رياض المسائل الجزء الخامس ::: 166 ـ 180
(166)
     [ و ] يجوز أن [ يعطى‏ باقي الأقارب ] بلا خلاف للأصل ، والعموم ، والنصوص المستفيضة.
    بل الدفع إليهم أفضل لعموم : [ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ ] (1) وصريح الموثق : قلت له : لي قرابة أُنفق على‏ بعضهم وأُفضّل بعضهم على‏ بعض ، فيأتيني إبّان الزكاة أفأُعطيهم منها ؟ قال : « مستحقّون لها ؟ » قلت : نعم ، قال : « هم أفضل من غيرهم ، أعطهم » (2).
    وفي الخبر : أيّ الصدقة أفضل ؟ فقال : « على‏ ذي الرحم الكاشح » (3) وقريب منه غيره (4).
    ويستفاد من الموثّقة جواز الإعطاء ولو مع العيلولة. وهو كذلك حتى فيمن عدا الأقارب للأصل ، والعموم ، وانتفاء المانع وهو وجوب النفقة على‏ ما مرّ في الصحيحة ، وعليه الإجماع في صريح المدارك والتذكرة على‏ ما حكاه عنه في الذخيرة (5) ، ونفى عنه الخلاف أيضاً بعض الأجلّة (6).
    الرابع : [ أن لا يكون هاشميّاً ، فإنّ زكاة غير قبيله محرّمة عليه ] في الجملة ، باتّفاق الخاصة والعامة ، كما صرّح به جماعة (7) والصحاح به‏
1 ـ الأنفال : 75.
2 ـ الكافي 3 : 55 1/ 1 ، التهذيب 4 : 56 / 149 ، الاستبصار 2 : 33 / 100 ، الوسائل 9 : 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 2.
3 ـ الكافي 4 : 10 / 1 ، الفقيه 2 : 38 / 165 ، التهذيب 4 : 106 / 301 ، المقنعة : 261 ، ثواب الأعمال : 173 / 18 ، الوسائل 9 : 411 أبواب الصدقة ب 20 ح 1.
الكاشح : العدّو الذي يضمر عداوته ويطوي عليها كشحه أي باطنة. النهاية لابن الأثير 4 : 175.
4 ـ الجعفريات : 55 ، المستدرك 7 : 193 أبواب الصدقة ب 18 ح 1.
5 ـ المدارك 5 : 248 ، التذكرة 1 : 234 ، الذخيرة : 459.
6 ـ الحدائق 12 : 214.
7 ـ كالفاضلين في المعتبر 2 : 583 ، والتحرير 1 : 69 ، والمنتهى 1 : 524 ،


(167)
وغيرها مستفيضة بل متواترة (1).
     [ دون زكاة الهاشمي ] فإنّها لا تحرم عليه مطلقاً ، بإجماعنا الظاهر ، المحكي في صريح الانتصار والغنية والخلاف وظاهر المنتهى‏ وغيرها (2) والنصوص به مع ذلك مستفيضة جدّاً (3).
    [ و ] كذا [ لو قصر الخمس عن كفايته جاز ] له [ أن يقبل الزكاة ] مطلقاً [ ولو ] كان [ من غير الهاشمي ] بإجماعنا الظاهر ، المحكي أيضاً في صريح الانتصار والغنية وظاهر المنتهى‏ وغيرها (5).
    وللموثّق : « لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى‏ صدقة ، إنّ اللَّه تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم » ثم قال : « إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئاً فيكون ممّن تحلّ له الميتة » (1).
    وعليه يحمل إطلاق أُخَر أو الخبر : « أعطوا من الزكاة بني هاشم مَن أرادها ، فإنّها تحلّ لهم ، وإنما تحرم على‏ النبي صلى الله عليه وآله ، وعلى‏ الإمام الذي يكون بعده ، وعلى‏ الأئمة عليهم السلام » (6).
و التذكرة 1 : 235 ، وصاحبي المدارك 5 : 250 ، والحدائق 12 : 215.
1 ـ الوسائل 9 : 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
2 ـ الانتصار : 84 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، الخلاف 3 : 540 ، المنتهى 1 : 524 ؛ وانظر المدارك 5 : 252.
3 ـ الوسائل 9 : 273 أبواب المستحقين للزكاة ب 32.
4 ـ الانتصار : 85 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، المنتهى 1 : 526 ؛ وانظر الحدائق 12 : 219.
5 ـ التهذيب 4 : 59 / 159 ، الاستبصار 2 : 36 / 111 ، الوسائل 9 : 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1.
6 ـ الكافي 4 : 59 / 6 ، الفقيه 2 : 19 / 65 ، التهذيب 4 : 60 / 161 ، الاستبصار 2 :


(168)
    ويكون وجه اختصاص الأئمة منهم بالذكر أنهم لا يضطرّون إلى‏ أكل الزكوات والتقوّي بها ، وغيرهم قد يضطرّون إليها.
    ويحتمل الحمل على‏ المندوبة أن حرّمناها على‏ الأئمة كما احتمله في المنتهى‏ (1) ، لكن حكى‏ خلافه عن أكثر علمائنا (2) ويشهد لهم بعض الصحاح الآتية في جواز أخذهم من المندوبة (3).
    أو على‏ ما إذا كانوا عاملين عليها ، بناءً على‏ جواز أخذهم من سهم هؤلاء ، كما عليه قوم على‏ ما حكى‏ عنهم في المبسوط والسرائر (4) ، ولكن الظاهر على‏ ما في المختلف أنّهم من العامة العمياء ، قال : إذ لا أعرف في ذلك لعلمائنا قولاً وأكثرهم منع من إعطاء بني هاشم مطلقاً ـ إلى‏ أن قال ـ : وبالجملة فإن كان القوم الذين نقل الشيخ وابن إدريس عنهم من علمائنا صارت المسألة خلافية ، وإلّا فلا. انتهى‏ (5).
    هذا ، والمعتمد عدم جواز أخذهم مطلقاً لدعوى‏ الشيخ بنفسه في الخلاف الإجماع عليه ، ولم يَحك خلافاً فيه إلّا عن بعض أصحاب الشافعي(6) ولإطلاق الأدلّة المانعة بل صريح بعضها كالصحيح : « إنّ أُناساً
36 / 110 ، المقنع : 55 ، الوسائل 9 : 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 5.
1 ـ المنتهى 1 : 526.
2 ـ المنتهى 1 : 525.
3 ـ انظر ص : 171.
4 ـ المبسوط 1 : 248 ، السرائر 1 : 460.
5 ـ المختلف : 184.
6 ـ فانه قال في كتاب قسمة الصدقات ( الخلاف 4 : 213 ) : لا يجوز لأحدٍ من ذوي القربى أن يكون عاملاُ في الصدقات لان الزكاة محرمة عليهم وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه ، وفي أصحابه من قال بجواز ذالك ، لأن ما يأخذه على جهة المعاوضة كالإجارات دليلنا اِجماع الفرقة ، إلى آخر ما قاله. ( منه رحمه الله ).


(169)
من بني هاشم أتَوا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فسألوه أن يستعملهم على‏ صدقات المواشي ، قالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللَّه تعالى للعاملين عليها فنحن أولى‏ به ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : يا بني عبد المطّلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم ، ولكنّي قد وعدت الشفاعة » (1) الخبر.
    وظاهر العبارة عدم تقدّر المأخوذ في الضرورة بقدرها ، وهو ظاهر كلّ من أطلق الجواز من غير تقدير ، كالسيّدين وغيرهما (2) ، وجعله في المختلف أشهر واختاره ، قال : لأنّه أُبيح له الزكاة فلا تتقدّر بقدر ، أمّا المقدمة الاولى‏ فلأنّ التقدير ذلك ، وأمّا الثانية فلما رواه .. (3) ثم ساق بعض الروايات الدالة على‏ جواز الإعطاء إلى‏ أن يحصل الغنى‏.
    وفيه : أن المتبادر منها غير مسألتنا ، ومع ذلك فالموثّقة السابقة لعلّها ظاهرة في تقدّرها بقدر الضرورة كأكل الميتة.
    [ و ] لعلّه لذا [ قيل : ] إنّه [ لا يتجاوز قدر الضرورة ] وحكاه في التنقيح عن الشيخ (4) ، واستقر به الشهيدان في الدروس والروضة (5) ، والفاضل في التحرير والمنتهى‏(6) ، وجماعة من المتأخّرين منهم (7). ولا ريب أنّه أحوط وأولى.
1 ـ الكافي 4 : 58 / 1 ، التهذيب 4 : 58 / 154 ، الوسائل 9 : 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
2 ـ الانتصار : 85 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 وانظر الحدائق 12 : 220.
3 ـ المختلف : 185.
4 ـ التنقيح الرائع 1 : 325.
5 ـ الدروس 1 : 243 ، الروضة 2 : 52.
6 ـ التحرير : 69 ، المنتهى 1 : 526.
7 ـ كصاحب المدارك 5 : 254 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 461 ، وصاحب الحدائق 12 : 219.


(170)
    وفُسّر قدر الضرورة بقدر قوت يوم وليلة ، وما يفهم من الموثّقة أخصّ منه كما صرّح به جماعة (1).
     [ وتحلّ ] الزكاة [ لمواليهم ] أي عتقائهم ، كما صرّح به في التحرير والمنتهى‏ (2) ، قال : وعليه علماؤنا للعموم ، وخصوص النصوص المستفيضة المتضمنة للصحيح والحسن وغيرهما (3).
    وأمّا الموثّق : « مواليهم منهم ، ولا تحلّ الصدقة من الغريب لمواليهم ، ولا بأس بصدقات مواليهم عليهم » (4) فحمله الشيخ تارة على‏ كونهم مماليك ، وأُخرى على‏ الكراهة (5) ، كما حكاها في المختلف عن الإسكافي واختارها (6).
    ولا بأس بهما جمعاً بين الأدلّة. لكنّ الأوّل ربما ينافيه ذيل الرواية لأنّ المملوك لا يملك شيئاً يتصدق به.
    أقول : ويحتمل الحمل على‏ التقيّة ، فقد حكى‏ المنع في المنتهى‏ عن بعض العامّة (7).
     [ و ] اعلم أنّ الصدقة [ المندوبة لا تحرم على‏ هاشمي ولا غيره ] بلا إشكال في الثاني.
1 ـ منهم : صاحبوا المدارك 5 : 254 ، والذخيرة : 461 ، والحدائق 12 : 219.
2 ـ التحرير : 69 ، المنتهى 1 : 525.
3 ـ الوسائل 9 : 277 أبواب المستحقين للزكاة ب 34.
4 ـ التهذيب 4 : 59 / 159 ، الاستبصار 2 : 37 / 115 ، الوسائل 9 : 278 أبواب المستحقين لللزكاة ب 34 ح 5.
5 ـ راجع التهذيب والاستبصار ذيل الحديث.
6 ـ المختلف : 184.
7 ـ المنتهى 1 : 525.


(171)
    وأمّا الأوّل فهو المشهور بين الأصحاب حتى عزاه في المنتهى‏ إلى‏ علمائنا وأكثر العامة (1) ، وكذا في المدارك (2) ، ونفى عنه الخلاف في المفاتيح (3) ، وقريب منه في الذخيرة كما ستعرفه (4) ، مؤذنين بدعوى‏ الإجماع عليه ، كما صريح الخلاف (5) والنصوص به مع ذلك مستفيضة.
    منها الصحيح : « لو حرمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى‏ مكة ، لأنّ كلّ ما بين مكة والمدينة فهو صدقة » (6).
    والخبر ـ أو الصحيح كما قيل ـ : أتحلّ الصدقة لبني هاشم ؟ قال : « إنّما تلك الصدقة الواجبة على‏ الناس لا تحلّ لنا ، فأما غير ذلك فليس به بأس ، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى‏ مكة ، هذه المياه عامّتها صدقة » (7).
    وفي آخَرَين : عن الصدقة التي حرمت على‏ بني هاشم ما هي ؟ فقال : « الزكاة المفروضة » (8).
    ويستفاد منهما جواز ما عدا الزكاة ولو كانت واجبة كالكفارة والموصى‏ بها والمنذورة ، وبه صرّح في المدارك (9) ، وقوّاه في الذخيرة ،
1 ـ المنتهى 1 : 525.
2 ـ المدارك 5 : 255.
3 ـ المفاتيح 1 : 232.
4 ـ الذخيرة : 461.
5 ـ الخلاف 3 : 541.
6 ـ التهذيب 4 : 61 / 165 ، الوسائل 9 : 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 1 ، وفيه « كلّ ماء » بدل « كلّ ما ».
7 ـ المدارك 5 : 255.
8 ـ الكافي 4 : 59 / 3 ، التهذيب 4 : 62 / 166 ، المقنعة : 243 ، الوسائل 9 : 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.
9 ـ المدارك 5 : 256.


(172)
قال : واحتمل المصنف المنع في التذكرة (1).
    أقول : ولعلّه لعموم ما دلّ على‏ منعهم من مطلق الصدقة من غير تقييد بالزكاة المفروضة ، مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة سوى‏ الخبرين المتقدم إليهما الإشارة. وهما لضعفهما سنداً لا يصلحان لتقييد الإطلاقات بل العمومات المتواترة من طرق الخاصة والعامة ، وإنّما قيّدناها بهما بالإضافة إلى‏ المندوبة لضرورة الإجماعات المحكية والاعتضاد بالصحيحة والشهرة العظيمة التي لا يكاد يوجد لها مخالف عدا ما يحكى‏ أيضاً عن التذكرة.
    قال فيها : وما روي عن الإمام الباقر عليه السلام : أنّه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ، فقيل له أتشرب من الصدقة ؟ فقال : « إنّما حرم علينا الصدقة المفروضة » (2) مما تفرّد بروايته العامة (3).
    وهو ـ كما ترى ـ في غاية الغرابة إن صحّت الحكاية عنه والنسبة ، ويشبه أن تكون سهواً من الحاكي ، وإلّا فلم يَحكِ عنه الخلاف أحد من علمائنا ، بل في الذخيرة مع نقله عنه احتمال المنع عن الكفارة لم ينقل عنه الخلاف في المندوبة ، بل قال : لا أعلم فيه خلافاً بين أصحابنا (4).
    وكيف كان ، لا شبهة في ضعفه وإن شهدت له جملة من النصوص الظاهرة القريبة من الصراحة (5) ، لعدم مكافأتها الأدلّة المتقدّمة ، وإن تأيّدت بإطلاقات الأخبار المانعة.
1 ـ الذخيرة : 461 ، التذكرة 1 : 235.
2 ـ المغني والشرح الكبير 2 : 520.
3 ـ التذكرة 1 : 235.
4 ـ الذخيرة : 461.
5 ـ انظر الوسائل 9 : 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.


(173)
     [ والذين تحرم عليهم ] الصدقة [ الواجبة وُلد عبد المطّلب ] بن هاشم بن عبد مناف دون عمّه المطلب (1) ، بلا خلاف ظاهر ولا محكي ، إلّا عن شيخنا المفيد في الرسالة العزيّة والإسكافي ، فعمّما التحريم لوُلدهما (2) للموثق المتقدم (3).
1 ـ وذكر الفاضلان وغيرهما أن وُلد عبد المطلّب الاّن أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب.
    وذكر الشيخ في النهاية ( ص 186 ) أن بني هاشم هم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين عليه السلام وجعفر بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب وعباس بن عبد المطلّب.
    وقال ابن ادريس في السرائر بعد نقل كلامه : وهذا القول ليس بواضح ، قال : والصحيح أن قصيّ بن كلاب ـ واسمه زيد ، وكان يسمّى مجمعاُ لأنه جمع قبائل قريش وانزلها مكة ، وبنى دار الندوة ـ وَلَد عبد مناف وعبد الدار وعبد العّزى. فأما عبد المناف فاسمه المغيرة فولد هاشماُ وعبد الشمس والمطلّب ونوفلاُ وأبا عمرو.
    فأما هاشم بن عبد مناف فولد عبد المطلّب وأسداُ وغيرهما ممّن لم يعقب.
    فولد عبد المطلب عشرةً من الذكور وست بنات أمساؤهم : عبد الله وهو أبو النبي عليه السلام ، والزبير ، وأبو طالب واسمه عبد المناف ، والعباس ، والمقّوم ، وحمزة ، وضرار ، وأبو لهب واسمه عبد العزّى ، والحارث ، والغيداق واسمه جَحْل ، والجحل : اليعسوب العظيم. وأسماء البنات : عاتكة ، وأميمة ، والبيضاء ، وبرّة ، وصفية ، وأروى. وهؤلاء الذكور والإناث لاُمّهات شتّى.
    فلم يعقب هاشم الا من عبد المطلب عليه السلام ، ولم يعقب عبد المطلّب من جميع أولادة الذكور الاّ من خمسة وهم : عبد الله ، وأبو طالب ، والعباس ، والحارث ، وأبو لهب.
    فجميع هؤلاء وأولاد هؤلاء تحرم عليهم الزكاة الفريضة مع تمكنكنّهم من أخماسهم ومستحقاتهم ، وهؤلاء بأعيانهم أيضاُ مستحقّوا الخمس.
    وإلى ما حرّرنا واخترنا يذهب شيخنا في مسائل خلافه ، واِنما أورده اِيراداً في نهايته للحديث الواحد ، لا اعتقاداً. انتهى ( السرائر 1 : 461 ). وما ذكره من قوله : فولد عبد المطلّب عشرة من الذكور وستّ بنات ، حكاه في المدارك ( 5 : 257 ) عن جماعة من أهل النسب. ( منه رحمه الله ).
2 ـ حكاه عنهما في المدارك 5 : 256 ، والمعتبر 2 : 585.
3 ـ في ص : 167.


(174)
    وهو مع عدم صراحته نادر ، كما أجاب به عنه الفاضلان في المعتبر والمنتهى‏ (1) ، مشعرين بدعوى‏ الإجماع على‏ خلافه ، فلا يخصّص بمثله عموم نحو الكتاب.
    مضافاً إلى‏ إشعار جملة من المستفيضة بالاختصاص ببني هاشم ، حيث اقترت على‏ ذكرهم خاصة من غير إشارة في شي‏ء منها إلى‏ غيرهم بالكلية.
    بل قال في المنتهى‏ : وتخصيص الصادق عليه السلام التحريم يدل على‏ نفيه عمّا عدا المخصوص ، وذلك في قوله : « لا يحلّ لوُلد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم » (2) وكذا في قول النبي صلى الله عليه وآله : « إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم يا بني عبد المطّلب » (3) والمراد بذلك كله شرف المنزلة وتعظيم آله عليهم السلام ، فلو شاركهم بنو المطّلب في ذلك لذكره ، لأنّه في معرض التعظيم لنسبه (4).

     [ وأمّا اللواحق : فمسائل ] تسع :
    الاولى‏ : [ يجب دفع الزكاة ] إلى‏ الإمام عليه السلام [ إذا طلبها ] قطعاً لوجوب إطاعته وتحريم مخالفته.
     [ ويقبل قول المالك لو ادّعى‏ الإخراج ] بنفسه ولا يكلّف يميناً ولا بيّنةً
1 ـ المعتبر 2 : 585 ، المنتهى 1 : 525.
2 ـ التهذيب 4 : 59 / 158 ، الاستبصار 2 : 35 / 109 ، الوسائل 9 : 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.
3 ـ الكافي 4 : 58 / 1 ، التهذيب 4 : 58 / 154 ، الوسائل 9 : 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
4 ـ المنتهى 1 : 525.


(175)
بغير خلاف أجده ، قيل : لأنّ ذلك حقّ له كما هو عليه ولا يعلم إلّا من قِبَله ، وجاز احتسابه من دَين وغيره مما يتعذّر الإشهاد عليه (1).
    ويدلُّ عليه أيضاً جملة من النصوص الواردة في آداب المصدّق ، ففي الصحيح وغيره خطاباً له : « قل : يا عباد اللَّه ، أرسلني إليكم ولي اللَّه لآخذ منكم حق اللَّه تعالى في أموالكم ، فهل للَّه تعالى في أموالكم من حق فتؤدّوه إلى‏ وليّه ؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه » (2) الحديث.
    وكذا يقبل دعواه عدم الحول وتلف المال وما ينقص النصاب ما لم يعلم كذبه ، ذكر ذلك شيخنا في الروضة ، قال : ولا تقبل الشهادة عليه في ذلك إلّا مع الحصر ، لأنّه نفي (3).
     [ ولو بادر المالك بإخراجها ] إلى‏ المستحق بنفسه أو وكيله قبل الدفع إلى‏ الإمام أو نائبه حيث يجب عليه [ أجزأته ] كما هنا ، وفي الإرشاد والتذكرة (4) لأنّه دفع المال إلى‏ مستحقه ، فخرج عن العهدة كالدين إذا دفعه إلى‏ من يستحقه.
    خلافاً للشيخ وجماعة (5) ، فلا تجزئ لأنّه عبادة ولم يؤت بها على‏
1 ـ الروضة 2 : 54.
2 ـ الكافي 3 : 536 / 1 ، التهذيب 4 : 274 ، المقنعة : 254 ، الوسائل 9 : 129 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.
3 ـ الروضة 2 : 54. قيل في تفسيرة : أي لأنَّ دعواه تتضمن النفي ، والشهادة على النفي لا تكون الا على وجه الحصر ، أو لأنَّ شهادتهم على نفي ما يدّعيه فيعتبر في الشهادة الحصر ، وهذا أنسب. ( منه رحمه الله ).
4 ـ الإرشاد 1 : 288 ، التذكرة 1 : 241.
5 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 244 والخلاف 4 : 225 ؛ وانظر الوسيلة : 130 ، والدروس 1 : 246 ، والروضة 2 : 53 ، والمدارك 5 : 260 ، والذخيرة : 465.


(176)
وجهها المطلوب شرعاً ، فلا يخرج عن العهدة المكلّف بها ولأن الأمر بالشي‏ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص ، والنهي في العبادة مفسد لها.
    والمسألة محل إشكال وتوقف ، كما في المنتهى‏ والتحرير (1) ، وغيرهما ، وفيه : إلّا أنّ الأمر فيه هيّن ، لاختصاص الحكم بطلب الإمام ، ومع ظهوره عجل اللَّه فرجه يتضح الأحكام كلّها إن شاء اللَّه تعالى (2). انتهى‏.
    وهو حسن ، إلّا أنّ دعواه اختصاص الحكم بطلبه عليه السلام لعلّها لا يخلو عن شي‏ء ، إلّا أن تُبنى‏ على‏ ما هو المشهور الآن ، من عدم وجوب دفعها إلى‏ الفقيه المأمون في هذا الزمان.
    و هو خيرة الماتن لقوله : [ ويستحب دفعها إلى‏ الإمام ابتداءً ] أي من غير أن يطلبها [ ومع فقده إلى‏ الفقيه المأمون من الإمامية ] المفسر في كلام جماعة من المتأخرين ـ كما في الذخيرة ـ (3) بمن لا يتوصّل إلى‏ أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشرعية.
    وإنّما يستحب دفعها إليهما [ لأنّه ] أي كلا منهما [ أبصر بمواقعها ] وأخبر بمواضعها ، ولما فيه من الخروج من شبهة خلاف من أوجب الدفع إليهما ابتداءً ، كالمفيد والحلبي والقاضي وابن زهرة العلوي (4) ، لكنّه والقاضي سوّغا تولّي المالك إخراجها مع غيبة الإمام كزماننا ، مطلقاً كما في‏
1 ـ المنتهى 1 : 514 ، التحرير : 67.
2 ـ المدارك 5 : 260.
3 ـ الذخيرة : 465.
4 ـ المفيد في المقنعة : 252 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 172 ، القاضي في المهذّب 1 : 171 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.


(177)
عبارة المرتضى‏ المنقولة في المختلف (1) ، أو بشرط المعرفة وإلّا فيحمل إلى‏ الفقيه المأمون من أهل الحق كما في الغنية (2) ولا شبهة فيه ولا ريب يعتريه ، وعليه يحمل قطعاً إطلاق المرتضى‏ وهما في المعنى‏ الآن موافقان لنا ، وإنّما المخالف الأوّلان.
    ولم أقف على‏ دليل يدل على‏ أصل وجوب الدفع إلى‏ الإمام عليه السلام فضلاً عن نائبه.
    والاستدلال عليه بآية ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (3) الآية ، لا وجه له ، كما صرّح به جماعة (4) ، لأنّ غايتها وجوب الدفع مع المطالبة ، وهو لا يستلزم وجوبه قبلها كما هو مفروض المسألة.
    والأصحّ الأوّل للأصل والعمومات كتاباً وسنةً ، واستفاضة الروايات بجواز تولّي المالك بنفسه أو وكيله لإخراجها (5) ، مع عدم وضوح مقيِّد لها ، لما مضى ، مع أنّ في ظاهر الغنية الإجماع عليه مع الغيبة والمعرفة (6) ، كما هو مفروض المسألة ، وهو صريح الخلاف في كتاب قسمة الصدقات (7) ، وظاهره عدم خلاف في ذلك في الأموال الباطنة بين العامة والخاصة ، ومورد عبارته وإن كان الإمام دون الفقيه ، لكنّه هنا ملحق به بالأولوية ، وما استدلّ به من عموم الأدلة.
    الثانية : [ يجوز أن يخصّ بالزكاة أحد الأصناف ] الثمانية.
1 ـ المختلف : 187.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
3 ـ التوبة : 103.
4 ـ منهم : العلّامة في المختلف : 187 ، وصاحبا المدارك 5 : 259 ، والحدائق 12 : 222.
5 ـ انظر الوسائل 9 ، أبواب المستحقين لللزكاة ب 36 ، 37 ، 40.
6 ـ أي : معرفة المالك لأهل الزكاة.
7 ـ الخلاف 4 : 225.


(178)
    بل [ ولو ] خصّ بها شخصاً [ واحداً ] جاز بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في التذكرة وغيرها (2) ، ونفى عنه الخلاف من متأخّري المتأخّرين جماعة (1) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (3).
    وبها تصرف الآية الكريمة عن ظاهرها بحملها على‏ أُمور أجودها ما في المنتهى‏ : من أنّها سيقت لبيان المصرف خاصة (4) ولكن لعلّ مراعاة ظاهرها أحوط.
     [ و ] لعلّه لذا يكون [ قسمتها على‏ الأصناف أفضل ] مع ما فيه من عموم النفع وشمول الفائدة ، أو لما فيه من التخلّص من الخلاف ، وحصول الإجزاء يقيناً كما في المنتهى‏ والتذكرة (5) ، وكأنّه أراد بذلك خلاف العامة ، لتصريحه بالإجماع على‏ عدم وجوب البسط في التذكرة.
     [ وإذا قبضها الإمام ] أو الساعي [ أو الفقيه برئت ذمّة المالك ولو تلفت ] بعد ذلك ، بغير خلاف أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (6) ، وفي المدارك : أنّه مما لا خلاف فيه بين العلماء لأنّ الإمام أو نائبه كالوكيل لأهل السهمان ، فكان قبضهما جارياً مجرى قبض المستحق ولفحوى‏ الصحيح « إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها » (7) (8).
1 ـ كالتذكرة 1 : 244 ؛ وانظر المفاتيح 1 : 210.
2 ـ كالسبزواري في الذخيرة : 465 ، وصاحب الحدائق 12 : 224.
3 ـ الوسائل 9 : 265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28.
4 ـ المنتهى 1 : 528.
5 ـ المنتهى 1 : 528 ، التذكرة 1 : 244.
6 ـ الذخيرة : 467.
7 ـ الكافي 3 : 553 / 3 ، الوسائل 9 : 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 4.
8 ـ المدارك 5 : 274.


(179)
    الثالثة : [ لو لم يوجد مستحق استحب ] للمالك [ عزلها ].
    بل عن التذكرة والمنتهى‏ : استحبابه بعد الحول مطلقاً (1) ، لوجوه اعتبارية يشكل التمسك بها في إثبات ما هو العمدة والمقصود من العزل من صيرورة نصيب المالك ملكاً للمستحقين قهراً حتى لا يشاركهم عند التلف أصلاً.
    نعم ، تدل عليه الصحيحة المتقدمة قريباً ، ونحوها أخبار أُخر معتبرة منها الصحيح : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها لقوم فضاعت ، أو أرسل بها إليهم فضاعت ، فلا شي‏ء عليه » (2).
    والموثق : زكاتي تحلّ عليّ شهراً ، أفيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني مَن يسألني يكون عندي عدّة ؟ قال : « إذا حال الحول فأخرجها من مالك ، ولا تخلطها بشي‏ء ، وأعطها كيف شئت » قال ، قلت : فإن كتبتها وأثبتّها يستقيم لي ؟ قال : « نعم » (3).
    وهي حجّة على‏ مَن منع من صحة العزل مع وجود المستحق ، كشيخنا الشهيد الثاني (4).
    والصحة مطلقاً خيرة الفاضلين (5) كما مضى والشهيد في الدروس (6).
1 ـ التذكرة 1 : 238 ، المنتهى 1 : 511.
2 ـ الكافي 3 : 553 / 2 ، الفقيه 2 : 16 / 47 ، التهذيب 4 : 47 / 123 ، الوسائل 9 : 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3.
3 ـ الكافي 3 : 522 / 3 ، التهذيب 4 : 45 / 119 بتفاوت يسير ، الوسائل 9 : 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 2.
4 ـ الروضة 2 : 60 ، المسالك 1 : 62.
5 ـ المعتبر 2 : 553 ، التذكرة 1 : 238.
6 ـ الدروس 1 : 247.


(180)
    ولعلّه الأقوى‏ ، إلّا أن يحمل إطلاق النصوص على‏ صورة فقد المستحق بدعوى‏ تبادرها منها. لكنّها محلّ نظر ، مع أنّ صدر الموثق ظاهر في خلافها.
    والمراد بالعزل تعيينها في مال خاص ، وصحّته تقتضي كونها أمانة في يده ، لا يضمن عند التلف إلّا مع التفريط أو تأخير الدفع مع التمكن من الإيصال إلى‏ المستحق. ولازم ذلك أنّه ليس للمالك إبدالها ، لصيرورتها بالعزل كالمقسوم مال الفقراء.
    لكن في صحيح الوارد في آداب الساعي : « اصدع المال صدعين » إلى‏ أن قال : « حتى يبقى‏ وفاء لحق اللَّه في ماله فاقبض حقّ اللَّه تعالى منه ، وإن استقالك فأقله » (1) دلالة على‏ جواز التبديل كما قيل (2).
    ولعلّه لا يخلو عن نظر ، ومع ذلك فعدم التبديل أحوط إن لم نقل بكونه المتعيّن.
    والنماء تابع لها مطلقاً (3) على‏ الأقوى‏ ، وفاقاً للمدارك وغيره (4) لما مضى (5) ، وللخبر : عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أن أُؤدّيها ، قال : « اعزلها ، فإن اتّجرت بها فأنت ضامن لها ولها الربح » إلى‏ أن قال : « وإن لم تعزلها واتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ولا
1 ـ الكافي 3 : 536 / 1 ، التهذيب 4 : 96 / 274 ، المقنعة : 255 ، الوسائل 9 : 129 أبواب زكاة الانعام ب 14 ح 1 بتفاوت يسير.
2 ـ قال به في الذخيرة : 468.
3 ـ أي : متصلاً أو منفصلاً.
4 ـ المدارك 5 : 275 ؛ وانظر الحدائق 12 : 242.
5 ـ من صيروتها بالعزل مال الفقراء.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس