رياض المسائل الجزء الخامس ::: 286 ـ 300
(286)
    ولعلّه الأقوى‏ لأنّه زمان تعيّن بالنذر للصوم ، فكان كشهر رمضان.
    واختلافهما بأصالة التعيين وعَرَضيته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحكم.
    ويضعّف الدليلان المتقدّمان :
    فالأول : بأنّه مصادرة على‏ المطلوب ، وإلحاقه بالنذر المطلق قياس مع الفارق.
    والثاني : بمنع أصالة الوجوب مع أنّ الوجه الذي لأجله تُرِكَ العمل بالأصل المذكور في صوم شهر رمضان ، آتٍ فيما نحن فيه ، فإن أُريد بعدم وقوع غيره فيه استحالته عقلًا كان منتفياً فيهما ، وإن أُريد امتناعه شرعاً كان ثابتاً كذلك.
     [ ووقتها ليلاً ] أي في الليل ، ولو في الجزء الأخير منه ، على‏ الأشهر الأقوى‏ ، بل لا أعرف فيه خلافاً ظاهراً ولا محكيّاً ، إلّا من ظاهر العماني ، كما في المدارك (1) وغيره (2) ، أو جماعة كما في الروضة فقالوا بتحتّم إيقاعها ليلاً (3).
    وعبارتهم ـ مع عدم صراحتها في المخالفة ـ يحتمل أن يكون التعبير فيها بذلك إنّما هو لتعذّر المقارنة ، فإنّ الطلوع لا يعلم إلّا بعد الوقوع ، فتقع النيّة بعده ، وذلك غير المقارنة المعتبرة فيها.
    لا لتحتّم التبييت إذ لا وجه له عدا الإجماع الظاهر ، المصرّح به في‏
و البرهان 5 : 13 ، وصاحب المدارك 6 : 18 ، والسبزواري في الذخيرة : 513 ، والمحقق الخوانساري في المشارق : 352.
1 ـ المدارك 6 : 21.
2 ـ كالذخيرة : 513.
3 ـ الروضة 1 : 106.


(287)
الخلاف والمنتهى‏ والروضة (1) ، وهو على‏ الجواز لا التحتّم.
    والنصّ : « لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل » (2). ويجري فيه ما ذكرناه في عبارتهم.
    وحيث انتفى‏ النصّ والإجماع على‏ عدم جواز المقارنة ، كان اعتبارها ـ لو اتّفقت ـ أوفق بالأصل في النيّة ، وهو : لزوم مقارنتها للعبادة المنويّة.
     [ ويجوز تجديدها في ] نحو [ شهر رمضان ] من الصوم المعيّن [ إلى‏ الزوال ].
    إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد والناسي ، بل مطلق المعذور.
    ولا خلاف في الثاني إلّا من العماني ، حيث أطلق وجوب تبييت النيّة (3).
    وهو ـ مع عدم معلومية مخالفته ـ نادر ، بل على‏ خلافه الإجماع عن ظاهر الفاضلين في المعتبر والمنتهى‏ والتذكرة (4) ، وبه صرّح في الغنية (5) وهو الحجّة المعتضدة بفحوى‏ ما سيأتي من الأدلّة على‏ ثبوت الحكم في الصوم الغير المعيّن ، ففيه أولى‏. فتأمّل جدّاً.
    مضافاً إلى‏ التأيّد بما ذكره جماعة على‏ ذلك حجّة (6) :
1 ـ الخلاف 2 : 166 ، المنتهى 2 : 558 ، الروضة 2 : 106.
2 ـ عوالي اللاّليء 3 : 132 / 5 مستدرك الوسائل 7 : 316 أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 2 ح 1.
3 ـ حكاه عنه في المختلف : 212.
4 ـ المعتبر 2 : 646 ، المنتهى 2 : 558 ، التذكرة 1 : 256.
5 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 570.
6 ـ منهم العلامة في المختلف : 212 ، والسبزواري في الذخيرة : 513 ، والمحقق الخوانساري في المشارق : 348.


(288)
    من حديث : « رفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان » (1).
    وما روي عنه صلى الله عليه وآله : « إنّ ليلة الشكّ أصبح الناس ، فجاء أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال ، فأمر صلى الله عليه وآله منادياً ينادي : من لم يأكل فليصم ، ومن أكل فليمسك » (2).
    وفحوى ما دلّ على‏ انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال (3).
    وأصالة عدم تبييت النيّة.
    بل يمكن جعل الوسطين حجّةً مستقلّة وإن ضعف السند في أولهما والدلالة فيهما لاختصاصهما (4) بمن عدا الناسي ، مع عدم وضوح الأول في التحديد إلى‏ الزوال.
    وذلك لانجبار ضعف السند بالعمل ، والدلالة بعدم قائل بالفرق بين الطائفة إذ إطلاق العماني بوجوب تبييت النيّة يشمل موردهما وغيره ، فإذا رُدّ بهما إطلاقه تعيّن ما عليه الجماعة.
    والتحديد إنّما جاء ممّا يأتي من الأدلّة على‏ أنّه إذا زالت فات وقت النيّة.
    وأمّا الأول (5) فهو خلاف ما عليه أكثر الأصحاب ، بل عامّتهم ، عدا المرتضى‏ رضي اللَّه تعالى عنه ، حيث أطلق : أنّ وقت النيّة في الصيام‏
1 ـ الخصال : 417 / 9 ، الوسائل 8 : 349 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
2 ـ لم نعثر عليه في مصادر الحديث ، نعم وجدناه في المعتبر 2 : 646.
3 ـ سيأتي بحثه في ص 428.
4 ـ وانمّا قال لا ختصاصها مع أنّ الثاني هو الفحوى وهو نصَّ في المقام تنبيهاً على ضعف الفحوى وعدم كونه دليلاً يُطمأنّ اِليه هنا ، ولذا ( جُعل مؤيّداً لا حجّة فتأمّل. ( منه رحمه الله ).
5 ـ أي العامد.


(289)
الواجب من قبل طلوع الفجر إلى‏ قبل الزوال (1).
    وهو نادر ، مع عدم ظهور عبارته في المخالفة ، بعد قوّة احتمال كون المراد بها ما يتناول وقت الاختيار والاضطرار ، بل حملها عليه جماعة (2).
    ويمكن أن تُحمَل عليه العبارة ، بل جريانه فيها أولى‏ لإشعار سياقها به ، حيث قال أولاً : ووقتها ليلاً. ولو جاز تأخيرها إلى‏ الزوال عمداً لما كان لجعل الليل وقتاً لها معنى‏.
     [ وكذا ] حال النيّة [ في القضاء ] والنذر المطلق ، فوقتها ليلاً ، ويجوز تجديدها نهاراً إلى‏ الزوال إذا لم يفعل منافياً ، فيما قطع به الأصحاب على‏ الظاهر ، والمصرّح به في جملة من العبائر (3) ، مشعرة بدعوى‏ الإجماع عليه كما في ظاهر غيرها (4) ، والصحاح وغيرها به مع ذلك مستفيضة جدّاً :
    منها : الصحيح : عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار أن يصوم ذلك اليوم ويقضيه من رمضان وإن لم يكن نوى‏ ذلك من الليل ، قال : « نعم ، يصومه ويعتدّ به إذا لم يكن يحدث شيئاً » (5).
    والخبر : قلت له : رجل جعل اللَّه تعالى عليه صيام شهر ، فيصبح وهو ينوي الصوم ، ثم يبدو له فيفطر ، ويصبح وهو لا ينوي الصوم ، فيبدو له فيصوم ، فقال : « هذا كلّه جائز » (6).
1 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 53.
2 ـ المدارك 6 : 21 ، الكفاية : 48 ، الحدائق 13 : 19 ..
3 ـ المدارك 6 : 22 ، الكفاية : 49 ، الذخيرة : 514.
4 ـ المعتبر 2 : 646 ، المنتهى 1 : 558 ، التذكرة 1 : 256.
5 ـ الكافي 4 : 122 / 4 ، التهذيب 4 : 186 / 522 ، الوسائل 10 : 10 أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 2 ح 2 ؛ بتفاوت يسير.
6 ـ التهذيب 4 : 187 / 523 ، الوسائل 10 : 11 أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 2 ح 4.


(290)
    وإطلاقها ـ كإطلاق عبائر الأصحاب ، بل ظواهرها ـ يقتضي عدم الفرق بين حالتي الاختيار والاضطرار ، حتى لو تعمّد الإخلال بالنيّة ليلاً فبدا له في الصوم قبل الزوال جاز.
    وبه صرّح في السرائر ، فقال : فأمّا الصوم الغير المعيّن فمحلّ النيّة فيه هو ليله ونهاره إلى‏ قبل زوال الشمس من يومه ، سواء تركها سهواً أو عمداً أو ناسياً ، فهذا الفرق بين ضربي الصوم الواجب (1).
    [ ثم ] إنّ إطلاق جملة منها وإن اقتضى‏ جواز التجديد بعد الزوال أيضاً إلّا أنّ ظاهر جملة أُخرى منها أنّ بالزوال [ يفوت وقتها ].
    منها : الصحيح : « إن هو نوى‏ الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى‏ » (2).
    وأظهر منه الموثّق : في الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان يريد أن يقضيها ، متى ينوي الصيام قال : « هو بالخيار إلى‏ زوال الشمس ، فإذا زالت ، فإن كان قد نوى‏ الصوم فليصم ، وإن كان نوى‏ الإفطار فليفطر » سُئل : فإن كان نوى‏ الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال : « لا » (3).
    ولا ينافي ذلك دلالة الصحيح على‏ احتساب الصوم له من الوقت الذي نوى‏ لأنّ ذلك كناية عن فساده بذلك ، إذ نيّة الصوم نهاراً تقتضي كونه من أوله صائماً ، بالإجماع الظاهر المصرّح به في الخلاف (4).
1 ـ السرائر 1 : 373.
2 ـ التهذيب 4 : 188 / 528 ، الوسائل 10 : 12 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 2 ح 8.
3 ـ التهذيب 4 : 280 / 874 ، الاستبصار 2 : 121 / 394 ، الوسائل 10 : 13 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 2 ح 10 ؛ بتفاوتٍ يسير.
4 ـ الخلاف 2 : 167.


(291)
    لكن بإزاء هذه الأخبار ما يدلّ على‏ امتداد وقتها إلى‏ بعد الزوال ، كالصحيح : عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوماً ، وكان عليه يوم من شهر رمضان ، إله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامّة النهار ؟ قال : « نعم ، له أن يصوم ويعتدّ به من شهر رمضان » (1).
    وأظهر منه المرسل : قلت له : الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ويصبح فلا يأكل إلى‏ العصر ، أيجوز أن يجعله قضاءً من شهر رمضان ؟ قال : « نعم » (2).
    وعليهما الإسكافي (3) ، ولا يخلو عن قوّة لاعتضادهما ـ مع صحّة أولهما ـ بإطلاق ما عداهما من المستفيضة.
    إلّا أنّ ظاهر من عداه من الأصحاب ـ بل صريحهم ـ العمل بالأخبار الأوّلة ، حتى أنّ ظاهر الانتصار والمنتهى‏ دعوى إجماعنا عليه.
    حيث قال في الأول : صوم الفرض لا يجزي عندنا إلّا بنيّة قبل الزوال (4).
    وقال في الثاني ـ في الجواب عن المرسل ـ : فإنّه مع أنّه شاذّ لا تعرّض فيه بالنيّة (5).
    وحينئذٍ فلا بدّ من طرحه كالصحيح قبله ، أو حملهما على‏ ما يؤولان‏
1 ـ التهذيب 4 : 187 / 526 ، الوسائل 10 : 11 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 2 ح 6.
2 ـ التهذيب 4 : 188 / 529 ، الاستبصار 2 : 118 / 385 ، الوسائل 10 : 12 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 2 ح 9.
3 ـ حكاه عنه في المختلف : 212.
4 ـ الانتصار : 60.
5 ـ المنتهى 2 : 559 ، وفيه : فاٍنّه مع ارِساله لا تعرّض ...


(292)
إلى‏ المختار ، بحمل عامّة النهار على‏ ما بين الفجر إلى‏ الزوال ، ولو على‏ المجاز ، على‏ ما ذكره جماعة من الأصحاب (1).
    وزاد بعضهم ، فجعله على‏ الحقيقة ، فقال : على‏ أنّ ما بين طلوع الفجر والزوال أكثر من نصف النهار (2).
    وحمل المرسل على‏ أنّ المراد أول وقت العصر ، وهو عند زوال الشمس ، كما ذكره الشيخ (3) ، أو على‏ من نوى‏ صوماً فصرفه إلى‏ القضاء عند العصر ، كما في المختلف (4).
    وفيها بُعد ، لكن الخطب ـ بعد ضعف السند وعدم الجابر ، مضافاً إلى‏ عدم التكافؤ ، لما مرّ ـ سهل.
     [ وفي ] استمرار [ وقتها للمندوب ] إلى‏ قريب الغروب بمقدار ما يكون بعدها صائماً إليه [ روايتان ، أصحّهما ] عند الماتن هنا تبعاً للمحكي عن العماني (5) ، وظاهر الخلاف (6) ، وجعلها في الشرائع أشهرهما (7) ، وتبعه على‏ دعوى الشهرة جملة ممّن تأخّر عنه من علمائنا ، كشيخنا الشهيد الثاني ، وسبطه (8) ، وغيرهما (9) [ مساواته للواجب ] في فوات وقتها
1 ـ منهم العلّامة في المختلف : 212 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة 5 : 19.
2 ـ الحّر العاملي في الوسائل 10 : 11 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 2 ذيل الحديث 6.
3 ـ الاستبصار 2 : 119.
4 ـ المختلف : 212.
5 ـ حكاه عنه في المختلف : 212.
6 ـ الخلاف 2 : 167.
7 ـ الشرائع 1 : 187.
8 ـ الشهيد الثاني في المسالك 1 : 69 ، الروضة 2 : 107 ، سبطه في المدارك 6 : 24.


(293)
بالزوال.
    وهذه الرواية لم نقف عليها ، ولعلّها الصحيحة المتقدّمة ، المقيّدة ـ هي والموثّقة بعدها - (1) للنصوص المتقدّمة عليها ، كما يظهر من المعتبر على‏ ما حكاه عنه في التنقيح (2).
    وهي غير صريحة في النافلة ، فيحتمل الاختصاص بالفريضة ، كما هي مورد المرسلة ، ومع ذلك غير صريحة في الفوات بالزوال ، بل ولا ظاهرة إلّا بالتقريب الذي سبقت إليه الإشارة.
    وفي جريان وجهه (3) في النافلة نوع مناقشة.
    والرواية الثانية عمل بها أكثر القدماء ، بل مطلقاً كما في المنتهى‏ (4) ، ومنهم : السيّدان ، والحلّي ، مدّعين عليه إجماعنا في الانتصار والغنية والسرائر (5).
    وهي ـ مع ذلك ـ ما بين ظاهرة في الحكم إطلاقاً أو عموماًً ـ وهي جملة من الصحاح وغيرها ـ وصريحة ، كالموثّق : عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة ، قال : « هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن نوى‏ ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء » (6).
1 ـ تقدمتا في ص 290.
2 ـ التنقيح الرائع 1 : 351.
3 ـ وهو الإجماع المنقول في الخلاف. منه ( رحمه الله ).
4 ـ المنتهى 2 : 559.
5 ـ الانتصار : 60 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 570 ، السرائر 1 : 373.
6 ـ الكافي 4 : 122 / 2 ، الفقيه 2 : 55 / 242 ، التهذيب 4 : 186 / 521 ، الوسائل 10 : 14 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 3 ح 1.


(294)
    وقريبٌ منه الصحيح : « إذا لم يفرض الرجل على‏ نفسه صياماً ، ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً أو يشرب شراباً ولم يفطر ، فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر » (1).
    وحينئذٍ فلا تعارضها الصحيحة السابقة ، سيّما مع ما هي عليه ممّا عرفته ، فالعمل بها أولى‏.
    وذهب إليه من المتأخّرين : الفاضل في التحرير والمنتهى‏ ، وقوّاه في المختلف أخيراً ، والشهيدان في الدروس والروضة (2) ، وجماعة ممّن تأخّر عنهما (3).
    وهو أوفق بقاعدة التسامح في أدلّة السنن أيضاً ، كما لا يخفى‏.
    ويظهر من المعتبر (4) كون الرواية الثانية : الصحيح المتضمّن لأنّ علياً عليه السلام كان يدخل أهله فيقول : هل عندكم شي‏ء ؟ فإن كان عندهم شي‏ء أتوه به وإلّا صام (5) ، وروى الجمهور نحوه عن النبي صلى الله عليه وآله (6).
    وهو كما ترى لأنّ الفعل لا عموم فيه ، فلا يشمل بعد الزوال ، لاحتمال اختصاص فعلهما بما قبله ، كما هو الغالب ، بل والمستحبّ شرعاً
1 ـ التهذيب 4 : 187 / 525 ، الوسائل 10 : 11 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 2 ح 5.
2 ـ التحرير 1 : 76 ، المنتهى 2 : 559 ، المختلف : 212 ، الدروس : 70 ، الروضة 2 : 107.
3 ـ كالأردبيلي في مجمع الفائدة 5 : 24 ، الكاشاني في المفاتيح 1 : 244 ، والحدائق 13 : 26.
4 ـ المعتبر 2 : 648.
5 ـ التهذيب 4 : 188 / 531 ، الوسائل 10 : 12 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 2 ح 7.
6 ـ سنن الدارقطني 2 : 175 / 18.


(295)
لمن أراد البقاء ولا بقاء.
    نعم ، هو دليل صريح على‏ جواز النيّة نهاراً ، كما هو المجمع عليه بيننا.
    واعلم : أنّ مقتضى‏ الأصل اشتراط مقارنة النيّة للمنوي ، خرج منه تقديمها للصوم من الليل ، للضرورة والإجماع ، وبقي الباقي ، فلا يجوز التقديم عليه مطلقاً ولو في شهر رمضان ، وعليه عامّة المتأخّرين ، ويدلّ عليه أيضاً حديث : « لا صيام لمن لم يُبيّت الصيام » إلى‏ آخره (1).
     [ وقيل : يجوز تقديم نيّة شهر رمضان على‏ الهلال ]
    والقائل به : الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف (2) ، وعزاه فيه إلى‏ الأصحاب ، مشعراً بالإجماع.
    فإن تمّ ، وإلّا كما هو الظاهر ، إذ لم يُرَ ولم ينقل له من القدماء ولا من المتأخّرين موافق ، فهو مشكل لمخالفته الأصل ، مع عدم وضوح الدليل عدا ما قيل له : من أنّ مقارنة النيّة ليست شرطاً في الصوم ، وكما جاز أن تتقدّم من أول ليلة الصوم وإن يتعقّبها النوم والأكل والشرب والجماع جاز أن تتقدّم على‏ تلك الليلة بالزمان المتقارب ، كاليومين والثلاثة (3).
    وهو كما ترى قياس مع الفارق.
    وهل الحكم بجواز التقديم على‏ القول به مطلق ، كما يفيده إطلاق عبارة الخلاف (4) ؟
1 ـ تقدم في ص : 287.
2 ـ النهاية : 151 ، المبسوط 1 : 276 ، الخلاف 2 : 166.
3 ـ المعتبر 2 : 649.
4 ـ الخلاف 2 : 166.


(296)
    أم يختصّ بالناسي ـ بمعنى : أنّه لو نسي عند دخوله ، فصام من دون نيّة ، كانت الأُولى‏ كافية ، بخلاف العامد العالم بالدخول ، فإنّه يجب عليه‏ تجديد النيّة ـ كما عن صريح المبسوط والنهاية (1) ؟
    احتمالان ، إلّا أنّ ظاهر الدليل : الأول ، والأصحاب : الثاني ، بل عليه الإجماع في المختلف (2) ، وعن الشهيد في البيان ، فقال : ولو ذكر عند دخول الشهر لم يجز العزم السابق قولاً واحداً (3).
     [ وتجزي فيه ] أي في شهر رمضان [ نيّة واحدة ] من أوله.
    ظاهر العبارة : أنّ هذا الكلام عطف على‏ ما قبله ، أي : وقيل : تجزي ، والقائل : الثلاثة ، والديلمي ، والحلبي ، والحلّي ، وابن زهرة العلوي مدّعياً عليه الإجماع (4) ، كالمرتضى‏ في الرسّية والانتصار والشيخ في الخلاف (5) ، وعزاه في المنتهى‏ إلى‏ الأصحاب من غير نقل خلاف (6).
    وعلّله في الانتصار بعده (7) : بأنّ النيّة تؤثّر في الشهر كلّه لأنّ حرمته حرمة واحدة ، كما أثّرت في اليوم الواحد لما وقعت في ابتدائه (8).
1 ـ المبسوط 1 : 277 ، النهاية : 151.
2 ـ المختلف : 213.
3 ـ البيان : 361.
4 ـ المفيد في المقنعة : 302 ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 53 ، الطوسي في النهاية : 151 ، الدليمي في المراسم : 96 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 181 ، الحلّي في السرائر 1 : 371 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571.
5 ـ المسائل الرسّية ( رسائل المرتضى 2 ) : 355 ، الانتصار : 61 ، الخلاف 2 : 163.
6 ـ المنتهى 2 : 560.
7 ـ أي بعد ادّعائه الإجماع عليه.
8 ـ الأنتصار : 61.


(297)
    ويضعّف : بمنع كونه عبادة واحدة فإنّ صوم كلّ يومٍ مستقلٌّ بنفسه ، لا تعلّق له بما قبله وما بعده ، ولذلك تتعدّد الكفّارة بتعدّد الأيّام ، ولا يبطل الشهر كلّه ببطلان صوم بعض أيّامه ، بخلاف الصلاة الواحدة ، فإنّ بطلان بعض أجزائها يقتضي بطلانها رأساً ، والحمل إنّما يتمّ على‏ تقدير عدم الفرق ، وقد أوضحناه.
    فإذاً : المتّجه عدم الإجزاء ، كما عليه الفاضل في جملةٍ من كتبه (1) ، والماتن في ظاهر الكتاب والمعتبر .. إلّا أنّ فيه ـ بعد تضعيف ما مرّ بأنّه قياس محض ، فلا يتمشّى‏ على‏ أُصولنا ـ : لكن علم الهدى‏ ادّعى‏ على‏ ذلك الإجماع ، وكذلك الشيخ أبو جعفر ، والأولى تجديد النيّة لكلّ يومٍٍ في ليلته ، لأنّا لا نعلم ما ادّعياه من الإجماع (2).
    وظاهره ـ كما ترى ـ الميل إلى‏ ما عليه القدماء.
    ولا ينافيه دفعه ما ادّعياه من الإجماع إذ المراد منه الدفع بحسب الاطّلاع عليه من غير جهة النقل ، وإلّا فهو حاصل ، ودفعه من جهته غير متوجّه إلّا على‏ القول بعدم حجّية الإجماع المنقول بخبر الآحاد ، ولكنّه خلاف التحقيق ، سيّما إذا احتفّ بالقرائن ، مثل الشهرة العظيمة القديمة ، التي لم يوجد معها مخالف بالكلّية ، وهي من أعظم القرائن على‏ صحّة الرواية.
    نعم ، الأولى‏ التجديد في كلّ ليلة خروجاً عن شبهة الأُصول والقاعدة ، بل والفتوى‏ بالنسبة إلينا ، لحصولها به (3) في كتب من عرفته ، بل‏
1 ـ التحرير 1 : 6 ، المختلف : 213 ، الإرشاد 1 : 299.
2 ـ المعتبر 2 : 649.
3 ـ أي لحصول الفتوى بالتجديد.


(298)
ادّعى‏ عليها الشهرة المتأخّرة جماعة (1) ، ولكنّها موهونة.
    وذلك بناءً على‏ ما ظاهرهم الاتّفاق عليه وعدم الخلاف فيه كما في الغنية والمنتهى‏ من جواز تفريق النيّة هنا (2) ، وإن قلنا بكون صوم الشهر كلّه عبادة واحدة ، ومنعنا عن تفريقها [ عليها (3) ] كما هو خيرة جماعة (4).
    فما في الروضة (5) من المنع عن التفريق بناءً على‏ القول به ـ (6) لا وجه له في المسألة.
     [ و ] يستحبّ أن [ يصام يوم الثلاثين من شعبان ] الذي يشكّ فيه أنّه منه أو من رمضان بنيّة الندب مطلقاً ، بلا خلافٍ فيه بيننا ، إلّا من المفيد فيما حكي عنه (7) ، فكرهه على‏ بعض الوجوه (8).
    وهو شاذّ ، بل على‏ خلافه الإجماع في صريح الانتصار والغنية والخلاف (9) ، وظاهر غيرها ، كالتنقيح والروضة (10).
1 ـ منهم : السبزواري في الكفاية : 49 ، والذخيرة : 514 ، صاحب الحدائق 13 : 27.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571 ، المنتهى 2 : 560.
3 ـ أي : وأن منعنا عن تفريق النية على عبادة وواحدة في غير المقام. وفي النسختين : عليه ، والظاهر هو سهو.
4 ـ انظر : نهاية الاحكام 1 : 34 ، ايضاح الفوائد 1 : 38 ، جامع المقاصد 1 : 209 ، كشف اللثام 1 : 65.
5 ـ الروضة 2 : 107.
6 ـ أي : بالمنع.
7 ـ حكاه عنه في التحرير 1 : 76 ، البيان : 361.
8 ـ مع أنّ المحكي من عبارته في المنتهى والمعتبر هو الاستحباب كما هو الأظهر ، قال : وانما يكره مع الصحو وارتفاع الموانع ، الاّ لمن كان صائماُ قبله ، انتهى. وهو نصّ في أنّ الكراهة في غير يوم الشك ، بل يوم الثلاثين من شعبان في صورة ارتفاع المانع من الرؤية ، فلا خلاف منه في استحباب صوم يوم الشك. ( منه رحمه الله ).
9 ـ الانتصار : 62 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 570 ، الخلاف 2 : 170.
10 ـ التنقيح الرائع 1 : 354 ، الروضة 2 : 109.


(299)
    والنهي عن صيامه في بعض النصوص (1) محمولٌ :
    إمّا على‏ التقيّة ، فإنّه مذهب جماعة من العامّة (2) ، ويشهد له بعض المعتبرة : عن اليوم الذي يشكّ فيه ، فإنّ الناس يزعمون أنّ من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان ، فقال : « كذبوا ، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفّق له ، وإن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام » (3).
    أو : على‏ صومه بنيّة الفرض ، كما تشهد له جملة من المعتبرة ، منها الموثّق : « إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان ، لأنّه قد نُهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ ، وإنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل اللَّه عزّ وجلّ ، وبما قد وسع على‏ عباده ، ولو لا ذلك لهلك الناس » (4) وبمعناه الرضوي (5) وحديث الزهري (6).
    [ و ] ما يستفاد من هذه النصوص من أنّه [ لو اتّفق ] ذلك اليوم [ من رمضان أجزأ ] عنه مجمعٌ عليه بين الأصحاب على‏ الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (7) ، والنصوص به مع ذلك‏
1 ـ الوسائل 10 : 25 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 6 ح 2 ، 3.
2 ـ انظر بداية المجتهد 1 : 310.
3 ـ الكافي 4 : 83 / 8 ، التهذيب 4 : 181 / 502 ، الاستبصار 2 : 77 / 234 ، الوسائل 10 : 22 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 5 ح 7.
4 ـ الكافي 4 : 82 / 6 ، التهذيب 4 : 182 / 508 ، الاستبصار 2 : 79 / 240 ، الوسائل 10 : 21 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 5 ح 4.
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 201 ، المستدرك 7 : 318 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 5 ذيل الحديث 1.
6 ـ الكافي 4 : 83 / 1 ، الفقيه 2 : 46 / 208 ، التهذيب 4 : 294 / 895 ، الوسائل 10 : 22 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 5 ح 8.
7 ـ كما في المدارك 6 : 35 ، والمفاتيج 1 : 246 ، والكفاية : 49.


(300)
ـ زيادةً على‏ ما مرّ ـ مستفيضة ، متضمّنة للصحيح وغيره (1).
    وألحقَ به الشهيدان كلّ واجب معيّن فُعِلَ بنيّة الندب مع عدم العلم (2).
    ولا بأس به ، وفي حديث الزهري دلالة عليه لتضمّنه تعليل الإجزاء عن رمضان ، بأنّ الفرض وقع على‏ اليوم بعينه ، وهو جارٍ في الملحق به.
     [ ولو صام ] يوم الشكّ [ بنيّة الواجب ] من رمضان [ لم يجزِه ] عنه ولا عن شعبان ، على‏ الأشهر الأظهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وعزاه في المبسوط إلى‏ الأصحاب (3) ، مشعراً بدعوى‏ الإجماع.
    للنهي عن صومه كذلك فيما مرّ من المستفيضة ، والنهي مفسدٌ للعبادة إذا تعلّق بها ولو من جهة شرطها ، كما هو الواقع في المستفيضة كما ترى.
    مع أنّ في بعضها التصريح بالقضاء ، وهو الصحيح : في يوم الشكّ : « من صامه قضاه وإن كان كذلك » يعني : من صامه على‏ أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوماً من شهر رمضان لأنّ السنّة جاءت في صيامه على‏ أنّه من شعبان ، ومن خالفها كان عليه القضاء (4).
    وقريب منه الصحيح الآخر : في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان ، فقال : « عليه قضاؤه وإن كان كذلك » (5).
1 ـ الوسائل 10 : 20 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 5.
2 ـ الشهيد الأول في الدروس 1 : 267 ، الشهيد الثاني في الروضة 2 : 139.
3 ـ المبسوط 1 : 277.
4 ـ التهذيب 4 : 162 / 457 ، الوسائل 10 : 27 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 6 ح 5.
5 ـ التهذيب 4 : 182 / 507 ، الاستبصار 2 : 78 / 239 ، الوسائل 10 : 25 أبواب وجوب الصوم ونيتّه ب 6 ح 1.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس