|
|||
(196)
السرائر والغنية (1) ، وهي معارضة بالأخبار المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخرة القريبة من الإجماع ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، مضافاً إلى أصالة البراءة.
ومع الشروط يجب عليه أن [ يخرجها عن نفسه وعياله من مسلم وكافر وحرّ وعبد وصغير وكبير ولو عال تبرّعاً ] كالضيف إجماعاً ، على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة (2) ، بل في المنتهى أنّ عليه الإجماع ممن عدا أبي حنيفة (3). والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها : عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدّي عنه الفطرة ؟ قال : « نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أُنثى ، صغير أو كبير ، حرّ أو مملوك » (4). وفي رواية : « كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه » (5). وأمّا ما في الصحيح : عن رجل يُنفق على رجل ليس من عياله ، إلّا أنّه يتكلّف له نفقته وكسوته ، أيكون عليه فطرته ؟ قال : « لا إنّما يكون فطرته على عياله صدقة دونه » وقال : « العيال : الولد ، والمملوك ، والزوجة ، 1 ـ السرائر 1 : 465 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568. 2 ـ منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 215 ، وصاحب المدارك 5 : 315. 3 ـ المنتهى 1 : 533. 4 ـ الكافي 4 : 173 / 16 ، الفقيه 2 : 116 / 497 ، التهذيب 4 : 332 / 1041 ، الوسائل 9 : 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 2. 5 ـ الكافي 4 : 170 / 1 ، التهذيب 4 : 71 / 193 ، الوسائل 9 : 329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 8. (197)
وأُمّ الولد » (1) فمعناه أنّه لم يضمّه إلى عياله ، بل يتصدّق عليه بالنفقة والكسوة.
وفي تفسير الضيف المُعال سبعة أقوال : الضيافة طول الشهر ، أو النصف الأخير منه ، أو العشر الأخير منه ، أو ليلتين من آخره ، أو ليلة واحدة ، أو جزء منه بحيث يهلّ الهلال وهو في ضيافته وإن لم يأكل ، أو صدق العيلولة عرفاً. ولم نجد لشيء منها دليلاً يعتدّ به عدا الإجماع المنقول في الانتصار والخلاف على الأوّل (2) ، وظواهر النصوص المتقدمة على الأخير ، فإنّ مقتضاها أنّ الوجوب تابع للعيلولة لا لوجوب النفقة ، ولا لتكلّف التصدّق بها عليه ، ولا الضيافة المحضة من دون عيلولة. وهو المعتمد ، وعليه العمل ، لوهن الإجماع المنقول بشدّة هذا الاختلاف والتشاجر بين الأصحاب. هذا على تقدير تخالفهما ، وإلّا فيرجع إلى شيء واحد مآلهما. والمشهور وجوبها عن الزوجة والمملوك مطلقاً ولو لم يكونا في عياله ، بل ظاهر المنتهى وصريح السرائر دعوى الإجماع عليه (3) ولعلّه لإطلاق نحو الموثق : « الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأُمّك وولدك وخادمك وامرأتك » (4) مضافاً إلى الصحيح السابق. وفيهما نظر لقوّة احتمال ورود إطلاقهما مورد الغالب من حصول 1 ـ الفقيه 2 : 118 / 509 « الوسائل 9 : 328 أبواب. زكاة الفطرة ب 5 ح 3. 2 ـ الانتصار : 88 « الخلاف 2 : 133. 3 ـ المنتهى 1 : 533 « السرائر 1 : 466. 4 ـ الفقيه 2 : 118 / 510 « الوسائل 9 : 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 4. (198)
العيلولة الفعليّة ، مع أنّ جماعة منهم صرّحوا باعتبارها فيمن عدا الزوجة والمملوك والاكتفاء بوجوب الإنفاق فيهما (1) ، والروايتان لا تصلحان دليلاً على هذا التفصيل. وحيث لا عموم فيهما باختصاص موردهما بالغالب بقي غيره مندرجاً تحت الأصل المعتضد بفحوى الأخبار السابقة ، المقتضية لدوران وجوب الفطرة مدار العيلولة الفعلية لا وجوب النفقة.
وإجماع المنتهى غير واضح الدلالة على الوجوب من غير عيلولة فعليّة في الزوجة. وإجماع السرائر وإن كان صريحاً ، إلّا أنّه على جعل السبب نفس الزوجيّة حتى مع النشوز والانقطاع الذين لا يجب معهما النفقة إجماعاً ، وهو كذلك نادر ، بل عن المعتبر وفي المنتهى أنّه متفرّد بذلك (2) ، فالتمسك للوجوب بمثل ذلك لا يخلو عن إشكال. نعم هو أحوط ، سيّما في العبد لصراحة عبارة المنتهى في دعوى الإجماع عليه منّا ومن أكثر العلماء (3). [ وتعتبر النية ] أي الخلوص والقربة ، وقصد كونها فطرة لا صدقة [ في أدائها ] أي عنده لعموم ما دلّ على وجوبها في كلّ عبادة. [ وتسقط عن الكافر لو أسلم ] بعد الهلال ، بالنصّ عموماً وخصوصاً ، كما يأتي ، والإجماع الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (4). [ وهذه الشروط ] إنّما [ تعتبر عند هلال ] شوال أي قبله ، بأن يكون قبل غروب الشمس ليلة الفطرة ولو بلحظة [ فلو أسلم الكافر أو بلغ الصبي 1 ـ الروضة 2 : 58 ، المدارك 5 : 317 ، الحدائق 12 : 268. 2 ـ المعتبر 2 : 602 ، المنتهى 1 : 533. 3 ـ المنتهى 1 : 534. 4 ـ كما في المنتهى 1 : 532 ، والمدارك 5 : 320. (199)
أو ملك الفقير القدر قبل الهلال وجبت الزكاة ، ولو كان بعده لم تجب ، وكذا لو ولد له أو ملك عبداً ] قبله وجبت عليه ، وإلّا فلا ، إجماعاً ، على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (1).
للخبرين ، أحدهما الصحيح : عن مولود وُلد ليلة الفطر ، عليه الفطرة ؟ قال : « لا ، قد خرج الشهر » وعن يهوديّ أسلم ليلة الفطر عليه فطرة ؟ قال : « لا » (2) ونحوه الثاني (3). وأخصّية المورد غير قادح بعد استفادة العموم من الإجماع ، وما في الأوّل من قوله عليه السلام : « قد خرج الشهر » وفي الثاني من قوله : « ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر » المفيدين للعموم. [ وتستحب لو كان ذلك ] أي استجماع هذه [ الشروط ما بين الهلال وصلاة العيد ] بلا خلاف ظاهر ولا محكي إلّا من ظاهر الصدوق ، فأمر بها في المقنع (14) ، كما في الخبرين (5) قيل : والظاهر أنّ مراده به الاستحباب (6) ، لتصريحه به في الفقيه (7) وإنّما حملهما الأصحاب على الاستحباب جمعاً بينهما وبين الخبرين السابقين الصريحين في عدم 1 ـ المدارك 5 : 320 ، مفاتيح الشرائع 1 : 216 ، الذخيرة : 473. 2 ـ الكافي 4 : 172 / 12 ، التهذيب 4 : 72 / 197 ، الوسائل 9 : 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2. 3 ـ الفقيه 2 : 166 / 500 ، الوسائل 9 : 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1. 4 ـ المقنع : 67. 5 ـ الأوّل : الفقيه 2 : 118 / 511 ، الوسائل 9 : 329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 6. الثاني : فقه الرضا ( عليه السلام ) : 210 ، مستدرك الوسائل 7 : 146 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1. 6 ـ قال به في المدارك 5 : 322. 7 ـ الفقيه 2 : 116. (200)
الوجوب ، مضافاً إلى الأصل.
[ والفقير مندوب إلى إخراجها عن نفسه وعن عياله وإن قبلها ، ومع الحاجة يدير على عياله صاعاً ثم يتصدق به على غيرهم ] . أمّا الأوّل : فلما مرّ في تحقيق معنى الغنى (1) ، وفي المنتهى : أنّ عليه علماءنا أجمع إلّا من شذّ (2) ، ولعلّه الإسكافي القائل بالوجوب كما مرّ (3). وأمّا الثاني : فللموثّق : الرجل لا يكون عنده شيء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها ، يعطيه غريباً ، أو يأكل هو وعياله ؟ قال : « يعطي بعض عياله ، ثم يعطي الآخر عن نفسه يردّدونها ، فيكون عنهم جميعاً فطرة واحدة » (4). وليس فيه دلالة على أنّ الأخير منهم يدفعه إلى الأجنبي ، كما في صريح العبارة هنا وفي السرائر والقواعد بل التحرير والشرائع وعن البيان (5) ولعلّهم أخذوه من عموم ما دلّ على كراهية الصدقة ، مع أنّ في قوله عليه السلام : « يكون عنهم جميعاً فطرة واحدة » إشعاراً بذلك. ومورد النصّ كون العيال بأجمعهم مكلّفين ، فيشكل التعدي إلى غيرهم. خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني (6) وظاهر العبارة ، فيتولّى الولي ذلك عن 1 ـ راجع ص : 123. 2 ـ المنتهى 1 : 536. 3 ـ في ص : 193. 4 ـ الكافي 4 : 172 / 10 ، الفقيه 2 : 115 / 496 ، التهذيب 4 : 74 / 209 ، الاستبصار 2 : 42 / 133 ، الوسائل 9 : 325 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 3. 5 ـ السرائر 1 : 467 ، القواعد : 60 ، التحرير : 72 ، الشرائع 1 : 171 ، البيان : 332. 6 ـ كما في المسالك 1 : 64. (201)
الصغير.
ويشكل بإخراج ما صار ملكه إلى غيره ، مع عدم دليل عليه إلّا ما ادّعى من إطلاق النص ، وقد عرفت ما فيه ، ومن ثبوت مثله في الزكاة ، وهو على تقديره قياس لا نقول به. [ الثاني : في ] بيان [ قدرها وجنسها ]. اعلم : أنّ [ الضابط ] في الجنس [ ما كان قوتاً غالباً ، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن ] وفاقاً للشيخين والسيدين والحلّي والفاضلين والشهيدين وغيرهم (1) ، وفي الدروس الأكثر (2) ، وفي غيره الأشهر (3) ، وفي المنتهى : أنّه مذهب علمائنا (4) ، وكذا عن الشهيد والماتن في المعتبر (5). وهو الأظهر للنصوص منها الصحيح : « الفطرة على كلّ قوم مما يغذون عيالهم ، من لبن أو زبيب أو غيره » (6). والمرسل : « الفطرة على كلّ من اقتات قوتاً ، فعليه أن يؤدّي من ذلك 1 ـ المفيد في المقنعة : 250 ، الطوسي في المبسوط 1 : 241 ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 80 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568 ، الحلّي في السرائر 1 : 468 ، المحقق في الشرائع 1 : 174 ، العلّامة في المنتهى 1 : 536 ، الشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة البهية 2 ) : 59 ، الشهيد الثاني في المسالك 1 : 65 ؛ وانظر الحدائق 12 : 282. 2 ـ الدروس 1 : 251. 3 ـ كما في الحدائق 12 : 282. 4 ـ المنتهى 1 : 536. 5 ـ حكاه عن الشهيد في الحدائق 12 : 279 ، المعتبر 2 : 605. 6 ـ التهذيب 4 : 78 / 221 ، الاستبصار 2 : 43 / 137 ، الوسائل 9 : 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 1. (202)
القوت » (1).
وضعف السند مجبور بالعمل والاعتضاد باختلاف الصحاح المستفيضة وغيرها في ذكر الأجناس المزبورة نقيصة وزيادة ، ففي الصحيحين (2) وغيرهما (3) الاقتصار على الأربعة الزكوية ، وفي الصحيح الاقتصار على ما عدا الشعير منها (4) ، وفي آخَر على ما عدا الحنطة مبدلاً عنها بالذرّة (5) ، وفي آخَرين على ما عدا الزبيب (6) ، في آخر على ما عدا الحنطة منها وتبديلها بالأقط (7) ، وفي الصحيح : « يعطي أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعاً » (8). 1 ـ الكافي 4 : 173 / 14 ، التهذيب 4 : 78 / 220 ، الاستبصار 2 : 42 / 136 الوسائل 9 : 344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 4. 2 ـ الأوّل : الكافي 4 : 171 / 5 ، الفقيه 2 : 115 / 492 ، التهذيب 4 : 80 / 227 ، الاستبصار 2 : 46 / 148 ، الوسائل 9 : 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1. الثاني : التهذيب 4 : 75 / 210 ، الاستبصار 2 : 42 / 134 ، الوسائل 9 : 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11. 3 ـ التهذيب 4 : 83 / 241 ، الاستبصار 2 : 49 / 161 ، علل الشرائع : 391 / 4 ، الوسائل 9 : 334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 5. 4 ـ الكافي 4 : 171 / 2 ، الفقيه 2 : 114/ 491 ، التهذيب 4 : 71 / 194 ، الاستبصار 2 : 46 / 149 ، الوسائل 9 : 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 1. 5 ـ التهذيب 4 : 82 / 238 ، الاستبصار 2 : 48 / 158 ، علل الشرائع : 390 / 1 ، الوسائل 9 : 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10. 6 ـ الأوّل : التهذيب 4 : 76 / 215 ، الاستبصار 2 : 45 / 147 ، الوسائل 9 : 337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 14. الثاني : التهذيب 4 : 85 / 246 ، الوسائل 9 : 337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 15. 7 ـ التهذيب 4 : 75 / 211 ، الاستبصار 2 : 42 / 135 ، الوسائل 9 : 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 11. 8 ـ التهذيب 4 : 80 / 230 ، الاستبصار 2 : 46 / 151 ، الوسائل 9 : 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 2. (203)
وفي الخبر : « صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرّة أو سُلت » (1) إلى غير ذلك من الاختلافات ، وليس ذلك إلّا لورودها باختلاف العادات.
ويومئ إليه زيادةً على ما مرّ : الخبر : « صاع من قوت بلدك ، على أهل مكة واليمن والطائف تمر » إلى أن قال : « وعلى أهل طبرستان الأرز » (2). وقول القاضي بتعيّن ما فيه (3) ضعيف لضعف سنده ، وقوة احتمال كون المراد به التمثيل أو الفضيلة. وهو نصّ في كون المعتبر غالب قوت القُطر والبلد لا المُخِرج ، كما هو ظاهر الأصحاب حتى الحلّي ، فإنّ صدر عبارته وإنّ أوهم اعتبار الغلبة في المُخرِج كما عَزا إليه في المفاتيح (4) ، إلا انّ ذيلها كالصريح في خلافه ، لقوله : ومن عدم الأقوات الغالبة على بلده أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة القوت ذهباً أو فضة لم يكن به بأس (5). وصرّح جماعة من المتأخّرين بإجزاء الأجناس السبعة وإن لم يغلب على قوت المُخرج ، ومنهم الفاضل في المنتهى نافياً الخلاف عنه بين علمائنا (6) ، وفي الخلاف الإجماع على إجزائها بقول مطلق (7) ، فيشمل ما 1 ـ التهذيب 4 : 82 / 236 ، الاستبصار 2 : 43 / 139 ، الوسائل 9 : 338 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 17. 2 ـ التهذيب 4 : 79 / 226 ، الاستبصار 2 : 44 / 140 ، الوسائل 9 : 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2. 3 ـ كما في المهذّب 1 : 174. 4 ـ المفاتيح 1 : 217. 5 ـ السرائر 1 : 468. 6 ـ المنتهى 1 : 536. 7 ـ الخلاف 2 : 150. (204)
نحن فيه.
وعليه فلا إشكال في صرف الخبرين المتقدمين الظاهرين في اعتبار الغلبة على قوت المُخرج عن ظاهره ، بحملهما على الغالب من توافق غالب قوت المُخرِج مع غالب قوت أهل بلده أو الفضيلة ، كما يأتي. ثم في الخلاف : لا دليل على إجزاء ما عدا السبعة. وفيه ما عرفته ، فهو ضعيف. وأضعف منه القول بالحصر في الأجناس الأربعة ، كما عن الصدوقين والعماني (1) ، أو بزيادة الأقط كما عليه بعض المتأخرين (2) ، ويميل إليه آخر منهم لكن بزيادة الذرّة (3) ، لحصة الرواية المتضمنة له. وفيه : أنّ الحجة غير منحصرة في الرواية الصحيحة ، بل الضعيفة حجّة أيضاً بعد انجبارها بالشهرة الظاهرة والمحكية ، مضافاً إلى الإجماعات المنقولة. هذا ، مع أنّه يشبه أن يكون قولهما خرقاً للإجماع المركب بل البسيط ، إذ الظاهر أنّ مراد مَن عدا الأكثر ليس الحصر بل التمثيل ، ولعلّه لذا يظهر من المختلف عدم قطعه بمخالفة الصدوقين ، حيث قال : فإن أراد بذلك الحصر فهو ممنوع (4). [ وأفضل ما يخرج : التمر ، ثم الزبيب ، ويليه ما يغلب على قوت بلده ] وفاقاً لكثير ، ومنهم الشيخان والحلّي والقاضي في الكامل (5) ، لكن لم 1 ـ نقله عنهم في المختلف : 197 ؛ وانظر المقنع : 66. 2 ـ المدارك 5 : 333. 3 ـ الذخيرة : 470. 4 ـ المختلف : 197. 5 ـ المفيد في المقنعة : 251 ، الطوسي في المبسوط 1 : 242 ، الحلّي في السرائر 1 : 468 ، نقله عن القاضي في المختلف : 197. (205)
يذكروا الأخير.
ولم أقف لهم على مستند على هذا الترتيب ، ولعلّهم أخذوه من الجمع بين النصوص المستفيضة الدالة على أفضليّة التمر ومنها الصحيح ، معلّلًا بأنّه أسرع منفعة ، وذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكله (1) وبين الرواية الأخيرة المتقدمة المعيّنة على أهل كلّ قُطر ما يقتاتونه ، المحمولة على الاستحباب دون الوجوب بالإجماع ، كما في المدارك (2) ، بحملها على تفاوت مراتب الفضيلة. وإنّما جعلوا التمر أفضل لكثرة النصوص الدالة عليه المعتضدة بالشهرة العظيمة ، التي لا يكاد يظهر فيها مخالف بالكلية ، عدا الديلمي ، فجعل الأفضل من الأجناس أعلاها قيمة وجعل أفضليّة التمر رواية (3) والخلاف ، فجعل الغالب على قوت البلد مستحبّاً (4). وهما مع عدم معلوميّة مخالفتهما لا دليل على أولهما ، والرواية المتقدمة التي هي المستند لثانيهما ظاهراً لا تكافئ النصوص المعارضة من وجوه شتّى ولعلّ هذا هو العذر للأكثر لجعل هذا آخر المراتب وأدناها. وإنّما جعلوا الزبيب بين المرتبتين لأضعفيّته من التمر ، لعدم استفاضة النصوص به ، بل وعدم ورود نصّ صريح فيه. وكونه أقوى من تاليه لاستفادته من العلّة في الصحيح الماضي دون تاليه ، لضعف النصّ الوارد به ، مع شذوذه بظهوره في الوجوب الذي لا يقولون به. 1 ـ الكافي 4 : 171 / 3 ، الفقيه 2 : 117 / 505 ، التهذيب 4 : 85 / 248 علل الشرائع : 390 / 1 ، الوسائل 9 : 351 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 8. 2 ـ المدارك 5 : 338. 3 ـ المراسم : 135. 4 ـ الخلاف 2 : 150. (206)
واقتصر جماعة (1) على التمر اقتصاراً على المستفيضة (2). وهو ضعيف ، لاستفادة الزبيب من الصحيح منها ، وظاهره وإن أفهم التساوي كما عن القاضي في المهذب (3) ، إلّا أنّ ما قدمناه لعلّه كافٍ لإثبات مرجوحيّته.
هذا ما يتعلّق بجنس الفطرة. [ و ] أمّا قدرها فـ [ هي من جميع الأجناس صاع ، وهو تسعة أرطال بالعراقي ] بإجماعنا الظاهر المصرّح به في عبائر جماعة (4) والصحاح به مع ذلك مستفيضة (5) كغيرها من المعتبرة. وما دلّ منها على نصف صاع من الحنطة (6) فمع شذوذها محمولة على التقية ، كما صرّح به جماعة (7) ، ودلّت عليه المعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره ، وفي جملة منها أنّه من بِدَع عثمان (8) ، وفي اخرى معاوية (9). 1 ـ حكاه عن ابني بابويه وابن أبي عقيل في المختلف : 197 ؛ وراجع المقنع : 66. 2 ـ الوسائل 9 : 349 أبواب زكاة الفطرة ب 10. 3 ـ المهذّب 1 : 175. 4 ـ كالشيخ في الخلاف 2 : 156 ، والفيض في المفاتيح 1 : 218 ، وصاحب المدارك 5 : 340. 5 ـ الوسائل 9 : 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7. 6 ـ التهذيب 4 : 75 / 210 ، الاستبصار 2 : 42 / 134 ، الوسائل 9 : 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11. 7 ـ منهم الشيخ في الاستبصار 2 : 48 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 537 ، وصاحب المدارك 5 : 340. 8 ـ التهذيب 4 : 82 / 237 ، الاستبصار 2 : 48 / 157 ، الوسائل 9 : 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9. 9 ـ التهذيب 4 : 82 / 238 ، الاستبصار 2 : 48 / 158 ، علل الشرائع : 390 / 1 ، الوسائل 9 : 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10. (207)
[ و ] يجزي [ من اللبن أربعة أرطال ] كما هنا وفي الشرائع والقواعد والسرائر (1) ، وحكاه في المختلف عن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار وابن حمزة (2) ، وعزاه ولده في الإيضاح إلى الشيخ والحلّي وكثير من الأصحاب (3) للخبر : عن رجل من أهل البادية لا يمكنه الفطرة ، قال : « يتصدّق بأربعة أرطال من لبن » (4).
وضعف سنده يمنع عن العمل به ، فلا يعارض به استصحاب شغل الذمّة المعتضد بعموم جملة من النصوص الدالة على أنّ الفطرة صاع مطلقاً ، كالخبر : « يخرج عن كلّ شيء التمر والبرّ وغيره صاع » قال الراوي : وليس عندنا بعد جوابه عليّاً (5) في ذلك اختلاف (6). وفي آخر : « تخرج عن نفسك صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وآله وعن عيالك أيضاً » (7). وفحوى الصحيح المتقدم (8) ونحوه المتضمّن للصاع في الأقط ، فإنّ اعتباره فيه مع زيادة جوهريتّه يستلزم اعتباره في اللبن بطريق أولى ، لكثرة 1 ـ الشرائع 1 : 174 ، القواعد : 61 ، السرائر 1 : 469. 2 ـ المختلف : 198 ، النهاية : 191 ، التهذيب 4 : 84 ، الاستبصار 2 : 49 ابن حمزة في الوسيلة : 131. 3 ـ الإيضاح 1 : 214. 4 ـ الكافي 3 : 173 / 15 ، التهذيب 4 : 84 / 245 ، الاستبصار 2 : 50 / 165 ، الوسائل 9 : 341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 3. 5 ـ يعني ابن مهزيار. 6 ـ التهذيب 4 : 81 / 232 ، الاستبصار 2 : 47 / 153 ، الوسائل 9 : 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 4. 7 ـ التهذيب 4 : 87 / 257 ، الاستبصار 2 : 51 / 170 ، الوسائل 9 : 334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 6. 8 ـ في ص : 202. (208)
مائيّته. وبهذه الأولوية صرّح الفاضل في المختلف وغيره (1) ، مع أنّ الظاهر من الشيخ في كتاب الحديث عدم الفرق بينهما.
هذا ، مع أن الرواية في الرطل مطلقة [ و ] قد [ فسّره قوم ] من هؤلاء [ بالمدني ] كالشيخ والحلّي وابن حمزة فيما حكاه عنه فخر الدين (2) ، وعزاه في المدارك إلى الشيخ ومن تبعه (3) ولا دليل لهم عليه مع انصرافه بحكم التتبع للأخبار وغيره إلى العراقي ولذا في القواعد أفتى به (4). نعم ، في الصحيح : كتبت إلى الرجل أسأله عن الرجل كم يؤدّي ؟ فقال : « أربعة أرطال بالمدني » (5). لكنّه بإطلاقه شاذّ لم يقولوا به ، ولعلّه لذا ضعّفه الماتن في المعتبر (6) ، وأشار إليه في المدارك فقال بعد نقله : فكأنّ الوجه في ذلك إطباق الأصحاب على ترك العمل بظاهرها ، وإلّا فهي معتبرة الإسناد. انتهى (7). واحتمل الشيخ في كتاب الحديث حمل هذا على أنّ المراد أربعة أمداد ، فوقع التصحيف من الراوي (8). 1 ـ المختلف : 198. 2 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 241 ، الحلّي في السرائر 1 : 469 ، وحكي عن ابي حمزة في الإيضاح 1 : 214. 3 ـ المدارك 5 : 342. 4 ـ القواعد : 61. 5 ـ التهذيب 4 : 84 / 244 ، الاستبصار 2 : 49 / 164 ، الوسائل 9 : 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 5. 6 ـ المعتبر 2 : 608. 7 ـ المدارك 5 : 343. 8 ـ التهذيب 4 : 84. (209)
أقول : وهذا جارٍ في الخبر الأوّل أيضاً. ويحتمل فيه ـ زيادة عليه ـ الحمل على الاستحباب فيما لو كان المزكّي فقيراً كما هو مورده ، على ما في المختلف وغيره (1).
ولا بأس به في مقام الجمع ، وإلّا فظاهر المورد من لا يتمكن لكونه في البادية ، وهو غير عدم التمكّن من جهة الفقر والفاقة. وكيف كان ، فالظاهر ضعف هذا القول ومساواة اللبن لغيره في وجوب الصاع بتمامه ، وفاقاً لما أطلقه أكثر القدماء ، كالمفيد والمرتضى والإسكافي والقاضي والحلبي والشيخ في الخلاف وابن زهرة العلوي (2) ، وبه صرّح المتأخّرون من غير خلاف يعرف بينهم عدا الفاضل في القواعد ، وقد رجع عنه في المختلف (3) ، ولعلّه لذا عَزا بعض المتأخّرين الرواية الدالة عليه إلى الشذوذ (4). ولا يخلو عن مناقشة لما عرفته من مصير جملة من القدماء إليه ، وسيّما نحو الحلّي الذي لا يعمل بخبر الواحد إلّا بعد قطعيّته ، وقد مرّ عن فخر الدين دعواه كونها مذهب كثير ، ومع ذلك رواها في النهاية مرسلاً (5) ، بل يحتمل كونها من كلامه ، ورواها أيضاً في الخلاف (6) بسند لا بأس به 1 ـ المختلف : 198 ؛ وانظر الحدائق 12 : 295. 2 ـ المفيد في المقنعة : 250 ، المرتضى في الجمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 80 ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : 198 ، القاضي في المهذب 1 : 175 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 172 ، الشيخ في الخلاف 2 : 150 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 568. 3 ـ القواعد : 61 ، المختلف : 198. 4 ـ المفاتيح 1 : 219. 5 ـ النهاية : 191. 6 ـ الخلاف 2 : 150. (210)
غير الرفع الممكن جبره بما مرّ ، مضافاً إلى الأصل السالم عن المعارض عدا ما مرّ من العموم والفحوى ، وهي لا تخلو عن مناقشة ، والأوّل في سند ما دلّ عليه قصور (1).
فلولا الشهرة العظيمة المتأخّرة القريبة من الإجماع ـ بل لعلّها إجماع في الحقيقة الجابرة له المعتضدة بالفحوى المتقدمة ـ لكان المصير إلى هذا القول لا يخلو عن قوة ، سيّما ومخالفة مَن مرّ من القدماء صريحاً غير معلومةٍ ، سيّما ونحو ابن زهرة لم يذكر اللبن في الغنية. وكيف كان ، لا ريب أنّ خيرة المتأخّرين أقرب إلى الاحتياط ولزوم تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة ، فلا معدل عنه ولا مندوحة. و اعلم : أنّه تجزي القيمة من الأجناس المزبورة ولو مع وجودها ، بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر ، ومنها صريح الغنية وظاهر السرائر (2) وللصحاح المستفيضة ، وفي أكثرها بلفظ الدرهم والفضة (3) ، وفي الموثق : « إنّ ذلك أنفع له ، يشتري ما يريد » (4). وصرّح الشيخ في المبسوط وغيره (5) بجواز غيره حتى الثياب والسلعة ، كما هو ظاهر إطلاق الموثق ، بل الصحيح : « لا بأس بالقيمة في الفطرة » (6) ونحوه الإجماع المنقول. 1 ـ بالإضمار في أحدهما والجهالة في الثاني. 2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569 ، السرائر 1 : 469. 3 ـ الوسائل 9 : 345 أبواب زكاة الفطرة ب 9. 4 ـ التهذيب 4 : 86 / 251 ، الاستبصار 2 : 50 / 166 ، الوسائل 9 : 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 6. 5 ـ المبسوط 1 : 242 ؛ وانظر الخلاف 2 : 50. 6 ـ التهذيب 4 : 86 / 252 ، الاستبصار 2 : 50 / 167 ، الوسائل 9 : 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 9. |
|||
|