رياض المسائل الجزء الخامس ::: 181 ـ 195
(181)
وضيعة عليها » (1).
    خلافاً للدروس فللمالك (2) ولم أعرف له مستنداً.
     [ و ] يستحب [ الإيصاء بها ] إذا لم تحضره الوفاة لئلّا يشتبه على‏ الورثة لو مات فجأةً كما علّل به في المنتهى‏ (3). فإذا حضرته وجب لتوقّف الواجب عليه ، ولعموم الأمر بالوصيّة. وأوجب الشهيد في الدروس العزل مع الوصية ايضاُ وهو احوط.
    والمعتبر في الوصيّة ما يحص به الثبوت الشرعي ، وفي الصحيح : رجل مات وعليه زكاة ، وأوصى أن تُقضى‏ عنه الزكاة ، وولده محاويج ، إن دفعوها أضرّ بهم ضرراً شديداً ، فقال : « يخرجونها فيعودون بها على‏ أنفسهم ، ويخرجون منها شيئاً [ فيدفع إلى‏ غيرهم‏ ] » (4).
    الرابعة : [ لو مات العبد المبتاع بمال الزكاة ولا وارث له ] يختصّ به [ ورثه أرباب الزكاة ] كما في الصحيح (5) ، وبه عبّر أكثر الأصحاب ، أو فقراء المؤمنين الذين يستحقون الزكاة كما في الموثق (6) ، وبه عبّر المفيد قال : لأنّه اشتري بحقهم من الزكاة (7) ، وفي المختلف : أن الظاهر أنّ مراده‏
1 ـ الكافي 4 : 60 / 2 ، الوسائل 9 : 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 3.
2 ـ الدروس 1 : 247.
3 ـ المنتهى 1 : 529.
4 ـ الدروس 1 : 247.
5 ـ الكافي 3 : 542 / 5 ، الفقيه 2 : 20 / 69 ، الوسائل 9 : 244 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 5. أضفنا ما بين المعقوفين من المصادر.
6 ـ علل الشرائع : 372 / 1 ، الوسائل 9 : 293 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 3.
7 ـ الكافي 3 : 557 / 3 ، التهذيب 4 : 100 / 281 ، الوسائل 9 : 292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 2.
8 ـ المقنعة : 259.


(182)
ليس تخصيص الفقراء والمساكين ، بل أرباب الزكاة ، لأنّ التعليل يعطيه (1).
    وفي المدارك والذخيرة : الأحوط صرف ذلك في الفقراء خاصّة ، لأنّهم من أرباب الزكاة في حال الغيبة يستحقون ما يرثه الإمام ممّن لا وارث له ، فيكون الصرف إليهم مجزياً على‏ التقديرين (2). انتهى‏. ولا بأس به.
    وهذا الحكم من أصله مشهور بين الأصحاب ، حتى أنّ في المعتبر والمنتهى‏ عزياه إلى‏ علمائنا أجمع كالمرتضى‏ في الانتصار ، مؤذنين بدعوى‏ الإجماع عليه (3) وهو الحجة ، مضافاً إلى‏ الخبرين المزبورين المتقدمين في بحث الرقاب (4).
    [ و ] ذكر الفاضلان هنا وفي الشرائع والمعتبر والمنتهى‏ : أنّه [ فيه وجه آخر ] بكون إرثه للإمام عليه السلام ، قالا : لأنّهم لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة ، لأنّه أحد مصارفه ، فيكون كالسائبة (5) ، ولضعف الرواية ، وأشارا بها إلى‏ الموثّقة قالا : لأنّ في طريقها ابن فضال وهو فطحي ، وابن بكير وفيه ضعف ، ثم قالا : غير أنّ القول بها أقوى ، لمكان سلامتها عن المعارض وإطباق المحققين منّا على‏ العمل بها. كذا في المعتبر وقريب منه في المنتهى‏ (6).
    [ و ] منه يظهر الوجه في كون [ هذا ] أي ما ذكره أولاً وفاقاً للأصحاب [ أجود ].
    ولكن ذهب الفاضل في الإرشاد والقواعد وولده في الشرح إلى‏
1 ـ المختلف : 191.
2 ـ المدارک 5 : 278 الذخيرة : 469
3 ـ المعتبر 2 : 589 ، المنتهى 1 : 531 ، الانتصار : 85.
4 ـ في ص : 139.
5 ـ السائبة : العبد يُعتق والا يكون لمعتقه عليه ولاء ولا عقل بينهما ولا ميراث ، فيضع ماّله حيث شاء ، صحاح اللغة 1 : 150 ، مجمع االبحرين 3 : 84.
6 ـ الشرائع 1 : 166 ، المعتبر 2 : 589 ، المنتهى 1 : 531.


(183)
الثاني (1). وهو ضعيف ، كتوقّفه في المختلف (2).
    وفصّل الشهيد (3) بين ما لو اشترى‏ لعدم المستحق فالأوّل ، لأنّه يكون مصروفاً عن حقّ الفقراء ، ويحمل عليه الرواية المشعرة بذلك ، ويكون تسلّط المكلّف على‏ الشراء موجباً للولاء لهم وبين ما لو اشترى‏ من سهم الرقاب كالعبد تحت الشدّة فالإمام عليه السلام ، لأنّه لم يشتر بمالهم ، وقوّاه الفاضل المقداد في الشرح (4).
    وهو اجتهاد في مقابل النصّ المعتبر بما مرّ.
    ودعوى‏ إشعار التعليل بالأوّل مضعّفة بأنّ ظاهر الرواية وقوع الشراء لجميع الزكاة لا بسهم مخصوص منها ، ولعلّ المقصود أنّه اشتري بمال يسوغ صرفه في الفقراء ، لا أنّه مالهم حقيقة ، والغرض منه توجيه الحكمة المقتضية للحكم.
    الخامسة : [ أقلّ ما يعطى‏ الفقير ] الواحد [ ما يجب في النصاب الأوّل ] وهو نصف مثقال في الذهب وخمسة دراهم في الفضة ، وفاقاً للأكثر على‏ الظاهر ، المصرّح به في عبائر جمع ومنهم الفاضلان في المنتهى‏ والشرائع والمعتبر (5) للصحيح (6) وغيره (7) المنجبر ضعفه بالشهرة بل‏
1 ـ الإرشاد 1 : 290 ، القواعد : 59 الإيضاح 1 : 207.
2 ـ المختلف : 191.
3 ـ الدروس 1 : 244.
4 ـ التنقيح الرائع 1 : 327.
5 ـ المنتهى 1 : 530 ، الشرائع 1 : 166 ، المعتبر 2 : 590.
6 ـ الكافي 3 : 548 / 1 ، التهذيب 4 : 62 / 167 ، الاستبصار 2 : 38 / 116 ، الوسائل 9 : 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 2.
7 ـ التهذيب 4 : 62 / 168 ، الاستبصار 2 : 38 / 117 ، الوسائل 9 : 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 4.


(184)
الإجماع كما في الانتصار والغنية (1) ، وهو بنفسه حجة اخرى‏ مستقلّة.
    [ وقيل : ] إنّه [ ما يجب في ] النصاب [ الثاني ] من درهم أو عُشر دينار ، والقائل الإسكافي والديلمي وغيرهما (2).
    ومستندهما غير واضح عدا الإجماع المحكي من المرتضى‏ في المسائل المصرية (3). وهو مع وهنه بمصير الأكثر إلى‏ خلافه معارض بمثله المعتضد بمثله (4) وبالصحيح وغيره.
    [ و ] عليه فيكون القول [ الأوّل أظهر ].
    ويظهر من العبارة ونحوها انحصار القول في المسألة فيهما ، مع أنّ هنا قولاً ثالثاً للحلّي والمرتضى‏ في الجمل (5) ، فلم يقدَّر المدفوع بقدر ، واختاره جمع ممن تأخّر (6) للأصل ، والإطلاقات كتاباً وسنةً ، والصحاح المستفيضة.
    وهي ما بين مصرّحة بجواز دفع درهمين أو ثلاثة ، كالصحيح : هل يجوز لي يا سيّدي أن اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة ، فقد اشتبه ذلك عليّ ؟ فكتب : « ذلك جائز » (7) ونحوه آخر
1 ـ الانتصار : 82 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
2 ـ حكاه عن الاسكافي في المختلف : 186 ، المراسم : 134 ، والسيّد المرتضى في المسائل الموصليات ( رسائل المرتضى 1 ) : 225.
3 ـ لم نعثر عليه في المسائل المصريات ، وهو موجود في المسائل الموصليات ( رسائل المرتضى 1 ) : 225.
4 ـ أي : أجماع منقول آخر وهو ما نقله ابن زهرة منه رحمه الله.
5 ـ الحلّي في السرائر 1 : 464 ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 79.
6 ـ منهم : العلّامة في المختلف : 186 ، وصاحب المدارك 5 : 279 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 467.
7 ـ التهذيب 4 : 63 / 196 ، الاستبصار 2 : 38 / 118 ، الوسائل 9 : 258 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 5.


(185)
لراويه (1) ، فيحتملان الاتحاد.
    وقائلةٍ بأنّه لا تقدير في المدفوع وأنّه بحسب ما يراه الإمام ، كالصحيحين (2).
    وفي الجميع نظر لوجوب الخروج عن الأوّلين بما مرّ ، وقوة احتمال ورود الصحاح للتقيّة ، فإنّ القول بعدم التقدير مذهب الجمهور كافّة ، كما صرّح به جماعة (3) ، ويشهد له كون الروايتين الأُوليين منها مكاتبة.
    مع أنّهما لم تدلّا على‏ عدم اشتراط التقدير ، بل غايتهما الدلالة على‏ جواز دفع الدرهمين والثلاثة في الجملة ، وهو لا ينافي التقدير بما دونها ، كما هو أحد الأقوال في المسألة.
    ومع ذلك فيحتملان التقييد بما إذا أدّى ما وجب في النصاب الأوّل ، كما صرّح به جمع (4) ، وكذلك الصحيحان الأخيران يحتملان التقييد بما بعد النصاب الأوّل ، يعني أنّه لا يقدر بشي‏ء بعد ذلك التقدير.
    مع أنّ التقدير المنفي في أحدهما يحتمل التقدير بحسب البسط على‏ الأصناف وعدمه ، لا المقدار ، كما يشهد لهذا سياقه.
1 ـ الفقيه 2 : 10 / 28 ، الوسائل 9 : 256 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 1.
2 ـ الأوّل : الكافي 3 : 563 / 13 ، التهذيب 4 : 108 / 261 ، الوسائل 9 : 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 3.
    الثاني : الكافي 5 : 26 / 1 ، التهذيب 6 : 148 / 261 ، الوسائل 9 : 265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 1.
3 ـ منهم : السيّد المرتضى في الانتصار : 82 ، والمحقق في المعتبر 2 : 590 والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 328.
4 ـ منهم : الشيخ الطوسي في التهذيب 4 : 63 ، والمحقق في المعتبر 2 : 590 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 530.


(186)
    وكيف كان فلا ريب أنّ القول الأوّل مع كونه أقوى أحوط وأولى.
    وهل هذا التقدير على‏ الوجوب ؟ كما هو ظاهر أكثر العبارات ، بل صريح جملة منها قد ادّعي فيها الإجماع (1) تبعاً لظاهر النهي في الصحيح ، ولفظة « لا يجوز » في غيره. أم الاستحباب ؟ كما صرّح به جمع من المتأخّرين ، ومنهم الفاضل في التذكرة (2) مدّعياً كونه إجماعيّاً.
    إشكال ، ولا ريب أنّ الأوّل أحوط إن لم نقل بكونه أظهر.
    ثم هل الحكم المذكور يختص بزكاة الفضّة لكونها مورد نصوص المنع في المسألة ؟ أم يعمّها وغيرها حتى الأنعام ، فلا يجوز أن يدفع فيها أقلّ مما يجب في أوّل نصابها أو أوّل نصاب الفضة ، كما يستفاد من فحواها ، لتضمن بعضها تعليل المنع عن أداء الخمسة دراهم بأنّها أقلّ الزكاة ؟ إشكال ، ولكنّ التعميم أحوط وأولى.
    ولو أعطى‏ ما في الأوّل ثم وجبت الزكاة عليه في النصاب الثاني أخرج زكاته ، وسقط اعتبار التقدير إذا لم يجتمع معه ما يبلغ الأوّل.
    ولو كان له نصابان أول وثانٍ ، فالأحوط دفع الجميع لواحد.
    خلافاً للشهيد وغيره ، فجوّزوا دفع ما في الأوّل لواحد وما في الثاني لغيره (3).
    ويضعّف بإطلاق النهي عن إعطاء ما دون الخمسة ، وإمكان الامتثال بدفع الجميع لواحد.
1 ـ كما في الانتصار : 82 ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ؛ وانظر المدارك 5 : 281 ، والذخيرة : 467.
2 ـ التذكرة 1 : 244 ، المختلف : 186.
3 ـ الشهيد في المسالك 1 : 62 ، والمحقق في المعتبر 2 : 590.


(187)
     [ ولا حدّ للأكثر ] أي أكثر ما يعطى‏ الفقير الواحد منه ، فيجوز أن يعطى‏ ما يغنيه وما يزيد على‏ غناه بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة ، كالمنتهى‏ والمدارك والغنية (1) ، والمعتبرة به مع ذلك من طرقنا مستفيضة (2).
    مضافاً إلى‏ النبوية المشهورة المشار إليها في العبارة بقوله [ فخير الصدقة ما أبقت غنى ] (3)
    لكن الدلالة لعلّها لا تخلو عن مناقشة أشار إلى‏ وجهها في الذخيرة ، قال : لأنّ الظاهر أنّ المراد ما أبقت غنى لمُعطيها ، أي لا يوجب فقره واحتياجه ، فإنّ الإبقاء ظاهره ذلك (4).
    السادسة : [ يكره أن يَملك ] دافع الزكاة بل مطلقاً [ ما أخرجه في الصدقة اختياراً ] إجماعاً كما في المدارك (5) ، وفي المنتهى‏ : أنّه لا خلاف فيه بين العلماء لأنّها طهارة للمال فيكره له شراء طهوره ، ولأنّه ربما أستحيي الفقير فيترك المماكسة معه ويكون ذلك وسيلة إلى‏ استرجاع بعضها ، وربما طمع الفقير في غيرها منه فأسقط بعض ثمنها (6).
    وذهب بعض العامة إلى‏ التحريم ، ولا خلاف بيننا في عدمه ، وعن جمع دعوى الإجماع عليه (7).
1 ـ المنتهى 1 : 528 ، المدارك 5 : 282 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
2 ـ الوسائل 9 : 258 أبواب المستحقين للزكاة ب 24.
3 ـ مسند أحمد 3 : 434.
4 ـ الذخيرة : 466.
5 ـ المدارك 5 : 285.
6 ـ المنتهى 1 : 531.
7 ـ المعتبر 2 : 591 ، المنتهى 1 : 530 ، المدارك 5 : 285.


(188)
    ويدلُّ عليه ـ بعده ـ الأصل والعمومات كتاباً وسنة السليمة عن المعارض بالكليّة ، حتى أنّه لولا الإجماع على‏ الكراهة لكانت أيضاً محلّ مناقشة ، لعدم دليل عليها عدا الوجوه المتقدمة ، وهي لإثبات الحكم غير صالحة ، نعم تصلح أن تكون وجهاً للحكمة.
    وخصوصِ الخبر : « إذا أخرجها يعني الشاة فليقوّمها فيمن يزيد ، فإذا قامت على‏ ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها ، وإن لم يُردها فليبعها » (1).
     [ ولا بأس بعوده إليه بميراث وشبهه ] كشراء الوكيل العام ، ومعنى نفي البأس أنّه يملكه ولا يستحب له إخراجه عن ملكه.
    والأصل فيه ـ بعد الأصل واختصاص دليل المنع بغير هذا الفرض ـ نفي الخلاف عنه في المنتهى‏ (2) ، قال : إلّا من الحسن بن حي وابن عمر والنبوي المروي فيه : إنّ رجلاً تصدّق على‏ أبيه بصدقة ثم مات ، فسأل النبي صلى الله عليه وآله فقال : « وقد قبل اللَّه تعالى صدقتك وردّها إليك بالميراث » (3).
    واحترز بالاختيار عن فرضنا هذا ، وعمّا لو احتاج إلى‏ شرائها ، بأن يكون الفرض جزء من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك ، أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره ، فإنّه تزول الكراهة حينئذٍ ويجوز الشراء إجماعاً ، كما عن التذكرة والمنتهى‏ (4).
    السابعة : [ إذا قبض الإمام (5) الصدقة دعا لصاحبها ] وكذا الساعي ،
1 ـ الكافي 3 : 538 / 5 ، التهذيب 4 : 98 / 276 ، الوسائل 9 : 131 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 3.
2 ـ المنتهى 1 : 531.
3 ـ سنن البيهقي 4 : 151.
4 ـ التذكرة 1 : 242 ، المنتهى 1 : 531.
5 ـ في النافع زيادة : أو الفقيه.


(189)
إجماعاً كما في المنتهى‏ (1) و لقوله تعالى : ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (2) وللنبوي : إذا اُتي ـ صلى الله عليه وآله ـ بصدقة قال : « اللّهم صلّ على‏ أبي فلان ».(3)
    ويكون ذلك [ استحباباً على‏ الأظهر ] وفاقاً للأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الشيخ في الخلاف في كتاب الزكاة ، والماتن في المعتبر والفاضل في الإرشاد والشهيد في الدروس (4).
    وقد رجعوا عنه إلى‏ الاستحباب في الكتاب وكتاب قسمة الصدقات من الخلاف والمبسوط والمختلف واللمعة (5) ولعلّه للأصل ، وعدم صراحة الآية في كون الصلاة المأمور بها لأجل أداء الزكاة وبعد قبضها ، بل لا يبعد دعوى عدم ظهورها فيه أيضاً والرواية ـ بعد الإغماض عن سندها ـ غير دالّة على‏ الوجوب كما لا يخفى‏ ، هذا.
    وينبغي القطع بعدم الوجوب بالنسبة إلى‏ الفقيه والفقير ، أمّا الثاني : لدعوى‏ الإجماع على‏ عدم الوجوب فيه صريحاً في الروضة وغيرها (6). وأمّا الأوّل : فللأصل ، واختصاص أدلّة الوجوب كتاباً وسنّةً ـ على‏ تقدير تسليمها ـ بالنبيّ صلى الله عليه وآله خاصّة ، أو الإمام عليه السلام على‏ احتمال ، فلا وجه للمنع فيه جدّاً ، وبذلك صرّح جملة من متأخّري متأخّري أصحابنا (7).
    الثامنة : [ يسقط مع غيبة الإمام سهم السعاة والمؤلّفة ] بلا خلاف‏
1 ـ المنتهى 1 : 531.
2 ـ التوبة : 103.
3 ـ سنن البيهقي 4 : 157.
4 ـ الخلاف 2 : 125 ، المعتبر 2 : 592 ، الإرشاد 2 : 289 ، الدروس 1 : 246.
5 ـ الخلاف 4 : 226 ، المبسوط 1 : 244 ، المختلف : 188 ، الروضة 2 : 56.
6 ـ الروضة 2 : 57 ؛ وانظر المسالك 1 : 62.
7 ـ المدارك 5 : 284 ، الذخيرة : 467 ، الحدائق 12 : 250.


(190)
ولا إشكال حيث لا يحتاج إليهما ، كما في زماننا هذا وما ضاهاه غالباً.
    ويشكل فيما لو احتيج إليهما ، كما إذا تمكّن الفقيه النائب عنه عليه السلام من نصب السعاة ، أودَهم المسلمين عدوّ يخاف منه ـ العياذ باللَّه تعالى منه ـ بحيث يجب عليهم الجهاد ويحتاج إلى‏ التأليف ، فإنّ الظاهر عدم السقوط هنا ، وفاقاً للشهيدين في الدروس واللمعتين وجماعة من متأخّري المتأخّرين (1) للعمومات السليمة عن المعارض.
    ومن هنا يظهر ما في القول بسقوط سهم المؤلّفة بعد النبي صلى الله عليه وآله كما عن الصدوق (3) وبعض العامة (3) بطريق أولى‏ ، مع أنّ المحكي من دليلهما في غاية الضعف جدّاً (4).
     [ وقيل : يسقط ] معها [ سهم السبيل ] أيضاً (5) ، بناءً على‏ اختصاصه عنده بالجهاد المفقود في هذا الزمان.
    وفيه ما قدّمناه من إمكانه فيه أيضاً ، فلا يستقيم الحكم بالسقوط مطلقاً ، [ و ] مع ذلك فـ [ على ما اخترناه ] من عدم اختصاص هذا السهم بالجهاد [ لا يسقط ] مطلقاً.
    التاسعة : [ ينبغي أن تعطى‏ زكاة الذهب والفضة ] والثمار والزروع [ أهل ] الفقر و [ المسكنة ، وزكاة النعم أهل التجمّل ] كما في النص ،
1 ـ الدروس 1 : 248 ، الروضة 2 : 57 ، وصاحب المدارك 5 : 284 ، والسبزواري في الذخيرة : 454.
2 ـ كما في الفقيه 2 : 3.
3 ـ انظر بدائع الصنائع 2 : 45 ، والمغني والشرح الكبير 2 : 693.
4 ـ وهو ـ كما حكاه في المدارك 5 : 215 ـ اِنّ الله سبحانه اعزّ الدين وقوّى شوكته فلا يحتاج إلى التأليف.
5 ـ قال به في النهاية : 185.


(191)
معلّلًا بأنّ أهل التجمّل يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عندهم (1).
     [ والتوصّل إلى‏ المواصلة بها مَن يستحيي من قبولها ] للنص (2) ، فيوصل إليه هدية ، ويحتسب عليه بعد وصولها إلى‏ يده أو يد وكيله مع بقاء عينها.
1 ـ الكافي 3 : 55 / 3 ، التهذيب 4 : 101 / 286 ، علل الشرائع : 371 / 1 ، المحاسن : 304 / 13 ، الوسائل 9 : 263 أبواب المستحقين لللزكاة ب 26 ح 1.
2 ـ الوسائل 9 : 314 أبواب المستحقين للزكاة ب 58.


(192)
    وتُطلق على‏ الخلقة وعلى‏ الإسلام ، والمراد بها على‏ الأوّل زكاة الأبدان مقابل الأموال ، وعلى‏ الثاني زكاة الدين والإسلام.

     [ وأركانها أربعة : ]
     [ الأوّل : في ] بيان [ من تجب عليه : ]
    اعلم : أنّه [ إنّما تجب على‏ الحرّ البالغ العاقل الغني ].
    فلا تجب على‏ الصبي ولا المجنون إجماعاً ، كما في المعتبر والتحرير والمنتهى‏ (1) لحديث رفع القلم (2) وللصحيح في الأوّل : الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى‏ إذا كان لهم مال ؟ فكتب : « لا زكاة على‏ يتيم » (3).
    ولا على‏ المملوك إجماعاً أيضاً ، كما في صريح الخلاف والسرائر وغيرهما ، وظاهر المنتهى‏ بل صريحه أيضاً (4).
    ولا شبهة فيه على‏ القول بأنّه لا يملك شيئاً. وكذا على‏ القول الآخر للإجماع المنقول ، وعموم الصحيح : « ليس في مال المملوك شي‏ء » (5).
1 ـ المعتبر 2 : 593 ، التحرير : 70 ، المنتهى 1 : 531.
2 ـ عوالي اللآلي 1 : 209 / 48 ، مسند أحمد 6 : 100.
3 ـ الكافي 3 : 541 / 8 ، الفقيه 2 : 115 / 495 ، التهذيب 4 : 30 / 74 ، الوسائل 9 : 84 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 4.
4 ـ الخلاف 2 : 130 ، السرائر 1 : 466 ؛ وانظر المدارك 5 : 307 ، المنتهى 1 : 532.
5 ـ الكافي 3 : 542 / 1 ، الوسائل 9 : 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.


(193)
    وفي الصحيح : قلت له : مملوك بيده مال ، أعليه زكاة ؟ قال : « لا » قلت : فعلى سيّده ؟ فقال : « لا ، إنّه لم يصل إلى‏ سيّده وليس هو للمملوك » (1) فتدبّر.
    ولا فرق في إطلاق النص والفتوى‏ بين القنّ والمدبّر والمكاتب ، إلّا إذا تحرّر بعض المطلق فتجب عليه بحسابه ، على‏ المشهور.
    خلافاً للصدوق ، فتجب على‏ المكاتب (2) للصحيح (3).
    ويعارض بالمرفوع المعمول به : « يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه » (4). وحمله على‏ صورة العيلولة ليس بأولى من حمل المعارض على‏ المبعّض بالنسبة إلى‏ الحريّة. بل هو أولى‏ ، للشهرة.
    وللمبسوط في المبعّض ، فنفاها عنه رأساً (5). وهو نادر محجوج بالعموم المؤيّد بكثرة النظائر.
    ولا على‏ الفقير على‏ الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وفي المعتبر والمنتهى‏ : أنّه مذهب علمائنا أجمع إلّا الإسكافي (6) ، فأوجب عليه إذا فضل عن مؤونته ومؤونة عياله ليوم وليلة صاع.
    وهو نادر ، وإن نقله في الخلاف عن كثير من الأصحاب (7) ، محجوج‏
1 ـ الكافي 3 : 542 / 5 ، الفقيه 2 : 19 / 63 ، علل الشرائع : 372 / 1 ، الوسائل 9 : 192 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 4.
2 ـ كما في الفقيه 2 : 117.
3 ـ الفقيه 2 : 117 / 502 ، التهذيب 4 : 332 / 1040 ، الوسائل 9 : 365 أبواب زكاة الفطرة ب 17 ح 3.
4 ـ الكافي 4 : 174 / 20 التهذيب 4 : 72 / 195 بتفاوت يسير ، الوسائل 9 : 364 أبواب زكاة الفطرة ب 17 ح 2.
5 ـ المبسوط 1 : 239.
6 ـ المعتبر 2 : 593 ، المنتهى 1 : 532.
7 ـ الخلاف 2 : 147.


(194)
بالمعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره ، الدالة على‏ أنّ الفقير ومن أخذ الزكاة لفقره لا فطرة عليه (1).
    وهي أصرح دلالةً على‏ عدم الوجوب من إطلاق الكتاب والسنة ، وخصوص ما ورد بإيجابها عليه من المعتبرة ، كالصحيح : الفقير الذي يتصدّق عليه هل تجب عليه صدقة الفطرة ؟ قال : « نعم ، يعطي ممّا يتصدّق به عليه » (2) بتقييد الإطلاق بمن عداه ، وصرف الموجب إلى‏ الاستحباب ، أو تقييده أيضاً بما إذا حصل له الغنى‏ بما يتصدّق عليه.
    وربما يشير إلى‏ هذا : الموثق وغيره : أعلى‏ مَن قَبِل الزكاة زكاة ؟ قال : « أما مَن قَبِل زكاة المال فإنّ عليه الفطرة ، وليس على‏ مَن قَبِل الفطرة فطرة » (3) بناءً على‏ أنّه لا قائل بهذا التفضيل إلّا على‏ تقدير حمل الوجوب على‏ مَن قَبل الزكاة على‏ ما إذا حصل له بها الغنى‏ ، وعدمه على‏ مَن قَبل الفطرة على‏ غيره.
    وضابطه على‏ الأظهر الأشهر : من ملك مؤونة سنة له ولعياله فعلاً أو قوّةً ، لأنّ من عداه تحلّ له الزكاة على‏ ما مرّ في بحثها ، فلا تجب عليه الفطرة ، كما دلّت عليه نصوص المسألة التي منها الصحيح : رجل أخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة ؟ قال : « لا » (4).
1 ـ الوسائل 9 : 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2.
2 ـ الكافي 4 : 172 / 11 ، التهذيب 4 : 74 / 208 ، الاستبصار 2 : 41 / 132 ، الوسائل 9 : 324 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 2.
3 ـ التهذيب 4 : 73 / 204 ، الاستبصار 2 : 41 / 128 ، المقنعة : 248 ، الوسائل 9 : 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10.
4 ـ التهذيب 4 : 73 / 201 ، الاستبصار 2 : 40 / 125 ، الوسائل 9 : 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 1.


(195)
    وفي الخبر : « من أخذ الزكاة فليس عليه فطرة » (1) وبمعناه آخر (2).
    وفي ثالث : قلت له : لمن تحلّ الفطرة ؟ قال : « لمن لا يجد ، ومن حلّت له لم تحلّ عليه ، ومن حلّت عليه لم تحلّ له » (3).
    وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة.
    خلافاً لجماعة من أعيان القدماء بل أكثرهم ، فعبّروا عن الغنى‏ بمن ملك أحد النُّصُب الزكوية (4) ، مشعرين بكونه المعيار لوجوب الفطرة مطلقاً (5) إثباتاً ونفياً ، ولذا جعلهما محل الخلاف في المختلف (6).
    ولكنّه في الثاني بعيد في الغاية ، بل الظاهر أنّ مرادهم الأوّل ، أي الوجوب بملك النصاب وإن لم تُملك مؤونة السنة ، لذلك (7) ، ولدلالة عبارة بعضهم عليه كالشيخ في الاستبصار ، حيث قال في جملة كلام له : لأنّ الفرض يتعلّق بمن كان غنيّاً ، وأقلّ أحواله إذا ملك مقدار ما تجب فيه الزكاة (8).
    ولم نقف لهم على‏ حجّة يعتدّ بها عدا دعوى الإجماع عليه في‏
1 ـ التهذيب 4 : 73 / 202 ، الاستبصار 2 : 40 / 126 ، الوسائل 9 : 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 7.
2 ـ التهذيب 4 : 73 ذ ح 202 ، الاستبصار 2 : 41 / ذح 126 ، الوسائل 9 : 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 8.
3 ـ التهذيب 4 : 73 / 203 ، الاستبصار 2 : 41 / 127 ، الوسائل 9 : 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 9.
4 ـ كالشيخ في الخلاف 1 : 146 ، والقاضي في المهذب 1 : 174.
5 ـ أي سواء ملك مؤونة السنة أم لا.
6 ـ المختلف : 193.
7 ـ أي : للبُعد.
8 ـ الاستبصار 2 : 42.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس