رياض المسائل الجزء الخامس ::: 211 ـ 225
(211)
    والأحوط الأوّل لتبادر النقد من الإطلاق مطلقاً ، فيشكل الصرف إلى‏ غيره.
     [ ولا تقدير في عوض الواجب بل يرجع إلى‏ القيمة السوقية ] وقت الدفع ، وفاقاً للأكثر على‏ الظاهر ، المصرّح به في عبائر جمع (1) ، وعليه عامة المتأخّرين.
    وتقديرها بدرهم كما في رواية (2) ، أو أربعة دوانيق كما في أُخرى (3) ، منزّل على‏ اختلاف الأسعار ، ومع ذلك مجهول القائل ، كما في المختلف والمسالك وغيرهما (4).
    لكن الأوّل عُزي في التنقيح إلى‏ الشيخ في النهاية (5) ، وفي غيره إليه في الاستبصار (6).
    ولا ريب في ضعفه كتاليه لضعف المستند سنداً ودلالةً ، وعدم مقاومته لإطلاق ما مضى من الأدلّة.

     [ الثالث : في ] بيان [ وقتها ] :
     [ و ] اعلم أنّه [ تجب بهلال شوّال ] مع حصول الشرائط المتقدمة قبله ، وفاقاً للشيخ في الجمل والاقتصاد وابن حمزة والحلّي (7) ، وعليه أكثر
1 ـ كصاحب المدارك 5 : 343 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 475 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 218.
2 ـ التهذيب 4 : 79 / 225 ، الاستبصار 2 : 50 / 168 ، الوسائل 9 : 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 11.
3 ـ المقنعة : 250 ، الوسائل 9 : 349 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 14.
4 ـ المختلف : 198 ، المسالك 1 : 65 ؛ وانظر مفاتيح الشرائع 1 : 218.
5 ـ التنقيح 1 : 333 ، النهاية : 191.
6 ـ الاستبصار 2 : 50.
7 ـ الجمل ( الرسائل العشر ) : 209 ، الاقتصاد : 284 ، ابن حمزة في الوسيلة :


(212)
المتأخّرين لنحو ما مرّ من الصحيح : مولود ولد ليلة الفطر ، أعليه فطرة ؟ قال : « لا ، قد خرج الشهر » (1).
    خلافاً له في النهاية والمبسوط والخلاف ، وللمفيد والإسكافي والسيدين والقاضي والحلبي (2) ، فبطلوع الفجر من يوم العيد لنحو الصحيح : عن الفطرة متى هي ؟ فقال : « قبل الصلاة يوم الفطر » قلت : فإن بقي منه شي‏ء بعد الصلاة ؟ قال : « لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى‏ فنقسّمه » (3).
    وفيه نظر لأنّ قبل الصلاة كما يعمّ عند طلوع الفجر بلا فصل كذا يعمّ قُبيله القريب منه كذلك ، ولا قائل بالفرق مع أنّ المتبادر من السياق أنّ المراد من القبلية إنّما هو بالمعنى المقابل لما بعد الصلاة لا المتبادر إلى‏ الذهن منها حقيقة ، وهو ما قرب من الصلاة ، مع أنّه لا قائل به منّا هنا ، للاتّفاق على‏ كون ما بعد الفجر بغير فصل وقتاً مع أنّه غير متبادر منه جدّاً.
    وما يجاب عن رواية المختار : بأنّها إنّما تدلّ على‏ وجوب الإخراج عمّن أدرك الشهر لا على‏ أنّ أوّل وقت الإخراج الغروب ، وأحدهما غير الآخر فمنظور فيه ، لأنّها وإن لم تدلّ على‏ ذلك صريحاً إلّا أنّها دالّة عليه‏
131 ، الحلي في السرائر 1 : 469.
1 ـ الكافي 4 : 172 / 12 ، التهذيب 4 : 72 / 197 ، الوسائل 9 : 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.
2 ـ النهاية : 191 ، المبسوط 1 : 242 ، الخلاف 2 : 155 ، المفيد في المقنعة : 249 نقله عن الإسكافي في المختلف : 199 ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 80 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569 ، القاضى في المهذب 1 : 176 ، الحلبي في الكافي : 169.
3 ـ التهذيب 4 : 75 / 212 ، الاستبصار 2 : 44 / 141 ، الوسائل 9 : 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 5.


(213)
بالإطلاق ، وهو كاف ، حيث لم يقم على‏ التأقيت بالطلوع دليل كما هو الفرض ، لما مرّ من عدم وضوح دلالة الرواية الأخيرة على‏ التقييد ، هذا.
    وما يستفاد منه (1) من عدم خلاف في تعلّق الوجوب بالغروب ، وأنّه إنّما هو في وقت الإخراج فهو خلاف ما يستفاد من كلام جماعة.
    وكيف كان ، فالتحقيق أنّه إن كان محلّ النزاع وقت تعلّق الوجوب واشتغال الذمة به فينبغي القطع بصحة القول الأوّل ، وإن كان وقت الإخراج فالظاهر صحته أيضاً ، وإن كان التأخير إلى‏ طلوع الفجر أحوط ، أخذاً بالمتّفق عليه ، مع تصريح جمع ممّن اختار الأوّل بأنّه أفضل (2).
    [ ويتضيّق عند صلاة العيد ] بل إذا بقي للزوال من يومه بمقدار أدائها.
     [ ويجوز تقديمها ] زكاة [ في شهر رمضان ولو من أوّله ( أداءً ) (3) ] وفاقاً لجماعة من القدماء والمتأخّرين ، بل عُزي في التنقيح إلى‏ كثير (4) ، وفي المنتهى‏ إلى‏ الأكثر (5) ، وفي الدروس والمسالك إلى‏ المشهور (6) ، وهو خيرة الماتن هنا وفي المعتبر (7).
    للصحيح : « يعطي يوم الفطر فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل في شهر رمضان إلى‏ آخره ، فإن أعطى‏ تمراً فصاع لكلّ‏
1 ـ أي : من الجواب.
2 ـ التنقيح 1 : 333 ، المدارك 5 : 347 ، كفاية الإحكام : 42.
3 ـ أضفناها من المختصر المطبوع.
4 ـ التنقيح 1 : 333.
5 ـ المنتهى 1 : 540.
6 ـ الدروس 1 : 250 ، المسالك 1 : 65.
7 ـ المعتبر 2 : 613.


(214)
رأس ، وإن لم يعط تمراً فنصف صاع لكلّ رأس من حنطة أو شعير » (1).
    والرضوي : « لا بأس بإخراج الفطرة في أوّل يوم من شهر رمضان إلى‏ آخره ، وهي زكاة إلى‏ أن يصلّي صلاة العيد ، فإنّ أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة ، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان » (2).
    خلافاً لآخرين ، فلم يجوّزوه إلّا قرضاً ، ومنهم الماتن في الشرائع وكثير (3) ، حتى أنّ في كلام جماعة من متأخّري المتأخّرين دعوى الشهرة (4) التفاتاً إلى‏ أنّه لا معنى‏ لتأدية الفرض قبل وجوبه ، كما يشهد له الاعتبار ونبّه عليه في الصحاح الواردة في الماليّة بقوله عليه السلام : « أيصلّي الاولى‏ قبل الزوال » (5).
    والصحيح السابق مقدوح باشتماله على‏ ما يخالف إجماع المسلمين ، من إجزاء نصف الصاع من الشعير.
    ويمكن الواجب عنه ، بأنه لا يوجب ترك العمل بجميع ما اشتمل عليه ، فلعلّ بعض مدلوله جارٍ على‏ تأويل ومصلحة ، وهو بالإضافة إلى‏ مقابله خاصّ ، فيكون مخصّصاً به.
    ولكن المسألة مع ذلك محلّ تردّد ، والاحتياط واضح.
1 ـ التهذيب 4 : 76 / 215 ، الاستبصار 2 : 45 / 147 ، الوسائل 9 : 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 4.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 210 ، مستدرك الوسائل 7 : 147 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 3.
3 ـ الشرائع 1 : 175 ؛ والمفيد في المقنعة : 249 ، الحلبي في الكافي : 173 ، الحلّي في السرائر 1 : 469.
4 ـ كصاحبي المدارك 5 : 345 ، والذخيرة والحدائق 12 : 304.
5 ـ الكافي 3 : 524 / 9 ، التهذيب 4 : 43 / 111 وفيه : أتصلي ، الاستبصار 2 : 32 / 93 ، الوسائل 9 : 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 3.


(215)
     [ ولا يجوز تأخيرها عن الصلاة إلّا لعذر أو انتظار المستحق ] بعد العزل ، بلا خلاف في حكم المستثنى‏ فتوىً ونصّاً ، وفي المعتبر والتحرير : إجماعاً (1) ، وعلى‏ الأشهر في حكم المستثنى‏ منه ، وفي صريح الغنية وظاهر التذكرة والمنتهى‏ : دعوى الإجماع عليه (2).
    لكن الأخير قرّب بعد ذلك بأسطر قليلة جواز التأخير عن الصلاة (3) ـ كما هو ظاهر خيرة الحلّي (4) ـ وتحريمه عن العيد ، مستدلاً عليه بذيل الصحيح المتقدم (5) ، المتضمن لقوله : فإن بقي منه شي‏ء بعد الصلاة ؟ فقال : « لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى‏ فنقسّمه ».
    وتبعه في المدارك (6) ، مستدلاً عليه بقوله عليه السلام في الصحيح المتقدم ، المتضمّن لقوله : « يعطي يوم الفطر فهو أفضل ».
    ويضعّف الأوّل : بدلالة صدره على‏ قول الأكثر ، وقوة احتمال ذيله الحمل على‏ صورة العزل ، كما يشير إليه قوله عليه السلام : « نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى‏ » إلى‏ آخره ، بناءً على‏ أنّ الظاهر أنّ المراد به عزلها وإعطاؤها العيال ليدفعونه إلى‏ المستحق.
    والثاني : بقوّة احتمال كون المفضّل عليه تقديمها أوّل الشهر لا التأخير عن الصلاة ، ولذا لم يقابل الأفضل فيه إلّا بالأوّل (7).
1 ـ المعتبر 2 : 613 ، التحرير : 72.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569 ، التذكرة 1 : 250 ، المنتهى 1 : 541.
3 ـ المنتهى 1 : 541.
4 ـ السرائر 1 : 469.
5 ـ في ص : 212.
6 ـ المدارك 5 : 344.
7 ـ وهو قوله : « وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل في شهر رمضان ». منه.


(216)
    ويعضد هذا الحمل التصريح في الصحيح الآخر بأنّها بعد الصلاة صدقة ، بعد التصريح فيه بأنّها قبلها أفضل (1).
    ويحتمل الأفضل فيهما الحمل على‏ ما لا مفضّل عليه له ، كما هو شائع في الكتاب والسنة ، وارتكابه أولى‏ من حمل الصدقة على‏ الواجبة ، إذ المقابلة بها للفطرة أوضح دليل على‏ أنّ المراد بها المندوبة ، وإلّا فالفطرة أيضاً صدقة واجبة ، مع أنّه لا داعي لوجوبها بعد خروجها عن حقيقة الفطرة ، لاختصاص ما دلّ على‏ الوجوب بها دون الصدقة.
    وعلى‏ أحد هذين الحملين أيضاً يحمل لفظة « ينبغي » الواردة في المروي عن الإقبال ، وفيه : روينا بإسنادنا إلى‏ الصادق عليه السلام قال : « ينبغي أن يؤدّي قبل أن يخرج الناس إلى‏ الجبّانة (2) ، فإذا أدّاها بعد ما رجع فإنّما هي صدقة وليست فطرة » (3).
    وبما ذكر ظهر أنّ الأشهر أظهر ، سيّما وفي المختلف الإجماع على‏ حصول الإثم بالتأخير عن الزوال (4) ولعلّه فهم من لفظ الصلاة وقتها بناءً على‏ كونه عندهم الزوال ، ويعضده التحديد بالظهر في المروي عن الإقبال بقوله عليه السلام « إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة ، وإن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة لا تجزيك » (5).
    مضافاً إلى‏ أنّه قد لا يقع صلاة ، وسقوط الفطرة حينئذٍ فاسد ، فلا وقت‏
1 ـ الكافي 4 : 170 / 1 ، التهذيب 4 : 71 / 193 ، الوسائل 9 : 353 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 1.
2 ـ الجَبّانة والجَبّان : الصحراء. مجمع البحرين 6 : 224.
3 ـ الإقبال : 283 ، الوسائل 9 : 355 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 7.
4 ـ المختلف : 200.
5 ـ الإقبال : 274 ، الوسائل 9 : 331 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 16.


(217)
يتعيّن له لولا ما ذكر. وحيث ثبت التعيين إليه في هذه الصورة ثبت في غيرها ، لعدم القائل بالفرق ، فتأمّل.
     [ وهي قبل صلاة العيد ] بل الزوال [ فطرة ] واجبة [ وبعدها صدقة ] مندوبة بمقتضى‏ النصوص المتقدمة بالتقريب المتقدم إليه الإشارة ، ونحوها نصوص أُخر ضعف أسانيدها أو قصورها منجبر بالشهرة الظاهرة والمحكية في كلام جماعة (1) ، وعليه الإجماع في الغنية (2).
    [ وقيل : يجب القضاء ] والقائل الإسكافي والمفيد والشيخ في الاقتصار والديلمي (3) ، لكنّهما لم يصرّحا بالوجوب ، بل قالا : وإن أخّر كان قضاءً ، وتبعهما جماعة من المتأخّرين (4).
    [ و ] لم أقف له على‏ دليل يعتدّ به ، نعم [ هو أحوط ] تفصّياً عن شبهة الخلاف ، وإن كان الأظهر ما تقدّم لما تقدّم. كلّ ذا إذا لم يعزلها.
    [ وإذا عزلها ] وجبت مطلقاً بلا خلاف كما مضى ، والمعتبرة به مستفيضة جدّاً ، منها الموثق كالصحيح : « إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها » (5).
    والمرسل كالصحيح « إذا عزلتها وأنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها
1 ـ الذخيرة : 476 ، الحدائق 12 : 303.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569.
3 ـ حكاه عن الإسكافي في المختلف : 200 ، المفيد في المقنعة : 249 ، الاقتصاد : 285 ، الديلمي في المراسم : 135 ، قال : ومن أخرجها عمّا حدّدناه كان كافياً. ولكن المنقول عنه في المختلف 1 : 200 ولو أخر عمّا حدّدناه كان قاضياُ.
4 ـ منهم العلّامة في المختلف : 201 وابن فهد في المهذب البارع 1 : 551.
5 ـ الفقيه 2 : 118 / 510 ، التهذيب 4 : 77 / 218 ، الاستبصار 2 : 45 / 146 ، الوسائل 9 : 357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 4.


(218)
رجلاً فلا بأس » (1).
    ومنها : « إن لم تجد مَن تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة » (2).
    وفي هذه النصوص إشعار بحرمة التأخير عن الصلاة اختياراً أيضاً كما اخترناه.
    [ و ] لو [ أخّر التسليم لعذر ] بفقد المستحق أو انتظار رجل كما في المرسل المتقدم [ لم يضمن لو تلفت ] من غير تفريط.
    [ ويضمن لو أخّرها مع إمكان التسليم ] لأنّها أمانة في يده فلا يضمنها إلّا بتعدّ أو تفريط ، ومنه تأخير الدفع إلى‏ المستحق مع إمكانه ، مضافاً إلى‏ ما مرّ من المرسل. وبه يقيّد نفي الضرر بعد العزل بقول مطلق في الموثق ، وفي الصحيح : رجل أخرج فطرته ، فعزلها حتى يجد لها أهلاً ، فقال : « إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ ، وإلّا فهو ضامن لها حتى يؤدّيها » (3).
    قيل : ولعلّ المراد أنّه إذا أخرج الفطرة التي عزلها إلى‏ مستحقها فقد برئ وإلّا فهو ضامن لها حتى يؤدّيها ، بمعنى أنّه مكلّف بإيصالها إلى‏ مستحقها لا كونه بحيث يضمن المثل أو القيمة مع التلف ، لأنّها بعد العزل تصير أمانة في يد المالك ، ويحتمل رجوع الضمير في قوله : أخرجها ، إلى‏ مطلق الزكاة ، ويكون المراد بإخراجها من ضمانه عزلها ، والمراد أنّه إذا
1 ـ التهذيب 4 : 77 / 217 ، الاستبصار 2 : 45 / 145 ، الوسائل 9 : 357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 5.
2 ـ التهذيب 4 : 78 / 256 ، الاستبصار 2 : 50 / 169 ، الوسائل 9 : 356 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 1.
3 ـ التهذيب 4 : 77 / 219 ، الوسائل 9 : 356 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 2.


(219)
عزلها فقد برئ مما عليه من التكليف بالعزل ، وإلّا فهو ضامن لها مكلّف بأدائها إلى‏ أن يوصلها إلى‏ أربابها ، وكأنّ المعنى‏ الأوّل أقرب. انتهى‏ (1)
    وهل الدفع بعد الصلاة مع العزل قبلها أداء أو قضاء ؟ وجهان ، بل قيل : قولان (2). وليس في النصوص ما يدلّ على‏ شي‏ء منهما ، فالأُولى‏ ترك التعرض لهما ، أو الترديد بينهما.
    [ ولا يجوز نقلها ] بعد العزل [ مع وجود المستحق ، ولو نقلها ضمن ، ويجوز مع عدمه ولا يضمن ] بلا خلاف في شي‏ء من ذلك ، بل على‏ الثالث الإجماع في المنتهى‏ (3).
    ولا إشكال إلّا في الحكم بعدم جواز النقل مع وجود المستحق ، ففيه الخلاف المتقدم في زكاة المال (4). وبتفرّع الخلاف هنا على‏ الخلاف ثمّة صرّح جماعة ومنهم : الفاضل في التحرير والمنتهى‏ والمختلف ، والمحقق المقداد في شرح الكتاب (5).
    ووجهه عموم الأدلّة من الطرفين ، كما لا يخفى‏ على‏ الناظر فيها ، إلّا أنّ هنا ما يدلّ على‏ المنع صريحاً ، كالمكاتبة الصحيحة : « تقسّم الفطرة على‏ من حضر ، ولا يوجّه ذلك إلى‏ بلدة اخرى‏ وإن لم يجد موافقاً » (6).
    والموثق : « هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم ، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ،
1 ـ قاله في الذخيرة : 476 ، وانظر الحدائق 12 : 307.
2 ـ انظر الدروس 1 : 250 ، والذخيرة : 476.
3 ـ المنتهى 1 : 541.
4 ـ راجع ص : 115.
5 ـ التحرير : 72 ، المنتهى 1 : 541 ، المختلف : 202 ، التنقيح 1 : 335.
6 ـ التهذيب 4 : 88 / 258 ، الاستبصار 2 : 51 / 171 ، الوسائل 9 : 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 4.


(220)
ولا تُنقل من أرض إلى‏ أرض » (1). فهو أحوط وأولى.

     [ الرابع : في ] بيان [ مصرفها ].
     [ وهو مصرف زكاة المال ] وهو الأصناف الثمانية لآية : [ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ... ] (2) وفي المدارك : أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (3) ، وفيه وفي غيره عن ظاهر المفيد في المقنعة اختصاصها بالمساكين (4). وهو أحوط.
    وفي الصحيح : « عن كلّ إنسان صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين » (5).
    وفي رواية : لمن تحلّ الفطرة ؟ فقال : « لمن لا يجد » (6).
    وفي اخرى‏ : « أما مَن قََبِِل زكاة المال فإنّ عليه الفطرة ، وليس على‏ مَن قًَبِِل الفطرة فطرة » (7).
    وجوّز جماعة دفعها إلى‏ المستضعف الذي لا يعرف ولا ينصب ، مع عدم المؤمن (8) وفي النصوص المعتبرة ما يدلّ عليه ، وقد مرّ قريباً بعضها. وربما
1 ـ التهذيب 4 : 88 / 260 ، الاستبصار 2 : 51 / 173 ، الوسائل 9 : 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3.
2 ـ التوية : 61.
3 ـ المدارك 5 : 353.
4 ـ المدارك 5 : 353 ؛ وانظر الحدائق 12 : 311 ، المقنعة : 252.
5 ـ التهذيب 4 : 75 / 210 ، الاستبصار 2 : 42 / 134 ، الوسائل 9 : 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.
6 ـ التهذيب 4 : 73 / 203 ، الاستبصار 2 : 41 / 127 ، الوسائل 9 : 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 9.
7 ـ التهذيب 4 : 73 / 204 ، الاستبصار 2 : 41 / 128 ، الوسائل 9 : 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10.
8 ـ النهاية : 192 ، الجامع الشرائع : 140 ، الشرائع 1 : 163.


(221)
يحمل على‏ التقية لإشعار بعضها الموثق (1) به ، ولمعارضتها المعتبرة ، ففي الصحيح : عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف ؟ قال : « لا ، ولا زكاة الفطرة » (2).
    وفي آخر : « لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلّا مؤمناً » (3).
    وفي رواية الفضل عن مولانا الرضا عليه السلام المروية عن العيون ـ : « ولا يجوز لك دفعها إلّا إلى‏ أهل الولاية » (4).
    وهذه الروايات وإن احتملت الحمل على‏ الاستحباب ـ كما يومئ إليه الرواية الثانية ـ مع كونه أولى‏ من حمل تلك على‏ التقية ، لمنافاة التفصيل فيها له والموثقة المشعرة موردها الدفع إلى‏ غير المؤمن على‏ الإطلاق إلّا أنّ الأخذ بها أحوط وأولى ، فتأمّل جدّاً.
     [ ويجوز أن يتولّى‏ المالك إخراجها ] بلا خلاف أجده هنا ، وبه صرّح بعض أصحابنا (5) وفي المعتبر والمنتهى‏ : أنّه لا خلاف فيه بين العلماء كافة (6) وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ ما مرّ في الزكاة المالية (7).
     [ وصرفها إلى‏ الإمام عليه السلام ] مع وجوده [ أو من نصبه أفضل ، ومع‏
1 ـ لإسحاق بن عمار عن أبي ابراهيم عليه السلام قال : سألته عن الفطرة اُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني ؟ قال : نعم ، الجيران أحق بها لمكان الشهرة. ( منه رحمه الله ). وهو في الكافي 4 : 174 / 19 ، التهذيب 4 : 88 / 259 ، الاستبصار 2 : 51 / 172 ، الوسائل 9 : 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 2.
2 ـ الكافي 3 : 547 / 6 ، التهذيب 4 : 52 / 137 ، المقنعة : 242 ، الوسائل 9 : 221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 1.
3 ـ التهذيب 4 : 87 / 257 ، الاستبصار 2 : 51 / 170 ، الوسائل 9 : 358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 2.
4 ـ العيون 2 : 120 / 1 ، الوسائل 9 : 358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 5.
5 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 222.
6 ـ المعتبر 2 : 615 ، المنتهى 1 : 542.
7 ـ في ص : 175.


(222)
التعذّر فإلى‏ فقهاء الإماميّة ] كما مرّ في الزكاة المالية (1).
    وفي الخبر : « الإمام أعلم ، يضعها حيث يشاء » (2) وفي آخر : لمَن هي ؟ قال : « للإمام » (3).
     [ ولا ] يجوز أن [ يعطى‏ الفقير الواحد أقلّ من صاع ] وفاقاً للأكثر ، كما في كلام جماعة (5) ، بل المشهور كما في كلام آخرين (4) ، بل في المختلف : أنّه قول فقهائنا ، ولم نقف له على‏ مخالف ، فوجب المصير إليه (6) ، وفي صريح الانتصار وظاهر الغنية دعوى الإجماع عليه (7) للمرسل : « لا يعطى‏ أحد أقلّ من رأس » (8).
    والإرسال منجبر بفتوى‏ الأصحاب بحيث لا يوجد لهم مخالف من قدمائهم كما مرّ في المختلف ، بل ولا متأخّريهم ، عدا الفاضلين في المعتبر والتحرير والمنتهى‏ ، والشهيدين في الدروس والمسالك واللمعتين (9) ،
1 ـ في ص : 176.
2 ـ التهذيب 4 : 88 / 260 ، الاستبصار 2 : 51 / 173 ، الوسائل 9 : 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3 وفي الأخيرين : « الإمام يضعها حيث يشاء ».
3 ـ الكافي 4 : 174 / 23 ، التهذيب 4 : 91 / 264 ، المقنعة : 265 ، الوسائل 9 : 346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 2.
4 ـ كالعلّامة في المختلف : 202 ، والمنتهى 1 : 542 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 65.
5 ـ منهم : صاحب المدارك 5 : 354 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 221 ، وصاحب الحدائق 12 : 311.
6 ـ المختلف : 202.
7 ـ الانتصار : 88 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569.
8 ـ التهذيب 4 : 89 / 261 ، الاستبصار 2 : 52 / 174 ، الوسائل 9 : 362 أبواب زكاة الفطرة ب 16 ح 2.
9 ـ المعتبر 2 : 616 ، التحرير : 73 ، المنتهى 1 : 542 ، الدروس 1 : 251 ، المسالك 1 : 65 ، الروضة 2 : 61.


(223)
وجماعة من متأخّري المتأخّرين (1).
    والأوّلان ـ مع اعترافهما بالشهرة بل وعدم الخلاف ـ وافقا الأصحاب فيه في الشرائع والكتاب والقواعد والمختلف والإرشاد (2) ، وحكي عن الشهيد الميل إليه في البيان (3).
    ومع ذلك فلا حجّة لهم عدا إطلاقات السنة والكتاب ، ورواية (4) هي ـ مع ضعف سندها ـ غير واضحة الدلالة إلّا من حيث العموم أو الإطلاق القابلين ـ كالإطلاقات ـ للتقييد بمستند الأصحاب من النصّ والإجماع ، وهو أولى‏ من حمله على‏ الاستحباب حيثما حصل بينهما التعارض ، كما عرفته في غير باب.
    ومع ذلك إطلاق الرواية لا يخلو عن مناقشة بعد قوّة احتمال اختصاصها بما ربما يشعر به ذيلها من كون ذلك مع تعدّد الفطرة.
    ومع ذلك محتملة للحمل على‏ التقيّة لكونها موافقة لمذهب جميع العامة على‏ ما صرّح به جماعة ، ومنهم المرتضى‏ وشيخ الطائفة (5).
    وبالجملة : فما اختاره المتأخّرون ضعيف غايته
     [ إلّا أن يجتمع من لا تتّسع لهم ] الفطرة الواحدة ، فيجوز التفريق حينئذٍ على ما صرّح به الشيخ وجماعة ، قالوا : تعميماً للنفع ودفعاً لأذيّة المؤمن (6).
1 ـ كصاحب المدارك 5 : 354 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 477.
2 ـ الشرائع 1 : 176 ، القواعد : 61 ، المختلف : 202 ، الارشاد 1 : 291.
3 ـ حكاه عنه في الروضة 2 : 61 ، وهو البيان : 337.
4 ـ التهذيب 4 : 89 / 262 ، الاستبصار 2 : 52 / 175 ، الوسائل 9 : 362 أبواب زكاة الفطرة ب 16 ح 1.
5 ـ المرتضى في الانتصار : 88 ، الشيخ في الاستبصار 2 : 52 ؛ والمحقق في المعتبر 2 : 615 ، و العلّامة في المنتهى 1 : 542
6 ـ الشيخ في الاستبصار 2 : 52 ، وصاحب المدارك 5 : 355 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 221.


(224)
    ولا بأس به ، اقتصاراً فيما خالف الأصل والإطلاقات على‏ القدر المتيقن من الفتوى‏ والرواية ، وبه جمع أيضاً شيخ الطائفة بينها وبين الرواية المعارضة (1).
     [ ويستحب أن يخصّ بها القرابة ، ثم الجيران ] وترجيح أهل الفضل والمعرفة [ مع الاستحقاق ] كما يستفاد من النصوص (2). والحمد للَّه سبحانه.
1 ـ كما في الاستبصار 2 : 52.
2 ـ الوسائل 9 : 359 أبواب زكاة الفطرة ب 15.


(225)
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس