رياض المسائل الجزء الخامس ::: 136 ـ 150
(136)
    ففي الصحيح : « هم قوم وحّدوا اللَّه تعالى وخلعوا عبادة من دون اللَّه ، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يتألّفهم ويعرّفهم ويعلّمهم كيما يعرفوا ، فجعل لهم نصيباً في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا » (1) ونحوه آخر (2) وغيره (3).
    ومنها يظهر أيضاً أنّ التأليف إنّما هو لأجل البقاء على‏ الدين والثابت عليه ، لا لما ذكروه رضوان اللَّه عليهم من الجهاد كفّاراً كانوا أم مسلمين ، وأنّهم يتألّفون بهذا السهم لأجله ، فلولا أنّ ظاهرهم الإطباق على‏ دخول من ذكروه في المؤلّفة ويستفاد من عبارة المبسوط المتقدمة ونفي عنه الخلاف في الغنية (4) ، لما كان معدل عن النصوص المزبورة.
    هذا ، ولا ثمرة مهمّة على‏ القول بسقوط هذا السهم في زمن الغيبة ، كما هو خيرة الماتن على‏ ما سيأتي إليه الإشارة (5) ، بل ولا على‏ غيره أيضاً ، كما أشار إليه شيخنا في الروضة فقال : وحيث لا توجِب البسط ونَجعل الآية لبيان المصرف ـ كما هو المنصور ـ تقلّ فائدة الخلاف ، لجواز إعطاء الجميع من الزكاة في الجملة.
    وأشار بالجميع إلى‏ الكفّار والمسلمين بأقسامهم الأربعة التي أشار إليها بقوله : وهم أربع فرق : قوم لهم نظراء من المشركين إذا اعطي‏
1 ـ التهذيب 4 : 49 / 129 ، تفسير القمي 1 : 299 ، الوسائل 9 : 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
2 ـ الكافي 2 : 411 / 2.
3 ـ تفسير العياشي 2 : 91 / 70 ، المستدرك 7 : 102 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 6.
4 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
5 ـ في ص : 189.


(137)
المسلمون رغب نظراؤهم في الإسلام ، وقوم نيّاتهم ضعيفة في الدين يُرجى‏ بإعطائهم قوة نيّتهم ، وقوم بأطراف بلاد الإسلام إذا أُعطوا منعوا الكفّار من الدخول أو رغّبوهم في الإسلام ، وقوم جاوروا قوماً تجب عليهم الزكاة إذا أُعطوا منها جَبوها منهم وأغنوا عن عامل.
    ووجه تجويز إعطاء الجميع منها ما أشار إليه فيها بقوله ردّا على‏ من ألحق المسلمين بأقسامهم بالكفّار في الدخول في المؤلّفة ما هذا لفظه ـ : لعدم اقتضاء ذلك الاسم ، إذ ربما يمكن ردّ ما عدا الأخير إلى‏ سبيل اللَّه والأخير إلى‏ العُمالة (1).
    ويستفاد من كلامه هذا وكلام الدروس (2) أيضاً أنّ تعميم المؤلّفة للمسلمين بفرقهم الأربعة إنّما هو من جهة الصرف في المصلحة والعُمالة ، مع أنّك عرفت أنّ الوجه فيه إنّما هو عموم الآية والرواية.
    وكيف كان ، بعد الاتّفاق على‏ جواز الإعطاء في الجملة لا ثمرة للخلاف أيضاً من هذه الجهة.

    الصنف الخامس ما نّص عليه سبحانه بقوله [ وفي الرقاب ] والدليل عليه بعده الإجماع والسنة كما سيأتي إليهما الإشارة.
    [ وهم المكاتبون ] بلا خلاف بين العلماء ، كما في صريح المبسوط والسرائر والغنية وغيرها (3) للمرسل : عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها ، قال : « يؤدّى‏ عنه من مال الصدقة ، إنّ اللَّه تعالى يقول في‏
1 ـ الروضة 2 : 46.
2 ـ الدروس 1 : 241.
3 ـ المبسوط 1 : 250 ، السرائر 1 : 457 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، وانظر الذخيرة : 455.


(138)
كتابه : [ وَ فِي الرِّقابِ ] (1).
    ومورده وإن كان مَن عجز إلّا أنّه في كلام السائل ، فلا يخصَّص به عموم الآية المستدلّ به في ذيل الرواية. لكن ظاهر الأصحاب ـ على‏ ما يُفهم من بعض العبائر (2) ـ اشتراط أن لا يكون معه ما يصرفه في كتابته. وظاهر بعض إطلاقاتهم جواز الإعطاء وإن قدر تحصيل مال الكتابة بالتكسّب ، واعتبر الشهيد ان في الروضة والبيان (3) قصور كسبه عن مال الكتابة.
    ولا يشترط الشدّة هنا ، كما صرّح به في المنتهى‏ من غير نقل خلاف أصلاً (4).
    [ والعبيد الذين تحت الشدة ] بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة ، كالمبسوط والاقتصاد والسرائر والغنية والمنتهى‏ وغيرها (5) من كتب الجماعة لعموم الآية وبعض المعتبرة ولو بالشهرة : عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والسبعمائة ، يشتري منها نسمةً ويعتقها ، قال : « إذاً يظلم قوماً آخرين حقوقهم » ثمّ مكث مليّاً ثم قال : « إلّا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه ويعتقه » (6).
    وما فيه من اشتراط الضرورة هنا هو المشهور بين الأصحاب ، بل‏
1 ـ الفقيه 3 : 74 / 258 ، التهذيب 8 : 275 / 1002 ، الوسائل 9 : 293 أبواب المستحقين للزكاة ب 44 ح 1.
2 ـ الذخيرة : 455.
3 ـ الروضة 2 : 47 ، البيان : 313.
4 ـ المنتهى 1 : 520.
5 ـ المبسوط 1 : 250 ، الاقتصاد : 282 ، السرائر 1 : 457 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، المنتهى 1 : 520 ؛ وانظر المدارك 5 : 216.
6 ـ الكافي 3 : 557 / 2 ، التهذيب 4 : 100 / 282 ، الوسائل 9 : 291 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 1 بتفاوت يسير.


(139)
ظاهر نقلة الإجماع ولا سيّما المنتهى‏ كونه مجمعاً عليه عندنا ، فلا إشكال فيه.
    خلافاً لجماعة من متأخّري المتأخّرين (1) تبعاً للمحكي عن المفيد والحلّي (2) ، فلم يشترطوها لعموم الآية والخبرين.
    أحدهما : الصحيح المروي في العلل : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه ، أشتريه من الزكاة وأُعتقه ؟ فقال : « اشتره وأعتقه » قلت : وإن هو مات وترك مالاً ؟ قال ، فقال : « ميراثه لأهل الزكاة ، لأنّه اشتري بمالهم » (3).
    والثاني : الخبر المروي في الكافي في باب نادر : عن رجل اشترى‏ أباه من الزكاة زكاة ماله ، قال : « اشترى‏ خير رقبة ، لا بأس بذلك » (4).
    وهو حسن لولا الرواية المتقدمة المصرّحة بالاشتراط ، المنجبر ضعف سندها بالشهرة والإجماعات المنقولة ، وأمّا معها فلا ، لوجوب تخصيص عموم الكتاب والخبرين مع إرسال ثانيهما بها.
    فالمشهور أقوى ، مع أنّه أحوط وأولى.
    [ ومن وجبت عليه كفارة ولم يجد ما يعتق ] على‏ رواية رواها أصحابنا فيما صرّح به في المبسوط (5) ، ولعلّها ما رواه القمي في تفسيره مرسلاً عن العالم قال : « وَ فِي الرِّقابِ قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في الحرم ، وليس عندهم ما
1 ـ كصاحبي المدارك 5 : 216 ، والذخيرة : 455 ، والحدائق 12 : 183.
2 ـ حكاه عنهما في المختلف : 181 ، وهو في المقنعة : 241 ، السرائر 1 : 457.
3 ـ علل الشرائع : 372 / 15 ، الوسائل 9 : 293 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 3.
4 ـ الكافي 3 : 552 / 1 ، الوسائل 9 : 251 أبواب المستحقين للزكاة ب 19 ح 1.
5 ـ المبسوط 1 : 250.


(140)
يكفّرون به وهم مؤمنون ، فجعل اللَّه تعالى لهم سهماً في الصدقات ليكفر عنهم » (1).
    وظاهره ـ كما ترى ـ أعمّ من العتق وغيره ، وإن قيل : كونه تفسيراً للرقاب يعطي تخصيصه بالعتق (2) ، فإنّه غير مفهوم لي ومع ذلك فمستنده ضعيف لا يمكن التعويل عليه ولعلّه لذلك تردّد فيه الماتن في المعتبر وقال : عندي أنّ ذلك أشبه بالغارم ، لأنّ القصد إبراء ذمة المكفّر عمّا في عهدته ، قال : ويمكن أن يعطى‏ من سهم الرقاب ، لأنّ القصد به إعتاق الرقبة (3) وفي المبسوط : الأحوط عندي أن يعطى‏ ثمن الرقبة لكونه فقيراً فيشتري هو ويعتق عن نفسه (4).
     [ ولو لم يجد ] المزكّي [ مستحقاً ] للزكاة [ جاز ] له [ ابتياع العبد ويعتق ] مطلقاً للموثّق : عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم ، فلم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى‏ مملوك يباع فيمن يزيد ، فاشتراه بتلك الألف درهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه ، هل يجوز ذلك ؟ قال : « نعم لا بأس بذلك » (5) الخبر.
    وعزاه الفاضلان إلى‏ الأصحاب كما في المنتهى‏ (6) ، أو فقهائهم كما في المعتبر (7) ، مؤذنَين بدعوى‏ الإجماع عليه فلا إشكال فيه ، سيّما مع عموم‏
1 ـ تفسير القمي 1 : 299 ، الوسائل 9 : 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
2 ـ الذخيرة : 455.
3 ـ المعتبر 2 : 547.
4 ـ المبسوط 1 : 250.
5 ـ الكافي 3 : 557 / 3 ، التهذيب 4 : 100 / 281 ، المحاسن : 305 / 15 ، الوسائل 9 : 292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 2.
6 ـ المنتهى 1 : 520.
7 ـ المعتبر 2 : 575.


(141)
الآية الكريمة.

     [ و ] الصنف السادس : [ الغارمون ] لعين ما مرّ من الأدلّة [ وهم المَدينون في غير معصية ، دون مَن صرفه في المعصية ] بإجماعنا الظاهر المحكي في ظاهر الغنية والمنتهى‏ والتذكرة (1) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.
    منها : في المَدين المُعسر : « ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى‏ الإمام ، فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين ، إذا كان أنفقه في طاعة اللَّه عزّ وجلّ ، فإن كان أنفقه في معصية اللَّه فلا شي‏ء له على‏ الإمام » (2).
    ومنها : « أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف ، فعلى الإمام أن يقضيه ، وإن لم يقضه فعليه إثم ذلك ، إنّ اللَّه تعالى يقول : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ) الآية ، فهو من سهم الغارمين » (3).
    ومنها : في تفسيرهم : « هم قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللَّه تعالى من غير إسراف ، فيجب على‏ الإمام أن يقضي عنهم ويفكّهم من مال الصدقات » (4). وقريب منها المروي عن قرب الإسناد (5).
    وفي الصحيح : عن رجل عارف فاضل توفّي وترك ديناً لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا معروف بالمسألة ، هل يقضى‏ عنه من الزكاة الألف‏
1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، المنتهى 1 : 526 ، التذكرة 1 : 233.
2 ـ تفسير العياشي 1 : 155 / 520 ، المستدرك 7 : 129 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 3.
3 ـ تفسير العياشي 2 : 94 / 78 ، المستدرك 7 : 127 أبواب المستحقين للزكاة ب 27 ح 1.
4 ـ تفسير القمي 1 : 299 ، الوسائل 9 : 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
5 ـ قرب الاسناد 109 / 374 ، الوسائل 9 : 261 أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 10.


(142)
والألفان ؟ قال : « نعم » (1).
    وضعف ما عداه مجبور بعمل الطائفة ، بل إجماع المسلمين كافّة في المَدين في غير معصية كما في صريح المنتهى‏ وظاهر المبسوط والمعتبر والتذكرة (2).
    وأمّا المَدين فيها فلم يخالف فيه إلّا الماتن في المعتبر وبعض من تأخّر (3) ، فجوّزا الدفع إليه بعد التوبة لعموم الآية بناءً على‏ أنّ الغارم مطلق المَدين اتّفاقاً عرفاً ولغةً ، ولا مخصّص له عدا النصوص المزبورة وهي ضعيفة ، وأمر اعتباري ضعيف غير صالح للحجيّة فضلاً عن أن يخصَّص به عموم نحو الآية.
    وهو حسن لولا انجبار النصوص المزبورة بما عرفته ، مضافاً إلى‏ الإجماعات المحكية والاحتياط المطلوب في العبادة.
    و اعلم : أنّ الأصحاب قسّموا الغارم قسمين : المديون لمصلحة نفسه ، والغارم لإصلاح ذات البين ، واعتبروا الفقر في الأوّل دون الثاني ، ومنهم : الشيخ في المبسوط والحلّي وابن حمزة ، والفاضلان في المعتبر والمنتهى‏ والتذكرة (4) ، على‏ ما حكاه عنهم في الذخيرة (5) ، وفي ظاهر الأخير الإجماع على‏ اعتبار الفقر في الأوّل.
1 ـ الكافي 3 : 549 / 2 ، التهذيب 4 : 102 / 288 ، الوسائل 9 : 295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 1.
2 ـ المنتهى 1 : 521 ، المبسوط 1 : 251 ، المعتبر 2 : 575 ، التذكرة 1 : 233.
3 ـ المعتبر 2 : 575 ؛ وانظر المدارك 5 : 224.
4 ـ المبسوط 1 : 251 ، والحلّي في السرائر 1 : 457 ، وابن حمزة في الوسيلة : 129 ، المعتبر 2 : 575 ، المنتهى 1 : 526 ، التذكرة 1 : 233.
5 ـ الذخيرة : 455.


(143)
    فإن تمّ وإلّا فهو مشكل لمخالفته لظاهر الآية ، لجعلها الغارمين قسيم الفقراء مع عدم وضوح دليل عليه عدا ما دلّ على‏ أنّها لا تحلّ لغني ، وأنّها إنّما شُرّعت لسدّ الخلّة ورفع الحاجة ، وهما غير معلومي الشمول لمفروض المسألة بعد مخالفتهما لظاهر الآية ، وتخصيصهما في جملة من الأفراد الثمانية ، وهم : العاملون عليها ، والغزاة ، والغارمون لمصلحة ذات البين ، وابن السبيل المنشئ للسفر من بلده ، والمؤلّفة ، على‏ ما صرّح به جماعة من هؤلاء ، كالشيخ وابن حمزة (1).
    مع أنّه يحتملان ـ ككلامهم ـ الحمل على‏ أنّ المراد اعتبار عدم تمكّنهم من الأداء ، كما عبّر به جملة من المتأخّرين كالشهيدين وغيرهما (2).
    وعلى‏ هذا نبّه في المدارك فقال ـ بعد نقل ما حكاه عن المعتبر من أنّ الغارم لا يعطى‏ مع الغناء ـ : والظاهر أنّ مراده بالغناء انتفاء الحاجة إلى‏ القضاء لا الغناء الذي هو ملك قوت السنة ، إذ لا وجه لمنع مالك قوت السنة من أخذ ما يوفى‏ به الدين إذا كان غير متمكن من قضائه (3). انتهى‏. وهو حسن.
    ويشهد له أنّ الفاضل مع أنّه أحد هؤلاء الجماعة قد استقرب في النهاية (4) جواز الدفع إلى‏ المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه ، إذا كان بحيث لو دفعه صار فقيراً ، لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة
1 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 255 ، ابن حمزة في الوسيلة : 129.
2 ـ كما في الروضة 2 : 47 ؛ وانظر نهاية الإحكام 2 : 391.
3 ـ المدارك 5 : 222.
4 ـ نهاية الإحكام 2 : 391.


(144)
باعتبار الفقر ، فتدبّر وتأمّل.
    [ ولو جهل الأمران ] فلم يعلم أنفقه في طاعة أو معصية [ قيل : يمنع ] والقائل الشيخ في النهاية (1) لاشتراط الدفع بالإنفاق في طاعة ، وحيث جهل الشرط لم يثبت المشروط وللخبر : قال ، قلت : فهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة أو معصية ، قال : يسعى‏ في ماله ويردّه عليه وهو صاغر » (2).
    [ وقيل : لا ] يمنع ، والقائل الحلّي والشيخ في المبسوط كما حكي (3) ، وتبعهما الفاضلان وغيرهما من المتأخرين (4) فقالوا : [ وهو أشبه ] بالأُصول الدالّة على‏ أنّ الأصل في تصرّفات المسلم وقوعها على‏ الوجه المشروع ، مع أنّ تتبع مصارف الأموال عسير ، فلا يتوقف دفع الزكاة على‏ اعتباره.
    وأجابوا عن الرواية بضعف السند ، وزاد بعضهم الضعف في الدلالة فلا يخرج بها عن مقتضى‏ الأُصول.
    وبها يضعّف الحجّة الأُولى‏ قبل الرواية ، فإنّ مقتضاها حصول الشرط فيثبت المشروط.
    إلّا أنّ يقال : إن الشرط هو الإنفاق في غير المعصية في نفس الأمر ، وحمل تصرّف المسلم على‏ الصحة لا يحصّله.
1 ـ النهاية : 306.
2 ـ الكافي 5 : 93 / 5 ، التهذيب 6 : 185 / 385 ، تفسير العياشي 1 : 155/ 520 بسند آخر ، الوسائل 18 : 336 أبواب الدين والقرض ب 9 ح 3.
3 ـ حكاه عن الحلي في المدارك 5 : 225 ، وهو في السرائر 2 : 35 ، المبسوط 1 : 251.
4 ـ كما في المعتبر 2 : 576 ، والمختلف : 181 ؛ وانظر المدارك 5 : 225.


(145)
    ويمكن دفعه : بأنّ ذلك وإن كان مقتضى‏ النصوص ، إلّا أنّها لضعفها لا تصلح لإثبات ذلك ، والشهرة الجابرة لها يُدار مَدار حصولها ولم تحصل على‏ اشتراط ذلك كذلك ، بل المتحقّق منها هو اشتراط عدم العلم بصرفه في معصية لا العلم بصرفه في غيرها ، وهو حاصل هنا.
    ثم لو سلّمنا كون الشرط هو العلم بصرفه في غيرها ـ كما هو مفاد النصوص ومقتضاها قلنا ـ : إنّ كون الأصل في تصرّفات المسلم الصحة في حكم العلم بذلك بحكم التتبع وشهادة الاستقراء.
    هذا ، ورجوع الشيخ في المبسوط إلى‏ المختار يقتضي كونه الآن إجماعيّاً ، ولكن مختاره في النهاية لعلّه أحوط وأولى.
     [ ويجوز ] للمزكّي [ مقاصّة المستحق ] للزكاة [ بدين ] له [ في ذمته ] بلا خلاف ظاهر مصرّح به في جملة من العبائر (1) ، بل في المدارك عن ظاهر المعتبر والمنتهى‏ والتذكرة أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (2) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.
    منها ـ زيادة على‏ ما مضى في بحث جواز تقديم الزكاة قرضاً ـ (3) الصحيح : عن دَين لي على‏ قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على‏ قضائه وهم مستوجبون للزكاة ، هل لي أن أدعه وأحتسب به عليهم من الزكاة ؟ قال : « نعم » (4).
    وظاهره كغيره أنّ المراد بالمقاصّة هي القصد إلى‏ إسقاط ما في ذمّته‏
1 ـ النهاية : 188 ، جامع المقاصد 3 : 32 ، الحدائق 12 : 195.
2 ـ المدارك 5 : 226.
3 ـ راجع ص : 113.
4 ـ الكافي 3 : 558 / 1 ، الوسائل 9 : 295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 2.


(146)
من الدين على‏ وجه الزكاة ، وبه صرّح جماعة (1) حاكين عن شيخنا الشهيد الثاني خلافه وهو احتساب الزكاة على‏ الفقير ثم أخذها مقاصّة من دينه (2). وهو بعيد.
    وإطلاق العبارة وجملة من النصوص المزبورة بل صريح بعضها المتقدم ثمّة : جواز الاحتساب بها عن الدين في الميّت أيضاً ، ونُفي عنه وعن جواز القضاء عنه أيضاً الخلاف في كلام جماعة (3) ، بل في المدارك : أنّه متّفق عليه بين علمائنا وأكثر العامة (4).
    وهل يشترط في الأداء عنه قصور تركته عن الوفاء بالدين كما عن الشيخ والإسكافي (5) ، أم لا كما عليه الفاضلان (6) ؟
    وجهان ، أحوطهما الأوّل إن لم يكن متعيّناً للصحيح : رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين ، أيؤدّي زكاته في دين أبيه وللابن مال كثير ؟ قال : « إن كان أبوه أورثه مالاً ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاءً عن جميع الميراث ، ولم يقضه من زكاته ، وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه ، فإذا أدّاها في دين أبيه على‏ هذه الحال أجزأت عنه » (7).
1 ـ كصاحب المدارك 5 : 225 ، والمحقق السبزواري في الكفاية : 40 ، وصاحب الحدائق 12 : 196.
2 ـ الروضة 2 : 48.
3 ـ منهم الشيخ في النهاية : 188 ، والمحقق في المعتبر 2 : 576 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 521.
4 ـ المدارك 5 : 227.
5 ـ المبسوط 1 : 251 ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : 183.
6 ـ المحقق في المعتبر 2 : 576 ، العلّامة في المختلف : 183.
7 ـ الكافي 3 : 553 / 3 ، الوسائل 9 : 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 1.


(147)
    وبه يضعف العموم المستدل به للثاني.
    وأضعف منه الاستدلال عليه بأنّه بموته انتقلت التركة إلى‏ ورثته فصار في الحقيقة عاجزاً. وهو كما ترى إذ لا انتقال إلّا بعد الدين ، لقوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (1).
     [ وكذا لو كان الدين على‏ من يجب ] على‏ المزكّي [ الإنفاق عليه ] من أب وأُمّ ونحوهما [ جاز ] له [ القضاء عنه ] وكذا المقاصة [ حيّاً ] كان أ [ وميّتاً ] بلا خلاف فيه أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (2) ، وفي المدارك وغيره (3) : أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب ومتّفق عليه بينهم ، وفيه عن ظاهر المعتبر والمنتهى‏ والتذكرة : أنّه متفق عليه بين العلماء (4) وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ العموم ، وخصوص ما مرّ من الصحيح في الأب الميت ، ولا قائل بالفرق ، والموثّق في الأب الحي (5).
    وبهذه الأدلّة يحمل ما دلّ على‏ أنّه لا يصرف الزكاة في واجبي النفقة على‏ أنّ المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة ، كما يدلّ عليه تعليله بأنّهم عياله لازمون له ، فإنّ قضاء الدين لا يلزم المكلّف بالإنفاق.

     [ و ] الصنف السابع : [ في سبيل اللَّه ] بالأدلّة الثلاثة : [ وهو كلّ ما كان قربة أو مصلحة ، كالجهاد والحج وبناء ] المساجد [ القناطر ] على‏ الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر على‏ الظاهر المصرّح به في كلام‏
1 ـ النساء : 11.
2 ـ الذخيرة : 465.
3 ـ المدارك 5 : 228 ؛ وانظر الحدائق 12 : 198.
4 ـ المعتبر 2 : 576 ، المنتهى 1 : 521 ، التذكرة 1 : 234.
5 ـ الكافي 3 : 553 / 2 ، الوسائل 9 : 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 2.


(148)
جماعة (1) ، وفاقاً للمبسوط والخلاف وابن حمزة والحلّي (2) ، وابن زهرة (3) مدّعياً عليه إجماع الطائفة واستدل عليه بعده بما استدل به سائر الجماعة من أنّ سبيل اللَّه هو الطريق إلى‏ ثوابه ، وما أفاد التقرّب إليه ، قال : وإذا كان كذلك جاز صرف الزكاة فيه.
    وزادوا عليه فاستدلوا بالمرسل في تفسيرهم : « أنّهم قوم يخرجون إلى‏ الجهاد وليس عندهم ما ينفقون به ، أو قوم مؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به ، أو في جميع سبيل الخير » (4) وإرساله منجبر بالعمل.
    وبأخبار أُخر فيها الصحيح وغيره تتضمّن جواز صرف الزكاة في الحج (5) ، ولا قائل بالفرق بينه وبين سائر القرب.
    وظاهره اعتبار الحاجة فيمن يدفع إليه هذا السهم ليحجّ أو يزور ، كما عليه شيخنا في المسالك والروضة (6) ، وسبطه لكن مع تأمّل له فيه (7) ، كالفاضل في التذكرة (8) وزاد جدّه فاشترط الفقر.
    ولم أعرف وجهه إن أراد به عدم تملّك مؤونة السنة ، لعموم الكتاب والسنّة بل ظاهرهما (9) ، لما مضى قريباً في نظير المسألة. وما دلّ على‏ أنّها
1 ـ المدارک 5 : 230 ، الذخيرة : 456 ، الحدائق 12 : 199.
2 ـ المبسوط 1 : 252 ، الخلاف 4 : 236 ، ابن حمزة في الوسيلة : 128 ، الحلّي في السرائر 1 : 456.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
4 ـ تقدّم مصدره في ص : 141 الهامش (4).
5 ـ الوسائل 9 : 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42.
6 ـ المسالك 1 : 60 ، الروضة 2 : 49.
7 ـ المدارك 5 : 232.
8 ـ التذكرة 1 : 234.
9 ـ من حيث العطف المقتضي للتغاير.


(149)
لسدّ الخلّة ورفع الحاجة لا يفيد اشتراطه ، بل اشتراط حاجةٍ ما مجامعةٍ لملك مؤونة السنة ، وهي هنا عدم تمكّن فاعل القرب منها بدونها مطلقاً ولو كان مالكاً لمؤونة السنة بكمالها.
    و بالجملة : الظاهر اشتراطه خاصّة لما عرفته ، دون الفقر بالمعنى المشهور ، فيعطى‏ مالك قوت السنة ليحجّ أو يزور مثلاً إذا لم يتمكّن منها بدونها ، وإن كان الترك أحوط وأولى.
    [ وقيل : يختص ] هذا السهم [ بالمجاهدين ] والقائل المفيد والديلمي والشيخ في النهاية (1) ولا وجه له بعد عموم الآية ، وصريح المرسلة.
    ودعوى‏ اختصاص الآية بهم بحكم التبادر ممنوعة ، كدعوى‏ ضعف سند المرسلة ، لانجبارها بالشهرة زيادة على‏ ما عرفته من الأدلّة.
    نعم ، في بعض النصوص الواردة في الوصية الأمر بإخراج ما اوصي به في سبيل اللَّه فيهم (2). لكن لا دلالة فيه صريحة بل ولا ظاهرة ، مع احتماله الحمل على‏ التقيّة ، فقد حكي القول بتفسير السبيل بهم عن أكثر العامة ومنهم أبو حنيفة (3) ، مع إشعار سياق الرواية به كما لا يخفى‏ على‏ من راجعه وتدبّره.
     [ و ] الصنف الثامن : [ ابن السبيل ] بالأدلّة الثلاثة [ وهو المنقطع به ] في غير بلده ، فيأخذ ما يبلغه بلده [ وإن كان غنيّاً في بلده ] إذا كان‏
1 ـ المقنعة : 241 ، المراسم : 133 ، النهاية : 184.
2 ـ الكافي 7 : 14 / 4 ، الفقيه 4 : 148 / 515 ، التهذيب 9 : 202 / 805 ، الاستبصار 4 : 128 / 485 ، الوسائل 19 : 341 كتاب الوصايا ب 33 ح 4.
3 ـ حكاه عنهم في المعتبر 2 : 577.


(150)
بحيث يعجز التصرف في أمواله ببيع ونحوه على‏ الأظهر وفاقاً للأكثر ، أو مطلقاً كما عن الماتن في المعتبر (1) ، ووافقه بعض من تأخّر (2) في الاستدانة فلم يعتبر العجز عنها خاصّة ، عملاً بعموم الآية.
    ويضعّف بما مرّ مراراً ، وسلّمه في مواضع أيضاً من أنّ الزكاة شرّعت لسدّ الخلّة ورفع الحاجة ، ولا حاجة مع التمكن من الاستدانة.
    وبنحو هذا يجاب عن إطلاق المرسلة أو عمومها ، حيث فسّرته بأبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللَّه ويقطع عليهم ويذهب مالهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى‏ أوطانهم من مال الصدقات (3).
    [ و ] ألحق به جماعة (4) [ الضيف ] والإسكافي المنشئ للسفر الواجب أو الندب (5).
    ولا ريب في ضعف الثاني ، مع ندوره ومخالفته لظاهر اللفظ ، وخصوص ما مرّ من المرسل المنجبر هنا بالعمل.
    وأمّا الأوّل فحسن إن كان مسافراً محتاجاً إلى‏ الضيافة ، لأنّه حينئذٍ داخل في ابن السبيل ، كما صرّح به الفاضل في المختلف وغيره (6) ، والفرق بينهما حينئذٍ ما نقل عن بعض الفضلاء أنّ الضيف نزيل عليك بخلاف ابن السبيل (7).
1 ـ المعتبر 2 : 578.
2 ـ كصاحب المدارك 5 : 236.
3 ـ تقدّم مصدرها في ص : 141 الهامش (4).
4 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 578 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 522 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 4 : 165.
5 ـ حكاه عنه في المنتهى 1 : 522.
6 ـ المختلف : 182 ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان 4 : 166 ، والذخيرة : 457.
7 ـ حكاه في التنقيح 1 : 322 أيضاً عن بعض الفضلاء.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس