|
|||
(136)
ففي الصحيح : « هم قوم وحّدوا اللَّه تعالى وخلعوا عبادة من دون اللَّه ، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يتألّفهم ويعرّفهم ويعلّمهم كيما يعرفوا ، فجعل لهم نصيباً في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا » (1) ونحوه آخر (2) وغيره (3).
ومنها يظهر أيضاً أنّ التأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين والثابت عليه ، لا لما ذكروه رضوان اللَّه عليهم من الجهاد كفّاراً كانوا أم مسلمين ، وأنّهم يتألّفون بهذا السهم لأجله ، فلولا أنّ ظاهرهم الإطباق على دخول من ذكروه في المؤلّفة ويستفاد من عبارة المبسوط المتقدمة ونفي عنه الخلاف في الغنية (4) ، لما كان معدل عن النصوص المزبورة. هذا ، ولا ثمرة مهمّة على القول بسقوط هذا السهم في زمن الغيبة ، كما هو خيرة الماتن على ما سيأتي إليه الإشارة (5) ، بل ولا على غيره أيضاً ، كما أشار إليه شيخنا في الروضة فقال : وحيث لا توجِب البسط ونَجعل الآية لبيان المصرف ـ كما هو المنصور ـ تقلّ فائدة الخلاف ، لجواز إعطاء الجميع من الزكاة في الجملة. وأشار بالجميع إلى الكفّار والمسلمين بأقسامهم الأربعة التي أشار إليها بقوله : وهم أربع فرق : قوم لهم نظراء من المشركين إذا اعطي 1 ـ التهذيب 4 : 49 / 129 ، تفسير القمي 1 : 299 ، الوسائل 9 : 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7. 2 ـ الكافي 2 : 411 / 2. 3 ـ تفسير العياشي 2 : 91 / 70 ، المستدرك 7 : 102 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 6. 4 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568. 5 ـ في ص : 189. (137)
المسلمون رغب نظراؤهم في الإسلام ، وقوم نيّاتهم ضعيفة في الدين يُرجى بإعطائهم قوة نيّتهم ، وقوم بأطراف بلاد الإسلام إذا أُعطوا منعوا الكفّار من الدخول أو رغّبوهم في الإسلام ، وقوم جاوروا قوماً تجب عليهم الزكاة إذا أُعطوا منها جَبوها منهم وأغنوا عن عامل.
ووجه تجويز إعطاء الجميع منها ما أشار إليه فيها بقوله ردّا على من ألحق المسلمين بأقسامهم بالكفّار في الدخول في المؤلّفة ما هذا لفظه ـ : لعدم اقتضاء ذلك الاسم ، إذ ربما يمكن ردّ ما عدا الأخير إلى سبيل اللَّه والأخير إلى العُمالة (1). ويستفاد من كلامه هذا وكلام الدروس (2) أيضاً أنّ تعميم المؤلّفة للمسلمين بفرقهم الأربعة إنّما هو من جهة الصرف في المصلحة والعُمالة ، مع أنّك عرفت أنّ الوجه فيه إنّما هو عموم الآية والرواية. وكيف كان ، بعد الاتّفاق على جواز الإعطاء في الجملة لا ثمرة للخلاف أيضاً من هذه الجهة. الصنف الخامس ما نّص عليه سبحانه بقوله [ وفي الرقاب ] والدليل عليه بعده الإجماع والسنة كما سيأتي إليهما الإشارة. [ وهم المكاتبون ] بلا خلاف بين العلماء ، كما في صريح المبسوط والسرائر والغنية وغيرها (3) للمرسل : عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها ، قال : « يؤدّى عنه من مال الصدقة ، إنّ اللَّه تعالى يقول في 1 ـ الروضة 2 : 46. 2 ـ الدروس 1 : 241. 3 ـ المبسوط 1 : 250 ، السرائر 1 : 457 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، وانظر الذخيرة : 455. (138)
كتابه : [ وَ فِي الرِّقابِ ] (1).
ومورده وإن كان مَن عجز إلّا أنّه في كلام السائل ، فلا يخصَّص به عموم الآية المستدلّ به في ذيل الرواية. لكن ظاهر الأصحاب ـ على ما يُفهم من بعض العبائر (2) ـ اشتراط أن لا يكون معه ما يصرفه في كتابته. وظاهر بعض إطلاقاتهم جواز الإعطاء وإن قدر تحصيل مال الكتابة بالتكسّب ، واعتبر الشهيد ان في الروضة والبيان (3) قصور كسبه عن مال الكتابة. ولا يشترط الشدّة هنا ، كما صرّح به في المنتهى من غير نقل خلاف أصلاً (4). [ والعبيد الذين تحت الشدة ] بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة ، كالمبسوط والاقتصاد والسرائر والغنية والمنتهى وغيرها (5) من كتب الجماعة لعموم الآية وبعض المعتبرة ولو بالشهرة : عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والسبعمائة ، يشتري منها نسمةً ويعتقها ، قال : « إذاً يظلم قوماً آخرين حقوقهم » ثمّ مكث مليّاً ثم قال : « إلّا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه ويعتقه » (6). وما فيه من اشتراط الضرورة هنا هو المشهور بين الأصحاب ، بل 1 ـ الفقيه 3 : 74 / 258 ، التهذيب 8 : 275 / 1002 ، الوسائل 9 : 293 أبواب المستحقين للزكاة ب 44 ح 1. 2 ـ الذخيرة : 455. 3 ـ الروضة 2 : 47 ، البيان : 313. 4 ـ المنتهى 1 : 520. 5 ـ المبسوط 1 : 250 ، الاقتصاد : 282 ، السرائر 1 : 457 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، المنتهى 1 : 520 ؛ وانظر المدارك 5 : 216. 6 ـ الكافي 3 : 557 / 2 ، التهذيب 4 : 100 / 282 ، الوسائل 9 : 291 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 1 بتفاوت يسير. (139)
ظاهر نقلة الإجماع ولا سيّما المنتهى كونه مجمعاً عليه عندنا ، فلا إشكال فيه.
خلافاً لجماعة من متأخّري المتأخّرين (1) تبعاً للمحكي عن المفيد والحلّي (2) ، فلم يشترطوها لعموم الآية والخبرين. أحدهما : الصحيح المروي في العلل : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه ، أشتريه من الزكاة وأُعتقه ؟ فقال : « اشتره وأعتقه » قلت : وإن هو مات وترك مالاً ؟ قال ، فقال : « ميراثه لأهل الزكاة ، لأنّه اشتري بمالهم » (3). والثاني : الخبر المروي في الكافي في باب نادر : عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله ، قال : « اشترى خير رقبة ، لا بأس بذلك » (4). وهو حسن لولا الرواية المتقدمة المصرّحة بالاشتراط ، المنجبر ضعف سندها بالشهرة والإجماعات المنقولة ، وأمّا معها فلا ، لوجوب تخصيص عموم الكتاب والخبرين مع إرسال ثانيهما بها. فالمشهور أقوى ، مع أنّه أحوط وأولى. [ ومن وجبت عليه كفارة ولم يجد ما يعتق ] على رواية رواها أصحابنا فيما صرّح به في المبسوط (5) ، ولعلّها ما رواه القمي في تفسيره مرسلاً عن العالم قال : « وَ فِي الرِّقابِ قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في الحرم ، وليس عندهم ما 1 ـ كصاحبي المدارك 5 : 216 ، والذخيرة : 455 ، والحدائق 12 : 183. 2 ـ حكاه عنهما في المختلف : 181 ، وهو في المقنعة : 241 ، السرائر 1 : 457. 3 ـ علل الشرائع : 372 / 15 ، الوسائل 9 : 293 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 3. 4 ـ الكافي 3 : 552 / 1 ، الوسائل 9 : 251 أبواب المستحقين للزكاة ب 19 ح 1. 5 ـ المبسوط 1 : 250. (140)
يكفّرون به وهم مؤمنون ، فجعل اللَّه تعالى لهم سهماً في الصدقات ليكفر عنهم » (1).
وظاهره ـ كما ترى ـ أعمّ من العتق وغيره ، وإن قيل : كونه تفسيراً للرقاب يعطي تخصيصه بالعتق (2) ، فإنّه غير مفهوم لي ومع ذلك فمستنده ضعيف لا يمكن التعويل عليه ولعلّه لذلك تردّد فيه الماتن في المعتبر وقال : عندي أنّ ذلك أشبه بالغارم ، لأنّ القصد إبراء ذمة المكفّر عمّا في عهدته ، قال : ويمكن أن يعطى من سهم الرقاب ، لأنّ القصد به إعتاق الرقبة (3) وفي المبسوط : الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيراً فيشتري هو ويعتق عن نفسه (4). [ ولو لم يجد ] المزكّي [ مستحقاً ] للزكاة [ جاز ] له [ ابتياع العبد ويعتق ] مطلقاً للموثّق : عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم ، فلم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيد ، فاشتراه بتلك الألف درهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه ، هل يجوز ذلك ؟ قال : « نعم لا بأس بذلك » (5) الخبر. وعزاه الفاضلان إلى الأصحاب كما في المنتهى (6) ، أو فقهائهم كما في المعتبر (7) ، مؤذنَين بدعوى الإجماع عليه فلا إشكال فيه ، سيّما مع عموم 1 ـ تفسير القمي 1 : 299 ، الوسائل 9 : 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7. 2 ـ الذخيرة : 455. 3 ـ المعتبر 2 : 547. 4 ـ المبسوط 1 : 250. 5 ـ الكافي 3 : 557 / 3 ، التهذيب 4 : 100 / 281 ، المحاسن : 305 / 15 ، الوسائل 9 : 292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 2. 6 ـ المنتهى 1 : 520. 7 ـ المعتبر 2 : 575. (141)
الآية الكريمة.
[ و ] الصنف السادس : [ الغارمون ] لعين ما مرّ من الأدلّة [ وهم المَدينون في غير معصية ، دون مَن صرفه في المعصية ] بإجماعنا الظاهر المحكي في ظاهر الغنية والمنتهى والتذكرة (1) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة. منها : في المَدين المُعسر : « ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام ، فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين ، إذا كان أنفقه في طاعة اللَّه عزّ وجلّ ، فإن كان أنفقه في معصية اللَّه فلا شيء له على الإمام » (2). ومنها : « أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف ، فعلى الإمام أن يقضيه ، وإن لم يقضه فعليه إثم ذلك ، إنّ اللَّه تعالى يقول : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ) الآية ، فهو من سهم الغارمين » (3). ومنها : في تفسيرهم : « هم قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللَّه تعالى من غير إسراف ، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم ويفكّهم من مال الصدقات » (4). وقريب منها المروي عن قرب الإسناد (5). وفي الصحيح : عن رجل عارف فاضل توفّي وترك ديناً لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا معروف بالمسألة ، هل يقضى عنه من الزكاة الألف 1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، المنتهى 1 : 526 ، التذكرة 1 : 233. 2 ـ تفسير العياشي 1 : 155 / 520 ، المستدرك 7 : 129 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 3. 3 ـ تفسير العياشي 2 : 94 / 78 ، المستدرك 7 : 127 أبواب المستحقين للزكاة ب 27 ح 1. 4 ـ تفسير القمي 1 : 299 ، الوسائل 9 : 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7. 5 ـ قرب الاسناد 109 / 374 ، الوسائل 9 : 261 أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 10. (142)
والألفان ؟ قال : « نعم » (1).
وضعف ما عداه مجبور بعمل الطائفة ، بل إجماع المسلمين كافّة في المَدين في غير معصية كما في صريح المنتهى وظاهر المبسوط والمعتبر والتذكرة (2). وأمّا المَدين فيها فلم يخالف فيه إلّا الماتن في المعتبر وبعض من تأخّر (3) ، فجوّزا الدفع إليه بعد التوبة لعموم الآية بناءً على أنّ الغارم مطلق المَدين اتّفاقاً عرفاً ولغةً ، ولا مخصّص له عدا النصوص المزبورة وهي ضعيفة ، وأمر اعتباري ضعيف غير صالح للحجيّة فضلاً عن أن يخصَّص به عموم نحو الآية. وهو حسن لولا انجبار النصوص المزبورة بما عرفته ، مضافاً إلى الإجماعات المحكية والاحتياط المطلوب في العبادة. و اعلم : أنّ الأصحاب قسّموا الغارم قسمين : المديون لمصلحة نفسه ، والغارم لإصلاح ذات البين ، واعتبروا الفقر في الأوّل دون الثاني ، ومنهم : الشيخ في المبسوط والحلّي وابن حمزة ، والفاضلان في المعتبر والمنتهى والتذكرة (4) ، على ما حكاه عنهم في الذخيرة (5) ، وفي ظاهر الأخير الإجماع على اعتبار الفقر في الأوّل. 1 ـ الكافي 3 : 549 / 2 ، التهذيب 4 : 102 / 288 ، الوسائل 9 : 295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 1. 2 ـ المنتهى 1 : 521 ، المبسوط 1 : 251 ، المعتبر 2 : 575 ، التذكرة 1 : 233. 3 ـ المعتبر 2 : 575 ؛ وانظر المدارك 5 : 224. 4 ـ المبسوط 1 : 251 ، والحلّي في السرائر 1 : 457 ، وابن حمزة في الوسيلة : 129 ، المعتبر 2 : 575 ، المنتهى 1 : 526 ، التذكرة 1 : 233. 5 ـ الذخيرة : 455. (143)
فإن تمّ وإلّا فهو مشكل لمخالفته لظاهر الآية ، لجعلها الغارمين قسيم الفقراء مع عدم وضوح دليل عليه عدا ما دلّ على أنّها لا تحلّ لغني ، وأنّها إنّما شُرّعت لسدّ الخلّة ورفع الحاجة ، وهما غير معلومي الشمول لمفروض المسألة بعد مخالفتهما لظاهر الآية ، وتخصيصهما في جملة من الأفراد الثمانية ، وهم : العاملون عليها ، والغزاة ، والغارمون لمصلحة ذات البين ، وابن السبيل المنشئ للسفر من بلده ، والمؤلّفة ، على ما صرّح به جماعة من هؤلاء ، كالشيخ وابن حمزة (1).
مع أنّه يحتملان ـ ككلامهم ـ الحمل على أنّ المراد اعتبار عدم تمكّنهم من الأداء ، كما عبّر به جملة من المتأخّرين كالشهيدين وغيرهما (2). وعلى هذا نبّه في المدارك فقال ـ بعد نقل ما حكاه عن المعتبر من أنّ الغارم لا يعطى مع الغناء ـ : والظاهر أنّ مراده بالغناء انتفاء الحاجة إلى القضاء لا الغناء الذي هو ملك قوت السنة ، إذ لا وجه لمنع مالك قوت السنة من أخذ ما يوفى به الدين إذا كان غير متمكن من قضائه (3). انتهى. وهو حسن. ويشهد له أنّ الفاضل مع أنّه أحد هؤلاء الجماعة قد استقرب في النهاية (4) جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه ، إذا كان بحيث لو دفعه صار فقيراً ، لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة 1 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 255 ، ابن حمزة في الوسيلة : 129. 2 ـ كما في الروضة 2 : 47 ؛ وانظر نهاية الإحكام 2 : 391. 3 ـ المدارك 5 : 222. 4 ـ نهاية الإحكام 2 : 391. (144)
باعتبار الفقر ، فتدبّر وتأمّل.
[ ولو جهل الأمران ] فلم يعلم أنفقه في طاعة أو معصية [ قيل : يمنع ] والقائل الشيخ في النهاية (1) لاشتراط الدفع بالإنفاق في طاعة ، وحيث جهل الشرط لم يثبت المشروط وللخبر : قال ، قلت : فهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة أو معصية ، قال : يسعى في ماله ويردّه عليه وهو صاغر » (2). [ وقيل : لا ] يمنع ، والقائل الحلّي والشيخ في المبسوط كما حكي (3) ، وتبعهما الفاضلان وغيرهما من المتأخرين (4) فقالوا : [ وهو أشبه ] بالأُصول الدالّة على أنّ الأصل في تصرّفات المسلم وقوعها على الوجه المشروع ، مع أنّ تتبع مصارف الأموال عسير ، فلا يتوقف دفع الزكاة على اعتباره. وأجابوا عن الرواية بضعف السند ، وزاد بعضهم الضعف في الدلالة فلا يخرج بها عن مقتضى الأُصول. وبها يضعّف الحجّة الأُولى قبل الرواية ، فإنّ مقتضاها حصول الشرط فيثبت المشروط. إلّا أنّ يقال : إن الشرط هو الإنفاق في غير المعصية في نفس الأمر ، وحمل تصرّف المسلم على الصحة لا يحصّله. 1 ـ النهاية : 306. 2 ـ الكافي 5 : 93 / 5 ، التهذيب 6 : 185 / 385 ، تفسير العياشي 1 : 155/ 520 بسند آخر ، الوسائل 18 : 336 أبواب الدين والقرض ب 9 ح 3. 3 ـ حكاه عن الحلي في المدارك 5 : 225 ، وهو في السرائر 2 : 35 ، المبسوط 1 : 251. 4 ـ كما في المعتبر 2 : 576 ، والمختلف : 181 ؛ وانظر المدارك 5 : 225. (145)
ويمكن دفعه : بأنّ ذلك وإن كان مقتضى النصوص ، إلّا أنّها لضعفها لا تصلح لإثبات ذلك ، والشهرة الجابرة لها يُدار مَدار حصولها ولم تحصل على اشتراط ذلك كذلك ، بل المتحقّق منها هو اشتراط عدم العلم بصرفه في معصية لا العلم بصرفه في غيرها ، وهو حاصل هنا.
ثم لو سلّمنا كون الشرط هو العلم بصرفه في غيرها ـ كما هو مفاد النصوص ومقتضاها قلنا ـ : إنّ كون الأصل في تصرّفات المسلم الصحة في حكم العلم بذلك بحكم التتبع وشهادة الاستقراء. هذا ، ورجوع الشيخ في المبسوط إلى المختار يقتضي كونه الآن إجماعيّاً ، ولكن مختاره في النهاية لعلّه أحوط وأولى. [ ويجوز ] للمزكّي [ مقاصّة المستحق ] للزكاة [ بدين ] له [ في ذمته ] بلا خلاف ظاهر مصرّح به في جملة من العبائر (1) ، بل في المدارك عن ظاهر المعتبر والمنتهى والتذكرة أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (2) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة. منها ـ زيادة على ما مضى في بحث جواز تقديم الزكاة قرضاً ـ (3) الصحيح : عن دَين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة ، هل لي أن أدعه وأحتسب به عليهم من الزكاة ؟ قال : « نعم » (4). وظاهره كغيره أنّ المراد بالمقاصّة هي القصد إلى إسقاط ما في ذمّته 1 ـ النهاية : 188 ، جامع المقاصد 3 : 32 ، الحدائق 12 : 195. 2 ـ المدارك 5 : 226. 3 ـ راجع ص : 113. 4 ـ الكافي 3 : 558 / 1 ، الوسائل 9 : 295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 2. (146)
من الدين على وجه الزكاة ، وبه صرّح جماعة (1) حاكين عن شيخنا الشهيد الثاني خلافه وهو احتساب الزكاة على الفقير ثم أخذها مقاصّة من دينه (2). وهو بعيد.
وإطلاق العبارة وجملة من النصوص المزبورة بل صريح بعضها المتقدم ثمّة : جواز الاحتساب بها عن الدين في الميّت أيضاً ، ونُفي عنه وعن جواز القضاء عنه أيضاً الخلاف في كلام جماعة (3) ، بل في المدارك : أنّه متّفق عليه بين علمائنا وأكثر العامة (4). وهل يشترط في الأداء عنه قصور تركته عن الوفاء بالدين كما عن الشيخ والإسكافي (5) ، أم لا كما عليه الفاضلان (6) ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل إن لم يكن متعيّناً للصحيح : رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين ، أيؤدّي زكاته في دين أبيه وللابن مال كثير ؟ قال : « إن كان أبوه أورثه مالاً ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاءً عن جميع الميراث ، ولم يقضه من زكاته ، وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه ، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه » (7). 1 ـ كصاحب المدارك 5 : 225 ، والمحقق السبزواري في الكفاية : 40 ، وصاحب الحدائق 12 : 196. 2 ـ الروضة 2 : 48. 3 ـ منهم الشيخ في النهاية : 188 ، والمحقق في المعتبر 2 : 576 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 521. 4 ـ المدارك 5 : 227. 5 ـ المبسوط 1 : 251 ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : 183. 6 ـ المحقق في المعتبر 2 : 576 ، العلّامة في المختلف : 183. 7 ـ الكافي 3 : 553 / 3 ، الوسائل 9 : 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 1. (147)
وبه يضعف العموم المستدل به للثاني.
وأضعف منه الاستدلال عليه بأنّه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزاً. وهو كما ترى إذ لا انتقال إلّا بعد الدين ، لقوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (1). [ وكذا لو كان الدين على من يجب ] على المزكّي [ الإنفاق عليه ] من أب وأُمّ ونحوهما [ جاز ] له [ القضاء عنه ] وكذا المقاصة [ حيّاً ] كان أ [ وميّتاً ] بلا خلاف فيه أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (2) ، وفي المدارك وغيره (3) : أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب ومتّفق عليه بينهم ، وفيه عن ظاهر المعتبر والمنتهى والتذكرة : أنّه متفق عليه بين العلماء (4) وهو الحجّة ، مضافاً إلى العموم ، وخصوص ما مرّ من الصحيح في الأب الميت ، ولا قائل بالفرق ، والموثّق في الأب الحي (5). وبهذه الأدلّة يحمل ما دلّ على أنّه لا يصرف الزكاة في واجبي النفقة على أنّ المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة ، كما يدلّ عليه تعليله بأنّهم عياله لازمون له ، فإنّ قضاء الدين لا يلزم المكلّف بالإنفاق. [ و ] الصنف السابع : [ في سبيل اللَّه ] بالأدلّة الثلاثة : [ وهو كلّ ما كان قربة أو مصلحة ، كالجهاد والحج وبناء ] المساجد [ القناطر ] على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر على الظاهر المصرّح به في كلام 1 ـ النساء : 11. 2 ـ الذخيرة : 465. 3 ـ المدارك 5 : 228 ؛ وانظر الحدائق 12 : 198. 4 ـ المعتبر 2 : 576 ، المنتهى 1 : 521 ، التذكرة 1 : 234. 5 ـ الكافي 3 : 553 / 2 ، الوسائل 9 : 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 2. (148)
جماعة (1) ، وفاقاً للمبسوط والخلاف وابن حمزة والحلّي (2) ، وابن زهرة (3) مدّعياً عليه إجماع الطائفة واستدل عليه بعده بما استدل به سائر الجماعة من أنّ سبيل اللَّه هو الطريق إلى ثوابه ، وما أفاد التقرّب إليه ، قال : وإذا كان كذلك جاز صرف الزكاة فيه.
وزادوا عليه فاستدلوا بالمرسل في تفسيرهم : « أنّهم قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما ينفقون به ، أو قوم مؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به ، أو في جميع سبيل الخير » (4) وإرساله منجبر بالعمل. وبأخبار أُخر فيها الصحيح وغيره تتضمّن جواز صرف الزكاة في الحج (5) ، ولا قائل بالفرق بينه وبين سائر القرب. وظاهره اعتبار الحاجة فيمن يدفع إليه هذا السهم ليحجّ أو يزور ، كما عليه شيخنا في المسالك والروضة (6) ، وسبطه لكن مع تأمّل له فيه (7) ، كالفاضل في التذكرة (8) وزاد جدّه فاشترط الفقر. ولم أعرف وجهه إن أراد به عدم تملّك مؤونة السنة ، لعموم الكتاب والسنّة بل ظاهرهما (9) ، لما مضى قريباً في نظير المسألة. وما دلّ على أنّها 1 ـ المدارک 5 : 230 ، الذخيرة : 456 ، الحدائق 12 : 199. 2 ـ المبسوط 1 : 252 ، الخلاف 4 : 236 ، ابن حمزة في الوسيلة : 128 ، الحلّي في السرائر 1 : 456. 3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568. 4 ـ تقدّم مصدره في ص : 141 الهامش (4). 5 ـ الوسائل 9 : 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42. 6 ـ المسالك 1 : 60 ، الروضة 2 : 49. 7 ـ المدارك 5 : 232. 8 ـ التذكرة 1 : 234. 9 ـ من حيث العطف المقتضي للتغاير. (149)
لسدّ الخلّة ورفع الحاجة لا يفيد اشتراطه ، بل اشتراط حاجةٍ ما مجامعةٍ لملك مؤونة السنة ، وهي هنا عدم تمكّن فاعل القرب منها بدونها مطلقاً ولو كان مالكاً لمؤونة السنة بكمالها.
و بالجملة : الظاهر اشتراطه خاصّة لما عرفته ، دون الفقر بالمعنى المشهور ، فيعطى مالك قوت السنة ليحجّ أو يزور مثلاً إذا لم يتمكّن منها بدونها ، وإن كان الترك أحوط وأولى. [ وقيل : يختص ] هذا السهم [ بالمجاهدين ] والقائل المفيد والديلمي والشيخ في النهاية (1) ولا وجه له بعد عموم الآية ، وصريح المرسلة. ودعوى اختصاص الآية بهم بحكم التبادر ممنوعة ، كدعوى ضعف سند المرسلة ، لانجبارها بالشهرة زيادة على ما عرفته من الأدلّة. نعم ، في بعض النصوص الواردة في الوصية الأمر بإخراج ما اوصي به في سبيل اللَّه فيهم (2). لكن لا دلالة فيه صريحة بل ولا ظاهرة ، مع احتماله الحمل على التقيّة ، فقد حكي القول بتفسير السبيل بهم عن أكثر العامة ومنهم أبو حنيفة (3) ، مع إشعار سياق الرواية به كما لا يخفى على من راجعه وتدبّره. [ و ] الصنف الثامن : [ ابن السبيل ] بالأدلّة الثلاثة [ وهو المنقطع به ] في غير بلده ، فيأخذ ما يبلغه بلده [ وإن كان غنيّاً في بلده ] إذا كان 1 ـ المقنعة : 241 ، المراسم : 133 ، النهاية : 184. 2 ـ الكافي 7 : 14 / 4 ، الفقيه 4 : 148 / 515 ، التهذيب 9 : 202 / 805 ، الاستبصار 4 : 128 / 485 ، الوسائل 19 : 341 كتاب الوصايا ب 33 ح 4. 3 ـ حكاه عنهم في المعتبر 2 : 577. (150)
بحيث يعجز التصرف في أمواله ببيع ونحوه على الأظهر وفاقاً للأكثر ، أو مطلقاً كما عن الماتن في المعتبر (1) ، ووافقه بعض من تأخّر (2) في الاستدانة فلم يعتبر العجز عنها خاصّة ، عملاً بعموم الآية.
ويضعّف بما مرّ مراراً ، وسلّمه في مواضع أيضاً من أنّ الزكاة شرّعت لسدّ الخلّة ورفع الحاجة ، ولا حاجة مع التمكن من الاستدانة. وبنحو هذا يجاب عن إطلاق المرسلة أو عمومها ، حيث فسّرته بأبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللَّه ويقطع عليهم ويذهب مالهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات (3). [ و ] ألحق به جماعة (4) [ الضيف ] والإسكافي المنشئ للسفر الواجب أو الندب (5). ولا ريب في ضعف الثاني ، مع ندوره ومخالفته لظاهر اللفظ ، وخصوص ما مرّ من المرسل المنجبر هنا بالعمل. وأمّا الأوّل فحسن إن كان مسافراً محتاجاً إلى الضيافة ، لأنّه حينئذٍ داخل في ابن السبيل ، كما صرّح به الفاضل في المختلف وغيره (6) ، والفرق بينهما حينئذٍ ما نقل عن بعض الفضلاء أنّ الضيف نزيل عليك بخلاف ابن السبيل (7). 1 ـ المعتبر 2 : 578. 2 ـ كصاحب المدارك 5 : 236. 3 ـ تقدّم مصدرها في ص : 141 الهامش (4). 4 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 578 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 522 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 4 : 165. 5 ـ حكاه عنه في المنتهى 1 : 522. 6 ـ المختلف : 182 ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان 4 : 166 ، والذخيرة : 457. 7 ـ حكاه في التنقيح 1 : 322 أيضاً عن بعض الفضلاء. |
|||
|