رياض المسائل الجزء الخامس ::: 91 ـ 105
(91)
الماتن (1) ، وفي المنتهى‏ أنّه قول العلماء كافة (2) والحجّة عليه واضحة.
     فـ [ لا ] تجب في [ ما يبتاع حبّا ] مثلاً [ أو يستوهب ] كذلك ، بل تجب على‏ البائع والواهب مع الشرط ، وإلّا فعلى من جمعه.
    [ وما يُسقى‏ سَيْحاً ] أي بالماء الجاري على‏ وجه الأرض ، سواء كان قبل الزرع كالنيل أم بعده [ أو عِذياً ] بكسر العين ، وهو أن يُسقى‏ بالمطر [ أو بَعْلاً ] وهو شربه بعروقه القريبة من الماء [ ففيه العُشر ].
    [ وما يُسقى‏ بالنواضح ] وهو جمع ناضحة وهو البعير يستسقى‏ عليه [ والدوالي ] جمع دالية ، وهي الناعورة التي يديرها البقر [ ففيه نصف العُشر ].
    بلا خلاف في الحكمين بين العلماء كما في التذكرة (3) ، وفي المعتبر والمنتهى‏ أنّهما مذهبهم كافّة (4) والصحاح وغيرها بهما مع ذلك مستفيضة (5).
    ويستفاد منها جملة أنّ الضابط في موضع الحكمين عدم توقّف ترقية الماء إلى‏ الأرض على‏ آلة من دولاب ونحوه وتوقّفه على‏ ذلك ، فلا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر السواقي والأنهار وإن كثرت مؤُنتها ، لعدم اعتبار الشارع إيّاه.
    وهنا سؤال وجواب مشهوران ـ يأتيان ـ (6) مبنيان على‏ ما هو المشهور
1 ـ المعتبر 2 : 538.
2 ـ المنتهى 1 : 497.
3 ـ التذكرة 1 : 219.
4 ـ المعتبر 2 : 539 ، المنتهى 1 : 498.
5 ـ الوسائل 9 : 175 أبواب زكاة الغلاّت ب 1.
6 ـ في ص 98.


(92)
من عدم وجوب الزكاة في الغلّات إلّا بعد إخراج المؤمن ، وأما على‏ غيره فالسؤال ساقط من أصله.
    [ ولو اجتمع الأمران ] فسُقي بالسيْح مثلاً تارة وبمقابله اخرى‏ [ حكم للأغلب ] منهما ، فالعُشر إن كان هو الأوّل ، ونصفه إن كان الثاني ، بالنصّ الآتي ، والإجماع منّا ومن أكثر العامّة كما صرّح به جماعة (1).
    وفي اعتبار الأغلبيّة بالأكثر عدداً كما هو المتبادر من نحو العبارة ، أو زماناً كما ربما يستفاد من ظاهر إطلاق الرواية بل عمومها ، أو نفعاً كما استقر به العلّامة وولده (2) ، أوجه وأقوال.
    ولعلّ أوجهها الأوّل ، سيّما وأنّ المؤونة إنّما تكثر بسبب ذلك ، ولعلّها الحكمة في اختلاف الواجب. ويمكن أن يرجع إليه الرواية بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان الأكثر من احتياجه في السقي إلى‏ عدد أكثر ، فتدبّر هذا ، والاحتياط لا يترك.
    [ ولو تساويا أُخذ من نصفه العُشر ومن نصفه نصف العُشر ] إجماعاً كما صرّح به جماعة (3) ، وفي المعتبر والمنتهى‏ (4) أنّه إجماع العلماء وللنصّ المعتبر المنجبر بالعمل هنا وفيما مرّ : « وفيما سَقَت السماء والأنهار أو كان بَعْلًا العُشر ، وأمّا ما سَقَت السواقي والدوالي فنصف العشر » قلت له : فالأرض تكون عندنا فتسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتُسقى‏ سَيْحاً ، قال : « إنّ ذا ليكون عندكم كذلك ؟ » قلت : نعم ، قال : « النصف والنصف ، نصف‏
1 ـ كصاحب المدارك 5 : 148 ، والسبزواري في الذخيرة : 443.
2 ـ التذكرة 1 : 219 ، القواعد : 55 ، الإيضاح 1 : 183.
3 ـ منهم : الشهيد في الخلاف 3 : 67 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 201 ، وصاحب الحدائق 12 : 122.
4 ـ المعتبر 2 : 539 ، المنتهى 1 : 498.


(93)
بنصف العُشر ونصف بالعُشر » فقلت : الأرض تُسقى‏ بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سَيْحاً ، قال : « كم تُسقى‏ السقية والسقيتين سيحاً ؟ » قلت : في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة وقد مضت قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر ، قال : « نصف العشر » (1).
    واعتبار التساوي بالمدة والعدد ظاهر ، وأمّا بالنفع والنموّ فيرجع فيه إلى‏ أهل الخبرة.
    وإن اشتبه الحال وأشكل الأغلب ففي وجوب الأقلّ للأصل ، أو العُشر للاحتياط ، أو الإلحاق بالتساوي لتحقّق تأثيرهما والأصل عدم التفاضل ، أوجه ، أحوطها الوسط إن لم يكن أجود.
     [ و ] إنّما تجب [ الزكاة بعد ] إخراج [ المؤونة ] وحصّة السلطان ، بلا خلاف في الثاني أجده ، بل بالإجماع عليه صرّح في الخلاف والمعتبر والمنتهى‏ (2) ، وعزاه فيهما إلى‏ أكثر الجمهور أيضاً ، وللنصوص.
    منها الصحيح : « كل أرضٍ دفعها إليك السلطان فتاجرته فيها ، فعليك فيما أخرج اللَّه تعالى منها الذي قاطعك عليه ، وليس على‏ جميع ما أخرج اللَّه منها العُشر ، إنّما عليك العُشر فيما حصل في يدك بعد مقاسمته لك » (3).
    والصحيح : ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج وما سار به أهل بيته ، فقال : « ما أُخذ بالسيف فذاك إلى‏ الإمام يقبّله الذي يرى‏ ، وقد قبّل‏
1 ـ الكافي 3 : 514 / 6 ، التهذيب 4 : 16 / 41 ، الاستبصار 2 : 15 / 44 ، الوسائل 9 : 187 أبواب زكاة الغلاّت ب 6 ح 1.
2 ـ الخلاف 2 : 67 ، المعتبر 2 : 541 ، المنتهى 1 : 500.
3 ـ الكافي 3 : 513 / 4 ، التهذيب 4 : 36 / 93 ، الاستبصار 2 : 25 / 70 ، الوسائل 9 : 188 أبواب زكاة الغلاّت ب 7 ح 1.


(94)
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله خيبر وعليهم في حصصهم العُشر ونصف العُشر » (1) ونحوه الخبر (2).
    وعلى‏ الأظهر في الأوّل أيضاً ، وفاقاً للأكثر على‏ الظاهر ، المصرّح به في عبائر جمع (3) ، وفي المختلف وغيره أنه المشهور (4) للرضوي المعتبر في نفسه المعتضد زيادةً على‏ الشهرة بما يأتي ، وفيه : « وليس في الحنطة والشعير شي‏ء إلى‏ أن يبلغا خمسة أوساق ، والوسق ستّون صاعاً ، والصاع أربعة أمداد ، والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهماً ونصف ، فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومؤونة العمارة والقرية أُخرج منه العُشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بَعْلاً ، وإن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر ، وفي التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير » (5).
    والمراد بمؤونة العمارة والقرية مؤونة الزراعة قطعاً ، وبه صرّح جدّي المجلسي فيما حكاه عنه خالي العلّامة دام ظلّه (6) ـ ، معترفاً بصحّته.
    وللصحيح : « يترك للحارس يكون في الحائط العِذْق والعِذقان والثلاثة لحفظه إيّاه » (7).
1 ـ التهذيب 4 : 119 / 342 ، الوسائل 9 : 189 أبواب زكاة الغلاّت ب 7 ح 3.
2 ـ الكافي 3 : 512 / 2 ، التهذيب 4 : 38 / 96 ، الاستبصار 2 : 25 / 73 ، الوسائل 9 : 188 أبواب زكاة الغلاّت ب 7 ح 2.
3 ـ كالعلّامة في المنتهى 1 : 500 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة 4 : 108 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 190.
4 ـ المختلف : 179 ، وحكى ادّعاء الشهرة صاحب المدارك 5 : 142 عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد.
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 197 ، المستدرك 7 : 87 أبواب زكاة الغلاّت ب 1 ح 1.
6 ـ الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( مخطوط ).
7 ـ الكافي 3 : 565 / 2 ، الوسائل 9 : 191 أبواب زكاة الغلاّت ب 8 ح 4.


(95)
    وأخصّيتّه من المدّعى‏ مجبورة بعموم التعليل ، مع ضرورة عدم القائل بالفرق بين مؤونة الحارس وغيرها ، كما صرّح به في المنتهى‏ (1).
    ولأنّ النصاب مشترك بين المالك والفقراء فلا يختصّ أحدهم بالخسارة عليه ، كغيره من الأموال المشتركة. ولأنّ الزكاة في الغلّات إنّما تجب في النماء والفائدة ، وهو لا يتناول المؤونة.
    وما يقال على‏ أوّل هذين الدليلين أوّلاً : بأنّ الشركة هنا ليس على‏ حدّ سائر الأموال المشتركة لتكون الخسارة على‏ الجميع ، ولهذا جاز للمالك الإخراج من غير النصاب والتصرف فيه بمجرّد الضمان. وثانياً : بأنّه إنّما يقتضي استثناء المؤونة المتأخّرة عن تعلّق الوجوب بالنصاب ، والمدّعى‏ أعم من ذلك.
    وعلى‏ ثانيهما : بأنّ متعلق الزكاة ما يخرج من الأرض وهو شامل لما قابل المؤونة وغيرها.
    فضعيف بأنّ مقتضى‏ الأصل في الشركة بمقتضى‏ القاعدة المقررة المتّفق عليها فتوىً وروايةً هو الشركة في النفع والخسارة وغيرها من الأحكام المترتبة على‏ الشركة ، وخروج بعضها مما ذكره هنا بدليل من خارج لا يقتضي انفساخ قاعدة أصل الشركة ، وإن هي إلّا كالعامّ المخصّص في الباقي حجة. مع أنّ الظاهر أنّ الوجه في خروج الخارج من نحو جواز التصرّف والإخراج من غير النصاب إنّما هو التخفيف على‏ المالك والسهولة ، وهو يقتضي استثناء المؤونة ، فإنّ في عدمه عسراً وحرجاً عظيماً منفيّاً في الشريعة.
1 ـ المنتهى 1 : 500.

(96)
    والأخصّية مدفوعة بعدم قائل بالفرق بين المؤونة المتأخّرة عن تعلّق الوجوب والمتقدمة عليه.
    ولو عورض بالمثل وهو اقتضاء الإطلاقات بوجوب العشر أو نصفه فيما خرج عدمَ استثناء المؤونة المتقدمة ، فكذا المتأخّرة لعدم القائل بالفرق.
    لاُجيب عنها بأنّها من باب تعارض العموم والخصوص المطلق ، والخاصّ مقدم بالاتفاق. ولو سلّم كونها من باب التعارض من وجه ، قلنا : لزم الرجوع في مثله إلى‏ الترجيح ، وهو هنا مع ما دلّ على‏ الاستثناء لمطابقته لمقتضى‏ الأصل ، فتدبّر.
    ودعوى‏ تعلّق الزكاة بمجموع ما يخرج من الأرض حتى ما قابل البذر ممنوعة ، كيف لا ؟! وإيجاب الزكاة فيه يستلزم تكرّر وجوب الزكاة في الغلّات ، وقد أجمع المسلمون على‏ خلافه ، كما صرّح به في المنتهى‏ (1) وغيره وحيث ثبت استثناء البذر ثبت غره لعدم القائل بالفرق ، فتأمّل.
    خلافاً للخلاف والجامع (2) مدّعيين عليه الإجماع إلّا من عطاء ، على‏ ما حكاه عنهما جماعة من الأصحاب (3) ، ولم أَرَه في الخلاف ، بل فيه مجرد الفتوى‏ ووافقتهما جماعة من متأخّري متأخّري الأصحاب (4) للعمومات المتقدم إليها الإشارة ، قيل : وأظهر منها الصحيحة الأُولى‏ المستثنية لحصّة السلطان ، إذ المقام فيها مقام البيان واستثناء ما عسى‏ أن‏
1 ـ المنتهى 1 : 500.
2 ـ الخلاف 2 : 66 ، الجامع للشرائع : 134.
3 ـ كالسبزواري في الذخيرة : 442.
4 ـ منهم صاحب المدارك 5 : 141 ، والسبزواري في الذخيرة : 442.


(97)
يتوهم اندراجه في العموم (1).
    وفي الجميع نظر :
    أمّا الإجماع فلوهنه بمصير معظم الأصحاب على‏ خلافه ، ومنهم : المفيد ، والشيخ في النهاية والاستبصار ، والصدوق ، والسيّدان في الجمل والغنية ، والحلّي في السرائر (2) ، فكيف يمكن الاعتماد على‏ مثله ، سيّما وأن يكون دعواه بلفظ إجماع المسلمين. ولا يبعد أن يكون المراد بوجوب المؤونة على‏ ربّ المال في عبارة ناقله غير المعنى‏ المعروف في البحث وهو اختصاصه بخسارتها دون الفقراء ، بل المراد تعلّق الوجوب بإخراجها أوّلاً به دون الفقراء ، وهو لا ينافي احتسابها عليهم بمقدار حصّتهم بعد إخراجها ، كذا ذكره بعض الأصحاب (3) جامعاً به بين عبارتي المبسوط (4) ـ على‏ ما وجدهما فيه ـ دالّة إحداهما على‏ ما في النهاية والأُخرى على‏ ما في الخلاف.
    وأمّا العمومات فيجب تخصيصها بما مرّ ، إن لم يناقش في دلالتها بورودها لبيان حكم آخر وهو التفصيل بين ما يجب فيه العشر ونصفه ، ولذا لم تُستثنَ فيها جملة أو أكثرها ما وقع الاتفاق على‏ استثنائه (5) ، هذا. ودعوى‏ أظهريّة الصحيحة دلالةً (6) ممنوعة ، فإنّها وإن اتّجهت من الوجه‏
1 ـ المدارك 5 : 141.
2 ـ المقنعة : 236. النهاية : 178 ، الاستبصار 2 : 25 ، الفقيه 2 : 18 ، المقنع : 48 ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 78 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 567 ، السرائر 1 : 447.
3 ـ الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( مخطوط ).
4 ـ وهو العذق والعذقان للحارس ، وحصّة السلطان. منه رحمه الله.
5 ـ كما في المدارك 5 : 143.


(98)
الذي ذكره ، إلّا أنّها تنعكس دلالةً بملاحظة قوله عليه السلام : « إنّما عليك العشر فيما حصل في يدك بعد مقاسمته لك » (1) بناءً على‏ أنّ مقاسمة السلطان لا تكون عادة إلّا بعد إخراج المؤن من نفس الزرع كما قيل (2) ، وعليه فالحاصل في يده حينئذٍ ليس إلّا ما عدا المؤن ولعلّه لذا جعلها الشيخ في الاستبصار وغيره (3) دليلاً على‏ المختار ، وهو غير بعيد.
    وربما يستشهد لهذا القول بالنصوص الدالّة على‏ لزوم العُشر فيما المؤونة فيه أقلّ ، ونصفه فيما المؤونة فيه أكثر (4) ولعلّه بناءً على‏ السؤال المشهور من أنّ الزكاة إذا كانت لا تجب إلّا بعد إخراج المؤن فأيّ فارق بين ما كثرت مؤونته وقلّت حتى وجب في أحدهما العُشر وفي الآخر نصفه ؟
    وفيه نظر ، لإمكان الاستشهاد بها أيضاً للقول الآخر بتقريب أنّ المؤونة لو كانت على‏ ربّ المال لما توجّه تنصيف العشر فيما كثرت فيه.
    والجواب بخروج هذه المؤونة بالنصّ معارض بالمثل. وهذا هو الجواب المشهور الموعود به وبسؤاله فيما سبق.
    و بالجملة : الحقّ أنّه لا شهادة لهذه النصوص على‏ شي‏ء من القولين لكونها متّفقاً عليها بين الفريقين مخصَّصاً بها عموم أدلّة الطرفين.
    قال شيخنا في الروضة : والمراد بالمؤونة ما يغرمه المالك على‏ الغلّة من ابتداء العمل لأجلها وإن تقدّم على‏ عامها إلى‏ تمام التصفية ويبس‏
1 ـ راجع ص : 93.
2 ـ الظاهر هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( مخطوط ).
3 ـ الاستبصار 2 : 25 ؛ وانظر التهذيب 4 : 36.
4 ـ الوسائل 9 : 182 أبواب زكاة الغلاّت ب 4.


(99)
الثمرة ، ومنها البذر ، ولو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة. ويعتبر النصاب بعد ما تقدّم منها على‏ تعلّق الوجوب ، وما تأخّر عنه يستثنى‏ ولو من نفسه ، ويزكّي الباقي وإن قلّ ، وحصّة السلطان كالثاني. ولو اشترى‏ الزرع أو الثمرة فالثمن من المؤونة ، ولو اشتراها مع الأصل وزّع الثمن عليهما كما توزّع المؤونة على‏ الزكوي وغيره لو جمعهما ، ويعتبر ما غرمه بعده ويسقط ما قبله ، كما يسقط اعتبار المتبرّع وإن كان غلامه أو ولده ، انتهى‏ (1).
    وهو حسن ، إلّا أن ما اختاره في اعتبار استثناء المؤونة من التفصيل بين ما تقدّم منها على‏ تعلّق الوجوب فتُستثنى‏ من نفس الغلّة حتى لو لم يبق بعده نصاب لم يجب زكاة ، وما تأخّر عنه فتُستثنى‏ من النصاب إن بلغته الغلّة ولو مع المؤونة فتجب زكاة ما بقي منه بعد استثنائها وإن قلّ خلاف المشهور بين الأصحاب ، وإن اختلفوا في اعتباره ، فبين من جعله بعد النصاب مطلقاً (2) كالفاضل في التذكرة فيما حكاه عنه في المدارك واختاره (3) ، وبين من عكس كهو في المنتهى‏ والتحرير ، والماتن في المعتبر في الخراج ، والحلّي وابن زهرة وغيرهم (4) ، ولعلّه المشهور ، ودلّ عليه الرضوي المتقدّم (5) الذي هو الأصل في المسألة.
    ولعلّه الأظهر وإن كان الأحوط ما في التذكرة ثم ما في الروضة ، وأحوط من الكل عدم استثناء المؤونة بالكليّة خروجاً عن شبهة الخلاف‏
1 ـ الروضة 2 : 36.
2 ـ أي سواه كانت المؤونة متقدمة على تعلّق الوجوب أو متأخرة عنه. منه رحمه الله.
3 ـ التذكرة 1 : 220 ، المدارك 5 : 145.
4 ـ المنتهى 1 : 500 ، التحرير : 63 ، المعتبر 2 : 540 ، السرائر 1 : 434 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 567 ؛ وانظر المهذب 1 : 166 ، والحدائق 12 : 130.
5 ـ في ص : 94.


(100)
ومن حذا حذوه.

    اعلم : أنّه [ يشترط في مال التجارة الحول ] (1) السابق.
    [ وأن يطلب برأس المال أو الزيادة في الحول كلّه ] فلو طلب المتاع بأنقص منه وإن قلّ في بعض الحول فلا زكاة وإن كان ثمنه أضعاف النصاب ، وإذا طلبه به فصاعداً استأنف الحول.
    [ وأن تكون قيمته ] تبلغ [ نصاباً ] (2) لأحد النقدين إن كان أصله عروضاً ، وإلّا فنصاب أصله وإن نقص بالآخر.
    [ فيخرج الزكاة حينئذٍ ] أي عند اجتماع هذه الشروط الثلاثة [ عن قيمته ] ربع العُشر [ دراهم أو دنانير ].
    ولا خلاف في شي‏ء من هذه الشروط أجده ، بل على‏ ما عدا الثاني منها أنّه قول فقهاء الإسلام في المعتبر والمنتهى‏ ، وعليه فيهما أنّه مذهب علمائنا أجمع (3) ، وفيهما أيضاً وعن التذكرة أنّ اعتبار بقاء النصاب طول الحول مذهبهم أيضاً (4) ، وبه صرّح في المدارك بزيادة قوله : وأكثر العامة (5).
    وهذه العبارات كلها ظاهرة في الإجماع بل كالصريحة فيه ، وبه صرّح‏
1 ـ أي أحد عشر شهراً مع الدخول في الثاني عشر. منه رحمه الله.
2 ـ في المختصر المطبوع زيادة : فصاعداُ.
3 ـ المعتبر 2 : 544 ، 550 ، المنتهى 1 : 507 ، 508.
4 ـ المعتبر 2 : 550 ، المنتهى 1 : 507 ، التذكرة 1 : 227.
5 ـ المدارك 5 : 167.


(101)
أيضاً في المدارك وغيره في الأوّل (1) ، والفاضل في النهاية في الأخير على‏ ما حكاه عنه في الذخيرة (2) وهو كافٍ في الحجة ، مضافاً إلى‏ الأصل والمعتبرة المستفيضة في الأوّلين.
    ففي الصحيح : عن رجل اشترى‏ متاعاً فكسد عليه ، وقد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع ، متى يزكّيه ؟ فقال : « إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال » قال : وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها ، فقال : « إذا حلّ عليه الحول فليزكّها » (3).
    وفيه : « إن كنت تربح فيه شيئاً أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة ، وإن كنت إنّما تربّص به لأنك لا تجد إلّا وضيعة فليس عليه زكاة حتى يصير ذهباً أو فضّة ، فإذا صار ذهباً أو فضّة تزكيه للسنة التي اتّجر فيها » (4).
    وما فيه وفي الموثق (5) ـ من الأمر بتزكيته لسنة واحدة مع النقيصة إذا مضت عليه سنتان أو سنون عديدة ـ فمحمول على‏ الاستحباب ، كما صرّح به جماعة (6) ، جمعاً بين الأدلّة مع قصورهما سنداً بالإضمار في الأوّل ، وعدم إيمان بعض رواة الثاني ، فلا يقاومان إطلاق ما دلّ على‏ نفي الزكاة مع‏
1 ـ المدارك 5 : 167 ؛ وانظر الذخيرة : 449 ، والحدائق 12 : 146.
2 ـ الذخيرة : 449 ، وهو في نهاية الاحكام 2 : 346.
3 ـ الكافي 3 : 528 / 2 ، التهذيب 4 : 68 / 186 ، الاستبصار 2 : 10 / 29 ، الوسائل 9 : 71 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 3 بتفاوت يسير.
4 ـ الكافي 3 : 529 / 9 ، التهذيب 4 : 69 / 187 ، الاستبصار 2 : 10 / 30 ، الوسائل 9 : 70 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 1.
5 ـ الكافي 3 : 528 / 3 ، الوسائل 9 : 72 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 6.
6 ـ منهم الشيخ في التهذيب 4 : 75 ، والاستبصار 2 : 11 ، والعلّامة في نهاية الإحكام 2 : 365.


(102)
النقيصة من الفتوى‏ والرواية ، مضافاً إلى‏ الإجماعات المحكية.
    وأمّا تقدير النصاب هنا بنصاب أحد النقدين دون غيرهما فلم أجد من النصوص عليه دلالة ، نعم ربما يستشعر ذلك من بعضها ، بل في المدارك : أنّ ظاهر الروايات أنّ هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر نصابهما ويتساويان في قدر المخرَج (1) وفي الذخيرة بعد نقله عنه : وللتأمّل فيه مجال وإن كان لما ذكره وجه (2) ، انتهى‏. وهو حسن.
    وكيف كان فالحكم ممّا لا إشكال فيه بعد عدم ظهور خلاف فيه ، بل قيل : إنّه متفق عليه بين الخاصّة والعامّة (3).
    واعلم : أنّه يعتبر زيادةً على‏ هذه الشروط ما مرّ من الشروط العامة.
    وهل يشترط بقاء عين السلعة طول الحول كما في المال ، أم لا فتثبت الزكاة وإن تبدّلت الأعيان مع بلوغ القيمة النصاب ؟
    قولان ، ظاهر الأصل والنصوص هو الأوّل كما عن الصدوق والمفيد (4) ، وعليه الماتن في الشرائع وغيره (5).
    خلافاً للفاضل وولده ومن تأخّر عنهما (6) ، كما في المدارك ، قال : وادّعيا عليه في التذكرة والشرح الإجماع (7). وهو ضعيف.
    وظاهر المتن تعلّق الزكاة بالقيمة لا بالسلعة ، كما صرّح به في‏
1 ـ المدارك 5 : 167.
2 ـ الذخيرة : 449.
3 ـ الحدائق 12 : 146.
4 ـ المقنع : 52 ، الفقيه 2 : 11 ، المقنعة : 239.
5 ـ الشرائع 1 : 157 ، المعتبر 2 : 547.
6 ـ كما في التذكرة 1 : 229 ، الايضاح 1 : 187 ، البيان : 307 ، المسالك 1 : 58.
7 ـ المدارك 5 : 172.


(103)
الشرائع (1) ، وتبعه الفاضل في المنتهى‏ وغيره (2) ، وعزاه في المدارك إلى‏ الشيخ وأتباعه (3) والحجّة عليه غير واضحة عدا أمر اعتباري ضعيف ، وروايةٍ قاصرة الدلالة (4) ، فلا يصلحان صارفاً لظواهر جملة من النصوص الدالة على‏ تعلّقها بعين مال التجارة (5) ولعلّه لذا جعل الماتن مدلولها في المعتبر مع جواز العدول إلى‏ القيمة بدلاً عن الزكاة أنسب بالمذهب ، ونفى عنه البأس في التذكرة ، على‏ ما نقله عنهما في المدارك واستحسنه (6).
     [ ويشترط في ] زكاة [ الخيل حول الحول ] السابق عليها [ والسوم ، وكونها إناثاً ] بإجماعنا الظاهر المصرّح به في التذكرة والمنتهى‏ (7) ، وقد مرّ الصحيح (8) المستفاد منه اعتبار الثلاثة في بحث عدم الزكاة مطلقاً فيما عدا الخيل والحمول الثلاثة.
    وحيث اجتمعت الشروط الثلاثة [ فيخرج عن العتيق ] الذي أبواه عربيان كريمان [ ديناران ، وعن البِرْذَون ] الذي هو خلافه [ دينار ] واحد بلا خلاف للصحيح : « وضع أمير المؤمنين عليه السلام على‏ الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين ، وجعل على‏ البراذين ديناراً » (9).
1 ـ الشرائع 1 : 157.
2 ـ المنتهى 1 : 508 ؛ وانظر نهاية الا ِحكام 2 : 365.
3 ـ المدارك 5 : 173.
4 ـ الكافي 3 : 516 / 8 ، التهذيب 4 : 93 / 269 ، الاستبصار 2 : 39 / 121 ، الوسائل 9 : 139 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 7.
5 ـ الوسائل 9 : 70 و 74 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 و 14.
6 ـ المدارك 5 : 173 ، وهو في المعتبر 2 : 547 ، والتذكرة 1 : 228.
7 ـ التذكرة 1 : 230 ، المنتهى 1 : 510.
8 ـ في ص : 32.
9 ـ الكافي 3 : 150 / 1 ، التهذيب 4 : 67 / 183 ، الاستبصار 2 : 12 / 34 ، الوسائل


(104)
     [ و ] كلّ [ ما يخرج من الأرض ممّا تستحب فيه الزكاة حكمه حكم الأجناس الأربعة في اعتبار السقي ] المؤن [ وقدر النصاب وكمّية الواجب ] إخراجه منها ، بلا خلاف فيه أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (1) ، وفي المدارك أنّه متّفق عليه بين الأصحاب (2) ، بل قال في المنتهى‏ : إنّه لا خلاف فيه بين العلماء (3) ، مؤذناً بدعوى‏ الإجماع عليه وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ الصحاح المستفيضة في اعتبار النصاب والسقي.
    ففي الصحيح : إنّ لنا رطبة وأُرزاً ، فما الذي علينا فيها ؟ فقال عليه السلام : « أمّا الرطبة فليس عليك فيها شي‏ء ، وأمّا الأرز فما سَقَت السماء العُشر وما سقي بالدلو فنصف العشر من كلّ ما كِلت بالصاع » أو قال : « وكيل بالمكيال » (4).
    وفي آخر : « الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة » (5).
    ولا قائل بالفرق ، مع أنّ في بعضها : « كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب » (6).
    وعموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الشروط المزبورة.
9 : 77 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 16 ح 1.
1 ـ الذخيرة : 451.
2 ـ المدارك 5 : 159.
3 ـ المنتهى 1 : 510.
4 ـ الكافي 3 : 511 / 5 ، الوسائل 9 : 62 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 2.
5 ـ التهذيب 4 : 65 / 177 ، الوسائل 9 : 64 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 10.
6 ـ الكافي 3 : 511 / 4 ، الوسائل 9 : 61 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 1.


(105)
    اعلم : أنّه فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلّات : التسمية أو الاحمرار والاصفرار والانعقاد على‏ ما مرّ من الخلاف (1).
    وأمّا ما يعتبر فيه فقد مرّ (2) أيضاً أنّه [ إذا أهلّ ] الشهر [ الثاني عشر وجبت الزكاة ] بلا خلاف ، وإن اختلف في استقرار الوجوب به كما هو ظاهر النصّ والفتاوى‏ بالتقريب الماضي ، أو تزلزله وعدم استقراره إلّا بتمام الحول اللغوي والعرفي كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (3) ، ولكنّه نادر ، حتى أن سبطه في المدارك قال : إنّه لم يعرف له من السلف موافق (4).
     [ ويعتبر ] استكمال [ شرائط الوجوب ] من النصاب وإمكان التصرف والسوم في الماشية وكونها دراهم أو دنانير منقوشة في الأثمان [ فيه ] (5) أي في الحول ـ المدلول عليه بالسياق ـ لا الشهر الثاني عشر ، بلا خلاف ولا إشكال.
     [ وعند الوجوب ] واستقراره [ يتعيّن دفع الواجب ] مطلقاً حتى في الغلّات إن جعلنا وقته فيها ووقت الإخراج واحداً وهو التسمية بأحدها
1 ـ في ص : 84.
2 ـ في ص : 43.
3 ـ كما في المسالك 1 : 53.
4 ـ المدارك 5 : 73.
5 ـ في النافع زيادة : كلّه.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس