رياض المسائل الجزء الخامس ::: 316 ـ 330
(316)
    الأجود : الثاني ، وفاقاً لجماعة (1) للموثّق في الأول (1) ، والصحيح في الثاني (3).
    ولا يقدح تضمّنه لما لا يقول به الأصحاب ، ولا كونه مكاتبة ، كما لا يقدح قصور سند الأول لما تقرّر في محلّه من حجّية الموثّق والمكاتبة ، وعدم خروج الرواية باشتمالها على‏ ما لا يقول به أحد عن الحجّية ، وأنّها ـ كالعامّ المخصَّص ـ في الباقي حجّة.
    مضافاً إلى‏ انجبار جميع ذلك بالشهرة على‏ ما ادّعاها بعض الأجلّة ، بل قال في الاستحاضة : إنّ الحكم فيها ممّا لا خلاف فيه أجده إلّا من المعتبر والمبسوط ، فتوقّفا فيه (1).
    وفي المسالك : الإجماع عليه وعلى‏ وجوب القضاء مع الإخلال بالأغسال ، قال : وكذا الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر. انتهى‏ (5).
    وظاهر الخبرين وجوب القضاء خاصّة ، حيث لم يذكر فيهما الكفّارة ، مع ورودهما في بيان الحاجة ، فتكون بالأصل مدفوعة.
    وحكاه في المختلف عن العماني في الحيض والنفاس (6) ، واختار هو
1 ـ منهم : العماني كما نقله عنه في المختلف : 220 ، والعلّامة في المنتهى 2 : 566 ، وصاحب الحدائق 13 : 123.
2 ـ أي حيض والنفاس. التهذيب 4 : 393 / 1213 ، الوسائل 10 : 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 21 ح 1.
3 ـ أي الاستحاضة. الفقيه 2 : 94 / 419 ، علل الشرائع : 293 / 1 ، الوسائل 10 : 66 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1.
4 ـ الحدائق 13 : 125.
5 ـ المسالك 1 : 75.
6 ـ المختلف : 220.


(317)
فيه وفي التحرير كونهما كالجنابة ، فإن أوجبنا القضاء والكفّارة فيها أوجبناهما فيهما ، وإلّا فالقضاء خاصّة (1) لحجّةٍ لا تصلح مخصّصة لأصالة البراءة.
    ولكنّ الأحوط ما ذكره.
     [ و ] عن [ معاودة النوم جنباً ] لئلّا يستمرّ به النوم إلى‏ الفجر ، فيجب عليه القضاء مطلقاً (2) ، بلا خلافٍ أجده ، بل عليه الإجماع في الخلاف والغنية (3) وهو الحجّة.
    مضافاً إلى‏ الصحيح : الرجل يجنب من أول الليل ، ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : « ليس عليه شي‏ء » قلت : فإن استيقظ ثم نام حتى أصبح ، قال : « فليقض ذلك اليوم عقوبة » (4) ونحوه آخر مروي في الفقيه (5) ، والرضوي الآتي (6).
    وصريحها عدم وجوب الإمساك عن النومة الأُولى‏ ، وعدم ترتّب شي‏ء عليها أصلاً ، وعليه فتوى أصحابنا على‏ الظاهر ، المصرّح به في المنتهى‏ (7).
1 ـ المختلف : 220 ، التحرير 1 : 78.
2 ـ أي سواء نام ناوياً للغسل أم لا. ( منه رحمه الله ).
3 ـ الخلاف 2 : 222 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571.
4 ـ التهذيب 4 : 212 / 615 ، الاستبصار 2 : 87 / 271 ، الوسائل 10 : 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 1.
5 ـ الفقيه 2 : 86 / 269 ، الوسائل 10 : 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.
6 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 207 ، المستدرك 7 : 330 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.
7 ـ المنتهى 2 : 566.


(318)
    إلّا إذا صادفت العزم على‏ ترك الاغتسال ، فإنّه كمتعمّد البقاء على‏ الجنابة اتّفاقاً.
    وكذا إذا صادقت عدم العزم عليه وعلى‏ الاغتسال عند جماعة (1).
    وحجّتهم غير واضحة ، عدا إطلاق جملة من النصوص بوجوب القضاء بالنوم بقولٍ مطلق ، كالصحيح : عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ، ثم ينام قبل أن يغتسل ، قال : « يتمّ صومه ويقضي ذلك اليوم ، إلّا أن يستيقظ قبل الفجر ، فإن انتظر ماءً يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه » (2) ونحوه آخر (3) ، والموثّق (4).
    وهي ـ مع معارضتها بأكثر منها مستفيضة دالّة على‏ عدم شي‏ء بمطلق النوم فيها (5) ـ أنّها كمعارِضها مطلقة تحتمل التقييد بالنومة الثانية ، كالمعارِض بالأُولى‏ ، بشهادة الصحيح المفصِّل بينهما بالقضاء في الثانية وعدم شي‏ء في الأُولى‏.
    وهذا الحكم فيها وإن كان مطلقاً ـ يشمل ما لو كان النوم مصادفاً للعزم على‏ ترك الاغتسال الموجب لفساد الصوم اتّفاقاً ـ إلّا أنّه بعد تسليم انصراف الإطلاق إلى‏ هذه الصورة مع ندرتها مقيّد بغيرها لما مضى من وجوب‏
1 ـ منهم العلّامة في المنتهى 2 : 573 ، والفيض في المفاتيح 1 : 248.
2 ـ التهذيب 4 : 211 / 613 ، الاستبصار 2 : 86 / 270 ، الوسائل 10 : 62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 3 بتفاوت يسير.
3 ـ التهذيب 4 : 210 / 610 ، الاستبصار 2 : 85 / 266 ، الوسائل 10 : 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 14 ح 2.
4 ـ التهذيب 4 : 211 / 611 ، الاستبصار 2 : 86 / 267 ، الوسائل 10 : 62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 5.
5 ـ الوسائل 10 : 57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13.


(319)
الإمساك عن تعمّد البقاء ، الذي منه أو بمعناه هذه الصورة.
    كما أنّ النصوص المزبورة المطلقة للزوم القضاء بالنوم المشتملة ـ لذلك ـ لِما إذا صادف العزم على‏ الاغتسال ، مع أنّه غير موجب للقضاء اتّفاقاً ، مقيّدة بغيره.
    وبالجملة : لم أجد للقول المزبور حجّة ، عدا إطلاق الصحيح والموثّقة وما في معناهما ، ومقتضى الأُصول المقرّرة تقييده بما في الصحيح ، أو حملها على‏ الاستحباب إن كانت ظاهرةً في النومة الأُولى‏ ، كما هو الظاهر من سياقها لأنّه أصرح دلالةً منها ، سيّما مع ضعف إطلاقها بالتقييد بما إذا لم يصادف العزم على‏ الاغتسال.
    وعلى‏ تقدير تسليم التكافؤ دلالةً ، فكما يمكن الجمع بينهما بما ذكروه ، كذا يمكن بما ذكرنا. ولا ريب أنّه أولى‏ لاعتضاده بالأصل.
    نعم ، في الرضوي : « إذا أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس بأن تنام متعمّداً وفي نيّتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر ، فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شي‏ء ، إلّا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت ، وتوانيت [ ولم تغتسل‏ ] وكسلت ، فعليك صوم ذلك اليوم وإعادة يوم آخر مكانه ، وإن تعمّدت النوم إلى‏ أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفّارة » (1).
    وهو بمفهومه الأول ربّما دلّ على‏ ما ذكروه ، فيكون أحوط ، وإن أمكن المناقشة فيه ، بأنّه : لعلّ المراد من مفهوم قوله : « وفي نيّتك أن تقوم .. » تعمّد الترك ، كما ربّما يفصح قوله في الذيل : « وإن تعمّدت‏
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 207 ، المستدرك 7 : 330 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 و 10 و 11 ح 1 و 1 و 2 ؛ وما بين المعقوفين من المصدرين.

(320)
النوم » والمتبادر منه العزم على‏ البقاء على‏ الجنابة ، ويكون حكم المفروض ـ وهو النوم ذاهلًا عن العزم على‏ الغسل وتركه ـ مسكوتاً عنه ، ولعلّه لندرته كما مرّ.
    وسيأتي للمسألة مزيد تحقيق إن شاء اللَّه سبحانه.
     [ و ] عن [ الكذب على‏ اللَّه ] سبحانه [ والرسول ] صلى الله عليه وآله [ والأئمّة عليهم السلام ] بلا خلافٍ فيه ، ولا في وجوب الإمساك عن مطلق الكذب ، بل مطلق المحرّمات ، وإنّما الخلاف في إيجابه الفساد والإفطار الموجب للقضاء والكفّارة.
    وسيأتي الكلام في تحقيق المسألة بعون اللَّه سبحانه.
     [ و ] عن [ الارتماس في الماء ] على‏ الأشهر الأقوى‏ للنهي عنه في الصحاح وغيرها (1).
    [ وقيل ] والقائل المرتضى‏ في أحد قوليه ، والحلّي (2) ، وغيرهما (3) ، أنّه يكره ولا يجب الإمساك عنه للأصل المضعّف بما مرّ.
    وللخبر (4) القاصر سنداً ودلالةً وتكافؤاً لما مضى من وجوهٍ شتّى‏ ، مع احتماله الحمل على‏ التقيّة ، لموافقته لمذهب جماعة من العامّة ، كما ذكره جماعة (5).
1 ـ الوسائل 10 : 35 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3.
2 ـ حكاه عن المرتضى في المعتبر 2 : 656 ، السرائر 1 : 376.
3 ـ كابن أبي عقيل ، حكاه عنه في المختلف : 218.
4 ـ التهذيب 4 : 209 / 606 ، الاستبصار 2 : 84 / 262 بتفاوت يسير ، الوسائل 10 : 38 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 9.
5 ـ منهم : صاحب المدارك 6 : 55 ، والسبزواري في الذخيرة : 498 ، وصاحب الحدائق 13 : 119.


(321)
    وهل يجب به القضاء خاصّة ، أو مع الكفّارة ، أو لا يجب به شي‏ء أصلاً ؟
    فيه أقوال ثلاثة ، ستأتي إليها الإشارة بعون اللَّه سبحانه.
    [ وفي ] وجوب الإمساك عن [ السَعوط ] في الأنف ، مع إيجابه القضاء والكفّارة ، كما عن المفيد ، والديلمي ، وحكاه المرتضى‏ عن قومٍ من أصحابنا (1).
    أم القضاء خاصّة ، كما عن الحلبي ، والقاضي ، وابن زهرة (2).
    أم الجواز من غير كراهة ، كما عن ظاهر الإسكافي والمقنع (3).
    أم معها ، كما عن الشيخ في الخلاف والجمل والنهاية والمبسوط (4) ، وإن اختلفت عباراته في هذه الكتب في التأدية عن السعوط بقولٍ مطلق ، كما في الثلاثة الأُول ، أو تقييده بغير المتعدّي منه إلى‏ الحلق ، وإلّا فيوجب القضاء ، كما في الأخير ، وعليه الفاضل في المختلف ، مُضيفاً الكفّارة ، ومشترطاً تعمّد التعدية (5).
     [ و ] عن [ مضغ العِلك ] ذي الطعم ، مع إيجابه القضاء ، كما عن الإسكافي والنهاية (6) ، لكن ليس فيها سوى‏ المنع خاصّة.
    أو جوازه مع الكراهة ، كما عن المبسوط (7).
1 ـ المقنعة : 344 وفيه أيضاً والسعوط ، المراسم : 98 ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 54.
2 ـ الكافي في الفقه : 183 ، المهذّب 1 : 192 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571.
3 ـ نقله عن الإسكافي في المختلق : 221 ، المقنع : 60.
4 ـ الخلاف 2 : 215 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 214 ، النهاية : 156 ، المبسوط 1 : 272.
5 ـ المختلف : 221.
6 ـ حكاه عن الإسكافي في المختلف : 222 ، النهاية : 157.
7 ـ المبسوط 1 : 273.


(322)
    [ تردّد ] للماتن ، لم يظهر وجهه في طرف المنع عنهما.
    عدا ما قيل في الأول : من وصوله إلى‏ الدماغ (1) ، وهو مفطر.
    وفيه منع ظاهر.
    وفي الثاني : من وصول طعمه إلى‏ الحلق ، وليس ذلك إلّا بسبب وصول بعض أجزائه المتخلّلة لامتناع انتقال الأعراض (2).
    وهو في المنع كالسابق.
    وفيهما ـ مع ذلك ـ أنّهما اجتهاد في مقابلة ما سيأتي من النص. فإذاً [ أشبهه ] بل وأشهره ، كما في المنتهى‏ في الثاني (3) ، وفي المدارك والذخيرة في الأول (4) [ الكراهة ] في المقامين استناداً إلى‏ وجه الجواز فيهما ـ وهو الأصل ـ وحصر ما يضرّ الصائم في معدودٍ ليسا منها.
    مضافاً في الأول إلى‏ فحوى ما دلّ على‏ كراهة الاكتحال بما له طعم يصل إلى‏ الحلق (5).
    وعموم التعليل في جملةٍ من النصوص الدالّة على‏ جواز الاكتحال بقولٍ مطلق بأنّه ليس بطعامٍ ولا شراب (6).
    نعم ، يكره للشبهة ، والتعبير بلفظ الكراهة في جملةٍ من النصوص (7) ،
1 ـ التنقيح 1 : 359.
2 ـ انظر المختلف : 222 ، والتنقيح 1 : 360.
3 ـ المنتهى 2 " 568.
4 ـ المدارك 6 : 128 ، الذخيرة : 504.
5 ـ الكافي 4 : 111 / 3 ، التهذيب 259 / 770 ، الوسائل 10 : 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 2.
6 ـ الوسائل 10 : 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25.
7 ـ الوسائل 10 : 43 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 7.


(323)
بل في الرضوي التصريح ب‍ « لا » أو « لا يجوز » (1) وهو محمول على‏ الكراهة جمعاً.
    وفي الثاني : إلى‏ الصحيح (2) وغيره (3) ، الصريحين في الجواز.
    وأمّا الصحيح الآخر الناهي عنه (4) فمحمول على‏ الكراهة لما عرفته.
     [ وفي ] جواز [ الحقنة ] كما عليه المرتضى‏ في الجمل (5) ، وعدمه ، كما عليه الأكثر : [ قولان ] مطلقان ، غير مفصّلين بين الجامد منه والمائع.
    [ أشبههما ] الثاني ، وهو [ التحريم ] لكن [ بالمائع ] خاصّة ، والكراهة في الجامد ، وفاقاً للشيخ في جملةٍ من كتبه ، والحلّي (6) ، وجماعة (7).
    استناداً في الأول إلى‏ الصحيح : « الصائم لا يجوز له أن يحتقن » (8).
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 212 ، المستدرك 7 : 333 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.
2 ـ الكافي 4 : 114 / 2 ، الوسائل 10 : 104 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 1.
3 ـ التهذيب 4 : 324 / 1002 ، الوسائل 10 : 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 3.
4 ـ الكافي 4 : 114 / 1 ، الوسائل 10 : 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 2.
5 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 54.
6 ـ الشيخ في النهاية : 156 ، والاقتصاد : 288 ، الحلي في السرائر : 387.
7 ـ منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع : 156 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 5 : 124 ، وصاحب المدارك 6 : 64.
8 ـ التهذيب 4 : 204 / 589 ، الاستبصار 2 : 83 / 256 ، الوسائل 10 : 42 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4.


(324)
    والرضوي : « ولا يجوز للصائم أن يقطّر في اذنه شيئاً ، ولا يسعط ، ولا يحتقن » (1).
    وفي الثاني إلى‏ الأصل والحصر السابقين ، مع اختصاص الخبرين ـ بحكم التبادر ـ بالمائع ، وتصريح الصحيح بجواز استدخال الدواء (2) الشامل للجامد ، بل الظاهر فيه بحكم التبادر ، ولذا لا يصرف به ظاهر الصحيح السابق إلى‏ الكراهة.
    مضافاً إلى‏ صريح الموثّق : ما تقول في [ التلطّف بالأشياف‏ ] (3) يستدخله الإنسان وهو صائم ؟ فكتب : « لا بأس بالجامد » (4).
    هذا ، ولو لا اشتهار القول بتحريم المائع ـ بل عدم الخلاف فيه إلّا من المرتضى‏ ، حتى أنّه سيأتي من الناصرية والغنية دعوى الإجماع على‏ إيجابه الإفطار والقضاء (5) ـ لكان القول بمقالته من الجواز مطلقاً غير بعيد من الصواب لما مرّ في السعوط من الأدلّة.
    مع قوّة احتمال الجمع بين أخبار المسألة ، بحمل المانعة على‏ الكراهة ، سيّما الرضوي منها ، المتضمّن للنهي عن السعوط أيضاً بكلمة :
    « لا يجوز » الداخلة على‏ كليهما ، وهي بالإضافة إلى‏ السعوط للكراهة ـ كما
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 212 ، المستدرك 7 : 325 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1.
2 ـ الكافي 4 : 110 / 5 ، التهذيب 4 : 325 / 1005 ، قرب الاسناد : 102 ، الوسائل 10 : 41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 1.
3 ـ في النسختين : الطيف من الأشياء. وما اثبتناه موافق للتهذيب. والتلطّف : اِدخال الشيء في الفرج مطلقاً. مجمع البحرين 5 : 121.
4 ـ الكافي 4 : 110 / 6 ، التهذيب 4 : 204 / 590 ، الاستبصار 2 : 83 / 257 بتفاوت سيسر ، الوسائل 10 : 41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 2.
5 ـ انظر ص : 283.


(325)
مضى ـ فلتكن بالإضافة إلى‏ الاحتقان لها أيضاً ، لئلّا يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي ، الممنوع منه على‏ الأقوى‏.
     [ و ] اعلم أنّ [ الذي يبطل الصوم ] كائناً ما كان [ إنّما يبطله ] إذا صدر من الصائم [ عمداً واختياراً ] مطلقاً ، واجباً كان الصوم أو ندباً.
    فليس على‏ الناسي شي‏ء في شي‏ء من أنواع الصيام ، ولا في شي‏ء من المفطرات ، بغير خلاف أجده ، بل نفى‏ الخلاف عنه جماعة (1) ، معرِبين عن دعوى الإجماع عليه ، كما صرّح به بعضهم (2).
    والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، ففي جملةٍ منها صحيحة : « لا يفطر ، إنّما هو شي‏ء رزقه اللَّه تعالى » (3).
    وأخصّيتها من المدّعى‏ ـ باختصاصها بالأكل والشرب والجماع ـ غير قادح بعد عدم قائل بالفرق بينها وبين سائر المفطرات.
    ولا على‏ الموجور في حلقه ، بغير خلاف ظاهر ، مصرّح به في جملة من العبائر (4).
    و لا على‏ المكره بأنواعه عند الأكثر للأصل ، مع عدم عموم فيما دلّ على‏ وجوب القضاء ، لاختصاصه نصّاً وفتوى بحكم التبادر بغيره.
    مضافاً إلى‏ التأيّد بحديث ما استكرهوا عليه (5). وإن أشكل الاستدلال‏
1 ـ منهم العلّامة في المنتهى 2 : 577 ، والسبزواري في الذخيرة : 507.
2 ـ كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 5 : 62 ، والفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 252.
3 ـ الكافي 4 : 101 / 1 ، الفقيه 2 : 74 / 318 ، التهذيب 4 : 277 / 838 ، الوسائل 10 : 50 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 1.
4 ـ كالذخيرة : 508 ، والمفاتيح 1 : 252.
5 ـ الوسائل 15 : 369 أبواب جهاد النفس ب 56.


(326)
به ، كما اتّفق لبعض (1) لأنّ المتبادر منه نفي المؤاخذة لا ارتفاع الأحكام جملةً.
    خلافاً للمبسوط لأنّه يفعل باختياره (2).
    وهو قوي لضعف المنع عمّا يدلّ على‏ كلّية الكبرى ، كما مضى.
    إمّا بناءً على‏ ثبوت الكلّية من تتبّع نفس النصوص ، ولا سيّما الواردة منها في المتسحّر في رمضان بعد الفجر قبل المراعاة وغيره (3) لغاية وضوحها في التنافي بين نحو الأكل والصوم ، بحيث لم يجتمعا وإن كان الأكل جائزاً شرعاً ، ولذا أمر المتسحّر المزبور بعدم صوم يومه إذا كان قضاءً عن رمضان مطلقاً ، ولو كان للفجر مراعياً.
    أو لأنّ حقيقة الصوم ليس إلّا عبارة عن الإمساك عن المفطرات ، وهو في المقام لم يتحقّق قطعاً ، لا لغةً ولا عرفاً ولا شرعاً.
    أمّا الأولان : فظاهران.
    وأمّا الثالث : فلأنّ معناه الحقيقي ليس إلّا ما هو المتبادر عند المتشرّعة ، ولا ريب أنّه الإمساك وعدم وقوع المفطر باختيار المكلّف أصلاً ، ولا ريب أنّه منتفٍ هنا ، ولذا يصحّ سلب الصوم والإمساك فيه جدّاً ، فيقال : إنّه ما صام وما أمسك ولو اضطراراً ، ويعضده إطلاق لفظ الإفطار فيما سيأتي من الأخبار ، مع تضمّن بعضها القضاء.
    وهو أوضح شاهدٍ على‏ عدم الإتيان بماهية الصوم المأمور بها ، وهو عين معنى‏ الفساد ، وإذا ثبت ثبت وجوب القضاء لعدم قائل بالفرق بينهما.
1 ـ كالشهيد في المسالك 1 : 71 ، وصاحب الحدائق 13 : 69.
2 ـ المبسوط 1 : 273.
3 ـ الوسائل 10 : 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44.


(327)
    وبالجملة : غير خفي متانة هذا القول وقوّته إن لم يكن خلافُه إجماعاً. وكيف كان فلا ريب أنّه أحوط وأولى.
    وفي حكمه المفطر ـ في يوم يجب صومه ـ تقيّةً ، كما في النصوص ، منها : « واللَّه أُفطر يوماً من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي » (1).
    وفي آخر : « إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر عليّ من أن يُضرَب عنقي ولا يعبد اللَّه » (2).
    ويستفاد منه ثبوت القضاء ، بل وجوبه ـ كما قيل ـ (3) به ، وهو أحوط ، بل وأولى لما مضى ، وبه يجبر ضعف السند هنا.
    والظاهر الاكتفاء في التقيّة المبيحة للإفطار بمجرّد ظنّ خوف الضرر ، كما هو المعلوم من الأخبار.
    خلافاً للمحكي عن الدروس ، فاعتبر خوف التلف على‏ النفس (4) ، كما ربّما يتوهّم من الخبرين المتقدّمين.
    وفيه نظر ، مضافاً إلى‏ ضعفهما بالإرسال ، فلا تخصَّص بهما ظواهر تلك الأخبار المؤيّدة بالاعتبار.
    و لا على‏ الجاهل بالحكم إلّا الإثم في تركه تحصيل المعرفة ، لا القضاء والكفّارة ، كما عليه الحلّي ، والشيخ في موضعٍ من التهذيب (5) ، واحتمله في المنتهى‏ (6).
1 ـ الکافي 4 : 83 / 9 « الوسائل 10 : 131 أبواب ما يمسک عنه الصائم ب 57 ح 4.
2 ـ الکافي 4 : 82 / 7 ، الوسائل 10 : 132 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 5.
3 ـ الشهيد الثاني في المسالك 1 : 71 ، وصاحب الحدائق 13 : 69.
4 ـ الدروس 1 : 276.
5 ـ الحلي في السرائر 1 : 386 ، التهذيب 4 : 208.
6 ـ المنتهى 2 : 570.


(328)
    للموثق : عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان ، أو أتى أهله وهو محرم ، وهو لا يرى‏ إلّا أنّ ذلك حلال له ، قال : « ليس عليه شي‏ء » (1).
    وفيه : أنّ التعارض بينه وبين ما دلّ على‏ وجوب القضاء تعارضُ العموم من وجه لأنّه وإن كان صريحاً في الجاهل إلّا أنّه عامّ بالنسبة إلى‏ القضاء ، وما دلّ على‏ وجوبه وإن كان عامّاً بالنسبة إلى‏ الجاهل إلّا أنّه صريح بالنسبة إلى‏ القضاء ، فكما يمكن تخصيص هذا بالموثّق كذا يمكن العكس.
    بل هو أولى‏ من جوهٍ شتى‏ لأرجحية ما دلّ على‏ القضاء عدداً وسنداً واشتهاراً وغيرها ، وحينئذٍ فيقيّد بهذا الموثّق ، ويحمل على‏ نفي الكفّارة ، كما في المنتهى‏ (2).
    خلافاً لأكثر المتأخّرين (3) ، فكالعامد يقضي ويكفّر لعموم أخبارهما (4).
    وفي انصراف ما دلّ على‏ الكفّارة منها إلى‏ الجاهل ـ سيّما المتضمّن منها للمتعمّد ـ نظر واضح ، مع أنّها محتملة للتقييد بالموثّقة لكونها حجّة.
    ولجماعة (5) ، فعليه القضاء لعموم الأمر به عند عروض أحد أسبابه. دون الكفّارة للأصل ، ولتعلّق الحكم بها في النصوص على‏ تعمّد الإفطار لا تعمّد الفعل ، بل قيّد في بعضها بغير العذر ، والجهل بالحكم من أقوى‏
1 ـ التهذيب 4 : 208 / 603 ، الوسائل 10 : 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 12.
2 ـ المنتهى 2 : 569.
3 ـ كالعلّامة في التذكرة 1 : 262 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة 5 : 126 ، وحكاه في المدارك 6 : 66 والكفاية : 48 عن الاكثر.
4 ـ الوسائل 10 : 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
5 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 662 ، العلّامة في المنتهى 2 : 569.


(329)
الأعذار ، كما يستفاد من المعتبرة ، منها : « أيّ رجلٍ ارتكب أمراً بجهالة فلا شي‏ء عليه » (1) مضافاً إلى‏ الموثّق المتقدّم.
    وهذا القول أقوى :
    وهذا لا ريب أنّ القضاء والكفّارة معاً أحوط وأولى ، سيّما مع عموم جملة من الأخبار بترك الاستفصال الشامل لمفروضنا.
     [ ولا يفسد ] الصوم [ بمصّ الخاتم ، ومضغ الطعام للصبي ، وزقّ الطائر ] وذوق المرق ، ونحو ذلك.
    [ وضابطه ما لا يتعدّى‏ الحلق ].
    للمعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة (2) ، مضافاً إلى‏ الأصل والحصر ، المتقدّمة إليهما الإشارة.
    مع أنّه لا خلاف في شي‏ء منها أجده إلّا من الشيخ في التهذيب في الأخير في غير الضرورة (3) للصحيح المانع عنه على‏ الإطلاق (4) ، بحمله على‏ تلك الصورة ، جمعاً بينه وبين الصحاح المرخّصة ولو على‏ الإطلاق ، بحملها على‏ غيرها.
    وفيه : أنّ هذا التفصيل غير موجود في شي‏ء منها ، فالترجيح متعيّن ، وهو في جانب الرخصة ، للتعدّد ، وموافقة الأصل والحصر ، فيحمل النهي في‏
1 ـ التهذيب 5 : 72 / 239 ، الوسائل 8 : 248 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 1.
2 ـ الوسائل 10 : 105 ، 108 ، 109 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 ، 38 ، 40.
3 ـ التهذيب 4 : 312.
4 ـ التهذيب 4 : 312 / 943 ، الاستبصار 2 : 95 / 309 ، الوسائل 10 : 106 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 ح 2.


(330)
المعارض على‏ الكراهة ، كما ذكره جماعة (1) ، أو توجيهه إلى‏ الازدراد بتقديره ، كما ذكره بعض. ولا بأس به.
     [ ولا ] يفسد أيضاً [ باستنقاع الرجل في الماء ] بلا خلاف لجملةٍ ممّا مرّ ، مضافاً إلى‏ النصوص ـ وفيها الصحيح وغيره ـ : عن الصائم يستنقع في الماء ، قال : « لا بأس » (2).
     [ والسواك في الصوم مستحبّ ولو بالرطب ] على‏ الأشهر ، بل في المنتهى‏ : أنّه مذهب علمائنا أجمع إلّا العماني ، فإنّه كرهه بالرطب (3).
    ويفهم منه عدم الخلاف بيننا في أصل الجواز مطلقاً ، مع أنّه حكى‏ في المختلف عن العماني المنع عن الرطب (4) ، الظاهر في التحريم.
    ولا ريب في ضعفه للأصل والحصر المتقدّمين ، والعمومات ، وخصوص إطلاق الصحاح وغيرها من المعتبرة المستفيضة : « يستاك الصائم أيّ ساعة من النهار شاء » (5).
    وفي الصحيح : أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه ؟ فقال : « لا بأس به » (6).
    والنهي عن الرطب منه في المعتبرة المستفيضة ـ (7) محمول إمّا على‏
1 ـ منهم : صاحب المدارك 6 : 72 ، صاحب الذخيرة : 506 ، وصاحب الحدائق 13 : 76.
1 ـ الوسائل 10 : 37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6 وذيله.
3 ـ المنتهى 2 : 568.
4 ـ المختلف : 223.
5 ـ الوسائل 10 : 82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28.
6 ـ التهذيب 4 : 262 / 782 ، الاستبصار 2 : 91 / 291 ، الوسائل 10 : 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 3.
7 ـ الوسائل 10 : 84 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 7 و 8 و 10 و 11 و 12.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس