتهى 1 : 449 ، التذكرة 1 : 219.
5 ـ في ص : 88.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس