رياض المسائل الجزء الخامس ::: 106 ـ 120
(106)
عرفاً كما هو مختار الماتن (1) ، وإلّا كما هو المشهور فالوقتان متغايران.
    ويمكن أن يريد بوقت الوجوب وجوب الإخراج لا وجوب الزكاة وإن خالف ظاهر العبارة ليناسب مذهب الكل ، إذ على‏ التفصيل يجوز التأخير عن أوّل وقت الوجوب إلى‏ وقت الإخراج إجماعاً كما مضى ، وبه صرّح في الروضة هنا (2).
     [ و ] أمّا بعد وقت الإخراج فـ [ لا يجوز تأخيره ] مطلقاً [ إلّا لعذر كانتظار المستحق وشبهه ] من خوفٍ أو غيبة المال ، فيجوز التأخير حينئذٍ بلا خلاف (3).
    وأمّا عدم الجواز لغير عذر فهو الأشهر بين أصحابنا ، حتى أنّ الفاضل في المنتهى‏ عزاه إلى‏ علمائنا (4) ، مؤذناً بدعوى‏ الإجماع عليه ، كما هو ظاهر الغنية أيضاً (5) وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ المعتبرة المستفيضة كما ادّعاه المفيد في المقنعة (6).
    منها ـ زيادةً على‏ ما يأتي من الصحيح المشبِّه للزكاة بالصوم في عدم جواز التأخير عن وقته إلّا قضاءً ونحوه الرضوي الآتي (7) ـ الصحيح : عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات ، أيؤخرّها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال : « متى حلّت أخرجها » (8).
1 ـ راجع ص : 84 ، والشرائع 1 : 153 ، والمعتبر 2 : 534.
2 ـ الروضة 2 : 38.
3 ـ في « ح » زيادة : بل عليه الإجماع في المنتهى 1 : 511.
4 ـ المنتهى 1 : 510.
5 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
6 ـ المقنعة : 240.
7 ـ في ص : 112.
8 ـ الكافي 3 : 523 / 4 ، الوسائل 9 : 306 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 1.


(107)
    والخبر المروي في آخر السرائر نقلاً عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب بسندٍ فيه ضعف بالجوهري ، ولكنّه بالشهرة مجبور ـ : « وليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها » (1).
    [ وقيل ] والقائل الشيخ في النهاية (2) : [ إذا عزلها ] عن ماله [ جاز تأخيرها شهراً أو شهرين ] للصحيح : « لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين » (3).
    وإطلاقه وإن اقتضى‏ جواز تأخيرها إلى‏ الشهرين مطلقاً ، لكنّه مقيّد بصورة العزل ، للموثق : زكاتي تحلّ في شهر ، أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني ؟ فقال : « إذا حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشي‏ء ، ثم أعطها كيف شئت » قال ، قلت : فإن أنا كتبتها وأثبتّها أيستقيم لي ؟ قال : « نعم لا يضرّك » (4).
    وإطلاقه بجواز التأخير مع العزل مقيّد بما إذا لم يتجاوز المدة ، للصحيحة. وبه تصرف المستفيضة المتقدّمة عن ظواهرها ، بحمل الإخراج المستفاد منها لزومه فوراً على‏ العزل لا الدفع ، أو يحمل على‏ الاستحباب.
    وفيه : أنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود في هذين الخبرين ، لأرجحيّة ما ما قابلهما بالاستفاضة والشهرة وحكاية الإجماع المتقدمة ؛ مع‏
1 ـ مستطرفات السرائر : 99 / 25 ، الوسائل 9 : أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 4.
2 ـ النهاية : 183.
3 ـ التهذيب 4 : 44 / 114 ، الاستبصار 2 : 32 / 96 ، الوسائل 9 : 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 11.
4 ـ الكافي 3 : 522 / 3 ، التهذيب 4 : 45 / 119 ، الوسائل 9 : 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 2.


(108)
قوة احتمال ورود صحيحهما للتقية ، فقد حكاه في المنتهى‏ عن أبي حنيفة وغيره من العامة (1) ، وهما وإن أطلقا جواز التأخير ما لم يطالب فيعمّ ما لو تأخّر عن المدّة ، لكن تحديد التأخير بها في الصحيح يحتمل التمثيل ، لورود أخبار أُخر في التعجيل والتأخير بها وبزيادة من ثلاثة كما في بعضها (2) ، أو أربعة كما في آخر (3) ، أو خمسة كما في غيرها (4) ، وليس ذلك إلّا لعدم الحصر في مدّة ، ويعضده خلوّ الموثقة عن التقييد بها بالكلية.
    ولعلّه لذا افتى‏ الشهيد في الدروس (5) بجواز التأخير مطلقاً لانتظار الأفضل ، أو التعميم من غير تقييد بمدّة ، وكذا في البيان (6) بزيادة التأخير لمعتاد الطلب بما لا يؤدّي إلى‏ إهمال.
    لكنّه محلّ نظر أيضاً ، لتضمّن الموثق الأمر بالعزل ، وهو لم يذكره أصلاً ، وعمومه بجواز التأخير بعد العزل من غير تقييد بكونه لانتظار الأفضل ونحوه وهو قد قيّده به ، هذا.
    مع أنّ الخبرين قد تضمّنا ما لا يقول به الشيخ ، لتضمّن الأوّل جواز تعجيل الزكاة ، والثاني جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة والإثبات ، ولم يذكره هو ، إلّا أن يكون مراده بالعزل ما يعمّه ، هذا.
1 ـ المنتهى 1 : 510.
2 ـ الكافي 3 : 523 / 7 ، التهذيب 4 : 45 / 118 ، مستطرفات السرائر : 99 / 24 ، الوسائل 9 : 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 53 ح 1.
3 ـ المقنعة : 240 ، الوسائل 9 : 303 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 13.
4 ـ التهذيب 4 : 44 / 115 ، الاستبصار 2 : 32 / 97 بتفاوت فيهما ، الوسائل 9 : 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 12.
5 ـ الدروس 1 : 245.
6 ـ البيان : 324.


(109)
    ويمكن الجمع بينهما وبين المستفيضة بإبقائها على‏ حالها وتقييدهما بحال العذر والضرورة ، ولا ريب أنّ هذا الجمع أقوى ، لما مضى (1).
    وظاهر الحلّي جواز التأخير إيثاراً لبعض المستحقين ، وإن ضمن مع التلف ولو بغير تفريط ، ولا يأثم بغير خلاف ، وادّعى‏ بعد ذلك أيضاً الإجماع صريحاً ، قال : لأنّه لا خلاف بينهم في أنّ للإنسان أن يخصّ بزكاته فقيراً دون فقير ، ولا يكون مخلّاً بواجب ولا فاعلاً لقبيح (2).
    وفي ثبوت الإجماع بمثل هذا التعليل ما ترى ، مع أنّه موهون جدّاً بمصير الأكثر إلى‏ خلافه كما مضى.
    ولشيخنا الشهيد الثاني هنا قول آخر قد تبعه فيه سبطه ومَن عنهما تأخّر (3) ، وهو جواز التأخير لشهرٍ وشهرين مطلقاً (4) ولعلّه للصحيح الماضي سنداً للشيخ ، وقد مرّ ما فيه.
    والعجب ممّن تبعه في الاستدلال عليه بما دلّ على‏ جواز التقديم والتأخير زيادة على‏ الشهرين من ثلاثة أشهر أو أربعة ، مع أنّهم لم يذكروها بالكليّة ، اللّهم إلّا أن يكون ذكرهم الشهرين تمثيلاً لا حصراً كما مضى.
    [ و ] كيف كان [ الأشبه أنّ جواز التأخير مشروط بالعذر فلا يتقدّر بغير زواله ] مطلقاً (5).
    [ ولو أخّر ] الدفع [ مع إمكان التسليم ضمن ] بلا خلاف أجده‏
1 ـ من رجحان المستفيضة بما عرفته. منه رحمه الله.
2 ـ السرائر 1 : 454.
3 ـ الروضة 2 : 39 ، المدارك 5 : 289 ، الذخيرة : 428.
4 ـ من غير تقييد بعذر ولا بنتطار الأفضل ونحوه. منه رحمه الله.
5 ـ أي لا شهر ولا شهرين ولا مع مراعاة الأفضل ونحوه. منه رحمه الله.


(110)
حتى ممن جوّز التأخير لغير عذر ، كالحلّي وغيره (1) ، فقد صرّحا بهذا الحكم للنصوص.
    منها الصحيح : رجل بعث بزكاة ماله لتُقسم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسم ؟ قال : « إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى‏ أهلها فليس عليه ضمان ، لأنّها قد خرجت من يده ، وكذلك الوصي الذي يوصى‏ إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أُمر بدفعه إليه ، فإن لم يجد فليس عليه ضمان » (2).
    ونحوه الصحيح الآتي في الضمان بنقلها من البلد مع وجود المستحق ، وغيره (3).
    وفي هذه النصوص تأييد لما قدّمناه من عدم جواز التأخير لغير عذر مطلقاً ، لبُعد الضمان مع كون التأخير برخصة الشارع ، بل الظاهر أنّه من حيث الإثم به وعدم رخصة من الشارع فيه.
    وما دلّ عليه الصحيح الأوّل من انسحاب الحكم في الوصي بالتفرقة لها قد صرّح به جماعة (4) من غير خلاف بينهم أجده ، وألحقوا به الوكيل والوصي بتفرقة غيرها ، وصرّحوا بجواز التأخير لهما أيضاً مع خوف الضرر ولو مع وجود المستحق. ولا ريب فيه ، لاتّحاد الدليل ، وهو عموم نفي‏
1 ـ السرائر 1 : 454 ؛ وانظر الروضة 2 : 38.
2 ـ الكافي 3 : 553 / 1 ، الفقيه 2 : 15 / 46 ، التهذيب 4 : 47 / 125 ، الوسائل 9 : 285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1.
3 ـ في ص : 115.
4 ـ منهم المحقق في الشرائع 1 : 165 ، والعلّامة في التحرير 1 : 66 ، والشهيد في الدروس 1 : 245.


(111)
الضرر.
    وهل الحكم بالضمان بالتأخير مع التمكن من الدفع يعمّ ما لو كان لتعميمها لمستحق البلد مع كثرتهم وغيره كما هو ظاهر إطلاق النصّ والفتوى‏ ، أم يختص بالثاني ؟ وجهان : من الإطلاق ، وقوّة احتمال اختصاصه بالثاني بحكم التبادر وغيره ، فإنّ التأخير في الأوّل لا يسمّى‏ تأخيراً عرفاً.
    ولعلّ هذا هو الأقوى‏ ، وفاقاً لبعض المتأخّرين (1) خلافاً للفاضل فبقي على‏ التردّد في التحرير والمنتهى‏ (2). وممّا ذكرنا يظهر جواز هذا التأخير كما قطع به في الكتابين أيضاً.
     [ ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب ] بنيّتها [ على أشهر الروايتين ] وأظهرهما ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا ، بل وقدمائهم أيضاً ، إلّا ما يُحكى‏ عن ظاهر العماني والديلمي (3) ، وعبارته المحكيّة غير صريحة فيه ولا ظاهرة ، بل ولا مشعرة وإن ادّعاه الفاضل في المختلف (4) ، وعلى‏ تقدير ثبوت المخالفة فهما نادران ، بل على‏ خلافهما الإجماع في الخلاف (5) وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ الأُصول والنصوص.
    منها الصحيح : الرجل يكون عنده المال أيزكّيه إذا مضى نصف السنة ؟ قال : « لا ، ولكن حتى يحول عليه الحول وتحلّ عليه ، إنّه ليس لأحدٍ أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها ، وكذلك الزكاة ، ولا يصومنّ أحد شهر
1 ـ المدارك 5 : 291.
2 ـ التحرير 1 : 66 ، المنتهى 1 : 511.
3 ـ حكاه عن العماني في المختلف : 188 ، الديلمي في المراسم : 128.
4 ـ المختلف : 188.
5 ـ الخلاف 2 : 43.


(112)
رمضان إلّا في شهره إلّا قضاءً ، وكلّ فريضة إنّما تؤدّى‏ إذا حلّت » (1).
    والصحيح : أيزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة ؟ قال : « لا ، أيصلّي الاولى‏ قبل الزوال ؟! » (2) و
    الرواية الثانية كثيرة ، لكنّها مع ندرتها وضعف جملة منها مختلفة في تحديد مدّة التعجيل ، فبين محدّدٍ لها بشهرٍ وشهرين خاصة ، كالصحيح المتقدم إليه الإشارة (3) ، أو ثلاثة بل وأربعة كالصحيح : إنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم ، فيعجّلها في شهر رمضان ؟ قال : « لا بأس » (4) أو بخمسة كما في رواية (5) ، أو من أوّل السنة كما في أُخرى (6) ، غير مكافأة لما مرّ من الأدلّة.
    فلتطرح ، أو تحمل على‏ التقية ، فقد حكي جواز التعجيل في المعتبر والمنتهى‏ عن أحمد والشافعي وأبي حنيفة (7).
    ولا ينافيه تحديد جملة منها التعجيل بمدّةٍ مع أنّه لم يُحكَ عنهم التحديد بها ، لأنّ اختلافها فيها لعلّه كاشف عن كون التحديد بها تمثيلاً لا حصراً.
1 ـ الكافي 3 : 523 / 8 ، التهذيب 4 : 43 / 110 ، الاستبصار 2 : 31 / 92 ، الوسائل 9 : 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 2 بتفاوت يسير.
2 ـ الكافي 3 : 524 / 9 ، التهذيب 4 : 43 / 111 ، الاستبصار 2 : 32 / 93 ، الوسائل 9 : 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 3.
3 ـ في ص : 107.
4 ـ التهذيب 4 : 44 / 112 ، الاستبصار 2 : 32 / 94 ، الوسائل 9 : 301 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 9.
5 ـ التهذيب 4 : 44 / 115 ، الاستبصار 2 : 32 / 97 بتفاوت في النص ، الوسائل 9 : 302 أبواب المستحقين ببزكاة ب 49 ح 12.
6 ـ التهذيب 4 : 44 / 113 ، الاستبصار 2 : 32 / 95 ، الوسائل 9 : 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 10.
7 ـ المعتبر 2 : 554 ، المنتهى 1 : 511.


(113)
    أو على‏ كون التعجيل قرضاً ، لجوازه بل استحبابه اتّفاقاً ، فتوىً ونصّاً ، كما سيأتي ، ويشهد له الرضوي : « إنّي أروي عن أبي عليه السلام في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر (1) ، إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك ، ولا يجوز لك تقديمها ولا تأخيرها لأنّها مقرونة بالصلاة ، ولا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها إلّا أن يكون قضاءً ، وكذلك الزكاة ، وإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئاً تفرج به عن مؤمن فاجعلها ديناً عليه ، فإذا حلّت وقت الزكاة فاحسبها له زكاة ، فإنّه يحسب لك من زكاة مالك ويكتب لك أجر القرض والزكاة » (2).
    ولا ينافيه أيضاً التحديد بالمدة لما عرفته.
     [ ويجوز ] بل يستحب [ دفعها إلى‏ المستحق ] بل مطلقاً [ قرضاً واحتساب ذلك عليه من الزكاة إن تحقق الوجوب ] بدخول وقته مع حصول شرائطه [ وبقي القابض ] لها [ على‏ صفة الاستحقاق ] أو حصلت لما مرّ من الرضوي.
    مضافاً إلى‏ النصوص المستفيضة المنجبر ضعف أسانيدها بالشهرة ، منها : إنّي رجل موسر ويجيئني الرجل ويسألني الشي‏ء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال عليه السلام له : « القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة ، وما ذا عليك إن كنت كما تقول موسراً أعطيته ؟ فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة ، يا عثمان لا تردّه فإنّ ردّه عند اللَّه عظيم » (3).
    ومنها : « قرض المؤمن غنيمة وتعجيل خير ، إن أيسر أدّى وإن مات‏
1 ـ في المصدر زيادة : أو ستة أشهر.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 197 ، المستدرك 7 : 130 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
3 ـ الكافي 4 : 34 / 4 ، الوسائل 9 : 300 أبواب المستحقين ب 49 ح 2 بتفاوت يسير.


(114)
احتسب من الزكاة » (1).
    وفيها تأييد ما للمختار من المنع عن تقديمها زكاة كما لا يخفى‏.
    وكما يجوز احتسابه عليه من الزكاة مع بقائه على‏ صفة الاستحقاق كذا يجوز مطالبته بعوضه ودفعه إلى‏ غيره ، ودفع غيره إلى‏ غيره لأنّ حكمه حكم الديون مع عدم ظهور ما يخالفه من النصوص ، إذ غايتها جواز الاحتساب عليه من الزكاة لا وجوبه ، وبهذا الحكم صرّح جماعة من الأصحاب من غير خلاف (2).
    [ ولو تغيّر حال المستحق ] عند تحقق الوجوب بأن صار غنيّاً مثلاً أو فُقِد فيه أحد شروط الاستحقاق [ استأنف المالك الإخراج ] بلا خلاف ولا إشكال على‏ المختار من عدم جواز التعجيل إلّا قرضاً ، وكذا على‏ غيره ، وفاقاً للمنتهى‏ وغيره (3) ، قالا : لأنّ الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقاً فكذا القابض. وفيه نظر.
    نعم في الصحيح : رجل عجّل زكاة ماله ثم أيسر المعطى‏ قبل رأس السنة ، فقال : « يعيد المعطي الزكاة » (4).
     [ ولو عُدِم المستحق في بلده نقلها ] إلى‏ غيره جوازاً بل وجوباً [ ولم يضمن لو تلف ] بغير تفريط [ ويضمن لو نقلها مع وجوده ] فيه ، بغير خلاف في شي‏ء من ذلك أجده ، وبه صرّح جماعة ، مؤذنين بدعوى‏
1 ـ الكافي 3 : 558 / 1 ، الفقيه 2 : 32 / 127 ، الوسائل 9 : 299 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 1.
2 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 557 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 512 ، وصاحب المدارك 5 : 297.
3 ـ المنتهى 1 : 512 ؛ وانظر المدارك 5 : 296.
4 ـ الكافي 3 : 545 / 2 ، الفقيه 2 : 15 / 44 ، التهذيب 4 : 45 / 117 ، الاستبصار 2 : 33 / 99 ، الوسائل 9 : 304 أبواب المستحقين للزكاة ب 50 ح 1.


(115)
الإجماع عليه ، كما في صريح الخلاف في الجميع (1) ، والمنتهى‏ في الثاني (2) وهو الحجّة مضافاً إلى‏ الأُصول والنصوص.
    ومنها : الصحيحان الماضي أحدهما قريباً (3) ، وفي الثاني : عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت ، فقال : « ليس على‏ الرسول ولا على‏ المؤدّي ضمان » قلت : فإن لم يجد لها أهلًا ففسدت وتغيّرت ، أيضمنها ؟ قال : « لا ، ولكن إن عرف لها أهلًا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها » (4).
    وعليهما ينزّل إطلاق ما دلّ على‏ نفي الضمان كالموثق : الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى‏ أرض فيقطع عليه الطريق ، فقال : « قد أجزأت عنه ، ولو كنت أنا لأعدتها » (5) والحسن : « ليس عليه شي‏ء » (6) بحملهما على‏ صورة النقل مع عدم المستحق.
    وفي جواز النقل في غير هذه الصورة (7) أم تحريمه قولان.
    من الأصل ، واستفاضة النصوص بالجواز على‏ الإطلاق ، ومنها الصحيح : في الرجل يعطي الزكاة ليقسّمها ، إله أن يخرج الشي‏ء منها من البلدة التي هو فيها إلى‏ غيره ؟ قال : « لا بأس » (8).
1 ـ الخلاف 2 : 28.
2 ـ المنتهى 1 : 529.
3 ـ في ص : 110.
4 ـ الكافي 3 : 553 / 4 ، التهذيب 4 : 48 / 126 ، الوسائل 9 : 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 2.
5 ـ الكافي 3 : 554 / 9 ، الوسائل 9 : 287 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 6.
6 ـ الكافي 3 : 554 / 5 ، التهذيب 4 : 47 / 124 ، الوسائل 9 : 287 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 5.
7 ـ وهو صورة النقل مع وجود المستحق. منه رحمه الله.
8 ـ الكافي 3 : 554 / 7 ، الفقيه 2 : 16 / 50 ، الوسائل 9 : 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 1.


(116)
    ومن أنّ فيه نوع خطر وتغرير بالزكاة وتعريضاً لإتلافها مع إمكان إيصالها إلى‏ مستحقّها ، فيكون حراماً ، وأنّه مناف للفوريّة.
    وعلى‏ هذا الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (1) ، كما هو ظاهر التذكرة حيث عزاه إلى‏ علمائنا (2). فإن تمّ إجماعاً ، وإلّا كما هو الظاهر لمصير الناقلين له إلى‏ الجواز في جملة من كتبهما (3) ، وعزاه في المنتهى‏ إلى‏ شيخنا المفيد والشيخ في كتبه واختاره (4) ، وفي المختلف إليه في المبسوط بشرط الضمان ، وإلى ابن حمزة مع الكراهة واستقربه (5) فالأوّل أقوى لما مضى ، وضعفِ الوجهين للمنع ، فالأوّل باندفاعه بالضمان ، والثاني بمنعه ، لأنّ النقل شروع في الإخراج فلم يكن منافياً للفورية.
    هذا إن قلنا بوجوبها (6) كما هو الأقوى‏ ، وإلّا فهو غير متوجّه من أصله جدّاً.
    نعم الأحوط الثاني لشبهة دعوى الإجماع المعتضدة بالشهرة المنقولة في عبارة بعض الأصحاب (7) ، مضافاً إلى‏ التأيّد بما دلّ على‏ الضمان بناءً على‏ ما قدّمنا من بُعد ثبوته مع كون النقل برخصة الشرع وتجويزه.
    هذا مع ضعف أكثر النصوص المجوّزة أو بعضها ، مع موافقتها
1 ـ الخلاف 2 : 28 ، وج 4 : 229.
2 ـ التذكرة 1 : 244.
3 ـ المنتهى 1 : 529 ، المختلف : 190 ، الاقتصاد : 279.
4 ـ المنتهى 1 : 529 ، المفيد في المقنعة : 240 ، الشيخ في الاقتصاد : 279.
5 ـ المختلف : 190 ، المبسوط 1 : 245 ، الوسيلة : 130.
6 ـ أي وجوب الفورية.
7 ـ كصاحب الحدائق 12 : 239.


(117)
لمذهب أبي حنيفة كما حكاه عنه في المنتهى‏ (1).
    وفي الصحيح : « لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب ، ولا صدقة الأعراب للمهاجرين » (2).
    وفي آخر « كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقسّم صدقة أهل البوادي على‏ أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر » (3) وفيهما تأييد ما للمنع ، ويفهم من الكافي كونهما من روايات المسألة ، حيث نقلهما في بابها.
    ثم على‏ القولين لو نقلها أجزأته إذا وصلت إلى‏ الفقراء ، عند علمائنا أجمع ، كما في المنتهى‏ وغيره (4) ، مؤذنين بدعوى‏ الإجماع عليه. كما صرّح في المختلف (5) وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ الأصل وصدق الامتثال ، وفي المنتهى‏ : إذا نقلها اقتصر على‏ أقرب الأماكن التي وجد المستحق فيها ، استحباب عندنا ووجوباً عند القائلين بتحريم النقل (6). وهو حسن.
    واعلم : أنّ نقل الواجب إنّما يتحقق مع عزله قبله بالنية ، وإلّا فالذاهب من ماله كما عليه شيخنا الشهيد الثاني ، قال : لعدم تعيّنه (7) أو منه ومن الزكاة على‏ الشركة وإن ضمنها مع التلف كما هو الظاهر ، وهو خيرة سبطه (8).
1 ـ المنتهى 1 : 529.
2 ـ الكافي 3 : 554 / 10 ، المقنعة : 263 ، التهذيب 4 : 108 / 309 ، الوسائل 9 : 284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 1.
3 ـ الكافي 3 : 554 / 8 ، الفقيه 2 : 16 / 48 ، التهذيب 4 : 103 / 292 ، الوسائل 9 : 284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 2.
4 ـ المنتهى 1 : 529 ؛ وانظر التذكرة 1 : 244 ، والمدارك 5 : 269.
5 ـ المختلف : 190.
6 ـ المنتهى 1 : 529.
7 ـ كما في المسالك 1 : 62.
8 ـ المدارك 5 : 267.


(118)
    ولا فرق على‏ القولين بين وجود المستحق وعدمه.
    ثم إنّه لا ريب في جواز العزل مع عدم وجود المستحق ، بل يستحب كما يأتي.
    وفي جوازه مع وجوده نظر لشيخنا الشهيد الثاني ، قال : من أنّ الدين لا يتعيّن بدون قبض مالكه أو ما في حكمه مع الإمكان. واستقرب في الدروس جواز العزل بالنية مطلقاً ، وعليه تبنى‏ المسألة هنا. وأمّا نقل قدر الحق بدون النيّة فهو كنقل شي‏ء من ماله فلا شبهة في جوازه مطلقاً ، فإذا صار في بلد آخر ففي جواز احتسابه على‏ مستحقّيه مع وجودهم في بلده على‏ القول بالمنع نظر ، من عدم صدق النقل الموجب للتغرير بالمال ، وجوازِ كون الحكمة نفع المستحقين بالبلد ، وعليه يتفرّع ما لو احتسب القيمة في غير بلده أو المثل من غيره. انتهى‏ (1).
    وفي كلّ من وجهي المنع في النظرين نظر ، لمخالفتهما عموم ما دلّ على‏ جواز العزل من النصوص ، من غير تخصيص فيها بفقد المستحق ، بل ظهور بعضها في جوازه مع وجوده ، كما حكاه هو عن الدروس ، وسبطه عنه وعن ظاهر المعتبر وصريح التذكرة (2) ، وما دلّ على‏ جواز إخراج القيمة عن الزكاة من غير تخصيص ببلد المال ، مع أنّ جواز كون الحكمة نفع المستحقين أمر مستنبط فلا يكون حجة من أصله فضلاً عن أن يعارض به النصّ ، سيّما مع قيام الإجماع على‏ خلافه في نفس الزكاة إذا نُقلت مع وجود المستحق وأُوصلت إلى‏ الفقراء ، فإنّها تجزي كما مضى.
1 ـ الروضة 2 : 40 ، وهو في الدروس 1 : 247.
2 ـ حكاه عنه في المدارك 5 : 267 ، المعتبر 2 : 588 ، التذكرة 1 : 238.


(119)
    ثم إنّ في كلّ من دعوى ابتناء المسألة (4) على‏ جواز العزل بالنية مطلقاً وعدم شبهة في إطلاق جواز نقل قدر الحق بدون النية نظراً أيضاً : أمّا الاُولى‏ فلإمكان تحقق الضمان بالنقل بتقدير وجود المستحق بعد العزل ، فلا يتوقف على‏ القول بإطلاق جواز العزل ، ويتوجّه على‏ القول بالمنع أيضاً مع وجود المستحق.
    ثم إنّها على‏ تقدير تسليمها لا يجامع النظر في جواز العزل مع وجود المستحق ، لأنّ فيها اعترافاً باتفاق الأصحاب على‏ جوازه ، حيث فرضوا الضمان في المسألة ، وهو لا يتم إلّا على‏ تقدير صحة جواز العزل كما ذكره ، فتدبّر.
    وأمّا الثانية فلأنّ قدر الحق المنقول مشترك بينه وبين الزكاة ، فيتوجّه المنع عن نقلها على‏ القول به ، إلّا أن يبنى‏ هذا على‏ ما اختاره سابقاً (2).
     [ والنيّة معتبرة في إخراجها وعزلها ] بإجماع العلماء عدا الأوزاعي كما في المعتبر والمنتهى‏ وغيرهما (3).
    ولا بُدّ فيها من مقارنتها للدفع إلى‏ المستحق أو الإمام أو الساعي أو وكيل المستحق ، على‏ قول قويّ في الأخير للمبسوط والفاضل في المختلف (4) ، حيث جوّزا الدفع إليه لكونه توكيلًا في المباح فيجوز.
    خلافاً للقاضي والحلّي فلا يجوز (5) ، ومال إليه في الذخيرة
1 ـ وهي ضمان الزكاة بالنقل مع وجود المستحق.منه رحمه الله.
2 ـ من أن نقل الواجب مع عدم عزله بالنية قبله يوجب كون الذاهب من ماله. منه رحمه الله.
3 ـ المعتبر 2 : 559 ، المنتهى 1 : 516 ؛ وانظر التذكرة1 : 242 ، والمفاتيح 1 : 209.
4 ـ المبسوط 1 : 233 ، المختلف : 192.
5 ـ نقله عن القاضي في السرائر 2 : 81 ، السرائر 2 : 81.


(120)
والمدارك (1) ، قالا : لأنّ إقامة الوكيل مقام الموكّل في ذلك تحتاج إلى‏ دليل ولم يثبت.
    ويضعّف : بأنّ الدليل بالخصوص غير مشترط قطعاً ، والعام ثابت ، وهو ما قدّمنا.
    واعتبار المقارنة بمعنى عدم جواز التقديم متّفق عليه بيننا كما في المدارك وغيره (2) ، وعزاه في الأوّل إلى‏ أكثر العامة.
    وفي جواز التأخير مطلقاً كما هو ظاهر إطلاق الفاضلين (3) أو بشرط بقاء العين ، أو علم القابض بكون المدفوع زكاة وإلّا فإشكال ، إشكال ، والاحتياط يقتضي المصير إلى‏ الثاني.
    ولا بُدّ فيها أيضاً من التعيين وقصد القربة قطعاً ، والوجوب أو الندب على‏ الأحوط كما في كل عبادة. ولا تفتقر إلى‏ تعيين الجنس الذي يخرج منه إجماعاً كما في المنتهى‏ (4) ، وفي غيره نفي الخلاف عنه (5).
1 ـ الذخيرة : 468 ، المدارك 5 : 301.
2 ـ المدارك 5 : 301 ؛ وانظر الذخيرة : 468.
3 ـ كما في الشرائع 1 : 168 ، والإرشاد 1 : 289.
4 ـ المنتهى 1 : 516.
5 ـ المفاتيح 1 : 209.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس