رياض المسائل الجزء الخامس ::: 151 ـ 165
(151)
    ويشكل إن ابقي على‏ إطلاقه ، لعدم وضوح مأخذه عدا رواية مرسلة رواها من القدماء جماعة كالشيخين وابن زهرة (1).
    وإرسالها يمنع عن العمل بها ، سيّما وأنّ ظاهر هؤلاء النقلة لها عدم العمل بها وتركها ، والمفيد أرجعها إلى‏ المختار ، فقال ـ بعد قوله : وقد جاءت أنّهم الأضياف يراد بهم من أُضيف لحاجته إلى‏ ذلك وإن كان له في موضع آخر غنى أو يسار ـ : وذلك راجع إلى‏ ما قدّمناه وأشار به إلى‏ ما فسرّ به أوّلاً من أنّهم هم المنقطع بهم في الأسفار.
     [ ولو كان سفرهما معصية مُنِعا ] من هذا السهم بلا خلاف بين العلماء كما قيل (2) لما في ذلك من الإعانة على‏ الإثم والعدوان ، وللمرسلة المتقدمة.
    لكن ظاهرها اعتبار كون السفر طاعة كما عن الإسكافي (3) ، وباقي الأصحاب على‏ خلافه فاكتفوا بالمباح ، لعموم الآية ، وضعف سند المرسلة ، مع عدم جابر لها في المسألة ، مع أنّها ليست بتلك الصراحة ، لشيوع استعمال الطاعة فيما قابل المعصية ، بل ظاهر المختلف كون صدقها على‏ المباح على‏ الحقيقة (4) ، لكنه ضعيف غايته كما صرّح به ممن تأخّر عنه جماعة (5).
     [ وأمّا الأوصاف المعتبرة في الفقراء والمساكين ] بل وغيرهم على‏
1 ـ المفيد في المقنعة : 241 ، الطوسي في المبسوط 1 : 252 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقيهة ) : 568 ، الوسائل 9 : 213 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 9.
2 ـ المدارك 5 : 236.
3 ـ حكاه عنه في المختلف : 182.
4 ـ المختلف : 182.
5 ـ كصاحبي المدارك 5 : 236 والذخيرة : 457.


(152)
تفصيلٍ يأتي [ فأربعة ].

    الأوّل : [ الإيمان ] بالمعنى الخاص وهو الإسلام مع المعرفة بالأئمة عليهم السلام الاثني عشر سلام اللَّه تعالى عليهم.
    واعتباره فيمن عدا المؤلّفة مجمع عليه بين الطائفة على‏ المقطوع به المصرّح في كلام جماعة حدّ الاستفاضة ، كالإنتصار والغنية والمنتهى‏ والمدارك وغيرهما من كتب الجماعة (1) ، والصحاح به وغيرها مستفيضة بل متواترة ، سيأتي إلى‏ جملة منها الإشارة.
    [ فلا يعطى‏ كافر ] وهو مجمع عليه بين العلماء كافّةً إلّا النادر من العامّة كما في المنتهى‏ (2).
    [ ولا مسلم غير محقّ ] في الإمامة ، بإجماعنا والمتواتر من أخبارنا كما عرفته.
    [ وفي صرفها إلى‏ المستضعفين ] من أهل الخلاف الذين لا يعاندون في الحق [ مع عدم العارف ] بالإمامة [ تردّد ] للماتن هنا أوّلاً.
    ولعلّه من عموم الأدلّة المتقدمة بأنّها لأهل الولاية ومنع غيرهم عنها (3) ، حتى أنّ في بعضها : « إن لم تكن تُصِب لها أحداً أي من أهل الولاية فصُرّها صراراً واطرحها في البحر ، فإنّ اللَّه عزّ وجلّ حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على‏ عدوّنا » (4).
    قال في المنتهى‏ : وهذا نصّ في تحريم إعطائهم مع فقد المستحق ،
1 ـ الانتصار : 82 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 566 ، المنتهى 1 : 522 ، المدارك 5 : 236 ؛ وانظر المفاتيح 1 : 208 ، والذخيرة : 457.
2 ـ المنتهى 1 : 522.
3 ـ الوسائل 9 : 216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ، وص 247 ب 16.
4 ـ التهذيب 4 : 52 / 139 ، الوسائل 9 : 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 8.


(153)
وأمّا الأمر بالطرح في البحر فيحتمل أن يكون مع التيقن بفقد المستحق دائماً وإنّما الأصل حفظها إلى‏ أن يوجد المستحق (1).
    ومن ورود بعض النصوص بالجواز ، وفيه : قلت له : الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله ؟ قال : « يضعها في إخوانه وأهل ولايته » فقلت : فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال : « يبعث بها إليهم » قلت : فإن لم يجد من يحملها إليهم ؟ قال : « يدفعها إلى‏ من لا ينصب » قلت : فغيرهم ؟ فقال : « ما لغيرهم إلّا الحجر » (2).
    وأجاب عنه في المعتبر بضعف السند (3) ، وفي المنتهى‏ بالشذوذ (14) ، مشعراً بدعوى‏ الإجماع على‏ خلافه وإن حكى‏ القول به في عنوان المسألة ، ومع ذلك فلم يُعرِب عن قائله أنّه من هو ؟
    وعلى‏ هذا فلا ريب أنّ [ أشبهه المنع ] بل ولا وقع للتردّد في مثله ، لعدم مقاومة دليل الجواز مع ما عليه مما عرفته لمقابله من وجوه عديدة ، وإن تأيّد بما دلّ على‏ الجواز في زكاة الفطرة من المعتبرة المستفيضة ، لمعارضتها بمثلها بل وأجود ، مضافاً إلى‏ ما سيأتي فيها.
    [ وكذا ] الكلام [ في ] زكاة [ الفطرة ] فلا تُعطى‏ غير المؤمن مطلقاً على‏ الأشهر الأقوى‏ ، بل عليه في الانتصار والغنية إجماعنا (5) لعموم الأدلّة المتقدمة ، وصريح الصحيح : عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف ؟
1 ـ المنتهى 1 : 523.
2 ـ التهذيب 4 : 46 / 121 ، الوسائل 9 : 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7.
3 ـ المعتبر 2 : 580.
4 ـ المنتهى 1 : 523.
5 ـ الانتصار : 82 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ـ 569.


(154)
قال : « لا ، ولا زكاة الفطرة » (1).
    وفي معناه خبران آخران روي أحدهما عن العيون وفيه : « لا يجوز دفعها إلّا إلى‏ أهل الولاية » (2).
    وفي الآخر : « لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلّا مؤمناً » (3).
    وأُشير بالزكاة فيهما إلى‏ خصوص زكاة الفطرة المفروضة فيهما سؤالاً في أحدهما وجواباً في ثانيهما.
    خلافاً للمحكي في المختلف عن الشيخ في النهاية والمبسوط وموضع من الخلاف خاصة (4) ، فجوّز الدفع إلى‏ المستضعف مع عدم وجود المؤمن المستحق ، وعزاه في المدارك والذخيرة إليه ومن تبعه (5) ، ولم أعرف وجهه ، مع أنّه في المختلف حكى‏ عنه المختار في الاقتصاد أيضاً (6) ، فله قولان.
    ويدلّ على‏ قوله هذا : النصوص المستفيضة ، وهي ما بين مطلقٍ في جواز إعطائهم كالصحيح : أيصلح أن تُعطي الجيران والظؤورة (7) ممن لا يعرف ولا ينصب ؟ فقال : « لا بأس بذلك إذا كان محتاجاً » (8).
1 ـ الكافي 3 : 547 / 6 ، التهذيب 4 : 52 / 137 ، الوسائل 9 : 221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 1.
2 ـ العيون 2 : 120 / 1 ، الوسائل 9 : 358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 5.
3 ـ التهذيب 4 : 87 / 257 ، الاستبصار 2 : 51 / 170 ، الوسائل 9 : 358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 2.
4 ـ المختلف : 201 ، النهاية : 192 ، المبسوط 1 : 242 ، لم نعثر عليه في الخلاف وحكاه عنه في المختلف : 201.
5 ـ المدارك 5 : 239 ، الذخيرة : 470.
6 ـ المختلف : 201 ، الاقتصاد : 285.
7 ـ الظؤورة : جمع ظِئر وهي المرُضعة. مجمع البحرين 3 : 386.
8 ـ الفقيه 2 : 118 / 507 ، الوسائل 9 : 361 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 6.


(155)
    والموثّق (1) وغيره (2) : أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني ؟ فقال : « نعم ، الجيران أحقّ بها ، لمكان الشهرة ».
    والمكاتبة المضمرة : « تقسم الفطرة على‏ من حضر ، ولا يوجّه ذلك إلى‏ بلدة اُخرى‏ وإن لم يجد موافقاً » (3).
    وبين مقيّدٍ له بعدم وجود المؤمن كالموثّق : « هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم فلمن لا ينصب ، ولا ينقل من أرض إلى‏ أرض » (4).
    والخبر : « تعطيها المسلمين ، فإن لم تجد مسلماً فمستضعفاً » (5). وبهما يقيّد ما سبقهما.
    وهو حسن إن صلح الجميع لمقاوَمة ما قدّمناه ، وليست بمقاومة لها من وجوه شتّى‏ ، منها : اعتضادها بالشهرة العظيمة والإجماعات المحكية ، والموافقة للعمومات الكثيرة القريبة من التواتر ، بل المتواترة المعلّلة بعلل تجعلها كالصريحة.
    ولا كذلك هذه ، فإنّها بطرف الضدّ من المرجّحات المزبورة مع أنّ المطلقة منها مع قصور سند أكثرها وضعف جملة منها لا عمل على‏ إطلاقها
1 ـ الکافي 4 : 174 / 19 « التهذيب 4 : 88 / 259 « الاستبصار 2 : 51 / 172 « علل الشرائع : 391 / 1 ، الوسائل 9 : 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 2.
2 ـ التهذيب 4 : 89 / 262 ، الاستبصار 2 : 52 / 175 ، الوسائل 9 : 361 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 5.
3 ـ التهذيب 4 : 88 / 258 ، الاستبصار 2 : 51 / 171 ، الوسائل 9 : 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 4.
4 ـ التهذيب 4 : 88 / 260 ، الاستبصار 2 : 51 / 173 ، الوسائل 9 : 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3.
5 ـ الكافي 4 : 173 / 18 ، التهذيب 4 : 87 / 255 ، الوسائل 9 : 359 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 1.


(156)
إجماعاً.
    والمقيّدة الضعيف منها سنداً ليس بحجّة ، سيّما مع ضعف دلالته بعدم التصريح فيه بكون المستضعف فيه من العامّة فيحتمل المجانين والبُله من الشيعة ، كما صرّح به في المختلف قال : لأنّه عليه السلام قال : وإن لم تجد مسلماً فمستضعفاً ، ولا خلاف في أنّ غير المسلم لا يعطى‏ سواءً كان مستضعفاً أم لا ، فلا محمل للحديث سوى‏ حمله على‏ المجانين والبُله (1).
    والموثّق منها وإن كان حجّة على‏ المختار إلّا أنّه لم يبلغ قوة المعارضة لما قدّمناه من الأدلّة ، مضافاً إلى‏ أنّ ظاهره المنع من نقلها من أرض إلى أرض مع عدم وجود المستحق ، وهو خلاف الإجماع فتوىً وروايةً ، بل ظاهرهما أنّ المتمكّن من بعثها من بلدة إلى‏ أُخرى واجد لمستحقها ، وحينئذٍ فيكون الموثق من جملة ما دلّ على‏ جواز الدفع إلى‏ المستضعف مع وجود المستحق ولو في الجملة.
    هذا مع إمكان حملها على‏ الاتّقاء ، كما يستفاد من قرائن في جملة منها ، كتضمّن بعضها قوله : « لمكان الشهرة » وكون بعضها مكاتبة ، وراوي الصحيح منها علي بن يقطين الذي كان وزير الخليفة ، والمروي عنه فيه مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام ، والتقيّة كانت في زمانهما شديدة غاية الشدة.
    [ ويجوز أن تُعطى‏ أطفال المؤمنين ] بغير خلاف فيه بيننا أجده ، وبه صرّح جماعة (2) ، وفي المدارك : أنّه مجمع عليه بين علمائنا وأكثر العامة (3) والنصوص به مع ذلك مستفيضة (4).
1 ـ المختلف : 201.
2 ـ منهم المحقق السبزواري في الذخيرة : 458 ، وصاحب الحدائق 12 : 207.
3 ـ المدارك 5 : 240.
4 ـ الوسائل 9 : 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6.


(157)
    وإطلاقها كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق فيهم بين ما لو كان آباؤهم فُسّاقاً أم لا ، وبه صرّح الحلّي في السرائر والفاضل في المنتهى‏ بعد أن حكاه عن الشيخ في التبيان والمرتضى‏ (1) ، وتبعهم المتأخّرون ومنهم الشهيدان في اللمعة وشرحها (2) وفيه الإجماع عليه وعلى‏ جواز الإعطاء.
    فلا ريب فيه وإن اشترط العدالة في الآباء ، مضافاً إلى‏ الإطلاقات العامة ، مع اختصاص ما دلّ على‏ اشتراطها بالآباء ، ولا دليل على‏ تبعيّتهم لهم هنا ، وإنّما هو في تبعيّتهم لهم في الإيمان والكفر لا غيرهما ، وبذلك صرّح في المنتهى‏ (3).
    ومن التبعية في الكفر يظهر عدم جواز إعطاء أطفال غير المؤمنين ، كما هو ظاهر العبارة وغيرها ، بلا خلاف فيه أيضاً أجده.
    ثم ظاهر النصوص جواز الدفع إليهم من غير اشتراط وليّ ، كما صرّح به من متأخّري المتأخّرين جماعة من الفضلاء (4) إذا كانوا بحيث يصرفوها في وجه يسوغ للولي صرفها فيه ، وحكي عن الفاضل في المنتهى‏ (5).
    خلافاً له في التذكرة فمنع عن الدفع إليهم مطلقاً ، مستدلًا عليه بأنّه ليس محلا لاستيفاء ماله من الغرماء فكذا هنا ، ثم قال : ولا فرق بين أن يكون يتيماً أو غيره ، فإنّ الدفع إلى‏ الولي ، فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى‏ من يقوم بأمره ويعتني بحاله. انتهى‏ (6).
1 ـ السرائر 1 : 460 ، المنتهى 1 : 523 ، وحكي فيهما عن التبيان وطبريّات المرتضى ، ولم نعثر عليه فيهما.
2 ـ الروضة 2 : 50.
3 ـ المنتهى 1 : 523.
4 ـ كصاحب المدارك 5 : 241 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 458.
5 ـ المنتهى 1 : 526.
6 ـ التذكرة 1 : 236.


(158)
    وهو أحوط وأولى ، خروجاً عن شبهة شمول عموم أدلّة الحجر عليهم لمسألتنا ، وضعف دلالة الإطلاقات الواردة فيها ، بقوّة احتمال كون المراد من الدفع فيها هو صرفها فيهم بطريق شرعي ، مع أنّه مراد منها بالإضافة إلى‏ الصغار قطعاً ، وليس فيها التقييد بغيرهم أصلاً.
    قيل : وحكم المجنون حكم الطفل ، أما السفيه فإنّه يجوز الدفع إليه وإن تعلّق به الحجر بعده. انتهى‏ (1). ولا بأس به.
     [ ولو أعطى‏ مخالف ] في الحق زكاته [ فريقه (2) ثم استبصر ] وصار محقّاً عارفاً [ أعاد ] ها إجماعاً فتوىً ونصّاً.
    ففي الصحيح : « كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ اللَّه تعالى عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة فإنّه يعيدها ، لأنّه وضعها في غير موضعها ، لأنّها لأهل الولاية » (3) ونحوه آخران (4).

    و الثاني : [ العدالة ، وقد اعتبرها قوم ] من القدماء ، كالمفيد والشيخ والحلبي وابن حمزة والحلّي والقاضي والسيدين مدّعيَين عليه إجماعنا (5) ،
1 ـ المدارك 5 : 242.
2 ـ في المختصر المطبوع : فريضة.
3 ـ التهذيب 5 : 9 / 23 ، الاستبصار 2 : 145 / 472 ، الوسائل 9 : 216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 1.
4 ـ الأوّل : الكافي 3 : 545 / 1 ، التهذيب 4 : 54 / 143 ، علل الشرائع : 373 / 1 الوسائل 9 : 216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.
الثاني : الكافي 3 : 546 / 5 ، الوسائل 9 : 217 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 3.
5 ـ المقنعة : 242 ، الاقتصاد : 282 ، المبسوط 1 : 251 ، الكافي في الفقه : 172 ، الوسيلة : 129 ، السرائر 1 : 458 ، المهذَّب 1 : 169 ، الانتصار : 82 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.


(159)
وعزاه في الخلاف إلى‏ ظاهر مذهب أصحابنا (1) ، وهو مشعر به أو بالشهرة العظيمة بين القدماء.
    ولا ريب فيها ، بل لم نَرَ لهم مخالفاً لم يعتبر العدالة مطلقاً صريحاً بل ولا ظاهراً عدا ما يُحكى‏ عن ظاهر الصدوقين والديلمي (12) ، حيث لم يذكروها في الشروط.
    وهو ـ كما ترى ـ ليس فيه الظهور المعتدّ به ، سيّما وأن يقدح به في الإجماع المنقول ، فقد يحتمل اكتفاؤهم عنها بذكر الإيمان بناءً على‏ احتمال اعتبار العمل فيه عندهم ، كما يعزى‏ إلى‏ غيرهم من القدماء.
    نعم أكثر المتأخّرين على‏ عدم اعتبارها مطلقاً (3) ، وحكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا بعد أن عزاه إلى‏ جميع الفقهاء من العامّة العمياء (4) للأصل والعمومات كتاباً وسنّةً.
    وهو كما ترى لوجوب تخصيصهما بما مرّ من الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة العظيمة بين القدماء القريبة من الإجماع ، بل الإجماع حقيقة في اعتبار مجانبة الكبائر ، إذ لا خلاف بينهم أجده ، وبه تشعر العبارة هنا وفي الشرائع (5) ، حيث لم ينقل فيهما قولاً بعدم اعتبارها مطلقاً ، بل اعتبارها في الجملة أو مطلقاً.
    [ و ] كيف كان [ هو ] أي اعتبارها مطلقاً [ أحوط ] تحصيلاً
1 ـ الخلاف 4 : 224.
2 ـ حكاه عنهم في المختلف : 182.
3 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 580 ، والعلّامة في المختلف : 182 ، وصاحب المدارك 5 : 244.
4 ـ الخلاف 4 : 224.
5 ـ الشرائع 1 : 163.


(160)
للبراءة اليقينيّة ، وخروجاً عن الشبهة ، بل لا يبعد المصير إلى‏ تعيّنه لما عرفته ، وقد ذهب إليه من المتأخّرين الشهيد في اللمعة (1).
    والشهرة المتأخّرة ليست بتلك الشهرة التي تقوّي العمومات وتصونها عن قبولها التخصيص بما عرفته من الإجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة القديمة القطعيّة ، بل إجماعهم ولو في الجملة كما عرفته.
    هذا مضافاً إلى‏ اعتضاده ولو في الجملة بالمضمر : عن شارب الخمر يُعطى‏ من الزكاة شيئاً ؟ قال : « لا » (2).
    ولو لا إضماره لكان حجّة مستقلّة وإن ضعف سنده بغيره ودلالته بأخصّيته من المدّعى‏ ، لاختصاصه بشارب الخمر فلا يكون عامّاً لانجبار الأوّل بالشهرة والإجماعات المنقولة ، والثاني بعدم قائل بالفرق بين هذه الكبيرة وغيرها من الكبائر ، على‏ الظاهر المصرّح به في المنتهى‏ (3).
    [ و ] لولا أنّه [ اقتصر آخرون ] كالإسكافي (4) [ على‏ ] اعتبار [ مجانبة الكبائر ] خاصّة ، لأمكن الاستدلال بالرواية على‏ تمام ما اشتهر بين قدماء الطائفة ، هذا.
    ويمكن إرجاع هذا القول إلى‏ مختارهم بما ذكره شيخنا في الروضة ، حيث قال : الصغائر إن أصرّ عليها لحقت بالكبائر ، وإلّا لم يوجب فسقاً ، والمروّة غير معتبرة في العدالة هنا على‏ ما صرّح به المصنف في شرح‏
1 ـ الروضة 2 : 50.
2 ـ الكافي 3 : 563 / 15 ، التهذيب 4 : 52 / 138 ، المقنعة : 242 ، الوسائل 9 : 249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 1.
3 ـ المنتهى 1 : 523.
4 ـ حكاه عنه في المختلف : 182.


(161)
الإرشاد فلزم من اشتراط تجنب الكبائر اشتراط العدالة (1).
    وهو في غاية الجودة ، وإن تأمّل فيه في الذخيرة (2) ، ولعلّه لأنّ المتبادر من الكبائر في عبائرهم هو كلّ من الذنوب التي تكون بنفسه كبيرة لا باجتماع الصغائر ، سيّما في عبائر النقلة لهذا القول كالمتن والشرائع والمنتهى‏ (3) ، حيث جعلوه في مقابل القول باعتبار العدالة مطلقاً ، فتأمّل جدّاً.
    وكيف كان ، فما عليه القدماء لعلّه أقوى لما عرفت من الأدلّة المعتضدة بالرواية.
    ولا يعارضها المرسل المروي عن العلل : قلت للرجل ـ يعني أبا الحسن ـ : ما حدّ المؤمن الذي يعطى‏ الزكاة ؟ قال : « يعطى‏ المؤمن ثلاثة آلاف » ثم قال : « أو عشرة آلاف ، ويعطى الفاجر بقدر ، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللَّه ، والفاجر ينفقها في معصية اللَّه » (4).
    لأنّه مع ضعفه بالإرسال وغيره غير دالّ على‏ الجواز مطلقاً ، كما هو ظاهر القوم ، بل على‏ إعطائه بقدر ، ولم يذكروا هذا الشرط ، فتأمّل.
    ومع ذلك فيحتمل قويّاً حمله على‏ التقيّة ، لكونه مذهب فقهاء العامّة كما تقدّم عن الخلاف (5) ، وفي المعتبر والمنتهى‏ عزياه إلى‏ فقهائهم الأربعة (6) ، وربما يعضده سياق الرواية ، كما لا يخفى‏ على‏ من تدبّر (7).
1 ـ الروضة 2 : 51.
2 ـ الذخيرة : 458.
3 ـ الشرائع 1 : 163 ، المنتهى 1 : 523.
4 ـ علل الشرائع : 372 / 1 ، الوسائل 9 : 249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 2.
5 ـ في ص : 159.
6 ـ المعتبر 2 : 580 ، المنتهى 1 : 523.
7 ـ لكونها أولاً عن أبي الحسن عليه السلام ، والتقية في زمانه كانت في غاية الشدَّة ،


(162)
    واعلم : أن محل الخلاف إنّما هو من عدا المؤلفة والعاملين عليها ، لاعتبار العدالة فيهم دون المؤلّفة إجماعاً ، على‏ الظاهر ، المصرّح به في الدروس والروضة وغيرهما (1) في الأوّل ولتضمّن العُمالة الايتمان قطعاً ، وللصحيح : « ولا توكّل به إلّا ناصحاً شفيقاً أميناً » (2) ولا أمانة لغير العدل ، فتأمّل.
    وعلى‏ ما صرّح به جماعة ممّن اعتبرها فيمن عداهما في الثاني ، ومنهم الشيخ في الجمل والاقتصاد وابنا حمزة وزهرة والشهيدان في اللمعتين (3) ، قال ثانيهما : لأنّ كفرهم مانع من العدالة والغرض منهم يحصل بدونها. انتهى‏. وهو حسن ، ومنه يظهر اتّفاق الكل عليه أيضاً.

    الثالث : [ أن لا تكون ممّن تجب ] عليه [ نفقته ] شرعاً [ كالأبوين وإن عَلَوا والأولاد وإن سفلوا (4) والزوجة ] الدائمة الغير الناشزة [ والمملوك ] إجماعاً ـ على‏ الظاهر ـ المصرّح به مستفيضاً (5) ، بل هو قول كل من يحفظ عنه العلم كما في المنتهى‏ (6) والنصوص به مع ذلك‏
و عدوله عليه السلام عن الجواب بما يوافق السؤال ويناسبه من تحديد المؤمن وحاله من فسق أو عدالة مثلاً إلى الجواب بتحديد مقدار ما يعطى من عشرة آلاف أو ثلاثة ، فان في ذالك تنبيهات واضحة على ورود الحكم فيها للتقية كما لا يخفى على من أنصف وأعطى التأمّل فيها حقّه. ( منه رحمه الله ).
1 ـ الدروس 1 : 242 ، الروضة 2 : 50 ؛ وانظر المفاتيح 1 : 208.
2 ـ الكافي 3 : 536 / 1 ، التهذيب 4 : 96 / 274 ، المقنعة : 256 ، الوسائل 9 : 129 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.
3 ـ الرسائل العشر : 206 ، الاقتصاد : 282 ، الوسيلة : 129 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، الروضة 2 : 50.
4 ـ في المختصر المطبوع : نزلوا.
5 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، المدارك 5 : 245 ، المفاتيح 1 : 208.
6 ـ المنتهى 1 : 523.


(163)
مستفيضة.
    ففي الصحيح (1) وغيره المروي في العلل وغيره (2) : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً : الأب ، والأُمّ ، والولد ، والمملوك ، والزوجة وذلك أنّهم عياله لازمون له ».
    والخبران المخالفان لذلك (3) ـ مع شذوذهما ـ ضعيفان سنداً ، محتملان لمحامل أقربها الحمل على‏ صورة العجز عن كمال نفقتهم الواجبة ، لجواز دفع التتمة منها حينئذٍ ، كما صرّح به جماعة (4) من غير خلاف بينهم أجده للأصل وانتفاء المانع ، وخصوص جملة من المعتبرة.
    بل قيل بجواز الدفع أيضاً للتوسعة (5) لعدم وجوبها على‏ المنفق ، ولفحوى‏ التعليل في الصحيحة ، فإنّ مقتضاه أنّ المانع لزوم الإنفاق.
    وردّ باحتمال كون المقصود منه التنبيه على‏ أنّهم لكونهم لازمين له بناءً لى‏ وجوب نفقتهم عليه بمنزلة الأغنياء ، فلا يجوز الدفع إليهم ، فلا يقتضي التخصيص.
    أقول : و يعضده ورود التعليل في غير الصحيح هكذا : « لأنّه يجبر على‏ نفقتهم » فتدبّر.
1 ـ الكافي 3 : 552 / 5 ، التهذيب 4 : 56 / 150 ، الاستبصار 2 : 33 / 101 ، الوسائل 9 : 240 أبواب المستحقّين للزكاة ب 13 ح 1.
2 ـ علل الشرائع : 371 / 1 الخصال : 288 / 45 ، الوسائل 9 : 241 أبواب المستحقّين للزكاة ب 13 ح 4. وفيها : « لاُنّه يجبر على النفقة عليهم ».
3 ـ الكافي 3 : 552 / 9 و 10 ، التهذيب 4 : 56 / 152 ، الوسائل 9 : 243 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 3 و 4.
4 ـ منهم : الشيخ في التهذيب 4 : 57 ، والاستبصار 2 : 34 ، وصاحب المدارك 5 : 246.
5 ـ البيان : 316 ، الذخيرة : 459 ، الحدائق 12 : 211.


(164)
    لكن يضعّفه اقتضاء التعليل المنعَ عن الدفع للتوسعة إذا كان من غير المُنفق عليهم أيضاً. وهو خلاف مختار المورد وجماعة (1) حيث صرّحوا بجوازه له للعموم ، والصحيح : عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مؤونته ، أيأخذ من الزكاة شيئاً فيوسّع به إذا كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه ؟ قال : « لا بأس » (2).
    فالجواز لعلّه أقوى وإن كان الأحوط الترك مطلقاً حتى في غير المنفق ، وفاقاً للمحكي عن التذكرة (3) لعموم : « لا يُعطون من الزكاة شيئاً » واحتمالِ كون مفاد التعليل ما ذكره المورد ، وعدمِ صراحة الصحيح في التوسعة ، لاحتماله الاختصاص بكمال النفقة وإن ذكر في صدره أنّه يكفونه مؤونته لاحتمال كون المراد الكفاية في الجملة بحيث لا ينافي القصور عن كمال النفقة. وهو وإن بَعُد غايته إلّا أنّه يقربه « لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه » في ذيل الرواية.
    ويتأكّد الاحتياط في الزوجة ، بل صرّح من هؤلاء بإخراجها (4) جملة ، لأنّ نفقتها كالعوض ، فتكون كذي العقار الذي يستعين بالأُجرة.
    ولو امتنع المُنفق من الإنفاق جاز التناول للجميع قولاً واحداً ، كما صرّح به جماعة (5).
1 ـ منهم : الشهيد الأوّل في الدروس 1 : 242 ، وصاحب المدارك 5 : 247.
2 ـ الكافي 3 : 561 / 5 ، التهذيب 4 : 108 / 310 ، المقنعة : 264 ، الوسائل 9 : 238 أبواب المستحقين للزكاة ب 11 ح 1.
3 ـ التذكرة 1 : 231 ، 234.
4 ـ عن الحكم باعطائها للتوسعة. منه رحمه الله.
5 ـ منهم : صاحب المدارك 5 : 247 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 209 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 459.


(165)
    ويجوز للزوجة إعطاؤها زوجها وإنفاقه عليها على‏ الأشهر الأقوى‏ للأصل ، وانتفاء المانع.
    خلافاً للصدوق في الأوّل (1) ، والإسكافي في الثاني (2). ومستندهما غير واضح.
    ثم إنّ هؤلاء إنّما يُمنعون من سهم الفقراء ، وإلّا فيجوز الدفع إليهم من غيره ، على‏ المقطوع به بين الأصحاب كما في الذخيرة (3) ، وفي غيرها نفي الخلاف عنه (4).
    ولا ريب فيه للمعتبرة المتقدّمة المجوزة لقضاء دَين الأب منها وشرائه (5).
    واحترز بالدائمة وغير الناشزة عنها وعن المتمتّع بها لعدم وجوب الإنفاق عليهما اتّفاقاً.
    و هل يجوز الدفع إليهما ؟ الأقوى‏ لا في الناشزة لفسقها ، أو تمكّنها من النفقة في كل وقت أرادت الطاعة فتشبه الأغنياء ، وفي المعتبر عليه الإجماع (6).
    ونعم في المتمتّع بها للعموم ، مع خروجها عن النصوص ، لعدم تبادرها من لفظ الزوجة المطلق فيها فلا تدخل فيه ، مع أنّها ليست بزوجة حقيقة على‏ الأقوى‏ ، بل مستأجرة كما في رواية ، مع فقد المناط للمنع فيها والعلّة ، وهي كونها من واجبي النفقة.
1 ـ كما في المقنع : 52.
2 ـ حكاه عنه في المختلف : 183.
3 ـ الذخيرة : 459.
4 ـ راجع ص : 147.
5 ـ المعتبر 2 : 582.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس