رياض المسائل الجزء الخامس ::: 196 ـ 210
(196)
السرائر والغنية (1) ، وهي معارضة بالأخبار المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخرة القريبة من الإجماع ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، مضافاً إلى‏ أصالة البراءة.
    ومع الشروط يجب عليه أن [ يخرجها عن نفسه وعياله من مسلم وكافر وحرّ وعبد وصغير وكبير ولو عال تبرّعاً ] كالضيف إجماعاً ، على‏ الظاهر المصرّح به في كلام جماعة (2) ، بل في المنتهى‏ أنّ عليه الإجماع ممن عدا أبي حنيفة (3).
    والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها : عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدّي عنه الفطرة ؟ قال : « نعم ، الفطرة واجبة على‏ كلّ من يعول من ذكر أو أُنثى ، صغير أو كبير ، حرّ أو مملوك » (4).
    وفي رواية : « كلّ من ضممت إلى‏ عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه » (5).
    وأمّا ما في الصحيح : عن رجل يُنفق على‏ رجل ليس من عياله ، إلّا أنّه يتكلّف له نفقته وكسوته ، أيكون عليه فطرته ؟ قال : « لا إنّما يكون فطرته على‏ عياله صدقة دونه » وقال : « العيال : الولد ، والمملوك ، والزوجة ،
1 ـ السرائر 1 : 465 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
2 ـ منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 215 ، وصاحب المدارك 5 : 315.
3 ـ المنتهى 1 : 533.
4 ـ الكافي 4 : 173 / 16 ، الفقيه 2 : 116 / 497 ، التهذيب 4 : 332 / 1041 ، الوسائل 9 : 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 2.
5 ـ الكافي 4 : 170 / 1 ، التهذيب 4 : 71 / 193 ، الوسائل 9 : 329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 8.


(197)
وأُمّ الولد » (1) فمعناه أنّه لم يضمّه إلى‏ عياله ، بل يتصدّق عليه بالنفقة والكسوة.
    وفي تفسير الضيف المُعال سبعة أقوال : الضيافة طول الشهر ، أو النصف الأخير منه ، أو العشر الأخير منه ، أو ليلتين من آخره ، أو ليلة واحدة ، أو جزء منه بحيث يهلّ الهلال وهو في ضيافته وإن لم يأكل ، أو صدق العيلولة عرفاً.
    ولم نجد لشي‏ء منها دليلاً يعتدّ به عدا الإجماع المنقول في الانتصار والخلاف على‏ الأوّل (2) ، وظواهر النصوص المتقدمة على‏ الأخير ، فإنّ مقتضاها أنّ الوجوب تابع للعيلولة لا لوجوب النفقة ، ولا لتكلّف التصدّق بها عليه ، ولا الضيافة المحضة من دون عيلولة.
    وهو المعتمد ، وعليه العمل ، لوهن الإجماع المنقول بشدّة هذا الاختلاف والتشاجر بين الأصحاب. هذا على‏ تقدير تخالفهما ، وإلّا فيرجع إلى‏ شي‏ء واحد مآلهما.
    والمشهور وجوبها عن الزوجة والمملوك مطلقاً ولو لم يكونا في عياله ، بل ظاهر المنتهى‏ وصريح السرائر دعوى الإجماع عليه (3) ولعلّه لإطلاق نحو الموثق : « الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأُمّك وولدك وخادمك وامرأتك » (4) مضافاً إلى‏ الصحيح السابق.
    وفيهما نظر لقوّة احتمال ورود إطلاقهما مورد الغالب من حصول‏
1 ـ الفقيه 2 : 118 / 509 « الوسائل 9 : 328 أبواب. زكاة الفطرة ب 5 ح 3.
2 ـ الانتصار : 88 « الخلاف 2 : 133.
3 ـ المنتهى 1 : 533 « السرائر 1 : 466.
4 ـ الفقيه 2 : 118 / 510 « الوسائل 9 : 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 4.


(198)
العيلولة الفعليّة ، مع أنّ جماعة منهم صرّحوا باعتبارها فيمن عدا الزوجة والمملوك والاكتفاء بوجوب الإنفاق فيهما (1) ، والروايتان لا تصلحان دليلاً على‏ هذا التفصيل. وحيث لا عموم فيهما باختصاص موردهما بالغالب بقي غيره مندرجاً تحت الأصل المعتضد بفحوى‏ الأخبار السابقة ، المقتضية لدوران وجوب الفطرة مدار العيلولة الفعلية لا وجوب النفقة.
    وإجماع المنتهى‏ غير واضح الدلالة على‏ الوجوب من غير عيلولة فعليّة في الزوجة.
    وإجماع السرائر وإن كان صريحاً ، إلّا أنّه على‏ جعل السبب نفس الزوجيّة حتى مع النشوز والانقطاع الذين لا يجب معهما النفقة إجماعاً ، وهو كذلك نادر ، بل عن المعتبر وفي المنتهى‏ أنّه متفرّد بذلك (2) ، فالتمسك للوجوب بمثل ذلك لا يخلو عن إشكال. نعم هو أحوط ، سيّما في العبد لصراحة عبارة المنتهى‏ في دعوى الإجماع عليه منّا ومن أكثر العلماء (3).
     [ وتعتبر النية ] أي الخلوص والقربة ، وقصد كونها فطرة لا صدقة [ في أدائها ] أي عنده لعموم ما دلّ على‏ وجوبها في كلّ عبادة.
    [ وتسقط عن الكافر لو أسلم ] بعد الهلال ، بالنصّ عموماً وخصوصاً ، كما يأتي ، والإجماع الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (4).
     [ وهذه الشروط ] إنّما [ تعتبر عند هلال ] شوال أي قبله ، بأن يكون قبل غروب الشمس ليلة الفطرة ولو بلحظة [ فلو أسلم الكافر أو بلغ الصبي‏
1 ـ الروضة 2 : 58 ، المدارك 5 : 317 ، الحدائق 12 : 268.
2 ـ المعتبر 2 : 602 ، المنتهى 1 : 533.
3 ـ المنتهى 1 : 534.
4 ـ كما في المنتهى 1 : 532 ، والمدارك 5 : 320.


(199)
أو ملك الفقير القدر قبل الهلال وجبت الزكاة ، ولو كان بعده لم تجب ، وكذا لو ولد له أو ملك عبداً ] قبله وجبت عليه ، وإلّا فلا ، إجماعاً ، على‏ الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (1).
    للخبرين ، أحدهما الصحيح : عن مولود وُلد ليلة الفطر ، عليه الفطرة ؟ قال : « لا ، قد خرج الشهر » وعن يهوديّ أسلم ليلة الفطر عليه فطرة ؟ قال : « لا » (2) ونحوه الثاني (3).
    وأخصّية المورد غير قادح بعد استفادة العموم من الإجماع ، وما في الأوّل من قوله عليه السلام : « قد خرج الشهر » وفي الثاني من قوله : « ليس الفطرة إلّا على‏ من أدرك الشهر » المفيدين للعموم.
     [ وتستحب لو كان ذلك ] أي استجماع هذه [ الشروط ما بين الهلال وصلاة العيد ] بلا خلاف ظاهر ولا محكي إلّا من ظاهر الصدوق ، فأمر بها في المقنع (14) ، كما في الخبرين (5) قيل : والظاهر أنّ مراده به الاستحباب (6) ، لتصريحه به في الفقيه (7) وإنّما حملهما الأصحاب على‏ الاستحباب جمعاً بينهما وبين الخبرين السابقين الصريحين في عدم
1 ـ المدارك 5 : 320 ، مفاتيح الشرائع 1 : 216 ، الذخيرة : 473.
2 ـ الكافي 4 : 172 / 12 ، التهذيب 4 : 72 / 197 ، الوسائل 9 : 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.
3 ـ الفقيه 2 : 166 / 500 ، الوسائل 9 : 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1.
4 ـ المقنع : 67.
5 ـ الأوّل : الفقيه 2 : 118 / 511 ، الوسائل 9 : 329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 6.
    الثاني : فقه الرضا ( عليه السلام ) : 210 ، مستدرك الوسائل 7 : 146 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1.
6 ـ قال به في المدارك 5 : 322.
7 ـ الفقيه 2 : 116.


(200)
الوجوب ، مضافاً إلى‏ الأصل.
     [ والفقير مندوب إلى‏ إخراجها عن نفسه وعن عياله وإن قبلها ، ومع الحاجة يدير على‏ عياله صاعاً ثم يتصدق به على‏ غيرهم ] .
    أمّا الأوّل : فلما مرّ في تحقيق معنى‏ الغنى‏ (1) ، وفي المنتهى‏ : أنّ عليه علماءنا أجمع إلّا من شذّ (2) ، ولعلّه الإسكافي القائل بالوجوب كما مرّ (3).
    وأمّا الثاني : فللموثّق : الرجل لا يكون عنده شي‏ء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها ، يعطيه غريباً ، أو يأكل هو وعياله ؟ قال : « يعطي بعض عياله ، ثم يعطي الآخر عن نفسه يردّدونها ، فيكون عنهم جميعاً فطرة واحدة » (4).
    وليس فيه دلالة على‏ أنّ الأخير منهم يدفعه إلى‏ الأجنبي ، كما في صريح العبارة هنا وفي السرائر والقواعد بل التحرير والشرائع وعن البيان (5) ولعلّهم أخذوه من عموم ما دلّ على‏ كراهية الصدقة ، مع أنّ في قوله عليه السلام : « يكون عنهم جميعاً فطرة واحدة » إشعاراً بذلك.
    ومورد النصّ كون العيال بأجمعهم مكلّفين ، فيشكل التعدي إلى‏ غيرهم.
    خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني (6) وظاهر العبارة ، فيتولّى‏ الولي ذلك عن‏
1 ـ راجع ص : 123.
2 ـ المنتهى 1 : 536.
3 ـ في ص : 193.
4 ـ الكافي 4 : 172 / 10 ، الفقيه 2 : 115 / 496 ، التهذيب 4 : 74 / 209 ، الاستبصار 2 : 42 / 133 ، الوسائل 9 : 325 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 3.
5 ـ السرائر 1 : 467 ، القواعد : 60 ، التحرير : 72 ، الشرائع 1 : 171 ، البيان : 332.
6 ـ كما في المسالك 1 : 64.


(201)
الصغير.
    ويشكل بإخراج ما صار ملكه إلى‏ غيره ، مع عدم دليل عليه إلّا ما ادّعى‏ من إطلاق النص ، وقد عرفت ما فيه ، ومن ثبوت مثله في الزكاة ، وهو على‏ تقديره قياس لا نقول به.

     [ الثاني : في ] بيان [ قدرها وجنسها ].
    اعلم : أنّ [ الضابط ] في الجنس [ ما كان قوتاً غالباً ، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن ] وفاقاً للشيخين والسيدين والحلّي والفاضلين والشهيدين وغيرهم (1) ، وفي الدروس الأكثر (2) ، وفي غيره الأشهر (3) ، وفي المنتهى‏ : أنّه مذهب علمائنا (4) ، وكذا عن الشهيد والماتن في المعتبر (5).
    وهو الأظهر للنصوص منها الصحيح : « الفطرة على‏ كلّ قوم مما يغذون عيالهم ، من لبن أو زبيب أو غيره » (6).
    والمرسل : « الفطرة على‏ كلّ من اقتات قوتاً ، فعليه أن يؤدّي من ذلك‏
1 ـ المفيد في المقنعة : 250 ، الطوسي في المبسوط 1 : 241 ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 80 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، الحلّي في السرائر 1 : 468 ، المحقق في الشرائع 1 : 174 ، العلّامة في المنتهى 1 : 536 ، الشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة البهية 2 ) : 59 ، الشهيد الثاني في المسالك 1 : 65 ؛ وانظر الحدائق 12 : 282.
2 ـ الدروس 1 : 251.
3 ـ كما في الحدائق 12 : 282.
4 ـ المنتهى 1 : 536.
5 ـ حكاه عن الشهيد في الحدائق 12 : 279 ، المعتبر 2 : 605.
6 ـ التهذيب 4 : 78 / 221 ، الاستبصار 2 : 43 / 137 ، الوسائل 9 : 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 1.


(202)
القوت » (1).
    وضعف السند مجبور بالعمل والاعتضاد باختلاف الصحاح المستفيضة وغيرها في ذكر الأجناس المزبورة نقيصة وزيادة ، ففي الصحيحين (2) وغيرهما (3) الاقتصار على‏ الأربعة الزكوية ، وفي الصحيح الاقتصار على‏ ما عدا الشعير منها (4) ، وفي آخَر على‏ ما عدا الحنطة مبدلاً عنها بالذرّة (5) ، وفي آخَرين على‏ ما عدا الزبيب (6) ، في آخر على‏ ما عدا الحنطة منها وتبديلها بالأقط (7) ، وفي الصحيح : « يعطي أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعاً » (8).
1 ـ الكافي 4 : 173 / 14 ، التهذيب 4 : 78 / 220 ، الاستبصار 2 : 42 / 136 الوسائل 9 : 344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 4.
2 ـ الأوّل : الكافي 4 : 171 / 5 ، الفقيه 2 : 115 / 492 ، التهذيب 4 : 80 / 227 ، الاستبصار 2 : 46 / 148 ، الوسائل 9 : 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1.
    الثاني : التهذيب 4 : 75 / 210 ، الاستبصار 2 : 42 / 134 ، الوسائل 9 : 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.
3 ـ التهذيب 4 : 83 / 241 ، الاستبصار 2 : 49 / 161 ، علل الشرائع : 391 / 4 ، الوسائل 9 : 334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 5.
4 ـ الكافي 4 : 171 / 2 ، الفقيه 2 : 114/ 491 ، التهذيب 4 : 71 / 194 ، الاستبصار 2 : 46 / 149 ، الوسائل 9 : 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 1.
5 ـ التهذيب 4 : 82 / 238 ، الاستبصار 2 : 48 / 158 ، علل الشرائع : 390 / 1 ، الوسائل 9 : 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10.
6 ـ الأوّل : التهذيب 4 : 76 / 215 ، الاستبصار 2 : 45 / 147 ، الوسائل 9 : 337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 14.
    الثاني : التهذيب 4 : 85 / 246 ، الوسائل 9 : 337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 15.
7 ـ التهذيب 4 : 75 / 211 ، الاستبصار 2 : 42 / 135 ، الوسائل 9 : 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 11.
8 ـ التهذيب 4 : 80 / 230 ، الاستبصار 2 : 46 / 151 ، الوسائل 9 : 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 2.


(203)
    وفي الخبر : « صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرّة أو سُلت » (1) إلى‏ غير ذلك من الاختلافات ، وليس ذلك إلّا لورودها باختلاف العادات.
    ويومئ إليه زيادةً على‏ ما مرّ : الخبر : « صاع من قوت بلدك ، على‏ أهل مكة واليمن والطائف تمر » إلى‏ أن قال : « وعلى‏ أهل طبرستان الأرز » (2).
    وقول القاضي بتعيّن ما فيه (3) ضعيف لضعف سنده ، وقوة احتمال كون المراد به التمثيل أو الفضيلة.
    وهو نصّ في كون المعتبر غالب قوت القُطر والبلد لا المُخِرج ، كما هو ظاهر الأصحاب حتى الحلّي ، فإنّ صدر عبارته وإنّ أوهم اعتبار الغلبة في المُخرِج كما عَزا إليه في المفاتيح (4) ، إلا انّ ذيلها كالصريح في خلافه ، لقوله : ومن عدم الأقوات الغالبة على‏ بلده أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة القوت ذهباً أو فضة لم يكن به بأس (5).
    وصرّح جماعة من المتأخّرين بإجزاء الأجناس السبعة وإن لم يغلب على‏ قوت المُخرج ، ومنهم الفاضل في المنتهى‏ نافياً الخلاف عنه بين علمائنا (6) ، وفي الخلاف الإجماع على‏ إجزائها بقول مطلق (7) ، فيشمل ما
1 ـ التهذيب 4 : 82 / 236 ، الاستبصار 2 : 43 / 139 ، الوسائل 9 : 338 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 17.
2 ـ التهذيب 4 : 79 / 226 ، الاستبصار 2 : 44 / 140 ، الوسائل 9 : 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2.
3 ـ كما في المهذّب 1 : 174.
4 ـ المفاتيح 1 : 217.
5 ـ السرائر 1 : 468.
6 ـ المنتهى 1 : 536.
7 ـ الخلاف 2 : 150.


(204)
نحن فيه.
    وعليه فلا إشكال في صرف الخبرين المتقدمين الظاهرين في اعتبار الغلبة على‏ قوت المُخرج عن ظاهره ، بحملهما على‏ الغالب من توافق غالب قوت المُخرِج مع غالب قوت أهل بلده أو الفضيلة ، كما يأتي.
    ثم في الخلاف : لا دليل على‏ إجزاء ما عدا السبعة. وفيه ما عرفته ، فهو ضعيف.
    وأضعف منه القول بالحصر في الأجناس الأربعة ، كما عن الصدوقين والعماني (1) ، أو بزيادة الأقط كما عليه بعض المتأخرين (2) ، ويميل إليه آخر منهم لكن بزيادة الذرّة (3) ، لحصة الرواية المتضمنة له.
    وفيه : أنّ الحجة غير منحصرة في الرواية الصحيحة ، بل الضعيفة حجّة أيضاً بعد انجبارها بالشهرة الظاهرة والمحكية ، مضافاً إلى‏ الإجماعات المنقولة. هذا ، مع أنّه يشبه أن يكون قولهما خرقاً للإجماع المركب بل البسيط ، إذ الظاهر أنّ مراد مَن عدا الأكثر ليس الحصر بل التمثيل ، ولعلّه لذا يظهر من المختلف عدم قطعه بمخالفة الصدوقين ، حيث قال : فإن أراد بذلك الحصر فهو ممنوع (4).
     [ وأفضل ما يخرج : التمر ، ثم الزبيب ، ويليه ما يغلب على‏ قوت بلده ] وفاقاً لكثير ، ومنهم الشيخان والحلّي والقاضي في الكامل (5) ، لكن لم‏
1 ـ نقله عنهم في المختلف : 197 ؛ وانظر المقنع : 66.
2 ـ المدارك 5 : 333.
3 ـ الذخيرة : 470.
4 ـ المختلف : 197.
5 ـ المفيد في المقنعة : 251 ، الطوسي في المبسوط 1 : 242 ، الحلّي في السرائر 1 : 468 ، نقله عن القاضي في المختلف : 197.


(205)
يذكروا الأخير.
    ولم أقف لهم على‏ مستند على‏ هذا الترتيب ، ولعلّهم أخذوه من الجمع بين النصوص المستفيضة الدالة على‏ أفضليّة التمر ومنها الصحيح ، معلّلًا بأنّه أسرع منفعة ، وذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكله (1) وبين الرواية الأخيرة المتقدمة المعيّنة على‏ أهل كلّ قُطر ما يقتاتونه ، المحمولة على‏ الاستحباب دون الوجوب بالإجماع ، كما في المدارك (2) ، بحملها على‏ تفاوت مراتب الفضيلة.
    وإنّما جعلوا التمر أفضل لكثرة النصوص الدالة عليه المعتضدة بالشهرة العظيمة ، التي لا يكاد يظهر فيها مخالف بالكلية ، عدا الديلمي ، فجعل الأفضل من الأجناس أعلاها قيمة وجعل أفضليّة التمر رواية (3) والخلاف ، فجعل الغالب على‏ قوت البلد مستحبّاً (4).
    وهما مع عدم معلوميّة مخالفتهما لا دليل على‏ أولهما ، والرواية المتقدمة التي هي المستند لثانيهما ظاهراً لا تكافئ النصوص المعارضة من وجوه شتّى‏ ولعلّ هذا هو العذر للأكثر لجعل هذا آخر المراتب وأدناها.
    وإنّما جعلوا الزبيب بين المرتبتين لأضعفيّته من التمر ، لعدم استفاضة النصوص به ، بل وعدم ورود نصّ صريح فيه. وكونه أقوى من تاليه لاستفادته من العلّة في الصحيح الماضي دون تاليه ، لضعف النصّ الوارد به ، مع شذوذه بظهوره في الوجوب الذي لا يقولون به.
1 ـ الكافي 4 : 171 / 3 ، الفقيه 2 : 117 / 505 ، التهذيب 4 : 85 / 248 علل الشرائع : 390 / 1 ، الوسائل 9 : 351 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 8.
2 ـ المدارك 5 : 338.
3 ـ المراسم : 135.
4 ـ الخلاف 2 : 150.


(206)
    واقتصر جماعة (1) على‏ التمر اقتصاراً على‏ المستفيضة (2). وهو ضعيف ، لاستفادة الزبيب من الصحيح منها ، وظاهره وإن أفهم التساوي كما عن القاضي في المهذب (3) ، إلّا أنّ ما قدمناه لعلّه كافٍ لإثبات مرجوحيّته.
    هذا ما يتعلّق بجنس الفطرة.
     [ و ] أمّا قدرها فـ [ هي من جميع الأجناس صاع ، وهو تسعة أرطال بالعراقي ] بإجماعنا الظاهر المصرّح به في عبائر جماعة (4) والصحاح به مع ذلك مستفيضة (5) كغيرها من المعتبرة.
    وما دلّ منها على‏ نصف صاع من الحنطة (6) فمع شذوذها محمولة على‏ التقية ، كما صرّح به جماعة (7) ، ودلّت عليه المعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره ، وفي جملة منها أنّه من بِدَع عثمان (8) ، وفي اخرى‏ معاوية (9).
1 ـ حكاه عن ابني بابويه وابن أبي عقيل في المختلف : 197 ؛ وراجع المقنع : 66.
2 ـ الوسائل 9 : 349 أبواب زكاة الفطرة ب 10.
3 ـ المهذّب 1 : 175.
4 ـ كالشيخ في الخلاف 2 : 156 ، والفيض في المفاتيح 1 : 218 ، وصاحب المدارك 5 : 340.
5 ـ الوسائل 9 : 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7.
6 ـ التهذيب 4 : 75 / 210 ، الاستبصار 2 : 42 / 134 ، الوسائل 9 : 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.
7 ـ منهم الشيخ في الاستبصار 2 : 48 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 537 ، وصاحب المدارك 5 : 340.
8 ـ التهذيب 4 : 82 / 237 ، الاستبصار 2 : 48 / 157 ، الوسائل 9 : 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9.
9 ـ التهذيب 4 : 82 / 238 ، الاستبصار 2 : 48 / 158 ، علل الشرائع : 390 / 1 ، الوسائل 9 : 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10.


(207)
     [ و ] يجزي [ من اللبن أربعة أرطال ] كما هنا وفي الشرائع والقواعد والسرائر (1) ، وحكاه في المختلف عن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار وابن حمزة (2) ، وعزاه ولده في الإيضاح إلى‏ الشيخ والحلّي وكثير من الأصحاب (3) للخبر : عن رجل من أهل البادية لا يمكنه الفطرة ، قال : « يتصدّق بأربعة أرطال من لبن » (4).
    وضعف سنده يمنع عن العمل به ، فلا يعارض به استصحاب شغل الذمّة المعتضد بعموم جملة من النصوص الدالة على‏ أنّ الفطرة صاع مطلقاً ، كالخبر : « يخرج عن كلّ شي‏ء التمر والبرّ وغيره صاع » قال الراوي : وليس عندنا بعد جوابه عليّاً (5) في ذلك اختلاف (6).
    وفي آخر : « تخرج عن نفسك صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وآله وعن عيالك أيضاً » (7).
    وفحوى الصحيح المتقدم (8) ونحوه المتضمّن للصاع في الأقط ، فإنّ اعتباره فيه مع زيادة جوهريتّه يستلزم اعتباره في اللبن بطريق أولى‏ ، لكثرة
1 ـ الشرائع 1 : 174 ، القواعد : 61 ، السرائر 1 : 469.
2 ـ المختلف : 198 ، النهاية : 191 ، التهذيب 4 : 84 ، الاستبصار 2 : 49 ابن حمزة في الوسيلة : 131.
3 ـ الإيضاح 1 : 214.
4 ـ الكافي 3 : 173 / 15 ، التهذيب 4 : 84 / 245 ، الاستبصار 2 : 50 / 165 ، الوسائل 9 : 341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 3.
5 ـ يعني ابن مهزيار.
6 ـ التهذيب 4 : 81 / 232 ، الاستبصار 2 : 47 / 153 ، الوسائل 9 : 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 4.
7 ـ التهذيب 4 : 87 / 257 ، الاستبصار 2 : 51 / 170 ، الوسائل 9 : 334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 6.
8 ـ في ص : 202.


(208)
مائيّته. وبهذه الأولوية صرّح الفاضل في المختلف وغيره (1) ، مع أنّ الظاهر من الشيخ في كتاب الحديث عدم الفرق بينهما.
    هذا ، مع أن الرواية في الرطل مطلقة [ و ] قد [ فسّره قوم ] من هؤلاء [ بالمدني ] كالشيخ والحلّي وابن حمزة فيما حكاه عنه فخر الدين (2) ، وعزاه في المدارك إلى‏ الشيخ ومن تبعه (3)
    ولا دليل لهم عليه مع انصرافه بحكم التتبع للأخبار وغيره إلى‏ العراقي ولذا في القواعد أفتى‏ به (4).
    نعم ، في الصحيح : كتبت إلى‏ الرجل أسأله عن الرجل كم يؤدّي ؟ فقال : « أربعة أرطال بالمدني » (5).
    لكنّه بإطلاقه شاذّ لم يقولوا به ، ولعلّه لذا ضعّفه الماتن في المعتبر (6) ، وأشار إليه في المدارك فقال بعد نقله : فكأنّ الوجه في ذلك إطباق الأصحاب على‏ ترك العمل بظاهرها ، وإلّا فهي معتبرة الإسناد. انتهى‏ (7).
    واحتمل الشيخ في كتاب الحديث حمل هذا على‏ أنّ المراد أربعة أمداد ، فوقع التصحيف من الراوي (8).
1 ـ المختلف : 198.
2 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 241 ، الحلّي في السرائر 1 : 469 ، وحكي عن ابي حمزة في الإيضاح 1 : 214.
3 ـ المدارك 5 : 342.
4 ـ القواعد : 61.
5 ـ التهذيب 4 : 84 / 244 ، الاستبصار 2 : 49 / 164 ، الوسائل 9 : 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 5.
6 ـ المعتبر 2 : 608.
7 ـ المدارك 5 : 343.
8 ـ التهذيب 4 : 84.


(209)
    أقول : وهذا جارٍ في الخبر الأوّل أيضاً. ويحتمل فيه ـ زيادة عليه ـ الحمل على‏ الاستحباب فيما لو كان المزكّي فقيراً كما هو مورده ، على‏ ما في المختلف وغيره (1).
    ولا بأس به في مقام الجمع ، وإلّا فظاهر المورد من لا يتمكن لكونه في البادية ، وهو غير عدم التمكّن من جهة الفقر والفاقة.
    وكيف كان ، فالظاهر ضعف هذا القول ومساواة اللبن لغيره في وجوب الصاع بتمامه ، وفاقاً لما أطلقه أكثر القدماء ، كالمفيد والمرتضى‏ والإسكافي والقاضي والحلبي والشيخ في الخلاف وابن زهرة العلوي (2) ، وبه صرّح المتأخّرون من غير خلاف يعرف بينهم عدا الفاضل في القواعد ، وقد رجع عنه في المختلف (3) ، ولعلّه لذا عَزا بعض المتأخّرين الرواية الدالة عليه إلى‏ الشذوذ (4).
    ولا يخلو عن مناقشة لما عرفته من مصير جملة من القدماء إليه ، وسيّما نحو الحلّي الذي لا يعمل بخبر الواحد إلّا بعد قطعيّته ، وقد مرّ عن فخر الدين دعواه كونها مذهب كثير ، ومع ذلك رواها في النهاية مرسلاً (5) ، بل يحتمل كونها من كلامه ، ورواها أيضاً في الخلاف (6) بسند لا بأس به‏
1 ـ المختلف : 198 ؛ وانظر الحدائق 12 : 295.
2 ـ المفيد في المقنعة : 250 ، المرتضى في الجمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 80 ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : 198 ، القاضي في المهذب 1 : 175 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 172 ، الشيخ في الخلاف 2 : 150 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568.
3 ـ القواعد : 61 ، المختلف : 198.
4 ـ المفاتيح 1 : 219.
5 ـ النهاية : 191.
6 ـ الخلاف 2 : 150.


(210)
غير الرفع الممكن جبره بما مرّ ، مضافاً إلى‏ الأصل السالم عن المعارض عدا ما مرّ من العموم والفحوى‏ ، وهي لا تخلو عن مناقشة ، والأوّل في سند ما دلّ عليه قصور (1).
    فلولا الشهرة العظيمة المتأخّرة القريبة من الإجماع ـ بل لعلّها إجماع في الحقيقة الجابرة له المعتضدة بالفحوى‏ المتقدمة ـ لكان المصير إلى‏ هذا القول لا يخلو عن قوة ، سيّما ومخالفة مَن مرّ من القدماء صريحاً غير معلومةٍ ، سيّما ونحو ابن زهرة لم يذكر اللبن في الغنية.
    وكيف كان ، لا ريب أنّ خيرة المتأخّرين أقرب إلى‏ الاحتياط ولزوم تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة ، فلا معدل عنه ولا مندوحة.
    و اعلم : أنّه تجزي القيمة من الأجناس المزبورة ولو مع وجودها ، بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر ، ومنها صريح الغنية وظاهر السرائر (2) وللصحاح المستفيضة ، وفي أكثرها بلفظ الدرهم والفضة (3) ، وفي الموثق : « إنّ ذلك أنفع له ، يشتري ما يريد » (4).
    وصرّح الشيخ في المبسوط وغيره (5) بجواز غيره حتى الثياب والسلعة ، كما هو ظاهر إطلاق الموثق ، بل الصحيح : « لا بأس بالقيمة في الفطرة » (6) ونحوه الإجماع المنقول.
1 ـ بالإضمار في أحدهما والجهالة في الثاني.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569 ، السرائر 1 : 469.
3 ـ الوسائل 9 : 345 أبواب زكاة الفطرة ب 9.
4 ـ التهذيب 4 : 86 / 251 ، الاستبصار 2 : 50 / 166 ، الوسائل 9 : 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 6.
5 ـ المبسوط 1 : 242 ؛ وانظر الخلاف 2 : 50.
6 ـ التهذيب 4 : 86 / 252 ، الاستبصار 2 : 50 / 167 ، الوسائل 9 : 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 9.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس