رياض المسائل الجزء الخامس ::: 241 ـ 255
(241)
الخمس قليلاً كان أو كثيراً (1).
    واستشكل بظهور النص في مساواة الخمس للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأوّل (2).
    ولا يخلو عن نظر ، لأنّ الظاهر كون المقصود من السؤال والجواب فيه إنّما هو مبدأ تعلّق الخمس والمساواة مع الزكاة فيه.
     [ وكذا يعتبر ] النصاب المزبور [ في المعدن على‏ رواية البزنطي ] الصحيحة وفيها : « ليس فيه شي‏ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة ، عشرين ديناراً » (3).
    وعمل به الشيخ في النهاية والمبسوط وابن حمزة (4) والمتأخرون قاطبة.
    خلافاً للخلاف والسرائر والقاضي فلا نصاب فيه أصلاً (5) ، كما هو ظاهر كثير من القدماء ، كالإسكافي والعماني والمفيد والديلمي وابن زهرة والمرتضى‏ (6) ، وادّعى‏ الأوّلان عليه إجماعنا للعمومات كتاباً وسنةً. ويخصّ بما مضى.
    ويذبّ عن الإجماع بوهنه من الخلاف برجوعه في المبسوط إلى‏
1 ـ المنتهى 1 : 549.
2 ـ المدارك 5 : 370.
3 ـ التهذيب 4 : 138 / 391 ، الوسائل 9 : 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4 ح 1.
4 ـ النهاية : 197 ، المبسوط 1 : 237 ، ابن حمزة في الوسيلة : 138.
5 ـ الخلاف 2 : 119 ، السرائر : 113 ، القاضي في المهذّب 1 : 179.
6 ـ حكاع عن الاسكافي والعماني في المختلف : 203 ، المفيد في المقنعة : 283 ، الديلمي في المراسم : 139 ، ابم زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهبة ) : 569 ، المرتضى في المسائل الموصليات الثالثة ( رسائل المرتضى 1 ) : 227.


(242)
المختار كما مضى ، ومن السرائر بوقوع دعواه ، بنحو لفظة لا خلاف ، ولا ريب في ضعفه بعد وجود الخلاف من واحد فضلاً عن كثير كما هنا ، نعم هذا القول أحوط وأولى.
    وللحلبي ، فاعتبر بلوغ قيمته ديناراً (1) ، قيل : ورواه الصدوق في المقنع والفقيه (2).
    وهو ضعيف لضعف الخبر الدال عليه (3) سنداً ومقاومة لما مضى ، لصحته واعتضاده بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة دون هذا ، فليطرح ، أو يحمل على‏ الاستحباب ، أو يصرف النصاب فيه إلى‏ الغوص المسئول عن حكمه فيه أيضاً دون المعدن.
     [ و ] لا يجب الخمس [ في الغوص ] أيضاً [ حتى تبلغ ] قيمته [ ديناراً ] على‏ الأشهر الأقوى‏ ، بل لعلّه عليه عامة أصحابنا ، عدا المفيد في الرسالة العزّية ، فجعل النصاب عشرين ديناراً (4). وهو ـ مع عدم وضوح مستنده ـ نادر ، بل على‏ خلافه الاتّفاق في صريح التنقيح وظاهر المنتهى‏ والسرائر (5) ، مضافاً إلى‏ مخالفته عموم ما دلّ على‏ وجوب الخمس فيه بقول مطلق ، خرج منه ما نقص عن الدينار بالإجماع الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (6) وبقي الباقي.
1 ـ كما في الكافي في الفقه : 170.
2 ـ المقنع : 53 وفيه ذكر الغوص دون المعدن ، الفقيه 2 : 21 / 72 ؛ حكاه عنهما في المهذّب البارع 1 : 560.
3 ـ التهذيب 4 : 124 / 356 ، الوسائل 9 : 493 أبواب ما يجب فيه الخمس 3 ح 5.
4 ـ نقله عنه في المختلف : 203.
5 ـ التنقيح الرائع 1 : 338 ، المنتهى 1 : 550 ، السرائر 1 : 488.
6 ـ كما نقله ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 569.


(243)
    هذا مضافاً إلى‏ النصّ السابق. وعمل الأصحاب هنا لضعف سنده جابر ، مع كون الراوي (1) عن موجِبه ممّن لا يروي إلّا عن ثقة ، كما عن شيخ الطائفة (2).
    ويعتبر النصاب في الثلاثة بعد المؤونة التي يغرمها على‏ تحصيله من حفرٍ وسبكٍ في المعدن ، وآلة غوص أو أرشها وأُجرة الغواص في الغوص ، وأُجرة الحفر ونحوه في الكنز ، كما صرّح به جماعة (3) من غير خلاف فيه بينهم ولا غيرهم أجده ، بل الظاهر الإجماع عليه ، كما يفهم من جمع ، وبه صرّح في الخلاف في الركاز والمعدن (4) ، وفي الروضة يعتبر النصاب بعدها مطلقاً في ظاهر الأصحاب (5).
    وفي الصحيح : كتبت إلى‏ أبي جعفر عليه السلام : الخمس أُخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة ؟ فكتب : « بعد المؤونة » (6).
    وفي اعتبار اتحاد الإخراج فيها مطلقاً (7) ، أو العدم كذلك (8) ، أو الفرق بين ما لو طال الزمان أو قصد الأعراض فالأوّل وغيره فالثاني (9) ، أوجه ، بل‏
1 ـ وهو البزنطي عن محمّد بن علي بن أبي عبد الله.
2 ـ حكاه عنه في الذخيرة : 479.
3 ـ كالعلّامة في المنتهى 1 : 549 ، والشهيد في الروضة 2 : 71 ، وصاحب المدارك 5 : 392 ، والفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 227.
4 ـ الخلاف 2 : 123.
5 ـ الروضة 2 : 71.
6 ـ الكافي 1 : 545 / 13 ، الوسائل 9 : 508 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 1.
7 ـ كما عليه الحلّي ( السرائر 1 : 489 ) منه رحمه الله.
8 ـ كما عليه شيخنا الشهيد الثاني ( الروضة 2 : 71 ) ، وسبطه ( المدارك 5 : 392 ) ، وغيرهما. منه رحمه الله.
9 ـ كما عليه الفاضل في المنتهى : 549. منه رحمه الله.


(244)
وأقوال ، من إطلاق النصّ ، وقوة احتمال اختصاصه بحكم التبادر بالمتحد مطلقاً ، أو على‏ التفصيل. ولا ريب أنّ الأوّل أحوط ، وإن كان التفصيل لا يخلو عن وجه.
    ثم في اعتبار اتحاد النوع فيها ، أو العدم ، أو نَعَم في الكنز والمعدن دون غيرهما ، أوجه ، أوجهها الثاني ، وفاقاً لجماعة (1). خلافاً للروضة فالثالث ، قال : وفاقاً للعلّامة (2).
    ولو اشترك جماعة اعتبر بلوغ نصيب كلّ نصاباً بعد مؤونته.
     [ ولا في أرباح التجارات إلّا فيما فضل منها عن مؤونة السنة له و لعياله ] الواجبي النفقة ومندوبيها ، والنذور ، والكفارات ، ومأخوذ الظالم غصباً ومصانعةً ، والهدية والصلة اللائقتين بحاله ، ومؤونة الحج الواجب عام الاكتساب ، وضروريات أسفار الطاعات ، ونحوه.
    بلا خلاف أجده في أصل اعتبار مؤونة السنة له ولعياله وإن اختلفت عباراتهم في تفصيل المؤونة بما ذكرناه وفاقاً لجماعة (3) ، أو بغيره من تخصيص العيال بواجبي النفقة من غير إشارة إلى‏ مندوبيها كما في السرائر وغيره (4).
    لكن ما ذكرناه أقوى ، لكونه المفهوم والمتبادر من لفظ المؤونة الواردة في المعتبرة المستفيضة وفيها الصحاح وغيرها (5) ، التي هي المستند
1 ـ كصاحبي المدارك 5 : 367 ، والذخيرة : 478 ، وفي المعدن. منه رحمه الله.
2 ـ الروضة 2 : 72.
3 ـ منهم : الشهيد في الروضة 2 : 76 ، وصاحب المدارك 5 : 385 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 227 ، وصاحب الحدائق 12 : 353.
4 ـ السرائر 1 : 489 ، التنقيح الرائع 1 : 339.
5 ـ الوسائل 9 : 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.


(245)
في أصل اعتبارها ، مضافاً إلى‏ الإجماعات المحكية. وهي وإن كانت مجملة غير مبيّن كون المراد بها ما يتعلّق بالسنة ، إلّا أنّ الأصحاب قاطعون بكونه المراد ، من غير خلاف بينهم أجده ، بل عليه الإجماع في صريح السرائر وظاهر المنتهى‏ والتذكرة (1) ، ولعلّه المفهوم منها عند الإطلاق في مثل هذه الأخبار عرفاً وعادةً.
    ولو كان له مال لا خمس فيه ففي احتساب المؤونة منه أو من الربح المكتسب أو بالنسبة بينهما. أوجه ، أحوطها الأوّل ثم الثالث.
     [ ولا يعتبر في ] الأموال [ الباقية مقدار ] ونصاب بلا خلاف أجده إلّا من المفيد فيما يحكى‏ عنه في الغنيمة ، فاعتبر في وجوب الخمس فيها بلوغها عشرين ديناراً (2). وهو مع ندوره لم نعثر على‏ مستنده.
    وكما لا يعتبر النصاب فيها كذا لا يعتبر الحول فيها ولا في غيرها مما مضى ، بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (3) ، وفي المنتهى‏ : أنّه قول العلماء كافّة إلّا من شذّ من العامة (4) للعمومات كتاباً وسنةً.
    نعم يحتاط في الأرباح بالتأخير إلى‏ كماله ، لاحتمال تجدّد مؤونته. ولا خلاف فيه ، بل يُعزى‏ إلى‏ الحلّي عدم مشروعية الإخراج قبله ، وإن علم زيادته عن مؤونة سنته (5).
    وفي استفادته من عبارته الموجودة في السرائر إشكال ، بل ظاهر سياقها عدم وجوب الإخراج قبله فوراً ، كما هو ظاهر باقي الأصحاب‏
1 ـ السرائر 1 : 489 ، المنتهى 1 : 550 ، التذكرة 1 : 253.
2 ـ حكاع عنه في المختلف : 203.
3 ـ كالمدارك 5 : 390 ، والذخيرة : 484.
4 ـ المنتهى 1 : 547.
5 ـ نقله عنه في المدارك 5 : 391 ، وهو في السرائر 1 : 489.


(246)
أيضاً.
    ومع ذلك فهو على‏ تقديره ضعيف يدفعه ظاهر إطلاق الأدلّة ، بل في بعض الأخبار : « الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانَق » (1) لكنّه مع قصور سنده بل ضعفه يجب تقييده بأدلّة استثناء مؤونة السنة.
     [ ويقسّم الخمس ستة أقسام على‏ ] الأظهر [ الأشهر ، ثلاثة ] منها [ للإمام ] سهمه وسهم اللَّه وسهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله [ وثلاثة ] منها [ لـ ] لأصناف الثلاثة الباقية : [ لليتامى‏ والمساكين وأبناء السبيل ].
    لظاهر الآية الكريمة (2) ، والمعتبرة المستفيضة (3) ، المنجبر قصورها أو ضعفها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ، لعدم ظهور قائل بخلافها منّا ، وإن حكى‏ الفاضلان في المعتبر والمنتهى‏ ـ تبعاً للشيخ ـ عن بعض أصحابنا أنّه يقسّم خمسة أسهم : سهم له عليه السلام ، وسهم لأقرباء الرسول صلى الله عليه وآله ، وثلاثة للثلاثة ، كما عليه أكثر العامة وحكي عن الشافعي وأبي حنيفة (4) لندوره ، وعدم معروفية قائله ، مع عدم وضوح مستنده عدا الصحيح الفعلي (5) ، وهو ـ مع عدم وضوح دلالته بعد كونه قضيّة في واقعة فلا تفيد الكليّة ، وموافقته لأكثر العامة ـ لا يكافئ ما مرّ من‏
1 ـ التهذيب 4 : 122 / 348 الاستبصار 2 : 55 / 180 ، الوسائل 9 : 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
2 ـ الأنفال : 41.
3 ـ الوسائل 9 : 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.
4 ـ المعتبر 2 : 628 ، المنتهى 1 : 550 ، والشيخ في الاستبصار 2 : 57 ذيل الحديث 186 ، وحكاه عن الشافعي في بداية المجتهد 1 : 390 ، وعن أبي حنيفة في بدائع الصنائع 7 : 124.
5 ـ التهذيب 4 : 128 / 365 ، الاستبصار 2 : 56 / 186 ، الوسائل 9 : 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.


(247)
الأدلة.
    ويشترط في الأصناف الثلاثة أن يكونوا [ ممن يُنسب إلى‏ عبد المطلب ] ولو [ بالأب ] خاصة ، على‏ الأظهر الأشهر أيضاً ، بل لا خلاف فيه يظهر جدّاً إلّا من الإسكافي ، فلم يشترطه بل جوّز صرفه إلى‏ غيرهم من المسلمين مع استغناء القرابة عنه (1).
    وهو ـ مع ندوره ـ مستنده غير واضح عدا إطلاق الأدلّة المقيّد بالنصوص المستفيضة ، المنجبر قصورها أو ضعفها بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع حقيقة كما في الانتصار (2).
    وأمّا الاستدلال له بإطلاق الصحيح الماضي فغفلة واضحة ، إذ الفعل لا عموم له كما عرفته.
    ومنه ومن المفيد ، فجوّزا دفعه إلى‏ بني المطلب مطلقاً (3). ومرّ ضعفه في بحث الزكاة (4).
     [ وفي استحقاق من يُنسب إليه بالأُمّ ] خاصة [ قولان ، أشبههما ] وأشهرهما [ أنّه لا يستحق ] بل عليه عامّة أصحابنا عدا المرتضى‏ (5). وهو نادر ، ومستنده مع ذلك غير واضح ، عدا إطلاق الولد ونحوه عليه حقيقة.
    وهو ـ بعد تسليمه ـ غير مُجدٍ فيما نحن فيه بعد معلومية عدم انصراف الإطلاق بحكم التبادر إلى‏ مثله ، مع ورود النصّ المعمول عليه عند الأصحاب بحرمانه.
1 ـ حكاه عنه في المعتبر 2 : 630.
2 ـ الانتصار : 87.
3 ـ حكاه عنهما في المعتبر 2 : 631.
4 ـ في ص : 174.
5 ـ نقله عنه في المختلف : 205.


(248)
    ففيه : « من كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر القريش فإنّ الصدقة تحلّ له ، وليس له من الخمس شي‏ء » (1).
    وحمله على‏ التقية ـ بناءً على‏ أنّه مذهب الجمهور كافّة ـ يأباه سياقه وتضمّنه أحكاماً كثيرةً كلّها موافقة لمذهب الإمامية.
    هذا ، مع أنّ إدخاله في الهاشمي ـ بناءً على‏ الصدق الحقيقي ـ معارض بمثله ، وهو اندراجه تحت إطلاق القريشي مثلاً الذي يحرم عليه الخمس إجماعاً ، فترجيح الإطلاق الأوّل على‏ هذا ليس بأولى من عكسه ، لو لم نقل بكونه الأولى‏ ، لكون جانب الأب أرجح قطعاً ، زيادةً على‏ ما مضى من ورود النصّ المنجبر بالعمل حتى من الحلّي الذي لا يعمل بالآحاد إلّا بعد كونها مقطوعاً بها ، فتأمّل جدّاً.
     [ وهل يجوز أن يخصّ به ] أي بالخمس [ طائفة ] من الثلاثة [ حتى الواحد ] منهم ؟ [ فيه تردّد ] واختلاف بين الأصحاب.
    فبين موجِب للتعميم ، كما يُحكى‏ عن ظاهر المبسوط والحلبي والتنقيح (2) لظاهر الآية ، فإنّ اللام للملك أو الاختصاص ، والعطف بالواو يقتضي التشريك في الحكم.
    ومجوّز للتخصيص ، كالفاضلين ومَن تأخّر عنهما (3) لظاهر الصحيح : أرأيت إن كان صنف أكثر من صنف كيف يصنع ؟ فقال : « ذلك‏
1 ـ الكافي 1 : 539 / 4 ، التهذيب 4 : 128/ 366 ، الوسائل 9 : 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
2 ـ المبسوط 1 : 262 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 173 ، التنقيح الرائع 1 : 341.
3 ـ المعتبر 2 : 631 ، المختلف : 250 ؛ وانظر المسالك 1 : 68 ، والمدارك 5 : 405.


(249)
إلى‏ الإمام عليه السلام ، أرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كيف صنع ، إنّما كان يعطي على‏ ما يرى‏ ، وكذلك الإمام عليه السلام » (1).
    ولأجله تُصرف الآية عن ظاهرها بالحمل على‏ بيان المصرف كما في الزكاة مؤيّداً بثبوته فيها ، فإنّ الخمس زكاة في المعنى‏ ، مضافاً إلى‏ اشتهاره هنا بين متأخّري أصحابنا ، كما صرّح به جماعة (2).
    [ و ] لكن [ الأحوط بسطه عليهم ] ولو متفاوتا لعدم صراحة الصحيحة في جواز التخصيص بطائفة ، نعم هي صريحة في عدم وجوب استيعاب الثلاثة وجواز البسط عليهم متفاوتاً ، ولا كلام فيه أصلاً ، بل في المدارك والذخيرة أنّه المعروف من مذهب الأصحاب (3) ، ونفى الخلاف عنه في غيرهما (4).
    وحيث انتفت الصراحة أشكل صرف الآية عن ظاهرها ، وإن سلّم ظهور الرواية أيضاً ، لأنّ الصرف بظهورها فرع كونه أوضح من ظهور الآية وأقوى ، وهو غير معلوم جدّاً.
    فاحتياط تحصيل البراءة اليقينية عمّا اشتغلت به الذمة يقتضي البسط على‏ الثلاثة ، بل استيعابها أيضاً ، إلّا أن يشقّ ذلك فيقتصر على مَن حضر البلد ويبسط عليهم مع الإمكان ، كما هو ظاهر السرائر والدروس (5) ، وإن‏
1 ـ الكافي 1 : 544 / 7 ، قرب الاسناد : 383 / 1351 ، الوسائل 9 : 519 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 1.
2 ـ كصاحب المدارك 5 : 405 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 229 ، وصاحب الحدائق 12 : 379.
3 ـ المدارك 5 : 403 ، الذخيرة : 488.
4 ـ كما في المفاتيح 1 : 228.
5 ـ السرائر 1 : 492 ، الدروس 1 : 262.


(250)
ضعّفه مَن تأخّر عنهما (1) معربين عن عدم خلاف في فساده ، كما مضى. فإنّ تمّ إجماعاً ، وإلّا فما فيهما قويّ جدّاً ، وإن كان خيرة المتأخّرين لعلّه أقوى ، بل ربما يفهم من عبارة المبسوط المحكية كون البسط مطلقاً على‏ الاستحباب.
     [ ولا يحمل الخمس إلى‏ غير بلده ] كما هنا وفي الشرائع والإرشاد والتحرير والدروس والمنتهى‏ (2) ، وفيه : لأنّ المستحق مطالِب من حيث الحاجة ، فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحق عن حقه مع المطالبة فيكون ضامناً.
    خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني وسبطه وغيرهما (3) ، فجوّزا النقل مع الضمان. ولعلّه أقوى كما في الزكاة قد مضى (4) ، خصوصاً لطلب المساواة بين المستحقين والأشدّ حاجة.
    نعم ، الأوّل أحوط وأولى [ إلّا مع عدم المستحق فيه ] فيجوز النقل حينئذٍ قولاً واحداً لأنّه توصّل إلى‏ إيصال الحق إلى‏ مستحقه ، فيكون جائزاً بل واجباً.
     [ ويعتبر الفقر في اليتيم ] وهو الطفل الذي لا أب له ، وفاقاً لجماعة (5) ، بل في الروضة وغيرها أنّه المشهور (6) لأنّ الخمس عوض‏
1 ـ كصاحبي المدارك 5 : 403 ، والحدائق 12 : 282.
2 ـ الشرائع 1 : 183 ، الارشاد 1 : 293 ، التحرير 1 : 74 ، الدروس 1 : 262 ، المنتهى 1 : 552.
3 ـ كما في المسالك 1 : 68 ، والمدارك 5 : 410 والذخيرة : 489.
4 ـ في ص : 115.
5 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 632 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة 4 : 331.
6 ـ الروضة 2 : 82 ؛ وانظر الحدائق 12 : 385.


(251)
الزكاة ، ومصرفها الفقراء في غير من نصّ على‏ عدم اعتبار فقره ، فكذا العوض.
    ولأنّ الإمام عليه السلام يقسّمه بينهم على‏ قدر حاجتهم والفاضل له والمُعوَز عليه كما يأتي (1) ، وإذا انتفت الحاجة انتفى‏ النصيب.
    ولأنّه لو كان له أب لم يستحق شيئاً قطعاً ، فإذا كان المال له كان بالحرمان أولى‏ ، إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب ، هذا.
    وفي بعض المعتبرة : « وليس في مال الخمس زكاة ، لأنّ فقراء الناس جُعل أرزاقهم في أموال الناس على‏ ثمانية أسهم ، فلم يبق منهم أحد ، وجعل لفقراء قرابة الرسول نصف الخمس ، فأغناهم به عن صدقات الناس ، فلم يبق فقير من فقراء الناس ، ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلّا وقد استغنى‏ ، فلا فقير » (2) الحديث. وهو كالصريح في اعتبار الفقر.
    خلافاً للمبسوط والسرائر ، فلا يعتبر (3) لعموم الآية. ويخصّص بما مرّ من الأدلّة.
    ولأنّه لو اعتبر الفقر لم يكن قسماً برأسه.
    ويضعّف : باحتمال كون ذلك لمزيد التأكيد ، كالأمر بالمحافظة على‏ الصلاة والصلاة الوسطى‏ مع اندراجها في الصلاة المذكورة قبلها ، مع أنّ مثل ذلك وارد في آية الزكاة مع الاتّفاق على‏ اعتبار الفقر في مستحقيها جميعاً إلّا
1 ـ في ص : 268.
2 ـ الكافي 1 : 539 / 4 ، التهذيب 4 : 128 / 366 ، الوسائل 9 : 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
3 ـ المبسوط 1 : 262 ، السرائر 1 : 496.


(252)
مَن خرج بالنصّ والفتوى‏ ، فما هو الجواب عنه هناك فهو الجواب هنا والدليل الصارف عن الظاهر موجود هنا أيضاً ، هذا.
    والمسألة مع ذلك لا تخلو عن تردّد ، كما هو ظاهر جماعة ، إلّا أنّ مقتضاه وجوب الأخذ بجادّة الاحتياط بتحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة يقيناً ، ومرجعه إلى‏ اعتبار الفقر.
     [ ولا يعتبر ] الفقر [ في ابن السبيل ] إجماعاً كما في المنتهى‏ ، وفيه : نعم يشترط فيه الحاجة في السفر (1) والبحث فيه قد تقدّم (2) ، وبمثله صرّح جملة من الأصحاب (3) ، بل في الروضة : وظاهرهم هنا عدم الخلاف فيه ، وإلّا كان دليل اليتيم آتياً فيه (4).
    وفيه : أنّ ظاهر العبارة هنا وفي السرائر (5) المخالفة ، حيث أُطلق فيهما عدم اعتبار الفقر بحيث يشمل بلد التسليم ، بل في السرائر استدل على‏ عدم اعتباره هنا وفي اليتيم بظاهر الآية ، وهو مؤيّد لاحتمال المخالفة وإن احتمل حمل إطلاق عبارتهما هنا على‏ عدم اعتباره في الجملة ، يعني في بلده لا بلد المسافر كما في الذخيرة (6) ، لكنّه بعيد في عبارة السرائر في الغاية.
    وكيف كان ، فلا ريب في اعتباره أيضاً في بلد التسليم لما مرّ إليه الإشارة ، مضافاً إلى‏ الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً كما يفهم من‏
1 ـ المنتهى 1 : 552.
2 ـ في ص : 149.
3 ـ كصاحب المدارك 5 : 236 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 207 ، وصاحب الحدائق 12 : 385.
4 ـ الروضة 2 : 83.
5 ـ السرائر 1 : 496.
6 ـ الذخيرة : 489.


(253)
الروضة بل وغيرها (1) ، بل في الإرشاد : ويعتبر في ابن السبيل الحاجة عندنا لا في بلده (2).
     [ ولا تعتبر العدالة ] هنا بلا خلاف أجده لإطلاق الأدلّة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة ، نعم ربما يظهر من الشرائع وجود مخالف في المسألة (3) ، وفي المدارك : انّه مجهول (4).
    أقول : ولعلّه المرتضى‏ ، فإنّه وإن لم يصرّح باعتبارها هنا لكنّه اعتبرها في الزكاة ، مستدلًا بما يجري هنا ، وهو : كلّ ظاهر من قرآن أو سنّة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معاونة الفساق والعصاة (5). فتأمّل جدّاً.
     [ وفي اعتبار الإيمان تردّد ] من إطلاق الأدلّة ، ومن أنّ الخمس عوض الزكاة ، وهو معتبر فيها إجماعاً ، فتوىً وروايةً ، وأنّ غير المؤمن محادّ للَّه بكفره ، فلا يُفعل معه ما يؤذن بالمودّة ، للنهي عنها في الآية الكريمة (6)
    [ و ] لا ريب أن [ اعتباره أحوط ] خروجاً عن الشبهة ، وتحصيلاً للبراءة اليقينية. وجزم باعتباره جماعة (7) من غير مخالف صريح لهم أجده ، قال المحقق الثاني : ومن العجائب هاشمي مخالف يرى‏ رأي بني أُميّة
1 ـ الروضة 2 : 83.
2 ـ الإرشاد 1 : 293
3 ـ الشرائع 1 : 183.
4 ـ المدارك 5 : 411.
5 ـ الانتصار : 82.
6 ـ المجادلة : 22 ، الممتحنة : 1.
7 ـ منهم : الشهيد في الدروس 1 : 262 ، والشهيد الثاني في الروضة 2 : 83 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 228 ، وصاحب الحدائق 12 : 389.


(254)
ـ لعنهم اللَّه ـ فيشترط الإيمان لا محالة (1).

     [ الأُولى : ]
    [ ما يختصّ به الإمام ]
ويزيد به عن فريقه [ من الأنفال ] جمع نَفل بسكون الفاء وفتحها ، وهو الزيادة ، ومنه سمّيت النافلة لزيادتها على‏ الفريضة.
    [ وهو : ما مُلك من الأرض بغير قتال ] أو أرض [ سلّمها أهلها ] للمسلمين طوعاً من غير قتال مع بقائهم فيها [ أو انجلوا ] عنها وتركوها.
    [ والأرض الموات التي باد ] وهلك [ أهلها ] مسلمين كانوا أو كفّاراً [ أو ] مطلق الأرض التي [ لم يكن لها أهل ] معروف.
    [ ورؤوس الجبال وبطون الأودية ] والمرجع فيهما إلى‏ العرف والعادة.
    [ والآجام ] بكسر الهمزة وفتحها مع المدّ ، جمع أجَمَة بالتحريك ، وهي الأرض المملوّة من القَصَب ونحوه في غير الأرض المملوكة.
    [ وما يخصّ به ملوك أهل الحرب من الصوافي والقطائع ] وضابطه :
    كلّ ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه واختصّ به من الأموال المنقولة المعبّر عنها بالأوّل ، وغيرها كالأراضي المعبّر عنها بالثاني [ غير المغصوبة ] من مسلم أو مسالم.
    [ وميراث من لا وارث له ] ممّن عدا الإمام عليه السلام ، وإلّا فهو عليه السلام‏
1 ـ لم نعثر عليه في كتبه الموجودة عدنا ، وحكاه عنه في المدارك 5 : 411.

(255)
وارث مَن يكون كذلك كما هو الفرض.
    وما يصطفيه من الغنية لنفسه ، من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك.
    بلا خلاف في شي‏ء من ذلك أجده غير ما سيأتي إليه الإشارة ، بل عَزا الأخيرين في المنتهى‏ إلى‏ علمائنا أجمع (1) ، مؤذناً بدعوى‏ إجماعهم عليهما ، ولم ينقل خلافاً في سابقتهما مشعراً بكونها ممّا لا خلاف فيه بين العلماء.
    والمعتبرة بالجميع مستفيضة جدّاً ، بل كادت تكون متواترة (2).
    وإطلاق جملة ما يتعلّق منها برؤوس الجبال وتالييها يشمل ما لو كانت الثلاثة في الأراضي المملوكة له عليه السلام أم غيرها ، ونحوها كلمة أكثر الأصحاب.
    خلافاً للحلّي ، فقيّدها بما كانت في الأُولى‏ خاصة (3).
    وردّه الشهيد في البيان بأنّه يفضي إلى‏ التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بهذين النوعين (4).
    وقيل : هو جيّد لو كانت الأخبار المتضمّنة لاختصاصه بها على‏ الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحكم ، لكنّها ضعيفة السند ، فيتّجه المصير إلى‏ ما ذكره الحلّي ، قصراً لما خالف الأصل على‏ موضع الوفاق انتهى‏ (5).
    وهو حسن لولا انجبار الضعف بإطلاق فتوى الأكثر ، مع أنّ في جملة
1 ـ المنتهى 1 : 553.
2 ـ الوسائل 9 : 523 أبواب الأنفال وما يختص بالامام ب 1.
3 ـ السرائر 1 : 498.
4 ـ البيان : 352.
5 ـ قال به صاحب المدارك 5 : 409.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس