رياض المسائل الجزء الخامس ::: 226 ـ 240
(226)

(227)
     [ وهو ] حق مالي يثبت لبني هاشم عوض الزكاة بالكتاب والسنة والإجماع ، قال سبحانه : [ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ .. ] (1).
    وأمّا السنّة فهي متواترة.
    وأمّا الإجماع فمن المسلمين كافّة ، وإن اختلفوا فيما يجب فيه بعد اتّفاقهم على‏ أنّه [ يجب في غنائم دار الحرب والكنز ] لصريح الآية والسنة المتواترة في الأوّل ، بناءً على‏ أن الغنيمة فيهما حقيقة في مفروض المسألة قطعاً عرفاً ولغةً ، ويقتضي إرادته سوق الآية جدّاً.
    [ و ] زاد أصحابنا ، كما في مجمع البيان والبحرين وكنز العرفان (2) [ المعادن ] معرِبين عن دعوى الإجماع عليه منّا ، كما في صريح الانتصار والغنية والخلاف وغيرها وظاهر المنتهى (3) لعموم الغنية هنا لها ، كما يظهر من جماعة ومنهم الطبرسي في الكتاب وصاحب الكنز.
    ويظهر منه عمومها لجميع ما في العبارة عند أصحابنا. وإثباته حقيقة لغةً أو عرفاً مشكل ، بل ظاهر الأصحاب وجملة من الروايات العدم ، حيث قوبل فيها وفي كلامهم المعادن ونحوها بالغنيمة ، بحيث يظهر المغايرة بحسب الحقيقة الوضعية ، كما هي ظاهر جماعة من أهل اللغة بل عامّتهم ، والعرف أيضاً ، كما صرّح به بعض الأجلّة (4) ، وفي الكنز أنّها مذهب‏
1 ـ الأنفال : 41.
2 ـ مجمع البيان 2 : 544 ، مجمع البحرين 6 : 129 ، كنز العرفان 1 : 249.
3 ـ الانتصار : 86 ، الغنية ( الجوامع الفهية ) : 569 ، الخلاف 2 : 116 ، السرائر 1 : 485 ، المنتهى 1 : 545.
4 ـ انظر الذخيرة : 478.


(228)
أصحابنا والشافعي (1).
    وحينئذٍ فتعميم الأصحاب الغنيمة للجميع ـ كما فيه ـ لعلّه من جهة النصوص المفسِّرة للغنيمة في الآية بكل فائدة ، وستأتي إليها الإشارة في الأرباح (2).
    هذا ، والصحاح بالحكم فيها مع ذلك مستفيضة (3) كغيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ هي مع السابق التواتر ، بل لعلّها متواترة ، مضافاً إلى‏ الإجماعات المحكية.
    فلا إشكال في المسألة ، وإنّما الإشكال في تحقيق المعدن ، فقد اختلفت فيه كلمة أهل اللغة : فبين من خصّصه بمنبت الجوهر من ذهب ونحوه ، كما في القاموس (4) ومن عمّمه له ولغيره مما يخرج من الأرض ويخلق فيها من غيرها مما له قيمة ، كما في النهاية الأثيرية (5).
    والأوّل لعلّه المفهوم المتبادر منه عرفاً وعادةً ، فيشكل المصير إلى‏ الثاني مع نوع إجمال فيه ، ومخالفته لبعض الصحاح الجاعل للملاحة مثل المعدن لا نفسه ، لكنه في الفقيه (6) ، وفي التهذيب جعلت نفسه (7).
    فيتقوّى‏ الثاني ، سيّما مع اعتضاده بالإجماع المحكي في ظاهر التذكرة على‏ أنّ المعادن كلّ ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له‏
1 ـ كنز العرفان 1 : 249.
2 ـ في ص : 233.
3 ـ الوسائل 9 : 491 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3.
4 ـ القاموس المحيط 4 : 248.
5 ـ النهاية 3 : 192.
6 ـ الفقيه 2 : 21 / 76 ، الوسائل 9 : 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 4.
7 ـ التهذيب 4 : 122 / 349.


(229)
قيمة ، قال : سواء كان منطبعاً بانفراده كالرصاص والصفر والنحاس والحديد ، أو مع غيره كالزئبق ، أو لم يكن منطبعاً كالياقوت والفيروزج والبَلَخْش (1) والعقيق والبلّور والسبَج (2) والكحل والزاج والزرنيخ والمَغرَة (3) والملح ، أو كان مائعاً كالقير والنفط والكبريت (4). وقريب منه في المنتهى‏ (5). وجزم الشهيدان باندراج المَغَرة والجصّ والنورة وطين الغسل وحجارة الرحى (6).
    وتوقف فيه جماعة من متأخّري المتأخّرين (7) ، قالوا : للشك في إطلاق اسم المعدن عليها على‏ سبيل الحقيقة ، وانتفاء ما يدلّ على‏ وجوب الخمس فيها على‏ الخصوص. وهو في محلّه.
    لكن ينبغي القطع بوجوب الخمس فيها أجمع بناءً على‏ عموم الغنيمة لكل فائدة ، والكل منها بلا شبهة ، ووجوبه فيها من هذه الجهة غير وجوبه فيها من حيث المعدنيّة.
    وتظهر الثمرة في اعتبار مؤونة السنة ، فتعتبر على‏ جهة الفائدة ولا على‏ المعدنية ، ولعلّ هذا أحوط.
     [ و ] زادوا أيضاً ، كما في كتب التفسير المتقدمة ما يخرج من البحر
1 ـ الَبلَخُش : لّعل ضرب من الياقوت. ملحقات اسان العرب : 68.
2 ـ السبج : خَرَز أسود ، دخيل معرّب وأصله : سَبه. لسان العرب 2 : 294.
3 ـ المَغرَة : طين أحمر يُصبغ به. لسان العرب 5 : 181.
4 ـ التذكرة 1 : 251.
5 ـ المنتهى 1 : 454.
6 ـ كما في الدروس 1 : 260 ، والمسالك 1 : 66.
7 ـ كصاحب المدارك 5 : 364 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 223 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 478.


(230)
بـ [ الغوص ] وفي صريح الانتصار والغنية وظاهر المنتهى‏ وغيره : الإجماع عليه (1) لعموم الآية بالتقريب المتقدم إليه الإشارة ، والنصوص المستفيضة.
    ففي جملة منها مستفيضة : « الخمس من خمسة أشياء : من الكنوز ، والمعادن ، والغوص ، والمغنم الذي يقاتل عليه » ولم يحفظ الراوي في جملة منها الخامسة (2) ، وجُعلت في أُخرى الملاحة (3).
    وضعف أسانيدها منجبر بفتوى‏ الطائفة ، والموافقة لعموم الآية ولو في الجملة ، والإجماعات المحكية ، وخصوص أخبار أُخر صحيحة.
    منها : المروي في الخصال : « في ما يخرج من المعادن والبحر ، والغنيمة ، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز الخمس » (4).
    وفي اخرى‏ : عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، قال : « عليه الخمس » (5).
    وقصوره عن إفادة التعميم بما مرّ مجبور.
     [ و ] زادوا أيضاً كما فيها (6) [ أرباح التجارات ] والزراعات ، والصنائع ، وجميع أنواع الاكتسابات ، وفواضل الأقوات من الغلّات والزراعات عن مؤونة السنة على‏ الاقتصاد.
1 ـ الانتصار : 86 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569 ، المنتهى 1 : 547 ؛ وانظر التذكرة 1 : 252.
2 ـ الوسائل 9 : 489 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 11 وب 3 ح 7.
3 ـ الوسائل 9 : 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4 و 9.
4 ـ الخصال : 290 / 51 ، الوسائل 9 : 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6.
5 ـ الكافي 1 : 548 / 28 ، التهذيب 4 : 121 / 346 ، الوسائل 9 : 498 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.
6 ـ أي في كتب التفسير المتقدمة في ص : 227.


(231)
    وفي الانتصار والغنية والخلاف وظاهر المنتهى‏ وعن التذكرة والشهيد : عليه الإجماع (1). ولعلّه كذلك لعدم وجود مخالف فيه ظاهر ولا محكي إلّا العماني والإسكافي ، حيث حكي عنهما القول بالعفو عن هذا النوع(2) وفي استفادته من كلامهما المحكي إشكال ، نعم ربما يستفاد منهما التوقف فيه.
    ولا وجه له ، لاستفاضة الروايات بل تواترها ـ كما عن التذكرة والمنتهى‏ ـ (3) بالوجوب ، ولذا لم يتأمّل في أصل الوجوب أحد من المتأخّرين ولا متأخّريهم ، وإنّما تأمّل جملة من متأخّري متأخّريهم (4) فيما هو ظاهر الأصحاب وجملة من الروايات بل كلّها ـ كما يأتي بيانه إن شاء اللَّه تعالى ـ (5) من أنّ مصرف خمس هذا النوع مصرف سائر الأخماس.
    بل احتملوا قريباً اختصاصه بالإمام عليه السلام بدعوى‏ دلالة جملة من الروايات عليه لدلالة بعضها على‏ تحليلهم عليهم السلام هذا النوع من الخمس ، ولو لا اختصاصه بهم عليهم السلام لما ساغ لهم ذلك ، لعدم جواز التصرف في مال الغير.
    وتضمّنِ آخر منها إضافته إلى‏ الإمام عليه السلام بمثل قول الراوي : حقّك ، أو قوله : لك ، أو قوله عليه السلام : لي الخمس ، وأمثال ذلك ، ففي الصحيح‏
1 ـ الانتصار : 86 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569 ، الخلاف 2 : 117 ، المنتهى 1 : 548 ، التذكرة 1 : 253 ، الشهيد في البيان : 348.
2 ـ حكاه عنهما في المنتهى 1 : 548 ، والبيان : 348.
3 ـ التذكرة 1 : 253 ، المنتهى 1 : 548.
4 ـ كصاحب المدارك 5 : 384 ، والسبزواري في الكفاية : 43 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 225.
5 ـ في ص : 235.


(232)
قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك ، فأعلمت مواليك ذلك ، فقال لي بعضهم : وأيّ شي‏ء حقّه ؟ فلم أدر ما أُجيبه ، فقال : « يجب عليهم الخمس » فقلت في أيّ شي‏ء ؟ فقال : « في أمتعتهم وضياعهم » قال : « والتاجر والصانع بيده ، وذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم » (1).
    وتصريح جملة منها بأنّه لهم خاصّةً ، ففي الخبر : « على‏ كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها السلام ، ولمن يلي أمرها من بعدها من ورثتها الحجج على‏ الناس ، فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا ، وحرم عليهم الصدقة ، حتى الخياط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانَق ، إلّا من أحللناه لتطيب لهم به الولادة » (2).
    وفي الجميع نظر.
    أمّا الأوّل : فبعد المعارضة والنقض بجملة من الأخبار المحلّلة للخمس بقول مطلق ـ (3) ـ بحث يشمل هذا النوع وغيره ، بل جملة منها صريحة في الثاني ، وهم لا يقولون بالاختصاص فيه ، فما هو الجواب عنها فهو الجواب عما نحن فيه ـ منع عدم جواز تصرّفهم عليهم السلام في مال الغير مطلقاً ، كيف لا ؟! وهم أولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم فما ظنّك بأموالهم.
    مع أنّ الذي يظهر من بعض الأخبار أنّ لهم تحليل سهام باقي الفرق الثلاث.
    منها ـ زيادةً على‏ ما سبق إليه قريباً الإشارة ـ الصحيح : كنت عند أبي‏
1 ـ التهذيب 4 : 123 / 353 ، الاستبصار 2 : 55 / 182 ، الوسائل 9 : 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3.
2 ـ التهذيب 4 : 122 / 348 ، الاستبصار 2 : 55 / 180 ، الوسائل 9 : 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
3 ـ الوسائل 9 : 543 أبواب الأنفال ب 4.


(233)
جعفر عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل ، وكان يتولّى‏ له الوقف بقم ، فقال : يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ ، فقال : « أنت في حلّ » فلما خرج صالح قال عليه السلام : « أحدهم يَثِب على‏ أموال آل محمّد صلى الله عليه وآله ويتاماهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ، ثم يجي‏ء فيقول : اجعلني في حلّ ، أتراه ظنّ أنّي أقول : لا أفعل ، واللَّه ليسألنّهم اللَّه يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً » (1).
    وأمّا عن الثاني : فبأنّ المقصود بمثل قوله : حقّك ، حقّ ينبغي أن يصل إليه وله ولاية التصرف فيه يضعه حيث شاء ، ألا ترى إلى‏ عدوله عن قوله « حقي الخمس » إلى‏ قوله : « يجب عليهم الخمس ».
    ولعلّ وجه الحصر في الأمتعة والضياع والكسب علمه بأنّ الجماعة المخصوصين من مواليه المأمورين بإخراج الحق لم يكونوا مغتنمين غنيمة من دار الحرب ، ولا عاثرين على‏ كنز ولا معدن ، بل الغالب فيما عندهم مما يتعلّق الخمس فيه هذا النوع خاصة.
    ويعضد ما ذكرنا ـ من أنّ المراد بالإضافة ذلك ـ استفاضة النصوص بتفسير الغنيمة في الآية الكريمة بهذا النوع خاصة ، أو ما يعمّه وغيره ، ففي الصحيح الطويل : « فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام ، قال اللَّه تعالى : [ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ] » وساق الآية ، إلى‏ أن قال : « والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدوّ يُصطلم فيؤخذ
1 ـ الكافي 1 : 548 / 27 ، التهذيب 4 : 140 / 397 ، الاستبصار 2 : 60 / 197 ، المقنعة : 285 ، الوسائل 9 : 537 أبواب الأنفال وما يختص بالامام ب 3 ح 1.

(234)
ماله » (1) الحديث.
    وفي الرضوي بعد ذكر الآية : « وكلّ ما أفاده الناس غنيمة ، لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص » إلى‏ ان قال : « وربح التجارة وغلّة الضيعة وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها ، لأنّ الجميع غنيمة وفائدة » (2).
    وفي الخبر : عن الآية ، فقال : « هي واللَّه الإفادة يوماً بيوم ، إلّا أنّ أبي جعل شيعته في حلّ ليزكوا » (3).
    وفي الموثق : عن الخمس فقال : « في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير » (4).
    وحيث دخلت في الغنيمة ثبت خمسها لجميع الأصناف المذكورة في الآية والسنة المتواترة ، فإنّ ظاهرها بل صريحها إفادة التشريك في الاستحقاق في خمس كلّ غنيمة. وتخصيصها بما عدا الأرباح ـ للنصوص المتقدمة ـ مع بُعده في الغاية ليس بأولى من صرف النصوص المزبورة عن ظواهرها بما ذكرنا ، بل هو أولى‏ ، لاعتضاده بفتوى‏ الأصحاب قاطبةً ، كما اعترف به من هؤلاء جماعة ، أو متأخريهم خاصّة كما في الذخيرة (5).
1 ـ التهذيب 4 : 141 / 398 ، الاستبصار 2 : 60 / 198 ، الوسائل 9 : 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 293 ، مستدرك الوسائل 7 : 284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6 ح 1.
3 ـ الكافي 1 : 544 / 10 ، التهذيب 4 : 121 / 344 ، الاستبصار 2 : 54 / 179 ، الوسائل 9 : 546 أبواب الأنفال وما يختص بالامام ب 4 ح 8.
4 ـ الكافي 1 : 545 / 11 ، الوسائل 9 : 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.
5 ـ الذخيرة : 481.


(235)
    مضافاً إلى‏ اعتضاده بأمر آخر وهو دلالة جملة من النصوص وكلمة الأصحاب على‏ أنّ الخمس إنّما شرّع للسادة عوض الزكاة إكراماً وصيانةً لهم عن الأوساخ (1) ، ومن الواضح البيّن أنّ خمس ما عدا الأرباح قليل التحقق في غالب الأزمان ، وإنّما الغالب حصوله إنّما هو منها ، فلو خصّ بالإمام عليه السلام لم يحصل لباقي السادة تلك الكرامة ، ولبقوا في مضيق العسر والشدة.
    وهذا أوضح شاهد وأبين قرينة على‏ أنّ ما ورد بإباحتهم الخمس بقول مطلق أو هذا النوع منه للشيعة ليس باقياً على‏ ظاهره ، من كونها على‏ العموم والكلية إلى‏ يوم القيامة ، بل ينبغي صرف التأويل إليه ، بحمله على‏ ما يختصّ بهم عليهم السلام أو ما يعمّه وغيره لكن في زمانهم خاصّة ، ولهذا شواهد من روايات المسألة.
    ومن هنا يظهر الجواب عن الثالث ، مع ضعف سند جملة ، ومتروكية متن الرواية المتقدمة منه لو أُريد منها الحصر الحقيقي ، كيف لا ؟! وظاهرها الاختصاص بسيّدة النساء فاطمة عليها أفضل الصلاة والسلام والحجج من ذريتها ، وهو شي‏ء لا يقول به أحد من المسلمين.
    ومع ذلك فقد تضمّنت الغنيمة مع الاكتساب ، وهؤلاء لم يقولوا باختصاصها بهم عليهم السلام ، وحينئذٍ فيجب جعل الحصر إضافياً وجعل ذكرهم عليهم السلام دون غيرهم تغليباً. وفي قوله عليه السلام : « يضعونه حيث شاؤوا » وكذا قوله : « وحرّم عليهم الصدقة » إشعار تامّ بذلك ، كما لا يخفى‏.
    وبالجملة : لا ريب للأحقر في أنّ مصرف هذا الخمس مصرف سائر الأخماس ، وأمّا إباحتهم عليهم السلام إياه للشيعة فسيأتي الكلام فيه إنّ شاء اللَّه‏
1 ـ الوسائل 9 : 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2 ، 7 ؛ وص 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.

(236)
تعالى (1).
     [ و ] زادوا أيضاً كما في الكتابين الأخيرين (2) [ أرض الذمّي إذا اشتراها من مسلم ] وعزاه في المنتهى‏ أيضاً إلى‏ علمائنا ، مؤذناً بدعوى‏ الإجماع عليه ، كما في الغنية (3). فلا إشكال فيه ، وإن لم يذكره من القدماء كثير للصحيح : « أيّما ذمّي اشترى‏ من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس » (4).
    وإنّما الإشكال في مصرفه ، وظاهر الأصحاب أنّه كسائر الأخماس.
    خلافاً لجماعة من متأخّري المتأخّرين (5) ، فاحتملوا أن يكون المراد من الحديث تضعيف العُشر على‏ الذميّ إذا كانت الأرض عُشرية ، كما ذهب إليه بعض العامة (6) ، لا أخذ الخمس منه للذرية.
    وهو بعيد ، مع عدم مصير أحد من الإمامية إليه ، فإنّهم بين قائل بوجوب الخمس بالمعنى المصطلح فيها ، وبين عدم ذاكر له أصلاً أو نافٍ له كذلك ، وهو شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد ، عملاً بالأصل ، وتضعيفاً للرواية. وأمّا القول بوجوب الخمس بالمعنى المحتمل فلم نعرف قائله من الطائفة.
    فهو ضعيف في الغاية ، كدعوى‏ ضعف الرواية ، أو كونها موثقة كما
1 ـ انظر ص : 270.
2 ـ كنز العرفان 1 : 249 ، مجمع البحرين 6 : 129.
3 ـ المنتهى 1 : 549 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569.
4 ـ الفقيه 2 : 22 / 81 ، التهذيب 4 : 123 / 355 ، الوسائل 9 : 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 1.
5 ـ كصاحب المدارك 5 : 386 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 226 ، وصاحب الذخيرة : 484.
6 ـ كابن قدامة في المغني 2 : 590.


(237)
في المختلف والروضة (1) ، فإنّ سندها على‏ ما وجدناه في أعلى‏ درجات الصحة ، وبه صرّح جماعة (2).
    ولا فرق في إطلاق الرواية والعبارة ونحوها من عبائر الجماعة بين أرض السكنى والزراعة ، وحكي التصريح به عن شيخنا الشهيد الثاني ، قال : سواء كانت بياضاً أو مشغولة بغرس أو بناء (3) ، لكن عن الماتن في المعتبر : أنّ الظاهر أنّ مراد الأصحاب الثانية خاصة (4) ، واستجوده بعض متأخّري المتأخّرين ، قال : لأنّه المتبادر (5).
     [ و ] زادوا أيضاً كما فيهما (6) وجوبه [ في الحلال إذا اختلط بالحرام ولم يتميز ] أحدهما عن الآخر لا قدراً ولا صاحباً ، وفي الغنية الإجماع عليه (7) وهو الحجة ، مضافاً إلى‏ ما مرّ في الغوص من الصحيحة الصريحة (8). وقريب منها نصوص أُخر مستفيضة.
    منها الموثق : عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل ؟ قال : « لا ، إلّا أن لا يقدر » إلى‏ أن قال : « فإن فعل فصار في يده شي‏ء فليبعث بخمسه إلى‏ أهل البيت عليهم السلام » (9).
1 ـ المختلف : 203 ، الروضة 2 : 73.
2 ـ منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 4 : 319 ، وصاحب المدارك 5 : 386 والحدائق 12 : 359.
3 ـ المسالك 1 : 67.
4 ـ المعتبر 2 : 624.
5 ـ المدارك 5 : 386.
6 ـ كنز العرفان 1 : 249 ، مجمع البحرين 6 : 129.
7 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569.
8 ـ في ص : 230.
9 ـ التهذيب 6 : 330 / 915 ، الوسائل 9 : 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 2.


(238)
    والقوي : « تصدّق بخمس مالك ، فإنّ اللَّه تعالى رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك حلال » (1) ونحوه الخبر مبدّلاً فيه لفظ تصدّق بإخراج الخمس (2).
    والمرسل : « ايتني بخمسه » فأتاه بخمسه ، فقال : « هو لك حلال ، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه » (3).
    وقصور السند أو ضعفه بالعمل منجبر ، وكذا ضعف الدلالة أو قصورها إن سلّم ، وإلّا فهي ظاهرة بعد الضمّ إلى‏ الصحيحة الصريحة ، فإنّ أخبارهم عليهم السلام ، بعضها يكشف عن بعض.
    مع ظهور لفظ الخمس فيها أجمع في المعنى‏ المصطلح ، سيّما المتضمن منها للتعليل بأنّه تعالى رضي من الأموال .. إلى‏ آخره ، إذ لا خمس رضي به منها سبحانه إلّا ما يكون مصرفه الذرية ، وقريب منها المرسلة المتضمنة للأمر بإتيان المال إليه عليه السلام ثم ردّه عليه ، الظاهرَين في كونه له عليه السلام ، فتدبّر.
    هذا ، مع أنّ لفظ الخمس فيها سبيله سبيل لفظه الوارد في نصوص باقي الأخماس ، فكأنّه صار يومئذٍ حقيقة شرعية فيما هو المصطلح بيننا.
    ولا ينافيه لفظ التصدّق في القوي لشيوع استعماله في التخميس كما ورد في الصحيح (4) ، مع احتمال أن يراد به مطلق الإخراج كما عبّر به‏
1 ـ الكافي 5 : 125 / 5 ، الفقيه 3 : 117 / 499 ، التهذيب 6 : 368 / 1065 ، المحاسن : 320 / 59 ، الوسائل 9 : 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 4.
2 ـ التهذيب 4 : 124 / 358 ، الوسائل 9 : 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 1.
3 ـ الفقيه 2 : 22 / 83 ، الوسائل 9 : 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 3.
4 ـ التهذيب 4 : 141 / 398 ، الاستبصار 2 : 60 / 198 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.


(239)
وبمعناه فيما بعده ، ومع ذلك فصرفه إلى‏ الذرية أحوط ، كما صرّح به جماعة (1) ، بناءً على‏ اختصاص الصدقة المحرّمة عليهم بالزكاة المفروضة.
    ومما ذكرنا ظهر ضعف القول بعدم وجوب الخمس فيه أصلاً ، كما ربما يُعزى‏ إلى‏ جماعة من القدماء ، حيث لم يذكروا هذا القسم أصلاً (2).
    وإن علم الحرام قدراً وصاحباً فالأمر واضح.
    وإن علم الأوّل دون الثاني قيل : يتصدّق به عن المالك مطلقاً ولو زاد عن الخمس (3) ، وعن التذكرة وجماعة فيه إخراج الخمس ثم التصدق بالزائد (4) ووجهه غير واضح.
    وإن انعكس صولح المالك بما يرضى‏ ما لم يطلب زائداً عمّا يحصل به يقين البراءة ، مع احتمال الاكتفاء بدفع ما يتيقّن انتفاؤه عنه ، إلّا أنّ الأوّل أحوط وأولى.
    وقيل : يدفع إليه الخمس لو أبى عن الصلح ، لأنّ اللَّه تعالى جعله مطهّراً للمال (5). ولا يخلو عن إشكال.
    وحيثما خمّس أو تصدّق به عن المالك ثم ظهر فإن رضي بما فعل ، وإلّا ففي الضمان وعدمه وجهان بل قولان ، أحوطهما الأوّل ، وإن كان الثاني أوفق بالأصل.
1 ـ منهم : الشهيد الثاني في المسالك 1 : 67 ، وصاحبا المدارك 5 : 389 والحدائق 12 : 368.
2 ـ نقله عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد في المختلف : 203.
3 ـ المدارك 5 : 389.
4 ـ التذكرة 1 : 253 ، المسالك 1 : 67 ، مفاتيح الشرائع 1 : 227 ، والحدائق 12 : 365.
5 ـ قال به في التذكرة 1 : 253.


(240)
     [ و ] اعلم : أنّه [ لا يجب ] الخمس [ في الكنز حتى تبلغ ] عينه أو [ قيمته ] ما يجب في مثله الزكاة من مأتي درهم أو [ عشرين ديناراً ] بإجماعنا الظاهر المنقول في كلام جماعة مستفيضاً (1) للصحيح : عمّا يجب فيه الخمس من الكنز ، فقال : « ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس » (2).
    ونحوه المرسل (3) ، بل أصرح ، لتضمّنه السؤال عن المقدار لا ما المحتمل لإرادة النوع وإن بَعُد ، لاتّفاق الأصحاب على‏ فهم المقدار منه لا النوع ، مع تصريح بعضهم (4) بوجوب الخمس في الكنز بأنواعه من الذهب والفضة والرصاص والصفر والنحاس والأواني ، وظاهر المنتهى‏ عدم خلاف بيننا (5) ، ويعضده إطلاق النصوص والفتاوى‏.
    وإنّما عبّرنا عن النصاب بما ذكرنا وفاقاً للسرائر والخلاف والمنتهى‏ والشهيدين في البيان والروضة وغيرهما (6) ، تبعاً لظاهر الخبرين الذين مضياً ، مع احتمال فهم الإجماع عليه من الخلاف والمنتهى‏.
    خلافاً لنحو العبارة فالعشرين ديناراً خاصة وحجّته غير واضحة إن أُريد الحصر ، ولا خلاف إن أُريد المثل كما هو الظاهر ، واحتمله جمع (7).
    وفي المنتهى‏ : أنّ المعتبر النصاب الأوّل ، فما زاد عليه يجب فيه‏
1 ـ منهم : الشيخ في الخلاف 2 : 119 ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 549 ، والتذكرة 1 : 253.
2 ـ الفقيه 2 : 21 / 75 ، الوسائل 9 : 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.
3 ـ المقنعة : 283 ، الوسائل 9 : 497 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 6.
4 ـ كالعلّامة في التحرير 1 : 73 ، والمنتهى 1 : 545.
5 ـ المنتهى 1 : 547.
6 ـ السرائر 1 : 485 ، الخلاف 1 : 116 ، المنتهى 1 : 549 ، البيان : 345 ، الروضة 2 : 70 ؛ وانظر المسالك 1 : 66.
7 ـ كالمحقق السبزواري في الذخيرة : 479 ، وصاحب الحدائق 12 : 332.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس